أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) ![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#31 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]()
قبل أن نبدأ بشرح بعض كلمات هذه الخطبة نجلب إنتباه القارئ الكريم إلى هذا التمهيد :
تدبر قليلاً لتتصور أجواء ذلك المجلس الرهيب ، ثم معجزة السيدة زينب الكبرى في موقفها الجريئ ! بالله عليك ! أما تتعجب من سيدة أسيرة تخاطب ذلك الطاغوت بذلك الخطاب ؟ وتتحداه تحدياً لا تنقضي عجائبه ؟ ولا تهاب الحرس المسلح الذي ينفذ الأوامر بكل سرعة وبدون أي تأمل أو تعقل ؟! (408) وأعجب من ذلك سكوت يزيد أمام ذلك الموقف مع قدرته وإمكاناته ؟ وكأنه عاجز لا يستطيع أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً ! أليس من العجيب أن يزيد ـ وهو طاغوت زمانه ، وفرعون عصره ـ لم يستطع أو لم يتجرأ على أن يرد على السيدة زينب كلامها ، بل يشعر بالعجز والضعف عن مقاومة السيدة زينب ، ويكتفي بقراءة قول الشاعر : « يا صيحة تحمد من صوائح » ! فما معنى هذا البيت في هذا المقام ؟! وما المناسبة بين هذا البيت وبين كلمات خطبة السيدة زينب ؟ فهل كانت حرفة السيدة زينب النياحة حتى ينطبق عليها قول يزيد : « ما أهون النوح على النوائح » ؟ وما يدرينا مدى ندم يزيد بن معاوية من مضاعفات جرائمه التي ارتكبها ؟ وخاصة تسيير آل رسول الله من العراق إلى الشام. فإنه ـ بالقطع واليقين ـ ما كان يتصور أن سيدة أسيرة سوف تغمسه في بحار الخزي والعار ، (409) فلا يستطيع يزيد أن يغسل عن نفسه تلك الوصمات .. إلى يوم القيامة. وتكشف الغطاء عن هوية يزيد ، وترفع الستار عن ماهيته وأصله ، وحسبه ونسبه ، وسوابقه ولواحقه ، وتخاطبه بكل تحقير ، وتقرع كلماتها مسامع يزيد ، وكأنها مطرقة كهربائية ، ترتج منها جميع أعصابه ، فيعجز عن كل مقاومة !! والآن إليك شرحاً موجزاً لبعض كلمات هذه الخطبة الحماسية الملتهبة : « الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جدي سيد المرسلين » إفتتحت كلامها بحمد الله رب العالمين ، ثم الصلاة على جدها : سيد المرسلين ، فهي ـ بهذه الجملة ـ عرفت نفسها للحاضرين أنها حفيدة رسول الله سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يعرف الحاضرون أن هذه العائلة المسبية الأسيرة هي من ذراري رسول الله ، لا من بلاد الكفر والشرك. ثم قرأت السيدة هذه الآية : « صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها (410) يستهزؤون » (1) ». وما أروع الإستشهاد بها ، وخاصةً في مقدمة خطبتها !! وعاقبة كل شيء : آخره ، أي : ثم كان آخر أمر الذين أساؤا إلى نفوسهم ـ بالكفر بالله وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه ـ السوئى ، أي : الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته ، وهي عذاب النار. « أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » أي : بسبب تراكم الذنوب والمعاصي في ملف أعمالهم حصل منهم التكذيب بآيات الله والحقائق الثابتة ، وظهر منهم الإستهزاء بها وبالمقدسات الدينية. وهي ( عليها السلام ) تشير بكلامها ـ هذا ـ إلى تلك الأبيات التي قالها يزيد :« لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل » ومعنى هذا البيت من الشهر : أن بني هاشم ـ والمقصود من بني هاشم : هو رسول الله ـ لعب بالملك بإسم النبوة والرسالة ، والحال أنه لم ينزل عليه وحي من السماء ، ولا جاؤه خبر من عند الله تعالى. 1 ـ سورة الروم ، الآية 10. (411) فتراه ينكر النبوة والقرآن والوحي !! وهل الكفر والزندقة إلا هذا ؟! ثم إن بعض الناس ـ بسبب أفكارهم المحدودة ـ يتصورون ـ خطأ ـ أن الإنتصار في الحرب يعتبر دليلاً على أنهم على حق ، وعلى قربهم من عند الله تعالى ، فتستولي عليهم نشوة الإنتصار والظفر ، ويشملهم الكبرياء والتجبر بسبب التغلب على خصومهم ؛ ولكن السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) فندت هذه الفكرة الزائفة ، وخاطبت الطاغية يزيد باسمه الصريح ، ولم تخاطبه بكلمة : « أيها الخليفة » أو « يا أمير المؤمنين » وأمثالهما من كلمات الإحترام. نعم ، خاطبته باسمه ، وكأنها تصرح بعدم إعترافها بخلافة ذلك الرجس ، فقالت : « أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء ، فاصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أن بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا » ؟! تصف السيدة زينب حالها ، وأحوال من معها من العائلة المكرمة ، أنهم كانوا في أشد الضيق ، كالإنسان (412) الذي أخذوا عليه ، أي : منعوه وحاصروه من جميع الجوانب والجهات ، بحيث لا يستطيع الخروج والتخلص من الأزمة. وبعد هذا التضييق والتشديد ، والمنع والحبس « أصبحنا نساق » مثل الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها. « سوقاً في قطار » يقال ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ : « قطار الإبل » أي : عدد من الإبل على نسق واحد وفي طابور طويل ، وقد قرأنا أن جميع أفراد العائلة ومعهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب ( عليهما السلام ) كانوا مربوطين ومكتفين بحبل واحد ! « وأنت علينا ذو اقتدار » أي : نحن في حالة الضعف وأنت في حالة القدرة. « أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامة وامتناناً » ؟! أي : أظننت ـ لما رأيتنا مغلوبين ، ووجدت الغلبة والظفر لنفسك ـ أن ليس لنا جاه ومنزلة عند الله ، لأننا مغلوبون ؟!! وظننت أن لك عند الله جاهاً وكرامة لأنك غلبتنا وظفرت بنا ، وقتلت رجالنا ، وسبيت نساءنا ؟!! (413) « و » ظننت : « أن ذلك لعظم خطرك » أي : لعلو منزلتك. « وجلالة قدرك » عند الله تعالى ؟! وعلى أساس هذا الظن الخاطئ الذي « لا يغني من الحق شيئاً » و « إن بعض الظن إثم » ، إستولت عليك نشوةً الإنتصار. « فشمخت بانفك » يقال : شمخ بأنفه : أي رفع أنفه عزاً وتكبراً. « ونظرت في عطفك » العطف ـ بكسر العين ـ : جانب البدن ، والإنسان المعجب بنفسه ينظر إلى جسمه وإلى ملابسه بنوع من الأنانية وحب الذات والغرور. « تضرب أصدريك فرحاً » الأسدران : عرقان تحت الصدغين ، وضرب أصدريه : أي : حرك رأسه ـ بكيفية خاصة ـ تدل على شدة الفرح والإعجاب بالنفس .. إزاء ما حققه من إنتصار موهوم. « وتنفض مذرويك مرحاً » يقال : جاء فلان ينفض مذرويه. إذا جاء باغياً يهدد (414) الآخرين. هذا ما ذكره اللغويون ، ولكن الظاهر أن معنى « ينفض مذرويه » أي يهز إليتيه ، وهو نوع من حركات الرقص عند المطربين حينما تأخذهم حالة الطرب والخفة. « حين رأيت الدنيا لك مستوسقة » أي : مجتمعة. « والأمور لديك متسقة » أي : منتظمة ، بمعنى : أنك رأيت الأمور على ما تحب وترضى ، وعلى ما يرام بالنسبة إليك ، فكل شيء يجري كما تريد. « وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا » أي : ومن أسباب فرحك ، وقيامك بالحركات الطائشة التي تدل على شدة سرورك ، أنك رأيت من نفسك ملكاً وسلطاناً قد نجح في خطته التي رسمها لإبادة منافسه ، وأسر نسائه. لكن .. إعلم أيها المغرور : أن هذه القدرة والمكانة التي اغتصبتها ـ وهي الخلافة ـ هي لنا أساساً ، لأن يزيد (415) كان يحكم بإسم خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). ومن الواضح أن خلافة رسول الله لها موارد خاصة ، وأن خلفاء رسول الله أفراد معينون ، منصوص عليهم بالخلافة ، وهم : الإمام علي بن أبي طالب ، والأئمة الأحد عشر من ولده ( عليهم السلام ) ، ولكن الآن .. صارت تلك القدرة والسلطة بيد يزيد !! بعد هذه المقدمة والتمهيد قالت : « فمهلاً مهلاً » يقال ـ للمسرع في مشيه ، أو المتفرد برأيه ـ : مهلاً. أو : على مهلك ، أي : أمهل ، ولا تسرع ، أي : ليس الأمر كما تعتقد أو كما تظن ، أو : ليس هذا الإسراع في العمل صحيحاً منك فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر. « لا تطش جهلاً » طاش فلان : أخذه الغرور وفقد إتزانه ، فصار غير ناضج في تصرفاته. أي : يا يزيد ! لا تطش .. بسبب جهلك بالحقائق ، وخلطك بين المفاهيم والقيم ، والإغترار بالظواهر. (416) « أنسيت قول الله ( عزوجل ) : « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » ؟!! (1) نملي : أي نطيل لهم المدة والمجال ، أو نطيل أعمارهم ونجعل الساحة مفتوحة أمامهم « خير لأنفسهم » ، بل : إنما نطيل أعمارهم ومدة سلطتهم وحكومتهم .. لتكون عاقبة أمرهم هي إزدياد الإثم والمعاصي في ملف أعمالهم ، ولهم عذاب مهين ، أي : يجزيهم ـ في جهنم ، تعذيباً ممزوجاً مع الإهانة والتحقير. ثم خاطبته وذكرته بأصله السافل ، ونسبه المخزي ، فقالت : « أمن العدل يا بن الطلقاء » وهذه الكلمة إشارة إلى ما حدث يوم فتح مكة ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما فتح مكة ـ وصارت تحت سلطته ـ كان بإمكانه أن يقتلهم لما صدرت منهم من مواقف عدائية وحروب طاحنة ومتتالية ضد النبي الكريم ـ بالذات ـ وضد المسلمين بصورة عامة ، لكنه رغم كل 1 ـ سورة آل عمران ، الآية 178. (417) ذلك .. إلتفت إليهم وقال لهم : « يا معاشر قريش ! ما ترون أني فاعل بكم ؟ » قالوا : « خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم » فقال لهم : « إذهبوا فأنتم الطلقاء » (1) وكان فيهم : معاوية وأبو سفيان. ويزيد هو ابن معاوية ، وحفيد أبي سفيان ، ويطلق عليه ( ابن الطلقاء ) إذ قد يستعمل ضمير الجمع في مورد التثنية. أما معنى كلمة « يابن الطلقاء » فالطلقاء ـ جمع طليق ـ : وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره ، وخلي سبيله. إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتح مكة ، فصارت البلدة ومن فيها تحت سلطته وقدرته ، وكان بإمكانه أن ينتقم منهم أشد إنتقام ، وخاصة من أبي سفيان الذي كان يؤجج نار الفتن ، ويثير الناس ضد رسول الله ، ويقود الجيوش والعساكر لمحاربة النبي والمسلمين ، كما حدث ذلك يوم بدر وأحد ، وحنين 1 ـ السيرة النبوية ، لإبن هشام ، طبع لبنان عام 1975 م ، ج 4 ص 41 ، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 21 ص 106. (418) والأحزاب ، وهكذا إبنه معاوية « الذي كان على دين أبيه » ، ولكن الرسول الكريم أطلقهما وخلى سبيلهما في من أطلقهم. قال الله تعالى : « فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً بعد وإما فداءً ، حتى تضع الحرب أوزارها » (1) « فإما منا بعد » أي : إما أن تمنوا عليهم مناً بعد أن تأسروهم ، أي : تحسنوا إليهم فتطلبوا منهم دفع شيء من المال إزاء إطلاقكم سراحهم. وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مخيراً بين ضرب أعناقهم وبين المن والفداء ، فاختار الرسول الكريم المن وأطلقهم بلا فداء ولا عوض. والظاهر أن السيدة زينب تقصد من كلمة « يابن الطلقاء » واحداً من معنيين : المعنى الأول : أن تذكر يزيد بأنه ابن الطليقين الذين أطلقهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أهل مكة ، وكأنهم عبيد ، فتكون الجملة تذكيراً له بسوء 1 ـ سورة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الآية 4. (419) سوابقه المخزية وملف والده وجده ! والمعنى الثاني : أن تذكر يزيد بالإحسان الذي بذله رسول الله لأسلاف يزيد حيث أطلقهم ، فقالت : « أمن العدل » أي : هل هذا جزاء إحسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أسلافك .. أن تتعامل مع حفيدات الرسول هذا التعامل السيئ ؟! ولعل السيدة زينب قصدت المعنيين معاً. ومن الواضح أنها لا تقصد ـ من كلامها هذا ـ السؤال والإستفهام ، بل تقصد توبيخ يزيد على سلوكه القبيح ، ونفسيته المنحطة ، وتنكر عليه تعامله السيئ ، وتعلن له أنه بعيد ـ كل البعد ـ عن أوليات الفطرة البشرية ، وهي جزاء الإحسان بالإحسان !! « تحذيرك حرائرك وإماءك » يقال : خدر البنت : الزمها الخدر ، أي : أقامها وراء الستر. الحرائر ـ جمع حرة ـ : نقيض الأمة. (1) 1 ـ لسان العرب لابن منظور. (420) « وسوقك بنات رسول الله سبايا » السوق : يقال : ساق الماشية يسوقها سوقاً : حثها على السير من خلف (1) وذلك يعني : الحث على السير من الوراء مع عدم الإحترام. اقول : لا يرجى من يزيد العدل والعدالة ، ولكنه لما ادعى الخلافة لنفسه ، كان المفروض والمتوقع منه أن يكون عادلاً. ولهذا خاطبته السيدة زينب بقولها : أمن العدل أن تجعل جواريك والنساء الحرائر ـ الساكنات في قصرك ـ وراء الخدر ، وتسوق بنات الرسالة وعقائل النبوة ، ومخدرات الوحي .. سبايا ؟ « قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن » فبعد أن كن مخدرات مستورات ، لا يرى أحد لهن ظلاً ، وإذا بهن يرين أنفسهن أمام أنظار الرجال الأجانب ، وبعد أن كن محجبات .. وإذا بالأعداء قد سلبوهن ما كن يسترن به وجوههن .. من البراقع والمقانع ! 1 ـ أقرب الموارد للشرتوني. |
![]() |
![]() |
![]() |
#32 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (421) « تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد » أي : يسوقهن الأعداء من كربلاء إلى الكوفة ، ومنها إلى الشام ، ويمرون بهن على البلاد التي في طريق الشام. وحينما كان يمر موكبهن على البلاد والقرى والأرياف ، كان الناس ـ على اختلاف طبقاتهم ـ يخرجون للتفرج عليهن ، وأحياناً كانوا يصعدون على سطوح دورهم للتفرج عليهن ، ولهذا قالت السيدة : « ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل » المناقل ـ جمع منقل ـ وهو الطريق إلى الجبل. والمناهل ـ جمع منهل ـ : وهو الماء الذي ينزل عنده والمقصود : المنازل التي في طريق المسافرين ، للتزود بالماء أو الإستراحة. « ويتصفح وجوههن القريب والبعيد » يتصفح : أي يتأمل وجوههن لينظر إلى ملامحهن !! (422) « والشريف والوضيع ، والدنيء والرفيع » والحال أنه « ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي » ، عائلة محترمة ، وليس معهن من رجالهن أحد يشرف على شؤونهن ويحرسهن ويحميهن من الأخطار والأشرار ، لأن رجالهن قد قتلوا بأجمعهم ، ولم يبق منهم سوى الإمام زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ). كل هذه الجرائم التي صدرت منك ، وبأمرك كانت « عتواً منك على الله » العتو : هو التكبر. « وجحوداً لرسول الله » الجحود : هو الإنكار مع العلم بأن هذا هو الواقع والحق ، قال تعالى « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ». (1)1 ـ سورة النمل ، الآية 14. (423) « ودفعاً لما جاء به من عند الله » الدفع : الإزالة والإبادة والرد. أي : قمت بهذه الأعمال لأجل القضاء على الإسلام ، وعلى ما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من عند الله تعالى. « ولا غرو منك ، ولا عجب من فعلك » لا غرو : لا عجب. إن السيدة زينب ( عليها السلام ) تعتبر تلك الجرائم ـ التي صدرت من يزيد ـ أموراً طبيعية وظواهر غير عجيبة ، فـ « كل إناء بالذي فيه ينضح ». وإن الآثار السلبية لعامل ـ بل عوامل ـ الوراثة ، والإستمرار على شرب الخمر والفحشاء والفجور والعيش في أحضان العاهرات ، كلها أسباب كان لها دورها في إيجاد هذه النتائج والعواقب السيئة للطاغية يزيد. « وأنى ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء؟ » أي : كيف ومتى يتوقع الخوف من الله تعالى .. من ابن من رمت من فمها أكباد الشهداء الأبرياء ؟ (424) هذه الكلمة إشارة إلى ما حدث في واقعة أحد ، وإلى مقتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء وعم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حينما جاءت هند ـ أم معاوية ـ وجدة يزيد ـ وشقت بطن سيدنا حمزة ، واخرجت كبده واخذت قطعة من كبده ، ووضعتها في فمها وعضتها بأسنانها وحاولت أن تأكلها ، بسبب الحقد المتأجج في صدرها ، ولكن الله تعالى أبى أن تدخل قطعة من كبد سيدنا حمزة في جوف تلك المرأة الساقطة ، فانقلبت تلك القطعة صلبةً كالحجر ، فلم تؤثر أسنانها في الكبد ، فلفظتها ، ورمتها من فمها ، فاكتسبت بذلك لقب ( آكلة الأكباد ) !! ويزيد : هو حفيد هكذا امرأة حقودة. وحقده على الدين وارتكابه للجرائم الكبيرة ليس بشيء جديد !! « ونصب الحرب لسيد الأنبياء » لقد ذكرنا ـ في الفصل الرابع من هذا الكتاب ـ أن أبا سفيان هو الذي كان يجهز الجيوش في مكة ، ويخرج لحرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقتال المسلمين ، حينما كان النبي الكريم في المدينة المنورة. (425) « وجمع الأحزاب » إن أبا سفيان هو الذي جمع العشائر والقبائل الكثيرة .. من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم ، وأمر بنفير عام وشامل لمختلف الأعمار والديانات ، وخرج بجيش جرار كالسيل الزاحف ، للقضاء على الرسول العظيم ومن معه من المسلمين ، في واقعة الأحزاب التي عرفت ـ فيما بعد ـ بـ « غزوة الخندق ». « وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » الحراب ـ جمع حربة ـ : وهي آلة قصيرة من الحديد ، محددة الرأس ، تستعمل في الحرب. (1) « وهز السيوف » كناية عن الخروج للحرب وإصدار الأوامر للهجوم والغارة ، وبما أن أبا سفيان كان هو السبب في هذه الحروب فقد جاءت كلمة « السيوف » بصيغة الجمع. « أشد العرب لله جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً ». (2)1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ أعتاهم : العتو : الإستكبار والتجبر وتجاوز الحد. كما في « العين » للخليل ، والمعجم الوسيط. المحقق (426) من الواضح أن العرب في مكة وغيرها .. كانوا على درجات متفاوتة في نسبة إنكارهم لوجود الله تعالى ، أو إتخاذهم الأصنام آلهة من دونه سبحانه. فهناك من هو جاحد ومنكر مائة بالمائة ، وهناك من هو جاحد 70 % ، وهكذا. ومنهم : من هو عازم على الإستمرار في الكفر رغم علمه بالتوحيد ، ومنهم : من كان يعيش حالة الشك في الإستمرار في الكفر أو الشرك. ومنهم : من كان يحيك المؤامرات ضد النبي الكريم بصورة سرية ، ومنهم : من كان يخرج لحرب رسول الله .. بشكل مكشوف. ومنهم : من كان منكراً لله تعالى .. ولكنه يتخذ موقف المحايد تجاه النبي الكريم ، ولا يبذل أي نشاط ضد الإسلام والمسلمين. ولكن الكافر الذي ضرب الرقم القياسي في إنكار الله تعالى ، وإنكار رسالة النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هو أبو سفيان. هذه كلها صفات ومواصفات أبي سفيان ، وقد ورثها منه حفيده يزيد ، حيث كان يشترك مع جده في جميع هذه الأوصاف والأحقاد ، وبنفـس النسبة والدرجة ، لكن مـع (427) تبدل الظروف ! فلقد وقف أبو سفيان في وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحاربه وأظهر أحقاده. وجاء ـ من بعده ـ إبنه معاوية ، فوقف في وجه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحاربه بكل ما لديه من طاقة وقوة ، وعلى مختلف الأصعدة والمجالات ، الإعلامية والعسكرية وغيرها. إن الوثائق التاريخية تقول : « مات معاوية وعلى صدره الصنم » ، فكم تحمل هذه الكلمة من معان ودلالات ، « والحر تكفيه الإشارة » !! وقد جاء في التاريخ ـ أيضاً ـ : « مات معاوية على غير ملة الإسلام ». (1) ثم جاء يزيد ـ من بعد معاوية ـ فكان كالبركان يتفجر حقداً على آل رسول الله وأبناء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). فماذا تراه يفعل ؟!1 ـ جاء هذا النص ـ بالحرف الواحد ـ في كتاب « سير أعلام النبلاء » للذهبي ، ج 10 ، ص 533 وكتاب « تاريخ بغداد » للخطيب البغدادي ، ج 14 ، ص 181 وكتاب « خلاصة عبقات الأنوار » ج 7 ، ص 305. (428) وماذا تتوقع منه ؟! وخاصة وأنه يرى تحت تصرفه جيشاً كبيراً ينفذ أوامره بكل سرعة ، ويطيعه طاعةً عمياء ، دون رعاية الجوانب الإنسانية أو العاطفية أو الدينية. وكان له مستشار مسيحي حاقد إسمه : « سرجون » يملي عليه ما يتبادر إلى ذهنه في كيفية القضاء على الإسلام ، ويرسم له الخطط للوصول إلى هذا الهدف ! « ألا : إنها نتيجة خلال الكفر » ألا : حرف لجلب الإنتباه ، أو للتأكيد على ما يخبر عنه. (1) النتيجة ـ هنا ـ العاقبة. خلال ـ جمع خلة ـ وهي الخصلة. أي : إن يزيد حينما أمر بقتل ريحانة رسول الله الإمام الحسين ( عليه السلام ) لم يكن لمجرد أنه كان يرى منه منافساً له في السلطة فقضى عليه ، بل إن ذلك كان من منطلق الكفر والإلحاد ، ولذلك .. فهو لم يكتف بقتل الإمام ، بل أمر بسبي نسائه وأطفاله ، وقام بغير ذلك من الجرائم والجنايات.1 ـ كما يستفاد من كتاب « مغني اللبيب » لإبن هشام. (429) وهذه الأمور : هي نتيجة خبث نفسيته الطائشة وأثر صفاته الكفرية الموروثة من أبيه وجده ! « وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر » والضب ـ بكسر الضاد ـ : الغيظ الكامن والحقد الخفي. جرجر البعير : إذا ردد صوته في حنجرته. أي : وحقد يتأجج في الصدر ، ويطالب يزيد للأخذ بثارات المقتولين في غزوة بدر ، وهم أقطاب المشركين الذين كانوا قد خرجوا من مكة لمحاربة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقتال المسلمين. وهم المشركون الذين تمنى يزيد حضورهم بقوله : « ليت أشياخي ببدر شهدوا » وهم : عتبة بن ربيعة ، وشيبة ، والوليد بن شيبة. أما عتبة فقتله عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وأما شيبة وابنه الوليد فقد قتلهما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). إن جميع ما قام به الطاغية يزيد ، من قتله الإمام الحسين وأصحابه وأهل بيته ، وسبي الطاهرات من نسائه وحرمه ، وإهانته لرأس الإمام الحسين ( عليه السلام ) تعتبر (430) نتيجة طبيعية للكفر المكشوف والحقد الدفين في قلب يزيد ، فلم يكن يوجد في قلبه مقدار ذرة من الإيمان بالله تعالى وبيوم القيامة ، بل إنه إتخذ منصب خلافة الرسول الكريم ، وسيلة لسلطته على الناس ، وانهماكه في الشهوات ، ومحاربته للدين وعظماء الدين. فقد كان يتجاهر بشرب الخمر ، ولعب القمار وغيرهما من المنكرات التي حرمها الله سبحانه وبذلك أعطى الجرأة لجميع الناس كي يجلسوا في الأماكن العامة ، ويرتكبوا ما شاؤا من المعاصي والذنوب ، من دون أي خوف أو حذر ، أو حياء أو خجل ، أو إحترام لحدود الله تعالى ، أو رعاية للخطوط الحمراء التي وضعها الله سبحانه حول بعض الأعمال المحرمة. لقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) أنه قال : « ... من نظر إلى الشطرنج فليلعن يزيد وآل يزيد ... » (1) « فلا يستبطئ في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وضغناً » وفي نسخة : « وكيف يستطبئ في بغضنا »1 ـ كتاب « عيون أخبار الرضا عليه السلام » للشيخ الصدوق. (431) أي : كيف لا يسرع إلى بغض أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كانت نظرته وعقيدته فيهم عقيدة الكراهة والحقد. والشنف والشنآن والإحن والأضغان : معانيها متقاربة ، والمقصود منها : شدة الحقد والبغض. « يظهر كفره برسوله ، ويفصح ذلك بلسانه » : إشارة إلى الأبيات التي أنشدها يزيد :« لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل فقد أظهر كفره برسالة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتجاهر بذلك ، واعتبر النبوة والرسالة والوحي والقرآن كلها العاب ، وأنكرها جميعاً. يفصح : أي يظهر ما في قلبه على لسانه. « وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده ، وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم :لأهلـوا واستهلوا فرحاًولقالوا : يا يزيد لا تشل » غير متحوب : أي غير متأثم (1) أو غير متحرج من1 ـ القاموس المحيط ، للفيروز آبادي. (432) القبيح. والحوبة : من يأثم الإنسان في عقوقه .. كالوالدين. (1) والظاهر : أن السيدة زينب ( عليها السلام ) تقصد أن يزيد كان يعيش حالة عدم الإكتراث أو المبالاة بما قام به من جرائم ، وبما يصرح به من كلمات كفرية ، وبما يشعر به من الفرح والسرور لقتله ابن رسول الله ، وسبي ذريته الطاهرة. إذ من الواضح أن الذي لا يؤمن بيوم الجزاء لا يفكر في مضاعفات جرائمه ، ولا يشعر بالحرج أو الخوف من أعماله التي سوف تجر إليه الويل !! « منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكان مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ينكتها بمخصرته » ثنايا ـ جمع الثنية ـ : وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ، ثنتان من فوق وثنتان من تحت. (2) مقبل : موضع التقبيل. ينكت : يضرب. مخصرة : العصا ، وقيل : هي العصا التي في أسفلها1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ كتاب « لسان العرب » ، و « المعجم الوسيط ». (433) حديدة محدة ، كحديدة رأس السهم. أقول : إن القلم ليعجز عن التعبير عن شرح هذه المقطوعة من الخطبة !! وذلك لهول المصيبة ، فكيف تجرأ الطاغية يزيد على أن يضرب تلك الثنايا المقدسة ، التي كانت موضعاً لتقبيل رسول الله .. مئات المرات .. وفعل يزيد ذلك بمرأى من عائلة الإمام الحسين ونسائه وبناته ؟! ولم يكتف يزيد بالضرب مرةً واحدة أو مرتين ، بل مرات متعددة ، وهو في ذلك الحال في أوج الفرح والإنتعاش !! ولم يكن الضرب على الأسنان الأمامية فقط ، بل كان يضرب على شفتيه ووجهه الشريف ، ويفرق بين شفتيه بعصاه ليضرب على أسنانه ! إنا لله وإنا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون !! « قد التمع السرور بوجهه » قد يكون الفرح شديداً فيتدفق الدم إلى الوجه فيحمر ، وبذلك تظهر آثار الفرح على ملامحه ، فيقال : إلتمع السرور بوجهه. هكذا كانت فرحة يزيد حين ضربه تلك الثنايا (434) الشريفة. (1) « لعمري لقد نكات القرحة » نكأ القرحة : قشرها بعد ما كادت تبرأ. (2) لعل المعنى : أن ضرب يزيد تلك الثنايا صار سبباً لهيجان الأحزان من جديد ، وفجر دموع العائلة الكريمة ، فاستولى عليهن البكاء والنحيب ، وخاصة أن بنتين من بنات الإمام الحسين ( عليه السلام ) جعلتا تتطاولان ( أي : تقفان على رؤوس أصابع رجليهما ) لتنظرا إلى الرأس الشريف ، من وراء كراسي الجالسين ، فلما نظرتا إلى يزيد وهو يضرب الرأس الشريف ، ضجتا بالبكاء والعويل ، ولاذتا بعمتهما السيدة زينب ، وقالتا : يا عمتاه ! إن يزيد1 ـ كتاب « الكامل » لإبن الأثر ، ج 3 ، ص 300 ، وكتاب « تاريخ دمشق » لإبن عساكر ، في ترجمة أبي برزة الأسلمي ، وكتاب « أنساب الأشراف » للبلاذري ، ج 3 ، ص 214 ، وكتاب « مقتل الحسين » للخوارزمي ، ج 2 ص 55 ـ 57 ، وكتاب « تاريخ اليعقوبي » ، ج 2 ، ص 232 من الطبعة الأولى ، وكتاب « الجوهرة » للبري ، طبع الرياض ، ج 2 ، ص 219 ، وكتاب « الرد على المتعصب العنيد » لإبن الجوزي ، طبع لبنان ، ص 45 ، وكتاب « تاريخ الإسلام » للذهبي ، ج2 ، ص 351. 2 ـ كتاب « العين » للخليل بن أحمد. (435) يَضرب ثنايا أبينا ، فقولي له : لا يفعل ذلك ؟! (1) فقامت السيدة زينب ( عليها السلام ) ولطمت على وجهها ونادت : « واحسيناه ! يابن مكّة ومِنى ! يا يزيد : إرفع عودك عن ثنايا أبي عبد الله ». « واستأصَلتَ الشأفة » يُقال : إستَأصل شأفته : أي أزاله من أصله. (2) ولعلّ المعنى : يا يزيد : لقد قطعت شجرة النبوة من جذورها بقتلك الإمام الحسين ( عليه السلام ) فهو آخر من كان باقياً من أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم « آية التطهير » وعبّر الله تعالى عنهم ـ في القرآن الكريم ـ بكلمة « اهل البيت » ، فكلّ من كان يُقتل من هؤلاء الخمسة الطيّبة .. كانَ في الباقين ـ منهم ـ سلوة لآل رسول الله ، وبقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) إنقطعت شجرة أهل البيت من جذورها ، وكان ذلك بأمر يزيد وتنفيذ إبن زياد. « بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنّة ، وابن يعسوب1 ـ كتاب « المعجم الكبير » للطبراني ، طبع بغداد ، ج 3 ، ص 109. 2 ـ المعجم الوسيط. |
![]() |
![]() |
![]() |
#33 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (436) الدين ، وشمس آل عبد المطّلب » يعسوب : النحلة التي يُعبّر عنها بـ « المَلكة » في مملكة النحل (1) ، وقد لقّب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) بلقب « يعسوب الدين » وشبّه شيعته بالنحل الذي يعيش في ظلّ تلك المملكة ويتّبع ذلك اليعسوب ، واشتُهر بين المسلمين ـ في ذلك اليوم ـ هذا اللقب للإمام علي ( عليه السلام ) ولذلك قال الشاعر :ولايتي لأمير النحل تكفينيعند الممات وتغسيلي وتكفيني1 ـ قال الخليل في كتاب « العين » اليعسوب : أمير النحل وفحلها ، ويُقال : هي : عظيمة مُطاعة فيها ، إذا أقبلت أقبلت ، وإذا أدبرت أدبرت. وقال الزبيدي ـ في « تاج العروس » ـ : اليعسوب : أمير النحل ، واستُعمل بعد ذلك في الرئيس الكبير والسيد والمُقدّم ، ... وفي حديث علي ( عليه السلام ) : « أنا يعسوب المؤمنين » أي : يلوذ بي المؤمنون كما تلوذ النحل بيعسوبها ». وقال إبن منظور ـ في « لسان العرب » ـ : « اليعسوب : أمير النحل ، ويُقال للسيد : يعسوب قومه ، وفي حديث علي [ عليه السلام ] : أنا يعسوب المؤمنين ، يلوذ بي المؤمنون كما تلوذ النحل بيعسوبها ». المحقق (437) وطينتي عُجِنت من قَبل تكوينيبحبّ حيدر ، كيف النار تكويني ؟! ثمّ عبّرت السيدة زينب عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) بـ « شمس آل عبد المطّلب » ، ويا لهذا التعبير من بلاغة راقية ، وتشبيه جميل ، فإنّ الإمام الحسين كان هو الوجه المشرق الوضّاء والواجهة المُتلألأة لآل عبد المطلب بن هاشم ، وسبب الفخر والإعتزاز لهم ، وهم كانوا المجموعة أو العشيرة الطيّبة لقبيلة قريش ، وقريش كانت أشرف قبائل العرب. « وهَتَفتَ بأشياخك » حينما قلتَ : « ليت أشياخي ببدر شهدوا » فتمنّيت حضورهم ليروا إنتصارك الموهوم ، وأخذك لثارهم من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مع أنّ أشياخك هم الذين خرجوا ـ من مكة إلى المدينة ـ لقتال رسول الله ، وهم الذين بدؤا الحرب مع المسلمين ، فكانوا بمنزلة الغُدّة السرطانيّة الخبيثة في جسم البشريّة ، وكان يلزم قطعها كي لا ينتشر المرض والفساد في بقيّة أجزاء الجسم. « وتقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك » أي : قُمتَ بإراقة دم الإمام الحسين ( عليه السلام ) تقرّباً إلى أسلافك ، وقلتَ : (438) قد قَتَلنا القَرم مِن ساداتهموأقمنا مثل بدرٍ فاعتدَل « ثمّ صرختَ بندائك » أي : بندائك لأشياخك. ومن هذه الجملة يُستفاد أنّ يزيد كان رافعاً صوته حين قراءته لتلك الأبيات الكُفريّة ، والشعارات الإلحادية. « ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك » قال ابنُ مالك ـ ما معناه ـ : « لو : حرفٌ يقتضي في الماضي إمتناع ما يليه ، واستلزامه لتاليه ». (1) وبناءً على هذا .. يكون معنى كلام السيدة زينب ( عليها السلام ) : يا يزيد ! لقد تمنّيتَ أسلافك لو كانوا حاضرين كي يشهدوك ويشهدوا أخذك لثارهم ، ولكنّ هذه الأمنية لا تتحقّق لك ، فأسلافك موتى معذّبون في نار جهنّم ، ومن المستحيل أن يعودوا الآن ويشهدوا ما قُمتَ به من الجرائم ، وليقولوا لك : سَلِمَت يداك !! « ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك »1 ـ حكى عنه ذلك ابن هشام في كتاب « مغني اللبيب » ص 342. المحقق (439) وشيكاً : أي : سريعاً أو قريباً (1) ويُقال : أمرٌ وشيك : أي : سريع (2) المعنى : يا يزيد : سوف تموت قريباً عاجلاً ، لأنّ مُلكك يزول سريعاً ، ولا تطول أيام حياتك ، وتنتقل إلى عالم الآخرة ، إلى جهنّم فترى أسلافك هناك في الأغلال والقيود وفي صالات التعذيب ، وممرّات السجون ، ولكنّهم لا يرونك ، أي : لا تجتمع معهم في مكان واحد ، لأنّك ستكون في درجة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم ، لأنّ جرائمك الموبقة تستوجب العذاب الأشدّ ، لكنّك حين نزولك إلى ذلك المكان الأسفل ، سوف يكون طريقك عليهم ، فتراهم ولكنّهم لا يرونك ، لأنّ شدة عذابهم يُشغلهم عن الإلتفات إلى ما حولهم ومَن حولهم مِن الجُناة ! وقد رُوي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : « إنّ قاتل الحسين بن علي .. في تابوت من نار ، عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، مُنكّس في النار ، حتى يقع في قعر جهنّم ، وله ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ كتاب « العين » للخيل بن أحمد. (440) العذاب الأليم ، مع جميع من شايع في قتله ، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله ( عز وجل ) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يُفَتّر عنهم ساعة ، ويُسقَون من حميم جهنّم ، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار ». (1) « ولتودّ يمينُك ـ كما زعمت ـ شُلّت بك عن مِرفَقها وجُذّت » شُلّت : الشلل : تعطّل أو تيبّسٌ في حركة العضو أو وظيفته ، يُقال ـ في الدعاء ـ : شُلّت يمينك. (2) جُذّت : قُطعت أو كُسٍِرَت (3) المعنى : يا يزيد ! إنّك في الدنيا زَعمت أن أسلافك لو كانوا حاضرين .. لقالوا لك : « يا يزيد لا تُشَل » أمّا في يوم القيامة ، حين تُعاقب تلك العقوبة الشديدة ، سوف تتمنّى أنّ يمينك كانت مشلولة أو مقطوعة حتى لا تستطيع أن تَضرب بعصاك ثنايا الإمام الحسين ( عليه السلام ).1 ـ كتاب « عيون أخبار الرضا عليه السلام » ج 2 ، ص 47 ، حديث 178. 2 ـ المعجم الوسيط. 3 ـ نفس المصدر. (441) وهذا إخبارٌ من السيدة زينب ( عليها السلام ) بما يدور في ذهن يزيد حين يُلاقي جزاء أعماله الإجراميّة. وتتمنّى ـ أيضاً ـ حينما تُلاقي أشدّ درجات العقوبة والتعذيب : « وأحبَبتَ أنّ أُمّك لم تحملك ، وإيّاك لم تَلِد حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم » أحبَبتَ ـ هنا ـ : بمعنى تَمنّيتَ من أعماق قلبك أن أمّك لم تكن تحمل بك ، ولم تلدك حتى لا تكون مخلوقاً وموجوداً من أول يوم ، ولم تَكتَسِب هذه السيئة الكبيرة التي دفعت بك إلى أسفل السافلين في التابوت الموجود في اسفل طبقات جهنّم ، حيث يستقرّ فيه أفراد معيّنون من الجُناة الذين جرّوا الوَيلات على البشريّة جمعاء ، وعلى كلّ الأجيال والبلاد والشعوب ، وأسّسوا الأُسس ومهّدوا الطرق لمن يأتي من بعدهم من الطغاة والخَوَنة ، في أن يقوموا بكلّ جريمة ، وبكل جُرأة ! إنّ الأحاديث الشريفة تقول : إنّ أهل النار ـ جميعاً ـ يستغيثون بالموكّلين بهم من الملائكة .. أن لا يفتحوا باب ذلك الصندوق ، لأنّ درجة الحرارة فيها أشدّ ـ بكثير ـ مِن (442) حرارة جهنّم نفسها !! (1) وتقول الأحاديث الشريفة : إنّه كلّما خَفّت ونزلت درجة حرارة نار جهنّم .. تَفتَح الملائكة باب ذلك الصندوق لمدّة قليلة فتزداد حرارة جهنّم كلّها بالحرارة الشديدة التي أُضيفت إليها من ذلك التابوت ، كالقِدر الكبير للطعام الذي توضع فيه البقول ، وتوضع على نار خفيفة ، وفُجأةً يرفعون درجة تلك النار إلى أقصى نسبة ممكنة ، فيحدث إضطراب عجيب في ذلك القدر وما فيه ! ويُعبّر عن ذلك الصندوق بـ « التابوت » وبالمعذّبين فيه بـ « أهل التابوت ». وقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « ... إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه الحسين ( عليه السلام ) ويده على رأسه يقطر دماً ، فيقول : « يا ربّ سل أمّتي فيمَ ( أي : لمـاذا ) قتلوا ولـدي ! » (2)1 ـ كتاب ( بحار الأنوار ) ج 8 ، ص 296 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « تفسير علي بن إبراهيم » ، وقد نَقَلنا مضمون الحديث. 2 ـ كتاب « أمالي الطوسي » ص 161 ، حديث 268 ، ونقله المجلسي في « بحار الأنوار » ج 45 ، ص 313. (443) ثمّ بدأت السيدة زينب ( عليها السلام ) بالدعاء على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين ، دَعَت عليهم مِن ذلك القلب المُلتَهِب بالمصائب المُتتالية ، فقالت : « اللهم ! خُذ بحقّنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا ، ونقضَ ذمارنا ، وقَتلَ حُماتنا ، وهتك عنّا سدولنا » نَقَضَ : لم يُراع الحرمة والعهد. الذمار : ما ينبغي حفظه والدفاع عنه ، كالأهل والعِرض. (1) وقيل : ذمار الرجل : كل شيء يلزمه الدفع عنه. (2) سدول ـ جمع سدل ـ السِتر. (3) ثم أرادت السيدة زينب ( عليها السلام ) أن تُبيّن ليزيد حقيقة واقعيّة : وهي أنّ جميع ما قُمتَ به ضدّ آل رسول الله ، مِن : قتل وسَبي ، وحمل الرؤوس من بلد إلى بلد ، وإهانة1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ كتاب « العين » للخيل بن أحمد. 3 ـ نفس المصدر. (444) الرأس الشريف ، والإفصاح عن الكلمات الكُفريّة الكامنة في الصدر ، وغيرها .. لا تعود عليك بالفائدة والنَفع ، بل تعود عليك بالخسران والعقوبة ، حتى لو جعَلَتك تفرح لمدّة قصيرة ، لكنّ هذا الفرح سوف لا يستمرّ ، بل يتعقّبه سلسلة متواصلة من أنواع الخسارة والعذاب الجسدي والنفسي ، فقالت ( عليها السلام ) : « وفعلت فِعلتك التي فعلت ، وما فرَيت إلا جلدك ، وما جَزَرت إلا لحمك » فَريتَ : شققتَ وفتَتَّ (1) وقَطعتَ (2). جزَرتَ : قطعتَ (3) ويُستعمل غالباً في نحر البعير وتقطيع لحمه. « وسترد على رسول الله بما تحمّلتَ من دم ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولُحمَته ».1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ كتاب « العَين » للخليل. 3 ـ المعجم الوسيط. (445) اللُحمة : القرابة ، يُقال : بينهم لُحمة نسب. (1) المعنى : سترِد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ بعد موتكَ ـ وأنت تحمل على ظهرك من الجرائم ما لا تحملها الجبال الرواسي ، فيُخاصمك على كل واحدة واحدة منها .. أشدّ أنواع الخصومة ، من دون أن يخفى عليه شيء ! « حيثُ يُجمع به شملهم ، ويُلمّ به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم ». الشعث : ما تَفرّقَ من الأمور أو الأفراد ، يُقال ـ في الدعاء ـ : « لَمّ الله شعَثه ». (2) المعنى : سوف يجمع الله تعالى آل رسول الله عند النبي الكريم في جبهة واحدة ـ وذلك في يوم القيامة ـ فيَشكو كلّ واحد من آل الرسول إلى النبي الكريم كلّ ما لقيَ من الناس مِن عداءٍ وظلم ، فينتقم الله من أعدائهم أشدّ الإنتقام. ومادام الأمر كذلك ، فاسمع يا يزيد : « فلا يستفزّنّك الفرح بقتلهم »1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ نفس المصدر. (446) لا يستفزّنك : أي : لا يُخرجك الفرح عن حالتك الطبيعيّة ، يُقال : إستفزّه : أي استخفّه ، أو ختَله حتى ألقاه في مهلكة. (1) فلا خير في فرحة قصيرة يتعقّبها حزن دائم ، وعذاب أليم ، وخلود في النار. ثمّ أدمجت السيدة زينب ( عليها السلام ) كلامها بالقرآن الكريم ، فقالت : « « ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ... » (2)وحسبُك بالله ولياً وحاكماً » لعلّ المقصود من قولها « وحسبك بالله وليّاً وحاكماً » أي : وليّاً للدم ، وآخذاً للثار ، فالإمام الحسين ( عليه السلام ) هو : وصيّ رسول الله ، وسيّد أولياء الله تعالى ، فمن الطبيعي : أن يكون الله ( عز وجل ) هو الطالب بثاره ، والوليّ لدمه ، فهو الشاهد لمصيبة قتل الإمام الحسين ، وهو القاضي ، وهو الحاكم ، فهنا .. الحاكم والقاضي هو الذي قد شَهِدَ الجريمة1 ـ كتاب « العين » للخليل ، و « لسان العرب » لابن منظور ، و « تاج العروس » للزبيدي. المحقق 2 ـ سورة آل عمران ، الآية 169 ـ 170. (447) بنفسه ، فلا يحتاج إلى شهادة شهود ، وهو الذي يَعرف عظمة المقتول ظلماً ، وهو الذي يعلم أهداف القاتل مِن وراء قتله للإمام ، وهو يزيد. « وبرسول الله خَصماً ، وبجبرائيل ظهيراً » لقد روي عن الصحابي : إبن عباس أنّه قال : « لمّا اشتدّ برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرضه الذي مات فيه ، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره ، يسيل من عرَقه عليه ، وهو يجود بنفسه ويقول : « ما لي وليزيد ! لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ». ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق ، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول : أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله ». (1) ثمّ صعّدَت السيدة زينب ( عليها السلام ) من لهجتها في تهديد يزيد وإنذاره ، مُغامرةً منها في حربها الكلاميّة ومُخاطرتها في كشف الحقائق ، وإهانتها للطاغية يزيد ، فقالت : « وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن1 ـ كتاب « الدرّ النظيم » للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي ، المتوفى عام 676 للهجرة ، الطبعة الاولى ، طبع ايران ، عام 1420 هـ ، ص 540 ، وهو ينقل ذلك عن « مثير الأحزان ». (448) بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً وأضلّ سبيلاً » مكّنَكَ : مهّد لتسلّطك على كرسيّ الحكم على الناس والتلاعب بدماء المسلمين. وهذا تصريح من السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أمامَ يزيد ومَن كان حوله في مجلسه ـ بعدم شرعيّة تسلّطه على رقاب الناس ، بل وعدم شرعيّة سلطة من مهّد ليزيد هذه السلطة وهو أبوه معاوية بن أبي سفيان ، فهو الذي يتحمّل ما قام به يزيد من الجرائم ، مُضافاً إلى ما تحمّله هو من الجنايات وقتل الأبرياء. فسيكون عذابه أشد ، لأن جرائمه أكثر ووزرَه أثقل. ولعلّ هذا المعنى هو المقصود من قول السيدة زينب ـ حكايةً منها عن القرآن الكريم : « أيّكم شرّ مكاناً ». « وما استصغاري قَدرك ، ولا استعظامي تَقريعك » التَقريع : الضرب مع العُنف والإيلام. وفي نسخة : « ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظِم تقريعك ». (1)1 ـ كتاب « الملهوف على قتلى الطفوف » للسيد ابن طاووس ، ص 217. (449) الدواهي ـ جمع داهية ـ : دَواهي الدهر : ما يُصيب الإنسان من نُوَبه. (1) لعلّ السيدة زينب ( عليها السلام ) تقصد ـ من كلامها هذا ـ : أنّ يا يزيد ! من الصعب عليّ جداً أن أُخاطبك ، لأنّي في منتهى العفة والخدارة ، وأنت في غاية اللؤم والحقارة ، ومن الصعب عليّ أن أُخاطب رجلاً نازل القدر والمكانة ، لكنّ الضرورة والظروف المؤسفة وتقلّبات الدهر ، جعلتني أكون طرفاً لك في الخطاب ، لكي أُبيّن لك فظاعة تقريعك لرأس أخي الإمام الحسين ( عليه السلام ). « تَوَهّماً لإنتجاع الخطاب فيك » الإنتجاع : إحتمال التأثير. (2) المعنى : ليس هدفي من مُخطابتك إحتمال تأثير خطابي فيك ، بل هو ردّ فعل طبيعي لما شاهدته وأُشاهده من المصائب ، وعسى أن يؤثّر كلامي في بعض الجالسين في هذا المجلس ، ممّن خفيَت عنهم الحقائق ، بسبب تأثير الدعايات ، وأقول قَولي هذا .. لكي أُبطِل1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ كما يُستفاد هذا المعنى من كتاب « العين » للخليل ، و « المعجم الوسيط ». المحقق (450) وأُدمر ما أحرزته من الإنتصارات الموهومة. « بعد أن تركتَ عيون المسلمين به عبرى » أي : مُغرَورقة ومليئة بالدموع بسبب استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بلا ذنب ، وبتلك الكيفية الفجيعة ! « وصدورهم عند ذكره حرّى » أي : ملتهبة من الحزن والأسى ، عند تذكّر ما جَرت عليه من المصائب المقرحة للقلوب. وهذا أمر طبيعي لكل مسلم ـ بل كلّ إنسان ـ لم تتغيّر فيه الفطرة الأولية التي فطر الله الناس عليها ، فالتألّم من هكذا فاجعة .. هو رد فعل طبيعي لكل من تكون صفة العاطفة سليمة لديه. ثمّ ذكرت السيدة زينب ( عليها السلام ) سبب عدم إحتمال تأثير خطابها في نفسيّة يزيد وحاشيته ، فقالت ( عليها السلام ) : « فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوّة بسخط الله ولعنة الرسول ، قد عشّش فيها الشيطان وفَرّخ » |
![]() |
![]() |
![]() |
#34 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (451) مَحشوّة : أي : مملوءة. إنّ القلب إذا صار قاسياً ، والنفس إذا أخذها الطغيان ، فسوف لا تكون الأرضيّة مساعدة فيهما لتقبّل المواعظ والنصائح. يُضاف إلى ذلك .. أنّ الشيطان الرجيم إذا وجد التفاعل والتجاوب من شخص ، فسوف يتربّع في فكره وذهنه ، ويتّخذه لنفسه عشاً ووكراً ، ومسكناً ومحلاً للإقامة فيه ، ويكون بمنزلة جهاز التحكّم في الأشياء ، يتحكّم في ميوله واتّجاهاته ، فيوجّه الشخص حيثما يريد ، ويأمره بأنواع الإنحراف والإنسلاخ عن الفطرة الإنسانية والعاطفة وجميع الصفات الحميدة ، ويعطيه الجُرأة على اقتاحم المخاطر الدينية ، فإذا أراد الشيطان مغادرة فكر هذا المنحرف فإنّ هناك فراخه ، أي : جنوده ، الذين يقومون مقامه ويؤدّون دوره في مهمّة الإغراء والتشجيع على الجريمة من دون التفكير في مضاعفاتها السلبيّة. « ومن هناك مِثلك ما دَرَج » ومن هناك : أي : وبسبب ذلك ، ونتيجة لتلك الأسباب. وقيل : « ما » في « ما درج » : زائدة. درج : يُقال : درج الصبيّ : أي : أخذ في الحركة ومشى (452) مشياً قليلاً .. أوّل ما يمشي. (1) وقيل : درج : أي نشأ وتقوّى. « فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العَهَرة الفجرة » الأتقياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين ( عليه السلام ) والمستشهدين معه. أسباط ـ جمع سبط ـ : الحفيد. السليل : الوَلَد. العهرة ـ جمع عاهر وعاهرة ـ : الرجل الزاني ، والمرأة الزانية. الفجرة ـ جمع فاجر وفاجرة ـ : الرجل أو المرأة التي تُمارس جريمة الزنا والفجور. حقّاً إنّه عجيب ، بل هو من أعجب الأعاجيب أن يُقتل أشرف وأطيب خلق الله تعالى على أيدي ذريّة العاهرين والعاهرات !! ولكن .. هذه هي طبيعة الحياة الدنيا ، أنّها تكون1 ـ المعجم الوسيط. (453) قاعة امتحان للأخيار والأشرار ، وللذين يضربون أرقاماً قياسيّة في الطيب أو الخبث. ومن هنا .. بقيت « فاجعة كربلاء » خالدة إلى يوم القيامة ، عند كلّ مجتمع يمتاز بالوعي والإدراك ، وفهم المفاهيم والقيم الإنسانية ، وكلّما إزداد البشر نُضجاً وفَهماً أقبل على دراسة وتحليل هذه الفاجعة بصورة أوسع ، والتفكير حولها بشكل أشمل ، والكتابة عنها بتفصيل أكثر. وقد شاء الله تعالى أن يبقى هذا الملفّ مفتوحاً لدى العقلاء المؤمنين ، ويُجدّد فتحه في كل عام ، بل في كل يوم ، لتحليل ودراسة جزئيّات هذه الفاجعة !! ولخلود فاجعة كربلاء ـ وإمتيازها على بقيّة فجائع وكوارث التاريخ ـ أسباب متعددّة ، نذكر بعضها ، ليعرف ذلك كل من يبحث عن إجابة هذا السؤال ، ويريد معرفة الواقع والحقيقة : 1 ـ إنّ الذين انصبّت عليهم مصيبة القتل أو السبي .. ـ في هذه الفاجعة ـ كانوا هم أفضل طبقات البشر ، وأشرف خلق الله تعالى .. رجالاً ونساءً ، بل كانوا في قمّة شاهقة ، ودرجة عالية من العظمة والجلالة والإيمان بالله تعالى ، والنفسيّة الطيّبة ، بحيث لا مجال لأن نقيس بهم (454) غيرهم من البشر .. مهما كانوا عظماء. 2 ـ إنّ الذين ارتكبوا الجرائم ـ في هذه الفاجعة ـ .. كانوا أخبث البشر ، وأكثر الناس لؤماً ، وأنزلهم نفسيّةً. 3 ـ إنّ هذه الفاجعة مهّدَت الطريق لسلسلة من الفجائع والجرائم والجنايات ، فأعطت الناس الجُرأة بأن لا يخافوا من أحد ، ولا يلتزموا بعقيدة أو دين ، فكان عمل مرتكبي هذه الفاجعة .. بمنزلة تأسيس الأُسُس وفتح الطريق أمام كل خبيث ولئيم ، في أن يقوم بما تطيبُ له نفسه القذرة من الجرائم والجنايات ! ولقد جاء في التاريخ : أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) صرّح بهذه الحقيقة ، أثناء مُقاتَلَته مع أهل الكوفة ، فقال : « ... يا أمّة السَوء : بئسما خلفتهم محمداً في عترته ، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إيّاي ... ». (1) 4 ـ إنّ طبيعة الحياة : هي أنّ التاريخ يُعيد نفسه .. لكن .. مع إختلاف الافراد والأجيال ، فكان ضروريّاً على كل مسلم أن يستلهم الدروس والعبر من هذه الفاجعة الكبرى ، ويقوم بدراستها ومعرفة تحليلها .. بشكل1 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 45 ، ص 52. (455) شامل ، لكي لا يَسقُط في الإمتحانات الإلهيّة الصعبة ، والمنعطفات الحادّة الخطيرة ، وحتى لا تتكرّر مآسي وفجائع مشابهة. وحتى لو تكرّرت ذلك فإنّه يبادر إلى صفوف الأخيار ، ويتّخذ موقف الإنسان المؤمن الذي يخاف الله تعالى ، ويؤمن بيوم الحساب ، وذلك لأنّ لديه خلفيّة دينيّة واسعة وشاملة عن فاجعة كربلاء ومضاعفاتها. 5 ـ إنّ فتح ملف « فاجعة كربلاء » والبكاء حين قراءة أو سماع تفاصيلها يعني : تأمين جاذبيّة قويّة ، تجذب الناس نحو الدين بـ « إسم الإمام الحسين عليه السلام » ، وبجاذبيّة عاطفيّة لا يمكن تَصَوُّر درجة قوّتها !! وهنا .. ينبغي الإلتفات إلى حقيقة مهمّة ، وهي : أنّ الأدلّة العقليّة والإستدلالات المنطقيّة ـ في مجال دعوة الناس إلى الإلتزام بالدين ـ تقوم بدَور الإقناع فقط ، لكن لابدّ لذلك من عامل يجذب الناس لإستماع هذه الأدلّة ، وأقوى عوامل الجذب هو : العامل العاطفي ، وهو متوفّر في كلّ بند من بنود هذه الفاجعة ! وهذه الجاذبيّة لا تقتصر على جذب الناس نحو الدين فحسب ، بل تجذبهم نحو الفضائل والأخلاق ، والتطبيق العملي لبنود الدين ، وتعلّم معالم وعقائد (456) وعبادات الدين من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .. لا مِن غيرهم. فإنّ الله تعالى جعل شرط قبول الأعمال ولاية أهل البيت وإتّباعهم ، لا مجرّد محبّتهم ، وجعل الله ( عز وجل ) الإسلام الواقعي ينحصر في مذهب أهل البيت ، لا المذاهب الأخرى .. حتى لو كانت تلك المذاهب مشتملة على ظواهر ومظاهر دينيّة ، فالمظهر وحده لا يكفي ، بل لابدّ من التمسّك بالمحتوى الصحيح ! ولابدّ من التوقيع الإلهي على شرعيّة ذلك المذهب ، عن طريق نزول الوحي على رسول الله الصادق الأمين ، أو ظهور المعجزات من إمام ذلك المذهب. ولذلك فقد اشتُهر وتواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، مَن ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرِق ». والآن .. نعود إلى شرح كلمات خطبة السيدة زينب ( عليها السلام ) : تقول السيدة : إنّ قتل الأتقياء وأحفاد الأنبياء وإبن الأوصياء ، كان على أيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة. إنّنا حينما نُراجع التاريخ الصحيح نجد أنّ الذين (457) ارتكبوا فاجعة كربلاء الدامية كانوا من أولاد الحرام !! بِدءاً من يزيد ، إلى ابن زياد ، إلى الشمر ، إلى العشرة الذين سحقوا جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد شهادته ، بحوافر خيولهم !! ولإلتحاق كلّ واحد منهم بأبيه قصّة مذكورة في كتب « علم الأنساب ». (1) فقد جاء في التاريخ : أنّ إمرأة نصرانية إسمها : « ميسون بنت بجدل الكلبي » زَنَت مع عبد أبيها ، فحملت بـ « يزيد » وبعد الحمل بشهور تزوّجها معاوية. (2) وأمّا عبيد الله بن زياد ، فإنّ أمّه « مرجانة » كانت مشهورة ـ عند الجميع ـ بالزنا المُستمرّ !! (3) وكلام الإمام الحسين ( عليه السلام ) مشهور وصريح بأنّ عبيد الله وأباه زياد كانا إبنَي زنا ، حيث قال الإمام : « ... الا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ... ».1 ـ إقرأ كتاب « مثالب العرب » لهشام بن الكلبي وكتاب « إلزام النواصب » للشيخ مفلح بن الحسين البحراني. 2 ـ كتاب « مجالس المؤمنين » ، ج 2 ، ص 547 ، نقلاً عن كتاب « مثالب الصحابة ». 3 ـ كتاب « معالي السبطين » ج 1 ، الفصل السابع ، المجلس الرابع. (458) وقد رويَ عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « قاتل الحسين ( عليه السلام ) ولد زنا ». (1) « تَنطِف أكُفّهم من دمائنا » تنطِفُ : تقطرُ أو تسيل. (2) والظاهر أنّ هذا الكلام ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة ، وتعني السيدة زينب ( عليها السلام ) تلك الأيدي والأكفّ التي كانت تضرب بسيوفها ورماحها على أجسام آل رسول الله : الإمام الحسين ورجال أهل بيته وأصحابه ، فتتقاطر أكفّهم وسيوفهم من دماء أولئك الطيّبين. « وتتحلّب أفواههم من لحومنا » تتحلّب : يُقال : حَلَبَ فلانٌ الشاة أو الناقة : أي : إستخرج ما في ضَرعها من اللبن ، واستحلب اللبن : إستدرّه. (3) وتحلّب فوه أو الشيء : إذا سال. (4)1 ـ كتاب « كامل الزيارات » لابن قولويه ، ص 79 ، حديث 11 ، وكتاب « بحار الأنوار » ج 14 ، ص 183. 2 ـ على ما هو مذكور في أكثر كتب اللغة. المحقق 3 ـ كتاب « أقرب الموارد » للشرتوني. 4 ـ كتاب « العين » للخليل بن أحمد. (459) لعل المراد : أنّه كما أنّ ولد الناقة تتحلّب وتمتصّ بفمها الحليب من محالب أمّها ، كذلك كان الأعداء يمتصّون بأفواههم من لحوم ودماء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصّاً قوياً بدافع الحقد والبغضاء !! وهذه ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة وكناية عن شدّة حقدهم وعدائهم. ويُمكن أن تكون هذه الكلمة إشارةً إلى ما فعلته « هند » جدّة يزيد ـ في غزوة أحد ـ : مِن شقّها لبطن سيّدنا حمزة بن عبد المطّلب ، وإخراجها كبده ، ثم وضعه في فمها ومحاولتها أن تمضغه وتأكل منه ، حقداً منها عليه ، لكونه عمّاً لرسول الله ، وقائداً كفوءاً في جيش المسلمين. (1) « تلك الجُثث الزاكية ، على الجَبوب الضاحية » الجَبوب : وجه الأرض الصلبة (2) وقيل : الجَبوب : التُراب. (3)1 ـ المحقق. 2 ـ كتاب « العين » للخليل بن أحمد. 3 ـ المعجم الوسيط. (460) الضاحية : يُقال ضحا ضَحواً : برز للشمس ، أو أصابه حرّ الشمس ، وأرض ضاحية الظلال : أي : لا شجر فيها. (1) إخبار من السيدة زينب ( عليها السلام ) عن مصيبة بقاء الأجساد الطاهرة على وجه الأرض عدّة أيام .. من غير دفن ، تصهرها الشمس بأشعّتها المباشرة ، كلّ ذلك .. رغم كونهم سادات أولياء الله تعالى. « تَنتابها العواسل » تنتابها : تأتي إليها مرّة بعد مرّة. العواسل ـ جمع عاسِل ـ : وهو الذئب. (2) وهنا إحتمالان في المقصود من هذا الكلام. الإحتمال الأول : إنّ المقصود من « العواسل » : هم الذين حضروا يوم عاشوراء لقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) والصفوة الطيبة من ذريته وأهل بيته واصحابه. عبّرت السيدة زينب ( عليها السلام ) عن أولئك الاعداء بالذئاب ، لأنّهم كانوا يحملون صفة الذئاب وهي الإفتراس ، ويُعبّر1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ وقيل : العواسل ـ جمع عسّال ـ : وهو الرمح. المحقق (461) عن هذا النوع من التشبيه ـ في علم البلاغة والأدب ـ بـ « الإستعارة ». وقد استعمل الإمام الحسين ( عليه السلام ) هذا النوع من الإستعارة في خطبته التي ألقاها قبل خروجه من مكّة نحو العراق ، حيث قال ـ فيها ـ : « ... خُيّرَ لي مصرع أنا لاقيه ، وكأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ... ».(1) وبناءً على هذا .. يكون المقصود من كلمة « تَنتابها » الهجوم المتوالي والغارات المتتالية التي كان الأعداء يَشِنّونها على أصحاب الإمام الحسين وخيامه .. يوم عاشوراء. الإحتمال الثاني : هو أنّ الشأن والعادة تقتضي أن لو بقيت جُثث أناس على الأرض ـ من غير دفن ـ ، وكانت المنطقة تتواجد فيها الذئاب ، فإنّها تأتي إلى تلك الجثث وتأكل من لحومها. إلا أنّ المعنى لم يحصل ـ بكلّ تأكيد ـ بالنسبة إلى الجسد الطاهر للإمام الحسين ( عليه السلام ) وأجساد أصحابه وأهل بيته الطاهرين ، الذين قُتلوا معه ، وبقيت أجسادهم على1 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 44 ، ص 367. المحقق (462) الأرض لمدّة ثلاثة أيام ، من غير دفن أو مواراة في الأرض ، من دون أن يتعرّض لها ذئب أو أيّ حيوان مفترس آخر. « وتُعفّرها أمّهات الفراعل » الفراعل ـ جمع فُرعُل ـ : ولد الضبع. (1) الظاهر أنّ هذا الكلام ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة ، ولعلّها تشير إلى أولئك الأفراد العشرة الذين ركبوا خيولهم وسحقوا جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد قتله .. بحوافر الخيل ، في يوم عاشوراء ، أو اليوم الحادي عشر من المحرّم. قال الراوي : ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه : مَن ينتدبُ للحسين فيوطئ الخيل ظهره ؟ فانتدب منهم عشرة وهم : إسحاق بن حوية ، وأخنَس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل ، وعمر بن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن مُنقذ العبدي ، وسالم بن خَيثمة الجعفي ، وصالح بن وهب الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثَبيت الحضرمي ، وأُسيد بن مالك ( لعنهم الله ) فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره !!1 ـ كتاب « أقرب الموارد » للشَرتوني. (463) قال الراوي : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا عند ابن زياد ، فقال له أحدهم :نحن رضضنا الصدر بعد الظهربكـلّ يعبـوبٍ شديـد الأسـر فقال ابن زياد : مَن أنتم ؟ قالوا : نحن وطئنا بخيولنا ظهر الحسين .. حتى طحنّا جناجن صدره !! فأمر لهم بجائزة. قال أبوعمرو الزاهد : فنظرنا في نسب هؤلاء العشرة ، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا ! (1) « فلئن اتّخذتنا مغنَماً ، لتجدُ بنا وشيكاً مُغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد » مَغنَماً : الغنيمة ، وجمعها : مغانم (2) وقيل : المَغنَم : هو كل ما حصل عليه الإنسان من أموال الحرب. (3)1 ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 182 ـ 183. 2 ـ المعجم الوسيط. 3 ـ كتاب « لسان العرب ». (464) مُغرَماً : المُغرَم : المُثقل بالدَين (1) أو أسير الدَين (2) وقيل : المغرَم : مصدر وُضِعَ موضع الإسم ، ويُراد به مُغرَم الذنوب والمعاصي. (3) المعنى : يا يزيد ! إنّك أمرت بأسرنا ، وتعاملَت جلاوزتك معنا ـ في طريق الشام ـ تعامل السبايا والغنائم الحربيّة ، ولكن .. إعلم أنّك ـ في القريب العاجل ـ سوف تجد نفسك مُثقلاً بالذنوب ومحاصراً بالمعاصي التي يلزم عليك دفع ضريبتها ، والدفاع عن نفسك في محكمة العدل الإلهية ، حيث لا تجد معك إلا ما قدّمت يداك : من جرائم وجنايات ، والتي مِن أبرزها : سبيِ نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). وفي ذلك الحين ترى نفسك وحيداً ذليلاً مهاناً ، من غير محام يدافع عنك ، ولا عذرٍ لتبرّر به أعمالك ، ولا مال لتدفعه رشوةً وتُخلّص به نفسك ، بل تبقى أنت وأعمالك !! « فإلى الله المشتكى والمُعَوّل ، وإليه الملجأ والمؤمّل » المُعَوّل : إسم مفعول بمعنى « المُستعان » ، يقال :1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ أقرب الموارد للشرتوني. 3 ـ كتاب « مجمع البحرين » للطريحي. (465) عَوّلتُ عليه : أي استَعَنتُ به ، وصَيّرت أمري إليه (1) وقيل : العَولُ : المُستعان به ، والعِوَل : الإتّكال والإستعانة ، يُقال : عَوَل الرجل عليه : أي : إعتمد وإتّكل عليه ، واستعانَ به. (2) وبعد ما ذكرَت السيدة زينب ( عليها السلام ) ما جرى على آل الرسول الطاهرين من المصائب ، تقول « فإلى الله المُشتكى » وعليه الإعتماد والإتّكال والإستعانة به .. لا إلى غيره ، فقد كان تعالى : هو الشاهد على ما جرى ، وسيكون هو المنتقم من الأعداء ، المقتدر على إبادتهم وعقوبتهم. « وإليه المَلجأ والمؤمّل » فهو ـ سبحانه ـ الملجأ لنا ولبقيّة أفراد العائلة المكرّمة ، وخاصّة بعد فقدنا لسيّدنا الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتواجدنا في عاصمة بني أميّة ، في قيد الأسر والسبي ! وهو « المؤمّل » : الذي نأمل منه أن يُعيننا على ما أصابنا ، ويُعطينا الصبر الجميل على تحمّل ذلك ، ويمنحنا الأجر الجزيل إزاء ما لاقيناه من المكاره والنوائب.1 ـ كتاب « العين » ، للخليل بن أحمد. 2 ـ المعجم الوسيط. |
![]() |
![]() |
![]() |
#35 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (466) ثمّ عادت السيدة زينب ( عليها السلام ) لتصبّ جاماً آخر من غضبها على المجرم الأصلي لفاجعة كربلاء ، وهو يزيد الي قام بتلك الجرائم مباشرة ، أو أصدر الأوامر لعامله اللعين ابن زياد ، الذي نفّذ أوامر يزيد من القتل والسبي والضرب وغير ذلك. وكأنّها ترى أن كلّ ما خاطبته به غير كافٍ لِما يستحقه من شجبٍ وتعنيف ! فقالت : « ثمّ كِد كيدك ، واجهد جهدك » الكيد : إرادة مَضَرّة الغير خُفية ، والحيلة السيّئة ، والخُدعة ، والمكر (1). جَهَد جهداً : جدّ ، يُقال : طلب حتى وصل إلى الغاية ، والجهد ، الوُسع والطاقة. (2) هذا كلام يَطغى عليه طابع التهديد الشديد ، مِن سيّدة أسيرة ، ولكنّها واثقة من نفسها ـ أعلى درجات الثقة ـ أنّ جميع نشاطات يزيد ـ والفصول اللاحقة من مخطّطاته ـ 1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ نفس المصدر. (467) سوف تفشل ، وسوف لا يتوصّل إلى أيّ واحد من أهدافه !! بل ترجع عليه بشكل مُعاكس ، فكُرسيّه يتزعزع ، وسلطته تضعُف ، وقدرته تذهب ! فالسيدة زينب ( عليها السلام ) تريد أن تقول ليزيد : إصنع ما بدا لك ، من تخطيط وتفكير ، وقَتل وإبادة ، وسَبي وأسر ، وابذل ما في وسعك من جهود ، فسوف لا تصل إلى الهدف الذي حَلِمتَ به ، وهو إستئصال شجرة النبوة من جذورها .. بكافّة أغصانها وفروعها وأوراقها ، وعدم إبقاء صغير أو كبير من آل رسول الله .. رجلاً كان أو إمرأة ! « ـ فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، والنبوّة والإنتخاب ـ » القسم للتأكيد الأكثر ، وهو ـ في الواقع ـ إنعكاس آخر لعلوّ مستوى درجة الثقة بالنفس والإتّكال على الله تعالى ، واليقين بما يقوله الإنسان ويحلف من أجله ، وعِلم السيدة بحوادث المستقبل ، وما ستؤول إليه الأمور ، فإنّ حوادث اليوم ، وأحداث المستقبل تُعتبر ـ أمام عين السيدة زينب عليها السلام ـ في حدّ سواء ، لأن الله تعالى ميّزها عن بقية سيدات البشر بأن يُوصّل إليها العلوم مباشرة .. عن طريق الإلهام .. ودون تعلّم من البشر ، (468) ولذلك فإنّ حوادث المستقبل معلومة وواضحة لها كاملاً كالحوادث المعاصرة ، ومثالها مثال مَن يُخرج رأسه مِن نافذة الغرفة ، فيرى ـ بكلّ وضوح ـ كلّ ما هو موجود إلى آخر الشارع ، وليس مثالها مثال من يجلس في غرفة ويفتح النافذة فلا يرى إلا ما يُقابل النافذة فقط. إنّنا نتلمّس ـ من كلمات القسم هذه ـ المعنويّات العالية التي كانت تمتاز بها السيدة زينب ( عليها السلام ) حين إلقائها لخطبتها ، فهي تفتخر وتعتزّ بمزاياها الفريدة فتقول : « فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب » ، فالقرآن الكريم نزل على جدّ السيدة زينب وهو رسول الله سيّدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي دارها. وكذلك اختار الله هذه الأسرة وانتخبها لتكون فيهم النبوّة. وكأنّها تُعرّض بكلامها ليزيد : أن أنت بماذا تَعتز ؟ وبماذا تفتخر ؟! وهل توجد فيك فضيلة واحدة حتى تفتخر بها ؟! ولعلّ السيدة زينب كانت تقصد ـ أيضاً ـ إسماع الجماهير المتواجدة في ذلك المجلس هذه الحقائق ، ومِن باب المَثل الذي يقول : « إيّاك أعني واسمَعي يا جارَه ». وبعد كلمات القسم تذكر السيدة زينب ( عليها السلام ) الأمور التي أقسَمَت من أجلها : (469) « لا تُدرِك أمَدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا » أمدنا : الأمد : الغاية والنهاية. (1) أي : مهما بذلت من الجهود ، وحاولتَ من المحاولات ، فسوف تفشل في ذلك ، فقد حاول ذلك مَن كان قبلك ـ وهو معاوية ـ فلم يستطع ذلك ، رغم أنّه كان أقوى منك. « ولا يُرحَضُ عنك عارُها » يُرحض : يُغسل. تُصرّح السيدة زينب ( عليها السلام ) بحقيقة واقعيّة : وهي أنّ العار والخزي وسبّة التاريخ ، سوف تكون ملازمة ليزيد إلى الأبد ، ولا يتمكّن من غَسلها ، لا هو .. ولا مَن سيأتي من بعده من الشواذ الذين يُشاركونه في الإتجاه واللؤم. إنّ التاريخ يقول : حينما بدأت الأمور تنقلب على يزيد ، فقد صارت مجالس تعليم القرآن الكريم .. في الشام يتحدّث فيها المعلّم عن جرائم يزيد في قتله الإمام الحسين ( عليه السلام ) وسبيه نساء آل رسول الله ، ثمّ بدأ الناس يُنقّبون ويُنَبّشون في ملف يزيد ، لِيَروا الفارق الواسع بين سيرته وأعماله ، وبين ما سمعوه أو قرأوه عن سيرة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ). 1 ـ المعجم الوسيط. (470) لمّا حدث كل هذا .. بدأ يزيد يُلقي باللوم على ابن زياد ، وصار يلعنه ويقول : إنّه قتل الحسين من تِلقاء نفسه. ولكنّ جميع هذه المحاولات باءَت بالفشل والفضيحة الأكثر ليزيد ! « وهل رأيُك إلا فَنَد ، وأيّامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدَد » فند : الفند : الخطأ في القول والرأي. وقيل : الفند : هو الكَذِب. (1) لعلّ المعنى : أنّ رأيك ـ في تخطيطك ومحاولتك للتخلّص من مضاعفات جريمتك ـ خطأ وضعيف. « وأيّامك إلا عدد » العدد : هو الكميّة المتألّفة من الوحدات ، فيختصّ بالمتعدّد في ذاته. وعدد : للتقليل : أي : معدود ، هو نقيض الكَثرة. (2) لعلّ المعنى : يا يزيد إنّ أيامك الباقية من عمرك قليلة ، 1 ـ كتاب « تاج العروس » للزبيدي ، و « العَين » للخليل بن أحمد. 2 ـ كما يُستفاد ذلك مِن كتاب « تاج العروس » للزبيدي. (471) فسوف لا تبقى في هذه الحياة إلا أياماً معدودة ، فأنتَ قريب إلى الموت والهلاك ، وبعد ذلك سوف تلاقي جزاء أعمالك ، فالعذاب منك قريب. إنّ جريمة قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) أثّرت تأثيراً سلبيّاً في مقدار عمرك ، فجعلته قصيراً جدّاً. فقد جاء في التاريخ : أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام (1) ، فلم يَتَهنّا بطول الحياة وطول مدّة السلطة ، كما كان يتمنّى ذلك ، وكما كان يُتوقّعه بعد القضاء على منافسه ـ حسب زعمه ـ وهو الإمام الحسين ( عليه السلام ). « وجمعك إلا بدَد » بدَد : يُقال بَدّهُ بَدّاً : أي فَرّقَه ، وبَدّدَ الشيء : فَرّقَه (2) والتَبَدّد : التفرُّق. (3) المعنى : سوف يتفرّق جمعك وجلاوزتك ، وحاشيتك التي كنت تسهرُ معهم على مائدة الخمر والقمار والغناء ، 1 ـ ذكر ذلك الطبري ـ المتوفى عام 310 هـ ـ في تاريخه ، طبع لبنان ، ج 5 ، ص 499. المحقق 2 ـ المعجم الوسيط. 3 ـ العين للخليل. (472) فسوف يغيبون عن عينك ، لمرض أو موت ، أو تتغيّر نظرتهم بالنسبة إليك ، أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل كلّ يوم من الأيام يحمل لك حزناً وهمّاً جديداً ، فلا تتهنّا بمن حولك. « يوم ينادي المنادي : ألا لعن الله الظالم العادي » المعنى : يوم تموت ، وتسمع صوتاً مرعباً لمناد ينادي ـ من عند الله تعالى ـ : « ألا لعن الله الظالم العادي » فأوّل شيء تراه بعد موتك هو : سماعك لهذا الصوت. وكلمة « لعن الله الظالم » أي : أبعده عن رحتمه وعفوه ومغفرته. ثمّ .. بدأت السيدة زينب ( عليها السلام ) تُمهّد لختام خطبتها الخالدة ، فقالت : « والحمد لله الذي حَكَم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة » حَكَم لأوليائه : قضى لهم (1) ، وقدّر لهم ذلك. أصفيائه : الصفيّ مِن كلّ شيء صَفوُهُ ، وجمعُه : 1 ـ المعجم الوسيط. (473) أصفياء. (1) بقلب مفعم بالإيمان بالله تعالى ، والرضا بما يختاره الله لعباده ، بدأت السيدة زينب ( عليها السلام ) تختم خطبتها بحمد الله سبحانه الذي قضى لأوليائه بالسعادة ، وتقصد من الأولياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين ( عليه السلام ) ـ الذي هو سيد أولياء الله تعالى ـ وأصحابه الذي قُتلوا معه يوم عاشوراء ، ونالوا ـ بذلك ـ شرف الشهادة. إنّ الإنسان الذي يلتزم بالدين ، ويصنع من نفسه وليّاً لله ـ وذلك بأدائه لِلَوازم العبودية لله سبحانه ـ سوف يحظى بنتائج إلهيّة فريدة ، وهي عبارة عن المِنَح المميزة ، والألطاف الخاصّة التي يُفيضها الله عليه ، والتي لا تشمل غيره من الناس ، ومن أبرز تلك الألطاف الخاصة : السعادة الأبدية ، ولعلّ إلى هذا المعنى الرفيع أشار الله تعالى بقوله : « والله يختصّ برحمته من يشاء ».(2) إنّ أولياء الله تعالى كانوا يفكّرون ـ باستمرار ـ في جَلب رضى الله سبحانه. أجَل .. كان هذا هو الهدف الذي يُشغلون به بالهم ، 1 ـ المعجم الوسيط. 2 ـ سورة البقرة ، الآية 105. (474) ويتحرّكون في هذا المدار ويدورون حول هذا المحور. ومن الطبيعي أنّهم كانوا ـ ولا زالوا ـ على درجات ، فهناك مَن يكون وليّاً لله تعالى منذ السنوات الأولى من حياته ، وهناك من يصير ولياً لله تعالى في مرحلة متقدّمة من العمر. وعلى هذا الأساس يقضي الله ( عز وجل ) لهم بالفوز والتفوّق والسعادة الأبديّة ، بجميع ما لهذه الكلمة من معنى. وأحياناً يُقدّر الله تعالى لهم بعض المكاره والصعوبات ، وذلك لأسرار وحِكَم يعلمها الله سبحانه ، فترى الأولياء يُظهرون من أنفسهم كلّ إستعداد وتحمّل وتقبّل لتلك المكاره ويستقبلونها بصدر واسع وصبر جميل. وختم الله تعالى لأصفيائه بالشهادة ، فقد كانت حياتهم كلها خير وبركة منذ البداية إلى النهاية ، فمِن المؤسف ـ حقّاً أن يموت الوليّ ميتةً طبيعية على الفراش ، بل المتوقّع له أن يوفّقه الله تعالى للشهادة والقتل في سبيله ، لكي تكون لموته أصداءٌ تعود للدين بالفائدة ، كما كانت حياته كذلك. فقتلهم يوقظ الغافلين غير المُلتزمين بالدين ، ويجعلهم يُفكّرون ويتساءلون عن سبب قتله رغم كونه (475) إنساناً طيباً ، ويبحثون عن هويّة القاتل ، وهدفه من قتل هذا الرجل ! فتكون هذا الأصداء سبباً لعودة الكثيرين إلى الإلتزام الشديد بالدين ومبادئه. أليس كذلك ؟! ولعلّ أولئك الأولياء هم الذين أرادوا أن يكون ختام حياتهم بالشهادة ، وسألوا من الله ( عزّ وجل ) ذلك ، فاستجاب الله ـ سبحانه ـ لهم دعاءهم ، وقدّر لهم الشهادة في سبيل الله تعالى ، ولعلّ هذا هو معنى كلام السيدة زينب ( عليها السلام ) : « بِبلوغ الإرادة ». « نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة » المعنى : نَقَلهم إلى عالم يُرَفرف على رؤوسهم رحمة الله الواسعة المخصّصة للشهداء في سبيل الله تعالى ، والرأفة : أي : العاطفة المزيجة باللطف والحنان ، التي لا تَشمَل غير الشهداء الذين باعوا أعزّ شيء لديهم ـ وهي حياتهم ـ للدين ، وفي سبيل المحافظة على روح الدين الذي كان يتجسّد في الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وعدم الرُضوخ لبيعة « يزيد » الكافر. « والرضوان والمغفرة » إنّ القرآن الكريم يُصرّح بأن أعلى (476) وأغلى وألذّ نعمة يتنعّم بها بعض أهل الجنّة ـ وفي طليعتهم شهداء فاجعة كربلاء ـ هو شعورهم وإحساسهم بأنّ الله تعالى راض عنهم ، قال تعالى : « وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن ، ورضوان من الله أكبر ، ذلك هو الفوز العظيم ». (1) هذا سوى ما يُعيّن لهم من أنواع النِعَم والكرامة والإحترام اللائق .. الذي لا مَثيل له في عالم الدنيا ! يُضاف إلى ذلك : أنّ الرجل الذي يُقتَل في سبيل الله بنيّة خالصة سوف يمرّ نسيم العفو والمغفرة على ما صدر منه من مخالفات ، فيصير ملفّه أبيض لا سواد فيه. إنّنا نقرأ في دعاء صلاة يوم عيد الفطر والأضحى : « ... اللهم وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة » ، وهذا لجميع المؤمنين التائبين ، ولكنّ الشهيد يمتاز بمزايا وتسهيلات خاصّة قرّرها الله تعالى للشهداء فقط. هذا إذا كان الشهيد إنساناً عادياً غير معصوم من الذنوب ، أمّا إذا كان معصوماً فلا توجد في صحيفة أعماله 1 ـ سورة التوبة ، آية 72. (477) ذنوب أو معاصي ، فيكون معنى « المغفرة » بالنسبة إليه علوّ درجته في الجنّة ، واختصاصه بمنح فريدة كالشفاعة للآخرين ، وغير ذلك من المميّزات. وأمّا سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقد خاطبه الله تعالى ـ بقوله ـ : « يا أيتها النفس المطمئنّة : إرجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة ، فادخلي في عبادي وادخُلي جنّتي » ، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّ المقصود والمُخاطب بهذه الآية : هي نفس الإمام الحسين ( عليه السلام ). (1) وكم تتضمّن هذه الآيات من كلمات وضمائر عاطفيّة !! « ولم يَشقَ بهم غيرك » المعنى : إنّ الذي صار شقيّاً وتعيساً ومطروداً من رحمة الله .. هو أنت يا « يزيد » ، .. بسبب قتلك إيّاهم وقضائك على حياتهم ، وطعنِك في قلب الإسلام النابض وهو الإمام الحسين ( عليه السلام ). 1 ـ كتاب ( تفسير البرهان ) للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية 27 ـ 30 من سورة الفجر. المحقق (478) « ولا ابتُليَ بهم سواك » إنّ الذي امتُحنَ بالقدرة والسلطة ومشاهدة كرسيّ الملك الذي مهّده له معاوية ، فاراد القضاء على كلّ من لا يركع له ، وبذلك سقط في الإمتحان سقوطاً ذريعاً هو أنت أيّها الخامل الحاقد ! أمّا الذين قُتِلوا مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ونالوا شرف الشهادة معه .. فهم قد نجحوا في الإمتحان نجاحاً باهراً وفوزاً متوالياً متواصلاً ، أي : كما كانوا مِن قَبل الشهادة ـ أيضاً ـ في مرحلة عالية من سلامة الفكر والعقيدة والسلوك ، والطاعة التامّة لإمام زمانهم الحسين ( عليه السلام ). فهم ـ الآن ـ في أعلى درجات الجنان والتي يُعبّر عنها بـ « الفردوس الأعلى ». أما أنت ـ يا يزيد ـ فسوف يكون مصيرك في أسفل دَرَك من الجحيم ، وفي ذلك التابوت الذي يُمَوّن جميع طبقات جهنّم بالحرارة العالية التي لا يُمكن للبشر ـ في هذه الدنيا ـ أن يتصوّر درجة حرارتها وشدّة اشتعالها. قال تعالى ـ بالنسبة لأهل النار ـ : « ويأتيه الموتُ مِن كلّ مكان وما هو بميّت » (1) وقال ( جلّ ثناؤه ) : « وقالوا : 1 ـ سورة إبراهيم ، الآية 17. (479) يا مالِك ! لِيَقضِ علينا ربّك ؟ قال : إنّكم ماكثون ». (1) « ونَسأله أن يُكمِل لهم الأجر ، ويُجزل لهم الثواب والذخر » أكمَلَ الشيء : أتمّه ، وفي القرآن الكريم : « اليوم أكملتُ لكم دينكم » (2) ويقال ـ أيضاً ـ : الكَمَلُ : الكامل ، يُقال : أعطاه حقّه كملاً : وافياً. (3) يُجزِل : الجَزلُ : العطاء الكثير ، ويُقال : أجزَل العطاء. (4) والجَزلُ : الكثير من كلّ شيء. (5) الثواب : الجزاء والعطاء (6) ، وقيل : هو الجزاء الذي يُعطى مع الإحترام والإجلال والتقدير .. وليس مجرّد 1 ـ سورة الزخرف ، الآية 77. 2 ـ سورة المائدة ، الآية 3. 3 ـ المعجم الوسيط. 4 ـ كتاب « العَين » للخليل بن أحمد. 5 ـ المعجم الوسيط. 6 ـ نفس المصدر. (480) إعطاء الجزاء (1). الذُخر : يُقال : ذَخَر لنفسه حديثاً حسناً. (2) المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُكمِلَ لهم الجزاء المخصّص للشهداء ، جزاءً تامّاً يَليقُ بتقدير الله سبحانه للشهداء المخلصين ، الذين تركوا زوجاتهم أرامل ، وأطفالهم أيتام ، وأمّهاتهم ثُكالى .. كل ذلك .. في سبيل الله ! فيُعطيهم العطاء الكثير الوافر ، مع الإحترام والتقدير ، إذ قد يَدفع الإنسان الأجرة إلى العامل .. مِن دون أن تكون كيفيّة الإعطاء مقرونة بالإحترام ، أمّا الثواب : فهو إعطاء الأجر .. مع الإستقبال الحارّ ، والإحترام والإبتسامة واللُطف. ويَكتُب لهم الثناء الجميل والذكر الحسن ، على ألسنة الناس وفي صفحات التاريخ. وقد استجاب الله تعالى دُعاء السيدة زينب العظيمة ( عليها السلام ) ، فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « ما مِن عبدٍ شرِب الماء فذكر الحسين ( عليه السلام ) 1 ـ كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي. 2 ـ المعجم الوسيط. |
![]() |
![]() |
![]() |
#36 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (481) ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمة ، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثَلجَ الفؤاد ». (1) وروي عن الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) أنّهما قالا : « إنّ الله تعالى عوّض الحسين ( عليه السلام ) عن قتله أن : جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدّ أيام زائريه .. ـ جائياً وراجعاً ـ مِن عمره ». (2) وقد روي ـ أيضاً ـ عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه أمَر رجلاً كان يريد الذهاب إلى زيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يزور قبور الشهداء ـ بعد الفراغ من زياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ـ ويُخاطبهم بهذه الكلمات : « ... بأبي أنتم وأمّي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم ، وفزتم فوزاً عظيماً ... ». 1 ـ كتاب « كامل الزيارات » لابن قولويه ، ص 106. 2 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 44 ، ص 221 ، باب 29 ، نقلاً عن كتاب أمالي الطوسي. (482) « ونسأله حسنَ الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنّه رحيم ودود » الخلافة : يُقال خَلَف فلان فلاناً .. خلفاً وخِلافةً : جاء بعده فصار مكانه (1). وفي الدعاء : أخلَفَ الله لك وعليك خيرا ». وفي الدعاء أيضاً : « واخلُف على عَقِبِه في الغابرين ». الإنابة : الرجوع الى الله ، قال سبحانه : « إرجعي إلى ربّك ». المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُخلّف لناعمّن فقدناه أفراداً صالحين ، يسدّون بعض الفراغ الذي تركه مقتل أولئك الصفوة الطيّبة من رجال آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن يجعل في البقيّة الباقية منهم خيراً. أو : أن يجعل مستقبلنا مستقبلاً حسناً مريحاً ، بعد ما شاهدناه وعانيناه من المصائب الفجيعة التي لن تُنسى !! إنتهت السيدة زينب البطلة الشجاعة ، مِن إلقاء خطبتها الخالدة. والآن .. توجّهت أنظار الحاضرين إلى يزيد الحاقد 1 ـ كما يُستفاد من مجمع البحرين للطريحي. (483) لِيَروا منه ردود الفعل. فما كان منه سوى أنّه عَلّق على هذه الخطبة المفصّلة بقوله :يا صحيةً تُحمدُ من صوائحما أهونَ الموت على النوائح (1) فهل إنعقد لسانه عن إجابة كلّ بند من بنود تلك الخطبة ؟! أم أنّ أعصابه أُصيبت بالإنهيار والإهتزاز ، فلم يستطع التركيز والرد ؟! أم رأى أنّ الإجابة والتعليق يُسبّب له مزيداً من الفضيحة أمام تلك الجماهير الغفيرة الحاشدة في المجلس ، فرأى السكوت خيراً له من خَلق أجواء الحوار مع إبنة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) التي ظَهَرت جدارتها الفائقة على مقارعة أكبر طاغوت ، بكلام كلّه صدقٌ ، واستدلال منطقي وعَقلي مُقنع. وخاصة أنّ 1 ـ وفي نسخة : « ما أهون النوح على النوائح » ولعلّه ( لعنه الله ) يقصد من قراءته لهذا الشعر : أنّها إمرأة مفجوعة .. دَعها تتكلّم بما تُريد ، فإنّ ذلك لا يُهمّني ! المحقق (484) الجملات الأخيرة ـ التي كانت تَحمل في طيّاتها التهديد المُرعب ـ جعلت يزيد ينهار رغم ما كان يشعر به مِن تجبّر وكبرياء. (1)1 ـ لقد ذُكرت خطبة السيدة زينب ( عليها السلام ) في مجلس يزيد ، في المصادر التالية : 1 ـ كتاب مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، للخوارزمي ج 2 ص 63. 2 ـ كتاب نثر الدرر ، لمنصور بن الحسين الآبي ، المتوفّى عام 421 هـ ، طبع مصر ، ج 4 ، ص 26. 3 ـ كتاب بلاغات النساء ، لابن طيفور ، المتوفّى عام 280 هـ. 4 ـ كتاب ( معالي السبطين ) للشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري. 5 ـ كتاب « تظلّم الزهراء » للقزويني ، طبع بيروت ، ص 283. 6 ـ كتاب « الإيقاد » للسيد الشاه عبد العظيمي ص 173. المحقق لقد ذكرنا أنّ السيد إبن طاووس قد روى خطبة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) بكيفيّة تختلف عمّا ذكرناه ، وتمتاز ببعض الإضافات والفُروق ، ولا تَخلو من فوائد ، وإليك نصّها : قال الراوي : فقامت زينب بنتُ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه ، كذلك (1) يقول : « ثمّ كان عاقبة 1 ـ وفي نسخة : إذ يقول. (486) الذين أساؤا السوئى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » (1). أظننت ـ يا يزيد ! ـ حيثُ أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ـ فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى (2) ـ أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ؟ وأنّ ذلك لَعَظم خطرك عنده ؟ فَشَمَخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً (3) ، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفى لك مُلكنا وسلطاننا ! فمهلاً مهلاً ! أنسيت قول الله ـ عزّ وجل ـ : « ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم ، إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » (4). أمِن العدل يابن الطُلقاء ؟! تخديرك إماءك وحرائرك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ 1 ـ سورة الروم ، الآية 10. 2 ـ وفي نسخة : كما تُساق الإماء. 3 ـ وفي نسخة : جَذِلاً مَسروراً. 4 ـ سورة آل عمران ، الآية 178. (487) قد هتكتَ ستورهنّ ، وأبديتَ وجوههنّ ، تحدوا بهنّ الاعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المنازل والمناهل (1) ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ، ولا مِن حماتهنّ حميّ. وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ؟ ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟ وكيف يستبطأ في بُغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشَنَف والشَنآن ، والإحَن والأضغان. ثمّ تقول ـ غير مُتأثّم ولا مستعظِم ـ :« لأهَلّـوا واستهلّوا فرحـاًثم قالوا : يا يزيد لا تُشَل » مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله ، سيد شباب أهل الجنة ، تنكُتُها بمخصَرتِك. وكيف لا تقول ذلك ؟ وقد نكأتَ القرحة ، واستأصلتَ الشأفة ، بإراقتك دماء ذريّة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب. 1 ـ وفي نسخة : اهل المناهل والمناقل. (488) وتَهتف بأشياخك ، زعمت أنّك تناديهم ، فلتردَنّ ـ وشيكاً ـ موردهم ، ولتودّنّ أنّك شُلِلتَ وبَكِمتَ (1) ، ولم تكن قلتَ ما قلتَ ، وفعلتَ ما فعلت. اللهم خذ بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حُماتنا. فوالله ما فَرَيتَ إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك (2) ، ولتردنّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته في عترته ولُحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم. « ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون » (3) وحسبُك بالله حاكماً ، وبمحمد خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً. 1 ـ بَكمتَ : عجَزتَ عن الكلام خِلقةً. المعجم الوسيط. 2 ـ وفي نسخة : جَزَرتَ. 3 ـ سورة آل عمران ، الآية 169. (489) وسيعلم مَن سوّل لك (1) ومكّنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً (2) ، وأضعف جنداً. ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، فإنّي لأستصغرُ قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى. ألا : فالعجب كل العجب ! لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء (3) ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها العواسل ، وتعفوها أمّهات الفراعل. ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنّا ـ وشيكاً ـ مَغرماً ، حين لا تجدُ إلا ما قدّمت يداك ، وما ربّك بظلام للعبيد. فإلى الله المشتكى ، وعليه المعوّل. 1 ـ سوّلَ لك : زيّنَ لك عملك. 2 ـ وفي نسخة : وأيّنا شرٌ مكانا. 3 ـ لعلّ الأصح : على أيدي حزب الشيطان. المحقق (490) فكِد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصِب جُهدك (1) ، فوالله لا تَمحُونّ ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ، ولا تُدرك أمدنا ، ولا تَرحضُ عنك عارها. وهل رأيك إلا فَنَد ، وأيامك إلا عَدَد ، وجمعك إلا بَدَد ؟ يوم ينادي المنادي : ألا : لعنة الله على الظالمين. فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يُكمِلَ لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويُحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ». فقال يزيد :« يـا صيحة تُحمدُ من صوائحما أهون الموت على النوائح » (2) 1 ـ وفي نسخة : واجهَد جهدك. 2 ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 215 ـ 218. (491) آل رسول الله في خَرِبَة الشام الفصل السابع عشر حوارٌ بين مِنهال والإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مجيء زوجة يزيد إلى خربة الشام آل رسول الله يُقيمون المآتم على الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الشام بين الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ويزيد بن معاوية تَرحيل عائلة آل الرسول مِن دمشق إلى المدينة المنوّرة (492) ماذا حَدَثَ بعد مجلس الطاغية يزيد ؟ لقد جاء في التاريخ : أنّ يزيد أمر بهم إلى منزلٍ لا يُكنّهم من حرٍ ولا برد ، فأقاموا فيه حتّى تقشّرت وجوههم من حرارة الشمس وأشعّتها المباشرة ، وكانوا مدّة إقامتهم في ذلك المكان ينوحون على الإمام الحسين ( عليه السلام ). (1) 1 ـ كتاب « الملهوف » لابن طاووس ، ص 219. (494) وفي كتاب ( الأنوار النعمانيّة ) للجزائري : عن منهال بن عمرو الدمشقي قال : كنتُ أتمشّى في أسواق دمشق ، وإذا أنا بعليّ بن الحسين يمشي ويتوكّأ على عصا في يده ، ورِجلاه كأنّهما قصبتان ! والدم يجري من ساقَيه ! والصُفرة قد غَلَبت عليه ! قال منهال : فخَنقَتني العبرة ، فاعترضتُه (1) وقلت له : كيف أصبحت يابن رسول الله ؟! قال : يا منهال ! وكيف يُصبِح من كان أسيراً ليزيد بن معاوية ؟! يا منهال ! والله ، منذ قُتِلَ أبي ، نساؤنا ما شبعن بطونهن ! 1 ـ اعترضته : أقبلت نحوه وواجهته. |
![]() |
![]() |
![]() |
#37 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (496) ولا كَسَونَ رؤوسهن ! صائمات النهار ، ونائحات الليل. يا منهال ! أصبحنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ! يُذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، فالحاكم بيننا وبينهم الله ، يوم فصل القضاء. أصبَحَت العرب تَفتخر على العجم بأنّ محمداً منهم ، وتفتخر قريش على العرب بأنّ محمداً منها ، وإنّا ـ عترة محمد ـ أصبحنا مقتولين مذبوحين ، مأسورين ، مشرّدين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد تُركٍ أو كابل ، هذا صباحنا أهل البيت. ثمّ قال : يا منهال ! الحبس الذي نحن فيه ليس له سقف ، والشمس تصهَرنا ، فأفرّ منه سُوَيعةً لضعف بدني ، وأرجع إلى عمّاتي وأخواتي ، خشيةً على النساء. قال منهال : فبينما أنا أُخاطبه وهو يخاطبني وإذا أنا بإمرأةٍ قد خرجت من الحبس وهي تُناديه ، فتركني ورجع إليها ، فسألتُ عنها وإذا هي عمّته زينب بنت علي تدعوه : إلى أينَ تمضي يا قرّة عيني ؟ فرجع معها ، وتركني ، ولم أزل أذكره وابكي. (1)1 ـ كتاب « معالي السبطين » ج 2 ص 158 ، الفصل الرابع عشر ، المجلس الثاني عشر ، وذكر أيضاً في كتاب « الأنوار النُعمانيّة » ، للجزائري ج 3 ص 252 مع بعض الفروق بين النسختين. لقد جاء في التاريخ أنّ إمرأةً كانت تُسمّى « هند بنت عبد الله بن عامر » لمّا قُتل أبوها جاءت إلى دار الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وبَقيَت هناك مدّة من الزمن تَخدم في دار الإمام ، وكانت على قدر من الجمال ، ولمّا قتل الإمام أمير المؤمنين إنتقلت إلى دار الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) وكانت تخدم هناك في دار الإمام أيضاً ، فسمع عنها معاوية فطلبها وزوّجها لإبنه يزيد ، فبَقيت في دار يزيد ، وهي تَستَخبِر ـ دائماً عن الإمام الحسن والإمام الحسين ( عليهما السلام ) وتُحاول أن تَسمَع أخبارهم من القادمين من المدينة المنوّرة. ولمّا قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) لم تَعلَم هند (498) بالخبر !! ولمّا جاؤوا بعائلة الإمام الحسين إلى الشام ، دخلت امرأة على هند وقالت لها : لقد أقبَلوا بسبايا ولا أعلَم من أين هم ؟ فلعلّك تمضين إليهنّ وتتفرّجين عليهن ؟! فقامت هند ولَبِست أفخر ثيابها وتخمّرت بخِمارها ، ولبِست إزارها ـ أي : عباءتها ـ ، وأمرت خادمةً لها أن تُرافقها وتحمل معها الكرسي حتى لا تجلس على التراب. ويقول البعض : أنّ يزيد صادفها قبل الخروج من القصر فاستأذنت منه ، فأذِن لها لكنّه تغيّر لونه وبَقي مذهولاً حيث إنّه خشي من مضاعفات ورود فِعل هذه الزيارة ، فهو يعلم أنّ زوجته الحظيّة عنده .. كانت ـ مدّة سنين ـ خادمة في دار أهل البيت ، وهي تحبّهم حبّاً كثيراً ، لأنّها قضت سنوات من حياتها خادمة لهم ، ولم ترَ منهم إلا العطف والإحترام ، والإنسانية والأخلاق العالية ، فماذا يصنع يزيد ؟ هل يُوافق على الزيارة أم يَرفُض ذلك ؟ ولكن يبدو أنّ شخصية هند كانت قويّة ، فقد فَرضَت نفسها على يزيد ، فأذن لها إلا أنّه طلب منها أن تكون الزيارة بعد المغرب ، حينما يُخيّم الظلام على الأرض ، (499) فوافقت على ذلك. وعند المساء أقبلت هند ومعها الخدم يحملون معهم القناديل لإضاءة الطريق. فلمّا رأتها السيدة زينب ( عليها السلام ) مُقبلة هَمَسَت في أذن أختها أم كلثوم وقالت : « أُخيّه أتعرفين هذه الجارية ؟ فقالت : لا والله. فقالت زينب : هذه خادمتنا هند بنت عبد الله !! فسكتت أمّ كلثوم ونكّست رأسها ! وكذلك السيدة زينب نكّست رأسها. فأقبلت هند وجلست على الكرسي قريباً من السيدة زينب ـ باعتبارها زعيمة القافلة ـ ، وقالت : أخيّة أراكِ طأطأتِ رأسكِ ؟ فسكتت زينب ولم تردّ جواباً ! ثم قالت هند : أخيّه من أي البلاد أنتم ! فقالت السيدة زينب : من بلاد المدينة ! فلمّا سمعت هند بذكر المدينة نزلت عن الكرسي وقالت : على ساكنها أفضل السلام. ثم التفتت إليها السيدة زينب وقالت : أراكِ نزلتِ عن الكرسي ؟ (500) قالت هند : إجلالاً لمن سكن في أرض المدينة ! ثم قالت هند : أخيّه أريد أن أسألكِ عن بيت في المدينة ؟ فقالت السيدة زينب : إسألي عمّا بدا لكِ. قالت : أسألكِ عن دار علي بن أبي طالب ؟ قالت لها السيدة زينب : ومِن أينَ لكِ المعرفة بدار علي ؟ فبَكت هند وقالت : إنّي كنت خادمة عندهم. قالت لها السيدة زينب : وعن أيّما تسألين ؟ قالت : أسألك عن الحسين واخوته وأولاده ، وعن بقيّة أولاد علي ، وأسألك عن سيدتي زينب ! وعن أختها أم كلثوم وعن بقيّة مخدّرات فاطمة الزهراء ؟ فبَكت ـ عند ذلك ـ زينب بكاءً شديداً ، وقالت لها يا هند : أمّا إن سألتِ عن دار علي فقد خَلّفناها تنعى أهلها ! وأما إن سألت عن الحسين فهذا رأسه بين يدي يزيد !! وأمّا إن سألت عن العباس وعن بقية أولاد علي ( عليه السلام ) فقد خلّفناهم على الأرض .. مجزّرين كالأضاحي بلا رؤوس ! (501) وإن سالت عن زين العابدين فها هو عليل نحيل .. لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام ، وإن سألتِ عن زينب فأنا زينب بنت علي !! وهذه أمّ كلثوم ، وهؤلاء بقية مخدّرات فاطمة الزهراء !!! فلمّا سمعت هند كلام السيدة زينب رقّت وبكت ونادت : واإماماه ! واسيداه ! واحسيناه ! ليتني كنتُ قبل هذا اليوم عمياء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء على هذه الحالة ، ثم تناولت حجراً وضرب به رأسها !! فسال الدم على وجهها ومقنعتها ، وغشي عليها. فلمّا أفاقت من غشيتها أتت إليها السيدة زينب وقالت لها : يا هند قومي واذهبي إلى دارك ، لأنّي أخشى عليك من بعلكِ يزيد. فقالت هند : والله لا أذهب حتى أنوح على سيّدي ومولاي أبي عبد الله ، وحتى أُدخِلكِ وسائر النساء الهاشميّات .. معي إلى داري !! فقامت هند وحَسَرت رأسها وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عام ، وقالت : يا يزيد ! أنت أمرتَ رأس الحسين يُشال على الرمح عند باب الدار ؟ أرأسُ ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء داري ؟! (502) وكان يزيد في ذلك الوقت جالساً وعلى رأسه تاج مكلّل بالدر والياقوت والجواهر النفيسة ! فلمّا رأى زوجته على تلك الحالة وَثَب إليها وغطّاها وقال : نعم فاعوِلي يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، فقد عجّل عليه ابن زياد ( لعنه الله ) فقتله .. قتله الله !!! فلمّا رأت هند أنّ يزيد غطّاها قالت له : ويلك يا يزيد ! أخَذَتك الحميّة عليّ ، فلِم لا أخذتك الحميّة على بنات فاطمة الزهراء ؟! هتكتَ ستورهنّ وأبديتَ وجوههنّ وأنزلتهنّ في دارٍ خرِبة !! والله لا أدخل حرَمَك حتى أُدخلهنّ معي. فأمر يزيد بهنّ إلى منزله وأنزلهم في داره الخاصّة ، فلمّا دخلت نساء أهل البيت ( عليهم السلام ) في دار يزيد ، إستقبلتهنّ نساء آل أبي سفيان ، وتهافتنَ يُقبّلن أيدي بنات رسول الله وأرجلهن ، ونُحنَ وبكين على الحسين ، ونزعن ما عليهنّ من الحُلي والزينة ، وأقمن المأتم والعزاء ثلاثة أيام ... (1)1 ـ المصدر : « معالي السبطين » ج 2 ، ص 164 ، الفصل الرابع عشر ، المجلس السادس عشر ، وتاريخ الطبري ج 5 ، ص 465 ، وكتاب « الإيقاد » ، ص 180 وبعض المصادر الأخرى. المحقق لقد جاء في كتب التاريخ : أنّ جمعاً كثيراً من أهل الشام تغيّرت نظرتهم الإيجابيّة إلى حكومة بني أميّة بشكل عام ، وإلى الطاغية يزيد بشكل خاص ، إلى نظرة سلبيّة. وصار هذا الجمع الكثير يُشكّلون الرأي العام الناقم على السلطة ، ممّا جعل يزيد يضطرّ إلى أن يتظاهر بتغيير موقفه تجاه أهل البيت ( عليهم السلام ) فنقلهم إلى بيته الخاص حتى يُخفّف التوتّر السائد على عائلته وحريمه ، بل وعلى كافّة نساء آل أبي سفيان. وجاء في التاريخ ـ أيضاً ـ : أنّ يزيد إستدعى بِحُرَم (504) رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لهن : « أيّهما أحبّ إليكن : المُقام عندي ، أو الرجوع إلى المدينة ؟ فقلنَ : نُحبّ أوّلاً أن ننوح على الحسين. فقال : إفعلوا ما بدا لكم. ثمّ أُخليَت الحجرات والبيوت في دمشق ، ولم تبق هاشميّة ولا قُرشيّة إلا ولَبِسَت السواد على الحسين ، وندبوه سبعة أيام ، فلمّا كان اليوم الثامن أرادوا الرجوع إلى المدينة ، فأمر يزيد أن يُحضروا لهنّ المحامل ، وأعطاهنّ أموالاً كثيرة وقال : هذا المال عِوَض ما أصابكم ! فقالت أمّ كلثوم : « يا يزيد ! ما أقلّ حياؤك وأصلبَ وجهك ؟! تقتل أخي وأهل بيتي وتُعطينا عِوَضهم ؟! فردّوا جميع الأموال ، ولم يأخذوا منها شيئاً. (1) وجاء في بعض كتب التاريخ : أنّ السيدة زينب ( عليها السلام ) أرسلت إلى يزيد تسأله الإذن أن يُقِمن المآتم على الإمام الحسين ، فأجاز ذلك ، وأنزلهنّ في دار الحجارة ، فأقمنَ المآتم هناك سبعة أيام ، وكانت تجتمع عندهنّ ـ في كل يوم ـ جماعة كثيرة لا تُحصى من النساء ». فقصد الناس أن يَهجموا على يزيد في داره ويقتلوه ،1 ـ كتاب « بحار الأنوار » ، ج 45 ، ص 196 ـ 197. (505) فاطّلع على ذلك مروان ، وقال ليزيد : « لا يصلح لك توقّف أهل البيت في الشام فأعدّ لهم الجهاز ، وابعث بهم إلى الحجاز ». فهيّأ لهم المسير ، وبعث بهم إلى المدينة. (1) 1 ـ كتاب « كامل البهائي ». (506) وقد جاء في التاريخ أنّ يزيد قال للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « أُذكر حاجاتك الثلاث التي وعدتك بقضائهن » ؟ فقال الإمام : « الأولى : أن تُريَني وجه سيدي ومولاي الحسين ، فأتزوّد منه وأنظر إليه وأُودّعه ؟ والثانية : أن تَرُد علينا ما أُخذَ منّا ؟ والثالثة : إن كنتَ عَزَمتَ على قتلي ان تُوجّه مع هؤلاء النسوة من يَردّهن إلى حرم جدّهن صلى الله عليه وآله وسلم » ؟ فقال يزيد : « أمّا وجه أبيك ، فلَن تراه أبداً !! (508) وأمّا قتلك ، فقد عفوت عنك ، وأما النساء فلا يرُدّهن إلى المدينة غيرك. وأمّا ما أُخِذ منكم ، فإنّي أُعوّضكم عنه أضعاف قيمته ». فقال الإمام : « أمّا مالُك فلا نريده ، وهو موفّر عليك ، وإنّما طلِبتُ ما أُخِذَ منّا .. لأنّ فيه مِغزل فاطمة بنت محمد ، ومقنعتها وقِلادتها وقَميصها ». (1) 1 ـ كتاب ( الملهوف ) ص 224. المُستفاد من مجموع القضايا التاريخية أنّ خطبة السيدة زينب الكبرى في مجلس يزيد ، والوقائع التي حدثت في ذلك المجلس ، ثمّ خطبة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في الجامع الاموي في دمشق ، أوجَدَت في الناس وعياً وهياجاً ، واستياءً عاماً ضدّ الحكم الأموي في الشام. وخاصّة : أنّ بلاط يزيد لم يَسلَم من التوتّر والإضطراب. والعجيب : أنّ يزيد ـ الذي كان يحكم على بلاد الشام وغيرها ـ شَعر بأنّ كرسيّه قد تضعضع ، بل وأنّ حياته صارت مهدّدة ، حتى زوجته إنقلب حبّها إلى عداء ، كلّ ذلك من نتائج خطبة امرأة أسيرة ، وشابٍ (510) أسير عليل !! فاستشار يزيد جلساءه حول إتّخاذ التدابير اللازمة لدفع الخطر المُتوقّع ، فأشار عليه أصحابه بترحيل العائلة من دمشق ، وإرجاعهم إلى المدينة المنوّرة. وتبدّل منطق يزيد ، فبَعد أن كان يقول : « لعِبت هاشم بالمُلك » صار يلعن عبيد الله بن زياد الذي قام بهذه الجناية من تلقاء نفسه ، فكأنّ يزيد يُبرّأ نفسه ممّا جرى ، ويُلقي المسؤولية على عبيد الله بن زياد. وتبدّلت تلك الخشونة والقساوة ، والشماتة والإهانة ، إلى الرفق واللين والإحترام المزيّف ، فالظروف تصنع كلّ شيء ، والسياسة التابعة للظروف والخاضعة للمصالح ذو قابليّة للتلوّن بكلّ لون. فأمر يزيد نعمان بن البشير أن يُهيّئ وسائل السفر لترحيل أهل البيت من الشام ، مع رعاية الإحترام اللائق بهم. وجاء في كتاب ( الفصول المهمّة ) لابن الصبّاغ المالكي : ثم إنّ يزيد ـ بعد ذلك ـ أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم ـ بما يصلح لهم ـ إلى المدينة الشريفة ، وسَيّر معهم رجلا أميناً من أهل الشام ، في خيل سيّرها في |
![]() |
![]() |
![]() |
#38 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (511) صحبتهم ، ... وكان يُسايرهم هو وخيله التي معه ، فيكون الحريم قُدّامه ، بحيث أنّهم لا يفوتونه. وإذا نزلن تنحّى عنهم ناحيةً .. هو وأصحابه الذين كانوا حولهم كهيئة الحرس ، وكان يسألهم عن حالهم ، ويتلطّف بهم في جميع أمورهم ، ولا يشقّ عليهم في مسيرهم ... إلى آخره. (512) (513) يوم الأربعين الفصل الثامن عشر الرجوع إلى مدينة الرسول (514) (515) يوم الأربعين : هو اليوم العشرون من شهر صفر ، وفيه وصلت عائلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء ، قادمين من الشام ، وهم في طريقهم إلى المدينة المنورة. يوم الأربعين وسُمّيَ بـ « يوم الأربعين » لأنّه يصادف إنقضاء أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. ويُعتبر تحديد ـ أو تعيين ـ السنة التي وصلت فيها قافلة آل الرسول إلى أرض كربلاء بعد رجوعهم من الشام .. من غوامض المسائل التاريخية. فهل كان الوصول في نفس السنة التي حدثت فيها فاجعة كربلاء الدامية ، أي سنة 61 للهجرة ، أم كان ذلك في السنة التي بعدها ؟ فهنا تساؤل يقول : كيف يُمكن ذهاب العائلة من كربلاء إلى (516) الكوفة ، ثم إلى دمشق ، ثم الرجوع والوصول إلى كربلاء ، كل ذلك في أربعين يوماً ، مع الانتباه الى نوعية الوسائل النقليّة المتوفّرة يومذاك ؟! وهذه معركة علميّة تاريخية لا تزال قائمة على قدم وساق بين حملة الأقلام من المحدّثين والمؤرخين. ونحن إذا أردنا دراسة هذا الموضوع فإنّ البحث يحتاج إلى شرح واف ، وكلام مفصّل مطوّل ، ونرجوا الله تعالى أن يوفّقنا للبحث والتحقيق عن هذا الموضوع في مؤلّفاتنا القادمة ، إن شاء الله تعالى. ولعلّ رجوعهم كان من طريق الأردن إلى المدينة المنورة ، فحينما وصلوا إلى مفترق الطرق طلبوا من الحَرَس ـ الذين رافقوهم من دمشق ـ أن يجعلوا طريقهم نحو العراق وليس إلى المدينة. ولم يستطع الحرس إلا الخضوع لهذا الطلب والتوجه نحو كربلاء. وحينما وصلوا أرض كربلاء صادف وصولهم يوم العشرين من شهر صفر. وكان الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قد جاء إلى كربلاء يرافقه عطاء ـ أو عطيّة ـ العوفي (1) .. وجماعة مِن1 ـ وهو من مشاهير التابعين .. الذين لم يَرَوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكنّهم رأوا صحابة الرسول. (517) بني هاشم ، جاؤوا جميعاً لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام. واجتمع جماعة من أهل السواد (1) وهم أهل القرى والأرياف التي كانت في ضواحي كربلاء يومذاك ، فصار هناك اجتماع كبير ـ نِسبيّاً ـ من شتّى الطبقات ، فالجميع حضروا عند قبر ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ، يزورون قبره ويسلّمون عليه ، والكآبة تخيّم على وجوههم ، والأسى والأحزان تَعصِر قلوبهم. كانت القلوب تشتعل حزناً ، والدموع مستعدّة لتجري على الخدود ، ولكنّهم ينتظرون شرارة واحدة ، حتى تضطرم النفوس بالبكاء ، وترتفع أصوات النحيب والعويل. في تلك اللحظات وصلت قافلة العائلة المكرمة إلى كربلاء ، فكان وصولها في تلك الساعات هي الشرارة المترقّبة المتوقّعة ، « فتلاقَوا ـ في وقت واحد ـ بالبكاء والعويل ». (2)1 ـ أهل السواد. كان يُعبّر عن أراضي العراق بـ « أرض السواد » لكثرة وكثافة الأشجار فيها .. مع الانتباه الى تُربتها الصالحة للزراعة لدرجة كبيرة ، فالأراضي التي تُغطّيها الأشجار تتراءى من بعيد وكأنّها سوداء ، ومِن هنا سمَّوا المزارع والبساتين بـ « أرض السواد » وسمَّوا الذين يسكنون هذه المناطق بـ « أهل السواد ». المحقق 2 ـ ذكر السيد ابن طاووس ـ في كتاب ( الملهوف ) ص 225 ـ : ولمّا رجعت نساء الحسين ( عليه السلام ) وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، (518) كانت السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ في هذا المقطع من الزمان ، وفي هذه المنطقة بالذات ، وهي أرض كربلاء ، ـ لها الموقف العظيم ، وكانت هي القلب النابض للنشاطات والأحاسيس المبذولة عند قبور آل رسول الله ( عليهم السلام ) في كربلاء. نشاطات مشفوعة بكلّ حزن وندبة ، مِن قلوب ملتهبة بالأسى ! وما تظنّ بسيدة فارقت هذه الأرض قبل أربعين يوماً ، وتركت جُثَث ذويها معفّرة على التراب بلا دفن ، واليوم رجعت إلى محلّ الفاجعة .. فما تراها تصنع وماذا تراها تقول ؟؟! أقبلت نحو قبر أخيها الحسين ( عليه السلام ) فلمّا قربت من القبر صرخت ونادت أكثر من مرّة ومرتين : وا أخاه !! وا أخاه !! وا أخاه !! كانت هذه الكلمات البسيطة ، المنبعثة من ذلك القلب الملتهب ، سبباً لتهييج الأحزان وإسالة الدموع ، وارتفاع اصوات البكاء والنحيب !فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) ، فوافَوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللَطم ، وأقاموا المآتم المُقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً ». المحقق (519) والله العالم كم كانت كلمات الشكوى تمرّ بخاطر السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) حين كانت تبثّ آلامها وأحزانها عند قبر أخيها الإمام الحسين ؟ ممّا جرى عليها وعلى العائلة طيلة تلك الرحلة المُزعجة. وما يُدرينا..؟ ولعلّها كانت سعيدة ومُرتاحة الضمير بما قامت به طيلة تلك الرحلة ! فقد ايقظت عشرات الآلاف من الضمائر الغافلة ، وأحيَت آلاف القلوب الميّتة ، وجعلت أفكار المنحرفين تتغيّر وتتبدّل مائة وثمانين درجة على خلاف ما كانت عليه قبل ذلك ! كلّ ذلك بسبب إلقاء تلك الخطَب المفصّلة ، والمحاورات الموجزة التي دارت بينها وبين الجانب المُناوئ ، أو الافراد المحايدين الذين كانوا يجهلون الحقائق ولا يعرفون شيئاً عن أهل البيت النبوي الطاهر. وتُعتبر هذه المساعي من أهمّ إنجازات السيدة زينب الكبرى ، فقد أخذوها أسيرة إلى عاصمة الأمويّين ، وإلى البلاط الأموي الذي أُسّس على عداء أهل البيت النبوي من أول يوم ، والذي كانت موادّه الإنشائية ـ يوم بناء صرحه ـ من النُصب والعداء لآل رسول الله ، ومكافحة الدين الإسلامي الذي لا ينسجم مع أعمال الأمويين وهواياتهم. (520) أخذوها إلى مقرّ ومسكن طاغوت الأمويّين ، وبمحضر منه ومشهد ، ومسمع منه ومن أسرته. خطبت السيدة زينب تلك الخطبة الجريئة ، وصبّت جام غضبها على يزيد ، ووَصَمته بكلّ عارٍ وخِزي ، وجعلت عليه سبّة الدهر ، ولعنة التاريخ !! نعم ، قد يتجرّأ الإنسان أن يقوم بمغامرات ، إعتماداً على القدرة التي يَملكها ، أو على السلطة التي تُسانده ، وأمثال ذلك. ولكن ـ بالله عليك ـ على مَن كانت تعتمد السيدة زينب الكبرى في مواجهاتها مع أولئك الطواغيت وأبناء الفراعنة ، وفاقدي الضمائر والوجدان ، والسُكارى الذين أسكرتهم خمرة الحكم والإنتصار ، مع الخمرة التي كانوا يشربونها ليلاً ونهاراً ، وسرّاً وجهاراً ؟؟! هل كانت تعتمد على أحد غير الله تعالى ؟! ويُمكن أن نقول : إنّها قالت ما قالت ، وصنعت ما صنعت ـ في إصطدامها مع الظالمين ، أداءً للواجب ، وهي غير مُبالية بالعواقب الوخيمة المحتملة ، والأضرار المتوقّعة ، والأخطار المتّجهة إلى حياتها .. فليكن كلّ هذا. فإنّ الجهاد في سبيل الله محفوف بالمخاطر ، والمجاهد يتوقّع كل مكروه يُحيط به وبحياته. ونقرأ في بعض كتب التاريخ : أنّ قافلة آل الرسول مكثت في كربلاء مدّة ثلاثة أيام ، مشغولة بالعزاء والنياحة ، ثم غادرت كربلاء نحو المدينة المنوّرة. (521) وصلت السيدة زينب الكبرى إلى وطنها الحبيب ، ومسقط رأسها ، ومهاجَر جدّها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ). الرجوع إلى مدينة الرسول وكانت قد خرجت من المدينة قبل شهور ، وهي في غاية العز والإحترام بصُحبة إخوتها ورجالات أسرتها ، واليوم قد رجعت إلى المدينة وليس معها من أولئك السادة الأشاوس سوى ابن أخيها الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) فرأت الديار خالية مِن آل الرسول الطاهرة.وترى ديارَ أميّةٍ معمورةًوديار أهل البيت منهم خالية وجاء في التاريخ : أنّ السيدة زينب ( عليها السلام ) لمّا وصلت إلى المدينة توجّهت نحو مسجد جدّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعها جماعة من نساء (522) بني هاشم ، وأخذت بعُضادَتي باب المسجد (1) ونادت : « يا جدّاه ! إنّي ناعية إليك أخي الحسين » !! ، وهي مع ذلك لا تجفّ لها عبرة ، ولا تفتُـرُ عن البكـاء والنحيـب. (2) إنّ الأعداء كانوا قد منعوا العائلة عن البكاء طيلة مسيرتهنّ من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام ، وهنّ في قيد الأسر والسَبي ، حتى قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) « إن دمعت من أحدنا عينٌ قُرع رأسه بالرمح » (3). والآن .. قد وصلت السيدة إلى بيتها ، وقد ارتفعت الموانع عن البكاء ، فلا مانع أن تُطلق السيدة سراح آلامها لتنفجر بالبكاء والعويل ، على أشرف قتيل وأعزّ فقيد ، وأكرم أسرة فقدتهم السيدة زينب في معركة كربلاء. وخاصةً إذا اجتمعت عندها نساء بني هاشم ليُساعدنها على البكاء والنياحة على قتلاها ، وحضرت عندها نساء أهل المدينة ليُشاركنها في ذرف الدموع ، ورفع الأصوات بالصراخ والعويل. والبلاغة والحكمة تتطلّب من السيدة زينب أن تتحدّث1 ـ أي : الخشبتين المنصوبتين عن يمين الباب وشماله. كما في « لسان العرب ». 2 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 45 ، ص 198. المحقق 3 ـ بحار الأنوار ج 45 ص 154 ، باب 39 ، نقلاً عن كتاب ( إقبال الأعمال ). (523) عمّا جرى عليها وعلى أسرتها طيلة هذه الرحلة ، من ظلم يزيد وآل أبي سفيان وعملائهم الأرجاس الأنذال. وتتناوب عنها السيدات الهاشميات اللاتي حضرن في كربلاء ونظرن إلى تلك المآسي والفجائع ، وشاهدن المجازر التي قام بها أتباع الشياطين من بني أميّة. كانت النسوة يخرُجن من مجلس العزاء وقد احمرّت عيونهنّ من كثرة البكاء ، وكلّ امرأة مرتبطة برجل أو أكثر ، من زوج أو أبٍ أو أخ أو إبن ، وتقصّ عليهم ما سمعته من السيدة زينب ( عليها السلام ) من الفجائع التي وقعت في كربلاء وفي الكوفة ، وفي طريق الشام ، وفي مجلس يزيد ، وفي مدينة دمشق بصورة خاصّة. كان التحدّث عن أيّ مشهد من تلك المشاهد المؤلمة يكفي لأن تمتلئ القلوب حقداً وغيظاً على يزيد وعلى من يدور في فَلكه ، وحتى الذين كانوا يحملون الحبّ والوداد لبني أميّة ، إنقلبت المحبّة عندهم إلى الكراهية والبغض ، كما وأنّ الذين كانوا يُكنّون الطاعة والإنقياد للسلطة الحاكمـة صـاروا على أعتاب التمـرّد والثورة ضـدّ السلطة. (1)1 ـ وقد جاء في التاريخ : أنّ عبد الله بن جعفر كان جالساً في داره يستقبل الناس الذين يريدون أن يعزّوه باستشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) واستشهاد ولديه عون وجعفر ، إذ دخل عليه رجل وعزّاه. (524) ومن الطبيعي أنّ الأخبار كانت تصل إلى حاكم المدينة ، وهو من نفس الشجرة التي أثمرت يزيد وأباه وجدّه ، فكان يرفع التقارير إلى يزيد ويُخبره عن نشاطات السيدة زينب ، ويُنذره بالإنفجار ، وانفلات الأمر من يده ، قائلاً : « إن كان لك في المدينة حاجة فأخرج منها زينب ». جُبَناء ، يحكمون على نصف الكرة الأرضية ويخافون من بكاء امرأة لا تملك شيئاً من الإمكانات والإمكانيّات.فقال عبد الله : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! فقال رجل يُقال له : « أبو السلاسل » : هذا ما لَقينا من الحسين بن علي ! فحَذَفه ( أي : رماهُ ) عبد الله بن جعفر بنعله ، وقال له : يابن اللَخناء ! ( يُقال في السبّ : يابنَ اللخناء ، أي : يابن المرأة المُنتنَة ) أللحسين تقول هذا ؟! ثم قال : « والله لو شهدته لأحببت أن لا أُفارقه حتى أُقتَل معه ، والله إنّه لمِمّا يُسكّن نفسي ، ويُهوّن عليّ المُصاب ، أنّ أخي وابن عمّي أُصيبا مع الحسين ، مواسيَين له ، صابرَين معه. ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمد لله ، عزّ عليّ مصرع الحسين ، إن لم أكن واسيتُ حسيناً بيدَيّ فقد واساه ولداي. المصدر : كتاب « بحار الأنوار » ج 45 ، ص 122 ـ 123. وذكره الطبري في تاريخه ، ج 5 ، ص 466. المحقق (525) إنهم يعرفون أنفسهم ، ويعرفون غيرهم ، يعرفون أنفسهم أنهم يحكمون على رقاب الناس ، ويعرفون أنّ غيرهم يملكون قلوب الناس. من المؤسف المؤلم أن يُحسَب هؤلاء الظلمة مِن المسلمين ، وأن تُحسَب جناياتهم على الدين الإسلامي. وأيّ إسلام يرضى بهذه الجناية التي تقشعرّ منها السماوات والأرض ؟! هل هو إسلام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟! أم إسلام بني أميّة ؟! إسلام معاوية ، ويزيد بن معاوية ، وعمر بن سعد ، والدعيّ بن الدعيّ عبيد الله بن زياد ؟!! ولا مانع لدى يزيد أن يأمر حاكم المدينة بإبعاد السيدة زينب مِن مدينة جدها الرسول. ولكن السيدة إمتنعت عن الخروج من المدينة ، وكأنّها لا تَهاب الموت ، ولا تخاف مِن أيّ رجس من أولئك الأرجاس. وهل يستطيع الأعداء أن يَحكُموا عليها بشيء أمرّ من الإعدام ؟ فلا مانع ، فلقد صارت الحياة مبغوضة عندها ، والموت خير لها من الحياة تحت سلطة الظالمين. إنّها تلميذة مدرسة كان أساتذتها يقولون : « إنّي لا أرى |
![]() |
![]() |
![]() |
#39 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]()
الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا بَرَماً ».
وتحدّث السلطة ، وأعلنت إمتناعها عن الخروج من المدينة. ولكنّ عدداً من السيدات الهاشميات إجتمعن عندها وذكّرنها بيزيد وطغيانه ، وأنّه لا يخاف من الله تعالى ، ومن الممكن أن تتكرّر فاجعة كربلاء ، بأن يأمر الوالي بإخراج السيدة من المدينة قَسراً وجَبراً ، فيقوم بعض من تبقّى من بني هاشم لأجل الدفاع ، وتقع الحرب بين الفريقين ، وتُقام المجزرة الرهيبة. فقرّرت السيدة زينب ( عليها السلام ) السفر إلى بلاد مصر. ولماذا اختارات مصر ؟ إنّ أحسن بلاد الله تعالى عند السيدة زينب ـ بعد المدينة المنوّرة ـ هو مصر ، لأنّه كان لآل رسول الله في بلاد مصر رصيدٌ عظيم .. من ذلك الزمان إلى هذا اليوم. والسبب في ذلك أنّ أفراداً من الخط المُوالي للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كانوا قد حكموا مصر في تلك السنوات ، أمثال : قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، ومحمد بن أبي بكر ، وأخيراً مالك الأشتر النخعي.(1)1 ـ وقد ذكر تفاصيل ذلك المَقريزي المتوفى عام 845 هـ في كتابه « المواعظ والإعتبار » ، طبع لبنان ، سنة 1418 هـ ، ج 2 ص 93 ، وج 4 ، ص 151 حيث قال : « ... ومصر ـ يومئذ ـ من جيش علي بن أبي طالب » وص 156 و157. (527) بعض ما رُويَ عن السيدة زينب الفصل التاسع عشر 1 ـ خُطبة السيدة فاطمة الزهراء 2 ـ حديث أمّ أيمن 3 ـ متفرّقات (528) من القطع واليقين أنّ السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) كانت قد سمعت ما لا يُحصى من الأحاديث من جدّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخويها : الإمام الحسن والإمام الحسين ( عليهما السلام ) ورَوت عنهم الشيء الكثير الكثير. وكيف لا ؟ وقد فَتحت عينَيها في مَهبط الوحي والتنزيل ، وترعرعت ونَمَت في أحضان مصادر التشريع الإسلامي ، وتراجمة الوحي الإلهي ، ومنابع المعارف والأحكام السماويّة. ولكن .. هل ساعدتها الظروف أن تتحدّث عمّا سمعت وشاهدت في حياتها المُباركة من أسلافها الطاهرين ؟ وما يُدرينا ، فلعلّها حدّثت شيئاً ممّا رأت ورَوَت ، ولكنّ الدهر الخَؤون لم يحتفظ بمَرويّاتها ، فضاعت وتلفت تلك الكنوز ، (530) وأبادت الحوادث تلك الثروات الفكريّة والعلميّة (1) ، وقد بقي منها الشيء اليسير اليسير ، فمنها :1 ـ لقد تعرّض التراث الإسلامي الشيعي لغارات قاسية من قِبل أعداء الدين ، منذ فاجعة وفاة الرسول الكريم .. وإلى عصرنا الحاضر. فبعد وفاة ذلك النبي العظيم بدأت حملة شَعواء وهجوم عنيف ضدّ تراث أهل البيت ( عليهم السلام ) تحت أقنعة الدين والمصلحة الإسلامية العامّة !! ، فبإسم « مُكافحة الأحاديث المنسوبة ـ كِذباً ، إلى النبي الكريم » مُنع تداول الحديث وكتابته ، وكان الهدف ـ الأول والأخير ـ من ذلك : هو منع تداول كل حديث نبوي يرتبط بمدح أهل البيت ، وبتفسير الآيات القرآنية النازلة في شأنهم ، وسدّ الطريق أمام كلّ صحابي يريد الدفاع عن آل الرسول الطاهرين ، عن طريق الاستدلال بالقرآن الكريم ـ المؤيّد بالتفسير الصحيح ـ والأحاديث النبوية الصحيحة التي كانت حديثة عهد بالصدور. وعلى هذا النهج ورواية ( المَنع من تداول تلك الأحاديث ) سار الأمويّون والعباسيون والإمبراطورية العثمانيّة .. وإلى يومنا هذا. ولولا ضيق المجال لذكرنا استعراضاً سريعاً لأرقام مُذهلة عن التراث الشيعي العظيم الذي تعرّض للإتلاف والإبادة ، مع الوثائق والاثباتات التاريخيّة ، كشاهد ودليل على هذا القول. المحقق لقد ذكرنا في كتاب ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ) أنّ خطبة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تُعتبر معجزة من معاجز السيدة فاطمة ، لأنّها في قمّة الفصاحة وذروة البلاغة ، وذكرنا ـ هناك ـ بعض مزايا الخطبة. والعجب كل العجب أنّ السيدة زينب رافقت السيدة فاطمة الزهراء ـ يومذاك ـ إلى المسجد ، وسجّلت الخطبة كلّها في قلبها وذكراتها ، لتكون راويةً لخطبة أمّها ، ولتكون همزة وصل في إيصال صوت أمّها إلى مسامع الأمم والمِلَل ، وجهازاً إعلاميّاً في بثّ هذه الخطبة إلى العالم ، وعلى مرّ الأجيال والقرون. ويجب أن لا ننسى أن عُمرها كان ـ يومذاك ـ حوالي خمسة أعوام فقط ، فانظر إلى الذكاء المدهش والإستعداد الكامل والمؤهّلات الفريدة من نوعها. لقد ذكر الشيخ الصدوق في كتاب ( علل الشرائع ) شيئاً من خطبة (532) السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بسنده عن أحمد بن محمد بن جابر ، عن زينب بنت علي عليه السلام. (1) وروى أيضاً بسنده عن عبد الله بن محمد العَلَوي ، عن رجال من أهل بيته ، عن زينب بنت علي ، عن فاطمة عليها السلام. وروى أيضاً بسنده عن حفص الأحمر ، عن زيد بن علي ، عن عمّته زينب بنت علي ، عن فاطمة ( عليها السلام ) مِثله. وإليك نصّ الرواية : روى عبد الله بن الحسن باسناده عن آبائه ، أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك ، وبلغها ذلك ، لاثَت خمارَها على رأسها (2) واشتَملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمةٍ من حفدتها ونساء قومها (3) ، ما تَخرُم مشيتها مشية رسول الله1 ـ علل الشرائع ، ج 1 ص 289 باب 182. 2 ـ لاثَت : شدّت ، والخمار : ثوبٌ يغطّى به الرأس. 3 ـ اللُمة ـ بضمّ اللام وتخفيف الميم ـ : الجماعة. الحفدة : الخدم والأعوان. كما في « القاموس » و « لسان العرب ». والظاهر أن المقصود ـ هنا ـ : مجموعة من نساء بني هاشم ومن النساء اللواتي كنّ يُشاركنها في الفكر والإتّجاه والهدف ، ورافَقنَها إلى المسجد. ويمكن أنّه كان وراء مجموعة النساء وكلاء السيدة فاطمة ، الذين كانوا يُشرفون على شؤون أراضي فدك وبساتينها. المحقق 4 ـ كناية عن شدّة التستّر. (533) ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) حتى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشدٍ من المهاجرين والأنصار وغيرهم (2). فنيطت دونها مُلاءة (3). فجلست ثم أنّت أنّةً أجهش القوم بالبكاء فارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هُنيئة (4) حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم(5) ، إفتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على رسوله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها. فقالت ( عليها السلام ) : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما1 ـ ما تَفرُق مشيتُها عن مشية أبيها من حيث الكيفية والوقار. 2 ـ الحَشد : الجماعة. 3 ـ نيطت : عُلّقت. والمُلاءة : الإزار ، أو المِلحَفة ، كما في « لسان العرب ». ويُعبّر عنها ـ حاليّاً ، في بعض البلاد ـ بـ « الشَرشَف » و « المَلافة » ، ويُستعمل في مجالات متعدّدة ، منها : السِتار ، ومنها الإلتحاف بها في موسم الربيع. والمقصود أنّه أُسدِلَ بين السيدة وبين القوم سِتراً وحجاباً. المحقق 4 ـ وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 211 : « ثمّ أمهَلَت طويلاً ». 5 ـ النَشيج : صوت البكاء مع التوجّع ، الفَورة : الشِدّة. (534) قَدّم ، من عُموم نِعَمٍ ابتداها ، وسُبوغ آلاءٍ أسداها (1) ، وتمام مِنَنٍ والاها ، جمّ عن الإحصاء عددها (2) ، ونأى عن الجزاء أمدها(3) ، وتفاوت عن الإدراك أبَدُها. ونَدَبَهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها (4) واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالنَدب إلى أمثالها (5). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمّن القلوب موصولها (6) ، وأنارَ في التفكير معقولَها.1 ـ سُبوغ النعم : إتّساعها وشُمولها لِمُختلف جوانب الحياة. أسداها : أعطاها. 2 ـ جمّ : كثُر. 3 ـ نأى : بَعُد ، وهكذا تفاوت. الأمد : الغاية ومنتهى الشيء. 4 ـ نَدَبَهم : دعاهم. والإستزادة : طلب زيادة النِعَم عن طريق الشكر ، لكي تتّصل وتستمرّ وتدوم. 5 ـ ثنى بالنَدب : أي : كما أنّه ندَبهم لاستزادتها بالشُكر .. كذلك نَدَبهم إلى أمثالها مِن موجبات الثواب والأعمال التي تُسبّب دوام النِعَم. 6 ـ جعل القلوب مُحتوية لمعنى كلمة التوحيد. (535) المُمتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صِفَته ، ومِن الأوهام كيفيّته. إبتدع الأشياء لا من شيء كان قَبلها (1) ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثَلها (2) ، كوّنها بقُدرته ، وذَرأها بمشيئته (3) ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتاً لحِكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبّداً لبَريّته ، وإعزازاً لدعوته. ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده مِن نقمته (4) ، وحياشةً لهم إلى جنّته (5). وأشهد أنّ أبي ( محمّداً ) عبده ورسوله ، إختاره وانتجبه قبلَ أن أرسَلَه ، وسمّاه قبل أن اجتَبَله (6). واصطفاه قبل أن ابتَعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية1 ـ ابتَدَع : أحدَثَ وابتكر. 2 ـ الإحتذاء : الاقتداء. وحذو النعل بالنَعل : أي قطع النعل على مثال النعل وقَدرها. 3 ـ ذَرأها : خَلقَها. 4 ـ ذيادة : مَنعاً. 5 ـ حياشة لهم : سَوقَهم. 6 ـ اجتَبله : فطَره ، أو خَلَقه. (536) العدم مقرونة ، عِلماً من الله تعالى بمئائل الأمور (1) ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفةً بمواقع المقدور. ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمةً على إمضاء حُكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه. فرأى الأُمَم فِرَقاً في أديانها ، عُكّفاً على نيرانها ، وعابدةً لأوثانها ، مُنكرةً لله مع عِرفانها ، فأنار الله بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظُلَمَها (2) ، وكشف عن القلوب بُهَمَها(3) ، وجلى عن الأبصار غُمَمَها (4) ، وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصّرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الصراط المستقيم. ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبةٍ وإيثار ، فمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مِن تَعَب هذه الدار في راحة ، قد حُفّ بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفّار ، ومُجاورة الملك الجبّار ، صلى الله على أبي ، نبيّه1 ـ المئائل : جمع مآل ، أي المرجع ، وما ينتهي إليه الأمر. 2 ـ ظُلَم : جمع ظُلمة. 3 ـ البُهَم ـ جمع بهمة ـ : وهي مشكلات الأمور. 4 ـ الغُمَم ـ جمع غُمّة ـ : الشيء المُلتبس المستور. (537) وأمينه على الوحي وصفيّه ، وخِيَرته من الخلق ورضيّه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم ـ عباد الله ـ نصب أمره ونَهيه (1) ، وحَمَلة دينه ووَحيه ، وأُمَناء الله على أنفسكم(2) ، وبُلَغاؤه إلى الأمم (3) ، زعيم حقّ له فيكم ، وعهد قَدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع (4) ، والضياء اللامع (5) ، بيّنة بصائره ، مُنكشفة سرائره (6) ، مُتجلّية ظواهره (7) ،1 ـ منصوبون لأوامره ونواهيه. 2 ـ أُمَناء : جمع أمين. 3 ـ البُلَغاء ـ جمع بليغ ـ والمقصود ـ هنا ـ : المبلّغ. 4 ـ الساطع : المرتفع ، او المُتلألأ. 5 ـ اللامع : المضيء. 6 ـ البصائر : جمع بصيرة ، والمراد ـ هنا ـ : الحُجَج والبَراهين. والسرائر : جمع سريرة ، والمقصود ـ هنا ـ : الأسرار الخفيّة واللطائف الدقيقة. 7 ـ متجلّية : مُنكشفة ، أو : واضحة. (538) مُغتبط به أشياعه (1) ، قائد إلى الرضوان ، مودٍّ إلى النجاة استماعه ، به تُنال حُجَج الله المنوّرة ، وعزائمه المفسَّرة (2) ، ومحارمه المُحذّرة ، وبيّناته الجالية (3) ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة (4) ، ورُخَصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة (5). فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحجّ تشييداً للدين ، والعَدل تنسيقاً للقلوب (6) ، وإطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامَتنا أماناً من الفُرقة ، والجهاد عزّاً للإسلام ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحةً للعامّة ، وبرّ1 ـ الغِبطة : أن تتمنّى مثل حال المغبوط إذا كان بحالة حسنة. 2 ـ العزائم ـ جمع عزيمة ـ : الفريضة التي افترضها الله تعالى. 3 ـ الجالية : الواضحة. 4 ـ المندوبة : المَدعوّ إليها. 5 ـ المكتوبة ـ هنا ـ : الواجبة. 6 ـ التنسيق : التنظيم. (539) الوالدين وِقايةً من السخط ، وصِلَة الأرحام منماةً للعدد (1) ، والقِصاص حِقناً (2) للدماء ، والوَفاء بالنذر تعريضاً (3) للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبَخس (4) ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القَذف حِجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة إيجاباً للعفّة. وحرّم الشرك إخلاصاً له بالربوبيّة ، فَـ « اتّقوا الله حقّ تُقاته ، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون » ، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنّه « إنّما يخشى الله من عباده العلماء ». ثمّ قالت : أيها الناس ! إعلَموا أنّي فاطمة ! وابي محمد. أقولُ عَوداً وبِدءاً (5) ، ولا أقولُ ما أقول غَلَطاً ، ولا أفعل ما أفعل1 ـ منماة ـ على وَزن مسحاة ـ : إسم آلة للنموّ ، ولعلّها مصدر ميمي للنموّ. 2 ـ حِقناً : حِفظاً. 3 ـ تعريضاً : إذا جعلتَه في عرضة الشيء. 4 ـ المكاييل ـ جمع مِكيال ـ : وهو ما يُكال به. والموازين : جَمع ميزان. والبَخس : النَقص. 5 ـ عوداً وبدءاً : آخراً وأوّلاً. (540) شططاً (1). « لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ بالمؤمنين رؤوف رحيم » (2). فإن تُعزوه وتَعرفوه تَجدوه أبي دون نسائكم (3) ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ولَنِعم المعزيّ إليه (4) ( صلى الله عليه وآله وسلم ). فبَلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة (5) ، مائلاً عن مدرجة المشركين (6) ، ضارباً ثَبَجَهم (7) ، آخذاً باكظامهم (8) ، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يكسرُ الأصنام ، وينكت الهام (9) ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدُبُر ، وحتى تفرّى1 ـ شططاً : ظُلماً وجوراً. 2 ـ سورة التوبة ، الآية 128. 3 ـ تُعزوه : تَنسبوه. 4 ـ المعزّي إليه : المنسوب إليه. 5 ـ صادعاً : مُظهراً. النذارة : الإنذار والتخويف. 6 ـ مدرجة المشركين : طريقهم ومَسلَكهم. 7 ـ الثَبَج ـ بفتح الثاء والباء ـ : الظَهر ، وقيل : ما بين الكاهل إلى الظهر. 8 ـ الكظم : ـ بفتح الكاف والظاء ـ : الفَم أو الحلق أو مخرج النفَس. 9 ـ نَكتَه على هامته : إذا ألقاه على رأسه. |
![]() |
![]() |
![]() |
#40 |
♠ فاطمية مبتدئة ♠
![]() تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17 ![]() ![]() |
![]() (541) الليل عن صُبحه (1) ، وأسفَر الحقّ عن محضه (2) ، ونَطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين (3) ، وطاح وشيظ النفاق(4) ، وانحلّت عُقَد الكفر والشِقاق (5) وفُهتُم بكلمة الإخلاص (6) ، في نَفَر من البيض الخِماص (7) ، وكنتـم على شفـا حفـرةٍ من النـار (8) ، مُذقة الشارب (9) ، ونُهزة الطامع (10) ، وقَبسة العجلان (11) ، وموطئ الأقدام ، تشربون1 ـ تفرّى : إنشقّ. 2 ـ أسفَر : إذا انكشف وأضاء. والمَحض : الخالص. 3 ـ شقاشق ـ جمع شقشقة ـ : وهي شيء يَشبه الرئة يخرج من فَم البعير إذا هاج. 4 ـ الوشيظ : الأتباع والخدَم. 5 ـ الشقاق : الخلاف. 6 ـ فُهتم : تلفّظتم ، تفوّهتم. 7 ـ البيض ـ جمع أبيض ـ والخِماص ـ جمع خَميص ـ : وهو الجائع. 8 ـ شفا حُفرة : جانبها المُشرف عليها ، أو : حافّتها. 9 ـ المذقة ـ بضمّ الميم ـ شربة من اللبن الممزوج بالماء. 10 ـ النهزة ـ بضمّ النون ـ : الفُرصة. 11 ـ قبسة العجلان : الشُعلة من النار التي يأخذها الرجل العاجل. (542) الطَرق (1) ، وتَقتاتون القِدّ والوَرق (2) ، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد اللّتيّا والتي ، وبعد أن مُنِيَ بِبُهم الرجال (3) ، وذُؤبان العَرَب ، ومَرَدَة أهل الكتاب (4) ، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نَجَم (5) قرنٌ للشيطان ، أو فَغَرت (6) فاغرةٌ من المشركين ، قَذَفّ أخاه في لَهَواتها (7) ، فلا1 ـ الطرق ـ بفتح الطاء وسكون الراء ـ : الماء الذي خاضَت فيه الإبل وبالَت فيه. 2 ـ تَقتاتون : تَجعلون قُوتكم. القِدّ ـ بكسر القاف ـ : قطعة جلد غير مدبوغ ، ويُحتمل أن يكون بمعنى القديد : وهو اللحم المُجفّف في الشمس. الوَرَق : ورق الأشجار .. على اختلاف أنواعها. 3 ـ مُني ـ فعل ماضي مجهول ـ : ابتُلي. والبُهَم ـ على وزن الغُرَف ـ جَمع بهمة : وهو الشجاع الذي لا يُهتدى مِن أين يؤتى. 4 ـ مردة ـ بفتح الميم والراء والدال ـ : جَمع مارِد وهو العاتي. 5 ـ نَجَمَ ـ فعل ماضي ـ : طَلَع. وقرن الشيطان : أتباعُه. 6 ـ فغر : فَتَح. فاغرة فاها : أي : فاتحة فمَها. 7 ـ اللهوات ـ جَمع لَهاة ـ : لحمة مُشرفة على الحلق في أقصى الفم. أخاه : المقصود هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. (543) يَنكفئ حتى يطأ صِماخها بأخمصه (1) ، ويُخمِدَ لَهَبَها بسيفه (2) ، مكدوداً في ذات الله (3) ، مُجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله ، مُشمّراً ناصحاً ، مُجدّاً كادحاً (4) ، وأنتم في رَفاهية من العيش (5) ، وادِعون فاكهون آمنون (6)، تتربّصون بنا الدوائر (7) ، وتتوكّفون الأخبار (8) ، وتنكصون عند النزال (9) ، وتفرّون من القتال. فلمّا اختار الله لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دارَ 1 ـ ينكفئ : يَرجع. يطأ : يَدوس. صِماخها : أُذُنَها. بأخمَصه : بباطن قَدَمه. 2 ـ يُخمد : يُطفئ. لَهبَها : إشتعالها. 3 ـ المكدود : المُتعَب. 4 ـ شمّرَ ثوبه : رَفَعَه. مُجدّاً ـ بضم الميم وكسر الجيم ـ : مُجتهداً ، والكادح : الساعي. 5 ـ رفاهية : سٍعة. 6 ـ وادعون : مرتاحون. فاكهون : ناعمون. 7 ـ الدوائر : العواقب المذمومة والمفاجآت المؤسفة. 8 ـ تتوكّفون : تتوقّعون بلوغ الأخبار. 9 ـ تنكصون : ترجعون وتتأخّرون. والنزال : القتال. (544) أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظَهَر فيكم حسكة النفاق (1) ، وسمل جلباب الدين (2) ، ونطق كاظم الغاوين (3) ، ونَبَغَ خامل الأقلّين(4) ، وهَدَر فنيق المبطلين (5) ، فخطر في عرصاتكم (6) ، وأطلع الشيطان رأسه من مِغرَزه (7) هاتفاً بكم ، فألفاكم لِدَعوته مستجيبين ، وللغِرّة فيه ملاحظين. (8) ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غِضابا (9) ، فـوسَمتـم غيـرَ إبلكـم (10) ، وأوردتم غير 1 ـ الحسكة والحسيكة : الشوكة. 2 ـ سمل الثوب : صارَ خَلِقاً. والجِلباب. ثوبٌ واسع. 3 ـ كاظم الغاوين : الساكت ، الضالّ ، الجاهل. 4 ـ ظهر مَن خَفي صوته واسمه .. من الأذلاء ، غير المشهورين. 5 ـ هدر البعير : ردّد صوته في حنجرته. والفنيق : الفحل من الإبل. 6 ـ خطر : إذا حرّك ذنبه ، مِن منطلق الإعجاب بنفسه. 7 ـ المغرز ـ بكسر الراء ـ : ما يُختفى فيه. 8 ـ الغِرة ـ بكسر الغين ـ : الانخداع ، ومُلاحظين : ناظرين ومُراعين ، ومُتجاوبين للإنخداع. 9 ـ أحمشكم : أغضَبَكم. 10 ـ الوَسم : الكيّ ، وَسَمَه : كواه ، لِتَبقى في جسمه علامة خاصّة تُميّزه عن غيره. (545) شِربكم (1) ، هذا والعهد قريب ، والكلم رَحيب (2) ، والجُرحُ لمّا يَندَمل (3) ، والرسول لمّا يُقبَر (4) ، إبتداراً زعمتم خوف الفتنة(5) ، « ألا : في الفتنة سَقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ». فهيهات منكم ! وكيف بكم ؟ « وأنّى تؤفكون » (6) ، وكتابُ الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم. أرَغبةً عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ « بئس للظالمين بدلاً » ، « ومَن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ». 1 ـ الشِرب ـ بكسر الشين ـ : النصيب من الماء. 2 ـ الكلم : الجرح. رَحيب : واسع. 3 ـ اندمل : تَماثَل للشفاء والإلتئام. 4 ـ يُقبَر : يُدفَن. 5 ـ ابتداراً : مُعاجلةً منكم في غصب الخلافة. 6 ـ تؤفكون : أي تُصرفون. (546) ثمّ لم تَلبثوا إلا رَيث أن تسكن نفرتُها (1) ، ويَسلَس قيادها (2) ، ثمّ أخذتم تورون وَقدَتها ، وتُهيّجون جمرتها (3) ، وتَستجيبون لِهتاف الشيطان الغويّ ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ ، وإخماد سنن النبي الصفيّ ، تسرّون حسواً في ارتغاء ، وتمشون لاهله ووُلده في الخَمَر والضراء (4) ، ونَصبر منكم على مثل حزّ المدى (5) ، ووَخز السنان في الحشى (6) ، وأنتم ـ الآن ـ تزعمون أن لا إرثَ لنا ، « أفحكم الجاهلية يبغون » ؟ ، « ومَن أحسن من الله حُكماً لقومٍ يوقنون » ؟ أفلا تعلمون ؟ بلى تجلّى لكم ـ كالشمس الضاحية ـ أنّي ابنته. أيها المسلمون ! ءأُغلَبُ على إرثيَه. ياابنَ أبي قُحافة ! 1 ـ رَيث : قَدَر. نفرتها ، نَفَرت الدابة : جَزَعت وتباعَدَت. 2 ـ يسلس : يَسهل. 3 ـ تورون : تُخرجون نارها. تُهيّجون : تُثيرون. 4 ـ الخمر ـ بفتح الخاء والميم ـ : ما يستُرك من الشجر وغيره. 5 ـ المُدى ـ بضم الميم ـ جمع مُدية : وهي الشفرة أو السكينة. 6 ـ الوَخز : الطعن. والسنان : رأس الرمح. (547) أفي كتاب الله أن تَرثَ أباك ولا أرِث أبي ؟؟ لقد جئت شيئاً فريّاً !! (1). أفعلى عَمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : « ووَرثَ سليمان داود » (2). وقال ـ فيما اقتصّ مِن خبر زكريّا ـ إذ قال : « فهَب لي من لدنك وليّاً يَرثني ويرث من آل يعقوب » (3). وقال : « وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » (4). وقال : « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأُنثَيَين »(5). وقال : « إن تَركَ خيراً الوصيّة للوالدَين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين » (6). وزعمتم أن لا حَظوة لي ؟ (7) ولا أرث مِن أبي ! 1 ـ فريّاً : أمراً عظيماً أو منكراً قبيحاً. 2 ـ سورة النمل ، الآية 16. 3 ـ سورة مريم ، الآية 5 ـ 6. 4 ـ سورة الأنفال ، الآية 75. 5 ـ سورة النساء ، الآية 11. 6 ـ سورة البقرة ، الآية 180. 7 ـ حظوة : النَصيب. (548) أفخصّكم الله بآية أخرَجَ أبي منها ؟ أم تقولون : إنّ أهلَ مِلّتين لا يتوارثان ؟ أوَلستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟ فدونَكها مخطومة مرحولة (1) ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحَكَم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكلّ نبأ مستقرّ ، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ، ويحلّ عليه عذاب مقيم. ثمّ رمت بطَرفها نحو الأنصار فقالت : يا معشر النَقيبة ، وأعضاد المِلّة ، وحَضَنَة الإسلام (2) ، ما هذه الغميزة في حقّي ؟ (3) ، والسِنَة عن ظلامتي ؟! ، أما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي يقول : « المَرءُ يُحفَظ في وُلده » ؟ سَرعان ما أحدثتم ، وعَجلان ذا إهالة ، ولكم طاقة 1 ـ مَرحولة : يُقال : ناقة مخطومة ومرحولة ، الخِطام ـ بكسر الخاء ـ : الزِمام ، ومرحولة : مِن الرحل : وهو للناقة كالسَرج للفَرس. 2 ـ حضَنة ـ جمع حاضِن ـ : بمعنى الحافظ. 3 ـ الغَميزة : الضعف أو الغفلة. (549) بما أُحاول ، وقوّة على ما أطلب وأُزاول (1). أتقولون : ماتَ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فخطَبٌ جليل ، استَوسع وَهنه (2) ، واستنهر فتقه ، وانفَتَق رَتقه ، وأظلمت الأرض لِغَيبَته ، وكُسفَت النجوم لمصيبته ، واكدت الآمال (3) ، وخشعت الجبال ، وأُضيع الحَريم (4) وأُزيلَت الحُرمة عند مماته ، فتلك ـ والله ـ النازلة الكبرى (5) ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة (6) أعلنَ بها كتاب الله ـ جلّ ثناؤه ـ في أفنيَتِكم (7) ، في مَمساكم ومَصبَحِكم ، هتافاً وصُراخاً ، وتلاوةً وألحاناً ، ولَقَبلَه ما حلّ بأنبيائه ورسله ، حكمٌ فَصل ، وقضاءٌ حتم ، « وما محمد إلا رسول قد خَلَت مِن 1 ـ أُزاول : أقصد. 2 ـ استوسَع وَهنه : إتّسع غاية الإتّساع وهنُه. 3 ـ أكدت : انقطعت. 4 ـ الحريم : ما يَحميه الرجل ويُقاتل عنه. 5 ـ النازلة : الشديدة. 6 ـ البائقة : الداهية. 7 ـ أفنيتكم ـ جمع فِناء ، بكسر الفاء ـ : جوانب الدار من الخارج ، أو العَرَصة المتّسعة أمام الدار. (550) قبله الرسل ، أفإن مات أو قُتلَ انقلبتم على أعقابكم ومَن يَنقلِب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين » (1). ثمّ رَمَت بطرفِها نحو الأنصار وقالت : إيهاً بَني قيلة ! (2). أَأُهضَم تُراثَ ابي ؟ ، وأنتم بمرأىً منّي ومَسمَع ، ومنتدى ومَجمَع (3) تلبسُكم الدعوة ، وتَشملكم الخبرة (4) ، وأنتم ذَوو العَدَد والعُدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، تُوافيكم الدعوة فلا تُجيبون ؟ ، وتأتيكم الصَرخة فلا تُعينون ؟ ، وأنتم مَوصوفون بالكفاح ، مَعروفون بالخير والصلاح ، والنُخبة التي انتُخبِت ، والخيرة التي اختيرت (5). قاتَلتُم العَرَب ، وتحمّلتم الكدّ والتَعَب (6) ، وناطحتم 1 ـ سورة آل عمران ، الآية 144. 2 ـ إيهاً : بمعنى هيهات ، أو مزيداً من الكلام. 3 ـ مُنتدى : مجلس القوم. 4 ـ الخبرة : العِلم بالشيء. 5 ـ الخيرة ـ بكسر الخاء وسكون الياء ـ المُفضّل من القوم. 6 ـ الكدّ : الشِدّة. (551) الأُمم ، وكافحتم البُهَم (1) ، لا نَبرح أو تَبرحون ، نَأمُركم فتَأتَمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرَ حلبُ الأيام ، وخَضَعَت ثَغرة الشِرك ، وسَكنَت فَورة الإفك ، وخَمُدت نيران الكفر ، وهَدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنّى حِرتُم بعد البيان ؟ ، وأسررتم بعد الإعلان ؟ ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ؟ ، « ألا تُقاتِلون قوماً نَكثوا أَيمانهم وهَمّوا بإخراج الرسول ، وهم بَدؤكم أوّل مرّة ، أتخشَونَهم فالله أحقّ أن تَخشَوه إن كنتم مؤمنين » (2). ألا : قد أرى أن قد أخلَدتم إلى الخفض (3) وأبعدتم مَن هو أحقّ بالبَسط والقَبض ، وخلَوتم إلى الدعة (4) ، ونَجَوتم مِن الضيق بالسعة ، فمَجَجتم ما وَعَيتم (5) ، ودسعتُم الذي تسوّغتم (6) ، « فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله 1 ـ البهَم ـ جمع بهمة ـ : الشجاع. 2 ـ سورة التوبة ، الآية 13. 3 ـ الخفض : الراحة. 4 ـ الدعة : الراحة والسُكون. 5 ـ مَجَجتم : رَميتم. وَعيتم : حفِظتم. 6 ـ دسعتم : تقيّأتم. وتسوّغتم : شَربتُم بسهولة. (552) لغنيّ حميد » ، ألا : قد قلتُ ما قلتُ على معرفة منّي بالخذلة التي خامَرتكم (1) والغَدرة التي استَشعرَتها قلوبكم (2). ولكنّها فيضَة النفس (3) ، ونَفثة الغيظ (4) ، وخَوَر القنا (5) ، وبثّة الصدر ، وتَقدِمة الحُجّة ، فدونكموها ، فاحتَقِبوها دَبِرَة الظَهر(6) ، نقبةَ الخُف (7) ، باقية العار ، مَوسومةً بغضب الله ، وشَنار الأبد (8) ، مَوصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة ، فبِعَين الله ما تفعلون ، « وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقَلَب ينقلبون » ، وأنا ابنةُ نذير لكم بين يَدَي عذاب شديد ، فاعملوا إنّا عاملون ، وانتظروا إنّا منتظرون. 1 ـ خامَرتكم : خالطتكم. 2 ـ استشعَرَتها : لبسَتها. 3 ـ فاضَ صدرُه بالسِرّ : باحَ به. 4 ـ كالدم الذي يُرمى به من الفم ويدلّ على وجود قرحة. 5 ـ ضَعف النَفس عن التحمّل. 6 ـ دونكموها : خّذوها. دبرة : مَقروحة. 7 ـ نقبة الخُف : رَقيقة الخُفّ. 8 ـ شنار : العَيب والعار. (553) فأجابها أبو بكر ( عبد الله بن عثمان ) (1) وقال : يابنَة رسول الله ! لقد كانَ أبوكِ بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً ، إن عَزَوناه وجَدناه أباكِ دونَ النساء (2) ، وأخا إلفِكِ دون الأخِلاّء (3) ، آثره على كلّ حميم (4) ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يُحبّكم إلا كل سعيد ، ولا يُبغضكم إلا كل شقيّ. فأنتم عترة رسول الله الطيّبون ، والخيرة المنتجبون ، على الخَير أدِلّتُنا ، وإلى الجنّة مسالكنا ، وأنتِ يا خيرة النساء ، وابنة خير الأنبياء ، صادقةٌ في قولك ، سابقة في وُفور عقلك ، غير مردودة عن حقّك ، ولا مصدودة عن صدقك (5) ، والله ما عَدَوتُ رأيَ رسول الله !!! (6) ولا عَمِلتُ إلا بإذنه ، وإنّ الرائد لا يكذِبُ أهلَه (7) ، وإنّي أُشهد الله وكفى به شهيداً ، أنّي 1 ـ أي : أبو بكر بن أبي قُحافة. 2 ـ عَزَوناه : نَسَبناه. 3 ـ وفي نسخة : وأخا بَعلك. والمعنى واحد. 4 ـ حَميم : قريب. 5 ـ مَصدودة : ممنوعة. 6 ـ عَدَوتُ : جاوزتُ. 7 ـ الرائد : الذي يَتقدّم القوم ، يَبحَث لهم عن الماء والكلأ ومَساقط الثمار. (554) سمعتُ رسول الله يقول : « نحنُ معاشر الانبياء لا نورّث ذهباً ولا فضّةً ولا عقاراً ، وإنّما نورثّ الكتاب والحِكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بَعدنا ، أن يَحكُم فيه بحُكمه ». وقد جعلنا ما حاولتِهِ في الكُراع والسلاح (1) ، يُقاتلُ بها المسلمون ، ويُجاهدون الكفّار ، ويُجالدون المَردة الفُجّار (2). وذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفَرِد به وَحدي ، ولم أستَبِدّ بما كان الرأي فيه عندي (3) ، وهذه حالي ومالي ، هي لكِ ، وبَينَ يديكِ ، لا تُزوى عنكِ (4) ، ولا تُدّخر دونكِ ، وأنتِ سيدة أمّة أبيكِ ، والشجرة الطيبة لِبنيك ، لا يُدفَع مالَك من فضلكِ ، ولا يوضع في فَرعك وأصلكِ ، حُكمك نافذ فيما مَلَكت يَداي ، فهل تَرينّ أن أُخالف في ذلك أباك ؟ فقالت ( عليها السلام ) : سبحان الله ! ما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن 1 ـ الكراع ـ بضمّ الكاف ـ : جماعة الخيل. 2 ـ يُجالدون : يضاربون. 3 ـ استبدّ : انفرد بالأمر مِن غير مُشارك فيه. 4 ـ تُزوى عنك : تُقبَض عنك. (555) كتاب الله صادفاً (1) ، ولا لأحكامه مُخالفاً ، بل كان يتّبع أثَره ، ويَقفو سُوَره (2) ، أفتُجمِعون إلى الغَدر إعتلالاً عليه بالزور ، وهذه بعد وفاته شبيهٌ بما بُغيَ له من الغَوائل في حياته (3). هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً ، وناطقاً فَصلاً ، يقول : « يَرثُني ويَرثُ مِن آل يَعقوب » ، « ووَرث سليمانُ داودَ » ، فبيّن ( عزّ وجل ) فيما وزّع عليه من الأقساط ، وشَرع مِن الفرائض والميراث ، واباحَ مِن حظّ الذُكران والإناث ، ما أزاحَ علّة المُبطلين ، وأزالَ التظنّي والشُبُهات في الغابرين (4) ، كلا ، « بل سَوّلت لكم أنفسُكم أمراً فصبرٌ جميل ، والله المُستعان على ما تَصِفون ». فقال أبو بكر : صَدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته ، أنتِ معدن الحِكمة ، ومَوطن الهدى والرحمة ، ورُكن الدين ، وعَين الحُجّة ، لا أُبعدُ صوابكِ ، ولا أُنكر خِطابكِ ، هؤلاء المسلمون 1 ـ صادِفاً : مُعرِضاً. يُقال : صَدَفَ عن الحقّ إذا أعرضَ عنه. 2 ـ يَقفو : يَتبع. 3 ـ الغوائل ـ جَمع غائلة ـ : الحادثة المهلكة. 4 ـ التظنّي : إعمال الظن. الغابرين : الباقين. |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فواصل بذكرى استشهاد السيدة زينب الكبرى عليها السلام | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | فواصل وأكسسوارات لتزيين المواضيع والردود | 22 | 29-04-2016 07:35 PM |
تصميم زيارة العقيلة زينب الكبرى عليها السلام يقع في 4 صفحات | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | سما الأبداع - برامج التصميم فوتوشوب,فلاش - موسوعة تصاميم | 19 | 23-04-2016 05:43 AM |
المكتبة المصورة لمرقد السيدة زينب الكبرى عليها السلام ... عدد 35 | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | الملحقات الولائية و الاسلامية و الدينية :: لا للمنقول :: | 15 | 03-05-2015 09:55 PM |
صورتين لمرقد السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها ... مفرغة الخلفية عالية الدقة | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | الملحقات الولائية و الاسلامية و الدينية :: لا للمنقول :: | 8 | 29-04-2012 02:59 PM |
أمّ المؤمنين السيدة خديجة الكبرى عليها السلام | nono moon | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 1 | 23-09-2010 12:42 PM |