كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-08-2015, 02:42 PM   #1
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الاول
نتعلم من ثورة الحسين (ع) ان المعركة كانت اصلاً بين الحق والباطل، وان هذه المعركة مستمرة مادام هناك حسين ينطق بالحق والمبادىء السامية، ويرفض مبايعة يزيد الظالم المنحرف الذي يريد ان يقهر القيم النبيلة.

وهكذا فان (كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء).

هذه المقولة العظيمة وان كنت لا اعرف بالضبط مصدرها الاول، الا انها بالتأكيد نفحة قدسية هبطت على قلبٍ صادق، ولعلها من ألطاف الامام المنتظر ارواحنا له الفداء.

فالثورة الحسينية لم تنته في عاشوراء محرم عام 61هـ، بل هي مستمرة الى يومنا الحالي، وحتى ظهور المهدي (ع).

فكل منازلة او معركة بين التيارات الصالحة والتيارات الـمنحرفة، سواء كانت سلمية او غير سلمية، هي في الواقع صراع جديد بين الحسين (ع) من جهة، وبين يزيد من جهة اخرى، وكل بقعة تشهد هذا الصراع فهي كربلاء أخرى، ويكون الظرف الزماني لهذا النزال هو يوم عاشوراء جديد.

فكربلاء اصبحت رمزاً لساحات الجهاد والنضال مهما كان الـموقع الـجغرافي، وعاشوراء أمسى رمزاً لذلك الوقت الذي يـحتدم فيه الصراع بين الحق والضلال، بين الصلاح والانـحراف.

فكل ظالم مستهتر، هو في الواقع يزيد جديد، سواء كان إنساناً او شيطاناً او نفساً امَّارة بالسوء او حجباً ظلمانية..

وكل مقاومة شريفة لهذا الضلال والانحراف هي في الواقع حسين جديد، سواء كان انساناً او قلباً او عقلاً.

واذا كان الحسين بن علي (ع) قد استمات في سبيل الله تعالى، ونجح في تحقيق اهدافه كما سيأتي، فالمفروض بكل سائر على دربه ان يمضي على هذا النهج، ويصمد للنهاية، وليتذكر قول الحسين (ع) :

(مثلي لا يبايع مثله).


وليضع (الحسيني) في باله، ان قلة العدد، وندرة الناصر هي امور اعتيادية بالنسبة لمن يمشي في هذا الطريق، فان الصفوة قليلة على مدى التأريخ، حيث يقول الله تعالى :

[ وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ].

[ ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين ].

وقد خرج الحسين (ع) وهو ينادي متحدياً:

(الا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد، وكثرة العدو، وخذلان الناصر).

وهكذا فنحن في معركة مستمرة، سواء كانت هذه المعركة بنحو الجهاد الأصغر او الجهاد الأكبر، وهذا يقتضي ان نكون دوماً على أتم الاستعداد والحذر، كما يقول الله تعالى :-

[ يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون].

[ والله معكم ولن يَترِكم اعمالكم ].
الشيخ حيدر اليعقوبي
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-2015, 07:27 PM   #2
نور الولاية علي
::: لجنة تحفيظ القرآن ::: نائبة المديرة & مشرفة ركن أهل البيت (ع) وعاشوراء ~¤ حياتي مماتي علي ع ¤~
 
الصورة الرمزية نور الولاية علي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
الدولة: فى ارض الله الواسعه
المشاركات: 8,327
معدل تقييم المستوى: 20
نور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond reputeنور الولاية علي has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

بِسْمٓ الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

السلام على الزهراء البتول الطاهره وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

بارك الله فيكِ اختي العزيزة آلاء

وجعلها في ميزان حسناتكِ

ورزقكِ زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخره

سلام الله عليه

__________________
"إلاهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا
وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا
أنت كما أحب فاجعلني كما تحب"




كلما قلبني الهم ساشكو يا علي
حينما يهزمني الدمع سأبكي يا علي
في قيامي في قعودي سأنادي يا علي
في جهادي وكفاحي أنت درعي يا علي
واذا ما نالني الضعف بدربي سانادي يا علي


نور الولاية علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:17 PM   #3
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

اسعدني مرورك وتشجيعك اختي نور الولاية
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:21 PM   #4
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الثاني :
انتشار الظلم والفساد سبب للتغيير

نتعلم من ثورة الحسين (ع) ان انتشار الظلم والفساد، هو سبب منجَّز (كما يعبرون) يدعو الى التحرك وتـحمل الـمسؤوليات المناسبة.

وكلما وصل الفساد الى قمة الهرم في المجتمع او الأمة، فان الخطر سيكون اعظم بطبيعة الحال، لان الناس على دين الملوك كما يقولون، وهذا يقتضي تحركاً اسرع وعملاً اوسع.

فالنظام الأموي قد وصل الى ذروة الفساد والانحطاط خصوصاً في أيام يزيد المستهتر، في وقت كان الوضع العام مناسباً جداً للتحرك والعمل الثوري.

وقد ورد في الرواية ان الامام الحسين (ع) قال لوالي المدينة الوليد بن عتبة :

(إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومـختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس الـمحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله).

وورد عنه (ع) ايضاً :

(على الإسلام السلام اذا بليت الأمة براع مثل يزيد).

ومن هنا فنحن مطالبون بملاحظة ومتابعة الاوضاع العامة للأمة الاسلامية من باب الشهادة عليها، حيث يقول الله تعالى.

[ وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً ].

وكذلك من باب المسؤولية (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، و( من بات ولم يهتم بامور المسلمين فليس منهم).

وهذه الشهادة والمسؤولية تقتضي ان نتدخل في الوقت المناسب لاصلاح الوضع الفاسد او تغييره، على حسب ترتيب المراتب المذكورة في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حيث يقول الامام الحسين (ع) مخاطباً جيش الحر الرياحي اثناء الطريق الى كربلاء :

(أيها الناس ان رسول الله (ص) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثــم والعدوان، فلم يُـغيـر ما عليــه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله ان يدخله مدخله).

أقول: هذا طبعاً مع توفر الشروط والحجة اللازمة، وسيأتي الحديث عنها بإذنه تعالى، الا ان التصرف مطلوب على اية حال بالمقدار الممكن، وبالكيفية المناسبة.

ويستمر امامنا الحسين (ع) بخطبته السابقة قائلاً :

(الا وان هؤلاء([1]) قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد، وعطلوا الـحدود، واستأثروا بالفيء، واحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وانا أحق من غيَّر).

أقول : مقصوده (ع) أنه أحق العباد بطاعة الله تعالى وتحمل مسؤولية التغيير، وهو أولى الناس بهذه التضحية من أجل إحياء الدين وانقاذ الشريعة الإلهية، لأنه (ع) أعلم الناس بالعلاجات المناسبة لتلك الجاهلية التي بدأت تستفحل من جديد في تلك الايام..

ولأن دماء جده النبي محمد (ص) ووالده الإمام علي (ع) ووالدته فاطمة (ع) تمشي في عروقه، فهو طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر.

وقد ورد في زيارة الحسين (ع) المعروفة بزيارة وارث والمروية عن الصادق (ع) :

( اشهد انك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بانجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها).

وورد في زيارته (ع) يوم عرفة :

(غذتك يد الرحمة، ورضعت من ثدي الايمان، ورُبيت في حجر الاسلام).

ثم انه ورد في كلام آخر له (ع) يذكر فيه أسباب ثورته :

(الا ترون الى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله).

وهذا يعني انه توجد ملازمة بين انتشار الفساد والانحراف في المجتمع، وبين ضرورة توجه المؤمن الواعي الى لقاء الله تعالى، لكي يحصل التوازن المقتضي لنزول الرحمة الإلهية، وهذه نقطة مهمة ينبغي الالتفات إليها، وهي من مصاديق قوله تعالى:

(وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم).

فالمؤمنون مطالبون حين انتشار الفساد خارجاً، بتكثيف جهودهم في سبيل الله تعالى ليكونوا انواراً تشع وتضيء من اجل تبديد الظلام او تقليله، حيث يقول تعالى:

(( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)) الانفال-25.

ومعنى ذلك انهم مطالبون بالعمل الجاد على طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لو استلزم ذلك حصول التضحية على اختلاف مراتبها، فان جميع هذه المسؤوليات إذا كانت خالصة لله تعالى، فهي بالتأكيد من مقدمات اللقاء مع الله تعالى، بل هي من مصاديقه بمعنى من المعاني المعمقة.

وهكذا فنحن في كل زمان ومكان مأمورون بان نكون جنوداً حقيقيين لله تعالى، وهذا يقتضي ان نكون على اهبة الاستعداد وبكامل العدة المعنوية والمادية، لنحصل بذلك على اجر الـمرابطين والـمجاهدين في سبيل الله تعالى.

وبغض النظر عن نوع المعركة المتوقعة، سواء كانت عسكرية او ثقافية او سياسية او عقائدية او اقتصادية او نحو ذلك، فاننا بعين الله تعالى، في كل صغيرة وكبيرة ندافع بها عن هذا الدين الالهي، وعن هذه الارض التي جعلها الله تعالى امانة في اعناقنا: [ ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلاً، الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ] التوبة –120.
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:27 PM   #5
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الثالث:3]:
قيام الحجة بوجود الناصر والظرف المناسب
ان قيام الحجة الكافية يمنعنا من السكوت والسكون السلبي، حيث يقول الامام علي (ع) ( اما والله لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها).

فان الجماهير قد تُهيأ الارضية المناسبة لتحرك القائد، وعندئذ تكون الحجة لازمة عليه أمام الله تعالى وأمام الناس. وهذا هو ما حصل ابان الثورة الحسينية..

فقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية ان اهل مكة اجتمعوا لديه عندما وردهم من المدينة، وتشير المصادر إلى آلاف الرسائل والكتب التي وردت الى الحسين (ع) وهي تطالبه بالمصير إلى العراق، حتى انه ورد في الرواية ان الحسين (ع) اخرج للناس خراجين مملوءين بالكتب والرسائل التي تدعوه. وقد عاتبهم في كربلاء قائلاً :

(الم تكتبوا الي أن قد اينعت الثمار واخضر الجناب، وطمت الجمام، وانما تقدم على جند لك مـجندة فاقبل).

وفي رواية اخرى انهم كتبوا له : (ان الناس ينتظروك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يا بن رسول الله، فقد اخضر الجناب، واينعت الثمار واعشبت الارض فاقدم اذا شئت فانما تقدم على جند لك مجندة).

فمثل هذه النداءات كانت تدل اكيداً على الارضية المناسبة لاعلان الثورة والمقاومة المسلحة، خصوصاً وان الامة الاسلامية كانت متعلقة انذاك بشخصية الحسين (ع) باعتباره فرع النبوة وفيضها الذي يغسل فساد الخلافة الاموية المتمثلة بيزيد، والتي كانت تجثم على صدر الدولة الاسلامية.

وعلى أي حال فان نداءات الجماهير وصراخاتهم كانت سبباً كافياً للتوجه اليهم بالنصرة، اعني نصرة القائد الموجِّه لقواعده المستعدة، وهذا المبدأ ثابت في القرآن الكريم:

[ وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر ] الانفال –72.

ولذلك نسمع الامام الحسين (ع) وهو يخاطب الجماهير المرتدة في يوم عاشوراء :

(تباً لكم ايها الجماعة وترحاً، حين استصرختمونا والهين، فأجبناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في ايمانكم).

عموماً، فاننا نريد ان نقول ان الحسين (ع) قام بالثورة كتكليف منجز في حقه وفي ظرفه الخاص، وكانت ثورته ضد الظلم والفساد مبنية على مقدمات صحيحة وعقلائية..

فالسيوف الشيعية كانت منتظرة بلهف لأن تخرج من أغمادها، وكانت العواطف الشعبية متأججة الى ابعد الحدود، وكان هناك ضعف واضح في القيادة الأموية الجديدة، ومثل هذه الأسباب كافية جداً في تحقيق النصر لولا غدر الجماهير وخيانتها، بل سيأتي بعد قليل ان الحسين (ع) انتصر فعلاً وحقق أهدافه من الثورة.

ثم انه تجدر الاشارة هنا الى ان المتأمل في النصوص والروايات يلاحظ ان هناك ارهاصات لثورة شعبية بقيادة الحسين (ع)، منذ ايام معاوية وبعد استشهاد الامام الحسن (ع)، وانما كان هناك موعد متفق عليه حسب التخطيط القيادي، وهذا الموعد هو بمثابة ساعة الصفر لانطلاق الثورة.

فقد ورد في بعض الاخبار ان الحسين (ع) كان يقول لأصحابه:

(صدق ابو مـحمد([2])، فليكن كل رجل منكم حلساً من احلاس بيته مادام هذا الانسان([3]) حياً).

وفي رواية اخرى عنه (ع) :

(فألصقوا رحمكم الله بالأرض واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنة مادام معاوية حياً).

ولا يخفى ان معنى الكمين مأخوذ فيه التهيؤ والاستعداد. فهذه الاوامر القيادية تبتني على سياسة التقية التي كان يلتزم بها المعصومون (ع) كإستراتيجية ثابتة..



فإن معاوية كان شديد البطش كما ورد في الاخبار([4])، وكان بطشه يتم بدهاء ومكر وعقلية سياسية مؤثرة، بحيث كان يستطيع ان يحول القتل والاغتيال الى موت طبيعي او حادثة عرضية بحيث تفقد الشهادة تأثيرها الاجتماعي، خصوصاً مع الالتفات الى قوة إعلامه وشدة إغراءاته المادية.

ولعل الامر بالانتظار كان لأجل عدم تهيؤ القواعد فعلاً للجهاد والثورة، وذلك لما قدمناه من امكانيات معاوية، فكان انتظار الحسين (ع) ليس تقية لنفسه، وانما لأجل انتظار حصول الاستعداد عند سائر الشيعة، وزوال الكابوس الذي كان يبعث الرعب في قلوب المؤمنين.

ومن هنا نفهم السر في صلح الامام الحسن (ع)، لانه يعلم ان سيوف اصحابه ما بين خامل وخائن، والمخلص منهم قليل وغير كاف، فقرر المحافظة على هذه الثلة ليوم لاحق..

وهذا هو الوارد في كلامه (ع) مع حجر بن عدي الكندي : (إني رأيت هوى عظم الناس في الصلح، وكرهوا الحرب، فلم احب ان احملهم على ما يكرهون، فصالحت بقياً على شيعتنا خاصة من الحرب، ورأيت دفع هذه الحرب الى يوم ما، فان الله كل يوم هو في شأن).

وفي حديث آخر عنه (ع) مخاطباً الشيعة :

( ما اردت بـمصالحتي معاوية الا ان ادفع عنكم القتل، عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب، ونكولهم عن القتال).

وفي حديث آخر يخاطب الحسن (ع) شيعته قائلاً :

(انتم شيعتنا واهل مودتنا، فلو كنت بالـحزم في أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها اعمل وانصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً، ولا اشــد شكيمة، ولا امضى عزيـمة، ولكني ارى غير ما رأيتم، وما اردت فيما فعلت الا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلموا الأمر، والزموا بيوتكم وأمسكوا، وكفوا أيديكم، حتى يستريح بَر، ويُستراح من فاجر).

ويبدو للمتأمل ان الحسن (ع) أراد بالفقرة الاخيرة ان يتهيأ الحسين (ع) (البَر)، ويُستراح من معاوية (الفاجر)، وكأنه يحدد ساعة الوقت المناسب للثورة والمعركة الحقيقية.

ومن هنا نفهم ان صلح الامام الحسن (ع) كان تمهيداً لثورة الحسين (ع)..

لأن الحسن (ع) لو قاتل فانه سيتهم ويقال عنه لماذا لم يتنازل لحفظ الامة من التمزق، ولماذا لم يتنازل عن منصب القيادة قربة الى الله تعالى، ويسكت كما سكت ابوه الامام علي (ع) بعد يوم السقيفة ؟

اما الامام الحسين (ع) فسوف لن يقال له ذلك، لأن الحسن (ع) بتضحيته الجسيمة قطع الطريق امام كل من يريد الاعتراض على ثورة الحسين (ع)، لأن الناس صارت تعلم ان الحلول السلمية لا تنفع مع هؤلاء الامويين، فلم يبق الا الحل الاخر وهو الثورة والجهاد من اجل إصلاح الأمة وإحياء الدين.

وهذا سبب آخر للثورة الحسينية وهو عدم جدوى الحلول السلمية، على اعتبار ان الإسلام يوجب التسلسل في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ورغم ان الحسين (ع) اعلن الثورة كحل جذري لاصلاح الواقع الفاسد، الا انه لم يتخل عن الجانب التربوي او النصحي، ولذلك نسمعه في يوم عاشوراء يحتج بكثرة على الجيوش المنحرفة ويحاول ان يوضح الصورة امامهم، او يذكرهم بها، خشية عليهم من الدخول في النار، واشفاقاً على الامة من تـمادي الانحراف فيها..

وهذه موازنة ميدانية بين لغة الـحوار والموعظة، ولغة المقاومة المسلحة، وقد جسدها الحسين (ع) بكل حكمة وشجاعة، لتكون الحجة ابلغ واشمل.
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:29 PM   #6
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الرابع: نحن مسؤولون عن الصلاح والاصلاح

اننا مطالبون دائماً بإحياء المذهب الحق، وتوضيح المفاهيم الاصيلة للدين الإلهي، وتعريف الامة بدورها ومسؤولياتها المناسبة بحسب الظروف التي تمر علينا([5]).

فالحسين (ع) خرج ولسان حاله يقول : (إن كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني).

وكان يردد على المسامع قائلاً:

(إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين).

فنحن نتعلم من ثورة الحسين (ع) ان الامة قد تمر بحالة من السبات، او انها تتراجع الى الوراء، وهذا وان كان ناتجاً من تقصيرها النوعي، الا انه بالتأكيد يضع المخلصين امام مسؤولية إيقاظ هذه الامة واحياؤها من جديد حيث يقول الله تعالى:
( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون) آل عمران –104.

وهذا الإحياء انما يكون بإعادة المثل الإسلامية الطاهرة، حتى وان أدى الأمر الى تعميق هذه المثل بتضحية جسيمة، فان عمق الاثر يتناسب مع عمق المؤثر، ومن هنا نفهم سبباً آخر من الاسباب التي دعت الحسين (ع) الى ان يأخذ معه نساءَه واطفاله في ذلك السفر الخطير.

وفي الحقيقة فرغم ان الاسلام محمدي الوجود، علوي المعالم(1)، الا انه حسيني البقاء، فثورة الحسين (ع) وشهادته كانت دواء ضرورياً لبقاء الدين واستمراره طرياً حياً.

وفي الحقيقة فان فداء الحسين (ع) لم يكن سبباً لبقاء الدين الاسلامي فحسب، بل هو سبب قديم لوجود هذا الدين اصلاً، فقد ورد في الرواية ان الله تعالى فدى النبي إسماعيل (ع) من الذبح بالحسين (ع)، لأنه لو ذبح اسماعيل (ع) لما ولد النبي محمد (ص) ولا علي (ع) ولا فاطمة (ع)، ولما وُجد هذا الدين اصلاً، وهذا معنى آخر من معاني قول النبي (ص):

(حسين مني وانا من حسين).

وعلى اية حال فان مسؤولية العالِم أوضح واعمق في عملية الإحياء، اعني إحياء الأمة واصلاحها وانقاذها من الواقع الفاسد، ولذلك نسمع الامام (ع) يقول :

( وانا احق من غيَّر).

نعم يتوجب على الامة ان لا تخذل العلماء او تقصر عنهم حتى لا تتكرر مأساة كربلاء من جديد، مهما كانت صورة المأساة الجديدة سواء كانت دموية او معنوية او فكرية او غير ذلك.

فالجميع مخاطب بإحياء الامة، وإحياء دينها، ونشر الحياة والحركة والنشاط في جسد الأمة الإسلامية وروحها.

وهذا كله من مصاديق ما ورد عن المعصومين (ع):

( أحيوا امرنا).

فانه يعني اعادة ادوارهم الى الحياة، على حسب الظروف المحيطة، وعلى حسب الامكانيات والقابليات الموجودة.
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:32 PM   #7
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الخامس
ان وجود الصفوة أو النخبة مطلوب دائماً، لان هذه الصفوة بمثابة الذراع الايمن للحركة الاصلاحية.

وقد ذكرنا في بعض كتاباتنا اننا بحاجة الى قاعدة وسطى، تكون بمثابة الجسر او الواسطة بين القيادة والجماهير، وتمد كل طرف بما يحتاجه ويكون عملها خالصاً لله تعالى من دون أي تفكير في مصلحة دنيوية او منصب معين، فهي ترفد الامة بالعناصر النموذجية الموجِّهة، كما انها ترفد القيادة باحتياجاتها الشعبية والميدانية.

فهذه القاعدة (النخبة) امر ضروري للعمل المثمر، ولعل نظرة سريعة في التأريخ تؤكد اهمية هذه الصفوة، فهناك صفوة الانصار والاصحاب في كل زمان ومكان..

فالإمام علي (ع) وابو ذر وسلمان وعمار ونحوهم كانوا يمثلون هذه الثلة في عهد النبي محمد (ص).

ومالك الأشتر وكميل وميثم التمار ونحوهم كانوا يمثلون النخبة في عهد الامام علي (ع).

وهكذا حتى ظهور المهدي (ع) حيث يوجد لديه صفوة قوامها ثلاثمائة وثلاثة عشر فرداً.

وهكذا كان الحال في عهد الحسين (ع)، فقد اجتمعت لديه ثلة طاهرة نـقية، كانت رافداً حيوياً للثورة الحسينية رغم قلة العدد وخذلان القواعد.

هؤلاء الانصار استحقوا بجدارة قول الامام الحسين (ع) لهم :

(أما بعد فاني لا اعلم اصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا اهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً).

فقد اسقط التكليف عنهم، واشفق عليهم من سفر الشهادة، واختار اشد الامور على نفسه، ألا وهو الجهاد وحيداً فريداً، وأذِن لهم بالتراجع قائلاً:



(قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم انما يطلبونني، ولو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري).

نتوقف هنا لنتأمل كيف ان الحسين (ع) وهو القائد العظيم يحاول ان يحمي اصحابه، ويفديهم بنفسه، بل لنقل انه يحاول ان يسبقهم الى مراتب الشهادة، ليكون قائدهم الحقيقي في هذه الدنيا وفي الاخرة.

ويأبى هؤلاء الأنصار والأصحاب، فهم يتعلمون منه هذه الدروس ويطبقونها في الحال، فيعاهدونه على البقاء، ويفتخرون بالموت معه على هذا الطريق الشريف.

فهذا مسلم بن عوسجة يقول للحسين (ع) :

(انحن نخلي عنك، وبماذا نعتذر الى الله في اداء حقك، اما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة حتى اموت معك).

وقال آخر :

(اما والله لو علمت انني أُقتل ثم احيا ثم أُحرق حيا ثم أُذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك).

وقال زهير:

(والله وددت أني قُتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنـفس هؤلاء الفتيان من اهل بيتك).

حتى نساء الانصار كانت مواقفهن مشرفة وعظيمة، وكانت بعضهن يلبسن اطفالهن ملابس الحرب والقتال.

وكذلك الاطفال يخرجون الى الموت بقلب ثابت وشجاعة فائقة.

انهم بالتأكيد نوعية فريدة، رغم انهم أناس مثلنا وبنفس مواصفاتنا العامة..

إلا اننا نسأل انفسنا اليوم، كم منا من يقدر ان يكون بمستوى انصار الحسين (ع) ليقاتل اليوم ضد يزيد بمختلف عناوينه ومصاديقه؟!.

يروى ان احد الانصار وقع جريـحاً في المعركة وظنوا انه قتل، فلما انتهت المعركة وسمعهم يقولون، قُتل الحسين (ع) تحمل جراحاته، وقام وهو يحمل سكيناً يقاتل به حتى استشهد، فقد اراد ان يكون رفيق الحسين (ع) في يومه وساعته، رغم انه رفيقه في دربه ومسيرته.

اننا بحاجة ماسة الى دراسة نقية وصحيحة وواعية لحياة هؤلاء الانصار، فهذه المواقف لم تولد من فراغ، ولم تحصل لاسباب عاطفية، وانـما هي مواقف مبدأية راسخة، لها جذور ومقدمات مميزة جعلتهم يستحقون هذه المرتبة، كل على حسب استحقاقه.

فالحر الرياحي مثلاً وان نال مرتبة الشهادة وفاز بنصرة الحسين (ع) الا انه لم يكن بمستوى سائر الانصار لأنه تأخر عنهم، ولذلك لم يحظَ بشرف الدفن بجانب الحسين (ع)، رغم ان مرقده شامخ ايضاً على مر العصور.

في حين ان العباس (ع) كان له دور اكبر من سائر الأنصار، وكان يمثل قمة التضحية والفداء والإيثار، حيث قدم اخوته واحداً واحداً، وجاد بنفسه ايضاً، بعد ان اعطى درساً في مجاهدة النفس والسيطرة التامة عليها، حين امتنع عن شرب الماء كما في الرواية احتراماً لأخيـه ومواساة له..

وانشد قائلاً :

يا نفس من بعد الحسين هونـــي وبعده لا كنـــــت او تكوني

هذا حسين وارد المنـــــــــــــون وتشربين بـــــــــــــارد المعين

تالله ما هذا فعال دينــــــــــــــي

فاستحق العباس (ع) لذلك ان يكون له مرقد خاص كمرقد أخيه الحسين(ع).

وفي الحقيقة فان أصحاب الحسين (ع) كانوا يستحقون هذا الشرف عن جدارة وامتياز، وهم يـمتلكون مقومات وأسباب هذا القدر الذي جعلهم مع الـحسين (ع) في الدنيا والآخرة..

وقد قال الله تعالى :

( وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَـهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت-69

( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) السجدة-18

( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ، أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) التوبة-109

فهذا التسديد الإلهي والتوفيق الرباني لم يطرأ عليهم فجأة وبدون مقدمات، فان الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد أبى الله تعالى إلا ان يُجـري الأمـور بأسبابها، وهو تعالى انـما يُقبل على من يُقبل عليه..

ولم يكن الإمام الحسين (ع) يُجامل أصحابه حينما قال لهم : ( لا أعلم أصحاباً أولى ولا خـيراً من أصحابي).

فهذا برير بن خضير سيد القراء، وهذا حبيب بن مظاهر الأسدي كان من خواص أمير الـمؤمنين (ع)، وكان مسلم بن عوسجة صحابياً جليلاً، ونافع بن هلال كان من الـمجاهدين بين يدي أمير الـمؤمنين (ع)..

ومثلهم الآخـرون رضوان الله تعالى عليهم جميعاً.

حتى الـحر الرياحي لم يكن معروفاً عنه قبل توبته انه من أهل الفسوق والـمعاصي، وكان في الطريق يـحترم الإمام الحسين (ع) ويُجلّه، وقد صلى خلفه، ولم يكن يتـصـور ان الأمر سيكون جدياً إلى الـحد الذي وصل إليه، وعندما أدرك انه صار عندئذ بين الـجنـة والنار، إختـار الـجنـة قائلاً : ( والله لا أختار على الـجنة شيئاً، ولو قُطّعت وحرقت)، وتاب توبة نصوحـاً مقبولة بشهادة الـحسين (ع)، واستشهد بعد ذلك مباشرة..

وكذلك ما قيـل عن زهـير بن القين من انه كان عثمانيـاً، فلعله كان مـحسوباً عليهم ظاهراً، أو كانت هذه التهمة من قِبَل أعدائــه، ولم يرد انه حـارب أمير الـمؤمنين (ع) أو ناصبـه العداء، بل الوارد ان الإمام الحسين (ع) إختاره ودعاه بالـخصوص، وقد قَبل زهير دعوته فوراً.. وكربلاء تشهد له انه من أشد الـمناصرين للحسين (ع) بالقول والفعل حتى استشهد رضوان الله عليه، وعلى سائر أصحاب الحسين (ع) جزاهم الله خير جزاء الـمحسنين.



وعلى اية حال فقد ورد في الرواية ان الحسين (ع) كشف لأصحابه ليلة عاشوراء منازلهم في الجنة وعرفهم مقاماتهم عند الله تعالى، ولذلك كان احد الانصار مستبشراً ضاحكاً في ساحة المعركة، ولما سُئل عن ذلك اجابهم بما مضمونه انه ليس بينه وبين الجنة الا ان يميلوا عليه هؤلاء فيقتلوه.

هكذا كان اصحاب الحسين (ع) اذا اردنا ان نكون مثلهم احراراً كراماً وكيف لا وهم يسمعون إمامهم وقائدهم يقول للظالمين :

(لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر إقرار العبيد)(1).

ويقول ايضاً :

(فاني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برماً).

وكذلك يقول :

( موت في عز، خير من حياة في ذل).

وهو القائل أيضاً :

(ألا وإن الدعـي ابن الدعي قد ركز بين إثنتين، بين السلة والذلـة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والـمؤمنون، وحجور طابت، ونفوس أبـية، من أن نؤثـر طاعـة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد، وخذلان الناصر).

ولماذا نخاف من الموت وهو امر لابد منه، وقد قيل ان الشجاع يموت مرة، بينما يموت الجبان الف مرة.

ولذلك نسمع الامام الحسين (ع) يخاطب أصحابه:

(صبراً بني الكرام، فما الموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم).

وروي عنه (ع) انه كان يقول في ليلة العاشر من مـحرم :

يا دهر اف لك من خليـــــل كم لك بالإشراق والاصيل

وانما الامر الى الجليـــــــــــل وكل حـــــــــي سالك سبيل

فعندما سمعته اخته زينب (ع) تألمت، فاجابها الحسين (ع) :

(يا اختاه تعزي بعزاء الله، واعلمي ان اهل الارض يموتون، واهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك الا وجهه، ولي ولكل مسلم برسول الله اسوة حسنة).

فمحل الشاهد هنا ان الموت امر اعتيادي بالنسبة لكل انسان، وهو يصيب الجامد والمتحرك على حد سواء، فاذا كانت الاهداف السامية والغايات النبيلة واضحة أمام الانسان، وثابتة في قلبه، فالمفروض ان يكون مع الحق مهما كانت المصاعب والنتائج، وكما قال علي الاكبر بما مضمونه ( مادمنا على الحق فلا نبالي وقعنا على الموت ام وقع الموت علينا).

هكذا يجب ان يكون (الحسيني)، فالحسيني الحقيقي ليس بكثرة اللطم والبكاء واقامة المجالس ونحو ذلك، فان هذا وان كان له اجره وثوابه، الا ان الحسيني الحقيقي هو الانسان الذي يدرك بوعي حقيقة الحسين (ع) وحقيقة ثورته وقضيته، فيعمل على اساسها، ويقدم لنفسه ما يؤهله ليكون احد الانصار شأناً، ما دام لم يحظ بذلك الشرف فعلاً.

وهذا المعنى يجب ان نضعه امام اعيننا وقلوبنا حينما نردد دائماً في المجالس الحسينية والمحاضرات : ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً)..

حتى لا نكون مثل ذلك الشخص الذي كان يردد هذه العبارة بكثرة من دون تأمل ووعي، حتى رأى في المنام ان واقعة الطف قامت وانه في وسط المعركة، حيث العطش والنيران والدماء، فجاءه جماعة نزعت منهم الرحمة وقالوا له هل انت معنا ام مع الحسين (ع)، فاجابهم فزعاً : بل أنا معكم.

وهكذا فان المفروض بالفرد ان يكون على قدر المسؤولية، حتى لا يكون من المنافقين الذين قال لهم الله تعالى:

[ يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ] الصف (2-3).

وليحرص كل واحد منا ان يكون على اهبة الاستعداد دائماً، وان يحافظ على ثباته وولائه واخلاصه وثقته بالله تعالى، فنحن كما قلنا في معركة مستمرة ضد الباطل والانحراف...

[ الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ] آل عمران – 173.


ولعل خير شاهد على ما نقول هو ما حدث في كربلاء والكاظمية هذه السنة (1425 هـ) في يوم عاشوراء، فقد تكررت حادثة الطف من جديد، وتعالت مرة اخرى في ارض كربلاء اصوات (لبيك يا حسين).

ورغم ان الاشاعات كانت تؤكد وجود الـخطر وكان احتمال الضرر كبيراً، الا ان ذلك لم يثنِ المؤمنين عن الالتحاق بركب الحسين (ع)، وانطلقت الجماهير الحسينية وهي تردد (حسبنا الله ونعم الوكيل).

وانتصر الشهداء في هذه الواقعة ايضاً..

فالعالم كله وقف اجلالاً واحتراماً لهؤلاء الابطال الذين تحدوا الموت من اجل نصرة الحق، وتثبيت القضية الحسينية التي أصبحت شعاراً للإباء والثبات على المبادىء الإلهية.

وهكذا فان للنصر معنى آخر قد لا يفهمه الكثير من الماديين والدنيويين وأصحاب النفوس المريضة..

فالنصر ليس منوطاً بانتصار الأشخاص عسكرياً، وانما هو منوط بانتصار الاهداف والافكار، وكل جهة تفشل في تحقيق اهدافها فهي جهة خاسرة واقعاً مهما كان انتصارها المادي او العسكري.

وهذا درس آخر من دروس الثورة الحسينية ينبغي ان نتحدث عنه.

[ قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بأيدينا، فتربصوا انا معكم متربصون ] التوبة – 52.
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-08-2015, 03:33 PM   #8
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

الدرس الخامس
ان وجود الصفوة أو النخبة مطلوب دائماً، لان هذه الصفوة بمثابة الذراع الايمن للحركة الاصلاحية.

وقد ذكرنا في بعض كتاباتنا اننا بحاجة الى قاعدة وسطى، تكون بمثابة الجسر او الواسطة بين القيادة والجماهير، وتمد كل طرف بما يحتاجه ويكون عملها خالصاً لله تعالى من دون أي تفكير في مصلحة دنيوية او منصب معين، فهي ترفد الامة بالعناصر النموذجية الموجِّهة، كما انها ترفد القيادة باحتياجاتها الشعبية والميدانية.

فهذه القاعدة (النخبة) امر ضروري للعمل المثمر، ولعل نظرة سريعة في التأريخ تؤكد اهمية هذه الصفوة، فهناك صفوة الانصار والاصحاب في كل زمان ومكان..

فالإمام علي (ع) وابو ذر وسلمان وعمار ونحوهم كانوا يمثلون هذه الثلة في عهد النبي محمد (ص).

ومالك الأشتر وكميل وميثم التمار ونحوهم كانوا يمثلون النخبة في عهد الامام علي (ع).

وهكذا حتى ظهور المهدي (ع) حيث يوجد لديه صفوة قوامها ثلاثمائة وثلاثة عشر فرداً.

وهكذا كان الحال في عهد الحسين (ع)، فقد اجتمعت لديه ثلة طاهرة نـقية، كانت رافداً حيوياً للثورة الحسينية رغم قلة العدد وخذلان القواعد.

هؤلاء الانصار استحقوا بجدارة قول الامام الحسين (ع) لهم :

(أما بعد فاني لا اعلم اصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا اهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً).

فقد اسقط التكليف عنهم، واشفق عليهم من سفر الشهادة، واختار اشد الامور على نفسه، ألا وهو الجهاد وحيداً فريداً، وأذِن لهم بالتراجع قائلاً:



(قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فان القوم انما يطلبونني، ولو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري).

نتوقف هنا لنتأمل كيف ان الحسين (ع) وهو القائد العظيم يحاول ان يحمي اصحابه، ويفديهم بنفسه، بل لنقل انه يحاول ان يسبقهم الى مراتب الشهادة، ليكون قائدهم الحقيقي في هذه الدنيا وفي الاخرة.

ويأبى هؤلاء الأنصار والأصحاب، فهم يتعلمون منه هذه الدروس ويطبقونها في الحال، فيعاهدونه على البقاء، ويفتخرون بالموت معه على هذا الطريق الشريف.

فهذا مسلم بن عوسجة يقول للحسين (ع) :

(انحن نخلي عنك، وبماذا نعتذر الى الله في اداء حقك، اما والله لا افارقك حتى اطعن في صدورهم برمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة حتى اموت معك).

وقال آخر :

(اما والله لو علمت انني أُقتل ثم احيا ثم أُحرق حيا ثم أُذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك).

وقال زهير:

(والله وددت أني قُتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف مرة وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنـفس هؤلاء الفتيان من اهل بيتك).

حتى نساء الانصار كانت مواقفهن مشرفة وعظيمة، وكانت بعضهن يلبسن اطفالهن ملابس الحرب والقتال.

وكذلك الاطفال يخرجون الى الموت بقلب ثابت وشجاعة فائقة.

انهم بالتأكيد نوعية فريدة، رغم انهم أناس مثلنا وبنفس مواصفاتنا العامة..

إلا اننا نسأل انفسنا اليوم، كم منا من يقدر ان يكون بمستوى انصار الحسين (ع) ليقاتل اليوم ضد يزيد بمختلف عناوينه ومصاديقه؟!.

يروى ان احد الانصار وقع جريـحاً في المعركة وظنوا انه قتل، فلما انتهت المعركة وسمعهم يقولون، قُتل الحسين (ع) تحمل جراحاته، وقام وهو يحمل سكيناً يقاتل به حتى استشهد، فقد اراد ان يكون رفيق الحسين (ع) في يومه وساعته، رغم انه رفيقه في دربه ومسيرته.

اننا بحاجة ماسة الى دراسة نقية وصحيحة وواعية لحياة هؤلاء الانصار، فهذه المواقف لم تولد من فراغ، ولم تحصل لاسباب عاطفية، وانـما هي مواقف مبدأية راسخة، لها جذور ومقدمات مميزة جعلتهم يستحقون هذه المرتبة، كل على حسب استحقاقه.

فالحر الرياحي مثلاً وان نال مرتبة الشهادة وفاز بنصرة الحسين (ع) الا انه لم يكن بمستوى سائر الانصار لأنه تأخر عنهم، ولذلك لم يحظَ بشرف الدفن بجانب الحسين (ع)، رغم ان مرقده شامخ ايضاً على مر العصور.

في حين ان العباس (ع) كان له دور اكبر من سائر الأنصار، وكان يمثل قمة التضحية والفداء والإيثار، حيث قدم اخوته واحداً واحداً، وجاد بنفسه ايضاً، بعد ان اعطى درساً في مجاهدة النفس والسيطرة التامة عليها، حين امتنع عن شرب الماء كما في الرواية احتراماً لأخيـه ومواساة له..

وانشد قائلاً :

يا نفس من بعد الحسين هونـــي وبعده لا كنـــــت او تكوني

هذا حسين وارد المنـــــــــــــون وتشربين بـــــــــــــارد المعين

تالله ما هذا فعال دينــــــــــــــي

فاستحق العباس (ع) لذلك ان يكون له مرقد خاص كمرقد أخيه الحسين(ع).

وفي الحقيقة فان أصحاب الحسين (ع) كانوا يستحقون هذا الشرف عن جدارة وامتياز، وهم يـمتلكون مقومات وأسباب هذا القدر الذي جعلهم مع الـحسين (ع) في الدنيا والآخرة..

وقد قال الله تعالى :

( وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَـهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت-69

( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) السجدة-18

( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ، أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) التوبة-109

فهذا التسديد الإلهي والتوفيق الرباني لم يطرأ عليهم فجأة وبدون مقدمات، فان الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد أبى الله تعالى إلا ان يُجـري الأمـور بأسبابها، وهو تعالى انـما يُقبل على من يُقبل عليه..

ولم يكن الإمام الحسين (ع) يُجامل أصحابه حينما قال لهم : ( لا أعلم أصحاباً أولى ولا خـيراً من أصحابي).

فهذا برير بن خضير سيد القراء، وهذا حبيب بن مظاهر الأسدي كان من خواص أمير الـمؤمنين (ع)، وكان مسلم بن عوسجة صحابياً جليلاً، ونافع بن هلال كان من الـمجاهدين بين يدي أمير الـمؤمنين (ع)..

