أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) ![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
![]() الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.هو الذي واكب واقعة كربلاء منذ البداية وحتى النهاية، وهو الذي شهد مصرع أبيه وإخوته وأعمامه وبني عمومته وأصحاب أبيه، رضوان الله عليهم أجمعين، كما شاهد عليه السلام بنات رسول الله (ص) عصر عاشوراء يتراكضن في البيداء من خباء إلى خباء، ومن خيمة إلى خيمة، ومنادي القوم: أحرقوا بيوت الظالمين. ولله صبره وهو ينظر إبن مرجانة وبيده العود ينكث ثنايا أبيه الحسين عليه السلام. وكانت خاتمة الجولة الشام، ومجلس يزيد بن معاوية، وشماتة بني أمية. فلو أن أيوباً رأى بعض ما رأى لقال نعم هذا العـظيمة بلواه فوالله لمصيبته لا تصغر عندها مصيبة أيوب عليه السلام فحسب بل تصغر لديها مصائب الدنيا بأسرها، وفوادح الدهر منذ أن تخطى آدم عليه السلام هذا الكوكب وحتى تقوم الساعة. وإذا كان الحديث عن مصائبه عليه السلام له المنطلق الرحب، والمجال الواسع، فجوانب حياته الأخرى فيها الشئ الكثير من العبر والدروس، فلقد كان عليه السلام الغاية في العبادة - كما يقول إبن أبي حديد - وكيف لا يكون كذلك، وقد أجمع أهل السير والتراجم على أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وصارت لأعضاء سجوده ثفنات كثفنات البعير، يقطعها في السنة مرتين، وأصبح لا يُعرف ألا بزين العابدين والسجاد وذي الثفنات وسيد العابدين، كما أن سيرته عليه السلام هي السيرة المثالية التي لا يقدر عليها إلا نبي أو وصي نبي، وإلا فهل هناك من يقبل أن يضم عائلة مروان بن الحكم - أعدى الناس لأهل البيت - إلى عياله في واقعة الحرة، أو يعول بمائة بيت من أهل المدينة، أو يحمل جراب الدقيق على ظهره ويطوف على بيوت الفقراء، يوصلها إليهم سراً وهم لا يعرفونه. ![]() وإذا تحدثنا عن أدعيته عليه السلام، فأنت إذا رفعت القرآن الكريم وحديث الرسول الأعظم (ص) ونهج البلاغة، فقل فيها ما شئت، فهي زبور آل محمد والموسوعة الإلهية الكبرى. والحديث عن بعض جوانب حياته عليه السلام، حافلة بالكثير من كلامه وسيرته الكريمة المليئة بالمثل الرفيعة، والسجايا الكريمة؛ النص عليه بالخلافة.. عبادته.. سيرته..إحسانه وكرمه.. عتقاؤه.. خطبه.. وصاياه.. رسالته.. رسالة الحقوق.. حكمه.. أجوبته.. أدعيته أو الصحيفة السّـجـّادية.. إستجابة دعائه.. شعـره .. كلمات العلماء والعظماء.. قصيدة الفرزدق... نسرد فيما يلي ما تيسر منها. الامام زين العابدين سلام الله عليه في سطور هو الإمام عليّ بن الحسين ((عليه السلام)) رابع أئمة أهل البيت ((عليهم السلام))،وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله((صلى الله عليه وآله))، وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث عنه. وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وبضعته، وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها. * وأبوه الإمام الحسين ((عليه السلام)) أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّه((صلى الله عليه وآله)): «حسين منّي وأنا من حسين»، وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين. * وهو أحد الأئمّة الاثني عشر ((عليهم السلام)) الذين نصّ عليهم النبىّ((صلى الله عليه وآله)) كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، إذ قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش». * وقد ولد الإمام عليّ بن الحسين ((عليهما السلام)) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، نشأة الامام زين العابدين لقد توفّرت للإمام زين العابدين((عليه السلام)) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول((صلى الله عليه وآله)) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء على أداء رسالته. نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه, إشارة لقوله تعالى: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار). النور (24) : 36 ـ 37.)، ومنذ الأيام الاُولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام((عليه السلام)) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى((عليه السلام)) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام((عليه السلام)) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ((عليهما السلام)) الذي رأى في ولده علي زين العابدين((عليه السلام)) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته. لقد ولد الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (36 هـ )(1) يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام علي((عليه السلام)) لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الى الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (94 أو 95 هـ ). وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (38 هـ ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين((عليه السلام)) قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط((عليه السلام)) مع أهله عن أبيه((عليه السلام)) في هذه الفترة بشكل خاص(2) اُمّـهُ : اسمها «شهربانو» أو «شهر بانويه» أو «شاه زنان» بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس(3)، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه(4). (1) الإرشاد : 2/137، ومناقب آل أبي طالب : 4/189، والإقبال : 621 ، ومصباح الكفعمي: 511 ، والأنوار البهية: 107 قال: سنة 36 يوم فتح البصرة. (2) تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م 325 : 77. (3) رغم أنّ أغلب المؤرخين متفقون على أنّ اُم الإمام السجاد ((عليه السلام)) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن هناك من يعتبر ذلك مجرد اُسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين((عليه السلام)) للسيد جعفر الشهيدي. والإسلام وايران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين((عليه السلام)): 24/14 ـ 39 ، والثابت أن اُمّ الإمام السجاد((عليه السلام)) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا. (4) سيرة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته ((عليهم السلام)) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت ((عليهم السلام)) الطبعة الاُولى 1414 هـ . ![]() كُـناه : أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله ( حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل: 390). ![]() ألقابـه: «زين العابدين» و «ذو الثفنات» و «سيّد العابدين» و «قدوة الزاهدين» و «سيّد المتّقين» و «إمام المؤمنين» و «الأمين» و «السجّاد» و «الزكي» و «زين الصالحين» و «منار القانتين» و «العدل» و «إمام الاُمّة» و «البكّاء»، وقد اشتهر بلقبي «السجاد» و «زين العابدين» أكثر من غيرهما. إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ : (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) ( الفرقان (25) : 63.)، وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالى، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه. لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التأريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة: 1 ـ روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال((صلى الله عليه وآله)): «يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم (سيّد العابدين) فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام»(1). ![]() 2 ـ كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين((عليه السلام)) قال: حدّثني «زين العابدين» عليّ بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأنـّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر (يخطو) بين الصفوف»(2)؟ ![]() 3 ـ وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقر((عليه السلام)) أنّه قال: «كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتّين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك»(3). ![]() 4 ـ كما جاء عنه عن كثرة سجود أبيه: ما ذكر لله عزّوجلّ نعمة عليه إلاّ وسجد، ولا دفع الله عنه سوءً إلاّ وسجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ وسجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي بالسجّاد(4). (1) إحقاق الحق : 12 / 13 ـ 16، والبداية والنهاية لابن كثير : 9 / 106. (2) علل الشرائع : 1/269، والأمالي : 331 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 2 الحديث 1 و 2. (3) علل الشرائع : 1/273 ومعاني الأخبار : 65 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 6. (4) علل الشرائع : 1/272 وعنه في بحار الأنوار: 46/6 ح 10. قصيدة الفرزدق في مدح الامام زين العابدين http://www.youtube.com/watch?v=v10yT3omNEo ![]() النصّ على إمامة زين العابدين((عليه السلام)) لقد نصّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) على إمامة اثني عشر إماماً من أهل بيته الأطهار، وعيّنَهم بذكر أسمائهم وأوصافهم، كما هو المعروف من حديث الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري وغيره عند العامّة والخاصّة ( راجع : منتخب الأثر: 97، الباب الثامن، والإرشاد وإعلام الورى بأعلام الهدى: 2/181، 182، النصوص على الأئمة الاثنا عشر، قادتنا: 5/14، وإثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 2/285، النصوص العامة على الأئمة، وإحقاق الحقّ وملحقاته ج1 ـ 25). كما نصّ كلّ إمام معصوم على الإمام الذي يليه قبل استشهاده في مواطن عديدة بما يتناسب مع ظروف عصره، وقد كان النصّ يكتب ويودع عند أحد سرّاً، ويجعل طلبه دليلاً على الاستحقاق، ونلاحظ تكرّر هذه الظاهرة في حياة أبي عبدالله الحسين((عليه السلام)) بالنسبة لابنه زين العابدين((عليه السلام)) تارة في المدينة واُخرى في كربلاء قبيل استشهاده. وممّا روي من النصّ على إمامة ولده((عليه السلام)) ما رواه الطوسي، عن أبي جعفر الباقر((عليه السلام)): أنّ الحسين لمّا خرج الى العراق دفع الى اُمّ سلمة زوجة النبىّ((صلى الله عليه وآله)) الوصيّة والكتب وغير ذلك وقال لها: «إذا أتاك أكبر وُلدي فادفعي إليه ما قد دفعتُ إليك». فلما قُتل الحسين((عليه السلام)) أتى عليّ بن الحسين((عليه السلام)) أُمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين((عليه السلام)). وفي نصٍّ آخر: أنّه((عليه السلام)) جعل طلبها منها علامة على إمامة الطالب لها من الأنام فَطلبها زين العابدين((عليه السلام))(1). وروى الكليني عن أبي الجارود عن الإمام الباقر((عليه السلام)): أنّ الحسين((عليه السلام)) لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة، وكان عليّ بن الحسين((عليه السلام)) مريضاً لا يرون أنّه يبقى بعده، فلمّا قُتل الحسين((عليه السلام)) ورجع أهل بيته الى المدينة دفعت فاطمة الكتاب الى عليّ بن الحسين((عليه السلام))(2). و في احتجاج الإمام((عليه السلام)) مع عمّه محمد بن الحنفيّة أنّه قال له: «إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه الى العراق وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة» (3). (1) الكافي : 1 / 242 / 3 ، والغيبة للطوسي: 118 الحديث 148، واثبات الهداة: 5 / 214 ـ 216. (2) الكافي : 1 / 241 / 1، واثبات الوصيّة: 142، وإعلام الورى : 1 / 482 ـ 483. (3) الاحتجاج : 2 / 147، احتجاجات الإمام زين العابدين((عليه السلام)) . ![]() الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) يوم عاشوراء : إنّ أشدّ ما كان يحزّ في نفوس أهل بيت الرسالة ومحبّيهم ما رواه حميد ابن مسلم، وهو شاهد عيان بعد ظهر اليوم العاشر من المحرّم إثر استشهاد الإمام الحسين((عليه السلام)) إذ قال: لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها من ظهرها حتى تغلب عليه فيُذهب به منها. ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسين((عليه السلام)) وهو منبسط على فراش وهوشديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا له: ألا تقتل هذاالعليل؟ فقلت: سبحان الله أيقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيٌ وإنّه لما به، فلمأزل حتى دفعتهم عنه. وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض... من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهن، فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً. وهكذا شارك الإمام زين العابدين((عليه السلام)) أباه الحسين السبط((عليه السلام)) في جهاده ضد الطغاة ولكنه لم يرزق الشهادة مع أبيه والأبرار من أهل بيته وأصحابه، فإنّ الله سبحانه كان قد حفظه ليتولّى قيادة الاُمّة بعد أبيه((عليه السلام)) ويقوم بالدور المعدّ له لصيانة رسالة جده((صلى الله عليه وآله)) من أيدي العتاة العابثين وانتحال الضالّين المبطلين ومن التيارات الوافدة على حضيرة الإسلام التي أخذت رقعتها بالاتّساع والانتشار السريع. ![]() تعرضت الاُمة الإسلامية في عصر الإمام السجاد((عليه السلام)) لخطرين كبيرين: الخطر الأول: هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالاُمة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الاسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد. وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين((عليه السلام)) فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول((صلى الله عليه وآله)) وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين. وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة. الخطر الثاني : هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية. وقد اتّخذ الإمام زين العابدين((عليه السلام)) من الدعاء أساساً هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت «الصحيفة السجادية» تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام((عليه السلام)) إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له(1). ![]() انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام زين العابدين((عليه السلام)) وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في هذه الدنيا، لايدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له: أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم(العقد الفريد : 2 / 251). ، ولم يقتصر تعظيمه على الذين صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة. ![]() أقوال وآراء معاصريه فيه ((عليه السلام)) : عبّر المعاصرون للإمام((عليه السلام)) من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما يلي نبذة من كلماتهم: 1 ـ قال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري: ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين((عليه السلام))... (حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل : 1 / 126). 2 ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه في السنّ يجلّ الإمام ((عليه السلام)) وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب. (تأريخ دمشق : 36 / 147، وتذكرة الخواص : 324) . 3 ـ وُصِف محمّد بن مسلم القرشي الزهري بالفقيه، وأحد الأئمّة الأعلام وعالم الحجاز والشام (تهذيب التهذيب : 9 / 445) وقد كان على خطّ غير أهل البيت((عليهم السلام)) ولكنّه أدلى بمجموعة من الكلمات القيّمة أعرب فيها عمّا يتصف به الإمام((عليه السلام)) من القيم الكريمة والمُثل العظيمة، وهذه بعض كلماته: أ ـ ما رأيت هاشمياً مثل عليّ بن الحسين... ( الأغاني : 15 / 325). ب ـ لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين(شذرات الذهب : 1 / 105). ج ـ ما رأيت أحداً أفقه منه ( شذرات الذهب : 1 / 105). 4 ـ سعيد بن المسيّب : وهو من الفقهاء البارزين في يثرب، وقال عنه الرواة: إنّه ليس من التابعين من هو أوسع منه علماً (تهذيب التهذيب : 4 / 85)،وقد صحب الإمام((عليه السلام)) ووقف على ورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، وقد سجّل ما رآه بهذه الكلمات: أ ـ ما رأيت قطّ أفضل من عليّ بن الحسين((عليه السلام)) وما رأيته قطّ إلاّمَقَتُّ نفسي ( تأريخ اليعقوبي : 3 / 46) ب ـ ما رأيت أورع منه.(العبر في خبر من غبر : 1 / 111). ج ـ كان سعيد جالساً وإلى جانبه فتىً من قريش، فطلع الإمام((عليه السلام)) فسأل القريشيّ سعيداً عنه، فأجابه سعيد: هذا سيّد العابدين(الفصول المهمة : 189). 5 ـ زيد بن أسلم : وكان في طليعة فقهاء المدينة، ومن مفسِّري القرآن(تهذيب التهذيب : 3 / 395)، وقد أدلى بعدّة كلمات بشأن الإمام((عليه السلام)) منها: أ ـ ما جالست في أهل القبلة مثله (حياة الإمام زين العابدين:1/129عن تأريخ دمشق: 12 / ق1 / الورقة 19). ب ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فيهم ( أي : في أهل البيت ) ( حياة الإمام زين العابدين: 1/129 عن تأريخ دمشق : 12 / ق1 / الورقة 19.). ج ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فهماً حافظاً(طبقات الفقهاء : 2 / 34). 6 ـ حماد بن زيد : وهو من أبرز فقهاء البصرة، اُعتبر من أئمّة المسلمين (تهذيب التهذيب : 3 / 9)، قال فيه: كان عليّ بن الحسين أفضل هاشميٍّ أدركته(تهذيب اللغات والأسماء، القسم الأول : 343). 7 ـ يحيى بن سعيد: وهو من كبار التابعين، ومن أفاضل الفقهاء والعلماء (حياة الإمام زين العابدين( دراسة وتحليل): 1 / 130 عن تهذيب التهذيب).، وقد قال: سمعت عليّ بن الحسين وكان أفضل هاشمي رأيته (المصدرالسابق عن تهذيب الكمال م7/ ق2/ الورقة 336). 8 ـ لقد تعدّى الاعتراف بالفضل للإمام((عليه السلام)) إلى أعدائه ومبغضيه، فهذا يزيد بن معاوية وبعد أن ألحّ عليه أهل الشام في أن يخطب الإمام((عليه السلام)) أبدى مخاوفه منه قائلاً: إنّه من أهل بيت زُقّوا العلم زقّاً، إنّه لا ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان... ( المصدر: نفس المهموم : 448 ـ 452 ط قم عن مناقب آل أبي طالب : 4/181 عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي: الخطبة بدون المقدمة، والمقدمة عن الكامل للبهائي : 2/299 ـ 302 وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 1/175). 9 ـ عبد الملك بن مروان : وهذا عدوّ آخر يقول للإمام ((عليه السلام)): ... إنّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وعصرك، ولقد اُوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضى من سلفك ...(بحار الأنوار : 46 / 75.) 10 ـ منصور الدوانيقي : وهذا عدوّ آخر أيضاً لأهل البيت((عليهم السلام)) قد أشاد بفضل الإمام((عليه السلام)) في رسالته إلى ذي النفس الزكية بقوله: ولم يولد فيكم (أي في العلويّين) بعد وفاة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) مولود مثله (أي مثل زين العابدين) (الكامل للمبرد : 2 / 467، العقد الفريد : 5 / 310). ![]() آراء العلماء والمؤرخين فيه ((عليه السلام)) : 1 ـ قال اليعقوبي: كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...( تاريخ اليعقوبي : 3 / 46). 2 ـ قال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر: في ترجمة الإمام((عليه السلام)): كان عليّ بن الحسين ثقةً مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً... (تأريخ دمشق : 36 / 142). 3 ـ قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقدكان أهلاً للإمامة العظمى; لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمالعقله... ( سير أعلام النبلاء : 4 / 240) 4 ـ قال الحافظ أبو نعيم: قال: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب((عليهم السلام)) زين العابدين ومنار القانتين، كان عابداً وفيّاً وجواداً صفيّاً...(حلية الأولياء : 3 / 133). 5 ـ قال صفيّ الدين: كان زين العابدين عظيم الهدى والسمت الصالح ...(المصدر:وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: 280). 6 ـ قال النووي: وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء... (عن تهذيب اللغات والأسماء : ق1 / 343) 7 ـ قال عماد الدين إدريس القرشي: كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أفضل أهل بيت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وأشرفهم بعد الحسن والحسين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة (عيون الأخبار وفنون الآثار: 144). 8 ـ قال النسّابة الشهير ابن عنبة: وفضائله ((عليه السلام)) أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف (المصدر:عمدة الطالب: 193). 9 ـ قال الشيخ المفيد: كان عليّ بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، وقال: قد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرة، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء ...( الإرشاد : 2 / 138 و 153). 10 ـ وقال ابن تيمية: أمّا عليّ بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً... وله من الخشوع وصدقة السرّ وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف (منهاج السنّة : 2 / 123 ). 11 ـ قال الشيخاني القادري: سيّدنا زين العابدين عليّ بن الحسين بن أبي طالب اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجوّ في الجود محاسنه، عظيم القدر، رحب الساحة والصدر، وله الكرامات الظاهرة ما شوهد بالأعين الناظرة وثبت بالآثار المتواترة...(الصراط السوي الورقة 19). 12 ـ قال محمّد بن طلحة القرشي الشافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، وسيّد المتقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالةرسول الله((صلى الله عليه وآله)) وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاق التقوى فتفوّقها، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافة المسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة...( مطالب السؤول : 2 / 41). 13 ـ قال الإمام الشافعي: إنّ عليّ بن الحسين أفقه أهل المدينة(رسائل الجاحظ: 106). 14 ـ قال الجاحظ: وأمّا عليّ بن الحسين فلم أرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلاّ كالعامي، ولمأرَ العامي إلاّ كالخاصي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشكفي تقديمه... (عمدة الطالب: 193 ـ 194). 15 ـ قال سبط ابن الجوزي: وهو أبو الأئمّة وكنيته أبو الحسن ويلقب بزين العابدين وسمّاه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) سيد العابدين... والسجاد; وذي الثفنات، والزكي والأمين، الثفنات:ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين فكان طول السجود قد أثّر في ثفناته(تذكرة الخواص : 324 ). ![]() مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) الحـلـم : كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون : 1 ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً : «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام((عليه السلام)): «عفا الله عنك»، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال ((عليه السلام)) لها: «إذهبي فأنت حرّة» (المصدر: أمالي الصدوق : 168 ح 12 والارشاد : 2/146 ، ومناقب آل أبي طالب : 4/157، تاريخ دمشق : 36/155 وابن منظور في مختصره: 17/240 ، وسير أعلام النبلاء : 4/397 ، ونهاية الارب : 21/326). 2 ـ سبّه لئيمٌ فأشاح((عليه السلام)) بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني... وأسرع الإمام قائلاً: «وعنك اُغضي...» وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل (مناقب آل أبي طالب : 4/171 ، والبداية والنهاية : 9 / 105). 3 ـ ومن عظيم حلمه ((عليه السلام)): أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال((عليه السلام)) له: «إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك...» ( الإرشاد : 1/146 عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م 270 هـ). السخاء : أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: 1 ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام ((عليه السلام)) ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام((عليه السلام)): ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام((عليه السلام)): هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له. 2 ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره. 3 ـ وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس. تعامله مع الفقراء : أ ـ تكريمه للفقراء : كان((عليه السلام)) يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة(حلية الأولياء : 3 / 137، وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/167)، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: «مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة» ( كشف الغمة : 3/288 عن مطالب السؤول للشافعي عن حلية الأولياء للاصفهاني). ب ـ عطفه على الفقراء: كان((عليه السلام)) كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه (مناقب آل أبي طالب : 4/166 و 167 عن الباقر (عليه السلام)) .. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل; وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال((عليه السلام)) لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: «لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!». وكان يقول:«الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده»(بحار الأنوار : 46 / 62). ج ـ نهيه عن ردّ السائل: ونهى الإمام((عليه السلام)) عن ردّ السائل; وذلك لما له من المضاعفات السيّئة التي منها زوال النعمة وفجأة النقمة. وأكد الإمام((عليه السلام)) على ضرورة ذلك في كثير من أحاديثه، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع عليّ بن الحسين الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلمّا فرغ من صلاته نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها:«لا يعبر على بابي سائل إلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم جمعة»، فقال له أبو حمزة: ليس من يسأل مستحقاً، فقال((عليه السلام)): «أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه، ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله، أطعموهم، أطعموهم، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً فيتصدّق منه، ويأكل منه هو وعياله، وإنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً، له عند الله منزلة اجتاز على باب يعقوب يوم جمعة عند أوان إفطاره، فجعل يهتف على بابه: أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم، وهم يسمعونه، قد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس منهم وغشيه الليل مضى على وجهه، وبات طاوياً يشكو جوعه إلى الله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة:لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي، وبلواي عليك وعلى ولدك، يا يعقوبأحبّ أنبيائي إليّ وأكرمهم عليّ من رحم مساكين عبادي وقرّبهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ، أما رحمت عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا؟! أما وعزّتي لأنزلنّ بك بلواي، ولأجعلنّك وولدك غرضاً للمصائب. فقال أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟قال((عليه السلام)): في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات السائل الفقير طاوياً جائعاً» (علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت). ![]() صدقـاته : وكان من أعظم ما يصبو إليه الامام زين العابدين((عليه السلام)) في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكان((عليه السلام)) يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال:«ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلاّ استجيب له»( وسائل الشيعة : 6 / 296). ونشير إلى بعض ألوان صدقاته وجميل خصاله : ـ التصدّق بثيابه: كان((عليه السلام)) يلبس في الشتاء الخزّ، فإذا جاء الصيف تصدّق به أو باعه وتصدّق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ويتصدّق بهما إذا جاء الشتاء(تأريخ دمشق : 36 / 61)، وكان يقول: «إني لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه» (مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3/136 ـ 140). ب ـ التصدّق بما يحبّ: كان يتصدّق باللوز والسكَّر، فسئل عن ذلك فتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون) ( مناقب آل أبي طالب: 4/167 ). وروي أنّه كان يعجبه العنب، وكان صائماً فقدّمت له جاريته عنقوداً من العنب وقت الإفطار، فجاء سائل فأمر بدفعه إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه، وقدّمته إلى الامام، فطرق سائل آخر الباب، فأمر((عليه السلام)) بدفع العنقود إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه وقدّمته للإمام، فطرق سائل ثالث الباب فدفعه الإمام إليه. ( المحاسن: 2/361 طبعة المجمع العالمي لأهل البيت((عليهم السلام))، وفروع الكافي : 6 / 350). ج ـ مقاسمة أمواله : وقاسم الإمام أمواله مرّتين فأخذ قسماً له، وتصدّق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين (مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3 / 140 ، وجمهرة الأولياء : 2 / 71، وخلاصة تهذيب الكمال: 231 ). ![]() ـ صدقاته في السرّ : وكان أحبّ شيء عند الإمام((عليه السلام)) الصدقة في السر، لئلاّ يعرفه أحد، وقد أراد أن يربط نفسه ومن يعطيهم من الفقراء برباط الحبّ في الله تعالى، وتوثيقاً لصلته بإخوانه الفقراء بالإسلام، وكان يحثّ على صدقة السرّ ويقول: «إنّها تطفئ غضب الربّ»(1). وقد اعتاد الفقراء على صلة لهم في الليل، فكانوا يقفون على أبوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب(2). وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول له العلوي: إنّ عليّ بن الحسين لا يوصلني، ويدعو عليه، فيسمع الإمام ذلك ويغضي عنه، ولا يُعرّفه بنفسه، ولمّا توفّي((عليه السلام)) فقد الصلة، فعلم أنّ الذي كان يوصله هو الإمام عليّ بن الحسين((عليه السلام)) فكان يأتي قبره باكياً ومعتذراً منه(3). وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين(4). وكان((عليه السلام)) شديد التكتّم في صلاته وهباته، فكان إذا ناول أحداً شيئاً غطّى وجهه لئلاّ يعرفه(5). وقال الذهبي : إنّه كان كثير الصدقة في السرّ(6). وكان((عليه السلام)) يجعل الطعام الذي يوزّعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره، وقد ترك أثراً عليه(7). (1) مناقب آل أبي طالب : 4/165 عن الثمالي والثوري، وفي تذكرة الحفاظ : 1 / 75 واخبار الدول: 110 ونهاية الإرب : 21 / 326، وكشف الغمة : 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء. وفي الكشف : 2/312 عن الجنابذي عن الثوري عنه((عليه السلام)) كان يقول: إنّ الصدقة تطفئ غضب الرب. بدون قيد السّر. (2) مناقب آل أبي طالب : 4/166 . (3) كشف الغمة : 2/319 عن نثر الدرر للآبي. (4) حلية الأولياء وعنه في مناقب آل أبي طالب : 4/166 وكشف الغمة : 2/290 عن مطالب السؤول عن الحلية: 4/136 وفي البداية والنهاية لابن كثير : 9/114، وصفة الصفوة : 2 / 54، الإتحاف بحب الأشراف: 49 والأغاني : 15 / 326. (5) مناقب آل أبي طالب : 4/166 عن الباقر((عليه السلام)) . (6) تذكرة الحفّاظ : 1 / 75. (7) تأريخ اليعقوبي : 2/303 ط بيروت. ![]() هـ ـ ابتغـاؤه مرضاة الله: ولم يكن الإمام((عليه السلام)) يبتغي في برّه وإحسانه إلى الفقراء إلاّ وجه الله عزّوجلّ والدار الآخرة، ولم تكن عطاياه وصدقاته((عليه السلام)) مشوبة بأيّ غرض من أغراض الدنيا. قال الزهري: رأيت عليّ بن الحسين في ليلة باردة وهو يحمل على ظهره دقيقاً، فقلت له: يابن رسول الله! ما هذا؟ فأجابه((عليه السلام)): «اُريد سفراً، اُعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز». فقال: هذا غلامي يحمله عنك، فامتنع الإمام من إجابته، وتضرّع الزهري إليه أن يحمله هو بنفسه عنه، إلاّ ان الإمام أصرّ على ما ذهب إليه، وقال له: «ولكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، ويحسّن ورودي على ما أردُ عليه، أسألك بحق الله لمّا مضيت لحاجتك». وانصرف الزهري عن الإمام، وبعد أيام التقى به، وقد ظنّ أنّه كان على جناح سفر ولم يعِ مراده فقال له: يابن رسول الله، لست أرى لذلك السفر الذي تركته أثراً. فأجابه الإمام((عليه السلام)): «يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنّه الموت وله أستعدُّ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير» ( علل الشرائع: 1 / 27 وعنه في بحار الأنوار : 46 / 65 ـ 66). ![]() العزّة والإباء : ومن صفات الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين((عليه السلام)) العزّة والإباء، فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداء((عليه السلام)) الذي تحدّى طغاة عصره قائلاً: «والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»(1). وقد تمثّلت هذه الظاهرة الكريمة في شخصيّة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في قوله: «ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النعم»(2). وقال في عزة النفس: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا»(3). ويقول المؤرخون:إنّ أحدهم أخذ منه بعض حقوقه بغير حق، وكان الإمام((عليه السلام)) بمكّة، وكان الوليد بن عبد الملك حينئذ متربّعاً على كرسي الخلافة وقد حضر موسم الحج، فقيل له: لو سألت الوليد أن يردّ عليك حقّك؟فقال لهم كلمته الخالدة في دنيا العزّ والإباء: «ويحك أفي حرم الله عزّوجلّ أسأل غير الله عزّوجلّ؟! إنّي آنف أن أسأل الدنيا من خالقها، فكيف أسألها مخلوقاً مثلي؟!»(4). ومن عزّته : أنّه ما أكل بقرابته من رسول الله((صلى الله عليه وآله)) درهماً قطّ(5). (1) وقعة الطف: 209 . (2) الكافي : 2/109 و 111 والخصال : 1/23 وعن الكافي في بحار الأنوار : 71/406 ومعه بيان المؤلف في صفحة كاملة. (3) بحار الأنوار : 78 / 135. (4) بحار الأنوار : 46 / 64 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت. (5) مجالس ثعلب 2 : 462 ، وعنه في حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 1/81. وفي مناقب آل أبي طالب: 4/175 عن نافع: شيئاً، بدل: درهماً. ![]() الزهد : لقد اشتهر في عصره((عليه السلام)) أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين (بحار الأنوار : 46/62 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت). ورأى((عليه السلام)) سائلاً يبكي فتألّم له وراح يقول:«لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها»(1). وقال سعيد بن المسيب: كان عليّ بن الحسين((عليه السلام)) يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: «أيّها الناس، اتّقوا الله واعلموا أنـّكم اليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد اُوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردّ اليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عزّوجلّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عزّوجلّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...»(2). (1) كشف الغمة : 2/318 عن نثر الدرر للآبي، والفصول المهمّة: 192. (2) الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، وتحف العقول: 249 ـ 252. ![]() الإنابة إلى الله تعالى : إنّ اشتهار الإمام بلقب زين العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشيرإلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع اليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته.على أنّ أدعية الصحيفة السجّادية هي الدليل الآخر على هذه الحقيقة، فإنّ إلقاء نظرة سريعة وخاطفة على عناوين الأدعية يكشف لنا مدى التجاء الإمام إلى الله في شؤون حياته، فما من موقف إلاّ وللإمام فيه دعاء وابتهال وتضرّع، هذا فضلاً عن مضامين الأدعية التي يكاد ينفرد بها هو((عليه السلام)) في هذه الصحيفة المعروفة وغيرها، لقد ذاب الإمام في محبّة الله وأخلص له أعظم الإخلاص، وقد انعكس ذلك على جميع حركاته وسكناته. وممّا رواه المؤرخون: أنّه اجتاز على رجل جالس على باب رجل ثريّ فبادره الإمام قائلاً: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟ فقال الرجل: البؤس (أي: الفقر)، فقال له((عليه السلام)): قم فاُرشدك إلى باب خير من بابه وإلى ربّ خير لك منه...» ونهض معه الرجل إلى مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعلّمه ما يعمله من الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وطلب الحاجة من الله والالتجاء إلى حصنه الحريز(1). ![]() سيرته في بيته : كان الإمام زين العابدين((عليه السلام)) من أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد اُثر عنه أنّه قال: «لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها لعيالي لحماً وقد قرموا(2)أحبّ اليَّ من أن أعتق نسمة»(3). وكان يبكر في خروجه مصبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدّق لعيالي قبل أن أتصدّق . ثم قال: من طلب الحلال، فإنّه من الله عزّوجلّ صدقة عليهم (بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12). وكان ((عليه السلام)) يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يخصّ شأناً من شؤونه الخاصة، كما كان يتولّى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يخصّ إلى شؤون عبادته، فإنّه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها. (1) حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) دراسة وتحليل:1 / 93. (2) قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم. (3) بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12. ![]() مع أبويه : وقابل الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان، وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل اُمّك؟ فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:«أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها» ( الكامل للمبرد : 1 / 302، وشذرات الذهب : 1 / 105، ومناقب آل أبي طالب: 4/176 عن أمالي النيشابوري) ومن برّه لأبويه دعاؤه لهما، وهو من أسمى القواعد في التربية الإسلامية الهادفة، وهذه مقاطع من هذه اللوحة الخالدة من دعائه((عليه السلام)): « ... واخصص اللهمّ والديّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين... وألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاماً، واجمع لي علم ذلك كلّه تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفّقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه... اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الاُم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى اُوثر على هواي هواهما، واُقدّم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقلّ برّي بهما وإن كثر، اللهمّ خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً... اللهمّ اشكرلهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه منّي في صغري... اللهمّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي إناً من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري... اللهمّ صلّ على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرّهما بي...» (الصحيفة السجادية، دعاؤه لأبويه). ![]() مع أبنائه: أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين((عليه السلام)) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام. فكان ولده الإمام محمد الباقر((عليه السلام)) أشهر أئمّة المسلمين، وأكثرهم عطاءً للعلم. وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله وسمّو منزلته العلمية. أمّا ولده زيد فقد كان من أجلّ علماء المسلمين، وقد برعَ في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين المضطهدين، وقاد مسيرتهم الدامية في ثورته التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الاسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الاطاحة بالحكم الاُموي(1). وزوّد الإمام ((عليه السلام)) أبناءه ببعض الوصايا التربوية لتكون منهجاً يسيرون عليه، قال ((عليه السلام)): 1 ـ «يا بُنيّ، اُنظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا تُرافقهم في طريق» فقال له ولده: من هم؟ قال((عليه السلام)): «إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب. وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك. وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله، وأنت أحوج ما تكون إليه. وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله..»(2). 2 ـ قال ((عليه السلام)): «يا بُنيّ، اصبر على النائبة، ولا تتعرّض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لك...» (3). 3 ـ وقال((عليه السلام)): «يا بُنيّ، إنّ الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرني منك، واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق له»(4). (1) حياة الإمام زين العابدين ، دراسة وتحليل: 55 ـ 56. (2) اُصول الكافي : 2/376، والاختصاص : 239، وتحف العقول: 279، والبداية والنهاية : 9 / 105. (3) البيان والتبيين : 2 / 76، العقد الفريد : 3 / 88 . (4) العقد الفريد : 3 / 89 . ![]() مع مماليكه : وسار الإمام((عليه السلام)) مع مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً فيما إذا اقترفا ذنباً(1). وقد كان له مملوك فدعاه مرّتين فلم يجبه، وفي الثالثة قال له الإمام برفق ولطف: «يا بُنيَّ، أما سمعت صوتي؟» قال: بلى... ، فقال له((عليه السلام)): «لِمَ لَمْ تُجبْني؟» فقال: أمنت منك، فخرج الإمام وراح يحمد الله ويقول: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني...»(2). (1) اقبال الأعمال : 1/443 ـ 445 باسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن الصادق((عليه السلام)) وعنه في بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105 . و 98/186 ـ 187.
(2) الإرشاد : 2/147، ومناقب آل أبي طالب: 4/171 وفي تأريخ دمشق : 36 / 155.
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() التعديل الأخير تم بواسطة حورية إنسية ; 30-12-2010 الساعة 08:35 AM |
|
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
~ مشرفة سابقة ~ ادركني ياعلي
![]() ![]() تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: العراق
العمر: 39
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]()
السلام على الامام علي بن الحسين عليهما السلام
السلام على عليل كربلاء السلام على زين العابدين وسيد الساجدين جزاكِ الله خيرا اختي الكريمة وسلمت اناملك الولائية |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() ![]() الإمام زين العابدين((عليه السلام)) بعد ملحمة عاشوراء : ذكر المؤرّخون عن شاهد عيان أنّه قال: قدمت الكوفة في المحرّم من سنة احدى وستّين، منصرف عليّ بن الحسين((عليه السلام)) بالنسوة من كربلاء ومعه الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر اليهم، فلمّا اُقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين، ويلتدِمنَ.. (التدمت المرأة: ضربت صدرها في النياحة، وقيل : ضربت وجهها في المآتم)، فسمعت عليّ بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلّة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه: «إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟!»( الأمالي للطوسي: 91). وعندما أدخلوا الإمام السجاد((عليه السلام)) على ابن زياد سأله من أنت؟ فقال:«أنا عليّ بن الحسين»، فقال له: أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال علي((عليه السلام)): «قد كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال عليّ بن الحسين((عليه السلام)): (الله يتوفّى الأنفس حين موتها)، فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه (الإرشاد للمفيد: 244، ووقعة الطف : 262، 263). ![]() فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: ياابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علىّ((عليه السلام)): اسكتي يا عمّة حتى اُكلّمه، ثمّ أقبل عليه فقال: أبالقتل تهدّدني ياابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بعلي بن الحسين((عليه السلام)) وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم، ولمّا أصبح ابن زياد أمر برأس الحسين((عليه السلام)) فطيف به في سكك الكوفة كلّها وقبائلها، ولمّا فرغ القوم من الطواف به في الكوفة ردّوه إلى باب القصر(1). ثمّ إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلّها بالكوفة على الخشب، كما أنّه كان قد نصب رأس مسلم بن عقيل من قبل بالكوفة. وكتب ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين((عليه السلام)) وخبر أهل بيته(2). كما بعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة ـ وهو من بني اُمية ـ يخبره بقتل الحسين((عليه السلام)). ولمّا وصل كتاب ابن زياد إلى الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسين((عليه السلام)) ورؤوس من قتل معه إليه، فأمر ابن زياد بنساء الحسين((عليه السلام)) وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر بعليّ بن الحسين((عليهما السلام)) فغُلّ بغِلٍّ إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرؤوس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن، وحملهم على الأقتاب، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس، فلم يكلّم عليّ بن الحسين((عليه السلام)) أحداً منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام(3). (1) مقتل الخوارزمي : 2/43 مرسلاً، واللهوف على قتلى الطفوف : 145. (2) الكامل في التاريخ للجزري : 4/83، وإنّ أوّل رأس حمل في الإسلام هو رأس عمر بن الحِمق الخزاعي الى معاوية. (3) عن طبقات ابن سعد في ذيل تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين((عليه السلام)) : 131، وأنساب الأشراف: 214، والطبري : 5/460 و 463 ، والإرشاد : 2/119 واللفظ للأخير. ![]() سبايا آل البيت((عليهم السلام)) في دمشق : خضعت الشام منذ فتحها بأيدي المسلمين لحكّام مثل خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان، فلم يشاهد الشاميّون النبىّ((صلى الله عليه وآله)) ولم يسمعوا حديثه الشريف منه مباشرةً، ولم يطّلعوا على سيرة أصحابه عن كثب ، أمّا النفر القليل من صحابة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) الذين انتقلوا إلى الشام وأقاموا فيها فلم يكن لهم أثر في الناس، فكانت النتيجة أنّ أهل الشام اعتبروا سلوك معاوية بن أبي سفيان وأصحابه سنّة للمسلمين، ولمّا كانت الشام خاضعة للإمبراطورية الرومية قروناً طويلة، فقد كانت حكومات العصر الإسلاميّ أفضل من سابقاتها بالنسبة للشاميّين. ومن هنا ليس أمراً عجيباً أن نقرأ في كتب التأريخ أنّ شيخاً شامياً دنا من الإمام السجاد((عليه السلام)) عند دخول سبايا آل محمّد((صلى الله عليه وآله)) الشام وقال له:الحمد الله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم. فقال له الإمام((عليه السلام)): يا شيخ أقرأت القرآن ؟ فقال الشيخ: بلى. فقال له الإمام((عليه السلام)): أقرأت (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى)؟ فقال الشيخ : بلى. فقال له الإمام((عليه السلام)): فنحن القربى، يا شيخ! ثمّ قال له: فهل قرأت (وآتِ ذا القربى حقّه)؟ قال: قد قرأت ذلك. قال((عليه السلام)): فنحن القربى يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى)؟ قال: نعم. قال الإمام((عليه السلام)): نحن القربى. يا شيخ! هل قرأت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)؟ قال الشيخ: بلى. قال له الإمام((عليه السلام)): نحن أهل البيت الذين اختصّنا الله بآية الطهارة. قال الشيخ: بالله إنّكم هم؟! قال الإمام((عليه السلام)): تالله إنّا لنحن هم من غير شكٍّ وحقِّ جدِّنا رسول الله((صلى الله عليه وآله))إنّا لنحن هم. فبكى الشيخ ورمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ إنّي أبرأ اليك من عدوّ آل محمّد ( مقتل الخوارزمي 2: 61 ، واللهوف على قتلى الطفوف : 100، ومقتل المقرم : 449 عن تفسير ابن كثير والآلوسي). وذكر المؤرّخون أنّه لمّا قدم عليّ بن الحسين((عليه السلام)) وقد قُتل الحسين بن علىّ((عليه السلام)) استقبله ابراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال: يا عليّ بن الحسين، من غلب؟ وهو مغطٍّ رأسه وهو في المحمل، فقال له عليّ بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذّن ثمّ أقم (أمالي الطوسي: 677). لقد كان جواب عليّ بن الحسين((عليه السلام)) أنّ الصراع إنّما هو على الأذان وتكبير الله تعالى والإقرار بوحدانيّته وليس على رئاسة بني هاشم، وأنّ استشهاد الحسين والصفوة من أهل بيته وأصحابه هو سبب بقاء الإسلام المحمّدي وثباته أمام جاهلية بني اُميّة ومن حذا حذوهم ممّن لم يذوقوا حلاوة الإيمان والإسلام. ![]() الإمام ((عليه السلام)) في مجلس يزيد: اُدخل رأس الحسين((عليه السلام)) ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون في الحبال وزين العابدين((عليه السلام)) مغلول، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال تمثّل يزيد بشعر حصين بن حمام المرّي قائلاً: نفلِّقُ هاماً من رجال أعزّة***علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (الارشاد: 2/119 و 120، ووقعة الطف لأبي مخنف : 168 و 271، والعقد الفريد : 5 / 124) فردّ عليه الإمام عليّ بن الحسين((عليه السلام)) بقوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحبّ كلَّ مختال فخور) (الحديد (57) : 22 ـ 23). وتميّز يزيد غضباً، فتلا قوله تعالى: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) ( الشورى (42) : 30). وينقل المؤرّخون عن فاطمة بنت الحسين((عليه السلام)) قولها: فلمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال : يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية ـ يعنيني ـ فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمّتي زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون. فقالت عمّتي للشامي: كذبت والله ولؤمت والله، ما ذاك لك ولا له! فغضب يزيد وقال: كذبت إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت! قالت : كلاّ والله ما جعل الله لك ذلك إلاّ أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها، فاستطار يزيد غضباً، وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك! قالت: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كُنت مسلماً، قال: كذبتِ يا عدوّة الله! قالت: أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك، فكأنّه استحيى وسكت. فعاد الشاميّ فقال: هب لي هذه الجارية، فقال يزيد: اعزب، وهب الله لك حتفاً قاضياً (الإرشاد : 2/121 ، ووقعة الطف لأبي مخنف: 271 ، 272) ويبدو أنّ اعتماد يزيد لهجة أقلّ قسوة وشراسة من لهجة ابن زياد في الكوفة يعود إلى أنّ الأخير كان يريد أن يدلّل على إخلاصه لسيّده،بينما لا يحتاج يزيد ذلك، ولعلّ يزيد أدرك أنّه قد ارتكب خطأً كبيراً فيقتله الحسين((عليه السلام)) وسبيه أهل بيت النبوّة، من هنا فإنّه أراد تخفيف مشاعر السخط تجاهه. وفي تلك الأيام أوعز يزيد إلى خطيب دمشق أن يصعد المنبر ويبالغ في ذمّ الحسين وأبيه((عليهما السلام)) فانبرى اليه الإمام زين العابدين((عليه السلام)) فصاح به: «ويلك أيّها الخاطب، إشتريت رضاء المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدكمن النار». واتّجه الإمام نحو يزيد فقال له: «أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات فيهنّ لله رضىً، ولهؤلاء الجالسين أجرٌ وثواب...». وبهت الحاضرون وعجبوا من هذا الفتى العليل الذي ردّ على الخطيب والأمير وهو أسير، فرفض يزيد إجابته، وألحّ عليه الجالسون بالسماح له فلم يجد بُدّاً من إجابتهم فسمح له، واعتلى الإمام أعواد المنبر، وكان من جملة ما قاله: «أيّها الناس، اُعطينا ستاً، وفُضِّلنا بسبع: اُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضِّلنا بأن منّا النبيّ المختار محمّداً((صلى الله عليه وآله)) ومنّا الصِّدِّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله وأسد الرسول((صلى الله عليه وآله)) ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الاُمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة». ![]() وبعد هذه المقدّمة التعريفية لاُسرته أخذ((عليه السلام)) في بيان فضائلهم، قائلاً: «فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى اليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن علىّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلاّ الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقاطع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين ورسول ربّ العالمين. أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله، وبستان حكمة الله، ... ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب. أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول((صلى الله عليه وآله))، أنا ابن المرمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء». ولم يزل الإمام يقول:أنا أنا حتى ضجّ الناس بالبكاء، وخشي يزيد من وقوع الفتنة وحدوث ما لا تحمد عقباه، فقد أوجد خطاب الإمام انقلاباً فكرياً إذ عرّف الإمام نفسه لأهل الشام وأحاطهم علماً بما كانوا يجهلون. فأوعز يزيد إلى المؤذّن أن يؤذّن ليقطع على الإمام كلامه، فصاح المؤذن «الله أكبر» فالتفت إليه الامام فقال له: «كبّرت كبيراً لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله»، فلمّا قال المؤذّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله قال الإمام((عليه السلام)): «شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظمي»، ولمّاقال المؤذّن: أشهد أنّ محمداً رسول الله التفت الإمام إلى يزيد فقال له: «يا يزيد! محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنـّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: أنـّه جدّي فلمَ قتلت عترته »؟! (المصدر:نفس المهموم : 448 ـ 452 ط قم عن مناقب آل أبي طالب : 4/181 عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي: الخطبة بدون المقدمة. والمقدمة عن الكامل للبهائي : 2/299 ـ 302، وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 175 ـ 177). ![]() ووجم يزيد ولم يجر جواباً، فإنّ الرسول العظيم((صلى الله عليه وآله)) هو جدّ سيّد العابدين، وأمّا جدّ يزيد فهوأبو سفيان العدوّ الأوّل للنبىّ((صلى الله عليه وآله))، وتبيّن لأهل الشام أنّهم غارقون في الإثم، وأنّ الحكم الاُمويّ قد جهد في إغوائهم وإضلالهم، وتبيّن بوضوح أنّ الحقد الشخصيّ وغياب النضج السياسيّ هما السببان لعدم إدراك يزيد عمق ثورة الإمام الحسين((عليه السلام)) ممّا أدّى إلى توهّمه بأنّها لن تؤدّيَ إلى نتائج خطيرة على حكمه. ولعلّ أكبر شاهد على هذا التوهّم هو رسالة يزيد في بدايات تسلّمه الحكم لواليه على المدينة والتي أمره فيها بأخذ البيعة من الحسين((عليه السلام)) أو قتله وبعث رأسه إلى دمشق إن رفض البيعة. وفي سياق الحديث عن حسابات يزيد الخاطئة نُشير أيضاً إلى عملية نقل أسرى أهل البيت((عليهم السلام)) إلى الكوفة، ومن ثمّ إلى الشام، وما تخلّل ذلك من ممارسات إرهابية عكست نزعته الإجرامية، ولم يلتفت يزيد إلى خطورة الجريمة التي ارتكبها إلاّ بعد أن تدفّقت عليه التقارير التي تتحدّث عن ردود الفعل والاحتجاجات على قتله ريحانة رسول الله((صلى الله عليه وآله))، ولذلك حاول أن يلقي مسؤولية الجريمة البشعة على ابن مرجانة، قائلاً للإمام السجاد((عليه السلام)): لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أنّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولكن الله قضى الله ما رأيت، كاتبني من المدينة وأنْهِ كلًّ حاجة تكون لك (تاريخ الطبري : 5 / 462 ، والارشاد : 2/122). ![]() والتقى الإمام السجاد((عليه السلام)) خلال وجوده في الشام بالمنهال بن عمرو، فبادره قائلاً:كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فرمقه الإمام بطرفه وقال له:«أمسينا كمَثَل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً منها، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها، وأمسينا أهل بيته مقتولين مشرّدين، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون». ( اللهوف في قتلى الطفوف: 85 مرسلاً ورواه ابن سعد في الطبقات مسنداً عن المنهال بن عمرو الكوفي في الكوفة وليس الشام، والخبر أكثر من هذا وإنّما هذا مختصر الخبر) وعهد يزيد إلى النعمان بن بشير أن يصاحب ودائع رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعقائل الرسالة فيردَّهنّ إلى يثرب(1) وأمر بإخراجهنّ ليلاً خوفاً من الفتنة واضطراب الأوضاع(2). (1) الطبري : 5/462 ، والارشاد : 2/122 وعنهما في وقعة الطف لأبي مخنف : 272. (2) عن تفسير المطالب في أمالي أبي طالب: 93، والحدائق الوردية : 1 / 133. ![]() الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في المدينة بدأت ردود الفعل على مقتل الإمام الحسين((عليه السلام)) بالظهور مع دخول سبايا أهل البيت((عليهم السلام)) إلى الكوفة. فبالرغم من القمع والإرهاب اللذين مارسهما ابن زياد مع كلّ من كان يبدي أدنى معارضة ليزيد، فإنّ أصواتاً بدأت ترتفع محتجّةً على الظلم السائد. فعندما صعد ابن زياد المنبر وأثنى على يزيد وحزبه وأساء إلى الحسين((عليه السلام)) وأهل بيت الرسالة «قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وقال له:يا عدوّ الله إنّ الكذّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه يابن مرجانة، تقتل أولاد النبيّين وتقوم على المنبر مقام الصدّيقين؟! فقال ابن زياد: عليّ به، فأخذته الجلاوزة فنادى بشعار الأزد، فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة، فلمّا كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه» (الإرشاد: 2/117 وعنه في وقعة الطف لأبي مخنف: 265، 266)، ومع أنّ هذه المواجهة انتهت لصالح ابن زياد لكنّها كانت مقدّمة لاعتراضات اُخرى. وظهرت في الشام أيضاً بوادر السخط والاستياء، الأمر الذي جعل يزيد ينحو باللائمة في قتل الحسين((عليه السلام)) على ابن زياد، إلاّ أنّ أشدّ ردود الفعل كانت تلك التي برزت في الحجاز، فقد انتقل عبد الله بن الزبير إلى مكة في الأيّام الاُولى من حكومة يزيد، واتّخذها قاعدة لمعارضته للشام، وقام بتوظيف فاجعة كربلاء للتنديد بنظام يزيد، وألقى خطاباً وصف فيه العراقيّين بعدم الوفاء، وأثنى على الحسين بن علىّ((عليه السلام)) ووصفه بالتقوى والعبادة. وفي المدينة ألقى الإمام زين العابدين((عليه السلام)) خطاباً في أهلها لدى عودته من الشام والعراق، يقول المؤرّخون: إنّ الإمام((عليه السلام)) جمع الناس خارج المدينة قبل دخوله اليها، وخطب فيهم قائلاً: «الحمد لله ربّ العالمين مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العُلى، وقَرُب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الاُمور، وفجائع الدهور، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظّة الفادحة الجائحة. أيّها القوم، إنّ الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله الحسين((عليه السلام)) وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة. أيّها الناس، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله ؟! أم أيّ فؤاد لا يحزن مِن أجله؟! أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انْهمالِها؟! فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون. يا أيّها الناس، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟! أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟! أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصمّ؟! أيّها الناس، أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين وشاسعين عن الأمصار، كأ نّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إنْ هذا إلاّ اختلاق. والله، لو أنّ النبيّ تقدّم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظّها وأفظعها وأمرّها وأفدحها! فعند الله نحتسب فيما أصابنا وأبلغ بنا، فإنّه عزيز ذو انتقام» (اللهوف: 116، بحار الأنوار : 45 / 148 ـ 149). ![]() لقد جسّد هذا الخطاب ـ على قصره ـ واقعة كربلاء على حقيقتها مركّزاً على المظلومية التي لحقت بأهل البيت((عليهم السلام)) في قتل الحسين بن علىّ((عليه السلام)) من جانب، وأسرِ أهل بيته من جانب آخر، بالإضافة إلى المظلومية التي لحقتهم بعد واقعة الطفّ، إذ حملت رؤوس الشهداء بما فيهم سيّدهم الحسين((عليه السلام)) فوق الأسنّة من بلد إلى بلد. وعقّب الإمام زين العابدين((عليه السلام)) ـ بلمحة سريعة ومعبّرة ومؤثّرة ـ واصفاً ما لقيه آل البيت من السبي والتشريد والتعامل السيّء والمهين، وهم أهل بيت الوحي ومعدن الرسالة، وهم قادة أهل الإيمان وأبواب الخير والرحمة والهداية. وأنهى الإمام خطابه بوصف في منتهى الدقّة عن عظمة الجرائم التي ارتكبها جيش السلطة الاُموية في حقّ أهل البيت((عليهم السلام))، فإن الرسول((صلى الله عليه وآله)) لو كان يأمر هؤلاء بالتمثيل بأهل البيت وتعذيبهم; لما كانوا يزيدون على ما فعلوا، فكيف بهم وقد نهاهم عن التمثيل حتى بالكلب العقور؟! وكيف يمكن توجيه كلّ ما فعلوه وقد أوصاهم النبيّ((صلى الله عليه وآله)) بحفظه في عترته، ولم يطالبهم بأجر للرسالة سوى المودّة في قرباه؟! فالإمام زين العابدين((عليه السلام)) حاول في خطابه هذا تكريس مظلومية أهل البيت لاستنهاض الروح الثورية في أهل المدينة، وتحريك الوعي النهضوي ضدّ الظلم والجبروت الاُموي والطغيان السفياني. ولم تكن الأوضاع هادئة في المدينة في هذه السنة التي كانت تحت إدارة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وأوضح شاهد على اضطراب الأوضاع في المدينة هو استبدال ثلاثة ولاة خلال عامين، واستبدل يزيد الوليد بن عتبة بعثمان بن محمد بن أبي سفيان (تأريخ الطبري : 5 / 479، 480). وأرادعثمان أن يدلّل على كفاءته في إدارة المدينة ويكسب رضا وجوهها عن يزيد وعنه فأرسل وفداً من أبناء المهاجرين والأنصار إلى دمشق، ليشاهدوا الخليفة الشابّ عن كثب وينالوا نصيبهم من هداياه، إلاّ أن الوفد رأى في سلوك يزيد ما يشين ويقبح. ولما رجعوا إلى المدينة أظهروا شتم يزيد وعيبه، وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويضرب بالطنابير، وتعزف عنده القِيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحراب ـ وهم اللصوص ـ وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه. وقال عبد الله بن حنظلة: لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت عطاءه إلاّ لأتقوّى به. فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد وولّوه عليهم ( الطبري : 5 / 480 وعنه في الكامل في التأريخ : 4 / 103). ![]() قرحت جفونك من قذى وسهاد ... إن لم تفض لمصيبة السجاد فأسل فؤادك من جفونك أدمعا ... وأقدح حشاك من الأسى بزناد واندب إماما طاهرا هو سيد ... للساجدين وزينة العباد ![]() ثورة أهل المدينة : إنّ نقد الوفد المدني ليزيد لم يكن هو الدليل الوحيد عند أهل المدينة على انحراف يزيد وتنكّره للإسلام وجوره وطغيانه، بل إنّهم كانوا قد لمسوا جور يزيد وعمّاله على البلدان الإسلامية وفسقهم وشدّة بطشهم واستهتارهم بالحرمات الإلهية التي لا مجال لتأويلها، إذ كيف يمكن تأويل ما ارتكبه من القتل الفظيع في حقّ الحسين بن علي بن أبي طالب((عليه السلام)) ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنة وما اقترفه من السبي لأهله وحُرَمه؟ وكيف يمكن تأويل ما أظهره من شربه للخمور التي حرّمها الله بالنصّ الصريح؟! هذا، فضلاً عن حقد الاُمويين على الأنصار، والذي لم يتردّد الاُمويّون في إظهاره لهم، ومن هنا لم يتلكّأ أهل المدينة في اخراج عامل يزيد عليها، فحاصروا بني اُمية وأتباعهم، وكلّم مروان بن الحكم ـ وهو العدوّ اللدود لآل الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ـ الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في منح الأمان له، فاستجاب الإمام ((عليه السلام)) لهذا الطلب تكرّماً(تأريخ الطبري : 4 /485 ، والكامل في التأريخ : 4 / 113) وإغضاءً عن كلّ ما ارتكبه هذا العدوّ في حقّ أهل البيت((عليهم السلام))، في دفن الإمام الحسن((عليه السلام)) وفي الضغط على الإمام الحسين((عليه السلام)) من أجل أخذ البيعة ليزيد. ولمّا بلغ أمر الثورة إلى مسامع يزيد أرسل مسلم بن عقبة ليقضي على ثورة أهل المدينة ـ وهي مدينة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ومهبط وحي الله ـ وزوّده بتعليمات خاصّة تجاههم قائلاً له: اُدع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلاّ فقاتلهم، فإذا ظهرتَ عليهم فأبحها ـ أي المدينة ـ ثلاثاً، فما فيها من مال أو دابّة أو سلاح أو طعام فهو للجند (الطبري : 5 / 484 وعنه في الكامل). وأمرهُ أن يُجهِز على جريحهم ويقتل مدبرهم (التنبيه والاشراف: 263 ط. القاهرة). وصل جيش يزيد إلى المدينة، وبعد قتال عنيف مع أهلها استبسل فيه الثائرون دفاعاً عن دينهم، واستشهد أغلب المدافعين بمن فيهم عبد الله بن حنظلة ومجموعة من صحابة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ونفّذ قائد الجيش أوامر سيّده يزيد، وأوعز إلى جنوده باستباحة المدينة، فهجم الجند على البيوت وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، كما أسروا آخرين. قال المؤرّخ ابن كثير: أباح مسلم بن عقبة ـ الذي يقول فيه السلف (مسرف بن عقبة) قبّحه الله من شيخ سوء ما أجهله ـ المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد ـ لا جزاه الله خيراً ـ وقتل خلقاً من أشرافها وقرّائها، وانتهب أموالاً كثيرة منها... وجاءته امرأة فقالت: أنا مولاتك وابني في الاُسارى، فقال: عجّلوه لها، فضرب عنقه، وقال: اُعطوها رأسه، ووقعوا على النساء حتى قيل: إنّه حبلت ألف أمرأة في تلك الأيام من غير زوج. قال المدائني، عن هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرّة من غير زوج. وروي عن الزهري أنّه قال: كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي ممّن لا أعرف من حرٍّ وعبد وغيرهم عشرة آلاف (البداية والنهاية : 8 / 220 ، وتأريخ الخلفاء: 233. أمّا الطبري فلم يذكر إلاّ إباحة القتال والأموال ثلاثة أيام: 5/491 وترك ذكر الفروج وتبعه الجزري في الكامل). وحدث مرةً أن دخلت الجيوش الشامية أحد البيوت، فلمّا لم يجدوا فيه إلاّ امرأة وطفلاً سألوها إن كان في البيت شيء ينهبونه، فقالت: إنّه ليس لديها مال، فأخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه بعد أن انتثر دماغه من أثر الضرب بالحائط (تاريخ ابن عساكر : 10 / 13، المحاسن والمساوئ: 1 / 104). ثمّ نصب كرسيّ لمسلم بن عقبة، وجيء بالاُسارى من أهل المدينة فكان يطلب من كلّ واحد منهم أن يبايع ويقول: إنّني عبد مملوك ليزيد بن معاوية يتحكّم فيّ وفي دمي وفي مالي وفي أهلي ما يشاء(1). وكلّ من كان يمتنع ولم يبايع بالعبودية ليزيد وكان يصرّ على القول بأنّه عبدٌ لله ـ سبحانه وتعالى ـ كان مصيره القتل(2). وجيء له بيزيد بن عبد الله ـ وجدّته اُمّ سلمة زوج رسول الله((صلى الله عليه وآله)) ـمع محمد بن حذيفة العدوي، فطلب اليهما أن يبايعا، فقالا: نحن نبايع على كتاب الله وسنّة نبيّه، فقال مسلم: لا والله لا اُقيلكم هذا أبداً،فقدّمهما فضرب أعناقهما. فقال مروان بن الحكم ـ وكان حاضراً ـ : سبحان الله! أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما؟! فنخس مسلم مروان بالقضيب في خاصرته، ثمّ قال له: وأنت والله لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء إلاّ برقة. (أي لقُتِلْتَ)(3). ثمّ جيء بآخر فقال : إنّي اُبايع على سنّة عمر، فقال: اقتلوه، فقتل(4). واُتي بزين العابدين((عليه السلام)) إلى مسلم بن عقبة، وهو مغتاظ عليه فتبرّأ منه ومن آبائه. فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له، وأقعده إلى جانبه، وقال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممّن قدّم إلى السيف إلاّ شفّعه فيه، ثمّ انصرف عنه. فقيل لعليّ بن الحسين((عليه السلام)): رأيناك تحرّك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال:«قلت: اللهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن، والأرضين السبع وما أقللن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شرّه، وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره، وتكفيني شرّه». قيل لمسلم: رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه، فلمّا اُتي به إليك رفعت منزلته؟فقال: ما كان ذلك لرأي منّي، لقد مُلئ قلبي منه رعباً، ولم يبايع الإمام((عليه السلام)) ليزيد كما لم يبايع عليّ بن عبد الله بن العباس، حيث امتنع بأخواله من كندة، فالحصين بن نمير نائب مسلم بن عقبة قال: لا يبايع ابن اختنا إلاّ كبيعة علي بن الحسين (( النظرية السياسية لدى الإمام زين العابدين، محمود البغدادي: 273. المجمع العالمي لأهل البيت((عليهم السلام)) ـ الطبعة الاولى سنة 1415هـ ) (1) تاريخ الطبري 5/493 و 495 وعنه في الكامل في التاريخ: 4/118 وفي مروج الذهب 3: 70، الكامل في التاريخ 4: 118، والبداية والنهاية 8 : 222. وقد جاء في تاريخ اليعقوبي 2: 251: كان الرجل من قريش يؤتى به فيقال: بايع على أنّك عبد قنّ ليزيد، فيقول: لا. فيضرب عنقه. (2) الكامل في التأريخ : 4 / 118، مروج الذهب : 3 / 70. (3) تأريخ الطبري : 5 / 492 وعنه في الكامل في التاريخ : 4 / 118. (4) تأريخ الطبري : 5 / 493، الاخبار الطوال: 265. ![]() وذكر المؤرّخون : أنّ الإمام زين العابدين((عليه السلام)) كفل في واقعة الحرّة أربعمئة امرأة من عبد مناف، وظلّ ينفق عليهنّ حتى خروج جيش مسلم من المدينة (كشف الغمة : 2/319 عن نثر الدرر للآبي (ق4 هـ ) عن ابن الأعرابي). وجاء الحديث من غير وجه: أنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى عليّ بن الحسين((عليهما السلام)) فأتاه، فلما صار إليه قرّبه وأكرمه وقال له: أوصاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك...( الإرشاد: 2/152 ). وواضح أنّ البيعة إذا ما عرضت بشرطها الاستعبادي على الإمام((عليه السلام)) فإنّه سيستمرّ على نهجه الرافض، وأنّ معنى الرفض هنا إنّه يتضرّج بدمائه الزكية، وهذا يعني دخول صورة من صور النقمة العارمة ضد الممارسات الاُموية القمعية التي سوف تزلزل أعمدة الكيان الحاكم. وبعد انتهاء الأيام الدامية على مدينة الرسول((صلى الله عليه وآله)) قال مسلم بن عقبة: اللّهمّ إنّي لم أعمل عملاً قط بعد شهادة لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله أحبّ إليّ من قتل أهل المدينة، ولا أرجى عندي في الآخرة(1). كان مسلم في تلك الأيام قد تجاوز التسعين من عمره، أي انّه كان قريباً جداً من حتفه وقد هلك بُعيد وقعة الحرّة وقبل أن يصل إلى مكة، وكان من الذين لم يحملوا من الإسلام إلاّ اسمه، ووظّفوا ظاهر القرآن والحديث لتسويغ جرائمهم، فقد كان من المخلصين لمعاوية بن أبي سفيان، وفي صفّين كان يقود معسكر معاوية بن أبي سفيان ضد الخليفة الشرعي للمسلمين، ألا وهو الإمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين((عليه السلام))(2) . ولعلّه لم يسمع حديث الرسول((صلى الله عليه وآله)) الذي جاء فيه: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»(3). ولعلّه قد سمع هذا الحديث، لكنّه لمّا وجد من يعتبر نفسه خليفة للنبىّ((صلى الله عليه وآله)) قد تجرّأ على قتل ابن بنت النبىّ((صلى الله عليه وآله)) وسبي بناته من مدينةإلى اُخرى، دون أن يعترض عليه أحد، فمِمّ يخشى هو إن اعتدى على مدينة النبىّ((صلى الله عليه وآله))؟! وبعد أن قمع بوحشيّة ثورة أهل المدينة وأجهض انتفاضتهم; توجّه مسلم إلى مكة التي أعلن فيها عبد الله بن الزبير ثورته على الحكم الاُموي، لكنّه لقي حتفه في الطريق، فتسلّم الحصين بن نمير قيادة الجيش الاُموي بناءً على أوامر يزيد، وعندما وصل أطراف مكة فرض حصاراً عليها وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرقها (تأريخ الطبري : 5 / 498 وعنه في الكامل في التأريخ : 4 / 24 عن الكلبي عن عوانة بن الحكم، ثم روى أخباراً عن ابن عمر تحاول نسبة الحرق إلى أصحاب ابن الزبير خطأً، في محاولة لتبرير يزيد الشّرير). وفي الوقت الذي كانت فيه مكّة تحت حصار الجيش الاُموي لقي يزيد حتفه، فعقد قائد الجيش الاُموي ـ الذي لم يكن وقتذاك يعرف زعيمه الذي يقاتل معه ـ مفاوضات مع ابن الزبير أعرب له فيها عن استعداده لقبول بيعته شريطة أن يرافقه إلى الشام، إلاّ أنّ ابن الزبير رفض الشرط، فعاد الحصين وجيشه إلى الشام. (1) تأريخ الطبري : 5 / 497 وعنه في الكامل في التاريخ: 4/123 . (2) وقعة صفين : 206 و 213 وفي الإصابة : 3 / 493 ـ 494. (3) البداية والنهاية : 8 / 223، رواه عن النسائي، وروى مثله عن أحمد بن حنبل. اُنظر أحاديث اُخرى عن هذا الموضوع في كنز العمال، كتاب الفضائل الحديث 34886، ووفاء الوفاء: 90، وسفينة البحار: 8/38 ، 39 عن دعائم الإسلام. ![]() انشقاق البيت الاُموي : مات يزيد في ربيع الأول من سنة ( 64 هـ ) وهو في سنّ الثامنة والثلاثين من عمره في حُوّارين، وكانت صحيفة أعماله في مدّة حكمه ـ الذي استمر ثلاث سنوات وبضعة أشهر ـ مُسودّة بقتل ابن بنت النبيّ وأسر أهل بيت الوحي وحرائرالرسالة إلى جانب القتل الجماعي لأهل المدينة وهدم الكعبة المشرّفة. وبعد موت يزيد بايع أهل الشام ولده معاوية، إلاّ أنّ حكمه لم يستمر أكثر من أربعين يوماً، إذ أعلن تنازله عن العرش، ومات بعدها في ظروف غامضة، فانشقّت القيادات المؤيّدة لبني اُمية على نفسها إلى كتلتين: كتلة أيّدت زعامة مروان بن الحكم، وقد مثّل هذا الاتجاه القبائل اليمانية بقيادة حسّان الكلبي، بينما أيّدت قوى القيسيّين بقيادة الضحّاك بن قيس الفهري، عبد الله بن الزبير. وإبّان خلافة يزيد القصيرة امتدّت; أيدي الكلبييّن تدريجياً إلى مراكز السلطة، فمارسوا ضغوطاً شديدة على القيسييّن،الأمر الذي أزعج الضحّاك كثيراً فانتهز الفرصة بعد موت يزيد ليبايع ابن الزبير ـ وهو من العرب العدنانية ـ واشتبك الكلبيّون والقيسيّون في «مرج راهط»( منطقة في شرق دمشق) في معركة أسفرت عن انتصار الكلبيّين، فأصبح مروان بن الحكم خليفة، واستقرّت الأوضاع المضطربة في الشام نسبيّاً. ![]() تزايد المعارضة للحكم الاُموي : صعّد عبد الله بن الزبير معارضته للشام التي بدأها بعد موت معاوية، حيث كان قد دعا الحجازييّن لمبايعته كخليفة للمسلمين، فاستجابت له الأكثرية الساحقة منهم، وشهد العراق من جديد تحرّكات ضد الحكم الاُموي. ويبدو أنّ الذين دعو الإمام الحسين((عليه السلام)) إلى العراق عبر الرسائل المتوالية ورحّبوا بممثّله اليهم ثمّ تخلّوا عنه وعن الحسين((عليه السلام)) بتلك الصورة المخزية ندموا على موقفهم المُذلّ ذاك، لكن هل الذين تحرّكوا ضدّ الشام كانوا نادمين جميعاً؟ الجواب :كلاّ، فليس جميع الذين تحركوا بعد موت يزيد كانوا يحملون همّ الإسلام، فقد كان هناك من يريد إخضاع الشام للعراق وإعادة عاصمة الخلافة إلى العراق. وعلى أيّ حال، فقد أعلن المتديّنون والسياسيّون معارضتهم ضد حكم الشام، لكنّهم لم يحققوا شيئاً يذكرعلى صعيد إسقاط الحكم على المدى القريب، فقتل سليمان بن صرد قائد التوّابين، ورجع من بقي من جيشه إلى الكوفة، وفي تلك الغضون أظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي دعوته حاملاً شعار يا لثارات الحسين ((عليه السلام)). بدأ المختار بإعداد الشيعة للثورة بعد فشل ثورة التوّابين، وكان يعرف جيداً أنّ أيّ تحرّك شيعي يقتضي زعامة من أهل بيت الرسالة((عليهما السلام))، وأنّ الانطلاق ينبغي أن يتمّ باسمهم ومَن أفضل من عليّ بن الحسين((عليه السلام))؟ وإن رفض الإمام الاستجابة لذلك فليس أمامه غير محمد بن علي بن أبي طالب وهو عمّ الإمام السجاد((عليه السلام)). من هنا كاتب المختار الإمام زين العابدين((عليه السلام)) وعمّه معاً، أمّا الإمام((عليه السلام)) ـ فلم يعلن عن تأييده الصريح له، لكنّه((عليه السلام)) أمضى عمله عندما ثأر من قتلة أبيه الحسين((عليه السلام)). أمّا عمه محمد بن الحنفيّة فقد أجاب على سؤال الوفد الذي جاء من الكوفة ليستفسر عن مدى شرعية الانضواء تحت راية المختارقائلاً: أما ما ذكرتم من دعاء مَن دعاكم الى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلقه (تاريخ الطبري : 6/12 ـ 14 برواية أبي مخنف . وابن نما الحلّي في كتابه: شرح الثأر روى عن والده : أنّه قال لهم: قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين، فلمّا دخلوا عليه وأخبروه خبرهم الذي جاؤوا لأجله قال لعمّه محمّد : يا عمّ، لو أن عبداً زنجيّاً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت. فخرجوا وهم يقولون : قد أذن لنا زين العابدين ومحمّد بن الحنفية، كما روى عنه في بحار الأنوار : 45/365). وفهم الوفد تأييد ابن الحنفية لحركة المختار وهكذا استطاع المختار أن يستقطب كبار الشيعة مثل ابراهيم بن مالك الأشتر وغيره. وأرسل المختار رأسَيْ عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد إلى الإمام فسجد((عليه السلام)) شكراً لله تعالى وقال: «الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً» (رجال الكشي: 127 ح 203 وعنه في. المختار الثقفي: 124). وقال اليعقوبي: ووجّه المختار بالرأس الخبيث (أي: رأس ابن زياد) إلى الإمام عليّ بن الحسين، وعهد إلى رسوله بأن يضع الرأس بين يدي الإمام وقت ما يوضع الطعام على الخوان بعد الفراغ من صلاة الظهر، وجاء الرسول إلى باب الإمام، وقد دخل الناس لتناول الطعام، فرفع الرجل عقيرته ونادى: يا أهل بيت النبوّة! ومعدن الرسالة،ومهبط الملائكة، ومنزل الوحي! أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي ومعي رأس عبيد الله بن زياد... ولم تبق علوية في دور بني هاشم إلاّ صرخت(2)، ويقول المؤرّخون: إنّ الامام زين العابدين((عليه السلام)) لم يُرَ ضاحكاً منذ أن استشهد أبوه إلاّ في اليوم الذي رأى فيه رأس ابن مرجانة(3). وعن بعض المؤرّخين: أنّه لمّا رأى الإمام رأس الطاغية قال: «سبحان الله، ما اغتّر بالدنيا إلاّ من ليس لله في عنقه نعمة، لقد اُدخل رأس أبي عبد الله على ابن زياد وهو يتغدّى»(4). (2) تأريخ اليعقوبي : 2/259 ط بيروت. (3) المصدر السابق . (4) العقد الفريد :5 / 143. ![]() سنوات المحن والاضطرابات : كانت الفترة الممتدّة بين عامي ( 66 و 75 هـ ) بالنسبة للشام والحجاز والعراق فترة محن واضطرابات، فلم يتحقّق في هذه المناطق الهدوء والأمن. وشهد الحجاز هجوم قوات عبد الملك على مكة ومقتل عبد الله بن الزبير، إلاّ أنّ نصيب العراق من الاضطرابات كان أكبر من المنطقتين السابقتين. ويمكن القول بجرأة أنّ ما لحق بأهل العراق كان هو النتيجة الطبيعية لدعاء سبط الرسول الأعظم ((صلى الله عليه وآله)) عليهم، إذ رفع الإمام الحسين((عليه السلام)) يده بالدّعاء في كربلاء وقال : «اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف وسلّط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأساً مصبَّرة فإنّهم كذّبونا وخذلونا ...» ( تاريخ الطبري : 5/451 وعنه في وقعة الطف: 254 وقريباً منه في الإرشاد : 2/110، 111. وليس فيه: سنين كسنيّ يوسف ، ولا غلام ثقيف ). وانتقم الله تعالى من أهل العراق الذين كذّبوا الحسين بن عليّ ((عليه السلام)) وخذلوه بواسطة رجل ارهابي مستبد هو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان «لا يصبر عن سفك الدماء، وارتكاب امور لا يقدر عليها غيره»( حياة الحيوان : 167 ). واتّخذ الحجّاج سجوناً لا تقي من حرٍّ ولا برد، وكان يعذّب المساجين بأقسى ألوان العذاب وأشدّه، فكان يشدّ على يد السجين القصب الفارسي المشقوق، ويجر عليه حتى يسيل دمه. يقول المؤرّخون: إنّه مات في حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة منهنّ ستّ عشرة ألف مجرّدات، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد(حياة الحيوان : 1 / 170) واُحصي في سجنه ثلاثة وثلاثون ألف سجين لم يحبسوافي دَين ولا تبعة(معجم البلدان : 5 / 349) ، وكان يمرّ على أهل السجن فيقول لهم: إخسأوا فيها ولا تكلِّمون(1). وقد كان يسخر من المسلمين الذين يزورون قبر النبىّ((صلى الله عليه وآله)) ويقول: تباً لهم، إنّما يطوفون بأعواد و رمّة بالية، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله(2)؟! وعهد عبد الملك بن مروان بالملك من بعده إلى ولده الوليد، وأوصاه بالإرهابي الحجّاج خيراً، وقال له: وانظر الحجاج فأكرمه، فإنّه هو الذي وطّأ لكم المنابر وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناواك، فلا تسمعنّ فيه قول أحد وأنت إليه أحوج منه إليك، وادع الناسَ إذا متُّ إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا...(3). ومثّلت هذه الوصية اندفاعاته نحو الشرّ حتى الساعات الأخيرة من حياته، إذ لم يبق بعدها إلاّ لحظات حتى وافته المنيّة، وكانت وفاته في شوال سنة ( 86 هـ )(4) وقد سئل عنه الحسن البصري فقال: ما أقول في رجل كان الحجاج سيئة من سيئاته(5). (1) تهذيب التهذيب : 2 / 212. (2) شرح النهج : 15 / 242 عن كتاب: افتراق هاشم وعبد شمس للدبّاس. وقد ورد الخبر قبله في الكامل للمبرّد : 1/222. وفي سنن أبي داود: 4/209 والبداية والنهاية : 9/131 والنصائح الكافية لابن عقيل: 11 عن الجاحظ ، وفي رسائل الجاحظ : 2/16. (3) تاريخ الخلفاء: 220. (4) البداية والنهاية : 9 / 68. (5) مروج الذهب : 3 / 96.
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
![]() ![]() ظواهر فذّة في حياة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) تميّزت حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين((عليهم السلام)) إلاّ أنّها برزت في سيرته((عليه السلام)) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي: أ ـ ظاهرة العبادة . ب ـ ظاهرة الدعاء. ج ـ ظاهرة البكاء . د ـ ظاهرة الإعتاق. فإذا سبرنا حياة الأئمّة ((عليهم السلام)) وجدناهم ـ كلّهم ـ يتميّزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) تجلّت بقوة، حتى كان ((عليه السلام)) فريداً في كلّ منها. ![]() ظاهرة العبادة في حياة الإمام ((عليه السلام)): أجمع معاصروا الإمام زين العابدين((عليه السلام)) على أنّه كان من أعبد الناس وأكثرهم طاعة لله تعالى، ولم ير الناس مثله في عظيم إنابته وعبادته، وقد بهر بها المتّقون والصالحون، وحسبه أنّه وحده الذي قد لُقّب بزين العابدين وسيّد الساجدين في تأريخ الإسلام. أمّا عبادته((عليه السلام)) فكانت ناشئة عن إيمانه العميق بالله تعالى وكمال معرفته به، وقد عبده لا طمعاً في جنّته ولا خوفاً من ناره، وإنّما وجده أهلاً للعبادة فعبده، وشأنه في ذلك شأن جدّه أمير المؤمنين وسيّد العارفين وإمام المتّقين، وقد أعرب ((عليه السلام)) عن عظيم إخلاصه في عبادته بقوله: «إنّي أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلاّ ثوابه، فأكون كالعبد الطامع إن طمع عمل وإلاّ لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عذابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل...». فانبرى إليه بعض الجالسين فقال له: فبم تعبده؟ فأجابه عن خالص إيمانه: «وأعبُدُه لما هو أهله بأياديه وإنعامه» (1) ولقد مَلأ حبّ الله تعالى قلب الإمام((عليه السلام)) وسخّر عواطفه فكان مشغولاً بعبادة الله وطاعته في جميع أوقاته، وقد سُئلت جارية له عن عبادته فقالت: اُطنب أو أختصر؟ قيل لها: بل اختصري. فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً قطّ، وما فرشت له فراشاً بليل، قطّ(2). لقد قضى الإمام((عليه السلام)) معظم حياته صائماً نهاره، قائماً ليله، مشغولاً تارةً بالصلاة، واُخرى بالدعاء. عبادة الإمام : 1 ـ وضوؤه : الوضوء هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الاولى للصلاة، وكان الإمام((عليه السلام)) دوماً على طهارة، وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم قائلاً: «أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!»(1). 2 ـ صلاته : أمّا الصلاة فمعراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ كما في الحديث الشريف ، وكانت الصلاة من أهم الرغبات النفسية للإمام((عليه السلام)) فقد اتّخذها معراجاً ترفعه إلى الله تعالى، وكانت تأخذه رعدة إذا أراد الشروع في الصلاة، فقيل له في ذلك فقال: «أتدرون بين يدي من أقوم، ومن اُناجي؟!»(2). ونعرض لبعض شؤونه في حال صلاته. أ ـ تطيّبه للصلاة: وكان الإمام إذا أراد الصلاة تطيّب من قارورة كان قد جعلها في مسجد صلاته(3). (1) نهاية الإرب : 21 / 326، سير أعلام النبلاء : 4 / 238. (2) الخصال : 2 / 620 . (3) بحار الأنوار : 46 / 58. ب ـ لباسه في صلاته: وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أراد الصلاة لبس الصوف وأغلظ الثياب (1)، مبالغة منه في إذلال نفسه أمام الخالق العظيم. ج ـ خشوعه في صلاته : كانت صلاته تمثّل الانقطاع التامّ إلى الله جلّ جلاله والتجرّد من عالم المادّيات، فكان لا يحسّ بشيء من حوله، بل لا يحسّ بنفسه فيما تعلّق قلبه بالله تعالى، ووصفه الرواة في حال صلاته، فقالوا: كان إذا قام إلى الصلاة غشي لونه بلون آخر، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكان يصلّي صلاة مودِّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً(2). وتحدّث الإمام الباقر((عليه السلام)) عن خشوع أبيه في صلاته فقال: «كان عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنـّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حركت الريح منه»(3) ونقل أبان بن تغلب إلى الإمام الصادق((عليه السلام)) صلاة جدّه الإمام السجاد((عليه السلام)) فقال له: إنّي رأيت عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة غشي لونه بلون آخر، فقال له الإمام الصادق((عليه السلام)): «والله إنّ عليّ بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه...». وكان من مظاهر خشوعه في صلاته أنّه إذا سجد لا يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً(4) أو كأنّه غمس في الماء من كثرة دموعه وبكائه(5)، ونقل عن أبي حمزة الثمالي أنّه رأى الإمام قد صلّى فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه فسأله أبو حمزة عن ذلك فقال له: «ويحك، أتدري بين يدي مَنْ كنتُ؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه»(6). (1) بحار الأنوار : 46 / 108. (2) حياة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)): 190. (3) وسائل الشيعة : 4 / 685. (4) تهذيب الأحكام : 2 / 286 ح1146. (5) بحار الأنوار : 46 / 108. (6) علل الشرائع: 88 ، بحار الأنوار : 46 / 61. ![]() د ـ صلاة ألف ركعة : وأجمع المترجمون للإمام((عليه السلام)) أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة(1)، وأنّه كانت له خمسمائة نخلة، فكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين(2) ونظراً لكثرة صلاته; فقد كانت له ثفنات في مواضع سجوده كثفنات البعير، وكان يسقط منها في كلّ سنة، فكان يجمعها في كيس، ولمّا توفّي ((عليه السلام)) دفنت معه(3). هـ ـ كثرة سجوده : إنّ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو في حال سجوده كما في الحديث الشريف، وكان الإمام((عليه السلام)) كثير السجود لله تعالى خضوعاً وتذلّلاً له، وروي: أنّه خرج مرّةً إلى الصحراء فتبعه مولىً له فوجده ساجداً على حجارة خشنة، فأحصى عليه ألف مرّة يقول: «لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً»(4). وكان يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مئة مرّة: «الحمد لله شكراً»، ثمّ يقول: «يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه غيره عدداً، ويا ذا الجود الذي لا ينفد أبداً، يا كريم، يا كريم» ويتضرّع بعد ذلك ويذكر حاجته. (1) تهذيب التهذيب : 7 / 306، نور الأبصار : 136، الإتحاف بحب الأشراف : 49، ومصادر اُخرى. (2) بحار الأنوار : 46 / 61، الخصال : 487. (3) الخصال: 488. (4) وسائل الشيعة : 4 / 981. و ـ كثرة تسبيحه : وكان دوماً مشغولاً بذكر الله تعالى وتسبيحه وحمده، وكان يسبّح الله بهذه الكلمات: «سبحان من أشرق نوره كلّ ظلمة، سبحان من قدّر بقوته كلّ قدرة، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم فلا شيء يحجبه، سبحان الله وبحمده» (دعوات القطب الراوندي: 34). ز ـ ملازمته لصلاة الليل: من النوافل التي كان لا يَدَعُها الإمام((عليه السلام)) صلاة الليل، فكان مواظباً عليها في السفر والحضر(عن صفة الصفوة : 2 / 53 وكشف الغمة : 2 / 263 )إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. ح ـ دعاؤه بعد صلاة الليل : وكان((عليه السلام)) إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الشريف، وهو من غرر أدعية أئمّة أهل البيت((عليهم السلام))، وإليك بعض مقاطعه: «اللهمّ يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعزّ الباقي على مرّ الدهور وخوالي الأعوام ومواضي الأزمان والأيام، عزّ سلطانك عزاً لا حدّ له بأوّلية ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علوّاً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده ولا يبلغ أدنى ما استأثرت من ذلك أقصى نَعت الناعتين، ضلّت فيك الصفات وتفسّخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام، كذلك أنت الله الأوّل في أوّليّتك، وعلى ذلك أنت دائمٌ لا تزول، وأنا العبد الضعيف عملاً الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلاّ ما وصله رحمتك، وتقطّعت عنّي عصم الآمال إلاّ ما أنا معتصم به من عفوك، قلّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر عليّ ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفوٌ عن عبدك، وإن أساء فاعف عنّي...». «اللهمّ إنّي أعوذ بك من نار تغلّظت بها على مَن عصاك، وتوعّدت بها على من صدف عن رضاك، ومن نار نورها ظلمة، وهيّنها أليم، وبعيدها قريب، ومن نار يأكل بعضها بعضٌ، ويصول بعضُها على بعض، ومن نار تذر العظام رميماً، وتسقي أهلها حميماً، ومن نار لا تبقي على مَن تضرّع اليها، ولا ترحم من استعطفها، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع لها واستسلم اليها، تلق سكانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال وشديد الوبال...» ( الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء). وذبل الإمام((عليه السلام)) من كثرة العبادة وأجهدته أيّ إجهاد، وقد بلغبه الضعف أنّ الريح كانت تميله يميناً وشمالاً بمنزلة السنبلة(1) التي تميلها الريح. وقال ابنه عبد الله: كان أبي يصلّي بالليل فإذا فرغ يزحف إلى فراشه(2) وأشفق عليه أهله ومحبّوه من كثرة ما بان عليه من الضعف والجهد من كثرة عبادته، فكلّموه في ذلك لكنّه((عليه السلام)) أصرّ على شدّة تعبّده حتى يلحق بآبائه، قال له أحد أبنائه: يا أبت كم هذا الدؤوب ( يعني الصلاة )؟ فأجابه الإمام((عليه السلام)): «أتَحَبّبُ إلى ربّي» (3). وقال جابر بن عبدالله الأنصاري للإمام((عليه السلام)): ياابن رسول الله! أما علمت أنّ الله تعالى إنّما خلق الجنّة لكم ولمن أحبّكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟ فأجابه الإمام((عليه السلام)): «يا صاحب رسول الله، أما علمت أنّ جدي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يَدَع الإجتهاد له، وتعبّد ـ بأبي واُمي ـ حتى انتفخ ساقه وورم قدمه، وقد قيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال((صلى الله عليه وآله)): أفلا أكون عبداً شكوراً؟». فقال له جابر: ياابن رسول الله، البُقْيا على نفسك، فإنّك من اُسرة بهم يستدفع البلاء، وبهم يستكشف الأدواء، وبهم تُستمطر السماء...» فأجابه الإمام((عليه السلام)): «لا أزال على منهاج أَبَوَيَّ متأسِّياً بهما حتى ألقاهما...»(4). (1) الإرشاد: 272، روضة الواعظين : 1 / 237. (2) بحار الأنوار : 46 / 99. (3) المصدر السابق : 46 / 99 . (4) مناقب آل أبي طالب : 4/161 ، 162. ![]() 3 ـ صومـه : وقضى الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته: «ما قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ» وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال ((عليه السلام)): «إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين»، وكان((عليه السلام)) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين وغيرهما ممّا كان له عذر. وكان له شأن خاص في شهر رمضان، أنّه لم يترك نوعاً من أنواع البِرّ والخير إلاّ أتى به، وكان لا يتكلم إلاّ بالتسبيح والإستغفار والتكبير، وإذا أفطر قال: «اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت». وكان((عليه السلام)) يستقبل شهر رمضان بشوق ورغبة لانّه ربيع الأبرار، وكان يدعو لدى دخول شهر الله تعالى بدعاء نقتطف منه بعض الفقرات، قال((عليه السلام)): «الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين. والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا في سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام... اللّهم صلّ على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نُصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلاّ ما أحلَلْت، ولا تنطق ألسنتنا إلاّ بما مثّلت، ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلاّ الذي يقي من عقابك، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين وسُمعة المسمعين، لا نُشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك... اللهمّ اشحنه بعبادتنا إيّاك، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك، وأعنّا في نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع اليك والخشوع لك والذلّة بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط. اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور والأيام كذلك ما عمّرتنا...». وكان الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في كلّ يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة وطبخها... فإذا نضجت يقول: «هاتوا القصاع» ويأمر بأن يُفرَّق على الفقراء والأرامل والأيتام حتى يأتي على آخر القدور ولا يبقي شيئاً لإفطاره، وكان يفطر على خبز وتمر. ومن مَبَرّات الإمام((عليه السلام)) في شهر رمضان المبارك كثرة عتقه وتحرير أرقّائه من رقّ العبودية، على أنهم كانوا يعيشون في ظلاله محترمين، فكان يعاملهم كأبنائه، وكان((عليه السلام)) لا يعاقب أمةً ولا عبداً إذا اقترفا ذنباً، وإنّما كان يسجّل اليوم الذي أذنبوا فيه، فإذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وأظهر الكتاب الذي سجّل فيه ذنوبهم، ويقول: «ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّ ما عملتَ، كما أحصيت علينا ما عملناه، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها، وتجد كلّ ما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح، كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عَفُوّاً، وبك رحيماً ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً... كما لديك كتاب ينطق بالحقّ علينا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناه إلاّ أحصاها، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك الحَكَم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنّه يقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم). وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى ويقول: «ربِّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين، وقد أنَخْنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كَرُمتَ فأكرِمني، إذ كنت من سُؤّالك وجُدْتَ بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم...». ثم يُقبِلُ عليهم بوجهه الشريف وقد تبلّل من دموع عينيه قائلاً لهم بعطف وحنان: «قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي؟ وممّا كان منّي من سوء ملكة، فإنّي مليك سوء لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل...» وينبري العبيد قائلين له: قد عفونا عنك يا سيّدنا، فيقول لهم: «قولوا: اللهمّ اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق». فيقولون ذلك، ويقول بعدهم: «اللهمّ آمين ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي» فإذا كان يوم عيد الفطر سورة النور (24) : 22. أجازهم جائزة سنيّة تغنيهم عمّا في أيدي الناس(بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105). ![]() 4 ـ دعاؤه : أ ـ دعاؤه في الأسحار : وكان الإمام((عليه السلام)) يناجي ربّه ويدعوه بتضرّع وإخلاص في سحر كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي; لأنّه هو الذي رواه عنه، وهو من غرر أدعية أهل البيت((عليهم السلام)) وهو يمثّل مدى إنابته وانقطاعه إلى الله تعالى كما أنّ فيه من المواعظ ما يوجب صرف النفس عن غرورها وشهواتها، كما يمتاز بجمال الاُسلوب وروعة البيان وبلاغة العرض، وفيه من التذلّل والخشوع والخضوع أمام الله تعالى ما لا يمكن صدوره إلاّ عن إمام معصوم. وقد احتلّ هذا الدعاء مكانة مهمّة في نفوس الأخيار والصلحاء من المسلمين، إذ واظبوا على الدعاء به، وممّا قاله الإمام ((عليه السلام)) في دعائه: «إلهي، لا تؤدّبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا ربّ ولا يوجد إلاّ من عندك؟ ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلاّ بك؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك... بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني اليك، ولو لا أنت لم أدر ما أنت. الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني... أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ اُناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ، وإذا رأيت كرمك طمعت...يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، فوعزّتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحتُ(1)من بابك ولا كففت عن تملّقك(2) لما انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك... اللهمّ إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت، ما لي كلّما قلتُ قد صلُحت سريرتي(3) وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك. سيدي لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني... إلهي، لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك(4) من بين الأشهاد ودللت على فضايحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين الأبرار; ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي... ارحم في هذه الدنيا غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نُشرتُ للحساب بين يديك ذلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي، وأدم لي مابه سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش، تقلّبني أيدي أحبّتي، وتفَضَّل عليّ ممدوداً على المغتسل يقلّبُني صالح جيرتي، وتحنّنْ عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...»(1) وكان الإمام((عليه السلام)) يتأثّر إذا انطوت أيام شهر رمضان; لأنّه عيد أولياء الله تعالى، وكان يودّعه بدعاء جليل نقتطف منه ما يلي: «السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه. السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيام والساعات. السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال. السلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً، وأفْجع فقده مفقوداً، ومرجوٍّ آلم فراقه. السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فسرّ، وأوحش منقضياً فمضّ(2). السلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب، وقلّت فيه الذنوب. السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان. السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك، وأشدّ شوقنا غداً إليك. اللهمّ اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر(3) من خطايانا، وأخرجنا بخروجه من سيئاتنا، واجعلنا من أسعد أهله به، وأجزلهم قسماً فيه، وأوفرهم حظّاً منه...»(4). (1) راجع : مفاتيح الجنان «الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي». (2) مضّ : آلَم. (3) انسلخ الشهر: مضى. (4) راجع : الصحيفة السجادية «الدعاء في وداع شهر رمضان» . ![]() 5 ـ حجّه ((عليه السلام)) : وكان يحثّ على الحج والعمرة بقوله: حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالكم»( وسائل الشيعة : 8 / 5). وقال((عليه السلام)): «الحاج مغفور له، وموجوب له الجنّة، ومستأنف به العمل، ومحفوظ في أهله وماله»(1). وقال((عليه السلام)): «الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة»(2) . وكان((عليه السلام)) يدعو إلى تكريم الحجّاج إذا قدموا من بيت الله الحرام ويقول: «استبشروا بالحجّاج إذا قدموا وصافِحوهم، وعظّموهم تشاركوهم في الأجر قبل أن تخالطهم الذنوب»(3) . وحجّ((عليه السلام)) غير مرّة ماشياً كما حج أبوه وعمّه الحسن((عليهم السلام))، وحج على ناقته عشرين حجّة وكان يرفق بها كثيراً. وقال ابراهيم بن عليّ: حججتُ مع عليّ بن الحسين فتلكّأتْ ناقته فأشار اليها بالقضيب، ثم ردّ يده، وقال: «آه من القصاص...»(4) . وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أراد السفر إلى بيت الله الحرام احتفّ به القرّاء والعلماء; لأنّهم كانوا يتزوّدون منه العلوم والمعارف والحكم والآداب، وقال سعيد بن المسيب: إنّ القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب(5) . واذا انتهى الإمام إلى إحدى المواقيت التي يحرم منها; يأخذ بعمل سننالإحرام، وإذا أراد التلبية عند عقد الإحرام اصفرّ لونه واضطربولم يستطع أن يلبّي، فاذا قيل له: ما لك لا تلبّي؟ قال: «أخشى أن أقول: لبيك،فيقال لي: لا لبيك». وإذا لبّى غشي عليه من كثرة خوفه من الله تعالى، ويسقط من راحلته، ولا يزال يعتريه هذا الحال حتى يقضي حجّه(6). وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أدّى مناسكه في البيت الحرام; أقبل على الصلاة تحت ميزاب الرحمة. ورآه طاووس اليماني في ذلك المكان قائماً وهو يدعو الله ويبكي من خشية الله، فلمّا فرغ من صلاته قال له طاووس: رأيتك على حالة من الخشوع ولك ثلاثة اُمور، أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: أنّك ابن رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، الثاني: شفاعة جدّك، الثالث: رحمة الله. فأجابه الإمام((عليه السلام)) قائلاً: «يا طاووس، أمّا أ نّي ابن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)(7)، وأمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنني; لانّ الله تعالى يقول: (ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)(8) وأمّا رحمة الله فالله يقول: (إنّ رحمة الله قريب من المحسنين)(10) ولا أعلم أنّي محسن»(11) . وقال طاووس: رأيت عليّ بن الحسين يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبّد، فإذا لم يرَ أحداً رمق السماء بطرفه وقال: «الهي، غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد ((صلى الله عليه وآله)) في عرصات القيامة» ثم بكى وقال: «أما وعزّتك وجلالك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عنّي...». ثم خرّ إلى الأرض ساجداً، فدنوت منه ورفعت رأسه ووضعته في حجري، فوقعتْ قطرات من دموعي على خدّه الشريف فاستوى جالساً، وقال بصوت خافت: «من هذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟». فأجابه طاووس بخضوع وإجلال: أنا طاووس ياابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون؟ أبوك الحسين بن عليّ واُمّك فاطمة الزهراء وجدّك رسول الله. فأجابه الإمام((عليه السلام)): «هيهات هيهات يا طاووس، دع عنك حديث أبي واُمي وجدّي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)؟ والله لا ينفعك غداً إلاّ ما تقدّمه من عمل صالح» (مناقب آل أبي طالب : 4 / 163، 164، وبحار الأنوار : 46 / 81 .). (1) نهاية الإرب : 21 / 326. (2) المؤمنون (23) : 101 . (3) الأنبياء (21) : 28 . (4) الأعراف (7) : 56 . (5) بحار الأنوار : 46 / 101. (6) فروع الكافي : 4/252 . (7) من لا يحضره الفقيه: 2 / 208 ح 2168 . (8) بحار الأنوار: 99/386 مع اختلاف في اللفظ . (9) الفصول المهمة: 189. (10) حياة الإمام زين العابدين : 227 . ![]() رسالةالحقوق تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار. « لقد نظر الإمام الحكيم ((عليه السلام)) بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه واُسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه » (حياة الإمام زين العابدين: 477) وكلّ من يرتبط به أدنى ارتباط. ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبنى المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّى له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً. إنّ العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية لن تتحقّق ما لم يُطبّق نظام الحقوق بشكل دقيق أوّلاً، وتنظّم الأحكام والتشريعات على أساس تلك الحقوق، وفيما نعلم أنّ الإمام((عليه السلام)) قد سبق العلماء والقانونيين جميعاً في دنيا الإسلام بل في دنيا الإنسان في هذا المضمار الذي على أساسه ترتكز اُصول الأخلاق والتربية ونظم الاجتماع. وقد كتب الإمام زين العابدين((عليه السلام)) هذه الرسالة العظيمة واتحف بها بعض أصحابه، ورواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفيّة المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمام((عليه السلام)) كما رواها عنه بسنده المحدّث الصدوق في كتابه «الخصال» وثقة الإسلام الكليني في «الكافي» والحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني في «تحف العقول» وهي من المصادر القديمة الموثوقة. والإمام((عليه السلام)) قبل بيانه للحقوق يشير إلى أنّ هناك حقوقاً محيطةً بالإنسان، ولا بد له من معرفتها، ثمّ يبيّن أكبر الحقوق وهو ما يرتبط بالله سبحانه بالنسبة لعبده، ثمّ يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله تجاه نفس الإنسان، فيبيّن أنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال المنظار الآلهي، ثمّ ينتهي الى أنواع العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تشتمل على قيادة ومقودين ورعاة ورعية، مع بيانه لأنواع الأئمّة والمأمورين ودرجاتهم، ثمّ يبيّن سائر العلاقات مع الأرحام والاُسرة وأعضائها، ثمّ من تشتمل عليه الاُسرة من الموالي والجواري، ثمّ سائر ذوي الحقوق كالمؤذّن والإمام في الصلاة والجليس والشريك والغريم والخصم والمستشير والمشير والمستنصح والناصح والسائل والمسؤول والصغير والكبير.. حتى ينتهي إلى من يشترك مع الإنسان في دينه من بني الإنسان، ثمّ حقوق من يشترك مع الإنسان في الإنسانية وفي النظام السياسي الذي يخضع له وإن لم يكن من أهل ملّته ودينه. ![]() عرض إجماليّ للحقوق :على هذا الرابط http://www.noorfatema.com/vb/showthread.php?t=27250&highlight=%D1%D3%C7%E1%C9+% C7%E1%CD%DE%E6%DE ![]() في رحاب الصحيفة السجّاديّة لقد خطّط القرآن الكريم لثورة ثقافية عظيمة، وكانت آياته الاُولى تبشّر بحركة كبرى في عالم العلم والمعرفة، حيث ابتدأ الوحي الربّاني بالأمر بالقراءة أمراً مؤكدّاً والإشارة بنعمة التعليم الإلهي والاهتمام بظاهرتي القلم والكتابة في التعليم وتدوين المعرفة ونقلها وتطويرها وتطوير الإنسان من خلال تكامل المعرفة وتطوّر العلوم. والرسول الأمين وإن عرف عنه بأنّه لم يتعلّم القراءة والكتابة المتعارفة ولكنّه قد حثّ على طلب العلم ونشره وتدوينه بإلهام إلهي، وبالرغم من أنّ الجهاز الحاكم الذي خلف الرسول ((صلى الله عليه وآله)) أصدر قراراً بمنع تدوين حديث الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وبذلك وجّه ضَربةً كبيرةً للثقافة الإسلامية المتمثّلة في أحاديث الرسول الأعظم، لكنّها قد تدوركت بعد أن خلّفت مضاعفات كبيرةً لا زال العالم الإسلامي والإنساني يدفع ضريبتها حتى يومنا هذا بعد أن لمسوا تلك المضاعفات الكبرى التي ترتّبت على مثل هذا القرار. وأمّا الأئمّة من أهل البيت ((عليهم السلام)) حيث كانوا قد أدركوا في وقت مبكّر مضاعفات منع التدوين والنكسة التي سوف يصاب بها العالم الإسلامي بل الإنساني، فبادروا إلى التدوين وشجّعوا أصحابهم على عملية التدوين ![]() مميزات الصحيفة السجّاديّة : 1 ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع الكامل إلى الله تعالى والاعتصام به، والذي هو أثمن ما في الحياة. 2 ـ إنّها تكشف عن كمال معرفة الإمام((عليه السلام)) بالله تعالى وعميق إيمانه به . 3 ـ امتازت الصحيفة السجادية على سائر أدعية المعصومين((عليهم السلام)) بتكرار الصلاة على محمّد وآل محمد لأنّه من الأرجح أن هذه الأدعية اُنشئت في أعقاب واقعة كربلاء التي كان منشؤها يزيد الذي كان هو وأبوه وجدّه ومن ورائهم بنو اُمية يسعون في إطفاء النور المحمّدي((صلى الله عليه وآله)). والأرجح ان الإمام كان يريد من خلال هذه الأدعية تكريس مبادئ الإسلام وترسيخها في النفوس في مواجهة المساعي الاُموية الهدّامة. 4 ـ فتحت الصحيفة للإنسان المسلم أبواب الأمل والرجاء برحمة الله الواسعة. 5 ـ كما فتحت للمناظرات البديعة مع الله تعالى باباً مهمّاً يتضمّن أنواع الحجج البالغة لاستجلاب عفو الله وغفرانه، مثل قوله((عليه السلام)): « إلهي إن كنتَ لا تغفر إلاّ لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون ؟ ! وإن كنتَ لا تُكرِم إلاّ أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المُسيئون ؟ !». وهكذا قوله: « إلهي إنّي امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي ممّا يزيد في ملكك مثقال ذرّة ... ». 6 ـ تضمّنت الصحيفة برامج أخلاقية روحية وسلوكية مهمّة لتربية الإنسان، ورسمت له اُصول الفضائل النفسية والكمالات المعنويّة. ـ احتوت على حقائق علمية لم تكن معروفةً في عصره . وقد أشرنا إلى بعض منها(1). 8 ـ كما تصدّت الصحيفة لمواجهة الفساد الفردي والإجتماعي والسياسي في عصر أشاعت فيه السياسة الاُموية الفساد الأخلاقي والخلاعة والمجون بين المسلمين، فكانت الصحيفة خير وسيلة للإصلاح في أحلك الظروف التي اتّبع فيها الاُمويون سياسة القمع والإرهاب. 9 ـ والصحيفة بعد هذا هي منجم من مناجم البلاغة والفصاحة وينبوع ثرّ للأدب الإسلامي الهادف، فهي لا تفترق عن «نهج البلاغة» في هذا المضمار. 10 ـ وقد ضمّن الإمام زين العابدين((عليه السلام)) أدعيته ـ التي تمثّلت في الصحيفة الكاملة وسائر الأدعية التي وصلت عنه وجُمعت مؤخّراً في ما سمّي بــ « الصحيفة الجامعة » ـ منهاجاً كاملاً للحياة الإنسانية الفريدة ، ولم يترك الإمام جانباً ممّا تحتاجه الاُمّة الإسلامية إلاّ وتعرّض له وعالجه باُسلوبه الفذّ وبلاغته البديعة. ![]() الدور التأريخي للصحيفة السجّاديّة : المسلمين في عصر الإمام زين العابدين((عليه السلام)) واجهوا «خطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما : أحدهما : الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوّعة (1) راجع فصل: من علوم الإمام ((عليه السلام))، حقائق علميّة في الأدعيّة السجّادية. من قيم خلقية وحقوق وواجبات. قد استطاع الإمام عليّ بن الحسين بما اُوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحية، لكي يظلّ أميناً عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أميناً عليها وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه. وهكذا نعرف أنّ الصحيفة السجّادية تعبّر عن عمل إجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام، إضافةً إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد حاجةً كلّما ازداد الشيطان إغراءً والدنيا فتنة »(1). ![]() سند الصحيفة السجّادية : ينتهي سند الصحيفة إلى الإمام أبي جعفر محمد الباقر ((عليه السلام)) وإلى أخيه الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين ((عليهما السلام))، وقد ذكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وحظي هذا السند بالتواتر، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الإسناد بالإسناد. قال السيّد محسن الأمين العاملي: « وبلاغة ألفاظها ـ أي الصحيفة ـ وفصاحتها التي لا تبارى وعلوّ مضامينها وما فيها من أنواع التذلّل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل اليه أقوى شاهد على صحّة نسبتها، وإنّ هذا الدرّ من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك (1) نقلاً عن مقدمة السيد الشهيد محمد باقر الصدر على الصحيفة السجّادية الكاملة . المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرةً لا تقبل الريب، وتعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة إلى زين العابدين ((عليه السلام)) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثمّ انتقلت إلى أولاده، وإلى أولاد عبدالله بن الحسن المثنّى، كما هو مذكور في أوّلها، مضافاً إلى ما كان عند الباقر ((عليه السلام)) من نسختها، وقد اعتنى بها عامّة الناس فضلاً عن العلماء اعتناءً بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والإبكار » (1). ![]() شروح الصحيفة السجّادية : عكف العلماء على دراسة الصحيفة السجّادية وشرحها وإيضاح مقاصدها، وقد اُلّفت في ذلك مجموعة من الكتب القيّمة ذكرها شيخ المحقّقين الشيخ آغا بزرك الطهراني في موسوعته المعروفة بــ « الذريعة إلى تصانيف الشيعة ». وقد أحصى ستّة وستين شرحاً لها. ![]() وصف الصحيفة بــ «الكاملة» : 1 ـ ذكروا أنّ سبب تسمية هذه الصحيفة بـ «الكاملة» هو أنّ لدى الزيدية نسخة ناقصة من هذه الصحيفة تصل إلى نصفها، ولذلك عرفت هذه الصحيفة بالكاملة(2). 2 ـ وذهب البعض الى أنّ السبب في إطلاق هذه الصفة على الصحيفة (1) حياة الإمام زين العابدين : 375 ، وراجع شجرة طرق أسانيد الصحيفة السجادية المطبوعة في مؤسسة الإمام المهدي ((عليه السلام)) بإشراف السيد الأبطحي . (2) حياة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) : 190 . ![]() الموضوعات العامّة للصحيفة الجامعة : 1 ـ أدعيته ((عليه السلام)) في التحميد والتوحيد والتمجيد ، وفيها (8) أدعية . 2 ـ أدعيته في الصلوات ، وهي (14) دعاءً . 3 ـ دعاؤه لنفسه وخاصّته . 4 ـ أدعيته في الصباح والمساء ، وفيها (8) أدعية . 5 ـ أدعيته في المهمّات والكربات والاستعاذة ، وفيها (6) أدعية . 6 ـ أدعيته في الاعتراف والاستغفار ، وفيها (9) أدعية . 7 ـ أدعيته في طلب الحوائج وقضائها ، وفيها (5) أدعية . 8 ـ أدعيته إذا اعتُدي عليه ، وفيها دعاءان . 9 ـ أدعيته في الأمراض والبلايا ، وفيها (3) أدعية . 10 ـ دعاؤه في الاستقالة . 11 ـ دعاؤه في الاستعاذة من الشيطان . 12 ـ أدعيته في الحذر ، وفيها دعاءان . 13 ـ أدعيته في الاستسقاء ، وفيها دعاءان . 14 ـ أدعيته في مكارم الأخلاق ، وفيها دعاءان . 15 ـ أدعيته في الحزن والشدّة ، وفيها (4) أدعية . 16 ـ أدعيته في العافية ، وفيها دعاءان . 17 ـ أدعيته فيمن دعا لهم، وهم : الأبوان والولد والجيران والأولياء وأهل الثغور وجملة من الأشخاص . 18 ـ أدعيته فيمن دعا عليهم. 19 ـ أدعيته في الفزع إلى الله ، وفيها دعاءان . لقراءة الصحيفة السجادية http://www.mezan.net/books/sahifa/html/indexs.html وللتحميل
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
![]() ![]() استشهادالإمام زين العابدين وتقلّد الوليد أزمّة الملك بعد أبيه عبدالملك بن مروان، وقد وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً، حتّى طعن عمر بن عبد العزيز الاُموي في حكومته، فقال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً. وفي عهد هذا الطاغية الجبّار استشهد العالم الإسلامي الكبير سعيد بن جبير على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي أعتى عامل اُموي. وقد كان الوليد من أحقد الناس على الإمام زين العابدين(عليه السلام) لأنّه كان يرى أنّه لا يتمّ له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين(عليه السلام). فقد كان الإمام(عليه السلام) يتمتّع بشعبية كبيرة، حتّى تحدّث الناس بإعجاب وإكبار عن علمه وفقهه وعبادته، وعجّت الأندية بالتحدّث عن صبره وسائر ملكاته، واحتلّ مكاناً كبيراً في قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، ويتشرّف بمقابلته والاستماع إلى حديثه ، وقد شقّ على الاُمويين عامّة هذا الموقع المتميّز للإمام(عليه السلام) وأقضّ مضاجعهم، وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك الذي كان يحلم بحكومة المسلمين وخلافة الرسول(صلى الله عليه وآله). وروى الزهري: عن الوليد أنّه قال : لا راحة لي وعليّ بن الحسين موجود في دار الدنيا. فأجمع رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما آل اليه الملك، فبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسّه للإمام (عليه السلام) ونفّذ عامله ذلك، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوى. وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر(عليه السلام) بتجهيز جثمان أبيه، وبعد تشييع حافل لم تشهد يثرب نظيراً له; وجيء بجثمانه الطاهر إلى بقيع الفرقد، فحفروا قبراً بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وأنزل الإمام الباقر(عليه السلام) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين(عليه السلام) فواراه في مقرّه الأخير. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً ![]() ![]() الشيخ عبد الحميد المهاجري للاستماع ![]() زيارته عليه السلام بصوت الشيخ عبد الرضا المعاش مأجورين نسألكم الدعاء:حورية إنسية
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
#6 |
:: مديرة المنتدي & سما الأبداع :: نذرت للحسين حياتي ::
![]() ![]() تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: العراق / الكاظمية المقدسة
العمر: 38
المشاركات: 4,072
معدل تقييم المستوى: 20 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
رد: ذكرى استشهاد الامام السجاد سلام الله عليه /25محرم~مأجورين
![]() ![]() بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... مأجورين ان شاء الله بذكرى استشهاد الإمام السجاد عليه السلام أحسنتم وبارك الله فيكم أختي العزيزة حورية ما شاء الله ... فقرات رااائعة ومتكاملة عن سيرة سيدنا وإمامنا زين العابدين عليه السلام سلمت يداكِ الطيبة ... ومأجورة ان شاء الله على هذا الجهد المبارك ... أجركم على الإمام سلام الله عليه ... نسألكم الدعاء
__________________
![]() للتعرف على جديد الملفات الولائية والمتنوعة http://www.noorfatema.org/up/ucp.php?go=fileuser&id=5http://vardel.com/up/ucp.php?go=fileuser&id=54 |
![]() |
![]() |
![]() |
#7 |
♠ فاطميه♠
![]() تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 45
معدل تقييم المستوى: 0 ![]() |
![]()
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمدا وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم ![]() السلام على زين العابدين السلام على سيد العابدين السلام على قدوة الزاهدين السلام على سيّد المتّقين السلام على إمام المؤمنين السلام على الأمين السلام على السجّاد السلام على الزكي السلام على زين الصالحين السلام على منار القانتين السلام على العدل السلام على إمام الاُمّة السلام على سيد البكّاءين مأجورين بارك الله فيك أحسنت نسالكم الدعاء |
![]() |
![]() |
![]() |
#8 |
~ مشرفة نور الفقة & الحج & الاستخارة وتفسير الأحلام ~
![]() ![]() تاريخ التسجيل: Dec 2008
الدولة: البحرين
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() ![]() ![]() بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمدا وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم مأجورين مثابين واجركم على باب الحوائج الامام زين العابدين عليه السلام عليل كربلاء وسلمت اناملكم الولائيه ونسالكم صالح الدعاء ![]()
__________________
![]() الشكر الجزيل لاختنا المباركة يا فاطمة الزهراء - الميامين - على هذا التوقيع المبارك لا ننساكم في نافلة الليل . اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني اللهم لاتمتني ميتة جاهلية ولاتزغ قلبي بعد اذا هديتني ![]() ![]() الرجاء من الاخوات الكريمات عدم ارسال المنامات على الخاص ويمنع وضع اي منام بعد غلق الركن ![]() شكرنا الجزيل للاخت الفاضلة احلى قمر |
![]() |
![]() |
![]() |
#9 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: الاحساء
المشاركات: 5
معدل تقييم المستوى: 0 ![]() |
![]()
عظم الله اجوركم باءستشهادسيدالساجدين
|
![]() |
![]() |
![]() |
#10 |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمدٍ وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم عظم الله اجورنا واجوركم رزقنا الله وإياكم شفاعته سلام الله عليه لاخلا ولاعدم من تواجدكم المبارك خالص تحياتي لكن:حورية إنسية
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فواصل في ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل سلام الله عليهما | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | فواصل وأكسسوارات لتزيين المواضيع والردود | 30 | 12-09-2016 12:36 PM |
ذكرى استشهاد البتول فاطمه سلام الله عليه في 13 جمادى الاول | معصومة اهل البيت | نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها | 19 | 18-03-2010 06:02 PM |
ذكرى استشهاد الامام زين العابدين عليه السلام (مأجورين يا شيعة ) | الصبح تنفس | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 5 | 13-01-2010 12:19 AM |