ماهي حدود بشرية النبي (صلى الله عليه واله )

[الاء الرحمن]

ما هي حدود بشرية النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قبل أكثر من عشرة أعوام بدأت تصلنا حملة يقوم بها عدد من أساتذة جامعات إيرانيين وكتّاب ومثقفين هناك تهدف إلى التهوين من أهل البيت (عليهم السلام) وتشكك في عصمتهم وأنهم مجرد علماء أبرار، وأنه لا داعي للمغالاة بهم. ويستهزئون بمن يذكر كرامات الأئمة (عليهم السلام) ويحاولون تقليم الغيبيات في شخصيات المعصومين لصناعة صورة متواضعة لهم تناسب (الحداثة) وتريح الميالين للمادة الذين يتعبون من التطلع نحو آفاق الغيب ويفضلون صورة مادية توهمهم أنهم محيطون بكل شيء من المعرفة. ويستغلون لأجل ذلك بعض الروايات التي توهم بتناقض الأئمة (عليهم السلام) وضعفهم، مهملين بذلك الروايات المتواترة التي ذكرت أنوار أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم في الكون وعلمهم.
ولا يقتصر خطر هذا العمل على تضييع أحد الثقلين الذي سيؤدي إلى تضييع الثقل الآخر وحسب، بل سيؤدي إلى ضياع ثروة علمية أريد للبشرية أن تبني حضارتها عليها.
وكأنما بشرية النبي (صلى الله عليه وآله) نقص في الخلق تجعله مثلهم في التفكير والإمكانيات فيستبعدون من مقاماته وقدراته بحسب ما يتصورونه فإن لم يقدروا على تصور شيء أنكروه واستهانوا بقائله حتى لو كان متضمناً برواية صحيحة السند أو متواترة، وإذا ورد عن المعصومين معلومة علمية قالوا أنه من الممكن أن يخطئ فيها لأنه أخذها من ثقافة عصره وأنه قابل للخطأ في غير التشريع،
ولا نريد اليوم أن نحتج بالروايات ولا بالعلم الحديث على إمكانية هيمنة الوعي على الكون كما كررناه في مقالاتنا العلمية، ولا كلمات العلماء في إمكانيات الإنسان لو استعمل كل قابليات دماغه التي يستعمل منه عادة 2% فقط، ، بل سنحتج عليهم بالقرآن الكريم الذي لا يجدون عنه مناصاً.
وغن كان بعضهم تسلق ليزعم أن القرآن من كلام محمد وأنه ظن أنه كلام الله، كل ذلك ولا ينبغي عليك أن تُستَفَز ولا أن تتهمهم بالخروج عن الإسلام لأنك ستكون بأعين الشباب المثقفين متوتراً تكفيرياً غير منفتح على الآخر أو غير متحضر وتَحجُر فكرة الله على نفسك وتقيّد حرّية العقل وتعتبر نفسك أميناً وسادناً لله في الأرض، وإن الاختلاف لا يُفسد في الود قضية..
قال الله تعالى: [قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي] (النمل:40).
وهذا القائل هو بشر من ملأ سليمان (عليه السلام) جاء بعرش ملكة سبأ بأقل من طرفة عين؛ لأن عنده علمٌ من الكتاب وليس كل الكتاب.
وما فعله لم يكن بآلة ولا خداع بصر، وإذا أردنا أن نتكلم بصورة علمية لما أنجزه على الشخص، فيمكننا أن نقول:
1+ إنه طوى المكان، والعلم الحديث يرى أنه لا يمكن أن يطوى الزمكان بهذه السهولة، ولا يحصل مثل هذا إلا في الثقوب السوداء حيث القتلة المضغوطة الهائلة تقوم بسحق الزمكان.
2+ إنه لم يعان من جهد في تحريك العرش رغم أنه [عرشٌ عظيم] ولا يحصل إلا بالسيطرة على جسيم هيجز الذي يفرض نطاقاً يعطي الأشياء الكتلة. وبالسيطرة على الجاذبية رغم أنها من أغرب القوى في الكون ولم يتم التحكم بها إلى اليوم الحديث.
3+ إنه امتلك هيمنة تصورية على جميع أجزاء العرش بحيث لم يتقسم ولم يأت بجزء منه وهو ما يدل على رؤية ومعرفة فوق المكان بحيث يرى جميع الأشياء رغم انفصاله مكانياً عنه، وليس في مطمع العلم الحديث اليوم إخراج مركز الوعي والإبصار من مركز جسد الإنسان.
مع ملاحظة أن هذا العلم والإنجاز لم يكن من المعجزات التي ينزّلها الله لتكون حجة على الدعوة الحقة، بل كان عملاً طبيعياً لدى ذلك الشخص [قال أنا آتيك به].
وروي أن هذا الشخص هو آصف بن برخيا وصي سليمان (عليهما السلام) وكان عنده علم حرف واحد من الكتاب، فما بالك بمن عنده علم الكتاب كله [وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ] (الرعد : 43).
ناهيك عما في القرآن الكريم من وصف ما أعطى لله سبحانه لداوود وسليمان (عليهما السلام) من تسبيح الجبال معهما وتكليم الطير والنمل والجن وتليين الحديد وإسالة النحاس وغيرها.
فماذا يقول دعاة العقلنة والحداثة الذين استكثروا على الأئمة (عليهم السلام) حتى العصمة من الاختلاف أو العلم ببعض القضايا العلمية؟.
فهل سيقبلون حجة القرآن أم يرفضونها بحسب ما توحيه لهم عقلنتهم المزعومة؟

الدكتور عماد علي الهلالي