ضرورة حصول الامتحان الالهي

[الاء الرحمن]

حيث يقول الله عز وجل: [أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] (العنكبوت: 2-3).

فالامتحان مبدأ عام، سواء كان امتحاناً للصبر، أو للإيمان، أو لرفع المقامات، وسواء كان امتحاناً بالسراء أو بالضراء، فكله فتنة وغربلة، كما ورد في الحديث عن المعصومين (عليهم السلام): (لتُغَربَلُنَّ، ثم لتُغَربَلُنَّ، ثم لتُغَربَلُنَّ).

وينبغي الالتفات هنا إلى أن الامتحان كما توجد فيه جوانب تعب ومشقّة، فإن فيه أيضاً جوانب مصلحة ومنفعة للفرد، باعتبار أن كل ما يصدر من الله تعالى فهو حسن وجميل، و(عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، وفي الحديث عنهم(عليهم السلام) ما مضمونه: إن الله تعالى يقلب العبد من خير إلى خير، وإنما يتوهم العباد أحياناً أن ما أصابهم ليس بخير، فهذا إما جهل بالواقع أو لأجل ملاحظة التعب الحاصل من ذلك الامتحان.

فالمفروض بنا أن نعي الواقع ونفهمه بطلب العلم والمعرفة من ينابيعها الصافية، وأن لا نجعل التعب أمامنا، فإن صاحب الهمة العالية والطموح الكبير يتوقع التعب والمشقّة، ولا يهتم ولا يتأثّر بمثل هذه الأمور الزائلة ما دام الهدف الكبير ماثلاً أمام عينيه، وكما يقول الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائــمُ وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ

وتعــــظمُ في عـين الصغيرِ صغارها وتصغُرُ في عين العظيم العظائمُ

ثم إن المؤمن يرجو من الله تعالى ما لا يرجوه غيره، ولذلك تسمع الإمام الحسين (عليه السلام) عندما بقي وحيداً في عرصة كربلاء قائلاً: (هوَّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله). فكل شيء مسجّل ومكتوب عند الله تعالى، والثواب محفوظ، والأجر ثابت، والرحمة الربانية تفيض وتُضاعف ولله الحمد.

يقول الله عز وجلّ: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ] (البقرة : 155-156)

فالصبر هو السلاح الفعّال في مثل هذه الظروف، ويقوى هذا الصبر كلما ازداد الوعي والالتفات، ولا يتم هذا الوعي إلا بفهم معنى [إِنَّا للهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ]، فنحن عباد الله وخلقه وهو يتصرف في ملكه كيفما يشاء، وإن كان الواقع كما قلنا أنه يتصرف في ملكه بمقتضى الرحمة واللطف على كل حال، وإنما يخفى علينا وجه اللطف في بعض الأحيان لأجل قصورنا وجهلنا وقلة إيماننا بربنا الخالق عزوجل، ولو كُشف لنا الغطاء لفرحنا بكل ما يصيبنا، كما يفرح الطالب المستعد بمجيء الامتحان باعتبار أنه يقدمه خطوة إلى الأمام، ويفتح أمامه أبواب المستقبل الذي يتمناه.

وأما الرجوع إلى الله تعالى فهو يعني أن أعمالنا كلها محفوظة عند الله تعالى، كما يعني أننا في طريقنا إلى الله تعالى إذا صبرنا وتحمّلنا ومشينا على الصراط المستقيم.

كمايعني أيضاً أننا بالنهاية أمام موعد للحساب والجزاء، وإنما هي مدة محدودة أرسلنا فيها الله تعالى [لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ] (الأنفال: 42).

ولا ننسى أننا اخترنا أفعالنا وتصرفاتنا، فمن الطبيعي أن نتحمل الآثار والنتائج.

( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).

والحمد لله أولاً وآخراً

النجف الأشرف - حيدر اليعقوبي