اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية ![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#1 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() الأسئلة بل المهم هو أن يقيّم الإنسان من خلال أسئلته ويطلعه على روحياته ونزعاته التي خفيت عليه. إذ تنعكس صفات الإنسان وروحياته ومناخه الفكري والعقدي على أسئلته بكل وضوح. 2ـ الأسئلة الفارغة هناك فئة أخرى من الأسئلة لا تنطلق من أمراض ورذائل أخلاقية كالقسم الأول، ولكنها أسئلة لا فائدة لها. وهي الأسئلة التي تثار وتطرح بسبب النسيان. كالإنسان الذي يسأل عن عنوان ما، فتدلّه على ضالته ولكن سرعان ما ينسى العنوان فيرجع ويكرر سؤاله. ثم تدلّه على ضالته مرة أخرى فينسى كما نسي من قبل وهكذا! فهل يمكن أن نعتبر أسئلته هذه حبّا للعلم والمعرفة؟! النموذج الآخر من أمثال هذه الأسئلة غير المفيدة ولعله أكثر انسجاما ببحثنا هذا، هو السؤال الناجم من عدم الفكر. وهو السؤال الذي يطرحه الإنسان لا عن وعي ودراية وتأمل، بل عن عدم فكر. ولهذا كان العلامة الطباطبائي(رض) يقول: كنت أكتم أكثر أسئلتي ولم أبدها، حتى أجد جوابها. ذات يوم قال لي شخص: عندي أسئلة في ولاية الفقيه. قلت له: كم كتاب قرأت؟ قال: لم أقرأ شيئا. فقلت له: إذن أنا لا أجيب عن أسئلتك. قال: لماذا لم تحترم أسئلتي؟ فقلت له: ولماذا أنت لم تحترم أسئلتك؟ ولماذا لم تحترم وقتك؟ كم هو موضوع مهم لديك حيث لم تقرأ فيه كتابا واحدا؟! 3ـ الأسئلة السامية أما الفئة الثالثة من الأسئلة فهي الأسئلة التي تطرح بدافع التقدم والارتقاء. فإنها أسئلة ثمينة قيمة لابدّ من معرفة قدرها. إنها نور في قلب من تبادرت إليه. فبمجرد أن حقّق الإنسان في أسئلته هذه يمتلئ نورا، وكذلك إن حصل على الجواب فقد حصل على نور. أدب التعامل مع الأسئلة السامية إن الاستعجال في إبداء هذه الأسئلة السامية قد ينقص من ثمن جوابها لدى رؤية الإنسان. فلنروّض أرواحنا بهذه الأسئلة فترة، ولنعجن أسئلتنا ونروّضها بالفكر والتأمل كي نزداد شوقا للجواب. فلا تتستعجلوا بالخلاص من السؤال. حيث إن هذا العذاب الذي يلقيه السؤال في وجودك نور في الواقع. يعجبني كثيرا بعض الشباب عندما يأتيني ويقول: «هناك سؤال يعتلج في قلبي منذ سبع أو ثمان سنين، فمهما حاولت أن أحصل على جوابه لم أستطع». هذا سؤال قيّم. وقد ذكر شرّاح نهج البلاغة أن أمير المؤمنين(ع) قد تثاقل عن الجواب ليزداد همّام عطشا ويزداد الجواب أثرا. إن هذه الأسئلة لا تخلو من بعض الألم والعذاب على الإنسان ولكن ألمها جميل ينبغي أن نتحمله. فإنه ينوّر قلب الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، لماذا يستعجل الإنسان في طرح بعض الأسئلة طمعا بالجواب؟ فإن دققنا النظر في بعض هذه الأسئلة ـ التي هي ليست من نمط الأنواع السيئة الأولى ـ نجدها مشوبة ببعض الشرك الخفي. فعلى سبيل المثال تجده يبحث عن زمن موته ويسأل متى أموت. فإذا أردنا أن نحلّل سؤاله بكل ما تحيط به من دوافع ونوايا، كأنه يقول: أريد أن أخلص من خوفي من الله والتوكل على الله والثقة بالله والاستغاثة بالله. أريد أن أدبر أموري بنفسي وأطلع على مصير حياتي بالكامل. أو قد يسأل: هل أن الله راض عني أم لا. لماذا يسأل هذا السؤال؟ إنه سؤال جميل ولكن ينبغي للإنسان أن يصبر عليه. فقد شاء الله أن لا يجيبنا عن هذا السؤال، وإلا فليس من الصعب عليه أن يطلعنا على رضاه أو عدمه تجاهنا. كان يقدر على أن يخلق لكم ملائكة بعدد شعر رؤوسكم ليجيبوا عن أسئلتكم في كل آن ولحظة. فهل تتصورون أن قد عازه ملائكة فلم يرسلهم؟! إنه كان قادرا على كل هذا ولكن من المؤكد أن هناك نور في هذا الغموض. فلعل إصرارك على هذا السؤال يدل على أنك بصدد التخلص من أعباء العلاقة الجميلة بالله، عبر بعض المعلومات. إذ بعض أنواع الجهل تارة يزيد من جمال علاقة العبد بمولاه. راجعوا خطبة القاصعة لأمير المؤمنين ففيها إشارات إلى هذا المضمون. وتارة سؤالك جيد، ولكن ليس علاجه طرحه وإبداءه. فقد ورد عن أهل البيت(ع): «مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَعْلَم».[1] كما كان الشيخ بهجت(رض) يؤكد على هذا الحديث وكثيرا ما أجاب سائليه بمضمون هذه الرواية. فطريق الحصول على جواب بعض الأسئلة السامية ليس السؤال، بل العمل بالعلم، ولا سيما في المسائل المعنوية فإن عملت بمقتضى معرفتك وعلمك تحصل على باقي المعارف والعلوم بحسب عملك. وإلا فإن سألنا بلا عمل وأعطينا الجواب يخاف علينا أن لا نقنع بالجواب، أو نقنع به ولا نؤمن به، أو نؤمن به ولا نعمل به ما يؤدي إلى تفاقم أمراضنا ورجوعنا إلى الأسوء. ولهذا قال أمير المؤمنين(ع): «إِنَّكُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا عُلِّمْتُمْ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى تَعَلُّمِ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ».[2] في حديث عنوان البصري عن الإمام الصادق(ع) وهو حديث عرفاني معروف، وكان العلامة القاضي(رض) يوصي تلامذته بحمله وقراءته يوميا، جاء فيه أن الإمام الصادق(ع) لم يستجب لعنوان في المرة الأولى. أما في المرة الثانية فأجابه وقال له(ع): «لیس العلم بالتعلم إنما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک و تعالى أن یبدیه فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسک حقیقة العبودیة و اطلب العلم باستعماله و استفهم الله یفهمک».[3] هذا النمط من العلم هو ما يسمّى بالعلم اللدنّي، أو الفرقان والبصيرة. قف عند دوافع السؤال والنوايا المحيطة به إن همام قد سأل وصف المتقين لا توصية أو موعظة في هذا المجال. فنحن نرى أكثر الناس يبحثون عن الوصايا في مسار السلوك المعنوي. أما همام فقد سأل سؤالا آخرا. لم يقل لأمير المؤمنين(ع): كيف أصبح متقيا؟ بل قال: صف لي المتقين. وهل توافقونني بأن لا يخطر على بالنا أمثال هذا السؤال؟ فنحن لا نبحث عن وصف المتقين أو المؤمنين عادة، ولكن لماذا؟ نحن نبحث عن طرق الصلاح وأساليب النجاح وهكذا. وكأنما نريد أن نقرأ مادة دراسية ونمتحن فيها. فإذا أمعنا النظر ودققنا في خفايا نوايا الإنسان وزوايا مشاعره لعلنا نجده يريد التخلص من قيود العبودية وأعبائها، أو يريد أن يمتحن في هذه المادة ويخلص منها ومصاعبها. وهذا يحكي عن نظرتنا الخاطئة لحقائق الدين والعبادة. ليس أمامنا هدف الوصول إلى الله ولقائه. وإنما هو مسير وحركة إلى الله. ولكن كثير من الناس يسألون عن سبيل الله لكي يخلص من الحركة والسير في هذا الدرب يوما ما! وهل في هذا الدرب إزعاج وشرّ حتى يبغي الخلاص منه. من الذين لا يتحملون مصاعب هذا الدرب وأعباء الطريق؟ أتعرفون من هم؟ أولئك الذين لا يطيقون الخوف والشوق في سبيل الله؟ أولئك الذين لا يطيقون صمت الله والغموض الذي يحيط بالعبد في حركة عبادته. انظروا إلى أدعية أهل البيت وحتى إلى أشعار العرفاء وعبّاد الله، حيث كانت حياتهم كلّها توسلا وإصرارا وطلبا وكأن لم تنفكّ من عقدهم واحدة. لابد أن
يتبع إن شاء الله ... [1]. بحار الأنوار، ج75، ص189. [2]. عيون الحكم والمواعظ لليثي، ص 174؛ غرر الحكم ودرر الكلم، ص 268. [3]. بحار الأنوار، ج1، ص225. |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() نرصد نوايانا الخفية في زوايا السؤال مخافة أن لا يمتزج سؤالنا عن الطريق، بأمثال هذه النوايا الباطلة. فقد سئل الإمام الصادق(ع): « قِيلَ لَهُ أَيْنَ طَرِيقُ الرَّاحَةِ فَقَالَ ع فِي خِلَافِ الْهَوَى قِيلَ فَمَتَى يَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ فَقَالَ ع عِنْدَ أَوَّلِ يَوْمٍ يَصِيرُ فِي الْجَنَّةِ». فهذا السائل وإن سأل عن الطريق ولكن في واقع أمره كان يبحث عن أصل الراحة لا عن طريقها.
وطن نفسك على مصاعب الدرب أثناء حركتكم في طريق الكمال المعنوي، أظهروا رضاكم عن هذه المصاعب أمام الله وعبروا عن فرحكم وبهجتكم بهذه الآلام، عند ذلك سوف تجدون زوال مصاعبكم الهابطة والدانية وتستبدل بعد ذلك بمصاعب راقية وسامية. فإذا دخلتم في هذا الطريق وطّنوا أنفسكم على كل مصاعبه ومحنه وآلامه. ولا يخفى أن في مصاعب هذا الطريق لذة لا تجدونها في أية لذة أخرى. فقد يتصور بعض الناس البعيدين عن هذه الأجواء أن مصاعب هذا الطريق مرّة، كلا وبالعكس. ابحث عن الحافز بدلا عن الطريق من المؤكد أن قد تبادرت إلى همّام أسئلة كثيرة بعد ما بدأ أمير المؤمنين(ع) بوصف المتقين، حيث كل ما مرّ أمير المؤمنين(ع) من فضيلة من فضائلهم: كان يسأل همام في ضميره كيف قد نال المتقون هذا المقام وكيف حصلوا على هذه الفضيلة؟ فهذا سؤال من شأنه أن يأنس به الإنسان أكثر من أن يطرحه ويبديه. فما يمنعنا من نيل هذه الفضائل في كثير من الأحيان ليس جهلنا بالطريق بل فقدان الحافز. فباع همام كياسة وسأل عن أوصاف المتقين ليزداد حافزه وشوقه إليهم، فكانت مبادرة جميلة جدا منه. إني أقبّل يدي همام ورجليه حيث قد واجه الإمام بهذا السؤال، فكم كان مباركا في سؤاله فكل هذه الخطبة الرائعة التي خلدت في التاريخ وبلغت الشيعة على مرّ الدهور كانت ببركة هذا السؤال. شأن النظر والمشاهدة في القضايا المعنوية كان هدف همّام من استماع وصف المتقين هو المشاهدة حيث قال: «صف لي المتقين كأني أنظر إليهم». فلابدّ أن نتأمل قليلا في هذا الهدف. إن النظر والمشاهدة في كثير من المجالات المادّية هي آلة وطريق ولا غير. فعلى سبيل المثال عندما تسمع بجهاز جوال جديد، وتسمع بمواصفاته تودّ أن تراه. فالرؤية طريق للشراء والشراء طريق للاستخدام في هذه المجالات. ولكن في القضايا المعنوية لم تعد المشاهدة طريقا بل هي الغاية. فما أراد همّام أن ينظر إليهم ليحسّن سلوكه أو ليقتدي بهم، بل رمى إلى الغاية القصوى وهي رؤية المتقين. النظر هو الهدف وهو المقصود. إن لقاء الله والنظر إلى وجه الله ليس من قبيل مشاهدة الطعام الذي هو مقدمة لأكله. وكذا الحال في لقاء المتقين فهو غاية قصوى ليس وراءها هدف آخر. ولا يخفى أن كل هذا الكلام مرتبط بالشهود القلبي. هذه الرؤية والمشاهدة هي التي يتلهف لها عشاق الإمام المهدي (عج). أما أنا المسكين فأطلب رؤيته لأسأله بعض الأسئلة أو أطلب منه بعض الحاجات. أما عشاق الإمام فيَصْبون لرؤيته لا لشيء آخر، بل مجرد النظر إليه (بعين البصيرة والقلب) تمثل أقصى غاياتهم. ولأنقل لكم هذه الرواية: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَسْتَطِيعُ فِرَاقَكَ، وَ إِنِّي لَأَدْخُلُ مَنْزِلِي فَأَذْكُرُكَ، فَأَتْرُكُ ضَيْعَتِي وَ أُقْبِلُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكَ حُبّاً لَكَ، فَذَكَرْتُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ فَرُفِعْتَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَكَيْفَ لِي بِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَنَزَلَتْ «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» فَدَعَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الرَّجُلَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، وَ بَشَّرَهُ بِذَلِكَ.»[1] إللهم ارزقنا منية اللقاء والشهود إن هذا الدعاء يشمل ما سواه من أدعية إن استجيب. اللهم ابعث في قلوبنا عطش لقائك ولقاء أوليائك. اللهم ضاعف في قلوبنا شوق زيارتك وزيارة أوليائك يوما بعد يوم. وصل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم. [1]. أمالي الطوسي، ص 261. |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو الجلسة الثالثة من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في جمع من طلاب وأساتذة الجامعة في مسجد جامعة طهران. تمت ترجمتها لما تنطوي على أبحاث بديعة في مختلف المواضيع الأخلاقية. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لترجمة جميع الأبحاث تماما كي لا تقتصر فائدتها على من له معرفة باللغة الفارسية. وأسأله كذلك أن يتقبل هذا العمل القليل خدمة للإسلام والمسلمين ويعصمه من آفات النفس الأمارة والشيطان الرجيم، إنه أرحم الراحمين. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين. نظرة قصيرة أخرى إلى روائع هذه الخطبة بودّي أن أشير مرة أخرى إلى إحدى خصائص هذه الخطبة المباركة كمدخل للبحث، ثم ننتقل إلى تكملة الأبحاث. من الضروري لكل إنسان أن يستعرض هذه الخطبة لما تتصف به من الشمولية بمستوى كبير. فأحيانا نحن نملك الحافز اللازم للصلاح، وكذلك نحظى برأس مال جيّد لنيل الصلاح، ولكن لم نُحص الفضائل ومصاديق هذا الصلاح كي لا تفوتنا واحدة منها. فمرور الفضائل معا حال كونها مجموعة منتظمة واحدة أمر ضروري لكل من أراد أن يحصل على هذه الفضائل. كما أن لهذه الخطبة إنجازات وآثارا أخرى سأشير إليها لاحقا إن شاء الله. في الواقع إن خطبة المتقين هي أمطار الفضائل، فكل من يقف تحت فيضها وتسقط قطرات فضائلها على فكره ومشاعره، تنبت أثمارا وأزهارا في وجوده. خصائص السؤال الجيّد لقد قال لي الإخوة إنه كان أثر أبحاث الجلسة الماضية هو أن نمتنع عن طرح السؤال تماما، وعليه فاقتضت الضرورة على أن نؤكد الجانب الإيجابي في السؤال ونذكر مواطن الحسن والصلاح في إبداء السؤال. مع أنّي لم أرفض في الجلسة الماضية السؤال الحسن، بل إنما قلت: لابدّ أن نتجنب السؤال السيئ. إن ما أردت أن أؤكد عليه هو أن نقوم بتقييم أسئلتنا ونبحث عن دوافعه وحوافزه حتى أن ندرس أسئلتنا من الناحية النفسية. وهذا ما قام به القرآن بشكل دقيق جدا. من أهم الفوارق الموجودة بين القرآن والكتب العلمية هو أن الكتب العلمية تطرح السؤال وتجيب عنه، بيد أن القرآن لا يطرح السؤال والجواب وحسب، بل يطرح دوافع طرح السؤال أيضا وبكل جرأة. فبأمكاننا أن نخوض في معرفة النفس عبر دراسة أسئلتنا والبحث عن جذورها ودوافعها. إما بالإضافة إلى هذه النقاط التي ذكرناها في الجلسة الماضية، أردفنا نقطة أخرى وهي أنه لا داعي لطرح الكثير من الأسئلة الجيّدة، إذ إن «حسن السؤال نصف العلم».[1] إذن بإمكان الإنسان أن يحصل على النصف الباقي عبر الفكر والتأمل. ولهذا لا داعي لطرح السؤال الجيد والحسن أيضا في بعض الأحيان. ولكن اسمحوا لي في هذه الجلسة أن أثني على الأسئلة الحسنة في بضع جمل قصيرة كي نتدارك بها ما تركته الأبحاث السابقة من أثر سلبيّ ضدّ السؤال. وهي أن السؤال الجيّد ينشأ من مصدرين: فإما هو ناشئ من وحي العلم، وإما ناشئ من وحي الهمّ. ولا يمكن الحصول على الجواب اللازم بدونهما. فتارة تكون الأسئلة من وحي العلم وحسب وليس فيها شيء من الهمّ والألم. فلا أثر لها وللجواب الذي يحصل عليه الإنسان عبر طرحها ولا سيما في المجالات المعنوية. وتارة تصدر من وحي الهمّ والألم المجرد عن العلم. فلأضرب مثالا: اقترح عليّ بعض الإخوة قبل سنين أن أقيم هنا (في جامعة طهران) جلسات استشارية في المجالات المعنوية لطلاب قسم الطبيّة. فأقبل الطلاب يسجّلون لحجز الموعد لمدّة أسابيع، وفعلا بدأت الجلسات. أما اللطيف والملفت هو أن في تلك الأيام التي كنت بخدمة الطلاب كانت سبعين بالمئة من أسئلة الطلاب متشابهة ومن نمط واحد. كانت قد انطلقت أكثر أسئلتهم من همّ واحد ومشترك بلا أن يصاحبه علم مكمل لذاك الهمّ. إن همّهم الذي دفعهم لطرح أسئلتهم هو أنهم كانوا يريدون أن يعرفوا مدى شأنهم وقدرهم عند الله. فعلى سبيل المثال قال أحدهم: ارتكبت ذنبا وتبت بعد ذلك، فهل قد تقبلها الله أم لا؟ وقال الآخر: اتخذت برنامجا معنويا وتلكأت في تنفيذه فهل يقبلني ربي أم لا؟ وقال آخر: عزمت على القيام بالعمل الفلاني فهل سيجيبني الله أم لا؟ فكان همّهم هو أن يقضون على حالة الغموض في رؤية الله تجاههم. وأنا كنت أشير إلى نقطة في مقام الجواب وأشعر أن لو كانت هذه الحقيقة في علم الإخوة الطلاب لغضوا الطرف عن طرح أمثال هذه الأسئلة. وهي أن الله سبحانه قد أحاط علاقته مع عباده بهالة من الغموض. فلماذا تريدون أن تزيلوا هذا الغموض برمته؟ ولماذا تعتبرون هذا الغموض عائقا في مسار حركتهم المعنوية؟ ولماذا ترون هذا الغموض دليلا على عدم رضا الله عنكم؟ كما سألني صبيحة اليوم أحد الطلاب وقال: أحيانا أفقد الحال المعنوي، وهذا ما يحكي عن عدم رضا الله عني... . فقلت له: لماذا تعتقد بأنك يجب أن تشعر برضا الله عنك وتلمس ذلك؟ فقال لي: لا أريد أن أشعر به من الناحية المادية، بل أريد أن أشعر بذلك عبر حالي المعنوي وروحيتي وبهجتي في العبادة. فقلت له: إنك تأتي بكلمة «المعنویة» ولكنك تريد أن تشعر به من الناحية النفسية والوجدانيّة. بينما يجب أن نفرّق بين المعنى والمسائل المعنوية وبين الحالات والمشاعر النفسيّة. فلا داعي لأن يشعر الإنسان برضا الله. وهنا يأتي دور الإيمان بالغيب. وهنا يأتي دور العقل. ولكنه استغرب هذا الكلام! يتبع إن شاء الله... [1]. بحار الأنوار، ج1، ص224.
|
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الأستاذ بناهيان: لنقف عند إنجاز الرسول ونقيم الحضارة التي أسسها | راحين | اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية | 2 | 31-07-2013 05:10 PM |
شرح خطبة المتقين للأستاذ بناهيان | نهجنا الإسلام | اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية | 11 | 25-06-2013 08:42 AM |
«السيدة الزهراء سلام الله عليها بين المحبوبية والمظلومية، للشيخ بناهيان» | نهجنا الإسلام | نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها | 16 | 28-04-2013 11:15 AM |
إمـام المتقين عـلي | نعمة الله | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 4 | 05-01-2011 03:48 PM |