السعادة الزوجية - عالم الحياة الزوجية - الأسرة و العلاقات الاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-05-2013, 08:24 AM   #1
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي الأبعاد الثلاثة للعلاقة الزوجية 2

البعد العاطفي

الحب بين المرأة والرجل، نوع حبّ يمكن إظهاره

لقد أودع الله سبحانه بين المرأة والرجل جاذبية أشار إليها في القرآن الكريم بقوله «وَجَعَلَ بَیْنَکُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً». والمودّة هي نوع خاص من الرحمة.

المحبة والمودة

أ تعلمون ما الفرق بين المودة والمحبة؟ المودة هي ما تظهر على اللسان أما المحبة فتنتقل عبر العين وحسب.
إن الله سبحانه قد فرض علينا مودة اهل البيت (عليهم السلام)، وهذا يعني وجوب إظهار محبتنا لهم. فلو رأينا الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لابدّ أن نقول له «روحي لك الفداء»، لا أن نكتفي بمحبّة العين والقلب. صحيح أن قلوبنا تنبض بمحبته (ع) بيد أنه يلزم إظهار هذه المحبة وجريانها على الألسن. ألم تسألوا أنفسكم لماذا نحن نبكي على الإمام الحسين ونصرخ بأعلى أصواتنا ونلطم على رؤوسنا وصدورنا؟ أ وليست هذه من مصاديق إظهار المحبة؟ أ وليست هذه من المودة؟

المحبة بين المرأة والرجل، هي من النوع المحبة الظاهرة

لقد جعل الله بين المرأة والرجل مودة ورحمة. ولهذه العبارة معنيان: أحدهما توصيفي والآخر تكليفي. فالمعنى التوصيفي؛ هو لو حصلت بين المرأة والرجل محبة فلا بد وأن تظهر في يوم من الأيام، لأن نمطها من النوع الظاهر. أما المعنى الآخر فهو إذا حصلت بين المرأة والرجل علاقة عاطفية فلابدّ من إظهارها للطرف الآخر والتعبير عنها. لقد ورد في رواياتنا أنه لابدّ للزوجين أن يتبادلا بينهما الحبّ والمودّة، ينبغي أن يصرّحا بهذا الحبّ مع بعض لا أن تكون العلاقة بينهما باردة كالثّلج.
هل سمعتم برسالة الإمام الخيمنىي (ره) لزوجته أيام سفرته إلى لبنان، فقد أرسل لها رسالة من هناك تفوح بروائح المحبّة و المودّة وتمتلئ بتعابير الودّ والشوق واللهفة. إن هذه الأمور من وصايا ديننا الحنيف المؤكّدة. فلا بد أن تبقى العلاقة بين الزوجين متوقدة دون أن يطرأ عليها البرود والفتور. ولا بد من إظهار هذه المحبة والإسفار عنها.
أشير هنا إلى موضوع بالمناسبة ثم أتناول الخطأ الشائع في مجال البعد العاطفي بين المرأة والرجل. أما الموضوع الأول فهو، عندما تقع محبة شخص في قلب شخص ثان ولايمكنه الوقوف أمامها أو لايمكنه إخراجها من قلبه، فلو كانت هذه المحبة للجنس المخالف فما لم يبدها لأحد ومالم يقم بتعزيزها ومالم تجرّه إلى المعصية، لايمكن عدّها شيء سيئ. ولا يمكن لأي أحد أن يؤاخذه عليها.
فقد ورد في الروايات ما معناه: لو أن شخصا أحبّ شخصا آخر وامتنع عن إظهار هذا الحب بأسلوب غير لائق ولم يوقعه هذا الحبّ في محرّم، یغفر له أو يحشر يوم القيامة بمقام الشهداء.[1] فإنه سوف ينال مثل هذا المقام عند الله.

هل تتّسع العلاقة بين المرأة والرجل للعشق والغرام؟

أما الخطأ الذي يحصل في البعد العاطفي فهو: الخلط بين المحبة و العلاقة بين الزوجين و التي هي جنس محبة يمكن إظهارها و الإسفار عنها كما لابدّ من إظهارها، وبين مفهوم آخر باسم «العشق» فهل تعلمون ما العشق؟ هو نوع عاطفة تسخّر قلب الإنسان بكامله لها. أصبحت اليوم العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل، تعتبر المصداق الكامل والأتم لهذا المفهوم ما أدّى هذا الخطأ وهذا الخلط إلى إيجاد نفور شديد وكثير من الاضطرابات والأزمات في علاقة الزوجين معا.
لا يمكن أن تحصل هذه المحبة العالية (العشق) بين إنسانين عاديين. فلماذا نزعج أو نخدع أنفسنا؟ فلايمكن لأي علاقة بين الرجل والمرأة حتى في أحسن حالاتها العاطفية أن تصل إلى أعلى هيجان المحبّة. فهذا ما لا يمكن على الإطلاق. فلا يمكن لهذه الكميّة الواسعة من المحبة، أي العشق أن نضعها موضع العلاقة بين الزوجين. نعم، يمكن أن نتصور علاقة بينهما مملوءة بالمحبة الشديدة بحيث تجعل أحدهما مستعدّا لأن يفدي نفسه للآخر، لكنه يبقى حبا وليس عشقا. لأن العشق شئ آخر. فالعشق الذي يقول:

وتلافي إن كان فيه ائتلافي بك عجّل به جعلت فداكا



لا يمكن أن يكون بين إنسانين، ولايمكن أن يتحقق بين المرأة والرجل. نعم قد نسمع في بعض القصص والروايات أو في بعض الأفلام ما يشبه ذلك كما في فيلم «تيتانيك» بأن تحصل ظروف خاصّة يفدي فيها المرء نفسه لشخص آخر، لكنها غير مقتصرة على العلاقات الزوجية؛ فالشرطيّ أيضا فد يفدي نفسه في سبيل نجاة طفل من الحريق أو من أي خطر آخر. بيد أن هذا الفداء لا يحتاج إلى علاقة عشق و محبة. إن الخلط بين العلاقة العاطفية بين الزوجين و بين العشق وما يؤديه من تبعات، فهو مخطط صهيوني فرض على ثقافتنا وعلى الثقافة المسيحية أيضا. فقد أوجدوا هذه المسألة للخلط بين مفهوم العشق ومفهوم العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل وقد جعلوا هذا العشق بطبيعة الحال مقصورا ومتجليا في العلاقة الجنسية لا غير.

يتبع إن شاء الله...

[1]. «من عشق فكتم وعف وصبر فمات مات شهيدا». راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج20، ص233؛ «من عشق وكتم وعفّ غفر الله له وأدخله الجنة». راجع منهاج النجاح في ترجمة مفتاح الفلاح، المقدمة2، ص87.


نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-05-2013, 09:58 AM   #2
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي الأبعاد الثلاثة للعلاقة الزوجية 3

آفات عدّ العلاقة بين الزوجين عشقا

أول آفة ونتيجة هي أن ننتظر ونتوقع من العلاقة بين المرأة والرجل أن تولد لنا أرفع صور العواطف وأشدّها، وهذا ما يُشتبه به كثيرا في مقام إقامة العلاقات بين الإثنين. فنرى كثيرا من الناس قد أبدل العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل إلى مجال لا يُنتظر منه إلا إرضاء نقصهم العاطفي. فمن الموارد التي تُلاحظ كثيرا في الخلافات الزوجية والتي تطرح في بعض المراكز الاستشارية للأسرة هي التوقعات العاطفية التي في غير محلها لكلا الزوجين من الزوج الآخر. تلك التوقعات الناجمة عن نقص عاطفي قد تكون متبقية من رواسب الطفولة والعيش في ظلّ الوالدين، ويتوقع الآن إزالتها وملأ فراغها من الطرف الآخر، وهذا ما يؤدي بهم إلى أزمات كثيرة هم في غنىً عنها. ففي مقام الاختيار، يُبتلى باختيار عجول متسرّع، ثم وبعد حصول الارتباط يتحول هذا الحب إلى نفور من الطرف المقابل بأول شرارة على ما لایرام و بأول مايرى من الطرف الآخر ما لا يرضيه.
إذن، فثاني آفة للتصور الخاطئ عن العلاقة العاطفية بين الزوجين، وبسبب توقعاتهم وانتظاراتهم المتزايدة من بعضهم الآخر، هو حصول النفور السريع و الملل فيما بينهما حتى من غير خصام و عراك، فتغدو علاقتهما عادّية باردة ويصبح كل منهما مانعا من حصول اللذة بدلا من كونه مسببا له.
قد تنقطع العلاقة الاولى في كثير من الدول التي تحكمها الثقافة الغربية. لأن نساءهم و على أمل الحصول على علاقة عشق قوية تخضع وتستسلم لأول ارتباط ثم بعد ذلك تُطرد من قبل الرجل بعد أن يتبين لها أنها كانت مخطئة، لا أنهما سينفصلان بظروف منطقية و معقولة. ثم تبدأ المرأة بعدها بالانتقام من الجنس المخالف. وهذا الانتقام يشكل اليوم أسلوبا رائجا وأزمة عامّة وشاملة في الغرب لايمكن الدخول في تفاصيلها وجزئياتها لأن أدبنا الإسلامي لا يسمح بذلك.
لنتساءل لماذا تصل العلاقة الزوجية في الأسر المتدينة في الدول الإسلامية إلى البرود؟ ولماذا تصل إلى الطلاق أيضا وبنسبة عالية في بعض الدول؟ كلّ هذا لأنّ کلّا من الزوجين يتوقع من الطرف الآخر القدر المتزايد من المحبة والتي نسميها عشقا. ماذا تعرفون عن العشق؟ صحيح أن الزوجين لابد و أن تبقى العلاقة بينهما حادّة، وصحيح أن قلبيهما لابد أن يبقى ينبض بالمحبّة، وتزداد المحبة فيما بينهما، ويفي أحدهما للآخر، بيد أنّ كل هذا شيء والعشق شيء آخر. فلا تتوقعوا العشق من هذه العلاقة. فإن كان العشق هو أشد وأرفع محبّة يمكنها أن تحيط بقلب الإنسان، فلا يمكن اعتبار العلاقة العاطفية بين المرأة والرجل عشقا.
أتعلمون متى يمكن أن تتهيأ وتتّسق أرفع علاقة بين الزوجين؟ عندما يتحد وجودهما في عشق مشترك، أي عندما یحب الاثنين شيئا واحدا ويعشقونه إلى حدّ العبادة. عندئذ ستستتبّ وتستقرّ بينهما أرفع علاقة يمكن حصولها بين شخصين. وعندها يعمى كل واحد منهما عن عيوب الآخر؛ ولن تنجرّ هذه العلاقة إلى الطلاق بتاتا.
يا حبذا لو يتمّ الإعداد لرواية أو فيلم يصوّر علاقة عاطفية متعادلة بين شخصين لا يشعر أحدهما بضائقة ونقص عاطفي ولايخلط بين العلاقة والعشق ولايتوقع أحدهما من الطرف الآخر توقعات عاطفية زائدة عن اللزوم، ونرى في هذا الفيلم أو القصة جمال المحبة التي تربطهما، ومقدار اللذة التي يحصلون عليها من هذه المحبّة، وكم يشكل أحدهما سببا لسكينة الآخر وراحته واطمئنانه. فهل قرأتم في حياتكم مثل هذه القصة؟ وهل رأيتم مثل هذا الفيلم؟

العشق في الغرب

لنرى هل تبقّى في الغرب شيء باسم العشق؟ نشاهد اليوم في الثقافة الغربية المنحطّة وقوع أكثر الحوادث إجراما في أجواء العلاقة بين المرأة والرجل. لماذا شاعت المثلية اليوم في الغرب؟ ولماذا أصبحت الحياة هناك باردة مصحوبة بالوحدة؟ ولماذا نجد نظرة الغرب إلی الزواج قد تنزّل وانجرّ إلى حد الحاجة المادية لاغير؟ لماذا حصل كل هذا؟ فهؤلاء أكثر من غيرهم يدقّون على وتر العشق؟ وهؤلاء أكثر من غيرهم يغنون أناشيد الغرام؟ وهؤلاء أكثر من غيرهم يعدّون العلاقة الزوجية علاقة عشق وغرام؟ فلماذا إذن لم يتفشّ العشق بينهم و ينتشر؟

النقص العاطفي بلاء العلاقة الزوجية وآفتها

يجب على الشخص المقبل على الزواج أو حتى قبل أن يقرّر على الزواج أن يعالج نقصه العاطفي؛ وإلا سينفعل ويرتبك لأقل محبة من الطرف الآخر؛ ويرى الذرّة منها بحرا فتذهب حرارة المحبة الأولى عند هؤلاء الأشخاص بعد عدة أيام، وتتحول إلى برود مقيت يورّث عنده أزمه نفسية، كما أن الحرارة الأولى أيضا تورّث عنده نفس هذه الأزمة.
ما يجدر ذكره الآن هو إن النساء غالبا ما يكنّ أكثر سيطرة من الرجال في هذا المجال؛ لأن البنت أكثر من الولد يحصل عندها الإشباع من المحبة في بيت أبيها، وهذا هو المفروض. لذلك تجعل هذه السيطرة في البنت القدرة على الاختيار أكثر من الولد. راجعني طالب جامعي في يوم من الأيام وقال لي: أنا مشرف علی الزواج وعندي خطيبة، والأهل على اطلاع بهذا الأمر وقد تمّ بينهما المحادثات الأوليه لكنها لم توافق لحد الآن، وتقول لا يمكنني العيش معك. وبما أنها تكّن لك الاحترام وتسمع كلامك، فأرجو أن تكلمها و تُقنعها.
وبعد أن جاءت خطيبته عرضت عليّ مشكلتها بقولها: هذا الرجل يقول لي أنا أعشقك وأهِيم بك ولا أستطيع أن أعيش لحظة واحدة من دون أن أراك وإلى غير ذلك من الكلمات، وأنا لا أرى في نفسي شيئا يستحقّ هذا الاهتمام وأعلم بأنه يتصرف هذا التصرف بسبب النقص العاطفي المبتلى به؛ فهو الآن منفعل جدّا وأنا أعلم بأنه سيفتر بعد فترة قليلة؛ لأنه سيحمل كلّ ما عنده من نقص عاطفي إلى حياتنا المشتركة، فأنا على علم بأني وبعد الزواج لا أقدر حتى على القيام بتصرّف عادي.
كانت تقول: أنت تعلم بأنّ منقذ الغريق يلزمه الحذر الشديد لكي لا يجرّه الغريق إلى داخل الماء. فهذا الخطيب يجرّ منقذه إلى داخل الماء من شدّة خوفه وارتباكه؛ إذ إن تصرفاته معي هكذا. قالت: أنا أحبّه ويحبّني، ولكن ماذا تعني كلمة أنني لا أستطيع التنفس بدونك؟ فكأنه لم ير إمرأة في حياته؛ فكم هو ضيّق القلب بحيث يغيب عن الوعي ويرتبك لأقل محبّة. على كل حال، لابدّ وأن ننظر للعلاقة العاطفية بين الزوجين، بشكل معقول و النساء أقدر على ذلك من الرجال.
لابدّ وأن لا نجعل هذه العلاقة هي المحور بشكل إغراقي؛ فلا نحملها أكثر من طاقتها ولا نتوقع منها أكثر مما تحتمل؛ وإلا تذهب بسرعة و تطرحنا أرضا.

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-05-2013, 11:32 AM   #3
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي الأبعاد الثلاثة للعلاقة الزوجية 4

إن ما يلي أيها القارئ العزيز تكملة لموضوع البعد العرفاني للزواج. كان المفروض أن ينشر في محله وقبل البعد العاطفي، ولكن حدث خطأ وصار ما صار فأرجوا المعذرة والمسامحة.

الزواج آية إلهية

علاقة الزواج بهدف الخلقة

لم يخفَ عنّا نوعا ما الهدفُ الرئيس من خلق الله سبحانه للعالم و الإنسان. إذ نعلم بأنّ الله تعالى خلق كل هذا الكون لأجلنا و خلقنا لأجله. طبعا ليس المقصود "خلقنا لأجله" هو أنه ينتفع بخلقنا ، بل معنى ذلك هو أن ننتفع به نحن و نحصل منه على اللذة. إن فلسفة عيشنا فترة من الزمن في هذا العالم ثم ذهابنا إلى عالم آخر، هي لكي نتلقّى في هذا العالم استيعابية و قابلية لازمة تمكّننا من أن نحصل بها على اللذة الكاملة من القرب الإلهي، و نفهم حينئذ أنه عزّ وجلّ ألذّ لذات العالم، لكن لا كاللذات المادية التي نحصل عليها تارة من الشراب و تارة من النظر أو قد نحصل عليها من الشمّ أو الأكل.
فالهدف من خلقنا هو السير في هذا العالم لنصل بعدها إلى لقاء الله جلّ وعلا. فلابد أن نحصل على الاستيعابية اللازمة لذلك حتى نحصل من هذا اللقاء على اللذة الكاملة. اللذة التي هي أصل كل نعمة للإنسان و تبقى خالدة إلى الأبد. أي أنها تبقى مليارات و مليارات السنين. فكلما نظرنا إلى الله سبحانه بقلوبنا، ألفينا هذه النظرة أجد من سابقاتها. و الجنة و الرضوان الإلهي و باقي النعم الإلهية هي كلّها مثل الفندق الذي يحل به الزوار في مشهد مثلا أو أيّ مكان آخر. فالزائر يحتاج إلى محلّ للسكن كما يحتاج إلى الأطعمة و الأشربة و ما شابه ذلك، بيد أن الهدف الأصلي لهذا المسافر هي الزيارة؛ و نسبة جمال الفندق من غيره لا يهمّ كثيرا لأنه ليس من الأمور المصيرية. فالله سبحانه قد خلقنا لنحصل على اللذة الكاملة بقربه. قد يطرأ هذا التساؤل في أذهاننا، و هو هل لله لذة؟ قد تجيب أذهاننا في الوهلة الأولى بأن النعم الإلهية هي التي نلتذ بها. ولكن لابد من القول هنا بأن الله سبحانه الخالق لأجمل لذة في العالم و أحلاها. ألا يكون هو أجمل و أحلى من غيره؟! فلا محاص من القبول بأن الله الخالق لأجمل الورود في العالم لابد أن يكون أجمل من كل الورود. و الله الخالق لأرقى عطور العالم لابد أن يكون أكثرها رقيا و عطرا. و الله الخالق لأروع قمة في العالم لابد أن يكون أعظم و أروع من كل عظيم و رائع.
لنضرب مثالا آخرا نقرّب به المعنى: فالله الذي أودع في العلاقة بين المرأة و الرجل نوعا من الهيجان و نوعا من العاطفة و الأحاسيس و نوعا من السكينة و اللذة، كيف لا يكون اللقاء به أكثر هيجانا و أكثر إثارة للعواطف و الأحاسيس؟ و كيف لا نحصل من هذا اللقاء على أسمى سكينة و لذة؟ فأصل كلّ هذه المعاني و التصورات و مصداقها الكامل و التام هو الله سبحانه. و أصل كلّ عالم الوجود، هو الله سبحانه. فنحن عندما نشرب الماء في لهوة العطش في حر الصيف و نشعر بلذة الماء و طراوته، لنعلم أن طراوة الله لايمكن قياسها بالماء العذب البارد في الصيف الحار.
فمن أصل الهدف من خلق الإنسان نعلم بأن الملائكة ليس بوسعها الحصول على اللذة من القرب الإلهي كالانسان. لأنها لاتستطيع أن تتّجه إلى الله تعالى بحرية كالانسان. و لايمكنها أن تولد مزيداً من القيم مثله. تلك القيم التي تعطيه سعة وجودية لايسعه الحصول على اللذة اللامتناهية من القرب الإلهي بدونها. بل ولايمكنه بدونها حتى لقاء الله. كمن كان مع موسى بن عمران (عليه السلام) و قالوا له " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة "[1] فأجابهم موسى لاطاقة لكم على ذلك -أي لا تملكون السعة الوجودية اللازمة- فعندما أصروا على ذلك و ادّعوا إمكان الرؤية، تجلى الله للجبل فجعله دكّا " فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا ..."[2] فماتوا جميعهم؛ ثم احتيوا بدعاء موسى (عليه السلام).

أولا : كل أجزاء العالم، يمكن وصفها على أساس هدف الخلقة

لابد من التوسع في مقدمة هذا البحث على نحوين. أولا إن جميع أجزاء العالم الذي خلق لأجلنا لايمكن وصفها إلا من خلال هذا الهدف. فخصوصيات مرحلة الشباب و خصوصيات العلاقة بين المرأة و الرجل و خصائص الزواج و محصلات الإنجاب و خصائص مرحلة الهرم و ... كلها مصمّمة و منظّمة لأجل تمهيد طريق تحقيق هذا الهدف.
قد يتصوّر البعض بأن الله خلقنا أولا ثم بدأ يفكر ماذا يفعل بنا ثم قال في نفسه لابد أن يتزاوجوا فيما بينهم؛ فلاحيلة غير هذا! فقال لهم اذهبوا و تزاوجوا فيما بينكم ثم تعالوا بعدها لأنظر ماذا أفعل بكم !!! كلا، فالزواج أيضا قد صممه الله و نظّمه على أساس الهدف من خلقنا. فكل أجزاء العالم لها ارتباط وثيق بهذا الهدف.
لماذا نحمل نحن البشر العاطفة و الأحاسيس؟ و لماذا نختلف عن باقي الموجودات؟ و لماذا ننجب الأولاد؟ و لماذا تتبدل كثير من أحاسيسنا و عواطفنا عند الكبر؟ ولماذا نفهم ما حوالينا بالتدريج؟ كل هذه الأمور المطروحة في هذه التساؤلات و غيرها قد أوجدها الله سبحانه على أساس الهدف من الخلقة.
تذكروا هذه الآية (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون‏)[3] ما معنى آيات الله؟ آيات الله تعني الدليل على معرفة الله سبحانه. فأراد الله أن يقول بهذه الآية: أريد أن أريكم نفسي بالزواج و بالعلاقة الزوجية بين المرأة و الرجل. طبعا يمكنكم أن تنظروا إلى الزواج من زاوية منحنية فتكون النتيجة هي؛ إن الله هو الشيء الوحيد الذي لايوجد في الزواج. بيد أنكم لو نظرتم إلى الزواج من زاوية واقعية عندئذ ترون الزواج أيضا انعكاسا لوجوده جل وعلا.
فعندما يقول أمير المؤمنين : "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله وبعده" يقصد هذا الأمر لاغير. فهذه كلها آية من آياته. حتى الزواج يعدّ بهذه النظرة مرحلة من مراحل دين الله سبحانه، و مرحلة من مراحل الحصول على الاستيعابية و السعة الوجودية للوصول إلى لقاء الله. فلابد أن ننظر إلى الزواج بهذه النظرة العرفانية الجميلة حتى يسعنا رؤية حقيقته.

يتبع إن شاء الله...

[1]. البقرة \55
[2]. الاعراف \143
[3]. الروم \21

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"""من وصايا نبينا الكريم لابنته سيدتنا ومولاتنا فاطمة عليها السلام""" فداء فاطمة البتول اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية 13 03-12-2016 08:59 PM
"الصحة": صرف مضاد "h1n1" للعيادات الخاصة سيتم عبر صيدلية "السلمانية" احلى ولاء الصحة والطب - مواضيع العلمية,الطبية,الثقافية -تحذيرات ,المخاطر الصحية .. 2 24-03-2013 10:00 PM
"دبي العالمية" تستبدل سيرك "دو سوليه" و سفينة "كوين إليزابيت 2" بالمال!! Technology الحوار العام - نقاشات وحوارات تهم المرأة و المجتمع 1 08-02-2010 09:59 PM


الساعة الآن 09:05 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir