![]() |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(556) بَيني وبينَكِ ، قَلّدوني ما تَقَلّدتُ ، وباتّفاق منهم أخذتُ ما أخذت ، غير مُكابرٍ ولا مُستبدّ ولا مُستأثر ، وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة ( عليها السلام ) إلى الناس وقالت : مَعاشر الناس ! المُسرعة إلى قيل الباطل ، المُغضية على الفِعل القبيح الخاسر (1) ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟ كلا ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم مِن أعمالكم. فأُخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولَبئسَ ما تأوّلتم ، وساء ما به أشَرتُم ، وشرّ ما منه اعتضَتّم (2) ، لَتجدنّ ـ والله ـ محمله ثقيلا ، وغِبّه وبيلاً (3) ، إذا كُشِف لكم الغطاء وبانَ ماوراءه الضرّاء ، وبَدا لكم من ربّكم مالَم تكونوا تحتسبون ، وخَسِر هنالك المبطلون. ثمّ عطفت على قبر أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت :1 ـ المغضية : الساكتة ، الراضية. 2 ـ اعتضتّم : من الإعتياض وهو أخذ العوض. 3 ـ الغِبّ ـ بكسر الغين ـ : العاقبة. الوَبيل : الشديد الثقيل. (557) قـد كان بَعدك أنبـاءٌ و هَنبَثـة (1)إنّـا فَقَدنـاك فَقدَ الأرض وابِلَها (3)وكلّ أهـلٍ لـه قُربى ومنـزلةٌأبدَت رجالٌ لنا نجوى صدورهم (5)تَجَهّمَتنا رجـالٌ و استخفّ بِنـالـو كنتَ شاهدَها لم تَكثُر الخُطبُ (2)و اختلّ قومُك فاشهَدهم وقد نَكبوا (4)عنـد الإله على الأدنين مُقتَـربُلمّا مَضَيتَ و حالَت دونَك التُرُبلَمّا فُقِدتَ ، وكلّ الإرث مُغتَصَبُ (6)1 ـ الهنبثة : الأمر الشديد المختلف. 2 ـ الخطب ـ بضمّ الخاء والطاء ـ جَمع خَطب ، بفتح الخاء ـ : المصائب الشديدة. 3 ـ الوابل : المطر الغزير الكثير. 4 ـ نَكبوا : عَدَلوا عن الطريق. 5 ـ نجوى ـ هنا ـ : الأحقاد الكامنة المَخفيّة سابِقاً. 6 ـ مُغتصَب : مغصوب. (558) وكنتَ بَدراً ونـوراً يُستَضاءُ بهوكان جبريل بالآيـات يؤنسنـافليتَ قَبلَك كـان الموتُ صادفناإنا رُزينا بمـا لَم يُرزَ ذو شَجَنٍ (2)عليك تَنزلُ مِن ذي العِزّة الكُتُبفقد فُقِدتَ ، فكلّ الخير مُحتَجَبُلمّا مَضَيتَ وحالت دونك الكُثُبُ (1)مِن البريّة لا عَجمٌ و لا عَـرَبُ ثمّ انكفأت ( عليها السلام ) (3) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقّـع رجوعهـا إليه (4) ، ويتطلّع طلوعها عليه ، فلمّا استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :1 ـ الكُثب ـ بضمّ الكاف والثاء ـ جمع كثيب ـ : وهو الرَمل. 2 ـ رُزينا : من الرزيّة وهي المصيبة. والشَجَن : الحُزن. 3 ـ انكفأت : رَجَعت. 4 ـ يتوقّع : ينتظر. (559) يابن أبي طالب ، إشتملت شَملَة الجنين (1) ، وقَعَدتَ حُجرة الظنين (2) ، نَقَضتَ قادمة الأجدَل (3) ، فخانَك ريشُ الأعزَل (4)، هذا ابنُ أبي قحافة يَبتزّني نِحلة أبي (5) وبُلغةَ إبنيّ (6). لقد أجهَرَ في خصامي (7) ، والفَتية الألدّ في1 ـ إشتَمَل الثوب : إذا أداره على الجسد. والشِملة ـ بكسر الشين ـ : هيئة الإشتمال وكيفيّته .. والشملة ـ بفتح الشين ـ : ما يُشتَمل به ، والمقصود هنا : مَشيمة الجنين ، وهي الكيس الذي يكون فيه الجنين داخل الرحم. 2 ـ الحجرة ـ بضمّ الحاء ـ : البيت. وبضمّ الحاء وسكون الجيم ثم الزاء : هو المكان الذي يُحتجز فيه. والظنين : المُتّهم. 3 ـ نَقَضتَ : كسرتَ. والقادمة ـ واحدة القوادم ـ : وهي مقاديم ريش الطائر. والأجدل : الصَقر. والمقصود : كنتَ ـ فيما مضى ـ تَكسِرُ ظهر الأبطال والشجعان في الحروب. 4 ـ خانَك من الخيانة. وفي نسخة : خاتكَ : أي : إنقضّ عليك. 5 ـ يَبتزّني : يَسلبني بالقَهر والغَلَبة. والنِحلة ـ بكسر النون ـ : العَطية ، والنُحيلة تصغيرها. 6 ـ البلغة : ما يُتبلّغ به من العَيش ويُكتفى به. 7 ـ أجهَر : أعلنَ بكلّ وضوح. وفي نسخة : أجهَد : أي جدّ وبالغ. (560) كلامي (1) ، حتى حَبَستني قيلة نصرها (2) ، والمهاجرة وَصلَها (3) ، وغضّت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خَرجتُ كاظمة ، وعُدتُ راغمة (4) ، أضرَعتَ خَدّك يوم أضعتَ حَدّك (5) ، إفتَرست الذئاب وافتَرَشتَ التُراب ، ما كفَفتَ قائلاً ولا أغنيتَ باطلا (6) ، ولا خيارَ لي (7) ، لَيتني مِتُ قبل هِينَتي (8) ، ودون ذِلّتي ، عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً. وَيلاي في كلّ شارق ، مات العَمَد ووَهَنَ العَضُد ، شكواي إلى أبي ، وعَدواي إلى رَبّي ، اللهم أنت أشدُّ قوّةً وحَولا ، وأحدُّ بأساً وتَنكيلا.1 ـ ألفَيته : وَجَدته. والألدّ : شديد الخصومة ، والحَقود. 2 ـ حَبَسَتني : مَنَعتني. وقيلة : اسم أُمِّ الأوس والخزرج ، وهما قبيلتان من الأنصار. 3 ـ المهاجرة : المهاجرون. وَصلَها : عَونَها. 4 ـ كاظمة : مُتجرّعة الغيظ مع الصبر. 5 ـ أضرغتَ : أذللتَ ، وأضعتَ حَدّك : أهمَلتَ قَدرَكَ. 6 ـ ما كفَفتَ : ما منعتَ. أغنيتَ : صَرَفتَ ودَفعتَ. 7 ـ لا خيار لي. لا اختيار لي. 8 ـ هينتي ـ بكسر الهاء ـ : مهانتي. (561) فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا وَيلَ عليكِ ، بل الويلُ لِشانئكِ ، نَهنِهي عن وَجدِكِ يابنةَ الصفوة (1) ، وبقيّة النبوّة ، فما وَنيتُ عن ديني (2) ، ولا أخطأتُ مقدوري ، فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقُكِ مَضمون (3) ، وكفيلُك مأمون ، وما أُعدّ لكِ خيرٌ مما قُطعَ عنك ، فاحتَسبي الله. فقالت : حسبي الله. وأمسكت. (4)1 ـ نَهنِهي : كُفّي. وَجدكِ : حُزنكِ. 2 ـ وَنَيتُ : عَجَزتُ. 3 ـ البُلغة ـ بضمّ الباء ـ : الكفاية. 4 ـ نُنَبّه القاري الكريم أنّ السيد المؤلف ( رحمة الله تعالى عليه ) قام بشرح كلمات هذه الخطبة في كتابه : « فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد » ، وجدير بالقارئ الكريم أن يقرا شرح الخطبة في ذلك الكتاب ، ليَطّلع على بعض ما فيها من الأسرار والإشارات والتعليقات والتوضيحات. المحقق (562) (563) كانت السيدة زينب ( عليها السلام ) قد بَلغَت مَبلغاً من الوعي والنضج الفكري والإستعداد العقلي بحيث استطاعت أن تَسمع مِن أمّ أيمن حديثاً يتعلّق بمستقبلها ومُستَقبَل أُسرتها. (1) 2 ـ حديث أمّ أيمَن حديثاً يَقشَعرّ منه الجلود ، وتتوتّر منه الأعصاب ، لأنّه إخبار عن مُستقبل محاط بشتّى أنواع الفجائع والكوارث ، والمآسي1 ـ أمّ أيمن : اسمها بَركة بنت ثعلّبة بن عمرو ، غَلَبت عليها كُنيتها ، إمرأة جليلة محترمة ، كانت أمَةً لسيدنا عبد الله بن عبد المطلب ـ والد رسول الله ـ ، وصارت ميراثاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبذلك صارت حاضنةً له ، وقد أعتقها النبي الكريم عندما تزوّج من السيدة خديجة ( عليها السلام ). رَوت عن النبي الكريم أحاديث مُتعدّدة ، وقد شَهِدَ لها رسول الله بأنّها من أهل الجنّة ، وشهد لها ـ أيضاً ـ الإمام الباقر ( عليه السلام ) بذلك حيث قال للراوي : « أرأيت أمّ أيمن فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنة ». تزوجها عُبيد بن زيد ، من بني الحارث بن الخزرج ، فولدت له « أيمَن » ، واستُشهد (564) والإضطهاد والأهوال ، وهو مقتل أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأُسرته وأهل بيته. إذن ، لم تكن فاجعة كربلاء للسيدة زينب مفاجأة ، بل كانت على عِلم بهذه المقدّرات التي كتبتها المشيئة الإلهية. ولا نعلم ـ بالضبط ـ التاريخ الذي سمعت فيه السيدة زينب هذا الحديث من أمّ أيمن ، حتى نستطيع معرفة مقدار عمر السيدة زينب يوم سماع هذا الحديث ، لكن ذكر المؤرّخون تاريخ وفاة أمّ أيمن سنة 36 من الهجرة ، وبناءً على هذا .. فقد كان عمر السيدة زينب ( عليها السلام ) يوم وفاة أم أيمن ثلاثين سنة. ولعلّها كانت قد حدّثت السيدة زينب قبل وفاتها بسنوات. وعلى كل تقدير ، فإنّ السيدة زينب كانت تعلم بقضايا كربلاء قبل وقوعها بأربع وعشرين سنة .. على أقلّ التقادير ، إستناداً إلىعبيد يوم خيبر ، فتزوّجها ـ بعد ذلك زيد بن حارثة ، والد أسامة بن زيد ، كانت علاقاتها مع أهل بيت رسول الله .. علاقات طيّبة جداً ، وخاصّةً بعد وفاة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قيل : تُوفّيَت في أيام حكومة عثمان بن عفّان ، وصلى على جنازتها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ودُفنت في البقيع. المحقق (565) حديث أم أيمن ، سوى ما سمعته من جدّها رسول الله وأبيها أمير المؤمنين من الإخبار بمقتل الإمام الحسين في أرض كربلاء ، وقد إتّضح شيء من هذا الموضوع في الفصول الماضية من هذا الكتاب. وأمّا حديث أمّ أيمن فإليك نصّه : ذُكرَ في ملحقات كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه (1) ، بسنده عن نوح بن درّاج ، قال : حدّثني قدامة بن زائدة ، عن أبيه قال : قال علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ : « بَلَغني ـ يا زائدة ـ أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) أحياناً ؟ ». فقلت : إنّ ذلك لَكَما بَلَغَك. فقال لي : « فلماذا تفعل ذلك ، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتملُ أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا ، والواجب على هذه الأمّة من حقّنا » ؟ فقلت : والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط (2) ولا يكبُرُ في صدري مكروه ينالُني بسببه !1 ـ كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه المتوفى سنة 367 هـ. 2 ـ لا أحفَلُ : لا أبالي. كما في كتاب « العين » للخليل بن أحمد. (566) فقال : « والله إنّ ذلك لكذلك ». (1) فقلت : والله إنّ ذلك لكذلك. يقولها ثلاثاً ، وأقولها ثلاثاً. (2) فقال : « أبشِر ثمّ أبشِر ثمّ أبشِر فلأُخبِرنّك بخبرٍ كان عندي فـي النَخب المخـزون (3) فإنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا (4) وقُتل أبي ( عليه السلام ) وقُتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحُملَت حُرَمُه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا1 ـ لكذلك : أي : هو كما أخبَرتَني بذلك ، وأنتَ صادق في قولك. 2 ـ أي : لمزيد التأكيد على صدق كلامي .. كنتُ أُقسم بالله تعالى ثلاث مرّات ، وكان الإمام ( عليه السلام ) أيضاً يُقسم بالله سبحانه ثلاث مرات أنّي صادقٌ في قولي ، أو : أنّه يُصدقني على كلامي. المحقق 3 ـ هناك إحتمالان في معنى كلمة « النَخب » : الإحتمال الأول : هو صُندوقٌ صغير ، يُصنَع من خَشَب ، توضع فيه الأشياء النفيسة أو الثمينة ، كالمجوهرات والكتب المخطوطة الفريدة. الاحتمال الثاني : هو ما يختارها الإنسان وينتخبها من المعلومات الثقافية النادرة التي يعتزّ بها ، ويودعها في ذاكرته. قال ابن منظور ـ في « لسان العرب » ـ : نَخَبَ : إنتخبَ الشيء : إختاره ، مشتقّ من النخبة. وجاء في كتاب « لاروس » : نَخَبَ الشيء : أخذ أحسنه. والله العالم. المحقق 4 ـ الطفّ : أرض كربلاء. (567) الكوفة (1). فجعلتُ أنظرُ إليهم صرعى ولم يُواروا ، فعَظُم ذلك في صدري ، واشتدّ ـ لما أرى منهم ـ قَلَقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنَت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت علي ( عليه السلام ) فقالت : ما لي أراكَ تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟؟! فقلت : وكيفَ لا أجزع وأهلَع ؟ وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومَتي ووُلدَ عمّي ، وأهلي مُصرّعين بدمائهم (2) مُرَمّلين بالعراء ، مسَلّبين ، لا يُكفّنون ولا يوارون ، ولا يُعرّج عليهم أحد ، ولا يقربُهم بشر ، كأنّهم أهل بيتٍ من الدَيلم والخَزر ؟؟ (3)1 ـ لقد ذكرنا ـ فيما مضى ـ أنّ الأقتاب ـ جمعُ قَتَب ـ : وهي مجموعة من الأقمشة السميكة المخيّطة بعضها فوق بعض ، لكي توضَعَ على سنام الإبل وتُشَدّ وتُثبّت هناك ، وذلك لراحة الراكب. ويُعبّر عنبه بـ « الإكاف ». المحقّق 2 ـ لعلّ الصحيح : مضرّجين بدمائهم. المحقق 3 ـ الديلم والخَزَر : أهالي مُقاطعة « مازندران » و « كيلان » في إيران ، كانوا يحاربونهم ويأسرونَ رجالهم ونساءهم ، ويأتون بهم إلى الشام ، ويتعاملون معهم تعامل العبيد والإماء ، فيبيعونهم. المحقق (568) فقالت : لا يُجزعنّك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى جدّك [ أمير المؤمنين ] وأبيك وعمّك [ الإمام الحسن ]. ولقد أخذ الله الميثاق ، أُناسٌ من هذه الأمّة ـ لا تعرفهم فراعنة هذه الأمّة (1) ، وهم معروفون في أهل السماوات ـ أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة وهذه الجسوم المضرّجة فيوارونها. وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره (2) ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام. (3) ولَيَجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلا علوّاً. (4) فقلتُ : وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟؟ فقالت : نعم ، حدّثتني أمّ أيمن أن رسول الله ( صلى الله1 ـ وفي نسخة : فراعنة هذه الأرض. 2 ـ لا يُدرس أثره : أي : لا يُعفا ولا يُمحى لا أثره. كما يستفاد من « المعجم الوسيط ». المحقق 3 ـ كرور الليالي والأيام : مرور ومُضيّ الليالي والأيام. المحقق 4 ـ تطميسه : محوه وإزالته. (569) عليه وآله وسلم ) زارَ منزل فاطمة ( عليها السلام ) في يوم من الأيام ، فعَمِلَت له حريرة (1) ، وأتاهُ علي ( عليه السلام ) بطبقٍ فيه تمر. ثمّ قالت أمّ أيمن : فأتيتهم بعُسٍ فيه لبن وزبد (2) فأكلَ رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين من تلك الحريرة ، وشَربَ رسول الله وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزُبد. ثم غسل رسول الله يده ، وعليٌ يَصُبّ عليه الماء. فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السررو في وجهه ، ثم رمقَ بطرفه نحو السماء مليّاً (3) ثم إنّه وجّه وجهه نحو القبلة ، وبسط يديه ودعا ، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج (4) فأطالَ النشيج ، وعلا نحيبه وجََرَت دموعه. ثمّ رفع رأسه ، وأطرَقَ إلى الأرض ودموعه تقطر كأنّها1 ـ الحريرة : دقيق « طحين » يُطبَخُ بِلَبَن. كما في كتاب « مجمع البحرين » للطريحي. 2 ـ العُسّ ـ بضمّ العَين ، وتشديد السين ـ : القدح الكبير. كتاب « العَين » للخليل. الزُبدُ : ما خَلُصَ من اللبن إذا مُخِض .. يشبه الدُهن. « لسان العرب » 3 ـ مَلِيّاً : مُدّةً طويلةً من الزمن. كما يُستفاد من كتب اللغة. المحقق 4 ـ يَنشجُ : يتردّد البكاء في صدره .. دون صوت عال. (570) صوب المطر (1) ، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وحزنت معهم ، لما رأينا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهِبناه أن نسأله (2). حتّى إذا طال ذلك ، قال له علي وقالت له فاطمة : ما يُبكيك يا رسول الله ؟ لا أبكى الله عينيك ! فقد أقرح قلوبنا ما نرى مِن حالك. فقال : يا أخي سُررتُ بكم (3) وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبطَ عليّ جبرئيل فقال : يا محمد ! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إطّلع على ما في نفسك ، وعرفَ سرورَك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة وهنّأكَ العطيّة : بأن جعَلَهم وذُريّاتهم ومُحبّيهم وشيعتهم معك في الجنة ، لا يُفرّق بينك وبينهم ، يُحبَونَ كما تُحبى (4) ، ويُعطَونَ كما تُعطى ، حتى ترضى وفوق الرضا.1 ـ صوبُ المطر : إنصباب المطر الغزير. المعجم الوسيط. 2 ـ هِبناه : أخَذَتنا هيبته من أن نسأله عن سبب بكائه. 3 ـ وفي نسخة : فقال : يا حبيبَيّ إنّي سُررتُ بكم سروراً ما سررتُ مثله قطّ. 4 ـ يُحبَونَ كما تُحبى : أي يُعطون كما تُعطى ، يُقال : حبا الرجل حبواً : أعطاه ؛ مأخوذ من الحَبوَة : وهي العطيّة الهنيئة .. بلا مَنٍّ أو توقّع جزاء. كما يُستفاد من « القاموس » و « لسان العرب ». المحقق |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(571) على بَلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تُصيبهم بأيدي أُناسٍ ينتحلون مِلّتك ، ويزعمون أنّهم من أمّتك ، بُراء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً (1) وقتلاً قتلاً ، شتّى مصارعهم (2) نائية قبورهم ، خيرةٌ من الله لهم ولك فيهم ، فاحمَد الله ـ عز وجل ـ على خيرته ، و إرضَ بقضائه. فحَمِدتُ الله ، ورَضيتُ بقضائه بما اختاره لكم. ثم قال لي جبرئيل : يا محمد ! إنّ أخاك مُضطهدٌ بعدك ، مَغلوب على أمّتك ، متعوبٌ من أعدائك ، ثمّ مقتول بعدك ، يقتله أشرّ الخلق والخليقة ، وأشقى البريّة ، يكون نظير عاقر الناقة (3) ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرَسُ شيعته وشيعة ولده ، وفيه ـ على كلّ حال ـ يكثُر بَلواهم ، ويعظم مصابهم.1 ـ خبطاً خبطاً : أي : ضرباً ضرباً ، أو كسراً كسراً ، والخبطُ : شدّة الوَطء بأيدي الدَوابّ. كتاب « العين » للخليل بن أحمد. وقال ابن دُريد في « جَمهرة اللغة » : كلّ شيء ضربته بيدك فقد خَبَطتَه. المحقق 2 ـ شتّى مصارعهم : متفرّقة أو مُتباعدة قبورهم. وقيل : المصارع ـ جمع مصرع ـ : هو المكان الذي يقع فيه المقتول. 3 ـ أي : عاقِرَ ( أي : قاتِل ) ناقة النبي صالح ، وإسمه « قدار » ، ويُعبّر عنه بـ « أشقى الأوّلين » أي : أشقى البشر الذين كانو قبل الإسلام. قال تعالى : « إذ انبعث أشقاها ، فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسُقياها ، فكذّبوه فعقروها ... » ( سورة الشمس ، الآية 12 ـ 14 ) (572) وإنّ سبطك هذا ـ وأومأ بيده إلى الحسين (1) ـ مقتول في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك ، وأخيارٍ من أمّتك ، بضِفّة الفرات (2)بأرضٍ يقال لها : كربلاء. من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريّتك في اليوم الذي لا يَنقضي كَربُه ، ولا تُفنى حَسرتُه. وهي أطيبُ بقاعِ الأرض وأعظمها حُرمةً ، يُقتلُ فيها سبطك وأهله ، وإنّها من بطحاء الجنّة. فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتَلُ فيه سبطُك وأهله ، وأحاطَت به كتائب أهل الكفر واللعنة ، تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادَت الجبال وكثُر إضطرابُها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ، غَضَباً لك ـ يا محمد ـ ولذريّتك ، واستعظاماً لِما يُنتهكُ من حُرمتك ، ولشَرّ ما تُكافأ به في ذريّتك وعترتك. ولا يَبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله ـ عز وجل ـ في نُصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجّة الله على خلقه بعدك. فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومَن1 ـ أومَأ بيده : أشار بيده. 2 ـ الضِفّة : جانب النهر أو شاطئه. الفُرات : نَهر معروف في العراق. (573) فيهنّ : « إنّي أنا الله المَلِك القادر ، الذي لا يفوته هارب ، ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر على الإنتصار والإنتقام. وعزّتي وجلالي !! لأُعذّبَن مَن وَتَرَ رسولي وصَفيّي ، وانتهك حرمته ، وقَتَل عترته ، ونبذ عهده ، وظلم أهل بيته عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين ». فعند ذلك يضجّ كلّ شيء في السماوات والأرضين ، بِلَعنِ (1) من ظلم عترتك ، واستحلّ حُرمَتك. فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها (2) تولّى الله ـ عزّ وجل ـ قَبضَ أرواحها بيده ، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة ، معهم آنية من الياقوت والزمرّد ، مملوءة من ماء الحياة ، وحُلَل من حُلَل الجنّة ، وطيب من طيب الجنّة ، فغسّلوا جُثَثَهم بذلك الماء ، وألبَسوها الحُلَل ، وحنّطوها بذلك الطيب ، وصلّت الملائكة ـ صفّاً صفّاً ـ عليهم. ثمّ يبعث الله قوماً من أمّتك لا يعرفهم الكفّار ، لم يشركوا في تلك الدماء بقولٍ ولا فعلٍ ولا نيّة (3) ، فيُوارون أجسامهم ،1 ـ وفي نسخة : يَلعَن. 2 ـ مضاجعها ـ هُنا ـ مصارعها ، أي : أماكن سقوط القَتيل على الأرض. المحقق 3 ـ لعلّ الصحيح : لم يَشتركوا في تلك الدماء. المحقق (574) ويقيمون رَسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء ، يكون عَلَماً لأهل الحق ، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز ، وتَحفّه ملائكة من كلّ سماء : مائة ألف مَلَك في كلّ يوم وليلة ويُصلّون عليه ، ويطوفون عليه ، ويسبّحون الله عنده ، ويستغفرون الله لمن زاره ، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمّتك ، متقرّباً إلى الله ـ تعالى ـ وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بمِيسَمِ (1) نور عرش الله : « هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء ». فإذا كان يوم القيامة سَطَعَ في وجوههم ـ من أثر ذلك الميسم ـ نور تغشى منه الأبصار ، يُدلّ عليهم ويُعرَفون به. وكأنّي بك ـ يا محمد ـ بيني وبين ميكائيل ، وعليٌ أمامَنا ، ومَعَنا من ملائكة الله ما لا يُحصى عددهم ، ونحن نلتقط ـ مَن ذلك الميسم في وجهه ـ من بين الخلائق ، حتى يُنجيهم الله مِن هَول ذلك اليوم وشدائده. وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك ـ يا محمد ـ أو قبر أخيك أو قبر سبطيك ، لا يُريد به غير الله عز وجل.1 ـ المِيسَم : حديدة تحمى بالنار ، ثم توضع على جسم الحيوان فتكويه ، لتكون علامة لها ، لفرزها عن حيوانات القطيع الاخر ، والجمع : مَياسِم ومَواسِم. ويُقال ـ أيضاً ـ لكلّ جهازٍ يُستَعمَل لِوَضع علامة فارقة لِفَرز شيء عن شيء. المحقق (575) وسيَجتهد أُناسٌ ـ مِمّن حَقّت عليهم اللعنة من الله والسخط ـ أن يُعفوا رَسمَ ذلك القبر ، ويُمحوا أثره ، فلا يجعل الله ـ تبارك وتعالى ـ لهم إلى ذلك سبيلاً. ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذا أبكاني وأحزَنَني. قالت زينب : فلمّا ضرب ابن ملجم ( لعنه الله ) أبي ( عليه السلام ) ورأيتُ عليه أثر الموت منه ، قلتُ له : يا أبَه حَدّثتَني أمّ أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببتُ أن أسمعه منك. فقال : يا بُنيّه الحديث كما حدّثَتكِ أمّ أيمن ، وكأنّي بكِ وبنساء أهلكِ سبايا بهذا البلد ، أذلاء خاشعين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس. فصبراً صبراً ، فوالذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النسمة ، ما لله على ظهر الأرض ـ يومئذ ـ وليٌّ غيركم وغير مُحبّيكم وشيعتكم. ولقد قال لنا رسول الله ـ حين أخبرنا بهذا الخبر ـ : « إنّ إبليس ( لعنه الله ) في ذلك اليوم يطير فرَحاً (1) فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول : يا معاشر الشياطين : قد أدركنا مِن ذريّة آدم الطلبة ، وبَلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورَثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شُغلكم بِتَشكيك الناس1 ـ ذلك اليوم : يوم قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو يوم 10/محرم مِن سنة 61 للهجرة ، المشهور بـ « عاشوراء ». (576) فيهم وحَملِهم على عَداوتِهم ، وإغرائهم بهم وأوليائهم ، حتى تستَحكموا ضلالة الخَلق وكُفرهم ، ولا يَنجو منهم ناج. ولقد صَدَقَ عليهم إبليس ـ وهو كذوب ـ أنه لا يَنفعُ مَعَ عداوتكم عمل صالح ، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر. قال زائدة : ثم قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) بعد أن حدّثني بهذا الحديث : خُذه إليك ، ما لو (1) ضَربتَ في طلبة آباط الإبل حَولاً (2) لكان قليلاً (3).1 ـ وفي نسخة : أما لو. 2 ـ حَولاً : الحَول : السَنَة. كان البشرُ ـ في الزمن الماضي ، وقبل صُنع وسائل النقل الحديثة كالسيارات والقطارات والطائرات ـ يستعمل الدوابّ للإنتقال من مكان إلى مكان ، وللسفر من بلد إلى بلد ، وخاصة الإبل .. حيث كانت وسيلة نقل جيّدة لقطع المسافات الصحراوية ، لأنّ قدرتها على تحمّل العطش والجوع أكثر من الدواب الاخرى ، وحينما يَركب الإنسان على ظهر الإبل ( البعير ) تُحاذي قدمه إبط الإبل ، فإذا أبطأت في السير يضرب الراكب ـ أحياناً ـ بقدمه على إبط الإبل وبطنها لك تُسرع في المشي ، وبذلك يقطع مسافة أطول في مدة أقصر. فالضرب على إبط الإبل : هو كناية عن السفر من بلد إلى بلد ، وتحمّل الجوع والعطش والحرّ والبَرد ، من أجل الوصول إلى الهدف وهو البلد الآخر. المحقق 3 ـ كامل الزيارات ، لابن قولويه المتوفى سنة 367 هـ ، ص 260 ـ 266 ، باب 88 ، ونقله عنه الشيخ المجلسي في كتاب بحار الأنوار ج 28 ، باب 2 ص 55 ـ 61. (577) 1 ـ روى الشيخ الطوسي باسناده عن السيدة زينب بنت علي ـ عليهما السلام ـ قالت : 3 ـ متفرّقات صلّى أبي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلاة الفجر ، ثم أقبل على علي ( عليه السلام ) فقال : هل عندكم طعام ؟ فقال : لم آكل منذ ثلاثة أيام طعاماً. فقال رسول الله : إمض بنا إلى إبنتي فاطمة. فدخلا عليها وهي تَتَلوّى من الجوع ! وإبناها معها. فقال رسول الله : يا فاطمة ! فِداك أبوكِ ، هل عندك شيء من الطعام. فاستَحيَت فاطمة أن تقول لا. وقامت واستقبلت القِبلة لِتُصلّي ركعتين. فأحسّت بحَسيس ، فالتفَتَت1 ـ الثاقب في المناقب ، ص 221 ـ 222 و295. (578) وإذا بصفحة ملأى ثَريداً ولحماً ، فأتت بها ووضعتها بين يدي أبيها ، فدعى رسول الله بعليّ والحسن والحسين. ونظر عليّ إلى فاطمة متعجّباً وقال : يا بنت رسول الله ! أنّى لكِ هذا ؟ فقالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزقُ من يشاء بغير حساب. فضحك النبي وقال : الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريّا ومريم ، إذ قال لها : أنّى لكِ هذا ؟ قالت : هو من عند الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ... (1) 2 ـ وجاء في التاريخ : أنّ السيدة زينب ( عليها السلام ) كانت جالسة ذات يوم ، وعندها أخواها الإمامان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهما يتحدّثان في بعض أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). فقالت السيدة زينب سمعتُكُما تقولان : إنّ رسول الله قال : « الحلال بَيّن ، والحرامُ بيّن ، وشُبُهاتٌ لا يعلمها كثير من الناس ». ثمّ استمرّت السيدة زينب تُكمل الحديث وتقول : « مَن تَركها ( أي : تَرَك الشبهات ) صَلُحَ له أمر دينه وصَلُحت له مُروءَته وعِرضه ، ومن تلبّس بها ووقع فيها واتّبعها .. (579) كان كمن رعى غنمه قرب الحِمى (1) ومن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى ، ألا : وإنّ لكلّ مَلِكٍ حِمى ، وإنّ حمى الله محارمه ». (2)1 ـ الحِمى : موضعٌ فيه كَلأٌ يُحمى من الناس مِن أن يَدخل قطيع غنمهم فيه ، وهو بمنزلة السور .. سواء كان مِن حائط أو شجر. وفي الحديث « ومَن حامَ حول الحمى أوشك أن يقع فيها ». كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل. المحقق 2 ـ يُعَبّر عن المكان القريب لدار مَلِك أو رئيس ، أو لمنطقة مخطورة بكلمة « حمى » ، وفي عالم اليوم .. نَجِدُ أنّ إدارة البلديّة تجعل سياجاً أو حزاماً أحمر حول المناطق المخطورة ، كالأراضي المزروعة بالألغام أو المتفجّرات ، أو الغابات التي تتواجد فيها الحيوانات المفترسة. وهذا السياج : هو علامة تَعني : أيها الإنسان ! لا تدخل هذه المنطقة ، بل لا تقترب منها ، فإنّ اللازم عليك أن تبتعد عن المكان القريب من المنطقة المخطورة ، إذ مِن الممكن أن يكون المكان القريب منها مزروعاً ـ أيضاً ـ بالألغام مثلاً. مِن هنا .. فقد جعل الله تعالى حول المعاصي والمحرّمات حِمىً وحَظراً دينيّاً كي يُساعد الانسان على الوقاية من التلوّث بالذنوب ، وعدم الإقتراب من أجواء الحرام. ومنها الابتعاد عن الشبهات ، أي : الأمور او الأطعمة أو الأعمال التي لا يُعلَم ـ بالضبط ـ هل هي حرام أو حلال ؟ (580) 3 ـ ثمّ رَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) حديثاً آخر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : « ألا : وإنّ في الجسد مُضغة (1) إذا صَلُحت صَلُح الجسد كلّه ، وإذا فَسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا : وهي القَلب ». (2) ثمّ قالت السيدة : أما سمعتما رسول الله ( صلى الله عليهفإذا لم يُراعِ الإنسان الإحتياط اللازم ، فسوف يكون مٍن السَهل عليه إرتكاب المحرّمات ، لأنّ مِن آثار الشبهات : هو حصول الجُرأة على الحرام. وقد رُويَ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ما مضمونه : لا تُفكّر في الحرام ، فإن ذلك ـ يجُرّك إلى التخطيط لإرتكابه ، وإذا بدأت بالتفكير فسوف تُفكّر في لذة الحرام ، وتَغفل عن العقوبات والمضاعفات الناتجة عن ذلك. ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى : « ولا تقربوا الزنا ... » وهذا يعني وَضع « حمى » حول هذه الجريمة ، ويوضّح هذا الحِمى قول الشاعر :نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُفكـلامٌ فمـوعدٌ فلِقاءُ1 ـ المُضغة : قِطعة لحم ، وقلب الإنسان مُضغة من جسده. كتاب « العَين » للخليل بن أحمد. 2 ـ وهي القلب : لعلّه كناية عن محلّ إصدار الأوامر في المُخ ، حيث جاء التعبير عن الفِكر والمُخ بالقلب في كثير من الروايات. المحقق (581) وآله وسلم ) الذي تأدّب بأدب الله ( عز وجل ) ـ ويقول : « أدَّبَني رَبّي فأحسن تأديبي » ـ يقول : « الحلالُ : ما أحلّه الله ( عز وجل ) في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل : البيع والشراء ، وإقام الصلاة في أوقاتها ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت لمن استطاع سبيلا ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وترك الكذب والنفاق والخيانة. والحرام : ما حرّمه الله ( عز وجل ) وذكره في القرآن الكريم وبيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحرام نقيضُ الحلال. وأمّا الشبهات : فهي أمور لا يُعلَمُ حلالها وحرامها ، والمؤمن إذا لم يَعلم الشيء أنّه حلال أو حرام ، وكان يرجو سعادة الدنيا والآخرة ، فعليه أن لا يَتبَع الشُبُهات فالشبهات تَجُرّه إلى المُحرّمات ». فقال لها الإمام الحسن ( عليه السلام ) : « زادَكِ الله كمالاً ، نعم .. إنّه كما تقولين ، إنّكِ حَقّاً من شجرة النبوة ومِن معدن الرسالة ». 4 ـ وروى أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : كانت زينب بنت علي ( عليهما السلام ) تقول : « مَن أراد أن لا يكون الخَلقُ شُفعاءه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم : (582) « سمع الله لِمَن حمده » فَخِف الله .. لقُدرته عليك ، واستحِ منه لقُربه منك ». (1) 5 ـ ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) أنّها قالت : « إنّ جدّي المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شَرَّع لنا حُقوقاً لأزواجنا كما شَرّع على الرجال حقوقاً مفروضة ». (2) 6 ـ ورُوي عنها ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ : يقول جدّي الرسول الكريم : « إذا صلّت المرأةُ خَمسَها ، وصامَت شَهرها ، وحَفَظت فرجَها ، وأطاعت زوجها ، قيل لها : أُدخُلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ ». (3) 7 ـ روَت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين ( عليهما السلام ) عن عمّتها زينب الكبرى ( عليها السلام ) أنّها قالت : رأيتُ أمّي فاطمة ( عليها السلام ) قامَت في محرابها ليلة جُمُعَتِها ، فلم تزل راكعة ساجدة ، حتى اتّضح عمود الصبح ، وسَمِعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ،1 ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ النقدي ص 34 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « بلاغات النساء » لإبن طيفور. 2 ـ كتاب « عقيلة الطُهر والكَرم السيدة زينب » لموسى محمد علي ، وهو ينقل ذلك عن إبن الأنباري. 3 ـ نفس المصدر. (583) وتُسمّيهم وتُكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها شيء. فقال لها أخي الحسين ـ ذات يوم ـ يا أُمّاه ! لِمَ لا تَدعين لنفسكِ كما تَدعين لغيركِ ؟! قالت : بُنَي ! الجارُ ثمّ الدار. (1) 8 ـ ورُويَ عن السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ أنّها قالت : كان آخرُ عهد أبي إلى أخَوَي ( عليهما السلام ) أنّه قال لهما : يا بنيّ إذا أنا متّ فغسّلاني ثمّ نشّفاني بالبُردة التي نُشِّف بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة ، وحَنّطاني وسَجّياني على سريري ، ثم انظرا حتى إذا ارتفعَ لكما مقدّم السرير ، فاحمِلا مُؤخّره. قالت : فخَرجتُ أُشيّع جنازة أبي ، حتّى إذا كُنّا بظَهر الكوفة وقَدِمنا بظهر الغَري رُكزَ المُقدّم ، فوضعنا المُؤخّر ، ثمّ برزَ الحسن مرتدياً بالبُردة التي نُشِّفَ بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة وأمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ثمّ أخذ المِعوَل فَضَرَب ضربَةً فانشقّ القبر عن ضريح (2) ، فإذا هو بساجَةٍ (3) مكتـوب عليهـا سطـران1 ـ كتاب « رياحين الشريعة » للمحلاتي ، ج 3 ، ص 73. المحقق 2 ـ ضريح : لَحد : أي قبر جاهز. 3 ـ ساجَة : قطعة من خشب مُعيّن. الساج : نوع من الشجر ، (584) بالسريانية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبرٌ حَفَره نوح النبي لعلي وصيّ محمد قبلَ الطوفان بِسَبعمائة عام. (1) 9 ـ ورَوَت السيدة زينب ( عليها السلام ) ـ أيضاً ـ عن أُمّها السيدة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّها قالت : قال رسول الله ـ لعليّ عليه السلام ـ « أما إنّك يا علي وشيعَتُك في الجنّة ». (2) 10 ـ ورَوى الإمام زين العابدين عن عمّته زينب ( عليهما السلام ) عن السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أنّها قالت : « دَخَلَ عليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند ولادة إبني الحسين ، فناولتُه إيّاه ، ... ثم قال : خُذيه يا فاطمة ! فإنّه إمـام إبنُ إمـام .. أبو الأئمّة التِسعـة ، مـِن صُلبه أئمّة أبرار ، والتاسع قائمهم ». (3)لا تَنبُتُ إلا ببلاد الهِند ، لا تُبليه الأرض .. حتى لو بَقِيَ تحت التُراب مدةً طويلة. كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي. المحقق 1 ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النَقدي ، ص 37. 2 ـ كتاب « الخصائص الزينبيّة » للسيد الجزائري ، ص 92 ، وهو ينقل ذلك عن كتاب « دلائل الإمامة » للطبري. 3 ـ كتاب « كفاية الأثر » ، ص 193 ـ 194. المحقق (585) 11 ـ وقد نُسِبَ إلى السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) هذه الأبيات الشعرية :تَمَسَّـك بالكتـابِ و مَـن تلاهُبهـم نَزَلَ الكتـابُ وهـم تَلَوهُإمامي وَحّـدَ الرحمـن طفـلاًعليٌ كـان صِدّيـق البـرايـاشَفيعي فـي القيامة عند ربّـيوفـاطمةُ البَتـول وسيّـدا مَنعلـى الطـف السلام وساكنيهنُفوس قُدّسَت في الأرض قِدماًفأهل البيتِ هـم أهل الكتـابو هم أهـل الهداية للصـوابِوآمنَ قبـلَ تشديـد الخطـابعلـيٌّ كـان فاروق العـذابنَبيّـي و الوَصيّ أبـو تـرابِيُخلَّدُ فـي الجنـان من الشبابورَوح الله فـي تلـك القُبـابوقد خَلُصت من النطف العذاب (1)1 ـ وفي نسخة : وقد خُلِقَت من النطف العذاب. |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(586) مَضاجـع فِتيـةٍ عبدوا فنامواعَلَتهُـم في مضاجعهم كعابٌو صُيّرتِ القبور لهم قُصوراًلَئـن وارتهُم أطبـاق أرضٍكأنمـارٍ إذا جاسـوا رَواضٍلقـد كـانوا البحار لِمَن أتاهمفقد نُقلـوا إلى جَنّات عـدنٍبَناتُ محمـدٍ أضحَت سبـاياهجوداً في الفَدافِد والشِعـاببـأوراقٍ مُنَعّمـة رِضـابمَنـاخـاً ذات أفنيةٍ رِحـابكمـا أغمَدتَ سيفاً في قِرابو آسـادٍ إذا ركبوا عصـابمـن العافين والهَلكى العطابوقد عيضوا النَعيم من العقابيُسَقنَ مع الأُسـارى و النهاب(587) مُغبّـرة الذُيـول مُكشّفـاتٍلَئن أُبرزن كُرها مِن حجابأيُبخَـلُ بالفُرات على حسينٍفَلي قلبٌ عليـه ذو التِهـابٍكسَبـي الروم دامية الكِعابفَهُنّ مِن التعَفّف في حجابوقد أضحى مُباحـاً للكلابِولي جَفنٌ عليه ذو انسكاب (1) 12 ـ ونَختِمُ هذا الفَصل بهذه المقطوعة التاريخيّة المُهمّة : لقد رُويَ عن السيدة حكيمة بنت الإمام محد الجواد ( عليهما السلام ) أنّها قالت : إنّ الحسين بن علي ( عليه السلام ) أوصى إلى أخته زينب بنت علي ( عليهما السلام ) في الظاهر ، وكانَ ما يَخرجُ من علي بن الحسين من عِلمٍ يُنسَبُ إلى زينب سِتراً على علي بن الحسين ( عليهما السلام ). (2)1 ـ كتاب « المُنتخب » للطريحي ، ج 2 ، ص 454 ، المجلس العاشر. وكتاب « أدب الحسين وحماسته » للصابري الهمداني ، ص 181 ، نَقلاً عن التحفة الناصريّة. المحقق 2 ـ كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ، ص 138. المحقق (588) (589) تاريخ وفاة السيدة زينب عليها السلام الفصل العشرون السيدة زينب الكبرى عليها السلام (590) إنّ المشهور أنّ وفاة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) كان في يوم الأحد مساء الخامس عشر من شهر رجب (1) ، مِن سنة 62 للهجرة. (2) وهناك أقوال أخرى ـ غير مشهورة ـ في تحديد يوم وسنة وفاتها. ولقد أهمل التاريخ ذكر سبب وفاتها ! أم أنّها قُتِلَت بسبب السُمّ الذي قد يكون دُسّ1 ـ وهناك قول : بأنّها توفّيت مساء يوم الرابع عشر من رجب. المحقق 2 ـ كتاب « أخبار الزينبات » للعُبيدلي ، ص 122. (592) إليها من قِبَل الطاغية يزيد ، حيث لا يَبعُد أن يكون قد تمّ ذلك ، بسرّيةٍ تامّة ، خَفيَت عن الناس وعن التاريخ. وعلى كل حال ، فقد لَحِقَت هذه السيدة العظيمة بالرفيق الأعلى ، وارتاحت من توالي مصائب ونوائب الدهر الخؤون. لقد فارقت هذه الحياة بعد أن سجّلت إسمها ـ بأحرف من نور ـ في سجل سيدات النساء الخالدات ، فصارت ثانية أعظم سيدة من سيدات البشر ، حيث إنّ أمّها السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) هي : أولى أعظم سيّدة من النساء ، كما صرّح بذلك أبوها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث قال : « وأمّا ابنتي فاطمة .. فهي سيدة نساء العالمين ، من الأوّلين والآخرين ». (1)1 ـ كتاب « أمالي الصدوق » طبع بيروت ـ لبنان ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ص 394 ، المجلس الثالث والسبعون ، حديث 18 ، ورُويَ ذلك أيضاً في كتاب « معاني الأخبار » للصدوق ، ص 107 ، وكتاب « عِلَل الشرائع » للشيخ الصدوق ـ أيضاً ـ وكتاب « الإختصاص » للشيخ المفيد ، طبع ايران ، ص 37 وص 91. كتاب « المستدرك على الصحيحَين » للحافظ الحاكم النيسابوري ، طبع بيروت ـ لبنان ، منشورات دار المعرفة ، ج 3 ص 156. (593) ويُقيم المسلمون الشيعة وغيرهم مجالس العزاء والمآتم ، في كلّ سنة ، حينما تمرّ عليهم هذه الذكرى الأليمة ، ويتحدّث الخطباء والشعراء في تلك المجالس والمآتم على الجوانب المختلفة لحياة هذه السيدة العظيمة ، وعن فصول حياتها المزدحمة بالفضائل والمكرُمات ، والمقرونة بالمصائب والنوائب. وقد جاء في التاريخ : أنّه بعد مرور عام على وفاتها ، وفي نفس اليوم الذي تُوفّيت فيه السيدة زينب ( عليها السلام ) إجتمع أهل مصر .. جميعاً ، وفيهم الفقهاء وقرّاء القرآن وغيرهم ، وأقاموا لها مجلساً تأبينيّاً عظيماً بإسم ذكرى وفاتها ، على ما جرت به العادة ـ مِن إقامَةِ مَجلِس العَزاء والتَأبين بَعْدَ مُرور عام على وفاةِ الميّت ـ ومن ذلك الحين لم ينقطع إحياء هذه الذكرى إلى عصرنا هذا ، وإلى ما شاء الله ، ويُعبّر عن موسم إحياء هذه الذكرى ـ في مصر ـ بـ « المولد الزينبي » وهو يبتدأ من أول شهر رجب .. من كلّ سنة ، وينتهي ليلة النصف منه ، وتُحيى هذه الليالي بتلاوة آيات القرآن الحكيم ، وقراءة مدائح أهل البيت النبوي ، والتي يُعبّرون عنها بـ « التواشيح ». (594) ويكون المجلس عظيماً جداً حيث يشترك فيه أهل مدينة القاهرة ، والمُدن المصريّة الأخرى .. حتى البعيدة منها ، ثم يدخلون إلى مرقدها الشريف ، للسلام عليها ، وقراءة سورة الفاتحة على روحها الزكية الطاهرة. (1) 1 ـ كتاب زينب الكبرى ، للشيخ جعفر النقدي ، وقد نقلنا ذلك بتصرّف منّا في بعض الكلمات. المحقق (595) إختلفت الأقوال في مدفن السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) ومحلّ قبرها ، إختلافاً عجيباً. ونحن نستعرض تلك الأقوال ، ثم نقوم بتسليط الأضواء عليها ، كمحاولة لمعرفة القول الصحيح : مرقد السيدة زينب الكبرى القول الأول : أنّها توفّيت في المدينة المنوّرة ، ودُفنت هناك. القول الثاني : أنّها دُفنت في ضواحي مدينة دمشق في الشام. القول الثالث : أنّها هاجرت إلى بلاد مصر ، وعاشت هناك حوالي سنة واحدة ، ثم توفّيت ودُفنت في مدينة القاهرة. وقبل أن نَضَع هذه الأقوال الثلاثة على طاولة التشريح والمُناقشة نقول : (596) أليس من أعجب الأعاجيب أن يختلف المؤرّخون في تاريخ وفاة السيدة زينب الكبرى ومكان دفنها ، مع الإنتباه إلى أنّها ثانية سيدة في أهل البيت النبوي المكرّم ؟! ففي ضاحية دمشق .. يوجد مشهد مُشيّد ، يقصده الناس من شتّى البلاد ، ويُنسب إلى السيدة زينب عليها السلام. وفي القاهرة ـ أيضاً ـ مشهد عظيم يرتاده المِصريّون وغيرهم ، وهو يُنسَب إلى السيدة الزينب. أجل .. ولكن .. قد يزول هذا التعجّب ، بعد ما علمنا بالظلم الشامل والمستمرّ الذي ظلمه التاريخ لآل رسول الله الطاهرين .. رجالاً ونساءً ! حيث إنّ أكثر الكُتُب التاريخيّة ـ الموجودة حالياً ـ مكتوبة بأقلام معادية لآل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). ويزول التعجّب ـ أيضاً ـ عندما نعلم بمحاربة أكثر الحكومات للكُتُب والمؤلّفات التي كانت تتحدّث عن أهل البيت ( عليهم السلام ). محاربتها للكتب عن طريق الإحراق والإتلاف والإبادة ، ثم محاربتها عن طريق عدم السماح بطبعها أو نشرها أو دخولها في البلاد الإسلاميّة !! (597) دراسة القول الأول لقد كان القول الأوّل : أنّها توفّيت في المدينة المنوّرة فدُفنت هناك. ودليل هذا القول : هو أنّه ثَبَتَ ـ تارخيّاً ـ أن السيدة زينب وصلت إلى المدينة ودخلت إليها ، ولم يثبت خورجها من المدينة. ونحن ـ في مجال توضيح هذا القول الأول ـ نذكُرُ كلام المرحوم السيد محسن الأمين ثم نعلّق عليه بعد ذلك. كلام السيد الأمين قال السيد محسن الأمين العاملي ما يَلي : يَجبُ أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة ، فإنّه لم يثبت أنها ـ بعد رجوعها للمدينة ـ خَرجت منها ، وإن كان (1) تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع ( مجهولاً ) ، وكم من أهل البيت أمثالها من جُهِلَ محلّ قبره وتاريخ وفاته ، خصوصاً النساء. (2)1 ـ وإن كان : أي حتّى لو كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها مجهولاً. 2 ـ موسوعة أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين ، الطبعة الحديثة عام 1403 هـ ، ج 7 ص 140. (598) تعليق على كلام السيد الأمين رغم أنّنا نُقدّر للسيد الأمين مكانته العلميّة ومؤلّفاته القيّمة ، ولكنّنا نقول : إنّ التحقيق في القضايا التاريخيّة عام للجميع ، وليس وقفاً على إنسان معيّن ، فإذا كان السيد الأمين يقول بحُجّيّة الظن حتى في المسائل التاريخية ، فليست هذه المزية خاصّة به ، بل يجوز لغيره ـ أيضاً ـ أن يُبدي رأيه ، وخاصّة بعد الإنتباه إلى « حريّة الرأي » المسموح بها في هذه الأمور والمواضيع ! وعلى هذا الأساس .. فنحن نُناقشه في رأيه ونظريّته ، ونقول : أولاً : إنّه لا يوجد في المدينة المنوّرة ـ وفي مقبرة البقيع بصورة خاصّة ـ قبرٌ للسيدة زينب عليها السلام. فكيف يُمكن أن يكون قبرها هناك ، ولم يعلم بذلك أحد ؟! مع الإنتباه إلى الشخصية المرموقة التي كانت للسيدة زينب في أسرتها ، وعند الناس جميعاً ؟! فهل ماتت في المدينة ولم يحضر تشييع جنازتها أحد ؟! ولم يشهد دفنها أحد ؟! (599) ولم يعلم بموضع قبرها أحد ؟ ولم يتحدّث أحد من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن هذا الموضوع المهم ؟! وخاصّة الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق ( عليهم السلام ). ثمّ .. كيف ولماذا لم يُشاهد أحد من الأئمّة الطاهرين أو من شخصيّات بني هاشم .. عند قبرها ؟! وكيف لم يتحدّث واحد منهم عن زيارة قبرها ، أو عن تعيين موضع قبرها في المدينة ؟! مع ما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حول الثواب العظيم لزيارة قبرها. (1) وما هي الدواعي لهذا الغموض والتعتيم عن سبب وتاريخ وفاتها ومكان دفنها .. حتى من رجالات أهل البيت ؟! فهل كانت هناك أسباب وحِكَم تَفرض إخفاء قبرها ، كما كانت ذلك بالنسبة إلى قبر والدتها السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ؟ أم أنّ هناك حقائق وأخباراً خَفيَت عنّا ؟! هذه أسئلة حائرة .. تجعلنا لا نوافق على القول الأوّل !1 ـ وقد ذكرنا ذلك في ص 35 مِن هذا الكتاب. (600) ثانياً : هناك أقوال تقول : إنّها خرجت من المدينة .. إلى الشام أو إلى مصر ، وهي تمنع من موافقتنا على القول الأوّل ، لأنّه معارض بقولين آخَرين .. لكلّ واحد منهما وثائقهما وأدلّتهما. ثالثاً : لَيتَ شعري هل يأذن لي السيد الأمين ( رحمه الله ) أن أسأله : إن كانت السيدة زينب دُفنت في المدينة المنوّرة ، وكان المرقد الموجود في قرية الراوية في ضاحية دمشق قبر امرأة مجهولة النسب ، كما ادّعى ذلك السيد الأمين ، فلماذا دُفنَ السيد بعد وفاته عند مدخل مقام السيدة زينب بضاحية دمشق ؟! فهل كان ذلك بوصيّةٍ منه ؟! أم أنّ أولاده إختاروا لقبره ذلك المكان .. وهم يعلمون نظريّة والدهم حول ذلك المقام ؟! |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(601) دراسة القول الثاني : خلاصة القول الثاني هي : أنّ السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) سافرت مع زوجها إلى الشام بسبب المجاعة التي وقعت في المدينة المنوّرة ، وقد كانت لعبد الله بن جعفر في ضواحي دمشق ضَيعَة ( بستان أو مزرعة ) فسافرت السيدة زينب ( عليها السلام ) إلى هناك ، وبعد وصولها ـ بمدّة ـ مَرِضَت وماتت ودُفِنت هناك. جاء في كتاب كامل البهائي : « رُوي أنّ أمّ كلثوم أُختَ الحسين ( عليه السلام ) توفّيت بدمشق ( سلام الله عليها ). (1) وقال ابن بطوطة ـ في رحلته المعروفة ـ : « وبقرية قِبَلي البَلَد ـ أي : بلدة دمشق ـ على فرسخ منها : مشهد أمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) مِن فاطمة ( عليها السلام ). ويُقال : إنّ اسمها : زينب ، وكَنّها النبي « أمّ كلثوم » لِشَبَهِها بخالتها أمّ كلثوم بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليه مسجد كبير ، وحوله مسكن وله أوقاف ، ويُسمّيه1 ـ كامل البهائي ، ج 2 ، ص 302. (602) أهل دمشق : قبر السِت أمّ كلثوم. (1)1 ـ رغم مُضيّ أكثر من ألف وثلاثمائة وستّين عاماً على تاريخ وفاة السيدة زينب ( عليها السلام ) إلا أن الوثائق التاريخيّة لتحديد مكان قبر هذه السيدة العظيمة .. بصورة قاطعة ، لا زالت ناقصة يبقى الأمل في العثور على قرائن تاريخيّة مؤيّدة لأحد القولين ـ الثاني أو الثالث ـ في السنوات القادمة ، إن شاء الله تعالى ، إلا أنّ لكلّ قول من الأقوال الثلاثة المذكورة قائلين يميلون إليه ، لا لشيء إلا لإطمئنانهم النِسبي بوثائق ذلك القول ، وكان السيد الوالد ( مؤلف هذا الكتاب ) يميل ـ بقوّة ـ إلى القول بأنّ قبرها في مصر ، وإنّني أتصوّر أنّه لو كان كتاب ( أخبار الزينبات ) للعُبيدلي يُطبَع قبل مئات السنين لكان أكثر المحققين يقولون بدفنها في مصر. إلا أنّ هذا لا يعني ـ أيضاً ـ القطع واليقين بذلك ، حتى يلزم منه إهمال القبر الموجود في ضاحية دمشق بالشام. فالتوسّل إلى الله تعالى بالسيدة زينب وطلب الشفاعة منها لقضاء حوائج الدنيا والآخرة .. له دوره الكبير ، سواء كان عند القبر في سوريا أو في مصر ، خاصةً مع احتمال كون ذلك القبر مدفناً لبنت ثانية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ). وقد نَشَرت مجلة « أهل البيت » الصادرة من لبنان ، في تاريخ 1/صفر/1414 هـ مقالاً تحت عنوان : « ربع مليون زائر لمقام السيدة زينب في دمشق » ، ممّا يدلّ على أهمّية هذا المقام أيضاً. ويُحكى أنّ هناك إعتقاداً عند المسلمين الشيعة في لبنان أن المرأة التي لم تُرزَق النسل والذريّة تَحضر عند قبر السيدة زينب في دمشق ، في ليلة أو يوم أربعين الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتتوسّل إلى الله تعالى بجاه السيدة زينب ( عليها السلام ) ليتفضّل عليها بنعمة الولد ، وترى النتائج المطلوبة بسرعة !! المحقق (603) وهنا أكثر من سؤال يتبادر إلى الذهن حول هذا القول : السؤال الأول : إنّ التاريخ لم يَذكر مجاعةً وقعت في المدينة المنوّرة !! ففي أيّ سنة كانت تلك المجاعة ؟ وكم دامت حتى اضطرّ آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى الهجرة إلى الشام ؟ السؤال الثاني : إذا كانت وفاة السيدة زينب ( عليها السلام ) في السنة الثانية والستّين ـ كما ذكره بعض المؤرّخين ـ فلماذا لم تكن في المدينة المنوّرة حينما حدثت مجزرة « واقعة الحَرّة » ؟ إذ لا يوجد لها ـ ولا لزوجها عبد الله بن جعفر ـ أيّ إسم أو أثَر ، فهل وقعت المجاعة قبل واقعة الحَرّة أم بعدها ؟! هذه أسئلة وتساؤلات متعدّدة لا جواب لها سوى الإحتمالات ، والظنّ الذي لا يُغني عن الحقّ شيئاً. هذا .. وقد حاول بعض المعاصرين في كتاب سمّاه « مرقد العقيلة » أن يُثبت مدفنها في دمشق .. لا القاهرة ، واستدلّ بأدلّة وتَشَبّث ببعض الأقوال ، ولكنّها لا تَفي بالغَرض ، لأنّ الأدلّة غير قاطعة ، والأقوال غير كافية للإحتجاج والإستدلال ، وكما يُقال : « غير جامعة وغير مانعة ». وممّا يُضعّف القول الثاني : أنّه حينما أرادوا تجديد بناء حرم السيدة زينب ( عليها السلام ) الموجود في ناحية (604) دمشق ـ قبل حوالي أربعين سنة ـ وحَفَروا الأرض لبناء الأُسُس والأعمدة ووصلوا إلى القبر الشريف ، ووجدوا عليه صخرة رُخام .. هذه صورتها : هذا قبر زينب الصغرى المكنّاة بام كلثوم ابنت علي بن ابي طالب امّها فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين ابنت سيّد المرسلين محمد خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلم (605) فإنّ صحّت هذه الكتابة فالقبر الموجود في ناحية دمشق قبرٌ لسيدة من بنات الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) واسمها : زينب الصغرى ، وهذا يدلّ على مدى إهتمام الإمام ( عليه السلام ) بهذا الإسم حيث اختاره لأكثر من بنت واحدة من بناته. يُضاف إلى ذلك .. أنّنا نجد في بطون كتب التاريخ وصف السيدة زينب بـ « الكبرى » للفرق بينها وبين أختها. وفي مجال دراسة القول الثاني .. هناك كلام طويل للسيد محسن الأمين في مناقشته لهذا القول ، ونحن نذكره ـ هنا ـ تتميماً للدراسة الموضوعيّة. وليس معنى نقلنا لكلامه هو تأييدنا له في قوله ، بل .. إنّ هذا يعني أنّنا نضع المعلومات أمام الباحث ، ليكون على بصيرة أكثر من النقاط التي يُمكن أن تنفعه في إستكشافه لمحور البحث ، مع التنبيه المُسبَق ـ مِنّا ـ على إستغرابنا من كلامه ! ومن لهجته في التعبير عند الكتابة حول هذا الموضوع !! وإليك نصّ كلامه : « ... وفيما أُلحِقَ برسالة ( نُزهة أهل الحَرَمين في عمارة المشهدين ) في النجف وكربلاء ، المطبوعة بالهند ، نقلاً عن رسالة (606) ( تحيّة أهل القبور بالمأثور ) عند ذكر قبور أولاد الأئمة ( عليهم السلام ) ما لفظه : ومنهم : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكُنيَتها أم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف ، جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المَجاعة ، ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام ، حتى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب هناك ودُفنت في بعض تلك القُرى ، هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك ، وغيره غلط لا أصل له ، فاغتنم .. فقد وَهَمَ في ذلك جماعة فخبطوا العشواء ». وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع : أولاً : إنّ زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرّخين أنها تُكنّى بأمّ كلثوم ، فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ولم يقل أحد منهـم أنّهـا تكنّـى أم كلثـوم (1) ، بل كلّهم سمّوها : زينب الكبرى وجعلوها مقابل أمّ كلثوم الكبرى ، وما استظهرناه من أنّها تُكنّى أمّ كلثوم ظهر لنا ـ أخيراً ـ فساده.1 ـ كلام عجيب وادّعاء غريب ، تشهد الوثائق التاريخيّة الكثيرة على خلافه ! المحقق (607) ثانياً : قوله : « قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر » ليس بصواب ولم يقله أحد ، فقبر عبد الله بن جعفر بالحجاز ، ففي « عمدة الطالب » و « الإستيعاب » و « أُسد الغابة » و « الإصابة » وغيرها : أنّه مات بالمدينة ودُفن بالبقيع. وزاد في « عُمدة الطالب » القول بأنّه مات بالأبواء ودُفن بالأبواء ، ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها بالرواية قبر يُنسب لعبد الله بن جعفر. ثالثاً : مجيؤها مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة .. لم نرَهُ في كلام أحد من المؤرّخين ، مع مزيد التفتيش والتنقيب. وإن كان ذُكرَ في كلام أحد من أهل الأعصار الأخيرة فهو حدس واستنباط كالحَدس ، والإستنباط من صاحب ( التحيّة ). فإنّ هؤلاء لَمّا توهّموا أنّ القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى ، وأنّ ذلك أمرٌ مفروغ منه ـ مع عدم ذكر أحد من المؤرّخين لذلك ـ استنبطوا لتصحيحه وجوهاً بالحدس والتخمين .. لا تَستند إلى مستند ، فبعض قال : « إنّ يزيد ( عليه اللعنة ) طلبها من المدينة فعظم ذلك عليها ، فقال لها ابن أخيها زين العابدين ( عليه السلام ) : « إنّك لا تَصلين دمشق » فماتَت قبل دخولها. وكأنّه هو الذي عَدّه صاحب ( التحيّة ) غلطاً لا أصل له ووقع في مثله ، وعَدّه غنيمةً وهو ليس بها ، وعَدّ غيره خبط العشواء وهو منه. فاغتَنِم .. فقد وَهَمَ كلّ من زَعَم أنّ القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى زينب الكبرى ، وسبب هذا التوهّم : أنّ مَن سمع أنّ (608) في راوية قبراً يُنسَب إلى السيدة زينب سَبَقَ إلى ذهنه زينب الكبرى ، لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، فلمّا لم يجد أثراً يدلّ على ذلك لجأ إلى استنباط العِلَل العليلة. ونظير هذا أنّ في مصر قبراً ومشهداً يُقال له : « مشهد السيدة زينب » ، وهي زينب بنت يحيى ، وتأتي ترجمتها ، والناس يتوهّمون أنّه قبر السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولا سَبَبَ له إلا تبادر الذهن إلى الفرد الأكمل. وإذا كان بعض الناس إختلقَ سبباً لمجيء زينب الكبرى إلى الشام ووفاتها فيها ، فماذا يختلِقون لمجيئها إلى مصر ؟! وما الذي أتى بها إليها ؟ لكن بعض المؤلفين من غيرنا رأيتُ له كتاباً مطبوعاً بمصر ـ غاب عنّي الآن إسمه ـ ذكر لذلك توجيهاً « بأنّه يجوز أن تكون نُقلت إلى مصر بوجهٍ خفي على الناس ». مع أنّ زينب التي هي بمصر هي زينب بنت يحيى حَسَنيّة أو حُسَينيّة كما يأتي ، وحال زينب التي برواية حالُها. رابعاً : لم يَذكر مؤرّخ أنّ عبد الله بن جعفر كان له قُرى ومزارع خارج الشام حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها ، وإنّما كان يَفِدُ على معاوية فيُجيزُه ، فلا يَطول أمر تلك الجوائز في يده حتّى يُنفِقَها بما عُرِف عنه من الجود المُفرط. فمِن أينَ جاءته هذه القُرى والمزارع ؟ وفي أيّ كتابٍ ذُكرت مِن كُتُب (609) التواريخ ؟! خامساً : إن كان عبد الله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام ـ كما صَوّرته المُخيّلة ـ فما الذي يَدعوه للإتيان بزوجته زينب معه ؟! وهي التي أُتيَ بها إلى الشام أسيرةً بزيّ السبايا وبصورة فظيعة ، وأُدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيأةٍ مُشجية ؟! فهل من المتصوّر أن تَرغَب في دخول الشام ورؤيتها مرّةً ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى ؟! وإن كان الداعي للإتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز .. فكان يُمكنه أن يَحمل غلات مزارعه ـ الموهومة ـ إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ما يُقوّتها به ، فجاء بها إلى الشام لإحراز قوتها ، فهو ممّا لا يقبله عاقل ، فابن جعفر لم يكن مُعدَماً إلى هذا الحدّ ، مع أنّه يتكلّف من نفقة إحضارها وإحضار أهله أكثر من نفقة قوتها ، فما كان ليُحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعاً !! سادساً : لم يُتَحقّق أنّ صاحبة القبر الذي في راوية تُسمّى زينب لو لم يُتحقّق عدمه ، فضلاً عن أن تكون زينب الكبرى ، وإنّما هي مشهورة بأمّ كلثوم ». (1) إنتهى كلامه.1 ـ أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين ، ج 7 ص 140. (610) دراسة القول الثالث : نُذكّر أنّه كان القول الثالث : هو أنّ مرقد السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) في مصر. وقد كان هذا القول ـ ولا يزال ـ إحدى الإحتمالات لِمَكان المرقد الشريف ، وله أدلّته والأفراد القائلون به. لكنّ بعد إكتشاف وانتشار كتاب « أخبار الزينبات » ـ للعُبيدلي ـ صار هذا القول أقوى الإحتمالات الثلاثة لمكان قبر السيدة زينب الكبرى ، لقوّة الأُسُس المَبنيّة عليها هذا القول ، وإليك بعض التوضيح لهذا الكلام : لقد ذكر العُبيدلي أخباراً وتصريحات كثيرة ومهمّة حول رحلة السيدة زينب ( عليها السلام ) إلى مصر ، وذلك في كتابه « أخبار الزينبات ». لكن بقيَ هذا الكتاب ـ طيلة هذه القرون ـ في زوايا الخمول والنسيان ، وفي أروقة المكتبات في رفوف الكتُب المخطوطة التي يظلِّلُ عليها غبار الجهل والإهمال. وقد أمر بطبعه بصورة مستقلّة ـ ولاول مرّة ـ المرحوم آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ( رحمه الله ) في مدينة قم عام 1401 هـ ، مع تعليقات مفيدة جداً. فقال ـ في مقدّمته على هذا الكتاب ـ ما خلاصته : (611) من هو العُبيدلي ؟ وما هو كتاب « أخبار الزينبات » ؟ الجواب : هو العلامة الجليل ، الشريف الطاهر ، المُحَدّث المُفَسّر ، النَسّابة ، الثِقَة الأمين ، أبو الحسين : يحيى العُبيدلي المَدَني ، العقيقي الأعرجي ، بن الحسن بن جعفر الحُجّة بن عبيد الله الأعرج ، ابن الحسين الأصغر ، ابن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ). وُلدَ العُبيدلي سنة 214 هـ في المدينة المنوّرة ، وتوفّي سنة 277 في مكّة المكرّمة. وهو يُعتَبَر من علمائنا بالمدينة المنوّرة ، وساداتها الشرفاء الكُرماء في القرن الثالث الهجري. وقد روى عنه النجاشي المتوفّى سنة 450 هـ ، والحافظ أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الهمداني ، المتوفّى عام 333 ، والشيخ المفيد ، والشيخ الصدوق في كتابه : « مَن لا يحضره الفقيه » ، والشيخ الطوسي ، وابن شهر آشوب ، والعلامة الحلّي في « تذكرة الفقهاء » وغيرهم من علماء الرجال. كتاب أخبار الزينبات يُعتبرُ كتاب « أخبار الزينبات » مِن أهمّ كتب التراجم والرجال ، ومِن الوثائق القويّة ، وأقدم المصادر في هذا (612) الشأن ، وقد اشتملَ على فوائد لم توجَد في غيره. وإليك بعض المعلومات حول النسخة المخطوطة لهذا الكتاب : وُجدَ هذا الكتاب في مدينة حَلَب ، قد كُتبَ بتاريخ سنة 676 هـ بخط الحاج محمد بلتاجي الطائفي ، المجاور للحرم النبوي الشريف ، والكتاب منقول عن أصلٍ مؤرّخ بتاريخ سنة 483 هـ ، وبخط السيد محمد الحسيني الواسطي الأصل. مقتطفات من ( أخبار الزينبات ) ونحن نذكر بعض المقتطفات من هذا الكتاب الثمين ، وهي تُشَكّل الأدلّة على قوّة القول الثالث : « زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب ، أمّها : فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وُلدت في حياة جدّها ، وخرجت إلى عبد الله بن جعفر ، فولدت له أولاداً ، ذكرناهم في كتاب النَسَب ». (1) « حدّثنا زهران بن مالك ، قال سمعتُ عبد الله بن عبد الرحمن العتبي يقول : حدّثني موسى بن سلمة ، عن الفضل بن سهل ، عن علي بن موسى ، قال :1 ـ كتاب « أخبار الزينبات » ص 111 ، طبع ايران عام 1401 هـ. (613) أخبرني قاسم بن عبد الرزاق ، وعلي بن أحمد الباهلي ، قالا : أخبرنا مُصعَب بن عبد الله قال : كانت زينب بنت علي ـ وهي بالمدينة ـ تُؤلّبُ الناس على القيام بأخذ ثار الحسين. (1) فلمّا قام عبد الله بن الزبير بمكّة ، وحَمَل الناس على الأخذ بثار الحسين ، وخلع يزيد ، بَلَغ ذلك أهل المدينة ، فخطبت فيهم زينب ، وصارت تؤلّبهم على القيام للأخذ بالثار ، فبَلَغَ ذلك عمرو بن سعيد ، فكتب إلى يزيد يُعلِمُه بالخبر. فكتب [ يزيد ] إليه : « أن فَرّق بينها وبينهم » فأمر أن يُنادى عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء. فقالت : « قد علم الله ما صار إلينا ، قُتِل خَيرُنا ، وانسَقنا كما تُساق الأنعام ، وحُمِلنا على الأقتاب ، فوالله لا خرجنا وإن أُهريقَت دماؤنا ». فقالت لها زينب بنت عقيل : « يا ابنة عمّاه ! قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوّأُ منها حيث نشاء. فطيبي نفساً وقَرّي عيناً ، وسيجزي الله الظالمين. أتُريدين بعد هذا هوانا ؟! إرحَلي إلى بلد آمِن »1 ـ تُؤلِّبُ : تُحَرِّصُ. المعجم الوسيط. (614) ثمّ اجتمع عليها نساء بني هاشم ، وتَلَطّفنَ معها في الكلام ، وواسَينَها. (1) وبالإسناد المذكور ، مرفوعاً إلى عبيد الله بن أبي رافع (2) ، قال : سمعتُ محمّداً أبا القاسم بن علي يقول : « لمّا قَدِمَت زينب بنت علي من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان ، ثارت فتنةٌ بينها وبين عمرو بن سعيد الأشدَق ( والي المدينة مِن قِبَل يزيد ). فكتب إلى يزيد يُشير عليه بنقلها من المدينة ، فكتَبَ له بذلك ، فجهّزها : هيَ ومَن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر ، فقَدِمتها لأيّام بَقيت من رجب ». (3) حَدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جَدّي ، عن محمد بن عبد الله ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن الحسن بن الحسن ، قال : « لمّا خرجت عمّتي زينب من المدينة خرج معها مِن نساء بني هاشم : فاطمة إبنة عمّي الحسين ، وأُختها1 ـ أخبار الزينبات ص 115 ـ 117. 2 ـ مَرفوعاً : السَنَد المرفوع : هي الرواية التي لم تُذكر فيه أسماء الوسائط ـ من الرواة ـ أو أسماء بعضهم. 3 ـ أخبار الزينبات ص 118. (615) سكينة ». (1) ورُويَ بالسند المرفوع إلى رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري ، قالت : « كنتُ فيمَن استَقبَل زينب بنت علي لَمّا قَدِمَت مصر .. بعد المصيبة ، فتقدّم إليها مُسلمة بن مُخلّد ، وعبد الله بن حارث ، وأبو عميرة المزني ، فعَزّاها مسلمة وبكى ، فبَكت وبكى الحاضرون وقالت : « هذا ما وَعَد الرحمن وصدق المرسلون ». ثمّ احتملها إلى داره بالحمراء ، فأقامت به أحد عَشَرَ شهراً ، وخمسة عشر يوماً ، وتُوفّيَت ، وشَهِدَت جنازتها ، وصلّى عليها مسلمة بن مُخلّد في جمع [ من الناس ] بـ [ المسجد ] الجامع ، ورجعوا بها فدفنوها بالحمراء ، بمخدعها من الدار بوصيّتها ».(2) حدّثني إسماعيل بن محمد البصري ـ عابد مصر ونزيلها ـ قال : حدّثني حمزة المكفوف قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله1 ـ نفس المصدر ص 119. 2 ـ المخدَع ـ بضمّ الميم وفتحه ـ : البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير. كما في مجمع البحرين للطريحي. والمقصود : الحُجرة الصغيرة التي لها باب في الحجرة الكبيرة. وكان هذا متعارفاً في هندسة البناء في الزمن القديم. وكان يُعبّر عنها بـ « الخزانة ». |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(616) القرشي قال : سمعتُ هند بنت أبي رافع بن عبيد الله بن رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري تقول : « تُوفّيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد ، لخمسة عشر يوماً مضت من رجب ، سنة 62 من الهجرة ، وشَهِدتُ جنازتها ، ودُفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدّة بالحمراء القصوى (1) ، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. (2) مناقشات حول القول الثالث أقول : لقد قرأتَ أنّ العُبيدلي ذكر هجرتها إلى مصر ، وأنّ مسلمة بن مُخلّد استقبَلَها ... إلى آخر كلامه. وتَرى بعض المؤلّفين يُضعّف سفرها إلى مصر ، ويستدلّ لكلامه « أنّ مسلمة بن مُخلّد كان من أصحاب معاوية ، ومن المنحرفين عن الإمام علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكيف يستقبل السيدة زينب ويُنزلها في داره » ؟1 ـ الحمراء القُصوى : منطقة كانت بين القاهرة ومدينة الفسطاط ، في الزمن القديم ، وكانت تُعرف أيضاً بـ « قناطر السباع ». كما يُستفاد من المقريزي في كتابه « المواعظ والاعتبار » ج 2 ص 202. 2 ـ أخبار الزينبات ص 121 ـ 122. (617) ونحن نقول : إنّ هذا الكلام لا يُضعّف القول الثالث ، لأنّ مجرّد إستقبال الوالي ـ وهو مُسلمة بن مُخلّد ـ لشخصيّة في مستوى السيدة زينب الكبرى .. ليس بأمرٍ عجيب ! مع الإنتباه إلى أنّه : أولاً : إنّ مسلمة كان والياً من قِبَل بني أميّة ، وكان اللازم عليه أن يستقبل السيدة زينب ( عليها السلام ) تنفيذاً منه للمخطّط الأموي الذي أمَرَ بإبعاد السيدة زينب من المدينة المنوّرة. ولعلّ يزيد هو الذي أمر مسلمة باستقبال السيدة زينب ، وإسكانها في قصره ، لكي تكون تحرّكاتها تحت مراقبته وإشرافه المباشر. يُضاف على هذا ، أنّنا نقول : أما كان النعمان بن بشير والياً على الكوفة من قِبَل معاوية ثمّ مِن قِبَل يزيد بن معاوية ، ومع كلّ ذلك فإنّنا نقرأ ـ في التاريخ ـ أنّه لمّا أراد يزيد إرجاع عائلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة أمَرَ النعمان بن بشير أن يُهيّئ لهنّ وسائل السفر ؟ وأن يُرافقهنّ من الشام إلى المدينة ، مُراعياً الإحترام والتأدّب ؟ فهل مِن المعقول أنّ النعمان بن بشير ـ مع سوابقه ـ يُرافق (618) عائلة الإمام الحسين من الشام إلى كربلاء ، ثمّ إلى المدينة المنوّرة مع مراعاة التأدّب والإحترام اللائق بهن ؟! فإذا كان ذلك ممكناً ، فلا مانع من أن يستقبل مسلمة بن مخلّد السيدة زينب ( عليها السلام ) ويُنزلها في داره. ثانياً : إنّ مسلمة كان يعلم تعاطف أهل مصر مع أهل البيت النبوي ، وكان يسمع بإستعداد الناس رجالاً ونساءاً لاستقبال السيدة زينب ( عليها السلام ) ، فهو لا يَتَمَكّن مِن أن لا يخرج لإستقبال هذه السيدة العظيمة ، التي يعلم مدى محبّة وتعاطف المصريّين لوالدها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). وخاصّة وأنّه يسمع بخروج الجموع الغفيرة من مختلف طبقات الشعب لإستقبالها .. إستقبالاً مقروناً بالبكاء والدموع وهياج مشاعر الحزن لما جرى على آل الرسول الطاهرين في فاجعة كربلاء الدامية. (619) بعض ما قيل فيها من الشِعر الفصل الواحد والعشرون (620) (621) هناك أسباب وعوامل متعدّدة كان لها الدور الكبير في إثارة مشاعر وعواطف الشعراء ، وتَفَتُّح قرائحهم ، لكي ينظموا القصائد الرائعة في مدح ورثاء السيدة زينب ( عليها السلام ). بعض ما قيل فيها من الشعر فمِن جملة تلك الأسباب : 1 ـ الشعور بالمسؤولية تجاه نصرة آل الرسول الكريم. 2 ـ إزدحام الفضائل ، وتجمّع موجبات العظمة والجلالة في شخصيّة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ). 3 ـ الشعور الإنساني بالإندفاع لنصرة المظلوم. إنّ هذه الأسباب ـ وغيرها ـ جعلت الشعراء يحومون حول هذه الشخصية العظيمة ، لكي تجول أفكارهم على مسرح الخيال والتصوّر ، تمهيداً للوصف ولصياغة المعاني في (622) قوالب الكلمات ، وصَبغها بطابع الشعر والأدب. إنّ العواصف والأعاصر العاتية التي عصفت بحياة السيدة زينب ( عليها السلام ) حفّزت في الشعراء شعور القيام بنصرة المظلوم ، ليقوموا بواجبهم الإنساني والإسلامي تجاه ثاني أعظم سيدة من سيدات نساء التاريخ ، وليُلَبّوا نداء ضمائرهم في نصرة أخيها سيد المظلومين الإمام الحسين عليه السلام. إنّ هؤلاء الشعراء الشرفاء سجّلوا أسماءهم في قائمة الذين نصروا أهل البيت النبوي ، ونالوا شرف خدمة آل الرسول الطاهرين ، فمدحوا مَن مدحهم الله تعالى في قرآنه المجيد ، ورَثَوا مَن بكت عليه الأرض والسماء ، والملائكة والأنبياء ، وحيتان البحار وطيور الفضاء ! وإليك بعض ما قيل من الشعر في السيدة زينب الكبرى عليها السلام : (623) قصيدة في ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) للشاعر الأديب السيد محمد رضا القزويني (1) :وُلدتِ كما يُشرقُ الكوكبعلـيٌ وفاطمـةٌ انجَبـاكِوجاءا بكِ جَدّكِ المصطفىفأُمٌّ تُبـاهـي ويَزهـو أبُعَيناً من الخيـر لا يَنضبُليختـار لاسمكِ ما يُعجِبُ1 ـ السيد محمد رضا بن العالم الجليل المجاهد السيد محمد صادق القزويني ، ابن عمّ مؤلّف هذا الكتاب. شاعر لامع ، وأديبٌ بارع ، يجري في دمه حبّ أهل البيت الطاهرين ( عليهم السلام ). وُلِدَ في تاريخ 20/8/1940 م ، بدأ نظم الشعر مع بداية مرحلة المراهقة ، يتميّز شعره بمميّزات منها : قوّة المعنى وروعة الإبداع ، وجمال الإبتكار ، ونكهة الإخلاص. له ديوان شعر مخطوط ، جمَعَ فيه ما نظمه حول النبي الكريم وآله المعصومين ( سلام الله عليهم أجمعين ). وقد نظم هذه القصيدة في سوريا بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) عام 1411 هـ الموافق لسنة 1990 م. (624) فقال : ولَستُ ـ كما تَعلَمـاوهـذا أخي جبرئيـل أتـىيقـول إلهك ربّ الجـلال :وكفّـلتهـا بأخيها الحسيـنلِتَحمـلَ أعبـاءَه كالليـوثأُسارى إلى الشام من كربلانِ ـ أسبـقُ ربّي بما يَنسِبُبـأمـرٍ مـن الله يُستَعـذبُتـقبّلتهـا و اسمهـا زينـبويـومٍ يَعُـزّ بـه المَشـرَبُفيَسـري بأطفاله المَـركَـبُءَ وسوطٌ على ظهرهم يلهَبُ**** أقائـدةَ الركـب يـا زينبخَطبـتِ فدوّى بسمع الزماأخاف الطغاة على عرشهموأسقطتِ قبل فناه يزيد (1)ووَلّـت أميّـة مدحـورةوأنـتِ التي كُنتِ مأسورةًلكِ اليوم هذا الندى والجلاوقبـرٌ يطـوف به اللائذومنـاراً يَشِـعُّ بأفق السماءتَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُن صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُفظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُوضـاق على رأيه المَذهبُو مـا ظل ذكـر لهم طيّبُوما لكِ في الشام مَن يُنسَبُل مثالاً لأهل النُهى يُضرَبُنَ رَمـزاً و ما عنده يُطلَبُفيُعـلِنُهـا : هـذه زينـب1 ـ فناه : أي قبل فنائه وهلاكه. (625) وللسيد محمد رضا القزويني قصيدة أخرى يقول فيها :تتـراءى لـه الأُسـارى فتَبـدووهي تَرعى الرؤوس فوق رماحٍحَمَلَتهـا مـن كربلاء و قالت :إنّـهـا مـن محمـدِ وعـلـيّوسياطُ الأعداء لم تَمنَـعِ الأختَهُرعَـت و الخيـام مُشتعـلاتٌرَفَعـت رأسهـا إلـى الله تشكوجـدّكـم أسَّسَ القواعـد للبيـتِزينـب أمسَكـت بطفـلٍ يتيـمطابَ منها النجوى لأختٍ رَؤومِ (1)يـا سماء اهتدي بهذي النجـومِقَدّمتهـا البتـول فـي تكـريـمِوداع الـحسيـن بيـنَ الجسـومِتتحَـرّى الأطفـال بين الرميـمفأتـاها الجـواب عبـر النسيـمو إسمـاعيـل ذبـحُ الحُـلـومِ1 ـ رَؤوم : مُشتقّ مِن المحبّة والعَطف ، قال الفيروز آبادي ـ في القاموس ـ : رَئمت الناقة وَلَدها : عطَفت عليه ، فهي رائمة ورؤوم. (626) وانتَهـت فيكم النبـوّة والبيتُورأى الله في الحسينِ عظيماًومـا في السِتـار والمعلومِفـافتدى دينَه بذبـحٍ عظيمِ(627) وللشاعر الحسيني اللامع ، المرحوم الحاج محمد علي آل كمّونة ( رضوان الله عليه ) (1) قصيدة نَقتَطفُ منها الأبيات التالية :لـم أنسَ زينبَ بعد الخِدر حاسرةًمَسجـورة القلـب إلا أنّ أعينَهـاتُبـدي النيـاحة ألحاناً فألحانـاكالمُعصرات تصُبّ الدمع عقيانا (2)1 ـ الحاج محمد علي آل كمّونة الأسدي الكربلائي ، شاعرٌ بليغ ، وأديب فصيح ، كان من الشعراء المتألّقين في عصره ، والأدباء اللامعين بين أقرانه وزملائه ، إستعمل قريحته الشعريّة ـ بنسبة كبيرة ـ في خدمة النبي وآله الطاهرين ، وله قصائد كثيرة في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، مِن مميّزات شعره : طابع الشِجاوة ، ونكهة الإخلاص ، وسلاسة التعبير. عند التأمّل في ديوان شعره نجد أنّ أشعاره تهزّ المشاعر والعواطف مِن الأعماق ، وتَنقل ذهن القارئ إلى أجواء الحرب والقتال. وللمُميّزات المتوفّرة في شعره ـ ونخصّ منها : كونه شجيّاً ـ تَهافَتَ خطباء المنبر الحسيني على قراءة أشعاره في بداية ونهاية مجالسهم ومحاضراتهم الحسينيّة. له ديوان مطبوع ، جُمعَ فيه بعض أشعاره. ولد سنة 1202 هـ ، وتوفّي سنة 1282 هـ ، ودُفنَ في حرم الإمام الحسين عليه السلام. 2 ـ عِقياناً. العِقيان : الذهب الخالص. شَبّه الشاعر قطرات دموعهنّ الصافية الغالية بحَبّات الذهب الخالص من الشوائب. (628) تـدعـو أبـاها أميـر المؤمنين ألاوغـابَ عنّـا المُحامي والكفيلُ فمَنإن عَسعَسَ الليل وارى بَـذلَ أوجُهنانـدعـوا فلا أحدٌ يَصبوا لِدَعوتِنا (2)قُـم يا عليّ فما هـذا القعود و مـاعَجّـل لعلّك مِـن أسـرٍ أضَرّ بنـاو تَنثَني تـارةً تـدعـو عشيرتهـايـا والدي حَكمَـت فينـا رَعايانا (1)يَحمي حِمانـا و مَن يُؤوي يَتاماناو إن تَنفّـس وجه الصبـح أبداناو إن شكَونـا فلا يُصغى لِشَكواناعهدي تَغُضّ علـى الأقذاء أجفاناتَفُكّنـا أو تَوَلّـى دفـن قتـلانـامِن شيبة الحمـد أشيـاخـاً وشُبّانا (3)1 ـ رعايانا. رعايا ـ جمع رعيّة ـ : عامّة الناس الذين عليهم راع وحاكم ، يُدبّر أمورهم ويَرعى مصالحهم. 2 ـ يَصبو : يميل ويَحِنّ. وفي نسخة : « نَدعوا فلا أحد يَرنو لَدَعوتنا ». 3 ـ شَيبَة الحَمد : هو عبد المطلب بن هاشم ، جدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (629) قوموا غِضاباً مِن الأجداث وانتَدبواواستَنقِـذوا مِن يَد البَلوى بٌقايانا (1) وله قصيدة أخرى يقول فيها :و لَئن نسيتُ فلَسـتُ أنسى زينبـاًحَمَلت مِن الأرزاء ما أ عيا الورىعن كَربها و بَلائها سَـل كربـلاطَـوراً على القتلى تنوح وتـارةًو تطوف حـول حمىً أباد حُماتهمَـن مُبلغٌ عنّـي سرايـا هاشـمسُبيَت ، و أعظم ما شَجاني غَيرةًو وقوفهـا فـي مجلـسٍ جُلاسُهودوام مِحنتهـا وطـول عنـائهـاحَمـلَ اليسير النَزر مِـن أعبائهـاسَـل كربلا عـن كربها و بلائهـاتحنـو محافظـة علـى أبـنائهـاصَرفُ الرَدى وأبـاحَ هَتكَ نسائهاخَبَـراً يَـدُكّ الشمّ مـن بَطحائهـاـ يا غيرة الإسلام ـ سَلبُ رِدائهاأهوى بهـا الشيطـان في أهوائها (2)1 ـ المصدر : ديوان ابن كمّونة ، طبع قم ـ ايران ، عام 1411 هـ ص 95. ورياض المدح والرثاء ، للشيخ حسين البحراني ، طبع ايران ، عام 1420 هـ ص 648.2 ـ ديوان ابن كمونة ، ص 3. (630) وله ( رضوان الله عليه ) شعرٌ آخَر يُخاطب فيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) بقوله :وأمسَيـتَ رَهنَ الحادثات و أصبَحتحَيـارى يُـردِّدنَ النُـواح سَواغبـاًومِن بينها مأوى البَليّات رَبّة الرزيّـفَـريسـة أفـواه الحـوادث زينـبٌتُنـادي وقـد حَـفّ العـدوّ برحلهافمَن مُبلغٌ عنّي الرسـول و حيـدراًبأنـّا سُبينـا ، والحسيـنُ عمـادُنانساؤك بعد الصَون بينَ الأجـانبعُطاشى فلهفي للعُطاشى النـوادبـات حَلفُ الحُـزن أمّ المصـائبومَنهـبُ أنيـاب الرَدى والمَخالبِو تَهتـِف لكن لم تَجد مِن مُجاوبِوفاطمة الزهراء بنـت الأطـائبِغدا موطئـاً للعـاديات الشَوازِب (1)1 ـ الشوازب ـ جمع شازِب ـ : الخَيل الغَضبان ، الذي يُسرع في ركضه للغارة والهجوم. كما يُستفاد من كتاب « العَين » للخليل بن أحمد. |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(631) ويُسرى بنـا نحو الشام فـلا سَقَتونُهدى إلى الطاغي يزيد نتيجة الـو يَنكُتُ ظلماً بالقضيـب مَراشفـاًمعـاهد أرض الشام جونُ السحائبـدَعـيّ ابـن سفيان لَئيم المَناسِبتَرشّفهـا المختار بيـن المُصاحبٍ (1) وله قصيدة أخرى يَصفُ ـ فيها ـ مصيبة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين ( عليه السلام ) ومنها قوله :حُمـاةٌ حَمَـوا خـِدراً أبى الله هَتكهُفأصبـح نَهبـاً للمغـاويـر بعدهميُقنّعها بالسوط « شمرٌ » فـإن شكَتنـوائـح إلا أنّـهـنّ ثـواكــلٌفعَـظّمـه شـأنـاً وشَـرّفه قَـدراومنه بنات المصطفى أُبرزت حَسرىيؤنّبهـا « زَجـرٌ » ويوسِعُهـا زَجراعـواطـش إلا أنّ أعينهـا عَبـرى1 ـ ديوان ابن كمّونة ، ص 12 ـ 13. (632) يَصـون بيُمنـاها الحَيا ماء وَجههاو قُل لسـرايـا شيبة الحمد ما لكمو أعظمُ ما يُشجـي الغَيور دخولهايُقـارعهـا فيـه يـزيـد مَسَبّـةًويَقـرَعُ ثَغـرَ السبـط شُلّت يمينهأينكُـتُ ثَغراً طَيّـبَ الدهـر ذِكرَهويَستُرهـا إن أعوزَ السِتـر باليُسرىقعدتم وقـد سـاروا بِنسـوتكم أسرىإلـى مجلس مـا بارح اللهو والخَمراو يَصـرفُ عنها وجهه مُعرِضاً كِبرافأعظـم به قَرعـاً وأعظِـم به ثَغراًوما بـارَح التسبيـح والحمد والشُكرا (1)1 ـ ديوان ابن كمّونة ، ص 58 ـ 60. (633) وللعالم الجليل الشيخ جعفر النقدي (1) قصيدة نختار منها هذه الأبياتيا دهرُ كُفّ سِهام خطبك عن حشىًفي كـلّ يـوم للنوائـب صـارمٌوأبيتُ والأرزاء تَنهـشُ مُهجَتـيلـم يَبـقَ فيهـا موضعٌ للأسهميَسطو على قلبي ويَقطر مِن دمينَهشاً يهونُ لديـه نَهـشٌ الأرقم (2)1 ـ الشيخ جعفر بن الحاج محمد بن عبد الله التقي الربعي ، المعروف بـ « النقدي » ، : عالم خبير مُتبحّر ، وأديب واسع الإطّلاع ، له مؤلّفات كثيرة تَشهَد له بغَزارة العلم والأدب ، وُلِد في مدينة العمارة بالعراق سنة 1303 هـ ، هاجر إلى مدينة النجف الأشرف ، ودَرسَ فيها حتّى بلغ مرتبة عالية من العلم والثقافة. شَغَل منصِبَ القضاء في مسقط رأسه ( العمارة ) حوالي عشر سنوات. أمّا شعره : فهو مِن الطبقة الممتازة ، وأكثر شعره في مدح أهل البيت ( عليهم السلام ). توفّي ( رضوان الله عليه ) بتاريخ 9/محرم/1370 هـ ، إقتطفنا ترجمة حياته من كتاب ( أدب الطف ) للخطيب السيد جواد شبّر ، ج 10 ص 8. 2 ـ الأرقَم : أخبَثُ أنواع الحَيّات ، وأطلَبُها للناس ، أو : ما في لونه سَواد وبَياض ، أو : ذكرُ الحيات .. والأنثى رَقشاء. كما في كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي. (634) أوَ كـان ذَنبـي أنّنـي مُتمسـّكٌآل النبي المصطفـى مَـن مَدحُهُموإلى العقيلة زينب الكبرى ابنة الـهي رَبّة القَدر الرفيـع رَبيبـة الـمَن فـي أبيهـا الله شَـرّفَ بيتـَهمَن بيتُ نشأتها بـه نـشأ الهـدىضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُهافَضلٌ كشمس الأفق ضاء فلو يشأكانت مَهابتُـها مَهـابة جـدّهـابالعـروة الوثقـى التي لم تُفصَمِوردي وفيهـم لا يـزالُ تـَرنّميـكرّار حيـدر بالـولايـة أنتَميـخِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِموبجَدّها شَرَفُ الحطـيمِ وزَمـزَمِوبـه الهـدايـة للصـراط الأقوموسَمَت فضائلهـا سُمـوّ المـرزمِ (1)أعـداؤها كتمـانَـه لـم يُكـتَـمِخيرِ البـريّة والرسـول الأعـظم1 ـ المِرزَم : السحاب الذي لا ينقطع رَعده. كما في « لسان العرب ». (635) كانـت بلاغتُها بلاغة حيدر الـقد شابَهَت خيـر النسـاء بهَديهاومُقيمةَ الأسحار فـي مِحـرابهاشَهِدِت لها سُوَر الكتـاب بأنّهـازَهِدَت بدُنياها وطيـب نَعيمهـاوتَجرّعت رَنقَ الحيـاة وكابَدَت (1)فأثابهـا ربّ السمـاء كـرامةًفلَها ـ كما للشافعين ـ شفاعةبَلغت من المجد الموثّل موضعاًـكـرّار إن تَخطب وإن تتكلّمِووقارها وتُقىً وحُسـنِ تـكرّمِتَدعو وفي الليل البَهيم المُظلـممِن خير أنصار الكتاب المُحكمِطلَباً لمرضات الكريـم المُنعـممِن دَهرها عيشاً مريـرَ المطعمِفيها سوى أمثالهـا لـم يُـكرمِيوم الجزاء بها نجـاة المجـرمما كـان حتى للبتـولة مريـم1 ـ رَنقَ الحياة : كدَرّ الحياة ، يُقال : رَنَقَ عَيشُه : أي كَدِرَ. (636) كـلا ولا لِلطُـهـر حـَوّا أو لآهذي النساء الفُضلَيات وفي العُلافاقَـت بـه كـلّ النسـاء ، ورَبّهالكنّ زينـب في عُـلاها قد سَمَتفي عِلمِهـا وجمـالهـا وكمـالهامَن أرضَعَتهـا فاطـمٌ دَرّ العـُلىعن أمّها أخـذت علوم المصطفىحتى بهـا بلغـت مقامـاً فيه لَمشَهِـد الإمـام لها بـذاك وأنّهـاولهـا بيوم الغاضـريّـة موقفٌسيـةٍ وليس لأختِ موسى كلثَمِكـلٌ أقامـت فـي مقامٍ قَيّـمِفي الخُلد أكرَمَهـا عظيم المَغنَمِشَـرَفاً تأخّـر عنـه كلّ مقدّمِوالفضل والنَسَبِ الرفيع الأفخمِمِن ثديها فَعَنِ العلـى لم تُفطِمِوعلوم والدهـا الوصيّ الأكرمتَحتَـج لِتَعـليـمٍ ولا لمعـلّـمِبعد الإمام لهـا مقـام الأعلـمأنسى الزمان ثَبات كلّ غَشَمشَمِ(637) حَمَلَـت خطـوباً لو تَحَمّل بعضَهاورأت مُصابـاً لـو يُلاقي شَجوَهافي الرُزء شاركـت الحسين وبعدهكانـت لنسوتـه الثـواكل سلـوةًومُصابها فـي الأسـر جَدّد كلّماودخـول كـوفـانٍ أبـاد فؤادهالم أنسَ خُطبتهـا التـي قَلَمُ القَضانَزلت بها كالنار شـبّ ضـرامهاجاءت بهـا عَلَويّـةً وقعـت علىلانهـارَ كـاهـل يذبلٍ ويَلَملَـمِالعَذبُ الفرات كسـاه طعم العَلقمِبَقِيـت تـُكافـح كلّ خطبٍ مؤلمعُظمـى وللأيتـام أرفـَقَ قـَيّمِكانت تُقاسيـه بعـشـر محـرّمِلكن دخول الشـام جـاء بأشـأمِفي اللوح مثل بيانهـا لم يُـرقـمِفي السامعين ، من الفؤاد المُضرَمِقلب ابن ميسـونٍ كوقـعِ المِخذَم(638) أوداجه انتَفَخت بها فكأنّمافيها السيوف أصبنّه في الغلصمِ (1)**** أشقيقـة السبطيـن دونـك مدحةًتمتـاز بالحـق الصـريح لو أنّهايَسلو المحبّ بها وتطعـن في حَشابيَميـن إخلاصـي إليك رَفعتُهـاوعليكِ صلـى الله ما رُفعـَت لهقِسّ الفَصاحة مِثلَهـا لم يَنـظمِقيسَت بشعر البُحتـري ومسلـمِأعداء أهل البيـت طعـن اللهذم (2)أرجو خلاصي من عذاب جهنّمِأيدي مُحِـلٍّ بالدعـاء ومحـرِمِ1 ـ الغَلصَم : رأس الحُلقوم. كما في « لسان العرب ». 2 ـ اللّهذم : سيفٌ لَهذم : أي حادّ ، وقيل : كل شيء قاطع .. مِن سيف أو سنان. « لسان العرب » (639) رغم كثرة ما قيل من الشعر في مدح ورثاء آل رسول الله الطاهرين .. فإنّ قصائد السيد حيدر الحلّي لا زالت متألّقة ومتفوّقة في سماء الشعر والأدب ، فقوّة التعبير ، وجمال الوَصف ومميّزات أخرى تجعل الإنسان حائراً أمام هذا المستوى الرفيع من الشعر ، والبيان الساحر ، والصياغة الرائعة الفريدة ! ولا عَجَبَ من ذلك ، فقد كتبوا عن هذا الشاعر العظيم أنّه ـ رغم مواهبه وثقته بنفسه وشعره ـ كان يُجري على بعض قصائده لَمَسات فاحِصة ، يقوم خلالها بالتغيير والتعديل والتجميل ، ويَستمرّ على هذا المنوال مدة سنة كاملة ، ولذلك جاء التعبير عن بعض قصائده بـ « الحَوليّات » !! (1) أمّا شعره عن السيدة زينب الكبرى : فالجدير بالذكر أني قرأت ( ديوان السيد حيدر الحلي ) ولم أجِد فيه التصريح باسم السيدة زينب ( عليها السلام ) رغم أنّه يتحدّث عنها وعن مصائبها الأليمة في كثير من قصائده الحسينيّة الرائعة ! فكأنّ التَهيّب والحياء ورعاية الأدب في السيد ، وجلالة1 ـ السيد حيدر بن السيد سليمان الحلّي ، وُلدَ في مدينة الحلة بالعراق سنة 1246 هـ ، وتوفّي سنة 1304 ، كان عالماً جليلاً ، وشاعراً مُجيداً ، وكان سيّد الأدباء في عصره. (640) وعظمة مقام السيدة زينب ، وَضَعت أمامه حدوداً آلى على نفسه أن لا يتخطّاها ، ومنها التصريح باسم السيدة زينب عند ذكر مصائبها ، إذ من الصعب عليه ـ وهو الإبن البارّ لأهل البيت الطاهرين الغيور عليهم ـ أن يُصرّح بتفاصيل المأساة ، فشخصيّة السيدة زينب عظيمة فوق كلّ ما يتصوّر ، والمصائب التي انصَبّت عليها هي في شدّة الفظاعة ، فهو لا يذكر اسمها بل يُشير ويُلمّح ، ويرى أنّ التلميح خيرٌ من التصريح ، « والكناية أبلَغ مِن التصريح » ، ولعلّ الرعشة كانت تستولي على فكره وقريحته وقلمه ، فتمنعه من التصريح ، وانهمار الدموع لم يكن يسمح له أن يُبصِر ما يكتُب ! فاكتفى أن يحومَ حول الحِمى والحدود فقط. ففي إحدى قصائده الخالدة يقول :خُذي يا قلـوب الطالبيّين قُرحَةًفإنّ التي لم تبرح الخِدر أُبرزَتتزول الليالي وهي دامية القِرفِ (1)عَشِيّةَ لا كهفٌ فتأوي إلى كَهفِ1 ـ القِرف ـ بكسر القاف ، وقيل : بفتح القاف ـ : القِشر ، يُقال : تقرّفت القُرحَة : أي تَقشّرت بعد يُبسها. دامية القِرف : أي دائمة التَقشّر بسبب عدم بُرئها ، واستمرار نَضح الدم والقَيح منها. (641) لقد رَفعَـت عنهـا يد القوم سَجفهاوقد كان من فـرط الخفارة صوتهاوهاتفةٍ نـاحت علـى فقـد إلفِهـالقد فَزِعت من هجمـة القوم وُلَّهـاًفنـادت عليه حيـن ألفَتـه عـارياًحَملتُ الرزايا ـ قبل يومك ـ كلّهاوكان صفيـح الهنـد حاشيـ السَجف (1)يُغَضُّ فغُضّ اليوم مِـن شـدّة الضَعفِكمـا هتفـت بالـدَوح فاقـِدةُ الإلـفإلى ابن أبيها وهو فوق الثـرى مُغفـيعلى جسمه تسفي صبـا الريح ما تَسفيفما أنقَضَت ظهـري ولا أوهَنـَت كَتفي (2)1 ـ الصَفيح : السيف العريض ، وقيل : الصفيح الجَنب. الهِند : السيف. السَجف ـ بفتح السين وكسرها ـ : السِتر المُرخى ، وقيل : هو الستر المؤلّف من قماشين مقرونَين ، أو قماش وبِطانة للقماش. 2 ـ ديوان السيد حيدر الحلّي ، طبع لبنان ، عام 1404 هـ ، ج 1 ص 96. (642) ويقول ( رحمة الله تعالى عليه ) ـ في قصيدة أخرى ، يَصِفُ فيها ساعة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين ( عليه السلام ) بَعدَ مقتل الإمام ـ :وحائرات أطـارَ القـوم أعينَهـاكانت بحيثُ عليهـا قومُها ضربتيكاد من هيبـةٍ أن لا يطـوف بهفغودِرَت بين أيـدي القوم حاسرةًنَعـم لَـوَت جيـدها بالعَتبِ هاتفةًعَجّت بهم مُذ على أبرادِها اختَلَفترُعباً غداة عليهـا خِدرَها هجمواسُرادقاً أرضـه مِن عِزّهم حَرَمُحتـى الملائك لـولا أنّهم خَدَمُتُسبى وليس ترى مَن فيه تَعتَصِمُبقومهـا وحشاهـا مِلـؤُهُ ضَرَمُأيدي العَـدوّ ، ولكن مَن لها بِهِمُ (1)1 ـ ديوان السيد حيدر الحلي ، ج 1 ص 105. (643) وله قصيدة أخرى يقوله فيها :وأمضُّ ما جرعت من الغصص التيهتك الطغاة على بنات محمدٍفتنازعت احشاءها حرق الجوىعجباً لحلم الله ، وهي بعينهقدحت بجانحة الهدى ايراءهاحُجب النبوة خِدرها وخباءهاوتجاذبت أيدي العدوِّ رِداءَهابرزت تطيل عويلها وبكاءها (1)1 ـ ديوان السيّد حيدر الحلّي ، ج 1 ص 54. (644) إنّ الإنسان المُنصِف إذا وقف موقف الحياد ، ونظر نظرة فاحصة إلى ملف رجالات الشيعة ، وتتبع أحوالهم في أي مجالٍ من مجالات العلوم والفنون ، يجد أمامه الكفاءات العظيمة ، والقابليات الفريدة الّتي تناطح السحاب علواً وسمواً ، في كلّ مجالٍ من المجالات ، وفي مختلف العلوم والفنون. أجل .. إنّ الكفاءات عند المسلمين الشيعة كثيرة جداً وجداً وجداً ، ولكن ينقصها شيئان : 1 ـ التشجيع الكافي من القيادات الشيعية العُليا !! 2 ـ الحريّات الكافية والمناخ المناسب ، الذي يُساعد على نموّ الطاقات ، وبروز المواهب ، وظهور القابليات ، وتبلور العبقريات. بعد هذا التمهيد .. أقول : لا نجدُ في تاريخ العرب والإسلام شاعراً نظم ملحمة شعرية والتزم فيها بقافية واحدة ، وكان طويل النفس إلى أقصى حد .. سوى العلامة الأديب الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ( رحمة الله تعالى عليه ) فإنّ ملحمته الشعرية ـ رغم بساطتها وسلاسة التعبير فيها ـ فريدة .. ولا مثيل لها في التأريخ ، حيث إنّ أبياتها تُناهزُ الخمسين (645) ألف بيتاً (1) !! وقد اخترنا من ملحمته الفريدة بعض الأبيات حول سيدتنا زينب الكبرى ( سلام الله عليها ) :هي أزكى صديقةٍ قد تربّتوتغذت من فيض علم عليوارتوت بالمعين نهلاً وعلاًوتبنت نهج البلاغة نهجاًبين حجر الصديقة الزهراءوعلوم النبيّ خير غذاءمن علوم السبطين خير ارتواءوهو فيض من سيد البلغاء1 ـ هو الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي. شاعرٌ مجيد ، واديب شهير ، وخدم آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقريحته الشعرية المميزة. ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1335 هـ. كان من أبرز صفاته : التواضع ونُكران الذات .. رغم علمه الوافر ومواهبه الكثيرة. فارق الحياة سنة 1404 هـ رضوان الله عليه. |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(646) وهي كانت تُفضي بعهد عليّورآها الوصي تروي ظماءًقال : هذي الحروف رمز خفيّوبعهد السجاد للناس تفتيوعليّ السجاد أثنى عليهاكان يروي ( الثبت ابن عباس ) عنهاحيث كانت في الفقه مرجع صدقٍبعلوم الأحكام بين النساءمن علوم القرآن خير رواءلمصاب الحسين في كربلاءبدلاً عنه وهو رهن البلاءوعليّ من أفضل الأمناءوهو حَبرٌ من أفضل العلماءلرواة الحديث والفقهاء**** هي قُدسٌ به العفاف تزكّىوهي أزكى قدساً من العذراء(647) هي قلبُ الحسين صبراً وبأساًوهي أختُ الحسين عيناً وقلباًشاركته بنهضة الحقّ بِدءاًوجهاد الحسين اصبح حيّاًوعظيم الإيمان منها تجلّىربّ هذا قرباننا لك يهدىوعباداتُها وناهيك فيهاحين تأتي بوردها من جلوسٍعند دَفع الخطوب والأرزاويداً في تحمل الأعباءوختاماً وفي عظيم البلاءبجهاد الحوراء للأعداءحين قالت والسبطُ رَهنَ العراء :فتقبل منا عظيم الفداءوهي أسمى عبادة ودعاءوهي نضوٌ من شدة الإعياء (1)1 ـ كتاب « ملحمة أهل البيت » للشيخ الفرطوسي ، ج 3 ص 372 و 373 (648) وللشاعر البارع العلامة الجليل السيّد رضا الموسوي الهِندي (1) هذه القصيدة الشَهيرة :إنْ كانَ عندكَ عبرة تجريهافعسى نبُلّ بها مضاجع صفوةٍولقد مررت على منازل عصمةٍفبكيت حتى خِلتُها سستجيبُنيوذكرتُ إذ وقفت عقيلة حيدرٍبأبي التي وَرِثَتْ مصائب أمّهالم تله عن جمع العيال وحفظهمفانزل بأرض الطفّ كي نسقيهاما بلّت الأكباد من جاريهاثِقلُ النوة كان ألقي فيهاببُكائها حزناً على أهليهامذهولة تصغي لصوت أخيهافغدت تقابلها بصبر أبيهابفراق إخوتها وفقد بنيها1 ـ هو السيّد رضا بن السيّد محمّد بن السيّد هاشم المُوسَوي المعروف بالهندي ، لهجرة أحد آبائه إلى الهند. وُلِدَ عام 1290 هـ في مدينة النجف الأشرف. درسَ علومَ العربيّة وعلمَ الفقه والكلام والمنطق حتّى بَلَغَ درجةً عالية ، فكان عالماً جليلاً ، وشاعراً قديراً ، وأديباً متفوقاً. وله مؤلفات مخطوطة. من أشهر أشعاره : « القَصيدة الكَوْثَريّة » الّتي أشتهِرَت شهرةً عالمية. فارق الحياة سنة 1362 هـ في مدينة النجف الأشرف ، وشُيّع جثمانه تشييعاً عظيماً ، رحمة الله تعالى عليه. (649) لم أنسَ إذ هتكوا حِماها فانثَنَتْتدعو فتحترق القلوب كأنَّهاهذي نساؤك مَن يكونُ إذا سَرَتْأيسوقها « زجر » بضرب متونهاعجباً لها بالأمس أنتَ تصونُهاوسَروا برأسِِك في القَنا وقلوبهاإن أخّروه شجاه رويةُ حالهاتَشكو لَواعجها إلى حاميها (1)يرمي حشاها جمره من فيهافي الأسر سائقها ومن حاديهاو « الشمر » يحدوها بسبّ أبيهاواليومَ آلُ أميةٍ تُبديهاتسمو إليه ، ووجدها يضنيهاأو قدموه فحاله يشجيها (2)1 ـ لواعجها. لواعج ـ جمع لعج ـ : آلامَها وأحزانها. قال ابن دريد ـ في كتابه : جمهرة اللغة ـ : « اللعج : ما وجده الإنسان في قلبه من ألم أو حزن ». وقال إبن منظور ـ في كتابه : لسان العرب ـ : « لَعَجَه الضرب : آلمَه وأحرق جلده ، واللعج : ألم الضرب وكل محرق ». 2 ـ المصدر : ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، الطبعة الأولى ، بيروت ـ لبنان ، عام 1409 هـ ، ص 47. (650) وللسيّد رضا الموسوي الهندي قصيدة رائعة أخرى ، في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ، وفيها يصف حال السيدة زينب حينما حضرت عند جسد أخيها العزيز ، وإليك هذه الأبيات المختارة :حرّ قلبي لزينب إذ رأتهأخرس الخطب نطقها فدعتهيا منار الضلال والليل داجٍكنتَ لي ـ يومَ كُنت ـ كهفاً منيعاًترب الجسم مثخناً بالجراحبدموع بما تُجن فصاح (1)وظلال الرميض واليوم ضاحي (2)سجسج الظل خافق الأرواحِ (3)1 ـ بما تجن : أي بما تخفي ، بمعنى : أنّ الدموع تفصح وتخبر عما تخفيه ـ في قلبها ـ من الهموم والأحزان. ويقرأ البعض : بما تُكِنُّ. 2 ـ الرميض : اليوم الشديد الحرّ ، والشمس الشديدة الحرارة. واليوم ضاحي : أي : عديم السحاب. قال ابن زكريا ـ في كتاب معجم اللغة ـ : « الرمض : حرُّ الحجارة من شدة حرّ الشمس ». 3 ـ سجسج الظل : لا حرّ فيه ولا برد ، بل هواءٌ معتدل طيب. المعجم الوسيط. (651) أترى القوم إذ عليك مررناإن يكن هيناً عليك هواني (1)ومسيري أسيرة للأعاديفبرغمي أنّي أراك مقيماًلكَ جسم على الرمال ، ورأسٌمنعونا من البكا والنياحواعترابي مع العدى وانتزاحيوركوبي على النياق الطلاح (2)بين سُمر القنا وبيض الصفاحرفعوه على رؤوس الرماح (3)1 ـ لعلّ الأولى قراءته هكذا : لم يكُن هيّناً علك هواني. رغم كونِ هذا الكلام لسان الحال ، وهو لُغَة عاطفيّة .. تُستعمل حين التكلم عند جثمان أو قبر الميّت. 2 ـ الطلاح : الإبل الهزيلة المتعبة. 3 ـ ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، ص 54. (652) وله قصيدة أخرى يقول فيها :هذا ابن هندٍ ـ وهو شرّ أمية ـويصون نسوته ويبدي زينباًلهفي عليها حين تاسرها العدىوتبيح نهب رحالها وتنيبهاسلبت مقانعها وما أبقت لهامن آل أحمد يستذل رقابامن خدرها وسكينة ورباباذُلّاً (1)وتركبها النياق صعاباعنها رحال النيب والأقتاباحاشا المهابة والجلال حجابا (2) وهناك قصيدة أخرى منسوبة إلى السيّد رضا الموسوي ، قد عُثر على خمسة أبيات منها ، فأعجب بها الخطيب الجليل الشيخ محمد سعيد المنصوري ، فانشَدَ أبياتاً شعرية على نفس الوزن والقافية وأضافها إليها ، وإليك الأبيات الخمسة ثم الأبيات المضافة إليها :« سلامٌ على الحوراء ما بقي الدهرسلام على القلب الكبير وصبرهوما سطعت شمسٌ وما أشرق البدربيومٍ جرت حزناً له الأدمعُ الحُمرُ1 ـ لعلّ الأولى قراءته : ظُلْماً .. بدلاً عن : ذُلاً. 2 ـ ديوان السيّد رضا الموسوي الهندي ، ص 43. (653) جحافل جاءت كربلاء بأثرهاجرى ما جرى في كربلاء وعينهالقد أبصرت جسم الحسين مبضّعاًرأته ونادت يابن أمي ووالديأخي إنّ في قلبي أسىً لا أطيقُهأيدري حسامٌ حزّ نحرك حدهعليّ عزيزٌ أن أسير مع العدىأخي إن سرى جسمي فقلبي بكربلاأخي كلُّ رُزءٍ غير رزئك هيّنٌجحافل لا يقوى على عدها حصرترى ما جرى ممّا يذوب له الصخرفجاءت بصبرٍ دون مفهومه الصبر »لك القتل مكتوبٌ ولي كتب الأسرُوقد ضاق ذرعاً عن تحمله الصدربه حزّ من خير الورى المصطفى نحروتبقى بوادي الطفّ يصهرك الحرُّمقيمٌ إلى أن ينتهي منّي العُمرُوما بسواه اشتدّ واعصوصب الأمرُ(654) أ اُنعم في جسمٍ سليمٍ من الأذىأخي بعدك الأيّامُ عادت ليالياًلقد حاربت عيني الرقاد فلم تنمأخي أنت تدري ما لأختك راحةٌفلا سلوةٌ تُرجى لها بعد ما جرىايمنعك القوم الفرات ووردهأخي أنت عن جدّي وأمّي وعن أبيمتى شاهدت عيناي وجهك شاهدتومذ غبت عنّي غاب عني جميعهموجسمك منه تنهلُ البيض والسُمرُعليّ فلا صبح هناك ولا عصرولي يا أخي إن لم تنم عيني العذروذلك من يومٍ به راعها الشمروحتّى الزلال العذب في فمها مُرُّوذاك إلى الزهراء من ربّها مَهْرُوعن حسنٍ لي سلوةٌ وبك اليسروجوههم الغراء وانكشف الضرففقدك كسر ليس يرجى له جبر (1)1 ـ كتاب ( ميراث المنبر ) للخطيب الأديب الشيخ المنصوري ، ص 274. (655) وللشاعر الأديب ، الموالي المخلص الحاج هاشم الكعبي (1) قصيدة غراء تعتبر من أقوى وأشهر ما قيل من الشعر في رثاء سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهي تتجاوز 136 بيتاً ، وفيها يصف حال حفيدات الرسالة وبنات الإمامة بعد مقتل سيّد الشهداء ، وخاصّة سيّدتنا الحوراء العقيلة زينب الكبري ( عليها السلام ) فيقول :وثواكلٌ في النوح تسعد مثلهاحنت فلم تر مثلهن نوائحاًعبراتها تحيي الثرى لو لَم تكنأرأيتَ ذا ثكلٍ يكونُ سعيداإذ ليس مثلُ فقيدهن فقيدازفراتها تدع الرياض همودا1 ـ الحاج هاشم بن حردان الكعبي ، وُلد في « الدورق » في ضواحي مدينة الأهواز ـ جنوب إيران ـ ثمّ هاجَرَ إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، فدرس في الحوزة العلمية هناك ، حتّى صار من أهل العلم والفضل ، وبرع في الشعر والأدب ، ولَمعَ نجمه حتّى حلَّق في عداد أبرز الشعراء المتألقين .. ليس في عصره فحسب ، بل في تاريخ الشعر والأدب .. وفي مختلف العصور ! توفّي سنة 1231 هـ ، رحمة الله تعالى عليه. (656) وغدت اسيرة خدرها أبنة فاطمٍتدعو بلهفة ثاكلٍ لعب الأسىتخفي الشجا جلداً فإن غلب الأسىنادت فقطّعت القلوب بصوتهاإنسان عيني يا حسين أخي ياما لي دعوت فلا تجيب ولم تكنألمحنةٍ شغلتك عنّي أم قلىًلم تلق غير أسيرها المصفودابفؤاده حتّى انطوى مفؤداضعفت فأبدت شجوها المكمودالكنّما انتظم البيان فريداأملي وعقد جماني المنضوداعودتني من قبل ذاك صدوداحاشاك إنّك ما برحت ودودا (1)1 ـ رياض المدح والرثاء ، ص 481. (657) وللعالم الجليل الأديب النبيل الشيخ علي بن الحسين الحلّي الشفهيني (1) قصيدة رائعة نختار منها هذه الأبيات :وعليك خزيٌ يا أميةُ دائماًهلا صفحتِ عن الحسين ورهطهوعففت يوم الطفّ عفة جدّه الـأفهل يدٌ سَلَبت إماءك مثلماأم هل برزن بفتح مكة حُسّراًيبقى ، كما في النار دامَ بقاكِصفح الوصيّ أبيه عن آباكـمبعوث يوم الفتح عن طلقاكِسَلَبَتْ كريماتِ الحسين يداكِـ كنسائه يوم الطفوف ـ نساك1 ـ هو الشيخ علي بن الحسين الحلّي الشَفَهيني ( رحمة الله تعالى عليه ). لم يعرف ـ بالضبط ـ تاريخ ولادته أو وفاته ، إلا أنّه يعد من شعراء القرن الثامن الهجري ، كانَ عالماً جليلاً ، وشاعراً أديباً ، مَدَحَ أهل البيت ( عليهم السلام ) بقريحته الشعرية بنسبة كبيرة ، حتّى سجّل إسمه في سجل شعرائهم المتألقين في رتبة شعره. (658) بئسَ الجزاء لأحمدٍ في آلهلهفي لآلك يا رسول الله فيما بين نادبةٍ وبين مروعةٍتالله لا أنساكِ زينب ، والعدىلم أنس ـ لا والله ـ وجهك إذ هوتحتّى إذا همُّوا بسلبك صحت باسـتستصرخيه أسىً وعزّ عليه أنوبنيه يوم الطفّ كان جزاكِأيدي الطغاة نوائحاً وبواكيفي أسرِ كلِّ معاندٍ أفّاكِقسراً تجاذب عنك فضل رداكِبالردن ساترةً له يمناك (1)ـم أبيك ، واستصرخت ثم أخاكِتستصرخيه ولا يجيب نداك (2)1 ـ الرُدْن : الكُمّ. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، ص 22 و 23. (659) وللسيّد محمّد بن السيّد مال الله القَطيفي (1) قصيدة غرّاء ، جاءَ فيها :قتل الحسين فيما سما ابكي دماًمنعوه شرب الماء ، لا شربوا غداًولزينب ندب لفقد شقيقهااليوم أصبغُ في عزاك ملابسياليوم شبُّوا نارهم في منزلياليوم ساقوني بظلم يا أخيحزناً عليه ويا جبالُ تصدعيمن كفّ والده البطين الأنزعتدعوه يابن الزاكيات الرُكّعِسوداً وأسكُبُ هاطلات الأدمعوتناهبوا ما فيه حتّى برقعيوالضرب ألَّمَني وأطفالي معي1 ـ السيّد محمّد بن السيّد مال الله ، المشهور بلقب ( أبو الفلفل ) من أهل مدينة القطيف ، هاجَرَ إلى العراق ، وسَكَنَ في مدينة كربلاء المقدسة ، إلى أنْ وافاه الأجل عام 1261 هـ. كان شاعراً حسينياً مجيداً ، رحمة الله عليه. (660) لا راحِمٌ أشكو إليه مصيبتيحال الردى بيني وبينك يا أخيأنعم جواباً يا حسين أما ترىفأجابها من فوق شاهقة القناوتكفلي حال اليتامى وانظريلم ألف إلا ظالماً لم يخشعلو كنت في الأحياء هالَك موضعيشِمرَ الخنا بالسوط ألَّمَ أضلعيقضي القضاء بما جرى فاسترجعيما كنتُ أصنعُ في حماهم فاصنعي (1)1 ـ موسوعة ( أدَب الطّف ) للعلامة الخطيب المجاهد السيّد جواد شُبّر ، ج 6 ص 50 ، والأبيات الثلاثة الأخيرة غير مذكورة في كتاب ( أدب الطف ). |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(661) وللشاعر الأديب الشيخ عبد الحسين بن أحمد شكر (1) ( رحمة الله عليه ) قصيدة يستنهض فيها الإمام المهدي المنتظر ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) ويطلب منه أن يعجّل بالظهور ، لكي يطلب بثار جدّه الشهيد الإمام الحسين عليه السلام ، يقول فيها :أتنسى ـ وهل يُنسى ـ وقوف نسائكموعمتك الحوراء أنّى توجهتفما زينبٌ ذات الحجال ومجلساًلها الله من مسلوبةٍ ثوب عزّهالدى ابن زيادٍ إذ أماطَ حجابهارأتْ نائبات الدهر تقرع بابهابه أسمَعَ الطاغي عداها خطابهاكستها سياط المارقين ثيابها1 ـ جاء في كتاب ( أدب الطف ) ما ملخصه : الشيخ عبد الحسين بن الشيخ أحمد بن شكر ، له قصائد كثيرة في رثاء أهل البيت ، وقد نالت أكثر قصائده إعجاب خطباء المنبر الحسيني الكرام ، فهم يزينون مجالسهم ومحاضراتهم بها. لا نعلم سنة ميلاده بالضبط. فارق الحياة سنة 1285 هـ. حُكي أن ( آل شكر ) أسرةٌ شريفة سكنت مدينة النجف الأشرف ، منذ زَمَن قديم ، وأصلُهم من عَرَب الحجاز. لمعرفة المزيد عن حياته يراجع كتاب ( أدب الطف ) للسيّد جواب شُبّر ج 7 ص 187. (662) تعاتب آساداً فنوا دون خدرهابني هاشمٍ هتكن منكم حرائرٌتخوض المنايا لو يعون خطابها (1)حميتُم ، ببيض المرهفات قبابها (2) وله قصيدة اخرى يقول فيها :وترى مخدرة البتولة زينباًمن حولها أيتام آل محمّدٍلا تبزغي يا شمس من أفُقٍ حياًذوبي فانّك قد أذبت فؤاد منوتقشعي يا سحب من خجلٍ ولافبنات أحمدَ في الهجير صوادياًحرمٌ لهاشم ما هَتَفْنَ بهاشمٍوالخطبُ يصفق بالأكفّ جبينهايتفيؤون شمالها ويمينهامن زينبٍ فلقد أطلت أنينهاكانت تظللها الأسود عرينهاتسقي الظماة مدى الزمان معينهاأودى بها ظمأ يشيب جنينهاإلا وسودت السياط متونها (3)1 ـ لعلّ الأصحّ : بِخَوضِ المنايا. 2 ـ رياض المدح والرثاء ص 651. 3 ـ نفس المصدر ، ص 337. (663) وله قصيدة أخرى يقول فيها :أيها الراكب المجد إذا ماعج على طيبةٍ ففيها قبورٌإنّ في طيّها أسوداً إليهافإذا أستقبلتك تسأل عنّافاشرح الحال بالمقال وما ظنّـنادِ ما بينهم بني الموت هبّواتلك أشياخكم على الأرض صرعىنفحتْ فيك للسُرى مرقال (1)من شذاها طابت صبا وشمالتنتمي البيضُ القنا والنبالُمن لؤيٍ نساؤها والرجالـي يخفى على نزار الحالقد تناهبنكم حدادٌ صقالُلم يبلّ الشفاه منها الزلالُ1 ـ المرقال : الإبل الّتي تسرع في السَير. المعجم الوسيط. (664) غسلتها دماءها ، قلبتهاونساء عودتموها المقاصيـهذه زينبٌ ومن قبل كانتوالّتي لم تزل على بابها الشاأمْسَت اليوم واليتامى عليهاأرجُلُ الخيل كفنتها الرمالـر ركبن النياق وهي هزالٌبفنا دارها تحطُّ الرحالهق تلقي عصيها السؤاليا لقومي تصدق الأنذال (1)1 ـ رياض المدح والرثاء ، ص 324. (665) ولخطيب المنبر الحسيني العلامة المجاهد المرحوم الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي (1) قصيدة في رثاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومنها هذه الأبيات :خرّ قطب الوغى على الترب ظامٍفبكته السما هناك نجيعاًجسمه بالضبا جريحاً كليما (2)وبها مأتمُ العزاء أُقيما (3)1 ـ هو الشيخ هادي بن الشيخ صالح بن مهدي الخفاجي. وُلد سنة 1908 م. أكمل دراسته في الحوزة العلمية بمدينة كربلاء المقدسة ، وتتلمذ ـ في الخطابة ـ على يد خطيب كربلاء الشيخ محسن أبوالحَب. كانتْ له قدرة عجيبة على تهييج العواطف وإبكاء العيون ، حتّى فاق زملاءه ومعاصريه في هذه المزيّة. وكان ناجحاً ـ بنسبة عالية ـ في تجسيد ووصف المشهد الذي يذكره من لقطات فاجعة كربلاء الدامية. لَحِقَ بالرفيق الأعلى ليلة 30 / 6 / 1412 الموافق لـ 4 / 1 / 1992 م ، وجرى لجنازته تشييع مهيب في مدينة كربلاء. ودفن في ( وادي كربلاء ). تغمده الله برحمته الواسعة. 2 ـ كليما : مجروحاً. 3 ـ هذه الجملة إشارة إلى حادثة كونيّة وواقعة غيبيّة ! ورد ذكرها في كلمات زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهي : « وفجعت بك أمّك فاطمة الزهراء ، واختلفت جنود الملائكة المقربين تعزّي أباكَ أمير المؤمنين ، وأقيمت لك المآتم في أعلى عليّيّن ، تلطم عليك فيها الحور العين ، وتبكيك السماوات وسُكانها ... ». المصدر : بحار الأنوار للشيخ المجلسي ، ج 98 ص 241 ، باب 35. (666) وبنات الهدى برزن حيارىوأمام النساء حلف الرزاياتندب السبط والدموع هوامىٍحر قلبي لقلبها مذرأتهايا أخي من ترى يذود الأعاديتندب الندب والهمام الكريمازينب من غدت تقاسي العظيماولظى الوجد في الفؤاد أقيماوبنو الشرك منه حزوا الكريمابعدكم من ترى يحامي اليتيما (1) وللشيخ هادي الخفاجي الكربلائي قصيدة أخرى ، نقتطف منها هذه الأبيات :لو كان يبقى للمحب حبيبهفقد الأحبة والحماة بكربلالم أنسه لمّا رأى أهل الوفاقطع الرجا منهم وعاد مودّعاًفبرزن من حرم الإله بندبهاما عاد حيراناً سليل محمّدوبقي فريداً لا يرى من منجدصرعى على حر الثرى المتوقّدحرم المهيمن من عقائل أحمدولهى بنعي موجعٍ وتوجّد1 ـ كتاب « ذكرى خطيب كربلاء » بقلم نخبة من أدباء كربلاء ، طبع بيروت ، دار الكتاب والعترة ، ص 19. (667) وعليه درن صوارخاً ونوادباواشدها حرقاً عقيلة أحمدٍمن بعد فقدك يا حمانا ملجأمن ذا ترى يحمي حماها إن غَدَتمن بعدكم قد عيل صبري وانفنىأم كيف سلواني وخيل بني الشقاولنعيها قد ذاب صم الجلمدتدعو أخاها السبط في قلبٍ صديللحائرات ولليتامى الفقدمن ضرب أعدها تدافع باليدعمري لرزئكم وبان تجلّديتعلو صدوركم تروح وتغتدي (1)1 ـ كتاب « ذكرى خطيب كربلاء » ، ص 20. (668) ولسماحة الخطيب البارع العلامة الشيخ حسين الطرفي (1) هذه القصيدة المميزة بروح الولاء ونكهة الإخلاص وسلامة العقيدة :1 ـ هو الشيخ حسين بن المرحوم الشيخ عبد العالي. عالمٌ جليل ، وخطيب بارع ، وشاعرٌ أديب. وُلد في مدينة من مدن جنوب إيران ، في اليوم الثالث من شهر شعبان عام 1356 هـ. في السنة العاشرة من عمره هاجر ـ برفقة والده ـ إلى مدينة النجف الأشرف ، لينهل العلم في مدينة « باب مدينة العلم » : الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ). بقي في النجف أربع سنوات ، ثمّ عاد إلى وطنه في جنوب إيران ، ثمّ بعد مدّة .. هاجر إلى مدينة قم المقدسة في إيران ، لإكمال دراسته العليا هناك ، وبقي فيها أربع سنوات. بدأ نظم الشعر في السابعة عشرة من عمره ، وافتتح قريحته الشعرية بقصيدة في مدح رسول الله سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلّم ). هو اليوم .. خطيب بارز يرقى المنبر في الكويت ، ويتصدّى لتأسيس وإدراة مشاريع دينيّة وحسينية في جنوب إيران. من أبرز صفاته : التواضع وسعة المعلومات ، وإتقان علوم اللغة العربيّة. نسأل الله تعالى له مزيد التوفيق ، وطول العمر .. مقروناً بالصحّة والسلامة. (669) بضعة البضعة البتولة فاطمبك يعتز هاشم حين تعزينيابنة المصطفى الذي اختاره اللهوابنة المرتضى عليّ وأسمىثمّ يا صنوة الإمامين طوبىإئذني يا عقيلة الطالبيّينيبتغي الإذن في اقتحام رحابٍحرمٌ لا يحوم فيه سوى المأذونآيةُ الإذن عنده أن سيهدىوكفى تلك نسبةً للمكارمإليه إن قيل يا بنة هاشمرسولاً وللنبيّين خاتموالدٍ لابنةٍ نمتها الأعاظملك أُخت العبّاس بدر الهواشملمستأذنٍ على الباب جاثممن مزاياك واضحات المعالممنكم بأن يرى في المحارملصواب المقال فيك الناظم(670) ليقول الّذي له أنت ِأهلٌشفعي فيه حبه وولاهأسعفيه يسعد بك المتشائمورجاه في أن يكون الخادم**** خصك الله باصطفائك ردءاًقد أقام السبط القوائم للدينرامك السبط للبناء وللهدمشدت ما أسّس الحسين ، وهدتيا لذاك اللسان يفرغ عمّامقولٌ طاح بالعتاة فأودىلإمامٍ على الشريعة قائمليعلو وكنت إحدى القوائملك الله من مشيدٍ وهادمبك مما شاد الطغاة دعائمبين لحيي أبيك سيفاً صارمبابن مرجانة الكفور الظالم(671) واغتدى في الشآم معول هدمٍوأحلت الغرور فيه انهزاماًفل فيه عرش البغيض الحاكمحين في داره أقمت المآتم**** لك قلبٌ ما ضاق وسعاً برزءٍفبكاه من في السماء ومن في الـولكم كنت إذ تعانين ضعفاًجدت بالجهد كلّما تستطيعيـلك عينٌ ترعى اليتامى وتبكيبين حرصٍ على العيال وجودٍلم تطق حمله قلوب العوالمأرض حتّى لقد بكته البهائممن لغوبٍ تبدين أقوى العزائمـن وبذل القوى لحفظ الفواطمللأيامى وما اغتدت عين نائمبدموعٍ سخينةٍ وسواجم(672) ولقد أذهل العقول وقوفٌمعك الحائرات قد حمن من حوففزعتن للصريع على الرمضاءوشهدت الذي جرى من عظيم الـوتحملت ترك شلو حسينٍوتهيأت للتحمل فيماما نسيت الحسين للموت حتّىلك عند الحسين والفكر هائملك ذعراً كما تحوم الحمائميشكو الظما عن الماء صائمـخطب لم يجر مثله في العظائمعارياً والمسير فوق السوائمسوف يأتي من البلاء القادممتِّ والقلب فيه ما الله عالم (1)1 ـ المصدر : ديوان الشيخ حسين الطرفي ، مخطوط. (673) وللشاعر الأديب ، الخطيب البارع ، المرحوم الشيخ محسن أبو الحَب (1) قصيدةٌ في رثاء سيّد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) نقتطف منها هذه الأبيات :وأذكر ولست أراك تنسى زينباًأحسين ! سلواني عليّ محرمٌأخشى البعاد وأنت أقرب من أرىهذا عليلك لا يطيق تحركاًوتهون رحلتنا عليك ورأسك الـوعساك تذكر قلبها الحرّاناأم بعد فقدك أعرف السلواناحولي وأشكو الصدّ والهجراناممّا دهاه من الضنا ودهاناسامي نراه على القنا ويرانا ؟!1 ـ الشيخ محسن أبو الحب : خطيبٌ بارع ، وشاعرٌ أديب ، وعالم متنوع في علومه ، ومتكلم متمكّن في خطابته. له ديوان شعر مخطوط ، كلّه في مدح ورثاء الأئمة الطاهرين. وُلد سنة 1235 هـ ، في أسرةٍ عربية تعرف بـ « آل أبي الحَب ». فارق الحياة ليلة الإثنين 20 / ذي القعدة / 1305 هـ ، ودُفِنَ في مدينة كربلاء المقدسة. (674) لي أخوة كانوا وكنت بقربهمواليوم أسأل عنهم البيض التيواليوم أسأل عنهم السمر الّتيواليوم أسأل عنهم الخيل الّتيذهبوا كأن لم يخلقوا وكأننيأنا بنت من أنا أخت من أنا من أناأحمي النزيل وأمنع الجيراناصارت نحورهم لها أجفاناصارت رؤوسهم لها تيجاناصارت صدورهم لها ميداناما كنت آمنةٍ بهم أوطانالو أنصف الدهر الّذي عادانا(675) ولسماحة الخطيب الأديب الشيخ محمّد باقر الإيرواني (1) القصيدة التالية :يا زائراً قبر القيلة فق وقل :هذا ضريحك في دمشق الشام قدهذا هو الحق الذي يعلو ، ولاسَل عن « يزيدَ » وأين أصبح قبرهأخزاهُ سلطانُ الهوى وأذلَّهأين الطغاة الظالمون وحكمهم ؟أين الجناة الحاقدون ليعلموامنّي السلام على عقيلةِ هاشمِعَكَفَت عليه قلوبُ أهلِ العالميُعلى عليه ، برغم كلّ مخاصموعليه هل من نائحٍ أو لاطم ؟؟ومشى عليه الدهر مشية راغملم يذكروا إلا بلعنٍ دائمهُدمت معالمهم بمعول هادم1 ـ الشيخ محمّد باقر الإيراواني : خطيب معاصر ، وأديب شاعر ، يصرف كثيراً من أوقاته في إغاثة الفقراء والمساكين. نسأل الله تعالى له مزيداً من التوفيق لما يحبه الله ويرضاه. |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(676) ومصيرهم أمسى مصيراً أسوداًيا ويحهم خانوا النبيّ وآلهعمدو لهدم الدين بغضاً منهمكم من دمٍ سفكوا وكم من حرمةٍوبناتُ وحي الله تسبى بينهموا لهفتاه لزينبٍ مسبيةًوترى اليتامى والمتون تسودتفإذا بكت ضربت ، وتُشتَمُ إن شكتبئس المصير إلى العقاب الصارمكم من جناياتٍ لهم وجرائمِللمصطفى ولحيدر ولفاطمهتكوا كذي حنقً ونقمة ناقممن ظالمٍ تهدى لألعن ظالمبين العدى تبكي بدمعٍ ساجمبسياطهم ألماً ولا من راحممن ضاربٍ تشكو الهوان وشاتم(677) وللخطيب الجليل الشاعر النبيل الشيخ محمّد سعيد المنصوري (1)هذه الأبيات الشعريّة ، وقد نظمها بمناسبة وفاة السيّدة زينب الكبرى عليها السلام :اليوم يومٌ حزنه لا يذهبماتت ونار الوجد بين ضلوعهاقد واصلت أيّامها بأنينهاما انفكّ رزءُ الطفّ يأكل قلبهاماتت به أمُّ المصائب « زينبُ »ممّا جرى في الغاضريّة تلهبوحنينها ، ودموعها لا تنصبذاك الصبور لدى الخطوب ، الطيّب1 ـ هو الشيخ محمّد سعيد بن الشيخ موسى المنصوري : خطيب كبير ، وشاعرٌ شهير ، ومؤلّف قدير. وُلدَ في مدينة النجف الأشرف سنة 1350 هـ ، ونشأ فيها ، وأكمَلَ دراسته الحوزوية والخطابيّة ، ثمّ هاجر منها إلى مدينة عبّادان .. جنوب إيران. له قدرة عجيبة في سرعة وسهولة إنشاد الشعر ، بحيث يتذكّر الإنسان قول الله تعالى : ( وألنّا له الحديد ) ! له مؤلفات متعددة تنفع الخطباء بشكل خاص. نتمنّى له مزيداً من التوفيق لخدمة الدين والعقيدة. (678) قلب تحمل من صروف زمانهمحناً ثقالاً قد تحمّل قلبهارأت الأحبة والحسين بجنبهمفوق الصعيد جسومهم وعلى القنافرحاً بقتل ابن النبي وذلكمومشت وسائق ظعنها شمر الخنافقضت زمان الأسر من بلدٍ إلىقد أوضحت بخطابها عمّا خفىلِم لا تكون أميرةً بخطابهابقيت ببحر الحزن تسبح والأسىما منه يذبل خيفةً يتهيبمن حادثاتٍ أمرها مستصعبثاوٍ وكلٌّ بالدماء مخضبرأت الرؤوس ، وخصمها يتقلّبمن كل ما لاقته « زينبُ » أصعبفإذا بكت وجداً تسب وتضربأخرى تؤنّب في الخصوم وتخطبللناس من فضلٍ لها فتعجبواوأمير كلّ المؤمنين لها أببعد الحسين وللمنيّة تطلب(679) حتّى انتهت منها الحياة وقلبهاماتت وما ماتت عقيلة هاشمٍفهي الّتي إن غُيّبت في لحدِهادَعها تُنعَّم في الجنانسفرٌ كبيرٌ بالشجون ومكتبفلها الوجود من المهيمن موهبفلها مواقف شمسها لا تغربيرتاح منها اليوم قلبٌ متعب (1)1 ـ ديوان ميراث المنبر ، للشيخ المنصوري ، الطبعة الأولى ، ص 260. (680) وللشاعر الأديب الحاج عبد المجيد العسكري الكربلائي (1) هذه الأبيات الّتي تنبُع عن قلبه المُفعم بولاء أهل البيت ( عليهم السلام ) :لزينبٍ مرقدٌ يزهو لشيعتهايزورها من له علمٌ بشوكتهاهي ابنةُ المرتضى والطهر فاطمةٍفي الشام بنت رسول الله حاويةٌونوره صاعدٌ للوح والقلمإني لها ومواليها من الخدمحقيدةٌ لنبيّ سيّد الأممأسمى سموًُ وعزّاً غير منعدم1 ـ هو الحاج عبد المجيد بن علي أكبر العسكري. وُلِدَ في مدينة كربلاء المقدسة ، عام 1347 هـ ، شاعر معاصر ، وأديب مثابر. من أشهر صفاته : التواضع ، ورقة قلبه الّتي تجعله ـ حين استماعه إلى مصائب أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ تتسابق دموع عينيه بالإنهما ، فهنيئاً له على هذه الصفة. له ديوان شعر مخطوط ، يقيم ـ حاليّاً ـ في مدينة قم المشرفة ـ بإيران. نتمنّى له مزيد التوفيق والسلامة من آفات الزمان. (681) إنّا نضحّي نفوساً والنفيس لهاهذي الولاية خص الله شيعتهاإنّا نعادي معادي زينبٍ أبداًوليس يدركنا شيءٌ من السامبها ، وليس لهم في الحبّ من ندموإنّه يستحقّ الدوس بالقدم (1)1 ـ ديوان الحاج عبد المجيد العسكري ، مخطوط. (682) (683) 1 ـ الإحتجاج ، للشيخ الطبرسي ، طبع بيروت ـ لبنان ، عام 1403 هـ ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات. مِن مصادر هذا الكتاب 2 ـ أخبار الزينبات ، للسيّد يحيى بن الحسين العبيدلي ، طبع قم ـ إيران ، عام 1401 هـ ، منشورات مكتبة السيّد النجفي المرعشي. 3 ـ أدب الطف ، للسيّد جواد شبّر ، طبع بيروت ـ لبنان ، عام 1409 هـ ، منشورات دار المرتضى. 4 ـ الإرشاد ، للشيخ محمّد بن النعمان المفيد ، طبع إيران ـ قم ، منشورات مكتبة بصيرتي. 5 ـ أسرار الشهادات ، للفاضل الدربندي ، طبع البحرين ، سنة 1415 هـ ، منشورات شركة المصطفى للخدمات الثقافيّة. (684) 6 ـ الإيقاد ، للسيّد محمّد علي الشاه عبد العظيمي ، طبع قم ـ إيران ، عام 1411 هـ ، منشورات مكتبة الفيروزآبادي. 7 ـ بحار الأنوار ، للشيخ المجلسي ، طبع بيروت ـ لبنان ، عام 1403 ، منشورات مؤسّسة الوفاء. 8 ـ تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، طبع طهران ـ إيران ، منشورات مكتبة نينوى الحديثة. 9 ـ تظلم الزهراء ، للسيد رضي بن نبي القزويني ، طبع بيروت ـ لبنان ، عام 1420 هـ. 10 ـ الخصائص الزينبية ، للسيّد نور الدين الجزائري ، طبع قم ـ إيران ، سنة 1418 هـ ، منشورات مكتبة الشريف الرضي. 11 ـ الدرّ النظيم ، للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي ، طبع قم ـ إيران ، عام 1420 هـ ، منشورات مؤسّسة النشر الإسلامي. 12 ـ ديوان إبن كمّونة ، الحاج محمّد علي آل كمّونة الأسدي الحائري ، طبع قم ـ إيران ، عام 1411 هـ ، منشورات مكتبة الشريف الرضي. (685) 13 ـ رياحين الشريعة ، للشيخ ذبيح الله المحلاتي ، طبع طهران ـ إيران ، عام 1370 هـ ، منشورات دار الكُتُب الإسلاميّة. 14 ـ زينب الكبرى ، للشيخ جعفر النقدي ، طبع قم ـ ايران ، عام 1420 هـ ، منشورات المكتبة الحيدريّة. 15 ـ الطرائف ، للسيّد ابن طاووس ، طبع قم ـ ايران ، عام 1400 هـ ، منشورات مطبعة الخيّام. 16 ـ عبرات المصطفين ، للشيخ محمّد باقر المحمودي ، طبع قم ـ ايران ، عام 1417 هـ ، منشورات مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة. 17 ـ عِلَل الشرائع ، للشيخ الصدوق ، طبع بيروت ـ لبنان ، عام 1408 هـ ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. 18 ـ الغيبة ، للشيخ الطوسي ، طبع قم ـ ايران ، عام 1408 هـ ، منشورات مكتبة بصيرتي. 19 ـ كامل الزيارات ، لجعفر بن محمّد بن قولويه ، طبع النجف الأشرف ، عام 1356 هـ ، منشورات المكتبة المرتضوية. (686) 20 ـ الملهوف على قتلى الطفوف ، للسيد ابن طاووس ، طبع قم ـ ايران ، 1414 هـ ، منشورات دار الأُسوة للطباعة والنشر. 21 ـ مناقب آل أبي طالب ، لإبن شهر آشوب ، طبع قم ـ إيران ، عام 1379 هـ ، منشورات مكتبة العلامة. 22 ـ المنتخب للطريحي ، للشيخ فخر الدين الطُريحي النجفي ، طبع قم ـ إيران ، عام 1413 هـ ، منشورات مكتبة الشريف الرضي. 23 ـ معالي السبطين ،للشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري ، طبع قم ـ ايران ، عام 1419 هـ ، منشورات مكتبة الشريف الرضي. 24 ـ نفس المهموم ، للشيخ عباس القمي ، طبع قم ـ ايران ، عام 1405 هـ ، منشورات مكتبة بصيرتي. 25 ـ وقائع الأيّام ، للشيخ المُلا علي الخياباني ، طبع قم ـ إيرن ، عام 1362 هـ ، منشورات مكتبة المصطفوي. |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
مشكورة حبيبتي
ويعطيك العافية لكِ كل الود |
رد: زينب الكبرى عليها السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام على فخر المخدرات وسيدة النساء من بعد أمها الزهراء عليهم السلام السلام على كعبة الأحزان السلام على من تحملت المصائب والنوائب السلام عليكِ ياسيدتي ومولاتي يازينب الكبرى يعتصر قلبي ألماً كُلما ذكرتُ مصائبك ياسيدتي السلام على قلبك الصبور لله صبركِ يازينب ألف شكر أختي للموضوع الكامل والمفيد في حياة فخر المخدرات عليها السلام وما أجمل أن نجعل من هذه السيدة العظيمة مثالاً يقتدى به |
الساعة الآن 09:58 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir