اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
30-06-2009, 02:46 PM | #1 |
موقوف
تاريخ التسجيل: Apr 2009
الدولة: في قلب أهل البيت
المشاركات: 81
معدل تقييم المستوى: 0 |
مشكلة الكون
مشكلة الكون (للشيخ امين زين الدين) كنت تعرضت لمشكلة الكون في حديث ألقيته سابقاً حول المبدأ والمعاد، أجملت فيه القول عن المشكلة، ووقفت فيه وقفة الناقد، السريع العرض، المجُمِل النقد، وقد كان ذلك مني استجابة لوحدة الموقف وقِصَره، وتعدّد أنحاء البحث فيه، ووجدت من حسن تقبّل مستمعي الحديث، بالغ إقبالهم وتقديرهم، وطلب بعض الأحبة أن أعود للمشكلة مرة ثانية، فأبسط القول بعض البسط، بما يحتمله الموقف الواحد القصير أيضاً، وضمّ موقف الى موقف، وقصير الى قصير، سيكون أوفر استيعاباً -ولاشك-، واكثر تسليطاً للنور على مواضع النقد، وخصوصاً إذا كان موضوع الحديث في هذه المرة خاصّاً في مشكلة الكون لايشمل سواها. الفكرة السوفسطائية: وأول مهزلة يأتي بها العقل البشري في هذا السبيل هي فكرة السوفسطائيين. فكرة إنكار مافي الكون من حقيقة، فلا وجود، ولا مادّة، ولاطبيعة، ولاسماء، ولا أرض، ولا انسان، ولا حيوان، ولانبات ، ولا .. ولا .. لاشيء ابداً أبداُ، وإنما هي صور ترتسم في الأذهان.. صور وهميّة غير مادية يختلقها الذهن، ولاتخضع له المادّة من طرق علمية توجب اليقين. هذا هو كل ما نستطيع أن نعرفه عن الكون.. وهمٌ خالص، ولاطريق لنا الى معرفة الكون سواه، فكيف نثبت حقيقة الكون ؟!. ولست أدري هل يسري الأمر الى أبعد من ذلك أم لا ؟!. فهل ينكر (سير جيمس جينز) - رأس السوفسطائيين المعروف- وجود نفسه ؟، وهل يفتقر في معرفة ذاته الى صورة ذهنية، ليقول عنها: إنها وهميّة غير مادية، تخضع له المادة من طريق علميته تُوجب اليقين ؟. إن معرفة الانسان ذاته -أيها الأعزاء-لاتفتقر الى صورة ذهنية، وعلم الانسان بذاته حضوري كما يحسّه كل أحد. إن معرفتي بوجود غيري من الأشياء والأحياء تفتقر الى صورة يرسمها ذهني لذلك الشىء الذي أُريد معرفته، لأن الأشياء لايمكن ان تكون في الذهن بذواتها، وانما ترتسم فيه صورها، أما معرفتي بوجودي انا، فهي نفس حضور ذاتي لذاتي، فأنا معلوم لنفسي بالذات لابالصورة، لأن العالِم هنا عين المعلوم، وهذا الأمر واضح جداً لايقبل المناقشة. واذا علم الانسان بذاته كان للكون حقيقة ما، تكون منطلقاً للبحث، وهي كافية لإبطال فكرة السوفسطائيين. على أن الانسان اذا لم يستطع حتى معرفة نفسه الا بالصورة الذهنية، وكان كسائر مظاهر الكون وهماً لاحقيقة له -كما يدّعون-، كانت تصوراته وأحكامه وأفكاره وهماً من الأوهام كذلك، لأنها من آثاره وتوابعه، ولذلك فيصّح لنا أن نحكم حكماً قاطعاً بأن قول السوفسطائيين بنفي حقيقة الكون إنما هو وَهْمٌ من الأوهام لأنه من اثارهم، وأثر الوهم وهمٌ بلا ريب. هذا من ناحيته. ومن ناحية أخرى، فإنّ معرفتنا بقولهم إنما هي صورة ترتسم في الأذهان، وهي وهميّة غير مادية، لاتخضع لما تخضع له المادة من طرق علمية توجب اليقين، ولا طريق لنا الى معرفته سوى ذلك -كما يقولون عن الكون سواء بسواء-، فهو وَهْمٌ لايمكن التعويل عليه. ان هذا القول شبهة في مقابل البداهة -كما يقول القدماء-، والمشكلة التي يعانيها هؤلاء هي مشكلة انكار الأوليات والبَدَهيّات التي يملكها العقل، ويجعلها أساساً لمعرفته الأشياء، وهي شيء لايعتني به العقل الحصيف . وهذا القول مثال واضح لإسفاف الفكر البشري حين يركب رأسه، ويترك أسُسَه وأولياته، ويسير خابطاً على غير هدىً. مع قانون السببية: وحين يترك الانسان هذه البؤرة، ويرتفع بنفسه عن هذه الحِطة، ويفتح بصره على النور، يحسّ احساساً هو فوق الشكوك والشبهات، أنه في كون فسيح عجيب، يعّج بالبدائِع ويزدحم بالمُدهشات، أقربُه منه نفسه -اذا صح منا هذا التعبير-، وأبعده منه هذه العوالم المترامية التي يحيط بها هذا الفضاء العظيم. واذا كانت شمسنا هذه بقدر الأرض مليون مرة -كما يقول العلم-، فما شأن النجوم الأخرى التي يقدّر بعضها بقدر الشمس اربعمائة مرة كالشعرى اليمانية، ويقدر بعضها بقدر الشمس الفي مرة كسهيل؟؟!. ثم ما شأن المجرّات التي ليست هذه النجوم الضخمة الا نقطاً صغيرة في بناء هيكلها ؟!!. ثم ما شأن الفضاء الذي يعوم فيه مائة مليون مجرة، وكل مجرة تحوي مائة مُليون نجم -عدا الكواكب والتوابع- وهي لاتشغل منه الا كما تشغل السفن الصغيرة القليلة من المحيط اللّجي العظيم، على فارق كبير جداً بين المحيطين؟؟!. إن العلم لَيكتشف ويكتشف ويكتشف، وسيبقى يكتشف إلى آخر أيامه، ثم لايُبصر حدّاً تنتهي اليه عجائب هذا الفضاء العظيم. (فلا أقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم). أحسّ الانسان بذلك إحساساً لايقبل الشك، وعَلِم به حقّ العلم، وارتقى يستزيد من الاحساس ويستزيد من العلم، ووقف بفكره عند النقطة الأولى التي ابتدأ منه هذا الوجود. انه لايستطيع أن يصدّق أبداً أن يكون هذا الوجود كلّه مسبوقاً بالعدم الشامل، ان البداهة الفكرية تقول له بصراحتها: لاشيء يحدث من لا شيء، وكيف يمكن أن يحدث وجود ولم يكن قبله وجود يتولّد منه، أو يحدث بتأثيره؟. إن العدم لا يلد وجوداً ولا يؤثر فيه، وهذه بديهة من البدائه. أما أن يكون هذا الشيء الموجود الحادث بعد العدم قد أوجد نفسه بنفسه، فهو أشد استحالة وامتناعاً، لأنه يعني أن الشيء كان موجوداً قبل أن يوجد، ليصح أن يكون مُوجِداً لنفسه، فان المعدوم لايمكن ان يكون مؤثراً، ثم هو يجب ان يكون معدوماً في ذلك الآن ليمكن له ان يتلقى الوجود من ذاته، فان إيجاد ما هو موجود من تحصيل ماهو حاصل، وذلك محال.. وقف به التفكير عند بداية هذا الوجود، يلحّ ويلحف في التساؤل، إلحاحاً وإلحافاً ما عليهما من مزيد، ولو أنه التفت الى ركيزة الايمان من فطرته، أو إلى ركائز البرهان في فكرته، لاختصرا له الطريق، ووفّرا له الجهد، ولاستبان له النور الذي يُبصر به المعالم، ولم يتحيّر، ولم يتردّد، أولم تَطُل حيرته وتردّده- على أدنى التقادير-. مع الفطرة: والفطرة هي نداء الخلقة في الانسان.. في شعوره، وفي وجد انه، وفي عقله. هي نداء الحاجة الذاتية في كل معلول إلى علّته التي تسدّ له الحاجة، وتُفيض عليه الوجود بعد العدم، والكمال بعد النقص. .. إن لكلّ معلول حاجة ذاتية تشدّه الى علته، وتعقد كيانه بها، وتحوّل وجهه اليها أنّى كان، وأنّى توجّه، هي فاقة الشيء الى مصدر وجوده، ومصدر كماله بعد أن يوجد، ومصدر تدبيره ومده بالطاقة والنشاط طوال حياته وبقائه. وهذه الحاجة الذاتية في المعلول، وهذا التوجه الطبيعي بوجهه شطر علته، هما سرّ الدلالة الطبيعية الفطرية للمعلول على العلة، والأشياء كلّها مشتركة في هذه الحاجة، وفي هذه الدلالة، أو في هذا الاعتراف الطبيعي بالحقّ. والأمر الذي يختصّ به الانسان في هذا المجال -دون غيره من الاشياء والموجودات -أن الانسان كائن ملؤه الشعور، والشعور الكامل والتفكير من المميزات الأصيلة لإنسانيته، أوهما من المقوّمات لها. ونتيجة لذلك فلابدّ له من الشعور الكامل بحاجته الذاتية الى علّته، ولابد له من الشعور الكامل بتوجهه نحوها. وقوة الشعور في الانسان، وقوة العقل بذاتهما من الهبات الموجودة بعطاء العلة وتأثيرها، فهما كذلك شاعرتان بحاجتهما الذاتية، وبانقطاعهما الى العلة الموجدة، وأخيراً فهما معترفتان بها اعترافاً طبيعياً يؤمنان به في قراراتهما، وقد ينكرانه تحت تأثير التقاليد والأهواء. هذه الفطرة التي أرجع الله (جل وعلا) الانسان الى حكمها في كثير من آيات الكتاب العزيزه، أرجع الله الانسان الى حكمها عند وقوعه في الشدائد، وعلوقه في حبائل القدر، فان هذه المآزق ترجع الفطرة الى سلامتها وتنفض عنها غبار المؤثرات. (واذا مسّكم الضرّ في البحر ضل من تدعون الا إياه فلما نجّاكم الى البرّ أعرضتم، وكان الانسان كفوراً). ولا اطيل في التحدّث عنها ولكني أشير الى سرّ هذه الركيزة، والى أهمّية وجودها في بناء الايمان. مبدأ الغرضية: وقانون السببية وهو الآخر كنت قد وقفت عليه في حديثي السابق عن المبدأ والمعاد ، وتحدثت عن معناه وعن مجاله، فلا أعيد، ولكنني أودّ أن اشير الى دخالة هذه الركيزة الطبيعية في بناء الانسان. إن علم الأجنة يحدّثنا -وهو الخبير العليم بصدق ما يقول-: أن الحوين المنوي المذكر يندفع بنشاط وقصد في طلب بويضة الأنثى، يشق اليها طريقه المعنت الطويل، وإن بويضة الأنثى قد تدنت في انتظاره وتهيأت لملاقاته، فكلاهما قاصدان، والفارق ما بينهما في ذلك هو الفارق بين الموجب والسالب، اللذين تتألف منهما الشحنة الكهربائية الموحّدة، فالموجب طالب، والسالب مطلوب في الأكثر. ويقتربان فينشطر كل واحد منهما بالطول لا بالعرض، وتنشطر كل جزيئاته ومحتوياته وكروموسوماته، فيلقي منها نصفاً، ويلتقي النصف الباقي من خلية الذكورة بالنصف الباقي من خلية الأنوثة قاصدين، فيكون الاتحاد ويكون التلقيح. وتنشأ الخليّة الملقحة الموحّدة، ثم تبدأ طريقها بالتكاثر عن سبيل الانقسام، فتصبح الخليّة الواحدة خليتين، ثم تكون الثنتان أربعاً، والأربع ثماني، وهكذا في سبيل محدّد ميسّر، فكل خلية تسير في سبيلها لاتعدوه. ثم تتصنف الخلايا أصنافاً، وتتوزع أعمالها توزيعاً، ويختصّ كل صنف في بناء ناحية أو جهاز أو جارحة من الجسم لايعدوه الى سواه، حتى أن الخلايا المنصرفة الى تكوين العين -مثلاً- لايمكن ان تصنع الا عيناً، وان نقلناها الى غير موضعها الطبيعي من الجسد، وكذلك الخلايا الموكّلة بصنع الأذن أو اليد أو الرجل، هن قولة علم الأجنة الحديث، يقولها دون شك ولاتحفّظ. ومعنى ذلك، ولندع هنا -ولو مؤقتاً- قول الإلهيين الذين يقولون بوجود إله يصدر عنه الكون، ويوجّه الخلايا بارادته إلى بناء هيكل الجنين كما تشاء الحكمة، لِندع ذلك -ولو مؤقتاً- لتتسنى لنا مداورة الحديث مع منكر الألوهية. أقول: ومعنى ذلك أن خلايا الانسان كلّها، ومنها خلايا مخّه التي بها يشعر ويفكر ويلاحظ.. ان خلاياه كلها تسير على مبدأ الغرضية، فالغرض يسوقها الى الغاية المحدّدة، وهي لا تحيد أبداً عن هذا السبيل. تسير إلى أغراضها المعيّنة مُذعنة بهذا المبدأ وبهذا السبيل. والغرضية عبارة عن ارتباط السبب المحدّد بغرضه المحدّد، فهي عبارة أخرى عن قانون السببية، أو هي نتيجة بيّنة من نتائجه. ومعنى ذلك بالعبارة الأخرى الواضحة: أن خلايا الانسان كلها، ومنها خلايا مخه التي بها يشعر ويفكّر ويلاحظ.. أن خلاياه كلّها مفطورة على قانون السببية، وارتباط الأسباب بغاياتها، وأن قانون السببية ومبدأ الغرضية هما ركيزة التكوين في بناء الانسان ، وبناء خلاياه الصغيرة التي منها يتكوّن. ونعتقد أننا لانبعد كل البعد إذا قلنا: إنهما ركيزة التكوين كذلك في بناء جزيئاته الدقيقة التي تتكوّن منها الخلايا والأمصال والإفرازات، ولعل العلم قال كلمته في ذلك. ولا نبعد كل البعد اذا قلنا: إن مبدأ الفرضية وقانون السببية هما ركيزة التكوين في بناء كلّ خليّة حيّة يتألف منها تركيب الحيوان والنبات، بل والذرة التي يتقوّم بها بناء الكون كلّه، حيّه وجامده، متحركه وساكنه، فان القصد ظاهر في كل أولئك، ولامكان للخبط والعشوائية والمصادفة في شيء من مظاهر هذا الكون العظيم. هذا هو قانون السببية. ركيزة في فطرة كل حيّ، وفي كيان كل شيء، وفي طبيعة كل بسيط ومركّب. وركيزة في فطرة الانسان وفطرة عقله، وفطرة خلاياه وجزيئاته، وهو مذعن به، وبثبوته في كل اولئك المراحل فهل يفتقر بعدها الى برهنة وإلى إثبات؟. ومرة أخرى وقف التفكير بالانسان عند بداءة هذا الوجود يلحّ عليه ويلحف بالسؤال إلحاحاً وإلحافاً ما عليهما من مزيد، ولو أنه التفت الى ركيزة الايمان من فطرته، أو الى ركيزة البرهان في فكرته لاختصرا له الطريق، ووفّرا له الجهد، واستبان له النور الذي يبصر به لمعالم، ولم يتحيّر ولم يتردّد، أو لم تَطُل حيرته وتردّده على أقل التقادير. ولكنه لم يأبه لركائز اليقين فتمادى به التفكير وتمادت به الحيرة. مع النظرية المادية: وافترقت به السبل الى فرقتين: فرقة انكرت ما وراء المادة وما وراء الحسّ. فالمادة وتوابعها ونتائجها هي الشيء المحسوس، فهي الموجود على الحقيقة، وما وراء المادة غير محسوس ولا تناله التجربة فهو غير موجود، وفرض وجوده وهمٌ وخداع. المادة هي الموجودة، وهي أزلية صانع لها ولا موجد، ولاشيء غير المادة، وغير قوانينها التي تحكمها، وتوجّهها في مختلف الاتجاهات. وخيّل لها أنها- بهذا- قد حلّت المشكلة التي يلحّ بها الفكر: (مشكلة الكون). والفكر الواعي يوجّه الى هذا الفريق عدداّ من الأسئلة لابّد له من الاجابة عنها: كيف استوجبت المادة صفة الأزلية، وهي التي لاتستوجب بذاتها الوجود الا بعلّة مؤثّرة سواها؟. ان المادة ممكنة الوجود ولاريب، ولايدّعي أحدٌ لها وجوب الوجود، وممكن الوجود لايوجد الا بعلة تامّة تفيض عليه الوجود، واذا كانت المادة محتاجة الى العلة في أصل وجودها، فكيف تكون بذاتها أزلية الوجود؟، إنها لن تكون موجودة ولن تكون أزلية بذاتها، ولن تكون كذلك الا بِعلة مؤثّرة خارجة عنها. وكيف استوجبت المادة صفة الازلية، وهي المتغيّرة التي تتبادلها الصّور، وتتنازعها القوانين، وتتقاسمها العلل والمؤثرات؟، وما كان شأنه كذلك فهو حادث، ومجموعة من الحوادث لايمكن أن تكون أزلية. وكيف تنحصر طرق المعرفة بالحسّ والتجربة؟!. والأوليات والبدهيات التي يستيقن العقل صدقها بذاته، ولا يفتقر في تصديقها الى اثبات، أليست طرقاً للمعرفة كذلك، ومنها حكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين؟. والتجربة والحسّ، بماذا أثبت العقل أنهما طريقان للمعرفة الصحيحة ؟. أبالتجربة والحسّ ذاتهما؟!. وهل يثبت الشيء نفسه؟!. ام بطريق آخر هو أوضح ثبوتاً عند العقل منهما؟!. وإذن فللعقل معلومات أوليّة يرجع اليها، هي قبل الحسّ والتجربة، وهي أوضح ثبوتاً عند العقل منهما. وكيف ينحصر الوجود بالمحسوس؟!. فان كثيراً من الأمور نعلم بوجودها يقيناً لولجود آثارها وهي غير محسوسة ولا مشاهدة، حتى بأدق الآلات والمجاهر، منها الطاقة والرّوح والجزيئات التي تتألّف منها الذرّة، بل الذرّة ذاتها. إن جزءاً من عشرة ملايين جزءاً من المليمتر الواحد لاتستطيع المجاهر القوية، ولا الأدوات الدقيقة أن تراه، ولكنه موجود على أي حال، وهو الذرّة التي كشف العلم في تركيبها وفي تفجييرها العجب العجاب. إن هذا الجزء الصغير لايرى ولايحس الا بآثاره -كما يقول بعض علماء الطبيعة-، فما شأن نوية الذرّة؟ وهي تصغر عنها مليون مرة كما يقول العلم، وما شأن الجزيئات التي تحوم النواة؟، وما شأن الدقائق الأخرى التي تتألف منها الشحنة؟، إنها أمور لم يدّع أحد إلى الآن رؤيتها، ولم يشكّ ذو عقل بوجودها، لوجود آثارها. وما اكثر الشواهد من أحاديث الفلك وأحاديث الطبيعة على ذلك!!. إن العلم لاينكر مالايحسّ، ومواقفه في اكتشاف المجهولات التي رأى اثارها ولم يشاهد أعيانها كثيرة معروفة، ومن أجل ذلك عرف بالمصابرة والمثابرة، وعرف العلماء بقوة الجلد وطول المران. إن العلم لاينكر مالا يحسّ، ولكن الفلسفة الوضيعة تبنّت قولة العلم في اعتماد الحس والتجربة في ميادين المادة، ثم افرطت في الاستنتاج فأنكرت مالا يحسّ، وهو قول يعوزه الاثبات. وقوانين الكون الثابتة التي تحكم المادة وتسيّرها وتوجّهها من الذي وضعها، وأطلق حكمها في تدبير الطبيعة وتصريفها؟. أهي المادة نفسها أم ماذا؟ وهل من الممكن ان تكون موجودة وأزلية بذاتها ولا واضع لها؟. ان العقل الواعي يقف عند كلّ واحدٍ من هذه الأسئلة وأمثالها، وهو يوجّهها، ولايجد الجواب عنها فيرى أن (مشكلة الكون) لم تحلّ بذلك ولن تحل، بل ازدادت تعقيداً واعضالاً. مع اللاأدريين وفرقة اخرى ارتابت في الأمر، ووجدت نفسها بين حليّن لاثالث لهما، فعليها ان تبيّن أمرها، أي الحلّين أدنى الى الصواب. اما أن تقول بأزلية العالم، واستغنائه بوجوده عن العلة المؤثرة. عن الإله. واما أن تقول بحدوث العالم وحاجته الى مكوّن مُحدث.. إلى إله. وكأنها ظنت أن حاجة العالم إلى العلة آتية من جهة حدوثه، ولذلك فاذا كان أزلياً فلا حاجة الى صانع مدبّر. وهذا هو موطن الضعف في القول، فان حاجة العالم الى العلة اتية من جهة امكانه لامن جهة حدوثه، ذلك أن الشيء الذي يمكن وجوده بذاته ويمكن عدمه، يستحيل أن يترجح وجوده على عدمه بدون مرجّح من خارج ذاته.. بدون علّة تفيض عليه الوجود. وهذا هو مجال قانون السببية، وقد أوضحت ذلك في حديثي عن المبدأ والمعاد. ونتيجة لذلك فالعالم يستحيل أن يكون موجوداً بذاته، بدون علّة وإن كان أزلياً. هذا حكم العقل الواعي، والبرهان المنير في أصل المشكلة، وأما حكمه في أزلية العالم، فقد أشرت اليه في غضون هذا الحديث. ان العالم ممكن -كما قلت-، فهو لا يستوجب الوجود بذاته، بل يقتصر في وجوده الى علة، واذا كان لايستوجب الوجود الا بعلة، فكيف يستوجب أزلية الوجود بذاته ودون علة؟، انه تناقض وإحالة. وان العالم المادي متغيّر متصرّم، والمتغيّر حادث، فان كل موجود من موجوداته حادث ولاشك، ومجموعة من أشياء حادثة لايمكن أن تكون أزلية. واما قوله العلم في ذلك فقد أشرف اليها في حديثي السابق، واودّ أن أتناولها بشيء من الإيضاح. ان الطاقة الكونية الموجودة التي تمدّ الأحياء والأشياء محدودة، ولا إشكال. وان الطاقة الميسورة تتحوّل الى طاقة غير ميسورة، ثم لاتعود- كما يقول القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية-. إذن فليس للطاقة الميسورة مدد غير هذا الركام الموجود المحدود، وكل ما يفنى من الطاقة الميسورة فليس له بدلٌ يخلفه، وإذن فلابدّ وأن تفنى الطاقة الميسورة، ولاتجد الأشياء والأحياء طاقة تمدّها. وإذن فلا محيد من أن يصل العالم كله الى درجة الصفر المطلق، الى الفناء العام. هذا ما يقوله العلم ويثبته، ولا يبقي فيه مجالاً للتشكيك. ويتدخّل الفكر الواعي، ليتم الاستنتاج فيقول: واذا كان العالم محدود الآخر، فهو غير ازلي كذلك، لأنه لو كان أزلياً غير محدود الأول، لكان العالم قد أدركه الفناء منذ زمن بعيد، لان طاقته الميسورة مهما بلغت، فلا يمكن لها البقاء طوال هذه القرون. ولما وجدنا العالم لايزال موجوداً، ووجدنا الطاقة الميسورة لاتزال تمّد الاشياء والأحياء، علمنا يقيناً ان العالم انما نشأ منذ أزمان يتسع طولها لبقاء هذه الطّاقة وبقاء مددها، فالعالم المادي محدود الأول كما هو محدود الآخر، حدّدته الطاقة التي تمدّ ثم لاتتجدد. النظرية الاسلامية: اما قولة الإسلام في ذلك فهي قولة الفطرة السليمة، وقولة الفكر السليم، وقولة البرهان المنير، وقولة الآيات البيّنة، التي ملأت آفاق السماء ومناكب الأرض ، وقولة الموجودات من حيّ ونبات وجماد، وقولة أديان السماء التي أنزلها ربّ السماء، وقولة الّرسل المطهّرين لأممهم: (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض). انها التسبيحة الكبرى التي يردّدها كلّ رطب ويابس، ويجهر بها كل صامت وناطق، ويحني بها هامته كل صغير وكبير. (ألم تَرَ أنّ الله يسجُد له من السماوات ومن الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنجوم والجبال والشجرُ والدوابُّ وكثيرٌ حقَّ عليه العذابُ ومن يُهنِ اللهُ فما له من مُكرِم إن الله يفعلُ ما يشاء). ان الكون كُلّه ليتآزر ويتعاضد ويقول كلمته الواحدة الواضحة يعيها من يعي، ويُصمّ سمعه عنها من يُصمّ: إن كل ما هنا أثر رحمة، وتجلّي حكمة، وكل ما هنا آية قدرة، ودليل علم وبرهان، وجود لايُشبهه شيء مما في هذا الوجود. إن كلّ ما هنا فقرٌ يدلّ على غنى مطلق، وكلّ ما هنا نقصٌ يدلّ على كمال مطلق، وكلّ ما هنا عجزٌ يدلّ على قدرة مطلقة، وكل ما هنا جهلٌ يدلّ على علم مطلق، وكل ما هنا حدود ونهايات تدلّ على وجود لا ابتداء له ولا حدّ ولانهاية. ان صانع الكون يجب أن يكون منزّهاً عن نقائص المادة، ولوازم الحدوث والامكان، ولو كان له بعض هذه الشؤون لكان مفتقراً بدوره الى صانع..الى آله. هذه قولة الاسلام، وقولة الفطرة في الانسان، وفي كل شيء، وقولة البرهان المنير. يريد ليرفع النور لهذا الانسان فيبصّره السبيل، ويرتفع به الى الغاية، ويقيه شرّ التخبّط، ولكن الانسان يصرّ الا أن يُطبق عينيه، ويوقِر سمعه، ويوصد أبواب قلبه، ويسير خابطاً في متاهة، ثم يصرّ الا أن يسمّيها: (مشكلة الكون)، على ارتفاع النور، ووضوح المعالم. (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم). صدق الله العلي العظيم |
01-07-2009, 03:59 PM | #2 |
~¤ فاطمية متألقة ¤~
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: السعوديه القطيف
المشاركات: 617
معدل تقييم المستوى: 35 |
مشكوره خيه على الطرح
دمتي بخير11 |
01-07-2009, 07:20 PM | #3 |
موقوف
تاريخ التسجيل: Apr 2009
الدولة: في قلب أهل البيت
المشاركات: 81
معدل تقييم المستوى: 0 |
شكرا لك اختي ع المرور الرائع
دمتي بود **** |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
..*أجمل مافي الكون*.. | المتلألئه | الحوار العام - نقاشات وحوارات تهم المرأة و المجتمع | 7 | 30-11-2011 11:07 AM |
بكاء الكون على الامام الحسين عليه السلام | الصبح تنفس | كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء | 12 | 17-06-2011 04:02 PM |
تأتأة الأطفال مشكلة لها حل | نور فاطمة | التربية والطفل | 6 | 05-06-2009 07:44 PM |
مشكلة مصّ الإصبع .. و الحلول | أم حسين | التربية والطفل | 2 | 02-03-2009 02:14 PM |