حب الاحرار

[الاء الرحمن]

حب الاحرار..

روي عن المعصومين (عليهم السلام) في الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يقول: (من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصلِّ ركعتين فقد جفاني، ومن توضأ وصلى ركعتين ودعاني ولم أجبه فقد جفوته، ولستُ بجافٍ).
هذا الحديث الشريف كنزٌ من الكنوز التي أخرجها لنا المعصومون (عليهم السلام) وبإمكاننا الإشارة إلى عدة معاني فيه:
المعنى الأول: أن هذا الحديث القدسي يتحدث عن عبادة ليس دافعها الخوف من النار ولا الطمع في الجنة، بل إن لسانه لسان الحب، فالركعتان اللتان سيصلّيهما المؤمن وفقاً لهذا الحديث هما من العبادة المبتنية على الحب، وجاء في الحديث الشريف: (إن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله حباً فهي عبادة الأحرار وهي خير العبادة).
والله سبحانه هو الودود (تتودد إلي وأتبغض إليك) فكيف إذا تودد إليه العبد، وحركته إلى العبادة المحبة وخوف الجفوة؟!.
المعنى الثاني: إن ورود هذا المعنى في حديث قدسي وليس إخباراً عن الله سبحانه يدل على معنى رائع، وهو تولي الله سبحانه لبيان هذا الفضل وربما تولي استجابة ما يطلبه العبد مهما كان، (وما أُخبِرنا بفضلك عنك)، ومما يعني أن أي استجابة لأي طلب بعد هاتين الركعتين فسترافقها بشارة من التودد والمحبة المقابلة بما هو أضعاف ما يقدمه العبد.
المعنى الثالث: إن الجفوة في الحديث بمراتب فمن أحدث ولم يتوضأ فقد جفا الرب سبحانه، ومن توضأ ولم يصلّ ركعتين فقد جفاه بمستوى أقل من سابقه، وكذلك الاستجابة تكون بمراتب فلا يحرم من توضأ بعد الحدث من لطف مناسب وإن كان أقل من الصورة الكاملة لمن طبق الحديث بأكمله.
المعنى الرابع: يمكننا أن ننتفع من صيغة الحديث وتقسيم عباراته أن من توضأ بدون حدث فينبغي عليه أن يصلي ركعتين أيضاً.
المعنى الخامس: إن صيغة (ودعاني ولم أجبه فقد جفوته ولست بجافٍ) يراد منها التأكيد الشديد على استجابة الدعاء، وهي فرصة ثمينة لطلب الحاجات العظام، إذا أخذنا بنظر الذكرى ما ورد في حديث آخر من (أن من طلب شيئاً من ثواب الآخرة لم يخرج من الدنيا حتى يناله).
وهذا الحديث القدسي باب عظيم للترقي ومجرب لطلب الحوائج، كما أن نفس البقاء على الطهارة نافع جداً للسير في سبيل الله وتحصيل الكمال وتحصين المؤمن من نزغات الشيطان حتى إذا داوم العبد على الطهارة فسينعم بصفاء البال وتنقية الفهم وراحة الذهن وسكون القوة الغضبية. وكان ملا صدرا يوصف بأنه دائم الوضوء، وفي الحديث من توضأ من دون حدث جدد الله توبته من دون استغفار، وأن الوضوء على الوضوء نور على نور، أي تقوى زائدة وعمل مستأنف.
الاستاذ عماد علي العلالي