ومثلهم الآخـرون رضوان الله تعالى عليهم جميعاً.

حتى الـحر الرياحي لم يكن معروفاً عنه قبل توبته انه من أهل الفسوق والـمعاصي، وكان في الطريق يـحترم الإمام الحسين (ع) ويُجلّه، وقد صلى خلفه، ولم يكن يتـصـور ان الأمر سيكون جدياً إلى الـحد الذي وصل إليه، وعندما أدرك انه صار عندئذ بين الـجنـة والنار، إختـار الـجنـة قائلاً : ( والله لا أختار على الـجنة شيئاً، ولو قُطّعت وحرقت)، وتاب توبة نصوحـاً مقبولة بشهادة الـحسين (ع)، واستشهد بعد ذلك مباشرة..

وكذلك ما قيـل عن زهـير بن القين من انه كان عثمانيـاً، فلعله كان مـحسوباً عليهم ظاهراً، أو كانت هذه التهمة من قِبَل أعدائــه، ولم يرد انه حـارب أمير الـمؤمنين (ع) أو ناصبـه العداء، بل الوارد ان الإمام الحسين (ع) إختاره ودعاه بالـخصوص، وقد قَبل زهير دعوته فوراً.. وكربلاء تشهد له انه من أشد الـمناصرين للحسين (ع) بالقول والفعل حتى استشهد رضوان الله عليه، وعلى سائر أصحاب الحسين (ع) جزاهم الله خير جزاء الـمحسنين.



وعلى اية حال فقد ورد في الرواية ان الحسين (ع) كشف لأصحابه ليلة عاشوراء منازلهم في الجنة وعرفهم مقاماتهم عند الله تعالى، ولذلك كان احد الانصار مستبشراً ضاحكاً في ساحة المعركة، ولما سُئل عن ذلك اجابهم بما مضمونه انه ليس بينه وبين الجنة الا ان يميلوا عليه هؤلاء فيقتلوه.

هكذا كان اصحاب الحسين (ع) اذا اردنا ان نكون مثلهم احراراً كراماً وكيف لا وهم يسمعون إمامهم وقائدهم يقول للظالمين :

(لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر إقرار العبيد)(1).

ويقول ايضاً :

(فاني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برماً).

وكذلك يقول :

( موت في عز، خير من حياة في ذل).

وهو القائل أيضاً :

(ألا وإن الدعـي ابن الدعي قد ركز بين إثنتين، بين السلة والذلـة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والـمؤمنون، وحجور طابت، ونفوس أبـية، من أن نؤثـر طاعـة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد، وخذلان الناصر).

ولماذا نخاف من الموت وهو امر لابد منه، وقد قيل ان الشجاع يموت مرة، بينما يموت الجبان الف مرة.

ولذلك نسمع الامام الحسين (ع) يخاطب أصحابه:

(صبراً بني الكرام، فما الموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم).

وروي عنه (ع) انه كان يقول في ليلة العاشر من مـحرم :

يا دهر اف لك من خليـــــل كم لك بالإشراق والاصيل

وانما الامر الى الجليـــــــــــل وكل حـــــــــي سالك سبيل

فعندما سمعته اخته زينب (ع) تألمت، فاجابها الحسين (ع) :

(يا اختاه تعزي بعزاء الله، واعلمي ان اهل الارض يموتون، واهل السماء لا يبقون، وكل شيء هالك الا وجهه، ولي ولكل مسلم برسول الله اسوة حسنة).

فمحل الشاهد هنا ان الموت امر اعتيادي بالنسبة لكل انسان، وهو يصيب الجامد والمتحرك على حد سواء، فاذا كانت الاهداف السامية والغايات النبيلة واضحة أمام الانسان، وثابتة في قلبه، فالمفروض ان يكون مع الحق مهما كانت المصاعب والنتائج، وكما قال علي الاكبر بما مضمونه ( مادمنا على الحق فلا نبالي وقعنا على الموت ام وقع الموت علينا).

هكذا يجب ان يكون (الحسيني)، فالحسيني الحقيقي ليس بكثرة اللطم والبكاء واقامة المجالس ونحو ذلك، فان هذا وان كان له اجره وثوابه، الا ان الحسيني الحقيقي هو الانسان الذي يدرك بوعي حقيقة الحسين (ع) وحقيقة ثورته وقضيته، فيعمل على اساسها، ويقدم لنفسه ما يؤهله ليكون احد الانصار شأناً، ما دام لم يحظ بذلك الشرف فعلاً.

وهذا المعنى يجب ان نضعه امام اعيننا وقلوبنا حينما نردد دائماً في المجالس الحسينية والمحاضرات : ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً)..

حتى لا نكون مثل ذلك الشخص الذي كان يردد هذه العبارة بكثرة من دون تأمل ووعي، حتى رأى في المنام ان واقعة الطف قامت وانه في وسط المعركة، حيث العطش والنيران والدماء، فجاءه جماعة نزعت منهم الرحمة وقالوا له هل انت معنا ام مع الحسين (ع)، فاجابهم فزعاً : بل أنا معكم.

وهكذا فان المفروض بالفرد ان يكون على قدر المسؤولية، حتى لا يكون من المنافقين الذين قال لهم الله تعالى:

[ يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ] الصف (2-3).

وليحرص كل واحد منا ان يكون على اهبة الاستعداد دائماً، وان يحافظ على ثباته وولائه واخلاصه وثقته بالله تعالى، فنحن كما قلنا في معركة مستمرة ضد الباطل والانحراف...

[ الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ] آل عمران – 173.


ولعل خير شاهد على ما نقول هو ما حدث في كربلاء والكاظمية هذه السنة (1425 هـ) في يوم عاشوراء، فقد تكررت حادثة الطف من جديد، وتعالت مرة اخرى في ارض كربلاء اصوات (لبيك يا حسين).

ورغم ان الاشاعات كانت تؤكد وجود الـخطر وكان احتمال الضرر كبيراً، الا ان ذلك لم يثنِ المؤمنين عن الالتحاق بركب الحسين (ع)، وانطلقت الجماهير الحسينية وهي تردد (حسبنا الله ونعم الوكيل).

وانتصر الشهداء في هذه الواقعة ايضاً..

فالعالم كله وقف اجلالاً واحتراماً لهؤلاء الابطال الذين تحدوا الموت من اجل نصرة الحق، وتثبيت القضية الحسينية التي أصبحت شعاراً للإباء والثبات على المبادىء الإلهية.

وهكذا فان للنصر معنى آخر قد لا يفهمه الكثير من الماديين والدنيويين وأصحاب النفوس المريضة..

فالنصر ليس منوطاً بانتصار الأشخاص عسكرياً، وانما هو منوط بانتصار الاهداف والافكار، وكل جهة تفشل في تحقيق اهدافها فهي جهة خاسرة واقعاً مهما كان انتصارها المادي او العسكري.

وهذا درس آخر من دروس الثورة الحسينية ينبغي ان نتحدث عنه.

[ قل هل تربصون بنا الا احدى الحسنيين، ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده او بأيدينا، فتربصوا انا معكم متربصون ] التوبة – 52.
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-2015, 11:38 PM   #9
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

،الدرس السادس
ان النصر الحقيقي يتمثل بانتصار الأهداف السامية والقيم النبيلة، وكل ما عداه فهو نكبة واقعية تمر بها الأمة مهما كان تصورها الظاهري عن معنى النصر والخسارة.

فالحسين (ع) لم يكن يفكر بالنصر المادي او العسكري، بل على العكس من ذلك كان يعلم انه مقتول لا محالة، حيث ورد عنه (ع) انه قال لأم سلمة:

(يا اماه وانا اعلم اني مقتول مذبوح ظلماً وعدواناً، وقد شاء الله ان يرى حرمي ورهطي مشردين، واطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً).

وقد ورد عن الحسن (ع) انه قال للحسين (ع):

( لا يوم كيومك يا ابا عبد الله وقد ازدلف اليك ثلاثون الفاً)..

وهذا يعتبر بمثابة التعزية المبكرة لما سيحصل في كربلاء.

وفي خطبة للحسين (ع) في مكة قال (ع) :

(خُـط الـموت على وُلد آدم مـخط القلادة على جــيد الفتاة، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرع انا لاقيه، كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا).

فالهدف من ثورة الحسين (ع) كان يتمحور حول ركنين متلازمين هما احياء الدين في قلوب الامة، وتحطيم الاصنام التي تعبد وتطاع من دون الله تعالى.

ولا يخفى ان الحسين (ع) نجح تماماً في هذا الهدف، فقد احيا الامة بدمائه الزاكية، واستطاع ان يحطم اصنام الدولة الاموية حتى اصبح شعار (يا لثارات الحسين) ناراً تحرق الارض تحت عروش الأمويين والمروانيين.

هذا علاوة على نيل شرف الشهادة، فهذا بحد نفسه نصر عظيم يحققه الإنسان، ولذلك نسمع الإمام علي (ع) يطلق صرخته المدوية حينما تلقى ضربة السيف على رأسه (فزتُ ورب الكعبة).

وهكذا فان نجاح الثورة منوط كما قلنا بنجاح أهدافها، فإذا نجحت أهداف الثورة الحسينية فهذا دليل نجاح الثورة وعدم فشلها، وهذا هو الانتصار الحقيقي المقصود بقوله تعالى :

[ أُذِن للذين يقاتَلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ].

فالحسين (ع) أُخرج من دياره بغير حق إلا لأنه يقول وينادي : ( لا حاكم الا الله عز وجل).

وفي رواية انه (ع) قال لأخيه محمد بن الحنفية :

(والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية).

وفي رواية أخرى انه (ع) قال لعمر الاطرف بن الامام علي (ع): (إني لا أعطي الدنية من نفسي ابداً).

وكان (ع) ينادي اثناء المعركة :

انا الحسين بن علي آليت ان لا انثني

وقبل ذلك قال الحسين (ع) للحر بن يزيد الرياحي حينما حذره من انه لو قاتل فسيقتل فقال له (ع):

( أبالـموت تـخـوفني، وهل يعدو بكم الـخطب ان تـقتـلوني، ما ادري ما اقول لك ؟)

ثم تمثل (ع) بقول الشاعر :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

اذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

وواسى رجالاً صالـحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مـجرماً

فان عشت لم أندم، وان مت لم أُلم

كفى بك ذلاً ان تعيش وتُرغــما

فأي نصر اعظم من هذا النصر الذي حققه الحسين (ع)، فقد حقق كل ما يريده وهو رضا الله تعالى وقربه عز وجل، وحاز بجدارة على تلك المراتب التي لا تنال الا بالشهادة، وحصل على كرامة الدنيا والآخرة، وبعثَ الحياة في جسد الأمة الإسلامية، واعاد بريق المعاني النبيلة للإيثار والإباء والعزة والشرف، ونحوها من الفضائل والكمالات.

كذب الموت فالحسين مخلد كلما مرَّ ذكره يتجــــــــــــدد

لقد فتح الحسين (ع) طريقاً سالكاً امام الثائرين، وهذا لوحده نصر عظيم يضاف الى سجل الانتصارات الحسينية.

فحركات الثوار راحت تهز مضاجع الظالمين، وهذا كفيل بأن يجعلهم يراجعون حساباتهم بين الحين والاخر، خوفاً من ثورة حسينية اخرى، كما انه (ع) اعطى للأجيال في كل زمان ومكان دافعاً حيوياً للثبات على المبادىء العليا والقيم الشريفة.

فالتأريخ يحدثنا ان جملة من الحركات والثورات المسلحة قامت ضد الجائرين بعد استشهاد الحسين (ع)، كثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة، وثورة المختار الثقفي، وثورة زيد بن علي الشهيد، وسائر الثورات العلوية الـحسنية.

والى الان تبقى ثورة الحسين (ع) مشعلاً يضيء الدرب امام الثائرين بوجه الظلم والاستبداد، يعلمهم ان الحياة الحقيقية هي حياة الشهداء، وان الكرامة تستحق اغلى التضحيات.

ولعل هذا هو احد معاني ما ورد عن النبي محمد (ص): (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً).

تلك هي حرارة الثورة الهادفة، والتضحية الشريفة، علاوة على حرارة الحزن واللوعة لأجل مصيبة الحسين (ع).

ثم انه ورد عن الحسين (ع) انه قال :

(انا أُقتل على كل حال سواء خرجت ام لم اخرج، ان بني امية لا يتركونني، ولو كنت في هامة من هذه الهوام لأخرجوني وقتلوني).

وهذا يعني ان الحسين (ع) اراد ان يحول مصرعه الى قنبلة تفجر الواقع الفاسد، وتهز الكيان المنحرف، وتؤدي الى صدمة توقظ الغافلين وترعب الظالمين.

وهذا هو الذي حصل رغم انوف بني امية، وهو ان دل على شيء فانما يدل على انه (ع) انتصر فعلاً في ثورته المسلحة، ونجح في احداث صحوة في المجتمع.

ويستطيع المتأمل في قراءة الاحداث التي اعقبت استشهاد الحسين (ع) ان يلاحظ الغضب الجماهيري الذي تجلى في ردود الافعال المستنكِرة وحالات الحزن الواضحة التي شهدتها المناطق التي مر عليها جيش يزيد وهو يحمل سبايا الحسين (ع)، لاسيما وان هؤلاء الاسرى الطاهرين كانوا وسائل اعلامية متحركة توثّق الاحداث وتنقلها من بلد الى آخر، وكانوا خير دعاة للصحوة الإسلامية، وبذلك اكتملت الثورة على أيديهم، وتوضحت معالمها واهدافها ضمن كلماتهم وخطبهم اثناء الطريق.

ولا يخفى ان هذه الصحوة الإسلامية بل العالمية ما زالت مستمرة الى اليوم والى آخر الزمان.

فنــــــداءات حسين ما تــــزال وصداها هــــــــز آذان الرجال

أن للحق كرامـــــــــــاً كالجبال لبسوا ثوب الفدى يوم النزال

واخيراً، نـقول ان النصر الحسيني متحقق حتى على المستوى المادي او الدنيوي..

فنظرة واحدة الى قبته الشامـخة ومشاهد اصحابه واهل بيته، تكفي للإقرار والاعتراف بهذا النصر الواقعي الذي حققه الحسين (ع)، في حين فشل يزيد في المحافظة على ملكه، وضاعت آثاره على رمال الصحراء، كسراب يحسبه الظمآن ماء.

ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم لكنما قتل الحسينُ يزيــــــــــدا



وأتذكر الآن كلـمات الـحوراء زينب (ع) وهي تخاطب طاغية زمانها :

(أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء، أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة !! وأن ذلك لعظيم خطرك عنده !! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، جذلاً مسروراً،حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقـة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننـا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عزوجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين).

ثم قالت له :

(ولئن جرت علي الدواهي مـخاطبتك، أني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى).





ثم ختمت كلامها (ع) بقولها بكل تـحد وثبات :

(فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها..

وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي الـمناد : ألا لعنة الله على الظالمين.

فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة.

ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).



ثم أنه ورد في بعض الروايات أن الـحوراء زينب (ع) كانت قد أخبرت الإمـام السجاد (ع) بعد انتهاء معركة الطف، بأن قبر الـحسين (ع) : ( لا يُدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأتباع الضلالة في مـحوه وطمسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلا علواً).
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-08-2015, 11:40 PM   #10
الاء الرحمن
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية الاء الرحمن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: العراق
المشاركات: 333
معدل تقييم المستوى: 535
الاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond reputeالاء الرحمن has a reputation beyond repute
افتراضي رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام

نتعلم من الحسين (ع) ان التضحية والفداء مبدأ عظيم في حياة الإنسان والامة عموماً، ولعلنا في ضمن الدروس السابقة تحدثنا عن أهمية هذا المبدأ ومقدماته وآثاره.

الا اننا نريد ان نذكر هنا نقطتين أساسيتين:

أولاهما – ان التضحية لها عدة مراتب ومستويات، كما ان لها عدة أشكال وكيفيات، وذلك بحسب الظروف.

وضابط التضحية المقدسة هو ان يقدم الفرد اعز ما يملكه او يحبه من اجل حفظ الدين الالهي ومصلحة المسلمين والدولة الاسلامية، وكذلك الحال فيما لو كانت التضحية من اجل الغايات النبيلة والقيم الإنسانية العليا.

وقد جسد الحسين (ع) جميع معاني التضحية المقدسة، وكان يتحمل المصاعب بقلب من حديد، وهو يناجي رب العالمين :

(اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).

وفي الحقيقة فان مقدار التضحية والفداء يتناسب طردياً مع مقدار الايمان والاخلاص، فالمؤمن المخلص هو الذي يتعامل مع الله تعالى مباشرة، وهو انما يضحي من اجله، ولا ينتظر من المقابل مدحاً او تقديراً.

((انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً)).

ولذلك يقول الإمام الحسين (ع) بعد ان ذبحوا رضيعه بين يديه :

(هون ما نزل بي انه بعين الله).

ثم يسأل الله تعالى قائلاً:

(واجعل ما حل بنا في العاجل، ذخيرة لنا في الآجل).

ثانيهما – ان هذه التضحية المقدسة، يجب ان تكون مقرونة بالوعي والفهم والبصيرة، فان كثيراً ما يضحي الفرد بنفسه او ماله او ولده من اجل غاية رخيصة او جهة منحرفة، سواء كان يعلم بذلك ام لا يعلم.

ومن الواضح انه لو كان عالماً متعمداً فهو بالتأكيد ممن باع آخرته بثمن بخس، سواء كان هذا الثمن هو دنياه او دنيا غيره فضلاً عما لو كانت تضحيته مقابل لا شيء بحسب المقاييس الالهية (الشرعية) او العقلائية، في حين ان الوارد عن المعصومين (ع) : ( ليس لأبدانكم ثـمن الا الـجنة فلا تبيعوها بغيرها).

فاذا إلتفتنا الى ان هذه الابدان امانة عندنا والمفروض ان نصونها من الخبائث والنجاسات، وان نحافظ على كرامتها وشرفها، فعندئذ يكون الامر الوارد في هذا الحديث هو امر تكليفي وليس ارشادياً.

ومحل الشاهد في هذه النقطة هو التنبيه على ان التضحية قد تكون احياناً سلبية وغير مقبولة لا شرعاً ولا عقلاً ولا نوعاً.

ولعل أوضح مثال معاصر على هذه الحالة الخاطئة هو تلك العمليات الانتحارية التي يقترفها بعض المجرمين الذين يدعون الاسلام ضد المسلمين اليوم.

وفي الحقيقة فانني فكرت في الاسباب التي تدعو هؤلاء الارهابيين المجرمين الى تفجير انفسهم لقتل المسلمين فتوصلت الى قناعة معينة مفادها ان هناك عدة اسباب محتملة اهمها ما يلي:



1-ان يكون هؤلاء الانتحاريون مرضى معذبين او يائسين من الحياة، فتختارهم بعض الجهات لأجل تنفيذ مثل هذه العمليات اما بمقابل او بلا مقابل.

2- ان يكون هؤلاء فقراء عاجزون عن معيشة عوائلهم كما في بعض المناطق الافريقية، فيدفعون لهم اموال مقابل التضحية بانفسهم، وتعطى هذه الاموال لعوائلهم.

3- ان يكون هؤلاء الانتحاريون من الطبقة الساذجة التي تصدق بكل ما يقال، وتقدس الاشخاص بدون ملاحظة افكارهم ومبادئهم، فيحصل معهم ما يسمى بغسيل الدماغ او السيطرة على الافكار.

4-ان يكون هؤلاء ممن ينتمي الى مذهب او تيار عدواني فوضوي، ومثل هؤلاء الذئاب لا ينفع الكلام معهم، لانهم اصلاً بلا عقول وبلا قلوب.

فأي عاقل يرضى بشريعة الحيوانات المفترسة؟ وأي عاقل يكون القتل لغته وحواره؟! واي عاقل يرضى بأن يقتل الابرياء بلا ذنب وبلا سبب؟!

ان نظرة سريعة في التاريخ تجعلنا امام مصاديق كثيرة لمثل هؤلاء المتحجرين، فالخوارج كانوا يدّعون الاسلام، ولكنهم حاربوا الامام علي (ع) الذي امرهم النبي (ص) بإتباعه وعدم مـخالفته.

والمصيبة انهم كانوا ينادون ( الرواح الرواح الى الجنة) وهم يقاتلون الامام علي (ع)..

فأي عقول متحجرة هذه، واي جهل مركب هذا!!.

وقد ورد في الاخبار ان احد افراد جيش يزيد قال للحسين (ع) حينما اوقد ناراً في خندق ليحمي خيامه : (إستعجلت بالنار)..

فهذا التافه المتحجر قال ذلك للحسين (ع) وهو يعلم انه إبن بنت رسول الله (ص)، وانه وارث الإمامة.

وقد رد عليه الحسين (ع) بدعاء خالص: ( اللهم حُزه الى النار)، فوقعت فرسه في النار واحترق فيها، وذعر قوم فانسحبوا من القتال.



وعلى اية حال فنحن الان نريد ان نشير الى هؤلاء المتطرفين المتشددين ممن يدّعون الاسلام، وهو منهم براء، امثال مـجرموا تنظيم القاعدة ونحوهم من الضالين، فهؤلاء القتلة يتعاونون اليوم مع اذناب النظام السابق، وتساعدهم عصابات اسرائيل من وراء الكواليس، لأجل زعزعة الاستقرار والامن في هذه المنطقة الحساسة.

فهل سألوا انفسهم عن المسوغ الشرعي لقتل العراقيين الابرياء، وما هو ذنب هذا المجتمع المسكين الذي يريد ان ينعم بالراحة والأمان؟!

وهل يوجد في العالم شعب اكثر التزاماً واخلاقاً من شيعة العراق حتى يهجموا عليهم بمثل هذه الهجمات القاسية؟

وهل يظنون انهم يثنون هذه الامة عن مبادئها ودينها؟..

كلا والف كلا.

وعلى اية حال، فان الوصف المناسب لهؤلاء الـمجرمين القتلة هو قول الله تعالى:



(انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله وهم يحسبون انهم مهتدون) الاعراف –30.

وكذلك قوله تعالى:

[ ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والانس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم اعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، اولئك كالأنعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون) الاعراف –179.



واخيراً نقول: ان الفداء والتضحية والشهادة هي معان راقية وذات آثار مقدسة وعظيمة، ولكنها مشروطة بالمشروعية وباحراز رضا الله تعالى، وهذا يقتضي ان تجري هذه الامور بعد الفحص والتثبت لا الطاعة العمياء الفارغة، فان الله تعالى يقول في مقام الاحتجاج على الجاهل :

[ الم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين ] البلد (8-9).

فالـمفروض ان لا يغامر الفرد بنفسه، فانها آخر ما يملكه وأعز شيء يمكن ان يتقرب به الى الله تعالى، وقد سمعنا قبل قليل ما ورد في الحديث من انه (ليس لابدانكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها).

وكذلك ورد ما مضمونه انه بالعقل يُعبد الله تعالى ويطاع، فالمفروض ان يكون هناك تعقل ووعي واحاطة وتأمل.

ولنتذكر دائماً قول الله تعالى:

[ قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالاً؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ] الكهف (103-104).
__________________
الاء الرحمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ظهور الحجة عليه السلام ثورة الإمام الحسين صلوات الله عليه الزهرائية نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 3 01-06-2016 10:28 AM
هدف ثورة الحسين عليه السلام جارة الجوادين كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 3 03-09-2014 05:06 PM
إحصائيات عن ثورة الامام الحسين عليه السلام ... ام حيدر العراقيه كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 5 19-11-2013 07:06 PM
معنى الخلود في ثورة الحسين (عليه السلام) تفاؤل و أمل كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 4 15-11-2013 11:41 AM
لو لا ثورة الإمام الحسين عليه السلام الإحسان للمسيئ وقول الحق كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 5 26-01-2009 01:54 AM


الساعة الآن 06:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir