اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
23-12-2012, 01:02 PM | #1 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Oct 2012
العمر: 47
المشاركات: 52
معدل تقييم المستوى: 127 |
عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الأنبياء وسيد المرسلين أبى القاسم محمد وعلى آله الطيبين الاطهار عظم الله لنا ولكم الاجر بذكرى استشهاد الصحابي الجليل عمار بن ياسر في التاسع من صفر عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين مع ما تعرضت له من ظلم وتعسف وتجاوز ـ كان أخطرها وأقساها تبرئة المعتدي وتبرير أفعاله وكيل المدح له ، وإتهام البريء وإدانته وذمّه وسبه . . . بوسائل خبيثة ، وبأحاديث موضوعة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ بقيت صحبةُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)مدرسةً رساليةً عظيمةً مقدسةً . كما لا يقدح عظمتها تلك ، ولا يضرّ قدسيتها أبداً أنه كما كان فيها المتفوقون كان فيها دون ذلك بكثير ، وكما كان فيها المجاهدون المخلصون كان فيها المتخاذلون ، وكما كان فيها المؤمنون الصادقون حقّاً كان فيها غير ذلك . . لقد كان فيها الذين زادتهم إيماناً وثباتاً ، وكانت شفاءً لما في قلوبهم . . وكان فيها الذين ما ازدادوا إلاّ نفوراً وإلاّ أذًى وتخريباً لها . . . وخلاصة القول : كان فيها محسنٌ وظالم لنفسه مبين ، وهم بالآخرة بين شقيّ وسعيد {فأما الذين شَقُوا ففي النار . . .* خالدين فيها . . .} {وأمّا الذين سُعِدُوا ففي الجنة خالدين فيها . . .}1 . لقد تعرضت هذه المدرسة المباركة لحالتي الإغواء والابتلاء ، فارتفعت أعلام وسقطت أخرى ، وتألقت نفوسٌ وهوت غيرها ، وفاز جمع وخاب آخر . . . ومع هذا كلّه وغيره الكثير ، بقيت هذه المدرسة المحمدية أعظمَ مدرسة عرفتها الدنيا! ونموذجاً فذاً لم يعهد مثله التاريخ وكيف لا تكون كذلك ، وقد راحت السماء تغذيها وتمدّها وتنمّيها وتجذرها في قلوب مؤمنة صادقة ، راحت غير عابئة بما يحيط بها من أذًى ومن تعسف ومن ظلم وقسر واضطهاد تبشر بآيات الله وسنّة نبيه لتحملها مفاهيمَ ومبادئ وأحكاماً إلى الناس كافة؟! لقد خلقت قلوباً أبيّة ، ونفوساً كبيرة يحتضنها رجالٌ أفذاذ ، صحابةٌ أجلاّء ، تركوا آثارهم على تأريخنا بل على تأريخ الإنسانية عطاءً وعلماً ، وتضحيةً وجهاداً ، وأخلاقاً وآداباً . . . لقد آمن هؤلاء والإسلام يعيش أحرج ظروفه وأقساها من حيث القلة والضعف والهوان في ساحة يحيطها الأعداء من كلّ مكان . آمنوا وقدموا كلّ ذاك العطاء وكلّ تلك التضحيات . . . بسبب ولائهم الصادق لرسول الله(صلى الله عليه وآله)وحبهم العظيم له ولما حمله من قيم السماء . وهو ما شهد به أبو سفيان يوم كان زعيماً لأعداء الله ورسوله : ما رأيتُ من الناس أحداً يحبّ أحداً كما يحب أصحابُ محمد محمداً . وعمار وأبوه ياسر وأمّه سمية من هذه الفئة المؤمنة حقّاً ، ومن هذه النخبة الطاهرة ، ومن هؤلاء الأصحاب ، الذين سجلوا لنا أمثلة رائعة وكبيرة للإيمان وللتضحية والفداء والصبر والحلم تشهد بذلك سجونُ قريش وسياطُها وحديدتُها المحماة ورماحُها القذرة ، التي حملتها نفوسٌ سيئة وقلوبٌ قاسية وأياد ملطخة بدماء البراءة والطهارة ، كما تشهد لهم بذلك الصبر رمضاءُ مكة وشمسُها المحرقة ، وما ذلك إلاّ لأنهم دعوا الى الله {ومَن أحسن قولا ممّن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} . إن الكتابةَ عن «أبو اليقظان» ـ هذا الرسالي ، الذي وفّقه الله تعالى ليعيش أجواء الرسالة وأفياء مدرستها تلك بكلّ صدق ووعي وثبات ـ كتابةٌ عن أبيه ياسر ، الذي منَّ الله عليه ليكون أول شهيد عرفته المرحلة الأولى من مراحل الإسلام ودعوته ، وهي ما زالت في أول خطوة لها ، كما أنّ الكتابةَ عنه كتابةٌ عن اُمّه التي حظيت هي الأخرى بأول وسام للشهادة في الصدر الأول للإسلام ، بل هي كتابة عن كلّ المعذبين أمثال بلال وصهيب وخباب . . . والدين الجديد يخطو خطواته الأولى إلى قلوب الناس; لهديهم وإرشادهم ، وانقاذهم من الظلم والضلالة والضياع الى حيث برّ الأمان في الدنيا ، والى حيث النجاة في الآخرة . قبل الهجرة النبوية الشريفة بسبع وخمسين سنة ، في مكّة ، في حي بني مخزوم ، ولد عمّار بن ياسر ، من أب عربي يمنيٍّ وهو ياسر بن عامر بن مالك الكناني المذحجي العنسي القحطاني . قدم ياسر من بلاد اليمن مع أخويه الحارث ومالك باحثين عن أخ رابع لهم في رحلة طويلة شاقة ، انتهت بهم الى مكّة ، فرجع الحارث ومالك الى اليمن ، فيما ألقى ياسر عصاه بها ، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، فاقترن بسمية بنت خياط من جواري أبي حذيفة ، ثم أعتقه هذا الأخير بعد أن ولد لهما عمار ، ومن هنا صار عمّار وهو العربي القحطاني مولىً لبني مخزوم . ولكنهما (ياسر وسمية) بقيا مع أبي حذيفة الى أن مات . كان عمّار يقول : كنتُ ترباً لرسول الله(صلى الله عليه وآله) لسنّه ، لم يكن أقرب به سنّاً مني . كما كان أخاً لأمِّ سلمة زوج الرسول(صلى الله عليه وآله) من الرضاعة2 . صفاته : كان عمّار أدم اللون ، طُوالا ، جعد الشعر ، حيث توجد شعرات في مقدم رأسه ، وفي مؤخره أيضاً وما بينهما صلع ، فيه حبشية ، مجدَّع الأنف ، أشهل العينين ، لا يغير شيبه . بعيد ما بين المنكبين ، وكان شجاعاً قويّاً ذا فصاحة وبيان ورأي سديد . . ومن صفاته أيضاً أنه كان طويل الصمت ، طويل الحزن والكآبة ، وكان عامة كلامه عائذاً بالله من فتنته3 . إسلامه : وفي قصة إسلامه التي وقعت وكان له من العمر أربع وأربعون سنة في دار الأرقم ، التي كانت تدعى بدار الإسلام; لأنّها الدار التي كان يتم فيها إسلام الراغبين باعتناق الدين الجديد يقول عمّار : لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) فيها ، فقلتُ له : ما تريد؟ قال لي : ما تريد أنت؟ فقلتُ : أردتُ أن أدخل على محمد فأسمع كلامه ، قال : وأنا أريد ذلك ، فدخلنا عليه ، فعرض علينا الإسلام ، فأسلمنا ، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا ، ثم خرجنا ونحن مستخفون . وكان عمار وأبواه وكذلك أخوه عبدالله من المبادرين لاعتناق الدين الإسلامي ، ومن الأوائل الذين أظهروا إسلامهم وجهروا به ، فنالوا بذلك وسام السابقين وفضلهم بعد أن حرم منهما كثيرون . ولم ينجو كلّ منهم ـ بسبب ذلك ـ من سخط وغضب مشركي قريش وزعمائهم أبي جهل وشركائه ، ونقمة بني مخزوم الذين تولوا تعذيبهم ، وأنزلوا بهم ألوان العذاب وصنوفه . باءت كلّها بالفشل ، ولم تنل من صمودهم ، ولم يحصل الطغاة إلاّ شيئاً أباحه عمار . وكان ذلك الصمود كلّه والثبات كلّه بسبب عمق العقيدة في نفوسهم ومكانتها في قلوبهم . وكانت لزيارة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لهم في الأبطح ودعائه وأقواله لهم دور كبير في ذلك الثبات «صبراً أبا اليقظان ، صبراً آل ياسر . . . فإن موعدكم الجنة» . . لقد كانت صدورهم وصدور مَن معهم كصهيب وبلال وخباب . . . أقوى من الحجارة الرمضاء الملتهبة بحرارتها ، وكانت أجسادهم أقوى من مكاوي النار التي ينزلونها عليهم ، ومن دروع الحديد التي ألبسوها لهم وصهروهم بالشمس ، وأصبر من كلّ شيء حتى بلغ الجهد منهم كلّ مبلغ ، ففارقت روح سميّة الدنيا ونالت بذلك وسام أول شهيدة في الإسلام لم يسبقها أحدٌ الى هذا الوسام من الرجال أو النساء4 . بعد أن ربطت بين بعيرين وطعنها أبو جهل رأس الشرك والنفاق بحربة في قُبُلِها فقتلها . وقتل بعدها زوجها ، فكان هو الآخر أول شهيد من الرجال عرفته الساحة الإسلامية يومذاك . لقد كان عمار وأبوه وأمّه قوماً من المستضعفين في مكّة وهم الذين لا عشائر لهم تدفع عنهم ، وليست لهم منعة ولا قوة ، فكانت قريش لا تخشى أحداً فيهم ، فتذيقهم أشدَّ العذاب في رمضاء مكّة وفي نهارها; لعلّهم يرجعون عن دينهم ، ويتخلون عن محمد ودعوته . وما كيد هؤلاء المشركين إلاّ في تباب . لقد ترك ذلك التعذيب آثاره على هذه الأجسام المتشربة بحلاوة الإيمان لسنين طويلة مرّت عليها ، فهي على ظهر عمار حتى آخر حياته . تقول الرواية التي يقول فيها محمد بن كعب القرظي : أخبرني مَن رأى عمار بن ياسر متجرداً من سراويل ، قال : فنظرت الى ظهره فيه خيط كبير ، فقلت : ما هذا؟ قال : هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكّة5 . يتبع
__________________
|
23-12-2012, 01:02 PM | #2 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Oct 2012
العمر: 47
المشاركات: 52
معدل تقييم المستوى: 127 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
أقوال النبيّ(صلى الله عليه وآله) في آل ياسر : كانت لآل ياسر مكانة مرموقة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحظي عمار بالذات بمنزلة رفيعة عنده(صلى الله عليه وآله) لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم . فقد كان(صلى الله عليه وآله) كثير الترحيب به وكان يدفع عنه ، ويضفي عليه من الكنى والألقاب والصفات الحسنة ما جعله موضع احترام عند المسلمين عامة والصحابة خاصة . فقد سمّـاه(صلى الله عليه وآله) الطيِّب المطيَّب ، وكان يناديه أبا اليقظان . ومن دعائه وأقواله(صلى الله عليه وآله)فيهم : اصبروا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة ، اللهم اغفر لآل ياسر ، وقد فعلتَ . كان ذلك منه(صلى الله عليه وآله)حينما يمرّ بهم في الأبطح وهم يعذبون . . . وفي رواية عمرو بن ميمون : عذّب المشركون عماراً بالنار ، فكان النبي(صلى الله عليه وآله) يمرّ به ، فيُمرّ يده على رأسه ويقول : يا نار كوني برداً وسلاماً على عمّار ، كما كنت على إبراهيم . ثم يقول : تقتلك الفئة الباغية6 . وفي رواية . . . وقاتله وسالبه في النار . وعن هانئ بن هانئ قال : استأذن عمار على علي(عليه السلام) فقال : ائذنوا له ، مرحباً بالطيب المطيَّب ، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : عمّار مُلئ إيماناً الى مشاشه (ما تحت عظامه) . وضرب(صلى الله عليه وآله) مرّة خاصرته وقال : هذه خاصرة مؤمنة . وفي الدفاع عنه ، ومنع من يريد أذية عمار ، قال(صلى الله عليه وآله) : مَن حقّر عماراً حقّره الله . . . ومَن عادى عماراً عاداه الله . ومن أبغض عماراً أبغضه الله . عمار جلدة بين عيني . ودخل عمّار على رسول الله(صلى الله عليه وآله)يشكو خالد بن الوليد فقال : يا رسول الله ، لقد حَمش قوماً (ساقهم بغضب) قد صلوا وأسلموا ، ثم وقع بخالد عند النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وخالد جالس لا يتكلم ، فلما قام عمار وقع به خالد ، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : مه يا خالد! لا تقع بأبي اليقظان ، فإنه من يُعاده يُعاده الله ، ومن يُبغضه يُبغضه الله ، ومَن يُسفهه يُسفهه الله7 . وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) . . . ما خير عمار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما . . . دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسّه . وقال أنس قال(صلى الله عليه وآله) : ثلاثة تُساق إليهم الجنة : علي وعمار وسلمان . وفي رواية أربعة : علي وعمار وسلمان والمقداد . وليس هذا قد ورد في فضله فحسب بل كان(صلى الله عليه وآله) يقول للمسلمين : «اهتدوا بهدي عمّار»8 . عمار وآيات قرآنية : ذكرت بعض الروايات والأخبار أن هناك آيات قرآنية نزلت في عمار أو في جمع كان عمار أحدهم ، وأن هناك غيرها فسّرت فيه ، ومن هذه الآيات : * {مَن كفرَ باللهِ من بعد إيمانه إلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئِنٌ بالإيمان . . .}9 . والذي ورد في ذلك أنّه لما جهر عمار وأبواه بإسلامهم ، وعرفت بهم قريش وبنو مخزوم ، عذبوهم أشد العذاب ، وألبسوهم أدراع الحديد ، ثم صهروهم تحت الشمس على أن يتركوا الإسلام وهم يأبون من ذلك . حتى ورد أن عمار ابن ياسر كان يعذب حتى لا يدري ما يقول وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول . . . فقتلوا أمّه وقتلوا أباه ، وأما عمار فقد أعطى معذِّبيه ما أرادوا منه10 . ذكر المفسرون أنّ هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر ، وقيل في جماعة أكرهوا وكان عمار أحدهم ، وهم عمار وياسر أبوه وأمّه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وأمّه ، وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ، ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال قوم : إن عماراً قد كفر . فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : كلا ، إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه (فرقه) إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه . فجاء عمار رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يبكي . فقال(صلى الله عليه وآله) : ما وراءَك؟ فقال : شرٌّ يا رسول الله ما تُركتُ حتى نلتُ منك ، وذكرتُ آلهتهم بخير . فجعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه ، ويقول : إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ، وفي رواية أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال له بعد أن سمع مقالته : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئناً بالإيمان ، قال : إن عادوا فعد11 . وهذا ما اجتمع أهل التفسير عليه12 . * {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظُلِموا لنبوئَنهم في الدنيا حسنةً ولأجرُ الآخرة أكبرُ لو كانوا يعلمون}13 . لم تزل قريش تذيق فريقاً ممّن آمن بالله ورسوله سوءَ العذاب ، فلعلّها تحقق مرادها منهم ، أن يكفروا بمحمد ورسالته ، ويعودوا الى ملتهم الأولى عبادة اللاّت والعزى . . . لكنّ محاولاتها هذه لم تنفعها شيئاً ، إنما الذي حصل هو أن تعذيبها لهم كلّ ما ازداد شدّة وقسوة ازداد معه صمود المعذَّبين ، فقرر هؤلاء الهجرة عن هذه البلاد في أول فرصة لهم ، وهذا ما تمّ بالفعل فهاجروا جميعاً الى حيث هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله)الى المدينة المنورة ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . تقول الرواية : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين ، وفيهم نزلت هذه الآية . . .14 يقول الشيخ الطبرسي : نزلت في المعذَّبين بمكّة مثل : صهيب وعمار وبلال وخباب وغيرهم مكّنهم الله بالمدينة ، وذكر أن صهيباً قال لأهل مكّة : أنا رجل كبير إن كنت معكم لم ينفعكم ، وإن كنتُ عليكم لم يضركم ، فخذوا مالي ودعوني ، فأعطاهم ماله ، وهاجر الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال له أبو بكر : ربح البيع يا صهيب . ويروى أن عمر بن الخطاب كان إذا أعطى أحداً من المهاجرين عطاءً ، قال له : خذ هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما أخّره لك أفضل ، ثم تلا هذه الآية15 . وقال الواحدي في أسبابه : نزلت في أصحاب النبيِّ(صلى الله عليه وآله) بمكة : بلال ، وصهيب ، وخبّاب ، وأبي جندل بن سهيل ، أخذهم المشركون بمكّة فعذبوهم وآذوهم ، فبوأهم الله تعالى المدينة بعد ذلك16 . لقد بوّأهم الله تعالى مكاناً محموداً بين اخوانهم المسلمين المهاجرين والأنصار ، وجعل لهم ذكرى طيبة تتناقلها ألسنة المؤمنين المجاهدين ، وصاروا قدوة حسنة لكل المجاهدين ضد الطغيان والتعسف ، ولهم بالآخرة جنة الخلد حيث النعيم المقيم . ولا غرابة في ذلك فقد أعطى عمار واخوانه كلّ شيء ، وقدموا أنفسهم رخيصة ، وتحملوا عذاباً ما أقساه وأعظمه! فأعطاهم الله تعالى حسن الدنيا وأجر الآخرة ونعيمها . * {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربّهم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . .}17 . لم ينفكّ طغيان قريش وكبرياؤها يلاحق هذه الفئة المؤمنة ، بعد أن عجزت كلّ محاولاتها وأساليبها القذرة في إطفاء نور الرسالة وإخمادها . فبدأوا بأسلوب آخر : أن اطرد يا محمد هؤلاء «عمار وصهيب وبلال وخباب . . .» فنجلس معك وقد نتبعك . كم لهذا الموقف من شبه بموقف قوم نوح حيث قال زعماؤهم وكبراؤهم : {ما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا بادي الرأي}18 . فلعلّ هدف مشركي قريش أو بعض المؤلفة قلوبهم لم يكن إلاّ زرع بذرة الشقاق بين محمد وأصحابه ، إذا ما طردهم من مجلسه ليجلس زعماء قريش بدلا منهم ، وكم لهذا الموقف من أثر على نفوسهم وهم يرون معذِّبيهم مقدمين في مجلس رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهم مبعدون عنه ، وكم ستكون ذلتهم كبيرة وقاسية عليهم؟! وهل هذه مكافأتهم ، وهل هذا جزاء صمودهم وثباتهم؟! وهنا تدخلت السماء لما لهذا الأمر من خطورة ، لتمنع مثل هذه المحاولات ولتقف بحزم إزاءَها ، ولتزيد تكريمها لهذهِ الفئة الرسالية . روى الثعلبي بإسناده عن عبدالله بن مسعود ، قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعنده صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أفنحن نكون تبعاً لهم؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك ، فأنزل الله تعالى : {ولا تطرد . . .} . وقال سلمان وخبّاب : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصين الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبيَّ(صلى الله عليه وآله) قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم ، وقالوا : يا رسول الله لو نحيتَ هؤلاء عنك حتى نخلو بك . فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ، ثم إذا انصرفنا ، فإن شئت فأعدهم الى مجلسك ، فأجابهم النبي(صلى الله عليه وآله) إلى ذلك ، فقالا له : اكتب لنا بهذا على نفسك كتاباً ، فدعا بصحيفة وأحضر علياً ليكتب . قال : ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل(عليه السلام) بقول : {ولا تطرد الذين يدعون . . .} إلى قوله : {أليس الله بأعلم بالشاكرين} . فنحّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) الصحيفة وأقبل علينا ودنونا منه ، وهو يقول : كتب ربّكم على نفسه الرحمة . فكنا نقعد معه . . .19 وعن عكرمة ، قال : جاء آل شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفرٌ معهما سمّاهم أبو طالب ، فقالوا : لو أن ابن أخيك محمداً يطرد موالينا وحلفاءَنا ، فإنما هم عبيدنا وعُسَفاؤنا20 كان أعظم في صدورنا ، وأطوعَ له عندنا . فأتى أبو طالب النبي(صلى الله عليه وآله)فحدثه بالذي كلموه ، فأنزل الله عزّوجلّ : الآية . قال وكانوا بلالا وعمار ابن ياسر مولى أبي حذيفة بن المغيرة ، وسالماً مولى أبي حذيفة بن عتبة ، وصُبيحاً مولى أسيد ، ومن الحلفاء ابن مسعود ، والمقداد بن عمرو وغيرهم 21 . * {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . .}22 . . . . فكنا «سلمان وخباب وعمار . . .» نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم ، قام وتركنا ، فأنزل الله عزّوجلّ {واصبر نفسك . . .} قال : فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقعد معنا ويدنو حتى كادت ركبتنا تمسّ ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن اصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات . . .23 ويذكر الطبرسي رواية أخرى في تفسيره للآية من سورة الكهف : نزلت في سلمان وأبي ذر وصهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله)وذلك أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهم عيينة بن الحصين والأقرع بن حابس وذووهم ، فقالوا : يا رسول الله إن جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء روائح صنانهم ، وكانت عليهم جبات الصوف ، جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك ، فلا يمنعنا من الدخول عليك إلاّ هؤلاء ، فلما نزلت الآية قام النبيّ(صلى الله عليه وآله)يلتمسهم فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عزّوجلّ ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني . . .24 وهناك آيات أخر قال بعضهم : إنها في عمار نزولا أو تفسيراً ، منها : * {أمَّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه}25 . وهو قول ابن عباس ومقاتل عن26 أبي بكر بن عياش27 . * { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} قال ابن عياش أيضاً : عمار {والذين لا يعلمون }مواليه بنو المغيرة28 . *{ ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليل منهم}29 . القليل هم عبدالله بن مسعود وعمار ابن ياسر ، وهو قول عكرمة . وفي مجمع البيان : {إلا قليل منهم} قيل : إن القليل الذي استثنى الله هو ثابت بن قيس بن شماس ، وقيل هو جماعة من أصحاب رسول الله ، قالوا : والله لو أمرنا لفعلنا ، فالحمد لله الذي عافانا ، ومنهم عبدالله ابن مسعود وعمار بن ياسر ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : إن من أمتي رجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي30 . *{ ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدّهم من الأشرار}31 . قال مجاهد : يقول أبو جهل في النار : أين عمّار ، أين بلال؟ وقيل : نزلت في أبي جهل والوليد ابن المغيرة وذويهما يقولون : ما لنا لا نرى عمّاراً وخباباً وصهيباً وبلالا ، الذين كنا نعدهم في الدنيا من جملة الذين يفعلون الشرّ والقبيح ولا يفعلون الخير؟!32 * {أفمن يُلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة}33 . عن عكرمة : أنها نزلت في عمار بن ياسر ، (وهو الذي يأتي آمناً يوم القيامة) وفي أبي جهل (الذي يُلقى في النار) . *{ أومَن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}34 . عن عكرمة : في أبي جهل وعمار (صاحب النور) . * {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}35 . فعن ابن عباس : بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)خالد بن الوليد بن المغيرة في سرية ـ قال : ومعه في السرية عمّار بن ياسر ـ الى حيّ من قريش ، أو من قيس ، حتى إذا دنَوا من القوم جاءهم النذير فهربوا ، وثبت رجل منهم ، كان قد أسلم هو وأهل بيته ، فقال لأهله : كونوا على رجل حتى آتيكم . قال : فانطلق حتى دخل في العسكر ، فدخل على عمار بن ياسر ، فقال : يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وأهل بيتي ، فهل ذلك نافعي أم أذهب كما ذهب قومي؟ قال : فقال له عمار : أقم ، فأنت آمن . قال : فرجع الرجل فأقام ، وصبحهم خالد بن الوليد ، فوجد القوم قد أنذروا ، وذهبوا ، فأخذ الرجل ، فقال له عمار : إنّه ليس لك على الرجل سبيل ، إنّي قد أمّنته ، وقد أسلم ، قال : وما أنت وذاك؟ أتجير عليَّ وأنا الأمير؟! قال : نعم ، أُجير عليك ، وأنت الأمير ، إنّ الرجل قد أسلم ، ولو شاء لذهب كما ذهب قومه ، قال : فتنازعا في ذلك حتى قدما المدينة ، فاجتمعا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)فذكر عمار للنبيِّ(صلى الله عليه وآله) الذي كان من أمر الرجل ، فأجاز أمان عمار ، ونهى يومئذ أن يُجير رجلٌ على أمير ، فتنازع عمار وخالد عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)حتى تشاتما . فقال خالد : أيشتمني هذا العبد عندك؟ أما والله لولاك ما شتمني . قال: فقال نبيّ الله(صلى الله عليه وآله) : كُفَّ يا خالد عن عمّار ، فإنّه مَن يبغض عماراً يبغضه الله عزّوجلّ ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله ، قال : وقام عمار فانطلق ، فاتبعه خالد وأخذ بثوبه ، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه ، قال : وفيه نزلت : { . . . فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول . . .} الآية36 . يتبع
__________________
|
23-12-2012, 01:03 PM | #3 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Oct 2012
العمر: 47
المشاركات: 52
معدل تقييم المستوى: 127 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
صفحاتٌ اُخر من حياته المباركة : أبو اليقظان واحد من الذين حظوا بوسام الهجرتين وأوسمة أخر ، هاجر الهجرة الأولى مع من هاجر من المسلمين وكانت يومذاك إلى الحبشة (وإن تردّد بعضهم في هجرته الى الحبشة واختلفوا في وقوعها)37 من بعد ما ظلموا وعذبوا واضطهدوا أيما اضطهاد من قبل مشركي مكة وطغاتها ، وبعد أن سمعوا قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لو خرجتم الى أرض الحبشة! فإن فيها ملكاً لا يُظلَم أحدٌ عنده ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله فرجاً مما أنتم فيه . . .38 وأما الهجرة الثانية فكانت الى المدينة ، وما إن وطأت قدماه تراب هذه الأرض ، وكان اللقاء برسول الله(صلى الله عليه وآله)حتى آخى(صلى الله عليه وآله) بينه وبين حذيفة بن اليمان ، ثم راح عمار يجمع أحجاراً ليبني بها مسجداً لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فكان مسجد قباء ، وكان عمار أول مَن بنى مسجداً في الإسلام . ولم يكتف عمار بذلك فقد اشترك مع الصحابة الآخرين في بناء مسجد النبيِّ(صلى الله عليه وآله) . فلما قدم النبي(صلى الله عليه وآله) المدينة قال : ابنوالنامسجداً،قالوا : كيف يا رسول الله؟ قال : عرش كعرش موسى ، ابنوه لنا بلَبن ، فجعلوا يبنون ورسول الله(صلى الله عليه وآله)يعاطيهم اللَّبن على صدره ، ما دونه ثوب ، وهو يقول : اللهم ، إنّ العيشَ عيشُ الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة فمرّ عمار بن ياسر ، فجعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ينفض التراب عن رأسه ويقول : ويحك يا بن سمية ، تقتلك الفئة الباغية . لقدكان عمار الى جوار رسول الله(صلى الله عليه وآله)الذي كان هو الآخر يحمل الحجارة معهم ، ويومها كان عمار يرتجز ويقول : نحن المسلمون نبتني المساجدا ورسولُ الله(صلى الله عليه وآله) يردّد مع المسلمين : المساجدا . وراح عمارينشدماكان يرتجزبه عليّ(عليه السلام): لا يستوي من يعمر المساجدا يظلّ فيها راكعاً وساجداً أو : يدأب فيها قائماً وقاعدا ومن تراه عانداً معانداً عن الغبار لا يزال حائداً أو : من يُرى عن الغبار حائدا يقول ابن هشام في سيرته : . . . فدخل عمار وقد أثقلوه باللبن . فقال يا رسول الله : قتلوني ، يحملون عليَّ ما لا يحملون . وعن مجاهد : رآهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهم يحملون الحجارة على عمار ، وهو يبني المسجد ، فقال : ما لهم ولعمار ، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، وذلك فعل الاشقياء الأشرار . كما كان ممّن شهدوا بيعة الحديبية التي تمّت تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة ، وسميت هذه البيعة ببيعة الرضوان ، وجاءت هذه التسمية من الرضا الوارد في الآية النازلة فيها : {لقد رضي اللهُ عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً * ومغانم كثيرة يأخذونها وكان اللهُ عزيزاً حكيماً . . .}39 . وكما كان عمار من السابقين الى اعتناق الإسلام ، كان من المبادرين إلى الاشتراك في معارك الإسلام الكبرى ، فشهد بدراً فنال بذلك وسام البدريين وأحداً والخندق ومعركة حنين كما لم يتخلف عن مشاهد ومعارك الإسلام الأخرى حتى بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقد شارك في معارك الردّة ، اليمامة ، وفي الفتوحات الإسلامية زمن الخلفاء ، وكان له دور كبير في معركتي الجمل وصفين التي استشهد فيها . وفي حفر الخندق : كان لعمار ـ مع كونه صائماً ـ السبق في ذلك ، يقول جابر بن عبدالله : إن رسول الله(صلى الله عليه وآله)والمسلمين لما أخذوا في حفر الخندق جعل عمار بن ياسر يحمل التراب والحجارة في الخندق ، فيطرحه على شفيره ، وكان ناقهاً من مرض ، صائماً ، فأدركه الغشي ، فأتاه أبو بكر ، فقال : أربع على نفسك (كفَّ وارفق) يا عمار ، فقد قتلت نفسك ، وأنت ناقه من مرض ، فسمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) قول أبي بكر ، فقام ، فجعل يمسح التراب عن رأس عمار ومنكبه وهو يقول : يزعمون أنك متّ ، وأنك قد قتلت نفسك ، كلا والله حتى تقتلك الفئة الباغية . وفي معركة اليمامة سنة 11هـ ضد المرتدين مسيلمة الكذاب وجنده وقع قتال وصفه الطبري بقوله : ثم التقى الناس ولم يلقهم حربٌ قطّ مثلَها من حرب العرب ، فاقتتل الناس قتالا شديداً . . .40 وكان لعمار بن ياسر أيضاً دور كبير فيها ، وفي تثبيت المسلمين وتحقيق النصر . وقد اُصيبت أذنه يومها ، فعن ابن عمر أنه قال : رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح : يا معشر المسلمين ، أمن الجنة تفرّون ، أنا عمار بن ياسر ، هلمّ إليَّ ، وأنا أنظر الى أذنه قد قطعت ، فهي تَذبذَب ، وهو يقاتل أشدَّ القتال41 . وكان جدع أذنه موضع فخر له فيما راح آخرون يعيرونه به ، فإذا ما اختلفوا معه وتنازعوا ، قالوا له : أيها العبد المجدَّع . فكان يجيبهم : عيرتموني بأحبّ أذنيّ إليّ ـ أو خير أذنيّ . وفي عهد الخليفة الثاني تولى عمار ولاية الكوفة لأكثر من سنة ، وقد جاء فيما كتبه عمر إلى أهل الكوفة : أما بعد ، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً ، وعبدالله بن مسعود معلماً (قاضياً) ووزيراً ، وإنهما من نجباء أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله)ممن شهدا بدراً ، فاسمعوا لهما وأطيعوا (واقتدوا بهما) ، وقد آثرتكم بهما على نفسي42 . إلى غير ذلك من الأوسمة الكبيرة التي حاز عليها هذا الصحابي الجليل . . . مروياته : ذُكر في عدّة الرجال أن يعقوب بن شيبة صنف مسند عمار بن ياسر ، وهناك في جامع المسانيد والسنن مسندٌ لعمار ذُكر فيه مَن روى عنه كما ذُكرت فيه مروياته عن رسول الله43 كما ذكر صاحب الأعلام أن عماراً روى اثنتين وستين رواية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وممّا رواه : . . . قال : سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مِئنَّة ، فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة ، فإن من البيان سحراً44 . . . . قال عمار : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : كفى بالموت واعظاً وكفى باليقين عزّاً . وعن ابن عباس ، عن عمار بن ياسر قال : كنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين احتبس عن قلادة عائشة بذات الجيش ، فلما طلع الفجر أو كاد نزل آية التيمم . فمسحنا الأرض بالأيدي ، ثم مسحنا الأيدي الى المناكب ظهراً وبطناً ، وكان يجمع بين الصلاتين في سفره45 . وفي رواية أخرى لعمار كما في أسباب النزول للواقدي : عرّس رسول الله(صلى الله عليه وآله)بذات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقد لها من جذع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء . . . فأنزل الله تعالى على رسوله(صلى الله عليه وآله) قصة التطهر بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ، فلم يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم الى المناكب ، وبطون أيديهم الى الآباط46 . يتبع
__________________
|
23-12-2012, 01:04 PM | #4 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Oct 2012
العمر: 47
المشاركات: 52
معدل تقييم المستوى: 127 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
من دعائه وأقواله الأخرى : نسبت لعمار أقوال كثيرة وأدعية تدلنا على عمق إيمانه وحكمته ، وكان منها : كان عمار بن ياسر مع جماعة في المسجد وعنده أعرابي ، فذكروا المرض ، فقال الأعرابي : ما مرضتُ قط ، فقال عمار : ما أنت؟! أو لست منا؟! إن المسلم يُبتلى بالبلاء ، فيكون كفارة خطاياه فتتحاتّ كما يتحاتّ ورق الشجر ، وإن الكافر يُبتلى ، فيكون مثله كمثل البعير عُقل ، فلا يدري لم عُقل ، وأُطلق فلا يدري لم اطلق47 . ومرّ عمار بن ياسر على ابن مسعود يَرْسُسُ داره ، فقال : كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال : أراك بنيت شديداً ، وأمّلت بعيداً ، وتموت قريباً48 . ومن أقواله كفى بالموت موعظة ، وكفى باليقين غنى ، وكفى بالعبادة شغلا49 . ومن دعائه رضوان الله عليه : اللهم ، اجعلني من عبادك الصالحين ، وأعطني من صالح ما تعطي عبادك الصالحين ، من الأمانة ، والإيمان ، والأجر ، والعافية ، والمال ، والولد النافع غير الضار ولا المضر ، ولا الضالّ ولا المضلّ50 . وعن عبدالرحمن بن أبزى عن عمار أنه قال ـ وهو يسير على شط الفرات ـ : اللهم لو أعلم أن أرضى لك عني أن أتردى فأسقط ، فعلتُ . ولو علمتُ أن أرضى لك عني أن ألقي نفسي في هذا الماء فأغرق فيه ، فعلتُ51 . قال عمار : كنتُ أنا وعليّ رفيقين مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غزوة العشيرة ، فنزلنا منزلا ، فرأينا رجالا من بني مُدْلج يعملون في نخل لهم ، فقلت : لو انطلقنا! فنظرنا إليهم كيف يعملون ، فانطلقنا فنظرنا إليهم ساعة ، ثم غَشِينا النعاسُ ، فعدنا الى صور من النخل; فنمنا تحته في دقعاء من التراب ، فما أيقظناإلاّ رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) ، أتانا وقد تترَّبنا في ذلك التراب ، فحرّك عليّاً برجله ، فقال : قم يا أبا تراب ، ألا أُخبرك بأشقى الناس؟ أحمر ثمود عاقر الناقة ، والذي يضربك يا عليّ على هذا ـ يعني قرنه ـ فيخضب هذه منها ، وأخذ بلحيته52 . البشارة والشهادة : في الوقت الذي ما زالت سياط الجلادين تلاحق جسد عمار ، كانت كلمات البشير النذير محمد بن عبدالله(صلى الله عليه وآله)هي الأخرى تلاحقه لتكون شفاء له ورحمة : صبراً يا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة . ويح ابن سمية! تقتله الفئة الباغية . أبشر عمارُ تقتلك الفئة الباغية . آخر زادك من الدنيا ضياح لبن . قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي عندما ذكر عماراً : أما أنه سيشهد معك مشاهد أجرها عظيم ، وذكرها كثير ، وثناؤها حسن52 . «أي أبشر يا عمار فإنك ستموت شهيداً بيد فئة ظالمة وهي جماعة معاوية ، التي كانت ضد عليّ وجيشه رضي الله عنهم ، وكان عمار في جيش علي بصفين ، فلما استشهد صلى عليه عليّ ودفن هناك رضي الله عنهم . . . وفيه أن علياً (رضي الله عنه) كان على الحقّ ، وأنه كان أحقّ بالخلافة ، لا شك في هذا ، وفيه معجزة للنبيّ(صلى الله عليه وآله)لإنه إخبار بغيب وقع» هذا ما قاله الشيخ منصور علي ناصف من علماء الأزهر الشريف في تاجه الجامع للأصول53 . الشهادة التي جاءت تسعى إلى عمار وراح يسعى إليها بعد أن طال انتظاره لها قرابة خمسين سنة حتى وافته وهو يربو على التسعين من عمره المبارك; لينال بها أرفع درجات العاملين ، وأعلى درجات المجاهدين ، فوقع شهيداً ، وقد أثخنته الجراح ، وضرجته الدماء ، وصار جسده موضعاً التقت به ضربات البغاة مع آثار سياط المشركين من قبل حين أظهر إيمانه بدعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) . وهذا هو الخيار الذي ارتآه عمار لنفسه ، أن يقف بجانب علي(عليه السلام) وأن لا يحيد عنه أبداً ، وكيف يحيد وقد عهد إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) : يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً ، وسلك الناس وادياً غيره ، فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من الهدى . لقد كان عمار رايةً للحقّ والهدى فقد ذكر عبدالله بن سلمة : رأيتُ عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً ، آدم ، طُوالا ، أخذ الحربة بيده ، ويده ترعد ، فقال : والذي نفسي بيده ، لقد قاتلتُ بهذه الراية مع رسول الله ثلاث مرّات وهذه الرابعة ، والذي نفسي بيده ، لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعرفتُ أن مصلحتنا على الحقّ وأنهم على الضلالة (على الباطل)54 . وفيما قاله عمرو بن العاص : . . . ولكنا كنا نراه(صلى الله عليه وآله) يحب رجلا ، قالوا : فمَن ذلك الرجل؟ قال : عمار بن ياسر ، قالوا : قتيلكم يوم صفين ، قال : قد والله قتلناه55 . لقد كان عمار ـ بحق ـ الراية التي مَن انضوى تحتها فالجنة مأواه ، ومن زاغ عنها فالنار مثواه . تقول الرواية : جاء رجل الى عبدالله ابن مسعود ، فقال له : يا أبا عبدالرحمن ، إنّ الله عزّوجلّ ، قد أمننا من أن يظلمنا ، ولم يؤمنا من أن يفتنّا ، أرأيت إن أدركتُ فتنة؟ قال : عليك بكتاب الله ، قال : أرأيت إن كان كلهم يدعو الى كتاب الله؟ قال : سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . وفي حديث آخر عن ابن مسعود أيضاً ، جاء رجل إليه فقال : إن الله أجار أهل الإسلام من الظلم ولم يُجرهم من الفتن ، فإن وقع فما تأمرني؟ قال : انظر عمار بن ياسر أين يكون فكن معه ، فإني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : عمار يزول مع الحق حيث يزول57 . وهذا هو بعينه ما وقع يوم التقى الجمعان في صفين ورفعت المصاحف ، واضطرب الناس ، فكان ابن سمية الراية الخفاقة التي تصدع بالحق ، وتجهر به وتدعوهم أن هلموا اليّ . لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي فأبوا إلاّ راية الضلالة راية لهم يقاتلون تحتها ومن أجلها . لقد كان عمّار مع الحق في حلّه وترحاله ، في حركته وسكونه ، في قوله وفي فعله . كما كان متيقناً أن ما قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله) واقع لا محالة ولا يقع غيره . فقد اشتكى عمار شكوى ثقُل منها ، فغشي عليه ، فأفاق ، تقول مولاة له : ونحن نبكي حوله ، فقال : ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي رسول الله(صلى الله عليه وآله)أنه تقتلني الفئة الباغية ، وأن آخر زادي من الدنيا مذقة لبن . وفي حديث آخر : إني لستُ ميتاً من وجعي هذا ، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عهد إلي أني مقتول بين فئتين من المؤمنين عظيمتين ، تقتلني الباغية منهما58 . وكان هذا الحديث الذي عرفت به الفئة الباغية حديثاً متواتراً ومن أصح الحديث ، وحين لم يقدر معاوية على إنكار هذا الحديث قال : إنما قتله من أخرجه ، وقد أجاب علي(عليه السلام)عن قول معاوية هذا بأن قال : فرسول الله(صلى الله عليه وآله)إذاً قتل حمزة حين أخرجه58 . وهذا ما حدث بالفعل ، فقد بغى معاوية بن أبي سفيان وجنده على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فكانت وقعة عظيمة بينهما في صفين وقف فيها عمار وكان معه ثمانون بدرياً ومائة وخمسون ممّن بايع تحت الشجرة ، وجمع كبير من القراء ، وكان مجموع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة59وراح ضحيتها الآلاف ، وكان بينهم الكثير من الصحابة والتابعين ، الذين استشهدوا دفاعاً عن الحقّ ورايته التي يحملها عمار . وهنا لابدّ لنا من وقفة قصيرة ، فنقول : لقد كانت معركة صفين أمراً لابدّ من وقوعه ، فهو النتيجة الطبيعة للصراع بين الإسلام الحقيقي ووارثيه والإسلام الآخر المحرّف ووارثيه أيضاً; وهي بالتالي لا تختلف ولا تقل أهمية وخطورة عن معارك الإسلام الكبرى بدر وأحد والخندق وحنين . . . ضد الشرك والمشركين ، وهذا ما طواه عمار بكلمته المشهورة : أيها الناس هل من رائح الى الله تحت العوالي (الرماح)؟ والذي نفسي بيده ، لنقاتلهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله . وأكّد هذا وهو يشقّ طريقه مقاتلا بين الصفوف في صفين وهو يقول : نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحقّ الى سبيله60 . وهذا ما يبين لنا تأكيد النبي(صلى الله عليه وآله) أن عماراً تقتله الفئة الباغية ، واعادته لهذه العبارة في كثير من المناسبات : إذا رأى عماراً قالها له ، وإذا مرض عمار وظن زائروه أنه ميت قالها رسول الله ، إذا اشتكى عمار من ألم أو من شيء آخر أعادها رسول الله عليه . . وكان(صلى الله عليه وآله)يحرص أن يُسمع قولَه هذا الآخرين ، ولم يكتف(صلى الله عليه وآله) بهذا بل كان يصرح ويبين هدف القتال الذي سيقع قطعاً ، وهذا الهدف متمثل بقوله عن عمار : . . . يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار . وأنّه ستقتلك الفئة الباغية وأنت مع الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني61 . وأن آخر شراب له ضَياح لبن . . . كلّ هذا وغيره ليدلهم(صلى الله عليه وآله) على الحق المبين في وقت قد تلتبس الأمور فيحلّ الغموض بدل الوضوح ، وتقع الفتنة ويتيه بعض ويضطرب آخرون فأشار الى الرمز والى الدليل ، إنه عمار بن ياسر وإنه بالتالي عليّ بن أبي طالب «يا عمار إن رأيت علياً سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى» . لقد كان عمار الميزان ، وكان الحجة الأخيرة على المخالفين والمناوئين «الناكثين والمارقين والقاسطين» الذين أعماهم حقدهم وبغضهم لعلي(عليه السلام) عن أن يروا الحقّ الناصع والهدى المبين فيه ومن خلاله . وأخيراً وقعت معركة صفين ، ووقف عمار خطيباً : اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت ، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم رضاك في أن أضع ظُبة سيفي في صدري ، ثم أنحني عليه حتى تخرج من ظهري لفعلت ، وإني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته62 . وبدأ القتال وتحدثت الأخبار : أن عماراً كان صائماً ، وقد غربت الشمس فأُتي بلبن فشربه ، ثم قال : إنّ النبيَّ(صلى الله عليه وآله)قال : هذه آخر شربة أشربها من الدنيا ، أو آخر زادك من الدنيا ضياح لبن ، فقام فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه . وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) : قال : رأيتُ عمار بن ياسر دعا بشراب ، فأتي بقدح من لبن فشرب منه، ثم قال: صدق رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، واليوم ألقى الأحبة محمداً وصحبه . إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : «إنّ آخر شيء تزوده من الدنيا ضيحة لبن» ثم قال مبيناً يقينه بأنه ـ قطعاً ـ على الحق المبين ، وأن خصمه على الباطل ، انظره يقول : والله لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا أنا على حق وهم على باطل . ولأنه راية الحق والهدى ترى أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة صفين يتبعونه في كلّ مكان يتواجد فيه من ساحة القتال ، وهو ينادي : أين مَن يبغي رضوان ربّه ، ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟ وفي رواية اُخرى : في يوم من أيام صفين ـ التي وقعت ـ على قول ـ من أول ذي الحجة سنة 36 وانتهت في 13 صفر سنة 37 وعلى قول الطبري كان وصول الإمام علي وجنده الى صفين في أواسط ذي القعدة سنة 36 أو في العشرين منه ، وعلى رواية المسعودي أن مقامهم بصفين كان مائة يوم وعشرة أيام ، كان فيها نحو تسعين أو سبعين وقعة ـ رجع عمار الى موضعه من المعركة فاستسقى ، فأتته امرأة من بني شيبان من مصاخهم بعس فيه لبن . فدفعته إليه ، وروي أن الذي سقاه أبو المخاريق63 ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، اليوم ألقى الأحبة تحت الأسنة ، صدق الصادق . وبذلك أخبرني الناطق . وهو اليوم الذي وعدتُ فيه ، ثم قال : أيها الناس هل من رائح إلى الله تحت العوالي (الرماح) ، والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله ، وفي قول أنه نادى اني لقيتُ الخيار وتزوجت الحور العين . اليوم نلقى محمداً وحزبه . وانطلق يجول في ساحة المعركة وهو يقول : نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحقّ الى سبيله على مقربة من عمّار ، وقف أبو الغادية وهو من جيش معاوية يستحضر موقف عمار من الخلافة الثالثة ـ فقد كان له موقف يتسم بالقوة والصلابة من هذه الخلافة ، التي لم تقضِ بالحقّ ، ولم يكن صاحبها ولا ذوو قرباه من الذين يعدلون ، وكانت خيمةً انضوى تحتها أعداء الدين ، ورتع فيها المنافقون . كلّ هذا دفع عماراً لهذا الموقف الذي يقول عنه ابن كثير : «كان عمار يحرض الناس على عثمان ولم يقلع ولم يرجع ولم ينزع . . .»64 ـ ، وراح أبو الغادية يراقب عماراً ، فلعلّ فرصة تحدث ليتمكن منه ويداهمه فيقتله . وكان عمار ينادي صاحبه هاشم بن عتبة : يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف ، والموت في أطراف الأسل ، وقد فتحت أبواب السماء ، وتزينت الحور العين . اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه66 . يقول أبو الغادية : فلما كان يوم صفين . جعل عمار يحمل على الناس . فقيل : هذا عمار ، فرأيتُ فرجة بين الرئتين وبين الساقين . فحملتُ عليه فطعنته في ركبته ، فوقع فقتلته67 . وفي رواية اُخرى68 : فاختلفت أنا وهو ضربتين ، فبدرته فضربته ، فكبا لوجهه ثم قتلته . ولما قتل رضوان الله عليه اختصم في قتله اثنان ، فقال عمرو بن العاص : والله ، إن يختصمان إلاّ في النار ، والله ، لوددتُ أني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة69 . وقد صلى عليه الإمام علي(عليه السلام) ودفن في صفين . وقد نسب الى الإمام علي(عليه السلام)بعد استشهاد عمار رضوان الله عليه ، قوله : أَلا أيّها الموتُ الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيتَ كلَّ خليل أراك مضرّاً بالذين أحبُّهم كأنَّك تنحو نحوهم بدليل70 كان ذلك في سنة 37هـ عن عمر ناهز الثلاث والتسعين سنة . فسلام عليك يا أبا اليقظان في العالمين . الهوامش (1) هود : 106 ـ 108 . (2) سيرة ابن هشام 1/162 . (3) حلية الأولياء : ص142 . (4) الطبقات 3/247 . (5) مختصر تاريخ دمشق 18/208 . (6) مختصر تاريخ دمشق 18/212 . (7) كتاب المغازي للواقدي 3/883 . (8) مختصر تاريخ دمشق 18/212 . (9) النحل : 106 . (10) مختصر تاريخ دمشق 18/208 . (11) انظر تفسير مجمع البيان والتفسير الكبير للرازي وغيرهما . (12) ابن عبد البر في الاستيعاب . (13) النحل : 41 . (14) مختصر تاريخ دمشق 18/208 . (15) تفسير مجمع البيان للطبرسي 6/557 ، وفي تفسير الآية من سورة النحل . (16) أسباب نزول القرآن للإمام أبي الحسن الواحدي ص285 . (17) الأنعام : 51 . (18) هود : 27 . (19) تفسير مجمع البيان للطبرسي في تفسير الآية . (20) العسيف : الأجير المستهان به . انظر اللسان : عسف . (21) مختصر تاريخ دمشق 18/210 . (22) مجمع البيان للطبرسي 3/473 . (23) مجمع البيان للطبرسي 6/718 في تفسير الآية من سورة الكهف . أسباب النزول للواحدي . (24) الزمر : 9 . (25) اسباب النزول للواحدي ، ومختصر تاريخ دمشق 18/210 . (26) رجال الحديث للسيد الخوئي 3/288 . (27) 13/288 . (28) النساء : 66 . (29) مجمع البيان في تفسير الآية . (30) سورة ص : 62 . (31) مجمع البيان . والتفسير المنير للدكتور الزحيلي في تفسير الآية . (32) فصلت : 40 . (33) الأنعام : 122 . (34) النساء : 59 . (35) مختصر تاريخ دمشق 18/214 ، أسباب النزول للواحدي ، سورة النساء ، الآية . (36) البداية والنهاية ، ومختصر تاريخ دمشق ، ترجمة عمار 3/69 . (37) الطبري 1/547 . (38) الفتح : 18 ـ 19 . (39) تاريخ الطبري 2/279 . (40) مختصر تاريخ دمشق 18/219 . (41) مختصر تاريخ دمشق 18/219 والاستيعاب . (42) جامع المسانيد والسنن لعماد الدين الدمشقي 9/329 ـ 388 . (43) مختصر تاريخ دمشق 18/220 ، ومعنى الحديث أن ذلك مما يعرف به فقه الرجل ، انظر اللسان : مأن . (44) كتاب المغازي للواقدي 2/435 . (45) أسباب النزول للواقدي في سبب نزول آية التيمم ، الآية 43 من سورة النساء . (46) مختصر تاريخ دمشق 18/222 . (47) مختصر تاريخ دمشق 18/222 ، يرسس يصلح . انظر اللسان : رسس . (48) مختصر تاريخ دمشق 18/222 . (49) مختصر تاريخ دمشق 18/224 . (50) حلية الأولياء 1/142 ـ 143 . (51) تاريخ الطبري 14/2 . (52) كنز العمال 11/723 ، حلية الأولياء ، أبو نعيم 1/142 . (53) التاج الجامع للأصول 3/371 الهامش . (54) مختصر تاريخ دمشق 18/206 . (55) مختصر تاريخ دمشق 18/214 . (56) مختصر تاريخ دمشق 18/214 . (57) مختصر تاريخ دمشق 18/215 . (58) مختصر تاريخ دمشق 18/218 . المذقة : الطائفة من اللبن الممزوج بالماء ، انظر اللسان : مذق . (59) الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري ص363 ـ 364 . (60) البداية والنهاية 7/255 ، والمستدرك للحاكم 3/104 . (61) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/810 ، ومروج الذهب 2/422 . (62) كنز العمال 11/351 . (63) الكامل 3/157 والبداية والنهاية 7/267 ، 292 ، الطبري 6/21 . (64) الطبري ، الزوائد 7/243 . (65) البداية والنهاية 7/171 . (66) الطبري 6/23 . (67) الطبقات لابن سعد 3/261 . (68) الزوائد 9/298 . (69) أحاديث أم المؤمنين عائشة ص117 . (70) ديوان الإمام علي(عليه السلام) ص125 ، تحقيق الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بحقهم يالله ولعنة الله الدائمة على كل من أذى عمار .. وحارب عمار .. وشتم عمار .. وضرب عمار .. وأغضب عمار .. يالله و تقبل منا هذا العمل يا ارحم الراحمين منقول
__________________
|
23-12-2012, 01:23 PM | #5 |
~ مراقبة سابقة ~~●رحمَـ رَبــِـي ــــاكـَ●~
تاريخ التسجيل: Sep 2009
الدولة: وُسَطِ آهٌــِاتُ قلبــ♥͡ـي [♥]
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
اللهم صل على محمد وآل محمد
مشكوره تسلم ايدك وربي يعطيك العافيه |
23-12-2012, 07:03 PM | #6 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
احسنت عزيزتي ام رسول
بارك الله فيك وبك وبما طرحت يمينك جزاك الله خير الجزاء وحشرك مع اصحاب الكساء ينقل للركن المناسب
__________________
أنا شيعية ... لا أشايع إلامحمد وآل النبي أنا جعفرية... أحيا على محيى الصادق وجده النبي أنا رافضية ...أرفض مبايعة أعداء الله والنبي تباً لكل مولى فالولاء ... لمولاي علي... إبن عم النبي تسلمين حياتي ام شبر الغالية على الهدية اسعد الله قلبك بشفاعة الحسين وامه الزهراء والسكن معهم في جنة الفردوس وتسلم ايدج يا قمر المنتدى على الفاصلة الرائعة اسكنك الله جنة الفردوس مع الزهراء روحي لتراب نعلها الفداء http://www.noorfatema.com/vb/showthread.php?t=68670 |
|
28-12-2012, 07:18 PM | #7 |
موقوف
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
|
06-01-2013, 07:18 PM | #8 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Oct 2012
العمر: 47
المشاركات: 52
معدل تقييم المستوى: 127 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الف شكر على المرور العطر
__________________
|
06-01-2013, 07:43 PM | #9 |
~ مشرفة أنوار المطبخ ~ نائبة الزهراء
تاريخ التسجيل: Dec 2012
الدولة: البحرين المحتلة
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0 |
رد: عمار بن ياسر راية الحقِّ المبين
اللهم صل على محمد وال محمد
برك طائك نبدة مباركة في الطرح جزاكي الله الف خير |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فضائل آل محمد: لا راية تبقى أمام راية آل محمد عليهم السلام | أوراق الخريف | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 2 | 14-08-2016 11:06 PM |
عمار بن ياسر { رض } قتيل الفئة الباغية ماذا تعرف عنه | النور الفاطمي | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 6 | 04-01-2012 06:06 AM |
أتعلم ما هو البلاغ المبين؟! | زينب قدوتي | القرآن الكريم والأدعية والزيارات الأذكار اليومية أدعية لقضاء الحوائج ختمات | 3 | 06-08-2011 11:13 PM |
كيف تعرف من هو المتين والضعيف؟؟ | حروف فاطم | الأبتسامة البريئة - الضحك والفرفشة - كرسي الإعتراف | 11 | 10-07-2009 12:07 PM |