أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-12-2010, 10:08 PM   #1
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
زينب الكبرى عليها السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل الخلق اجمعين ، سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم لعنة دائمة إلى يوم الدين.
وبعد ..
السيدة زينب الكبرى : ثاني اعظم سيدة في سيدات أهل البيت المحمدي ، كانت حياتها تزدحم بالفضائل والمكرمات ، وتموج بموجبات العظمة والجلالة ، والقداسة والروحانية ، وتتراكم فيها الطاقات والكفاءات والقابليات ، ومقومات الرقي والتفوق.
من هنا .. فكل صفحة من صفحات حياتها المشرقة جديرة بالدراسة والتحقيق ، فمن ناحية تعتبر القراءة في ملف حياتها نوعاً من أفضل انواع العبادة وسبل التقرب إلى الله سبحانه ، لأنها

إطلاع على حياة سادات أولياء الله تعالى.
ومن ناحية أخرى : التدبر في اللقطات التاريخية التي وصلت إلينا عن حياة هذه السيدة يعطي الانسان دروساً مفيدة تنفعه في كثير من مجالات حياته.
يضاف إلى ذلك : أن التأليف عن حياتها المتلألأة يعتبر محاولة لإعطاء صورة واضحة عن خير قدوة للنساء المؤمنات ، بل خير مقتدى لكل امرأة تبحث عن السعادة في الحياة ، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
وكم هو جيد وجميل أن نقرأ حياة هذه السيدة العظيمة في كتاب خط بقلم واحد من ألمع المتألقين في سماء الخطابة والتأليف ، ورجل شجاع من أبرز المجاهدين ـ في سبيل الله ـ بلسانه وقلمه ، ألا وهو العلامة الكبير ، والخطيب البارع : السيد محمد كاظم القزويني ، رضوان الله عليه.
إن طبيعة كون العلامة القزويني خطيباً حسينياً مميزاً ، ومحاضراً اجتماعياً قديراً ، كانت تجعله يتوصل إلى كثير من النتائج النافعة في مجال دراسة حياة السيدة زينب الكبرى عليها السلام.
ولعل أول مرة انقدحت في ذهنه فكرة التأليف عن حياة السيدة زينب ، هو يوم كان مشغولاً بتأليف كتابه عن حياة سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، سنة


1396 هـ ، لكن العوائق كانت تحول بينه وبين تطبيق الفكرة وتحقيق تلك الأمنية.
وإلى أن عزم على الكتابة ، وبدأ بالتأليف عن حياة السيدة ، في سنة 1409 هـ.
لقد كان العلامة القزويني يحاول ـ بكل جد ـ جمع مواد تاريخية كافية عن مرحلة ما قبل فاجعة كربلاء في حياة السيدة زينب ، وتسليط الأضواء الكشافة على جوانب تلك المرحلة ، وتناولها بلمسات تحليلية ، فلقد عاشت السيدة ـ قبل الفاجعة العظمى ـ حوالي ستاً وخمسين سنة ، وكانت حياتها مليئة بالحوادث والوقائع والمستجدات ، وكان لها دور مهم في جميع تلك الحوادث ، فقد كانت قوية الشخصية ، وسيدة مواقف ، وصاحبة كلمة ، وزعيمة دور قيادي لنساء أهل البيت .. بل للنساء المؤمنات جمعاء.
لكن ..
لكن ماذا عن حياتها يوم كانت طفلةً في عمر الزهور وفقدت أمها الزهراء ؟!
وماذا عن حياتها يوم كانت بنتاً في دار أبيها ؟!
وماذا عن حياتها حين كانت سنداً وظهراً لوالدها وأخويها ؟!
وماذا من عينات ومعلومات عن حياتها الزوجية ؟!


وماذا كانت مناهجها في تربية اطفالها وثمرات فؤادها ؟!
وماذا كان سر نجاحها في إدارة بيتها العائلي ؟!
وما هي تفاصيل دورها القيادي والإصلاحي في التوجيه النسوي ؟
وماذا عن دروسها ومحاضراتها التي كانت تلقيها على نساء الكوفة مدة أربع سنوات ؟
وكيف استطاعت أن تجمع بين الحجاب والثقافة ، والعفة والتعليم ، والدين والحضارة ، والمنزل والمجتمع ؟؟!
وماذا عن جانب العبادة ، والزهد ، والسخاء ، وحب الخير للآخرين .. في حياتها ؟؟!
وماذا عن العلوم التي وصلت إليها مباشرة .. ودون التعلم من أحد ؟!!
وما هي ـ بالضبط ـ مميزاتها الفريدة التي جعلتها ـ بجدارة ـ ثاني اعظم سيدة في نساء أهل البيت .. بل في سيدات تاريخ البشر ؟
وما هي مواصفاتها النفسية النادرة التي أهلتها ان تبقى كوكباً مضيئاً يحلق في سماء المجد والخلود ؟ ويظل إسمها لامعاً ـ إلى جنب إسم أخيها الإمام الحسين ـ رمزاً لخير من نصر الدين ، وصرخ في وجه الظالمين ؟!

نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:10 PM   #2
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

وما هي الصورة الواضحة التي أعطتها السيدة زينب عن المرأة المؤمنة المثالية ؟!
وماذا .. وماذا .. ؟؟
أجل ..
كان العلامة القزويني يبذل قصارى جهده في جمع المواد التاريخية عن حياة هذه السيدة العظيمة ، لكنه ـ مع الأسف ـ أصيب بمرض عضال ، وصار المرض ينخر في جسمه بسرعة ، ويجعل سير التأليف بطيئاً ، حتى أودى به إلى الوفاة ، قبل إكمال بعض فصول هذا الكتاب.
وقد كتب بعض صفحات هذا الكتاب على سرير « مستشفى ابن سينا » في الكويت ، حيث كان راقداً هناك لاجراء بعض الفحوصات الطبية وماحولة إكتشاف علاج لمرضه.
وقد كانت رغبته لإنجاز وإكمال هذا الكتاب شديدة وملحة ، لأسباب متعددة ، منها :
1 ـ انه رأى في المنام رؤيا شجعته على مواصلة هذا التأليف.
2 ـ لإحتمال وفاته بسبب المرض الذي أصابه.
أما الرؤيا ، فإنه ـ في أثناء تأليف الكتاب وبعد فراغه من كتابة فصل ( مروان يخطب بنت السيدة زينب ليزيد بن معاوية ) ـ رأى في المنام المجتهد الفقيه آية الله السيد حسين القمي ـ المتوفى سنة

1367 هـ قد اقبل إليه واعتنقه معانقة حارة ، وقال له ـ بصيغة الدعاء : « قبل الله يدك » ، أو بصيغة الإخبار ـ : « إن الله تعالى يقبل يدك » !
واستيقظ السيد المؤلف من نومه ، وصار يفكر ـ طويلاً ـ في تفسير رؤياه حيث اعتبرها رؤيا مهمة ، ورغم انه كانت لديه معلومات واسعة وخبرة جيدة في علم تفسير الأحلام إلا أنه استفسر عن تعبير رؤيا من أحد العلماء المتخصصين في تعبير المنام.
فقال له العالم : هل قمت بخدمة لواحدة من أقرباء الامام الحسين ( عليه السلام ) مثل : زوجته أو أخته ؟
فقال السيد : نعم ، انا مشغول بتأليف كتيب حول السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ).
فقال العالم : إن خدمتك نالت رضى الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتفسير كلمة « إن الله يقبل يدك » هو : أن الله تعالى قد تقبل منك ما كتبته.
وحين تأليفه لهذا الكتاب كان يطلب مني أن أصطحب معي ما كتبه إلي داري ، لألقي نظرة فاحصة على الكتاب ، وأبدي بعض الملاحظات أو الإقتراحات.
وبعد وفاته ( رحمة الله عليه ) رأيت القيام ببعض اللمسات

التكميلية على الكتاب ، مع الانتباه إلى بعض الصلاحيات التي منحها لي في السنوات الأخيرة من حياته.
رأيت القيام بهذا الأمر لسببين :
الأول ـ وهو السبب الرئيسي ـ : القيام بخدمة متواضعة لسيدتي ومولاتي زينب الكبرى عليها السلام.
الثاني : براً مني بوالدي رحمة الله عليه.
وأود جلب إنتباه القارئ الكريم إلى عدة نقاط :
الأولى : لقد حاولت ـ قدر الإمكان ـ أن أجعل فاصلاً مميزاً بين الكتاب والإضافات التي هي مني ، فجعلت الإضافات في الهامش ، وكتبت في نهايتها : « المحقق ».
وهذا ما سيشعر به القراء الكرام الذين تعودوا على نكهة قلم السيد الوالد.
النقطة الثانية : إن الفصل الأخير من هذا الكتاب ـ بكامله ـ هو من إضافاتي ، لكني حاولت ـ غالباً ـ ذكر الأشعار التي كنت أعلم إعجاب الوالد بها.
النقطة الثالثة : كان عملي ـ في إعداد الكتاب ـ : عبارة عن مراجعة الكتاب من أوله إلى آخره ، وضبط نصوصه ، وذكر مصادره ، وشرح بعض الكلمات

نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:12 PM   #3
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

الغامضة بعد مراجعة كتب اللغة.
النقطة الرابعة : بما أن هناك اختلافاً في أرقام صفحات وأجزاء المصادر ، لتعدد طبعات بعض الكتب ، فقد ذكرنا في نهاية الكتاب قائمة بأسماء المصادر الرئيسية ، لبيان الإسم الكامل للكتاب والمؤلف ، وذكر سنة ومحل طبع الكتاب ، تسهيلاً للقارئ الكريم.

مؤلف الكتاب
والآن .. إليك لمحة خاطفة وسريعة جداً عن حياة مؤلف هذا الكتاب : العلامة القزويني :
هو السيد محمد كاظم بن المجتهد الفقيه آية الله السيد محمد إبراهيم بن العالم الكبير المرجع الديني في عصره : آية الله العظمى السيد محمد هاشم الموسوي القزويني.
ولد في مدينة كربلاء المقدسة ، سنة 1348 هـ ، وهو ينحدر من أسرة تموج بالفقهاء والعلماء ، والخطباء والشعراء ، ورجال الفكر والأدب والقلم ، وتعتبر أسرته من أشرف الأسر والعشائر التي سكنت أرض كربلاء منذ أكثر من مائتين وخمسين سنة.
وقد شاءت المقدرات الإلهية ان يكون السيد المؤلف وحيد ابويه ، فقد كان الموت قد اغتال ـ قبل ذلك ـ جميع اخوته ش وأخواته ، البالغ عددهم ثلاثة عشر ولداً .. ما بين ولد وبنت ، وكان جميعهم براعم في عمر الصبى والطفولة.
ثم وجهت الحوادث سهامها إليه منذ عمر الطفولة ، ففجع بوفاة والدته الحنونة وعمره عشر سنوات ، فصار الطفل المدلل لوالده ، وبلغ الثانية عشرة من عمره ، فمات والده ، وبعد ذلك تعرض لظروف قاسية عصفت بحياتته من كل جانب ، لكن نسبة « الثقة بالنفس » و « التوكل على الله تعالى » كانت قوية في نفسيته ، فجعلته صامداً أمام تلك الأعاصير !
أكمل دراسته الدينية في الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة ، حتى بلغ درجة عالية من العلم والثقافة ، وتخصص في الخطابة والمنبر فكان من أبرز الخطباء في عصره.
كانت له محاضرات دينية مركزة في ليالي شهر رمضان المبارك ، وكانت مجالسه تمتاز بكونها تربوية وتوجيهية .. وليست تاريخية بحتة ، وامتازت ـ أيضاً ـ بأن غالبية الحضور ـ في محاضراته ـ كانوا من الشباب والطبقة المثقفة الواعية.
وقد ربى العلامة القزويني عدداً كبيراً وجيلاً مميزاً من خطباء المنبر الحسيني ، هم اليوم من أبرز وأشهر خطباء العالم الإسلامي الشيعي في عصرنا الحاضر.
في سنة 1380 هـ أسس مؤسسة دينية باسم ( رابطة النشر الإسلامي ) كان هدفها تزويد مسلمي العالم بالكتب التي تتحدث عن مذهب أهل البيت ، مجاناً وبلا ثمن ، وكان نشاط هذه المؤسسة مركزاً في البداية على بلاد المغرب العربي ، ثم شمل الجزائر وليبيا وتونس ، وبعض الدول الإفريقية كالسنغال ونيجيريا.
واستطاع السيد القزويني ـ عن طريق هذه المؤسسة ـ أن ينبه كثيراً من المغاربة المغفلين الذين كانوا يتخذون ( يوم عاشوراء ) يوم عيد وسرور وافراح وأعراس ، على طريقة بني أمية.
فقد كان يوم العاشر من المحرم أكبر عيد شعبي في بلاد المغرب ، وكان يعرف باسم ( عيد عاشوراء ) فسار السيد القزويني إلى تلك البلاد سنة 1388 هـ ، ونشر مقالة نارية ملتهبة في صحيفة « العلم » المغربية قبل يوم عاشوراء باسبوعين ، ندد فيها المغاربة عن اتخاذ يوم حزن آل الرسول يوم عيد وفرح ، واعتبر ذلك تحدياً سافراً وحرباً ضد النبي الكريم ، وأنذرهم الأخطار الكبيرة الناتجة عن هذا الموقف المخزي تجاه أسرة رسول الله الطيبة الطاهرة المطهرة !
فاستولى الخوف والفزع على المغاربة ، في تلك السنة التي نشرت فيها المقالة ، وهكذا تم إلغاء ذلك اليوم عن كونه عيداً ، وصار كبقية ايام السنة بلا أفراح ولا تهاني.
وهذا موقف مشرق دل على كفاءة السيد القزويني ونجاح
خطته الحكيمة.
وتستطاعت هذه المؤسسة ـ رغم ضعف ميزانيتها ـ أن تنشر أكثر من مليوني كتاب خلال عشرين سنة.
أمات عن الجهاد بالقلم ، فقد بدأ العلامة القزويني بكتابة المقالات وتأليف الكتب في مرحلة مبكرة من شبابه ، وكان من أبرز مؤلفاته : « شرح نهج البلاغة » ، وسلسلة كتب عن حياة أهل البيت المعصومين ( صلوات الله عليهم اجمعين ) تحت عنوان : « ... من المهد الى اللحد » فأكمل منها عن حياة ستة من المعصومين ، وأخيراً بدأ بتأليف موسوعة كبيرة وفريدة عن حياة الإمام جعفر الصادق ( عليه الصلاة والسلام ) في حوالي خمسين مجلداً ، ويعتبر هذا المشروع الضخم من أوسع ما قدمه من عطاء خالد.
ومن النقاط اللامعة في حياة العلامة القزويني : هو أنه قام برحلة تبليغية إلى قارة أستراليا عام 1398 هـ ، لإيصال صوت الإسلام وأهل البيت ( عليهم السلام ) إلى المسلمين الشيعة هناك ، وقد كانوا يرزحون تحت وطأة الفقر الثقافي والإيماني وغياب الوعي الديني ، ومضاعفات الإغتراب والإبتعاد عن الأوساط الإسلامية. وفي مدينة « سيدني » أسس مسجداً ضخماً المحاضرات باسم ( مسجد فاطمة الزهراء عليها السلام ) وألقى عشرات المحاضرات الدينية المركزة الهادفة خلال سفرته التي استغرقت أكثر من شهر ، وكان بمنزلة الفاتح العظيم الذي يدخل تلك البلاد النائية ، ويحدث تحولاً مهماً


نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:15 PM   #4
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

في نفوس وأرواح أولئك الأفراد ، ويعيد إليهم روح الإيمان والإلتزام بمبادئ الادين الحنيف ، والإعتزاز والإفتخار بالمذهب الحق : « مذهب أهل البيت عليهم السلام ».
سكن في وطنه ( مدينة كربلاء المقدسة ) حوالي ستاً وأربعين سنة ، ثم هاجر من العراق إلى الكويت سنة 1394 هـ ، وبقي فيها حوالي ست سنوات ، قام خلالها بنشاط ديني واسع ومكثف ، وتربية جيل مؤمن من الشباب. ثم هاجر من الكويت إلى ايران عام 1400 هـ ، وسكن في مدينة قم المقدسة ، فاستعمر في العطاء عبر المنبر والقلم ، فكان خيرا معلم ومرب وخير ناع لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
قبل وفاته بسنتين ونصف تقريباً أصيب بمرض يتلف ـ بالتدريج ـ إثنين من أعصاب المخ ، وهما المسؤولان عن الحركة الإرادية لتحريك اللسان للمتكلم والتلفظ ، ولقوة ابتلاع الطعام ، وأخيراً أودى به المرض إلى الوفاة ، بعد معاناة مريرة في الأشهر الأخيرة من حياته.
فارق الحياة وانتقل إلى رحمة الله تعالى ، يوم الخميس 13 / جمادى الثانية / 1415 هـ ، رضوان الله عليه.
وجرى لجنازته تشييع عظيم في مدينة قم المقدسة ، اشترك فيه مختلف طبقات المجتمع ، ومن كافة

الجنسيات.
ترك من بعده : ثلاث بنات وخمسة بنين ، تخصص إثنان منهم في الخطابة والتأليف ، وتفرغ ثلاثة منهم للفقه والإجتهاد.
وختاماً .. لا يفوتني أن أشكر الله تعالى أولاً وقبل كل أحد على أن وفقني لتحقيق وإخراج هذا الكتاب ، ثم أشكر كل من كانت له مسهمة أو تعاون في هذا المجال ، وأخص منهم بالذكر سماحة الخطيب البارع المخلص الشيخ علي أكبر القحطاني ، حيث زودنا بكل ما في مكتبته العامرة من كتب ومؤلفات حول اليسدة زينب الكبرى عليها السلام.


بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إليك يا سيدنا ومولانا
يا سيد الشهداء وسبط رسول الله
يا أبا عبد الله الحسين.
إليك أهدي هذه الصحائف التي تتحدث عن رضيعتك في المواهب ، وشقيقتك في العظمة ، وزمليتك في الجهاد ، وشريكتك في المصائب : السيدة زينب الكبرى.
عليط وعليها وعلى جدكما وأبيكما وأمكما وأخيكما ـ الإمام الحسن ـ آلاف التحية والثناء والسلام.
فهل تتفضل علي بقبول هذه الخدمة الضئيلة ؟

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله ، والصلاة والسلام على خير خلقه ، وأشف بريته : محمد وآله الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وبعد ، يوجد في تاريخ البشر عدد كبير من الرجال وعدد من النساء الذين نبغوا نبوغاً في شتى الفنون والعلوم ، فطار صيتهم في العالم ، وكان نصيبهم من المجتمعات البشرية كل إعجاب وتقدير ، وإكبار وتجليل ، لأنهم امتازوا عن غيرهم بشتى المزايا.
وكل إنسان إمتاز بمزية أو بمزايا فمن الطبيعي أن يفضل على غيره من ناقدي تلك المزايا.
وقد كان أولياء الله في طليعة النابغين ، لتعدد جوانب النبوغ فهيم.
والبيت النبوي الطاهر الشريف يضم رجالات وسيدات كانوا العناوين البارزة في صحيفة الإيجاد والتكوين ، وفي طليعة العظماء الذين من المستحيل أن يجود الدهر بأمثالهم.
ونحن نريد أن نتحدث ـ في هذا الكتاب ـ عن حياة سيدة كانت تعيش قبل ثلاثة عشر قرناً ونصف قرن ، وقد امتازت حياتها ـ بجميع جوانبها ـ عن حياة غيرها من سيدات التاريخ.
إنها السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي أمير المؤمنين عليهما السلام.
إنها نادرة من نوادر الكون ، وآية إبداع في خلق الله تعالى ، وملتقى آيات العظمة ، ومفخرة التاريخ.
ونحن إذا استقرأنا أسباب العظمة وموجبات الشرف في تاريخ البشر ـ على اختلاف انواعها وأقسامها ـ نجد كلها أو جلها مجتمعة ومتوفرة في السيدة زينب الكبرى.
فإذا تحدثنا عن السيدة زينب على صعيد قانون الوراثة ، فإننا نجدها مطوقة بهالات من الشرف .. كل الشرف.
شرف لم تسبقها اليه أنثى سوى أمها السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ولم يلحقها لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فهي البنت الكبرى للإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ذلك المولى الذي يعتبر ثاني أعظم رجل في عالم الكون والوجود ،
فهو أشرف من أظلت عليه الخضراء ، وأقلته الغبراء بعد شخصية الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمها : السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وهي سيدة نساء العالمين ، وأفضل وأشرف أنثى في عالم النساء.
فما تقول في هذه الأم التي انجبت وأرضعت بنتاً إمتازت بالنضج المبكر ، وارتضعت المواهب والفضائل من سدر أشرف أمهات العالمين ؟! وكبرت ونمت في حجر بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعزيزته وحبيبته ؟!
فالسيدة زينب حصيلة أبوين ، كانت حياة كل واحد منهما مشرقة بالمزايا والمكرمات ، وكل صفحة منها تفتح للانسان آفاقاً واسعة يطير الفكر في أرجائها ، وتسبح كواكب الفضائل في فضائها.
أجل !
إنها زينب.
وما أدراك من زينب !
هي زينب بنت النبي المؤتمنهي زينب أم المصائب والمحن

هي بنت حيدرة الوصي وفاطموهي الشقيقة للحسين وللحسن (1) ثم .. أليس النسب الرفيع من أسباب العظمة ؟!
أو ليس العلم الغزير ـ بما فيه الفصاحة والبلاغة ـ من موجبات الشرف ؟!
أو ليس الصبر على المكاره والفجائع الدامية والحوادث المذهلة فضيلة ؟!
أو ليست الشجاعة ومواجهة العدو شرس ، المتجبر الطاغي السفاك تدل على قوة القلب ، وثبات القدم ، والإيمان الصادق ، والعقيدة الراسخة ؟!
أو ليست صفة الوفاء والعاطفة والشفقة والحياء والعفة ، في طليعة الفضائل ؟!
فما تقول لو أن هذه الصفات وغيرها من مكارم الأخلاق إجتمعت ـ بصورة وافرة ـ في سيدة ؟!
الا تعتبر تلك السيدة نادرة الكون ومفخرة التاريخ ؟!
بعد هذه اللمحة الخاطفة عن بعض جوانب العظمة في

1 ـ ننبه القارئ الكريم إلى أن هذين البيتين هي من نظم السيد المؤلف ( رحمة الله عليه ). المحقق

السيدة زينب الكبرى نقول :
كيف يمكن لنا الإحاطة بحياة سيدة قضت معظم حياتها في الخدر ، ووراء الستر ، ولم يطلع على حياتها العائلية إلا أهلها وذووها ؟
والرزية كل الرزية : أن التأريخ قد ظلمها كما ظلمها الناس. التاريخ ظلمها كما ظلم أباها وإخوتها وأسرتها الطاهرة ، ولم يعبأ المؤرخون بترجمة حياتها كما ينبغي ، وكما تتطلبه هذه الشخصية.
ورغم كل ذلك ، رأينا نجمع بعض ما وصل إلينا من معلومات وعينات تاريخية حولها ، ونسلط الأضواء على بعض جوانب حياتها الشريفة ، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لتحقيق هذا الهدف ، إنه ولي التوفيق.

المؤلف
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:19 PM   #5
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

تاريخ ميلاد السيدة زينب
ولادة السيدة زينب
إسمها وكنيتها


في غضون السنة السادسة من الهجرة استقبل البيت العلوي الفاطمي الطاهر ـ بكل فرح وسرور ، وغبطة وحبور ـ الطفل الثالث من أطفالهم ، وهي البنت الأولى للإمام أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ).
ففي اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى ولدت السيدة زينب ، (1) وفتحت عينها في وجه الحياة ، في دار يشرف عليها ثلاثة هم أطهر خلق الله تعالى : محمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين ، وفاطمة سيدة نساء العالمين ، صلى الله عليهم أجمعين.
هذا هو القول المشهور بين الشيعة ـ حالياً ـ وهناك أقوال

1 ـ المصدر : زينب الكبرى ، للعلامة الشيخ جعفر النقدي ـ رضوان الله عليه ، المتوفى سنة 1370 هـ ـ ص 17 ، باب إسمها وتاريخ ولادتها.
تاريخة أخرى في تحديد يوم وعام ميلادها المبارك. (1)
ويجدر ـ هنا ـ أن نشير إلى جريمة تاريخية ارتكبها عملاء الأمويين وأعجب بها المنحرفون الذين وجدوا هذه الجريمة ـ أو الأكذوبة التاريخية ـ تلائم شذوذهم الفكري ، وانحرافهم العقائدي.
فقد ذكرت الكاتبة بنت الشاطئ في كتابها « بطلة كربلاء » ما نصه :
« إنها الزهراء بنت النبي ، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً ، بعد أن أقرت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين : الحسن والحسين ، وثالث لم يقدر الله له أن يعيش ، هو المحسن بن علي ... » (2).
من الثابت أن المحسن بن الإمام علي هو الطفل الخامس لا الثالث ، وهو الذي قتل وهو جنين في بطن أمه بعد أن عصروا السيدة فاطمة الزهراء بين حائط بيتها والباب ، وبسبب الضرب المبرح الذي أصاب جسمها وكان السبب في سقوط الجنبن.
ولكن هذه الكاتبة المصرية تستعمل المغالطة والتزوير ، وتحاول إحقاق الباطل وإبطال الحق وتقول : إن السيدة زينب

1 ـ لمعرفة تفاصيل ذلك يمكن لك مراجعة كتاب ( زينب الكبرى ) للنقدي ص 17 ، وكتاب ( رياحين الشريعة ) للمحلاتي ج 3 ص 33. المحقق
2 ـ كتاب ( بطلة كريلاء ) لعائشة بنت الشاطئ ، ص 16.


ولدت بعد المحسن بن علي الذي لم يقدر له أن يعيش !
فانظر كيف تحاول بنت الشاطئ تغطية الجنايات التي قام بها بعض الناس بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واقتحامهم بيت السيد فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لإخراج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ليبايع خليفتهم ، ودفاع السيدة فاطمة عن زوجها ، وعدم سماح لهم باقتحام دارها ، وماجرى عليها من الضرب والركل والضغط ، فكانت النتيجة سقوط جنينها الذي سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ في حياته ـ محسناً ، وهو ـ يومذاك ـ جنين في بطن أمه !!
وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بتلك المأساة في كتابنا : ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ).

ولما ولدت السيدة زينب ( عليها السلام ) أخبر النبي الكريم بذلك ، فأتى منزل إبنته فاطمة ، وقال : يا بنية إيتيني ببنتك المولودة.
فلما أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى صدره الشريف ، ووضع خده على خدها فبكى بكاءً شديداً عالياً ، وسالت دموعه على خديه.
فقالت فاطمة : مم بكاؤك ، لا أبكى الله عينك يا أبتاه ؟
فقال : يا بنتاه يا فاطمة ، إن هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ، ورزايا أدهى.
يا بضعتي وقرة عيني ، إن من بكى عليها ، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها.

ثم سماها زينب. (1)
1 ـ ناسخ التواريخ ، المجلد الخاص بحياة السيدة زينب ، المسمى بـ ( الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب ).
وجاء في هذا المصدر ـ أيضاً ـ : لما ولدت السيدة زينب ، مضى عليها عدة أيام ولم يعين لها إسم.
فسالت السيدة فاطمة من الإمام أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) عن سبب التأخير في التسمية ؟
فأجاب الإمام : أنه ينتظر أن يختار النبي الكريم لها إسماً.
فاقبلت السيدة فاطمة ببنتها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخبرته بذلك.
فهبط الامين جبرئيل وقال : يا رسول الله إن ربك يقرئك السلام ويقول : يا حبيبي إجعل اسمها زينب.
ثم بكى جبرئيل ، فسأله النبي عن سبب بكائه ؟
فقال : إن حياة هذه البنت سوف تكون مقرونة بالمصائب والمتاعب ، من بداية عمرها إلى وفاتها.

إسمها : زينب
إن الأسماء مشتقة من المصادر ، والمصادر ـ طبعاً ـ لها معنىً ومفهوم ، فما هو معنى كلمة « زينب » ؟
الجواب : هناك قولان في هذا المجال :
الأول : إن « زينب » كلمة مركبة من : « زين » و « أب ». (1)
الثاني : إن « زينب » كلمة بسيطـة وليست مركبة ، وهي إسم لشجرة أو وردة. (2)

1 ـ كما احتمل ذلك الفيروز آبادي في كتابه « القاموس المحيط ».
2 ـ جاء في كتاب ( لسان العرب ) : « الزينب شجر حسن المنظر ، طيب الرائحة ، وبه سميت المرأة ». وفي كتاب ( لاروس ) : « الزينب : نبات عشبي بصلي معمر ، من فصيلة النرجسيات ، ازهاره جميلة بيضاء اللون فواحة العرف ».


وعلى كل حال .. فلا خلاف في أن هذا الإسم جميل وحسن المعنى .. على كل تقدير.
كنيتها : « أم كلثوم » و « أم الحسن » (1).
يوجد ـ في كتب التراجم ـ اضطراب شديد حول هذا الإسم وهذه الكنية ، فالمشهور أن السيدتين : زينب وأم كلثوم بنتان للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) (2).

وفي كتاب ( القاموس ) : « ... أو من الزينب [ إسم ] لشجر حسن المنظر طيب الرائحة ، واحدته : زينبة ، قاله ابن الاعرابي. أو أصلها زين أب ، حذفت الالف لكثرة الاستعمال. المحقق
1 ـ كتاب ( تحفة العالم في شرح خطبته المعالم ) للسيد جعفر بحر العلوم ، المتوفى سنة 1377 هـ.
2 ـ لقد جاء التعبير عن السيدة الزينب الكبرى ـ في بعض كتب الحديث والتاريخ ـ بكلمة « أم كلثوم » ، وهنا عدة إحتمالات :
الإحتمال الأول : أن هذا التعبير هو كنية لها.
الإحتمال الثاني : أنه اسم ثان لها.
الإحتمال الثالث : أنه إشتباه وخطأ من بعض المؤرخين ، حيث أنهم عبروا عنها باسم أختها ، أو بكنية أختها.
الإحتمال الرابع : وجود سبب آخر خفي علينا ، بسبب ظلم التاريخ لترجمة حياة أهل البيت .. رجالاً ونساءً.


وقد جاء التعبير عن السيدة زينب الكبرى ـ في بعض الأقوال التاريخية وعلى لسان بعض الخطباء والمؤلفين ب « العقيلة » ، وهذا وصـف للسيـدة زينب وليس إسٍماً (1) ، ونحن نجد في كتب
ولكل واحدة من هذه الإحتمالات الأربعة قرائن وشواهد تاريخية ، يطول الكلام بذكرها ، وهو خارج عن نطاق وإطار التعليق العامشي ، لكن الذي يتبادر إلى الذهن بعد الدراسة الموضوعية ـ والله العالم ـ هو أن أقوى الإحتمالات : هو الإحتمال الأول ، خاصة وأن شخصية البنت الثانية للإمام أمير المؤمنين أحيطت بسحاب كثيف من الغموض والإبهام والتشويش ، إلى درجة أن بعض المعاصرين أعطى لنفسه الجرأة في أن ينكر وجود بنت ثانية للإمام من زوجته السيدة فاطمة الزهراء .. يكون اسمها أم كلثوم !
وعلى كل حال .. فقد كان السيد المؤلف يطمئن .. بل ويقطع بأن المقصود من « أم كلثوم » ـ في كثير من كتب الحديث والتاريخ ـ هي السيدة زينب الكبرى ، وهذا ما نلاحظه حين الإستماع إلى مجالسه ومحاضراته ، المسجلة على اشرطة الكاسيت ، ونلاحظه ـ أيضاً ـ حين التدقيق في فصل ( حياة السيدة زينب في عهد والدها الإمام أمير المؤمنين عليهما السلام ) ففي كثير من الفقرات التاريخية المرتبظة بفاجعة مقتل الإمام علي أمير المؤمنين يوجد التعبير بجملة « تقول أم كلثوم » ، وقد فهم المؤلف أن المقصود ـ في أكثر تلك المقطوعات ـ هي السيدة زينب الكبرى فذكر الكلام ونسبه إلى السيدة زينب سلام الله عليها. ولعل التتبع في كتب الحديث والتاريخ يوصل الإنسان إلى نتائج دقيقة تزيح كثيراً من ستائر الإبهام والغموض حول هذا الإسم وهذه الكنية. المحقق.
1 ـ ذكر أبو الفرج الإصفهاني ـ المتوفى سنة 356 هـ في كتابه ( مقاتل الطابيين ) صفحة 60 طبع النجف الأشرف ، عام 1385 هـ ـ في ترجمة عون بن عبد الله بن جعفر ـ ما يلي : « أمه : زينب العقيلة ، والعقيلة : هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في « فدك » فقال : حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام.


اللغة معاني عديدة لكلمة « العقيلة » ، فمنها : المرأة الكريمة ، النفيسة ، المخدرة (1).
ومعنى الكريمة : المحترمة.


نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:21 PM   #6
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

السيدة زينب في عهد جدها الرسول
السيدة زينب في عهد أمها البتول
السيد زينب في عهد والدها أمير المؤمنين
السيدة زينب تعلم تفسير القرآن لنساء الكوفة
السيدة زينب مع أخيها الإمام الحسن المجتبى
العلاقات الودية بين السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين



إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل.
بعد ثبوت هذه المقدمة نقول :
ما تقول في طفلة : روحها أطهر من ماء السماء ، وقلبها أصفى من المرآة ، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك ، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله ، وأطهر الكائنات ، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم ، وفي حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة ؟!!
وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية ، فهناك يجف القلم ، ويتوقف عن الكتابة ، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر

بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف.
ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية ، وحيدة وفريدة.
وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام ؟
لقد روي أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرأ قوله تعالى : « فـي بيـوت إذن الله ان ترفع ويذكـر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ... » (1) فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أي بيوت هذه ؟
فقال : بيوت الأنبياء.
فقام إليه أبوبكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
فقال النبي : « نعم ، من أفضلها » (2).
ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال ، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون ـ لابد وأنه يبذل إهتماماً بالغاً

1 ـ سورة النور ، الآية 36.
2 ـ البرهان في تفسير القرآن ، للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية الكريمة.

وعنايةً تامةً في تربية عائلته ، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل.
وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والإستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية.
ومن الواضح أن السيدة زينب ـ بمواهبها واستعدادها النفسي ـ كانت تتقبل تلك الأصول التربوية ، وتتبلور بها ، وتندمج معها(1).

1 ـ ومن ذكريات الطفولة في حياة السيدة زينب ( عليها السلام ) نقرأ في كتب التاريخ : أنها سألت أباها ذات يوم فقالت : أتحبنا يا أبتاه ؟!
فقال الإمام : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي !
فقالت : يا أبتاه إن الحب لله تعالى ، والشفقة لنا.
المصدر : كتاب « زينب الكبرى » للنقدي ، وهو يحكي ذلك عن كتاب « مصابيح القلوب » للشيخ حسن السبزواري ، المعاصر للشهيد الأول ، رضوان الله عليهم.
إن هذا الحوار الجميل يدل على أكثر من معنى ، فمن ذلك :
1 ـ جو الود والصفاء الذي كان يخيم على دار الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعلاقات الطيبة بين الوالد الرؤف وبين طفلته الذكية !
2 ـ إن الحب ينقسم إلى أكثر من قسم ، باعتبار نوعه ومنشئه

نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:24 PM   #7
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

وأكثر إنطباعات الإنسان النفسية يكون من أثر التربية ، كما
ومنطلقه ، وكل قسم منه له إسم خاص به ، لكن يطلق على الجميع كلمة « الحب ».
فهناك حب الإنسان لله تعالى الذي خلق البشر وأنعم عليهم بأنواع النعم. وهناك حب الوالد لأطفاله ، الذي ينبعث من العاطفة والحنان ، وقد عبرت السيدة زينب عن هذا النوع بـ « الشفقة ».
ونقرأ في كتب اللغة أن الشفقة : هي العطف والحنان والرأفة والحنو. فهي ـ إذن ـ : فصيلة خاصة من الحب .. ينبعث من قلب الوالدين لأطفالهما.
3 ـ المستوى الرفيع لتفكير السيدة زينب .. رغم كونها في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة.
أجل ، إنها سيدة .. حتى يوم كانت طفلة !
ونقرأ ـ أيضاً ـ عن الذكاء المبكر للسيدة زينب : أن والدها أجلسها في حجره ـ يوم كانت طفلة ـ وبدأ يلاطفها ، وقال لها : بنية قولي واحد.
فقالت : واحد.
قال : قولي إثنين.
فسكتت ! فقال لها : تكلمي يا قرة عيني.


أن أعماله وأفعاله ، بل وحتى حركاته وسكناته ، وتصرفاته وأخلاقه وصفاته نابعة من نوعية التربية التي أثرت في نفسه كل الأثر.
إذن ، فمن الصحيح أن نقول : إن السيدة زينب تلقت دروس التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر ، كالعلم ـ بما في ذلك الفصاحة والبلاغة ، والإخبار عن المستقبل ـ ومعرفة الحياة ، وقوة النفس وعزتها ، والشجاعة والعقل الوافر ، والحكمة الصحيحة في تدبير الأمور ، واتخاذ ما يلزم ـ من موقف أو قرار ـ

فقالت : يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.
فضمها إلى صدره وقبلها بين عينيها.
المصدر : كتاب ( زينب الكبرى ) للنقدي ص 34.
إن هذه اللقطة التاريخية تدل ـ بكل وضوح ـ على قوة التفكير والنضج المبكر في ذهن وفكر السيدة زينب ، حتى وهي في عمر الطفولة ، فكلامها هذا يدل على الأفكار والمفاهيم والمعاني التي كانت تجول في خاطرها !
فاللسان الذي قال : واحد ، لا يمكن له أن ينطق بكلمة : اثنين ، لأن لكلمة « واحد » ظلال في ذهن السيدة زينب عليها السلام ، كلما ذكرت الكلمة تبادر الى الذهن ذلك الظلال ، وهو وحدانية الله سبحانه ، وعدم وجود إله ثان يشاركه في الألوهية والربوبية وإدارة الكون. المحقق


تجاه ما يحدث.
بالإضافة إلى إيمانها الوثيق بالله تعالى ، وتقواها ، وورعها وعفافها ، وحيائها ، وهكذا إلى بقية فضائلها ومكارمها.
وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يغمر أطفال السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعواطفه ، ويشملهم بحنانه ، بحيث لم يعهد من جد أن يكون مغرماً بأحفاده إلى تلك الدرجة.
وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ إذا زارهم في بيتهم أو زاروه في بيته ـ يعطر خدودهم وشفاههم بقبلاته ، ويلصق خده بخدودهم.
ويعلم الله تعالى كم من مرة حظيت السيدة زينب ( عليها السلام ) بهذه العواطف الخاصة ؟!
وكم من مرة وضع الرسول الأقدس ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خده الشريف على خد حفيدته زينب ؟! وكم من مرة أجلسها في حجره ؟!
وكم من مرة تسلقت زينب أكتاف جدها الرسول ؟!


ويؤسفنا أنه لم تصل إلينا تفاصيل أو عينات تاريخية تنفعنا في هذا المجال ، وحول السنوات الخمس التي عاشتها السيدة تحت ظل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. (1)
1 ـ ونقرأ في بعض كتشب التاريخ رؤيا مخيفة رأتها السيدة زينب وهي في عمر الطفولة ، فحدثت بذلك جدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا جداه رأيت ـ البارحة ـ أن ريحاً عاصفة قد إنبعثت فاسودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء ، وحركتني الرياح من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمى فتمسكت بها لكي أسلم من شدة الريح العاصفة ، وإذا بالرياح قد قعلت الشجرة من مكانها وألقتها على الأرض !
ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الرياح ، تعلقت بغصن آخر فكسرتها الريح العاصفة ، !!
فتمسكت بغصن آخر وغصن رابع ، ثم استيقظت من نومي !
وحينما سمع رسول الله منها هذه الرؤيا بكى وقال : أما الشجرة فهو جدك ، وأما الغصنان الكبيران فهما أمك وأباك ، وأما الغصان الآخران فأخواك الحسنان ، تسود الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم.
المصدر : كتاب ( زينب الكبرى ) للشيخ جعفر النقدي ص 18 ، مع تصرف يسير منا في بعض الكلمات. المحقق


تستأنس البنت بأمها أكثر من استيناسها بأبيها ، وتنسجم معها أكثر من غيرها ، وتعتبر روابط المحبة بين الأم والبنت من الأمور الفطرية التي لا تحتاج إلى دليل ، فالأنوثة من أقوى الروابط بين الأم وبنتها.
وإذا نظرنا إلى هذه الحقيقة من زاوية علم النفس ، فإن الأم تعتبر ينبوعاً للعاطفة والحنان ، والبنت ـ بطبعها وطبيعتها ـ متعطشة إلى العاطفة ، فهي تجد ضالتها المنشودة عند أمها ، فلا عجب إذا اندفعت نحو أمها ، وانسجمت معها روحاً وقلباً وقالباً.
والسيدة زينب الكبرى كانت مغمورة بعواطف أمها الحانية العطوفة ، وقد حلت في أوسع مكان من قلب أم كانت أكثر أمهات العالم حناناً ورأفةً وشفقةً بأطفالها.


السيدة زينب الكبرى تعرف الجوانب الكثيرة من آيات عظيمة أمها سيدة نساء العالمين وحبيبة رسول الله وقرة عينه وثمرة فؤاده ، وروحه التي بين جنبيه ، صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد فتحت السيدة زينب الكبرى عينيها في وجه أطهر أنثى على وجه الأرض ، وعاشت معها ليلها ونهارها ، وشاهدت من أمها أنواع العبادة ، والزهد ، والمواساة والإيثار ، والإنفاق في سبيل الله ، وأطعام الطعام مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
وشاهدت حياة أمها الزوجية ، والإحترام المتبادل بينها وبين زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وإطاعتها له ، وصبرها على خشونة الحياة وصعوبة المعيشة ، ابتغاء رضى الله تعالى.
كما عاصرت السيدة زينب الحوادث المؤلمة التي عصفت بأمها البتول بعد وفاة أبيها الرسول ، وما تعرضت له من الضرب والأذى ، كما سبقت منا الإشارة إلى ذلك.
وانقضت عليها ساعات اليمة وهي تشاهد أمها العليلة ، طريحة الفراش ، مكسورة الضلع ، دامية الصدر ، محمرة العين.
كما رافقت أمها الزهراء ( عليها السلام ) إلى مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين إلقاء الخطبة ، كما ستقرأ ذلك في فصل ( بعض ما روي عن السيدة زينب ) إن شاء الله تعالى.


بعد أن وصل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من البصرة إلى الكوفة ، واستقر به المكان ، إلتحقت به العوائل من المدينة إلى الكوفة.
ومن جملة السيدات اللواتي هاجرن من المدينة إلى الكوفة هي السيدة زينب ( عليها السلام ) وقد سبقها زوجها عبد الله بن جعفر ، حيث كان في جيش الإمام لدى وصوله إلى البصرة.
والمستفاد من مطاوي التواريخ والأحاديث أن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ بعد انقضاء مدة من وصوله إلى الكوفة ـ نزل في دار الامارة ، وهو المكان المعد لحاكم البلدة ، ومع تواجد الإمام في الكوفة لم يكن هناك حاكم أو أمير غيره ، فلماذا لا ينزل في دار الإمارة ؟
ويتبادر إلى الذهن أن دار الامارة كانت مشتملة على حجرات وغرف عديدة واسعة ، وكان كل من البنات والأولاد


( المتزوجين ) يسكنون في حجرة من تلك الحجرات ، والسيدة زينب كانت تسكن مع زوجها في حجرة أو غرفة من غرف دار الإمارة. (1)
ومكثت السيدة زينب ( عليها السلام ) في الكوفة سنوات

1 ـ السيدة زينب تعلم تفسير القرآن لنساء الكوفة
وجاء في التاريخ أن جمعاً من رجال الكوفة جاؤوا إلى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقالوا : إئذن لنسائنا كي يأتين إلى ابنتك ويتعلمن منها معالم الدين وتفسير القرآن.
فأذن الإمام لهم بذلك ، فبدأت السيدة زينب بتدريس النساء.
ويعلم الله عدد النساء المسلمات اللواتي كن يحضرن درس السيدة .. طيلة أربع سنوات أو أكثر.
وذات يوم دخل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الدار ، فسمع ابنته زينب تتحدث للنساء ـ في درسها ـ عن الحروق المقطعة في أوائل السور ، وعن بداية سورة مريم بشكل خاص.
وبعد انتهاء الدرس إلتقى الإمام بابنته وقال لها : يا نور عيني أتعلمين أن هذه الحروف هي رمز لما سيجري عليك وعلى أخيك الحسين في أرض كربلاء ، ثم بدأ يحدثها عن بعض تفاصيل تلك الفاجعة.
المصدر : كتاب ( الخصائص الزينبية ) للسيد الجزائري المتوفى عام 1384 هـ ، ص 68 ، وكتاب ( رياحين الشريعة ) للمحلاّتي ج 3 ص 57. المحقق


وعاصرت الأحداث والإضطرابات الداخلية التي حدثت : من واقعة صفين إلى النهروان ، إلى الغارات التي شنها عملاء معاوية على بلاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
إنقضت تلك السنوات المريرة ، المليئة بالآلام والمآسي ، وانتهت تلك الصفحات المؤلمة بالفاجعة التي اهتزت منها السماوات والأرضون ، وهي حادثة استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
لقد كانت العلاقات الودية بين الإمام أمير المؤمنين وبين أولاده وبناته على أطيب ما يمكن ، وفي جو من الصفاء والوفاء ، والعاطفة والمحبة.
والإمام أمير المؤمنين هو السلطان الحاكم على نصف الكرة الأرضية ، ومعه عائلته المصونة وأبناؤه المكرمون ، ولكنه ـ في شهر رمضان من تلك السنة ، وهي السنة الأخيرة والشهر الأخير من حياته ـ كان يفطر ليلة عند ولده الإمام الحسن ، وليلة عند ولده الإمام الحسين ( عليهما السلام ) وليلة عند السيدة زينب التي كانت تعيش مع زوجها عبد الله بن جعفر ، (1) كل ذلك تقويةً لأواصر

1 ـ المصدر : الإرشاد للشيخ المفيد ، ص 169 ، وذكر أيضاً في « بحار الأنوار » للشيخ المجلسي ، ج 41 ص 300 ، باب إخباره بالغائبات وعلمه باللغات. نقلاً عن كتاب الخرائج.

المحبة والتواصل بينه وبين أشباله وبناته.
وفي الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان ، كانت النوبة للسيدة زينب ، وأفطر الإمام في حجرتها وقدمت له طبقاً فيه رغيفان من خبز الشعير ، وشيء من الملح ، وإناء من لبن.
كان هذا هو فطور الإمام أمير المؤمنين الذي كان يحكم على نصف العالم ، وأنهار الذهب والفضة تجري بين يديه.
واكتفى الإمام ـ تلك الليلة ـ برغيف من الخبز مع الملح فقط.
ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقام إلى صلاة ، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى.
ولا أعلم لماذا بات الإمام في حجرة ابنته السيدة زينب ـ تلك الليلة ـ ؟
ولعله اختار المبيت في بيتها حتى تشاهد وترى ، وتروي مشاهداتها ومسموعاتها عن أبيها أمير المؤمنين في تلك الليلة ، إذ كانت تلك الليلة تمتاز عن بقية الليالي ، فإنها تحدثنا فتقول :
إنه ( عليه السلام ) قال لأولاده : « إني رأيت ـ في هذه الليلة ـ رؤيا هالتني ، وأريد أن أقصها عليكم ».
قالوا : وما هي ؟


قال : « إني رأيت ـ الساعة ـ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في منامي وهو يقول لي : يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب ، يجيء إليك أشقاها فيخضب شبيتك من دم رأسك ، وأنا ـ والله ـ مشتاق إليك ، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان ، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى ».
فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب ، وأبدوا العويل ، فاقسم عليهم بالسكوت ، فسكتوا. (1)
وتقول السيدة زينب ( عليها السلام ) :
لم يزل أبي ـ تلك الليلة ـ قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، ثم يخرج ساعةً بعد ساعة ، يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، وإنها الليلة التي وعدت بها. ثم يعود إلى مصلاّه ويقول : اللهم بارك لي في الموت. ويكثر من قول : « انا لله وإنا إليه راجعون » ، « ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » ، ويصلي على النبي وآله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ويستغفر الله كثيراً.
تقول : فلما رأيته ـ في تلك الليلة ـ قلقاً متململاً (2)

1 ـ كتاب « بحار الأنوار » للشيخ المجلسي ج 42 ص 277 ، باب 127.
2 ـ متململاً : التململ : هو الإضطرات وعدم الإستقرار بسبب الهم أو الألم. وجاء في كتاب ( العين ) للخليل بن أحمد : الململة : أن يصير



كثير الذكر والإستغفار ، أرقت معه ليلتي (1) وقلت : يا أبتاه ما لي أراك في هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد ؟
قال ـ عليه السلام ـ : يا بنية إن أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفاً ، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة. (2)
ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون.

الإنسان من جزع أو حرقة كأنه يقف على جمر. وقال الفيروز آبادي في ( القاموس ) : التململ : التقلب .. مرضاً أو غماً. المحقق
1 ـ أرقت معه : أي سهرت معه ، الأرق : السهر.
2 ـ بناءً على صحة هذه المقطوعة من التاريخ يتبادر إلى الذهن هذا السؤال : لماذا الخوف ؟
الجواب : لا شك أن الخوف لم يكن من الموت ، لأن الإمام ( عليه السلام ) يقسم على الله تعالى ـ أكثر من مرة ـ أنه لا يخاف الموت ، وأنه « آنس بالموت من الطفل بصدر أمه » وأنه « لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ». وساحات الحرب وميادين القتال تشهد له بصدق كلماته هذه.
فلعل سبب الخوف : هو هيبة لقاء الله تعالى والإنتقال من عالم الفناء إلى عالم البقاء. أو الخوف والقلق على مستقبل الأمة بعد غياب الإمام عن ذلك المجتمع ، وبسبب خطر المؤامرات التي كان يحكيها معاوية ضد الإسلام والمسلمين.
أو لغير ذلك من الأسباب والله العالم. المحقق


فقلت : يا أبتاه ، ما لك تنعى نفسك في هذه الليلة ؟
قال : يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل.
قالت : فبكيت ، فقال لي : يا بنية لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
تقول ( عليها السلام ) : ثم إنه نعس وطوى ساعة ، ثم استيقظ من نومه وقال : يا بنية إذا قرب وقت الأذان فأعلميني.
ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
فجعلت أرقب وقت الأذان ، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء ، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء ، وقام ولبس ثيابه وفتح باب الحجرة ، ثم نزل إلى ساحة الدار.
وكانت في الدار إوز (1) قد أهديت إلى أخي الحسين ، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه ـ ولم يصحن قبل تلك الليلة ـ فقال ( عليه السلام ) : « لا إله إلا الله ، صوارخ تتبعها نوائح ، وفي غداة غد يظهر القضاء ».
فقلت : يا أبتاه هكذا تتطير ؟!

1 ـ إوز ـ بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي ـ : البط ، كما في ( مجمع البحرين ) للطريحي. وقيل : الإوز : طائر يشبه البط في شكله العام ولكنه اكبر منه حجماً وأطول عنقاً. كما في كتاب ( المعجم الوسيط ).

فقال : « يا بنية ! ما منا ـ أهل البيت ـ من يتطير ، ولا يتطير به ، ولكن قول جرى على لساني ».
ثم قال ـ عليه السلام ـ : « يا بنية ! بحقي عليك إلا ما أطلقتيه ، فقد حبست ما ليس له لسان ، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش ، فأطعميه واسقيه وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض ».
فلما وصل إلى الباب عالجه ليفتحه ، فتعلق الباب بمئزره ، فانحل مئزرة حتى سقط ، فأخذه وشده وهو يقول :
أشـدد حيازيمك للموتولا تجـزع من الموتكما أضحكـك الـدهرفإن المـوت لاقيكـاإذا حــل بنـاديكـاكذاك الدهـر يبكيكـا ثم قال : « اللهم بارك لنا في الموت ، الله مبارك لي في لقائك ».
تقول السيدة أم كلثوم :
وكنت أمشي خلفه ، فلما سمعته يقول ذلك قلت : واغوثاه يا أبتاه ! أراك تنعى نفسك منذ الليلى ؟!
فقال ـ عليه السلام ـ : « يا بنية ! ما هو بنعاء ، ولكنها
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:25 PM   #8
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

دلالات وعلامات للموت .. يتبع بعضها بعضاً ».
ثم فتح الباب وخرج.
فجئت إلى أخي الحسن فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا ، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس ، فالحقه.(1)
فقام الحسن ( عليه السلام ) وتبعه ، فلحق به قبل أن يدخل الجامع ، فأمره الإمام بالرجوع ، فرجع.
أيها القارئ الكريم :
هنا ننقل ما ذكره المؤرخون ، ثم نعود إلى حديث السيدة زينب عليها السلام :
لقد جاء الإمام علي ( عليه السلام ) حتى دخل المسجد ، فصعد على المئذنة ووضع سبابتيه في أذنيه وتنحنح ، ثم أذن فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته ، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره ، ويكثر من الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم : الصلاة

1 ـ الغلس ـ بفتح اللام ـ : ظلمة آخر الليل كما في ( القاموس ) للفيروز آبادي. وقيل : ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. كما في كتاب ( مجمع البحرين ) للطريحي.

(62)
يرحمك الله ، قم إلى لصلاة المكتوبة ، ثم يتلو : « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ». (1)
... ثم اتجه نحو المحراب وقام يصلي ، وكان ( عليه السلام ) يطيل الركوع والسجود ، فقام ابن ملجم ( لعنه الله ) لارتكاب أكبر جريمة في تاريخ الكون ، وأقبل مسرعاً حتى وقف بأزاء الاسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها ، (2) فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها ، فتقدم اللعين ورفع السيف وهزه ثم ضرب الإمام على رأسه الشريف ، فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن عبدود العامري ، يوم الخندق.
فوقع الإمام ( عليه السلام ) على وجهه قائلاً : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، فزت ورب الكعبة ، هذا ما و عد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله.
وسال الدم على وجهه الشريف ، وشيبته المقدسة ، وعلى

1 ـ سورة العنكبوت ، الآية 45.
2 ـ الأسطوانة : العمود الذي يعتمد عليه سقف البناء. وكلمة « أسطوانة » معربة من اللغة الفارسية ، وأصلها : « ستون » أو « أستون ». المحقق


(63)
صدره وأزياقه (1) ، حتى اختضبت شيبته وتحقق ما أخبر عنه الرسول الكريم.
وفي هذه اللحظة الأليمة هتف جبرئيل ـ بين السماء والأرض ـ ذلك الهتاف السماوي الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأنبياء والأوصياء.
لقد هتف جبرئيل بشهادة الإمام علي ( عليه السلام ) كما هتف ـ يوم أحد ـ بفتوته وشهامته يوم قال : « لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذوالفقار ».
فقد اصطفقت أبواب المسجد الجامع (2) ، وضجت الملائكة في السماء ، وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل بصوت سمعه كل مستيقظ :
« تهدمت ـ والله ـ أركان الهدى ، وانطمست ـ والله ـ نجوم السماء وأعلام التقى ، وانفصمت ـ والله ـ العروة الوثقى ، قتل ابن عم محمد المصطفى ، قتل الوصي المجتبى ، قتل علي المرتضى ، قتل ـ والله ـ سيد الأوصياء ، قتله أشقى

1 ـ أزياق ـ جمع زيق .. بالكسر ـ : زيق القميص : ما أحاط بالعنق من القميص. كما في كتاب القاموس وتاج العروس. وبتعبير آخر : زيق ، فتحة القميص التي يدخل الإنسان رأسه منها. المحقق
2 ـ إصطفقت : ضربت بعضها ببعض ، ضرباً يسمع منه الصوت.


(64)
الأشقياء ».
فلما سمعت السيدة أم كلثوم نعي جبرئيل لطمت على وجهها وخدها ، وشقت جيبها وصاحت : واأبتاه ! واعلياه ! وامحمداه ! واسيداه !
... ثم حملوا الإمام ـ والناس حوله يبكون وينتحبون ـ وجاؤوا به إلى الدار. فاقبلت بنات رسول الله وسائر بنات الإمام ، وجلسن حول فراشه ينظرن إلى أسد الله وهو بتلك الحالة ، فصاحت السيدة زينب وأختها : أبتاه من للصغير حتى يكبر ؟! ومن للكبير بين الملأ ؟!
يا ابتاه ! حزننا عليك طويل ، وعبرتنا لا ترقأ. (1)
فضج الناس ـ من وراء الحجرة ـ بالبكاء والنحيب ، وشاركهم الإمام ( عليه السلام ) وفاضت عيناه بالدموع.
وفي ليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، في الساعة الأخير من حياة الإمام ( عليه السلام ) كانت السيدة زينب ( عليها السلام ) جالسة عنده تنظر في وجهه ، إذ عرق جبين الإمام ، فجعل يمسح العرق بيده ، فقالت زينب : يا أبه أراك تمسح جبينك ؟
قال : يا بنية سمعت جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله

1 ـ لا ترقأ : لا تنقطع ، أو لا تجف.

(65)
وسلم ) يقول : « إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلو الرطب ، وسكن انينه ».
فعند ذلك ألقت زينب بنفسها على صدر أبيها وقالت : يا ابه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء ، وقد أحببت أن أسمعه منك. (1)
فقال ( عليه السلام ) : « يا بنية ! الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بك وبنساء أهلك لسبايا بهذا البلد ، خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبراً صبراً ».
ثم التفت الإمام إلى ولديه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وقال : « يا أبا محمد ويا أبا عبد الله ، كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ها هنا وها هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
يا ابا عبد الله ! أنت شهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه.
ثم أغمي عليه وأفاق ، وقال : هذا رسول الله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله ، وكلهم يقولون : عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.

1 ـ سوف نذكر لمحة سريعة عن أم أيمن ، في فصل ( بعض ما روي عن السيدة زينب عليها السلام ).

(66)
ثم أدار عينيه في وجوه أهل بيته وقال لهم : « استودعكم الله » ، وتلا قوله تعالى « لمثل هذا فليعمل العاملون » (1) وقوله سبحانه « إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » (2).
ثم تشهد الشهادتين وفارق الحياة.
فعند ذلك صرخت زينب وأم كلثوم وجميع نسائه وبناته ، وشققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، وارتفعت الصيحة في الدار.
... ولما فرغ أولاد الإمام ( عليه السلام ) من تغسيله ، نادى الإمام الحسن أخته زينب وقال : يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله ـ وكان قد نزل به جبرئيل من الجنة ـ.
فبادرت السيدة زينب مسرعة حتى أتته به ، فلما فتحته فاحت الدار لشدة رائحة ذلك الطيب.
أيها القارئ الكريم : هذا بعض ما يرتبط بالسيدة زينب في حياة أبيها العظيم الإمام علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد اقتطفنا ما يرتبط بمقتل أبيها من كتابنا : الإمام علي من المهد إلى اللحد.

1 ـ سورة الصافات ، الآية 61.
2 ـ سورة النحل ، الآية 128.


إن الاحترام اللائق ، والتقدير الرفيع كان متبادلاً بين السيدة زينب الكبرى وبين أخيها الأكبر ، وهو السبط الأول لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الإمام الزكي ، الحسن المجتبى عليه السلام.
إن السيدة زينب كانت تنظر إلى أخيها الامام الحسن من مناظرين :
1 ـ منظار الأخوة.
2 ـ منظار الإمامة.
فمن ناحية : يعتبر الإمام الحسن الأخ الأكبر للسيدة زينب ( عليها السلام ) ومن المعلوم أن الأخ الأكر له مكانة خاصة عند الإخوة والأخوات ، وقد ورد في الحديث الشريف : « الأخ الأكبر


(68)
بمنزلة الأب » (1)
ومن ناحية أخرى : يعتبر الإمام الحسن ( عليه السلام ) إمام زمان السيدة زينب بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولهذا فإن احترامها لاخيها كان ينبعث من هذين المنطلقين.
وتجدر الإشارة إلى أن كل ما سنذكره ـ من الروابط القلبية بين السيدة زينب والإمام الحسين ـ فهي ثابتةً بينها وبين أخيها الإمام الحسن أيضاً.
وإذا كان التاريخ قد سكت عن التفاصيل فإن أصل الموضوع ثابت.
ونكتفي ـ هنا ـ بما ذكر في بعض الكتب من موقف السيدة زينب حينما حضرت عند أخيها الإمام الحسن ساعة الوفاة :
« ... وصاحت زينب : وا أخاه ! وا حسناه ! وا قلة ناصراه ! يا أخي من الوذ به بعدك ؟!
وحزني عليك لا ينقطع طول عمري ! ثم إنها بكت على أخيها وهي تلثم خديه وتتمرغ عليه ، وتبكي طويلاً ». (2)

1 ـ الحديث مروي عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ). ذكر في كتاب « بحار الأنوار » ج 75 ، 335 ، طبع لبنان عام 1403 هـ.
2 ـ معالي السبطين ، للمازندراني ، ج 1 ، المجلس التاسع.


إن روابط المحبة ، والعلاقات الودية بين الإخوة والأخوات كانت من قديم الزمان ، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين ، فيقال : كأنهما أخوان ، أو كأنهما أخ وأخت.
ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب ( عليهما السلام ) كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا ، ولا أبالغ إذا قلت : لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب. فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة ، والعلاقات القلبية.
وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا


(70)
من شجرة واحدة ؟!
ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب ، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة ، وجلالة القدر وعظم الشأن.
فالسيدة زينب تعرف أخاها بأنه :
سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، كآية المباهلة ، وآية المودة ، وآية التطهير ، وسورة « هل أتى » ، وغيرها من الآيات والسور.
بالاضافة إلى أنها عاشت سنوات مع اخيها في بيت واحد ، وشاهدت ما كان يتمتع به اخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية ، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عزوجل.
وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى ، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم.
مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه ، كالعصمة ، والعلم بجميع أنواع العلوم ، وغير ذلك.
وهكذا يعرف الإمام الحسين ( عليه السلام ) أخته السيدة زينب


(71)
حق المعرفة ، ويعلم فصائلها وفواضلها وخصائصها.
ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته العظيمة.
وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين ( عليه اسلام ) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب ، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده ، كل ذلك احتراماً لها. (1)

1 ـ كتاب ( ذخيرة المعاد ) للشيخ زين العابدين المازندراني.

زواج السيدة زينب عليها السلام
عبد الله بن جعفر
لماذا لم يخرج عبد الله مع الإمام الحسين عليه السلام



لمّا بَلَغت السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) مَبلَغ النساء ، خطَبَها ـ فيمَن خطَبَها ـ ابنُ عمّها : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وكان الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يَرغَبُ أن يتزوّج بناته من أبناء عُمومتهنّ : أولاد عقيل وأولاد جعفر ، ولعلّ السبب في ذلك هو كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ حينَ نظر الى أولاد الإمام علي وأولاد جعفر بن أبي طالب ـ فقال : ـ « بَناتُنا لبَنينا ، وبَنونا لبَناتنا ». (1)
وحصلت الموافقة على الزواج ، وتمّ العقد المبارك في جوّ عائلي يَغمره الودّ والمحبّة ، وزُفّت السيدة زينب ( عليها

1 ـ كتاب ( مناقب آل أبي طالب ) لابن شهرآشوب المتوفى عام 588 للهجرة ، ج 3 ص 305 ، فصل : في أزواجه وأولاده ، وذكره الشيخ المجلسي في ( بحار الأنوار ) ج 42 ص 92 ، باب 120.
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:26 PM   #9
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

لسلام ) إلى دار زوجها عبد الله بن جعفر .. بكلّ إجلال واحترام. وأنجَبَت منه أولاداً كانوا ثمرات تلك الشجرة الطيّبة ، وفروع أغصانها ، فلقد وَرِثوا المجد والشرف من الجانبين. (1)
1 ـ هناك نظريّة تقول : « إنّ الزواج من الأقارب شيء مذموم ، وينبغي الإبتعاد عنه لكي يكون النسل الناتج من الزوجين نَسلاً سليما من ناحية الصحّة البدنية والنفسيّة ».
ولهذه النظرية مؤيّدون ومخالفون. ونحن نذكر تعليقنا عليها من خلال عدّة نقاط :
النقطة الأولى : إنّ مجرّد الزواج من الأقارب ليس شيئا مذموما ، بل المذموم هو الزواج منهم في بعض الحالات ، وهي :
الحالة الأولى : فيما لو كان الرجل أو المرأة مُصاباً بمرض ينتقل الى النسل عن طريق الوراثة ، وكان ذلك المرض منتشراً بين سائر أفراد العشيرة ، فحينئذ يُفضّل عدم الزواج من الأقارب .. في حالة العِلم أو الظن بوجود المرض في الطرف الآخر ـ الذي هو من الأقارب ـ.
الحالة الثانية : فيما لو عُلم عدم وجود الإنسجام بين فَصيلة دم هذا وفصيلة دم تلك ، وأنّ الزواج بين هذين سوف يُسبّب إشكالات مهمّة في النسل والذريّة.
وإليك هذا المثال للحالة الأولى من هاتين الحالتين :

(77)
هناك مرض يُعبر عنه بـ ( التكسّر في الدم ) وهو منتشر في بعض العوائل والعشائر ـ ونسأل الله تعالى الشفاء العاجل لكلّ مؤمن ومؤمنة ـ ، فلو كان الرجل مُصاباً بهذا المرض وتزوّج امرأة سليمة ، تكون نسبة إحتمال إنتقال المرض إلى نسله 10% ـ مثلاً ـ ، لكنّه لو تزوّج بامرأة من أقربائه وهي مُصابة بنفس المرض ، ترتفع نسبة إحتمال إنتقال المرض إلى 80% أو أكثر ، حسب اختلاف الحالات.
وحينما نُلاحظ هذا المثال ـ بدقّة ـ يتّضح لنا أنّه ليس مجرّد الزواج من الأقارب أمراً مذموماً ، بل المذموم : هو اختيار زوج غير سليم أو زوجة غير سليمة ، حيث يعني ذلك : عدم إتّخاذ إجراءات وقائيّة كافية لضمان مستقبل صحّي جيّد للنسل والذريّة.
وهذا لا يختصّ بالأقارب ، بل هو عام .. يشمل الأباعد أيضاً. فلا ينبغي فتح باب جديد ـ في علم الطب ـ تحت عنوان : « كراهة أو مخاطر الزواج من الأقارب » ، فإنّ ذلك يعني : التفكير حول القضايا تفكيراً سطحياً ، والغفلة عن المضاعفات المؤسفة الناتجة عن التطبيق ـ بشكل عام ـ لهذه النظريّة غير الناضجة.
النقطة الثانية : لقد ذكرت في التعاليم الاسلاميّة ـ الواردة في موضوع الزواج والعلاقات الزوجية ـ أسباب كثيرة للتعوّق والتشوّه في

(78)
الخِلقة ، والإصابة بالأمراض البدنيّة والنفسيّة ، وغير ذلك من انواع الإعوجاج في النسل والذريّة ، وهي عامّة للجميع .. ولا تختصّ بالأقارب. وهي جديرة بالدراسة والإهتمام ، فيَلزم معرفتها والتطبيق الحرفي لها ، والإعتماد عليها .. لا على النظريّات التي تَشكو من عدم النُضج.
النقطة الثالثة : إن نظرية « كراهة الزواج من الأقارب » وصلت إلينا مِن بلاد الغرب ، وهي تعتمد ـ أولاً وأخيراً ـ على التجارب التي أجريَت في المجتمعات الغربيّة فقط. فلعلّ هناك أسباباً أخرى تورث التعوّق إجتمعت ـ عندهم ـ مع عامل الزواج من الأقارب ، فسبّبت ـ معاً أو لوحدها ـ التشوّه والإعاقة.
والأسباب الأخرى هي مثل :
الممارسة الجنسية بعد شُرب الخمر وفي حالة السكر.
أو تكوّن النطفة من لحم الخنزير ، أو بعض الحيوانات أو الأسماك التي حرّم الله تعالى أكل لحومها.
أو إنعقاد النطفة بعد الإسراف في عدد الممارسات الجنسية.
أو الإهمال الكامل لجميع الإرشادات الدينيّة المرتبطة باللحظات الأولى لتكوّن الجنين. وما أشبه ذلك من الأسباب الأخرى.


(79)
فهنا ينبغي عدم مُقايسة المجتمع الغربي مع المجتمعات الإسلاميّة النظيفة ـ بالكامل أو بنسبةٍ ما ـ عن الخمر والخنزير ، والأجواء المُثيرة لغريزة الجنس ، والغفلة عن تعاليم السماء.
وينبغي ـ أيضاً ـ البحث لإكتشاف السبب الرئيسي للتعوّق ، والقيام بتجارب علميّة .. مع الأخذ بعين الإعتبار لتعاليم السماء. وتجنّب الخلط بين المفاهيم والأمور ، والأسباب والمسبّبات.
قل للذي يَدّعي في العلم فلسفةًحفِظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ النقطة الرابعة : يؤسفُنا أنّ بعض المثقّفين من المسلمين ـ الذين يتقبّلون نظريّات الغرب تقبّلاً غير واع ـ يُشجّعون على ترك الزواج من الأقارب بشكل عام ، وهم في جهل أو غفلة عن الأضرار الناتجة من ذلك ، ففي الزواج من غير الأقارب توجد ـ غالباً ـ الفروق والإختلاف في العادات والتقاليد والأجواء والأخلاق ، والجهل بنفسيّة الطرف الآخر وحقيقته ، وهذه الفروق تكون ـ غالباً ـ سبباً رئيسيّاً لِخَلق ارضيّة النزاعات ، وإيجاد جُذور الإختلافات ، وبُروز طبقة من البرود المؤسف الذي يخيّم على العلاقات الزوجيّة والعائليّة. وتكون ـ في النهاية ـ بمنزلة المِعوَل الهدّام لإضعاف أسس الأسرة السعيدة ، ومَنع تكوّن الإنسجام المطلوب بين الزوجين.


(80)

النقطة الخامسة : هناك بعض العشائر والعوائل التي تعيش في حالة مؤسفة مٍن التنافر والتفكّك الأُسَري ، بسبب ابتعادها عن أخلاقيّات الدين ، وعدم رُضوخها لتعاليم الاسلام المُرتبطة بتركيبة حياة البشر. وفيها يَشِبّ الأطفال على الأحقاد ، وعلى بُغض الأعمام والعَمّات والأخوال والخالات ، وغيرهم مِن أفراد العشيرة ، وتعيش هذه الأُسَر ـ أحياناً ـ مُنغَلقة على نفسها ، فلا تَزاور ولا تعاون ولا صلة أرحام ، ولا وُدّ ولا صفاء.
فإن كانت بعض العوائل تُعاني من هذه الظاهرة المؤسفة ، فلا يعني ذلك أنّها تتصوّر وجود نفس التفكّك في العشائر الأخرى ، وتَقيس بنفسها جميع العوائل ، وبذلك تَضُمّ صوتها إلى مَن يرفع لوحة ( كراهة الزواج من الأقارب .. بصورة عامّة ).
النقطة السادسة : حينما نُلقي نظرة فاحصة على المجتمعات الإسلامية المعاصرة نجد عشرات الملايين من الأفراد الذين تزوّجوا من أقاربهم ـ كابن العَم وبنت العَم ـ ولم يحصل في نَسلهم تَعوّق أو هُزال أو غَباء ، أو مرض يكون قد انتقل إليهم بسبب زواج والديهم من الأقارب.
النقطة السابعة : إنّنا حينما نُلاحظ تاريخ أهل البيت ( عليهم السلام ) نَجد أنّ الزواج من الأقارب كانت ظاهرة منتشرة جدّاً في حياتهم



(81)
1 ـ فهذا نبيّ الإسلام سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زوّج ابنته سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء من ابن عمّ والدها : الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام.
2 ـ وهذا مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) زوّج ابنته السيدة زينب الكبرى من ابن عمّها : عبد الله بن جعفر.
3 ـ وذاك الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) تزوّج بنت عمّه : السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
مع الإنتباه الى أنّ هؤلاء الأطهار معصومون من الخطأ والخَطَل ، في القول والعمل ، بصريح قوله تعالى : « إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً » ، وهم مقتدى الأجيال والأمم ، فلو كان في مجرّد « الزواج من الأقارب » قُبح أو خطأ أو خطر .. لكان المُتوقّع منهم الابتعاد عنه ، أو ذِكر سبب وجيه لزواجهم من الأقارب ، كي لا يَقتدي بهم الناس في ذلك.
هذا .. وقد تزوّج مسلم بن عقيل بنت عمّه : السيدة رقيّة بنت الإمام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ). وتزوّج محمد بن جعفر بنت عمّه : السيدة أمّ كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ). وتزوّج عون بن جعفر بنت عمّه عقيل بن أبي طالب.


(82)
والمُتَتبّع ـ في التاريخ ـ يَحصل على مصاديق وعَيّنات أخرى لما ذكرنا.
فإن قال قائل : إنّهم فعلوا ذلك لعَدَم ذلك لعدم وجود أمراض وراثية في أفراد عشيرة بني هاشم .. رجالاً ونساءً ، فلا يصحّ تعميم القانون على جميع الناس ؟
قلنا في الجواب : نعم ، لم تكن هناك أمراض وراثيّة. ولكن يجب أن نعلم بأنّ الأصل في الخَلق هو : الصحّة .. وليس المرض. والحالات المرضية أمور طارئة لا ينبغي ـ بسببها ـ تعميم قانون المنع .. على الجميع.
يُضاف الى ذلك .. أنّ التعاليم الدينيّة تَضمن الصحّة للجميع ، وتَتكفّل صيانة المجتمع من الأمراض الوراثية وغيرها ، وشعارها مع البشر : « الوقاية خير من العلاج » ولا تَمنع من اتّخاذ التدابير اللزمة والتحقيق المُسبَق من أجل سلامة النسل والذريّة.
النقطة الثامنة : ليس معنى تعليقنا هذا هو التأييد العام المُطلَق لكلّ زواج من الأقارب ، فهناك النزاعات والإختلافات العائليّة والطائفيّة والعقائديّة ، والبُرود في العلاقات .. وهي أمور تَجعل المجال مفتوحاً للزواج من غير الأقارب ، حَذَراً من العواقب المُحتملة.


(83)
هذا .. والتفصيل يحتاج الى مجال واسع لدراسة الموضوع دراسةً علمية شاملة ، مع ذكر الإثباتات والوثائق العلميّة ، ومناقشة أدلّة الطرفين : المؤيّدين والمخالفين لهذه النظرية. المحقّق

لا أراني بحاجة إلى التحدّث عن حياة جعفر الطيّار ـ رضوان الله عليه ـ والد عبد الله ، ولا أجدُ ضرورة إلى التحدّث عن حياة سيدنا أبي طالب ( عليه السلام ) أو عقيل أو بقيّة رجالات وسيّدات هذه الأسرة ، الذين يَنحدرون عن سيّدنا أبي طالب.
وإنّما المقصود ـ هنا ـ هو التحدّث عن حياة عبد الله بن جعفر ، وذلك لكونه زوج السيدة زينب الكبرى عليها السلام.
كان عبد الله شخصيّة لامعة في عصره ، يمتاز عن غيره نسباً وحسباً ، وجوداً وكرماً ، فقد ذكره أرباب التراجم ـ من الفريقين ( السُنّة والشيعة ) في كتب التاريخ والحديث والرجال ـ بكلّ ثناء وتقدير ، وعدوّه من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإمام أمير المؤمنين ، والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام السجاد ( عليهم السلام ).


(86)
وقد كان رابِط الجأش (1) قويّ القلب ، شُجاعاً ، شملته ـ في طفولته ـ بركة دعاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وامتدّت إلى آخر حياته.
فقد ذكر سبطُ إبن الجوزي في كتابه ( تَذكرة الخواص ) في ذِكر أولاد جعفر بن أبي طالب :
« عبد الله ، وبه كان يُكنّى (2) ، ومحمد ، وعَون ، وأمّهم : أسماء بنت عميس ، ولدتهم بأرض الحبشة (3) وكان جعفر قد هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية.
وأشهرهم : عبد الله ، وكان من الأجواد ، وهو من الطبقة الخامسة (4) ممّن توفّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو

1 ـ الجأش : النَفس ، والقَلب. يُقال : هو رابط الجأش أي : ثابتٌ عند الشدائد ، وقويّ القلب في الحروب والمنازعات. المحقق
2 ـ أي : وكان جعفر يُكنّى بـ « أبي عبد الله ».
3 ـ بلاد الحبشة : هي دولة « إثيوبيا » المعاصرة ، وعاصمتها « اديس آبابا » ، وهي تَقع في قارّة إفريقيا ، يَحُدّها من الشمال والغرب : جمهورية السودان ، ومِن الشرق : البحر الأحمر وجمهورية الصومال ، ومن الجنوب : الصومال وكينيا. المحقق
4 ـ لقد قسّم مؤلّف كتاب « الطبقات الكبرى » صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى تقسيمات خاصّة ، وبكيفيّة معيّنة تَبادرت إلى ذِهنه ، وعبّر عن كلّ قسم بـ « الطبقة » فجعل ـ مثلاً ـ الصحابة


(87)
حَدث ، ولمّا ولدته أمّه أسماء بالحبشة ، وُلد ـ بعد ذلك بأيّام ـ للنجاشي وَلَد (1) فسمّاه عبد الله ، تبرّكاً باسمه ، وأرضعت أسماءُ عبد الله بن النجاشي بلَبَن ابنها عبد الله. (2)
وقال ابن سعد في كتاب ( الطبقات ) (3) :
حدّثنا الواقدي ، عن محمد بن مسلم ، عن يحيى بن أبي يعلى ، قال :
سمعت عبد الله بن جعفر يقول : « أنا أحفظُ حينَ دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على أمّي فنعى إليها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تَذرفان ـ أو تهرقان ـ بالدموع حتّى تقطر لحيته.
ثم قال : « اللهم إنّ جعفراً قد قَدم إلى أحسن الثواب ، فاخلفه في ذريّته بأحسن ما خلفت أحداً مِن عبادك في ذريّته ».

الذين حضروا يوم بدر قِسماً خاصاً وطبقة اولى ، وهكذا ... وحسب تقسيمه جعل عبد الله بن جعفر من الطبقة الخامسة.
1 ـ النجاشي : لقب مَلِك الحبشة يومذاك ، واسمه : الاصحَم بن أبجر.
2 ـ المصدر : كتاب « تذكرة الخواص » لسبط ابن الجوزي ، ص 189.
3 ـ على ما حكاه عنه سبط إبن الجوزي في كتابه « تذكرة الخواص » ص 189 ـ 190.


(88)
ثمّ قال : « يا أسماء ! ألا أُبشّركِ ؟ »
قالت أمّي : بلى ، بأبي انت وأمّي يا رسول الله !
قال : « فإن الله قد جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة ».
فقالت : يا رسول الله فأعلم الناس بذلك.
فقام رسول الله فأخذ بيدي ومسح برأسي ، ورقى المنبر ، فاجلسني أمامه على الدرجة السفلى ـ والحزن يُعرف عليه ـ (1)فتكلّم وقال :
« إنّ المرء كثير بأخيه وابن عمّه ، ألا : إنّ جعفراً قد استشهد ، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنّة ».
ثم نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودخل بيته وأدخلني معه ، وأمر بطعام فصُنع لأهلي.
ثمّ أرسل إلى أخي ، فتغدّينا عنده غذاءً طيّباً مباركاً ...
وأقمنا ثلاثة أيام ، ندور معه في بيوت أزواجه ثم رجعنا إلى بيتنا.
فأتانا رسول الله وأنا أُساوم بشاة أخاً لي (2) ، فقال : « اللهم

1 ـ أي : والحزن ظاهر على ملامح وجهه الكريم.
2 ـ أساوم : المساومة : طلب البائع المُغالاة في الثمن ، طلب


(89)
بارِك له في صفقته » (1) ، فما بِعت شيئاً ولا اشتريت إلا بورك فيه ». (2)
ولعبد الله بن جعفر حوار وكلام في مجلس معاوية بن أبي سفيان ، يدلّ على ما كان يتمتّع به عبد الله من قوّة القلب ، وثَبات الجَنان ، والإيمان الراسخ بالمبدأ والعقيدة ، وعدم الإكتراث بالسلطات الظالمة الغاشمة.
أضف إلى ذلك الفصاحة والبلاغة ، والمستوى الأدبي الأعلى الأرقى. فقد ذكر إبن أبي الحديد في ( شرح نهج البلاغة ) عن المدائني :
قال : بينا معاوية ـ يوماً ـ جالس ، وعنده عمرو بن العاص إذ قال الآذِن (3) : قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
فقال عمرو : والله لأسوأنّه اليوم !

المُشتري التَخفيض في ذلك. وقيل : هو الكلام الذي يَسبق المُعاملة التجارية. « المحقق »
1 ـ الصفقة : ضرب اليد على اليد في البيع. وكان العرب إذا أرادوا إنهاء معاملة البيع ضَرَب أحدهما يده على يد صاحبه. والمعنى : اللهم بارك له في صفقاته التجارية ومعاملاته. « المحقق »
2 ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، ص 189 ـ 190.
3 ـ الآذِن : الحاجِب ، ويُعبّر عنه ـ حاليّاً ـ بالسكرتير والبَوّاب.


(90)
فقال معاوية : لا تفعل يا أبا عبد الله ، فإنّك لا تنتصف منه ، ولعلّك أن تُظهر لنا من مغبّته ما هو خفيّ عنّا ، (1) وما لا نحبّ ان نعلمه منه !!
وغشيهم عبد الله بن جعفر (2) فأدناه معاوية وقرّبه.
فمال عمرو إلى جُلساء معاوية فنال مِن علي ( عليه السلام ) جهاراً غير ساترٍ له ، وثلبه ثلباً قبيحاً !! (3)
فالتمع لون عبد الله ، واعتراه الأفكَل (4)

1 ـ مغبّته : عاقبة أمره. وفي نسخة : من منقبته ما هو خفيّ عنا.
2 ـ غشيَهم : دخل عليهم.
3 ـ ثلبه : تنقّصه وذكر معايبه. ومن الواضح أنّه لم يكن في الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) عيب أو منقصة ، لكنّ الأكاذيب لها دورها ، والنفسيات اللئيمة القذرة تُعبّر عن هويّتها ونواياها ، وتظهر عن طريق تصرّفات الإنسان وسلوكه. وكلّ من يدير ظهره للحق لابدّ له أن يَسحق وجدانه ، ويُسكّت إرسالات تأنيب الضمير .. بالأكاذيب والتُهم التي يعلم ـ بنفسه ـ زيفَها. ثمّ إنّ محاولة التزلّف إلى معاوية تجعل القبيح حَسناً والحسن قبيحاً. المحقّق
4 ـ الأفكَل : رَجفة شديدة تعتري الإنسان عند شدّة الغضب أو شدّة الخوف أو البرد.
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-2010, 10:27 PM   #10
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

(91)
حتى أرعدت خصائله (1) ثم نزل عن السرير كالفنيق (2) فقال عمرو : مَه يا أبا جعفر ؟
فقال له عبد الله : مَه ؟ لا أمّ لك ؟ ثم قال :
أظنّ الحِلمَ دلّ عليّ قوميوقد يتجهّل الرجل الحليم ثمّ حسَر عن ذراعيه (3) ، وقال :
يا معاوية ! حتى متى نتجرّع غيظك ؟
وإلى كم الصبر على مكروه قولك ، وسيّئ أدبَك ، وذَميم أخلاقك ؟
1 ـ ذُكر في أكثر كتب اللغة : أنّ الخصائل ـ جمع خصيلة ـ : كلّ لحمة فيها عصَب. والظاهر أنّ شدة الغضب جَعلت الرجفة تظهر على ملامح عبد الله وعلى يديه وأعضاء جسمه. المحقق
2 ـ الفنيق ـ من الناقة ـ : الفحل المُقرم الذي لا يؤذي ولا يُركَب. كما عن كتاب « العين » للخليل بن أحمد ، وجاء فيه ـ أيضاً ـ ناقة فَنَق : جَسيمة وحَسَنة الخَلق.
ولعلّ تشبيه عبد الله بالفنيق .. لأنّه كان ضخم الجسم. المحقق
3 ـ أي : رَفَع أكامم ثوبه وكشف عن ذراعيه ، إستعداداً للمواجهة الشديدة والحرب الكلاميّة مع معاوية ، الذي سكت عن الموقف العدواني لعمرو ، حيث إنّ المتكلّم الذي يريد استعمال إشارات يديه أثناء الكلام الجادّ .. يَرفع أكمامه ، مع الإنتباه إلى الأكمام الواسعة الطويلة التي كانت مُتعارفة في ملابس ذلك الزمان. المحقق

(92)
هَبَلَتك الهبول !! (1)
أما يَزجُرك ذمامُ المجالسة من القَذع لجليسك (2) إذا لم يكن له حرمة من دينك تَنهاك عمّا لا يَجوز لك ؟!
أما : والله لو عطفتك أواصر الأرحام ، أو حاميتَ عن سهمك من الإسلام ما أرخَيتَ ـ لبني الإماء المُتك (3) والعَبيد المُسك (4)ـ أعراض قومك.
وما يَجهل موضع الصَفوة إلا أهل نَجوة (5).
1 ـ هبلتك الهَبول : هَبَلَت الأمّ ولدها : ثكلته ، فهي هَبول. كما في المعجم الوسيط.
2 ـ أي : أما يَمنعُك آداب المجالسة مَن منع مَن يريد إهانة جليسك وجَرح مشاعره ؟!
3 ـ الإماء ـ جَمع أمَة ـ : العَبدة. المُتك ـ بضمّ الميم ـ : جَمع متكاء : المرأة المُفضاة : وهي التي تَمزّق منها الغشاء الفاصل بين مخرج البول ومجرى دم الحيض ـ بسبب كثرة إستقبالها للرجال !! ـ وقيل : هي المرأة التي لا تستطيع ضَبط نفسها من البول. قال الخليل بن أحمد ـ في كتاب « العين » ـ : يُقال في السبّ : يابن المَتكاء. المحقق
4 ـ المُسَك ـ جَمع مَسيك ـ : البَخيل.
5 ـ لعلّ المعنى : وما يَجهل مكانة الشرفاء إلا أصحاب النفوس الدنيئة ، ونَجوة : المحل الذي يُتغوّط فيه. وفي نسخة : وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجفوة. المحقق

(93)
وإنّك لتعرف وشائط قريش (1) ، وصقوة عوائدها ، فلا يَدعوّنك تصويبُ ما فَرط مِن خَطاك في سفك دماء المسلمين ، ومُحاربة أمير المؤمنين ، إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه ، فاقصد لمنهج الحقّ ، فقد طال عمهُك عن سبيل الرشد (2) ، وخَبطُك في دَيجور ظلمة الغيّ ، فإن أبَيت إلا أن تُتابعَنا في قُبح اختيارك لنفسك فاعفِنا عن سوء القالة فينا إذا ضمّنا وإيّاك الندي(3) ، وشأنُك وما تريد إذا خلَوت ، والله حسيبُك ، فوالله لولا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك.
ثم قال : إنّك إن كلّفتني ما لم أُطِق ساءك ما سرّك منّي مِن خُلق.
فقال معاوية : يا أبا جعفر : اقسمتُ عليك لَتجلسنّ ، لعن الله من أخرجَ ضبّ صدرك مِن وجاره (4) ، محمولٌ لك ما قلتَ ، ولكَ
1 ـ وشائظ : السَفَلة ، أو الدُخَلاء في القوم ، لَيسوا مِن صَميمهم. كما في « لسان العرب » لابن منظور.
2 ـ عَمهُك : تَرَدّيك في الضلالة. كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
3 ـ النَديّ والنادي : مجلس القوم ، والجمعُ : أندية. ويُعبّر عنه حاليّاً بـ « الديوان » و « الديوانيّة ». المحقق
4 ـ أي : أخرَج غَيظ صدرك من مكانه ، أو : مِن حلقِك. يقال : وَجَرَ فُلاناً : أي : أسمعه ما يَكره. كما في كتاب المعجم الوسيط.

(94)
عندنا ما أمّلت ، فلو لم يكن مَجدك ومَنصِبُك لكان خَلقُك وخُلُقك شافِعَين لك إلينا ، وأنت إبن ذي الجناحين وسيد بني هاشم.
فقال عبد الله : كلا ، بل سيّدا بَني هاشم حسنٌ وحسين ، لا يُنازعهما في ذلك أحَد.
فقال معاوية : يا أبا جعفر أقسمتُ عليك لما ذكرتَ حاجة لك قضيتها كائنةً ما كانت ، ولو ذهبت بجميع ما أملك.
فقال : أمّا في هذا المجلس فلا.
ثمّ انصَرف ، فأتبعه معاوية بصُرّة. (1) فقال : والله لَكأنّه رسول الله ، مشيُه وخَلقه وخُلقه وإنّه لمن شكله ، ولودَدتُ أنّه أخي بنفيس ما أملك.
ثمّ التفت إلى عمرو فقال : أبا عبد الله ما تَراه منَعَه مِن الكلام معك ؟
قال : ما لا خفاء به عنك.
قال : أظنّك تقول : إنّه هابَ جوابك ، لا والله ولكنّه ازدَراك (2) واستحقَرك ولم يَرك للكلام أهلاً ، أما رأيت إقباله عليَّ
1 ـ وفي نسخة : ببَصَره.
2 ـ إزدراك : إحتَقَرك واستخفّ بك.

(95)
دونَكَ ، زاهداً بنفسه عنك.
فقال عمرو : هل لك أن تَسمع ما أعددته لجوابه ؟
قال معاوية : إذهب ، إليك أبا عبد الله ، فلاتَ حين جواب سائر اليوم (1) ، ونهض معاوية وتفرّق الناس. (2)

لماذا لم يخرج عبد الله مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟
هناك سؤال قد يتبادر إلى بعض الأذهان وهو : لماذا لم يَخرج عبدالله بن جعفر مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في رِحلته إلى العراق ؟
لإجابة هذا السؤال : هناك أكثر من إحتمال ، لأنّنا لا نَعلم ـ بالضبط ـ الجواب الصحيح ، لكنّ الذي يتبادر إلى ذهني ـ والله العالم ـ : أنّه كان من اللازم أن تَبقى بقيّة من أهل البيت في المدينة المنوّرة ، لكي لا يَنجح بنو أميّة في إكمال خطّتهم الرامية إلى استئصال شجرة آل الرسول الكريم ، وكان اللازم أن تكون تلك البقيّة في مستوى رفيع من قوّة
1 ـ أي : ليس الآن وقتُ ذكرك للجواب. أو : لا أريد أن أسمع جوابك الآن .. إلى آخر النهار.
2 ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، طبع مصر ، عام 1385 هـ ، ج 6 ص 295 ـ 297.

(96)
الشخصية والمكانة الإجتماعية .. رجالاً ونساءً ، لكي يستطيعوا المحافظة على امتداد خط الإسلام الأصيل الذي يَنحصر في آل محمد وعلي ( عليهما وآلهما الصلاة والسلام ) ولكي يكونوا على درجة جيّدة بحيث يَحسب لهم الأعداء ألف حساب ، ولا يَسهُل عليهم إبادة تلك البقيّة.
من هنا .. فاننا نقرأ ـ اسماء ثلة من الذين بقوا في المدينة المنورة ، ولم يخرجوا مع الامام الحسين (ع). ومن جملة هذه الثلة الطيبة نقرا في القائمة.
1 ـ عبد الله بن جعفر ، مع الانتباه الى علاقاته الديبلوماسية الظاهرية المُسبَقة مع الطاغية معاوية ، والاحترام الفائق الذي كان معاوية يُظهره له.
2 ـ محمد بن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) المشهور بـ « ابن الحنفيّة ».
3 ـ السيدة أم سلمة ، زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
4 ـ أمّ هاني ، أخت الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
5 ـ السيدة أم البنين ، قرينة الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ووالدة أشباله الأربعة.
6 ـ السيدة المكرّمة ليلى ، قرينة الامام الحسين ( عليه

(97)
السلام ) بناءً على القول بعدم وجودها في رحلة كربلاء.
7 ـ السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث كانت مريضة .. مرضاً يَصعُب معه السفر.
هذا .. وهناك احتمال بأنّ سبب عدم ذهاب عبد الله بن جعفر كان كِبَر السنّ ، ولكن قد يُضعّف هذا الاحتمال ما ثَبت ـ تاريخيّاً ـ من أن عمره ـ يومذاك ـ كان حوالي خمس وخمسين سنة ، ولا يُعتبر هذا المقدار من العمر كثيراً ، إلا إذا كانت الحياة مقرونة بعواصف نفسيّة أو جسميّة تُسرع الشيخوخة والهرم إلى الانسان.
وهناك إحتمال ثالث ذكره البعض : أن عبد الله بن جعفر كان قد فقد بصره قبل رحلة كربلاء ، وهذا الاحتمال يَصلح سبباً وجيهاً لعدم ذهابه ، لكن بشرط أن يَثبت تاريخياً. والله العالم بحقائق الأمور.

(98)
أولاد السيدة زينب عليها السلام
مروان يخطب بنت السيدة زينب عليها السلام ليزيد بن معاوية


(100)
لقد اختلف المؤرّخون في عدد أولاد السيدة زينب ( عليها السلام ) وأسمائهم.
ففي كتاب ( إعلام الورى ) للطبرسي :
وقيل : علي ، وعون الأكبر ، ومحمد ، وعباس ، وأمّ كلثوم (2).
1 ـ كتاب « إعلام الورى بأعلام الهدى » للطبرسي ، طبع النجف الأشرف سنة 1390 هـ ، ص 204.
2 ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، طبع لبنان ، سنة 1401 هـ ، ص 175.

(102)
أما محمد وعون فقد استُشهدا في نُصرة خالهما : الإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء بكربلاء.
وأمّا أم كلثوم فقد تزوّج بها ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر ، وقد استُشهد في فاجعة كربلاء.

لقد كان البيت الأموي معقّداً بعُقدة الحِقارة النفسيّة ، بالرغم من السلطة الزمنيّة التي اغتصبوها زوراً وبهتاناً ، وظلماً وعدوانا.
فقد كانت صفحات تاريخهم ـ خَلَفاً عن سَلَف ـ سوداء مظلمة مُدلَهمّة ، ملوّثة مشوّهة من مساويهم ومَخازيهم.
فتلك ( حمامة ) وهي مِن جَدّات معاوية ، وكانت مِن بغايا مكّة ومن ذوات الأعلام ، أي : كان العَلَم يُرفرف على دارها ( بيت الدعارة ) لِيَعرف الزُناة ذلك ، ويقصدوها للفجور بها. (1)1 ـ جاء ذلك في كتاب ( الطرائف في معرفة مَذاهب الطوائف ) للسيد علي بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة 664 هـ. ص 501 ، طبع ايران عام 1400 هـ. وهو يَحكي ذلك عن كتاب ( المثالب ) لهشام بن محمد الكلبي ـ وهو مِن مؤلّفي العامّة ـ. وهذا نصّ كلامه : « وأمّا حمامة فهي من بعض جدّات معاوية ، وكان لها راية بـ ( ذي المجاز ) يعني مِن ذَوي الرايات في الزنا ». المحقق
(104)
وتلك هند ـ والدة معاوية ـ السافلة القذرة ، ذات السوابق العَفِنة ، والملَفّ الأسود ، آكلة الأكباد ، المُمتلئة حِقداً وعداءً على الإسلام والمسلمين.
وذاك أبو سفيان : قُطب المشركين ، وشيخ المُلحدين ، ورأس كلّ فتنة ، وحامل كلّ راية رُفعت لحرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقائد كلّ جيش خرج لقتال المسلمين في أيام النبي الكريم.
وهذا معاوية ، خَلَفُ هذا السلف ، وحصيلة هذه الجراثيم ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، وهو يعلم أنّ الناس يعلمون هذه السوابق ، ويَعرفون معاوية حقّ المعرفة. (1)
1 ـ ويَجدُر ـ هنا ـ أن نذكر ما نظمه الشاعر العظيم السيد حيدر الحلّي رحمة الله عليه ، المتوفّى سنة 1305 هـ حيثَ ينظر إلى الملفّ الأسود لبني أميّة ـ رجالاً ونساءاً ، فيُخاطبهم بقوله :أميّة غوري في الخُمول وأنجِديهبوطاً إلى أحسابكم وانخفاضهاتطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعواقديمكم ما قـد علمتـم ومِثلـهفماذا الذي أحسابكم شَرُفـت بهفمـا لكِ في العَلياء فـوزةُ مشهدِفلا نسـب زاكٍ ولا طيـبُ مولدإلى حيث أنتم ، و اقعدوا شرّ مقعدحديثكـم في خـزية المُـتجـدّدفأصعدكم في الملك أشرف مصعد
(105)
فكيف يَجبر هذا الشعور بالنقص .. الذي لا يُفارقه ؟!
وكيف يستر هذه العيوب التي أحاطت به وغَمرته ؟
كان الإحساس والشعور ـ بهذه السوابق العفنة ، والملفّات الوسخة ـ يحُزّ في صدر معاوية.
صلابـة أعـلاكِ الذي بَلَلُ الحيـابَنـي عبد شمسٍ لا سقى الله حفرةًألِمّـا تكونـي فـي فُجورك دائماًوراءَك عنهـا لا أبـاً لـكِ إنّمـاعجِبـتُ لمـن في ذلّة النعل رأسهدَعوا هاشمـاً و الفخـر يعقِد تاجهودونكمـوا والعار ضُمـّوا غِشاءَهيُرَشّـح لكن لا لشيء سـوى الخَناوتتـرف لكن للبغـاء نسـاؤكـمو يَسقـي بمـاءٍ حَرثكم غير واحدذهبتـم بها شنعـاء تبقى وصومهابه جفّ ، أم فـي لين أسفَلكِ النديتضُمـّكِ والفحشـاء في شرّ مَلحَدِبمشغلةٍ عـن غَصـب أبناء أحمدتَقـدّمتِهـا لا عـن تقـدّم سـؤددبـه يتـراءى عاقـداً تـاج سيـّدعلى الجبهات المستنيرات في النديإليكم إلى وجهٍ مـن العـار أسـودوَ ليـدكم فيمـا يـروح ويغتـديفيُـدنَس منها فـي الدجى كلّ مرقدفكيـف لكم تُرجـى طهارة مـولدلأحسابكم خزيـاً لـدى كلّ مشـهد المصدر : ديوان السيد حيدر الحلي ، طبع لبنان عام 1404 هـ ، ص 70. المحقق
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فواصل بذكرى استشهاد السيدة زينب الكبرى عليها السلام ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين فواصل وأكسسوارات لتزيين المواضيع والردود 22 29-04-2016 07:35 PM
تصميم زيارة العقيلة زينب الكبرى عليها السلام يقع في 4 صفحات ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين سما الأبداع - برامج التصميم فوتوشوب,فلاش - موسوعة تصاميم 19 23-04-2016 05:43 AM
المكتبة المصورة لمرقد السيدة زينب الكبرى عليها السلام ... عدد 35 ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين الملحقات الولائية و الاسلامية و الدينية :: لا للمنقول :: 15 03-05-2015 09:55 PM
صورتين لمرقد السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها ... مفرغة الخلفية عالية الدقة ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين الملحقات الولائية و الاسلامية و الدينية :: لا للمنقول :: 8 29-04-2012 02:59 PM
أمّ المؤمنين السيدة خديجة الكبرى عليها السلام nono moon أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 1 23-09-2010 12:42 PM


الساعة الآن 08:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir