مجلس عزاء السيدة سكينة عليها السلام مكتوب

[شوق الرّوح]

بسم الله الرّمن الرّحيم
صلّى الله عليك يا رسول الله
صلّى الله عليك يا أبا عبد الله
يا رحمة الله الواسعة ويا باب نجاة الأمّة
السَّلامُ عَلى المُرَمَّلِ بالدِّمَاءِ، السَّلامُ عَلى المَهْتُوكِ الخِبَاءِ، السَّلامُ عَلَى خَامِسِ أصْحَابِ أهْلِ الكِسَاءِ
يا غريب الغرباء، يا قتيل الأدعياء، يا من بكته ملائكة السّماء
سيدي ما خاب والله من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم، يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيما.

مَــدِيـنَـةُ جـَـــدنــا لا تـَـقـبَــــليـنـــــــــــا *** فــبـــالـــحــســـرات والأحـــزان جــيــنــــــا

ألا فــَـــاخـْـبــــر رســــول الله عــــنَّـــا *** بــأنـــا قــــد فـُــجِـــــعـْــنـــا فـــي أبـيـنــــــا
وأن رجـــالـنــا بــالـــطـَّـفِّ صـــــرعـــى *** بــــلا روسٍ وقـــد ذبـــــحــوا الـبـــنـيــنــــا

وأخـــــبــــر جــــدنــــا أنـــا أُسـِــــرْنــــا *** وبـَـــعــــد الأسـْـــر يـَـا جـَــدَّا سُــبــيــــنــــا

ورهـــطــــك يـــا رســـول الله أضحَـــوا *** عــــرايـــا بــالــطــفــوف مـُـسَــلــبــيــنـــــا

وقــد ذبـحـوا الـحـسـين ولــم يُــراعـــوا *** جـَـنَـــابــك يـــــا رســـــولَ الله فـــيــنـــــــا
فــلو نـــظــرت عــيــونـك لــلأســارى *** عـــلــــى قُــتُــبِ الــجـِـمــال مـُـحَــمَّـلِيـنـــــا

رســـولَ الله بــعــد الـــصـــون صـــارت *** عـــيــــون الـــنـــاس نـــاظـــرة إلــيـــنــــــا

وكـــنـــت تـَــحُــوطــنـــا حـتــى تــولــت *** عـــيــونـــك ثـَـــارت الأعــدا عــلـــيـــنــــــا

إنّا لله وإنّا أليه راجعون
{وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتّقين}

تمهيد:
ليس من كلام في فضل الصبر أوضح وأجلى من كلام أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: "الصبر أحسن خلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان"

فإذا كان الصبر من أشرف الأخلاق الإنسانية فإن معنى ذلك أن الذي يتحلى به هو من أشرف الناس وأعظمهم أخلاقا، وهذا ما نراه جليا في امتحان الأنبياء عليه السلام فإن إحدى البليات التي يتعرض لها الأنبياء لكي ينالوا مقام الإمامة الإلهية تتطلب الصبر الشديد بحيث لا يستطيع المؤمن العادي تحمله فهذا نبينا إبراهيم عليه السلام قد صبر على طاعة الله عز وجل بعد أن أمره بذبح ولده فكاد أن يذبحه لولا الفداء العظيم من الله بعد أن أظهر عليه السلام صبرا على أداء التكليف الإلهي فأعطاه الله مقام الإمامة الإلهية...

فالصبر صفة تدل على كمال المرء كما دل الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا ينبغي لمن لم يكن صبورا أن يُعدّ كاملا"2.
وقد أمر الله المؤمنين بالصبر كما جاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث عليه منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "الصبر ثلاثة: الصبر على المصيبة، والصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية"9.

فالصبر على الطاعة: كالصبر على أداء الصلاة والصوم والحج والجهاد وأداء الخمس وغيرها من الواجبات، والصبر على المعصية: كالصبر على ترك الغيبة والكذب والنظر المحرم وغيرها من المحرمات، والصبر على المصيبة: حينما يُبتلى الإنسان بنقص في رزقه أو بموت أحد أقاربه وأحبائه أو يبتلى بمرض ونحو ذلك من أنواع الابتلاءات، وأما أفضل مراتب الصبر وأنواعه فهو الصبر عن المعاصي وهذا ما نلاحظه من خلال الدرجة التي يمنحها الله عز وجل إلى الصابرين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة وصبر على المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة مابين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش"

الصبر على البلاء
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾11.
يعترض الكثير من الناس عند نزول البلاء عليهم، بل يصل الأمر ببعضهم إلى التشكيك بالعدل الإلهي والعياذ بالله وسبب ذلك عدم استحكام الإيمان في قلوبهم بالدرجة الأولى وعدم المعرفة بحكمة الإبتلاء من الله عز وجل لعباده، وللمطالع للروايات والآيات الكريمة أن يستشف بعض الأسباب والحكم التي يبتلي الله عباده لأجلها وهذه الحكم هي:

أولاً: أن تتبين حقيقة المدعين فكم من أشخاص يدعون من الكمالات والكرامات ثم بعد نزول البلاء تراهم ساخطين غير راضين بما قسم الله لهم فعن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَة وَأَنّ‏ اللّهَ عِندَهُ أَجْر عَظِيم﴾12، ومعنى ذلك أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه13.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال والأيام توضح لك السرائر الكامنة"14.

ثانياً: استحقاق المثوبة من الله عز وجل ففي تتمة الحديث في شرح قوله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب"15.
ثالثاً: التأديب من الله لعباده، وغفران الذنوب فعن الإمام علي عليه السلام: "... ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ويتعبدهم بأنواع المجاهد ويبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم وإسكانا للتذلل في قلوبهم ولجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله وأسبابا ذللا لعفوه"16.

وكلما زاد إيمان الإنسان واقترب من الله أكثر، كلما عظم بلاؤه واشتد عليه وقد ورد هذا المعنى في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه"

*****
وهذا ما نجده في شخصيّات كربلاء، كربلاء أقسى ملحمة حصلت في التّاريخ وشخصيّاتها جواهر مكنونة قال فيهم إمامهم: "أما بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً."
ومن هذه الشّخصيّات المعظّمة مولاتنا سكينة سلام الله عليها.

وقد تجلّى الصّبر في سكينة حتّى كانت من أطول أهل البيت الّذين حضروا كربلاء بكاءاً على مصيبة كربلاء، حيث طال بقاؤها بعد والدها. وقد أنبأها إمامنا بذلك يوم عاشوراء حينما رآها تبكي فضمّها إلى صدره وقال:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي************ منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حســرةً************** ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قُتلت فأنت أولى بالذي*************** تأتينهُ يا خيرة النســـــــــــــــــــــــــــــــــــوانِ

فلم يمضٍ عامٌ على مصيبة أبيها وإخوتها وأعمامها، حتّى توفّيت أمّها الرّباب لتضاعف مصيبة اليتم على قلب سكينة الحزين.
آنه للمقبرة يمة اجيتج
وقعدت قبال قبرج قابليتج
شلون أرجع ي يمّه وخالي بيتج
ومن ضيم القلب آنه نخيتج

فتمسّكت مولاتنا بعباءة عمّتها لتشتمّ فيها رائحة والدها وتتذكّر أيّامها معه فتسلّي نفسها.
ولكنّ عمّتها زينب لم تبقَ لها طويلاً، حيث ذهبت إلى الشّام ولم تعد. ذهبت ونامت قرب ابنة أخيها رقيّة لتسلّيها في غربتها... نعم، توفّيت زينب عليها السّلام فتجدّد مصاب اليتم على مولاتنا سكينة.
عمة يا زينب رفّت العين
أنا مشتهية نام بحضن الحسين
أنا والدي حنين شنساه والله والدي حنين
عمة لا تهودين... يستاهل بواجي لا تهودين

عندها نظرت سكينة بانكسار حولها وجالت بنظرها على أهلها الباقين بحثاً عن حضن جديد... من لها الآن؟ هل أصبحت حبيبة الحسين وحيدة؟
*فأسرع إليها إمامنا السّجّاد عليه السّلام قائلاً :" لست وحدك يا أختي... لست وحدك يا حبيبة قلب والدي.. ما دام فيّ نفس أنا كافلك وحاميك... لا تبكي يا سكينة لا تبكي يا حبيبتي... "
وعاش سيّدنا زين العابدين عليه السّلام لسنوات مع أخته الحزينة، يتقاسمان سويّاً البكاء على مصيبة كربلاء، فيجددان العزاء في كل آن وحين ويبثّان أحزان عاشوراء في كلّ مكان. عندها تزلزل عرش الطغاة خوفاً من حزن السّجاد فبثّوا سمومهم في جسد الإمام ليودع الأخ أخته ويرحل عن هذه الدّنيا قائلاً :"وداعاً يا سكينة لقد حان موعد الوداع"
فانهارت الدنيا واشتدّ البكاء وصرخت الملائك في السماء :"سكينة يا رب العباد... سكينة الحزينة من لها بعد السّجّاد؟ "

فيأتي الجواب من الإله المتعال :" كتبت على حسين القتل وعلى زينب الصبر، وكتبت على سكينة البكاء..* "
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي************ منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حســرةً************** ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قُتلت فأنت أولى بالذي*************** تأتينهُ يا خيرة النســـــــــــــــــــــــــــــــــــوانِ
لملمت سكينة بقايا روحها ونظرت إلى إمامها الباقي وابن أخيها، إلى البضعة الباقية من ذكريات كربلاء...
أخذ الباقر بيد عمته وقال لها :" إن رحل والدي فأنا هنا يا عمتي... "
فوجدت سكينة العزاء الأخير بهذه البقية من رائحة كربلاء، كلما اشتاقت إلى السّجّاد شمّته وقبّلته فوجدت فيه عطور الحسين والعباس.
ولكن... سرعان ما التحق هو الآخر بأبيه.
نعم، لقد كان هو الجرح الأخير... الجرح الذي رحل ولم يرحم قلب سكينة الضعيف... رحل الحبيب بعد الحبيب وسكينة واقفة على رصيف الانتظار... متى يحين دورها في الرحيل؟ لعل الموت نسيها... أخذ الأحباب وتركها... لعلها كانت من المخلدين...

يا موت الخذاهم بيه اشصار
مكتوب في عالم الأقدار
تروحوا وتخلّوا ظلمه الدّار
وتيتّمونه اكبار واصغار
عليهم دما هلّن يا دموعي

عاشت مولاتنا قرابة ٥٦ سنة بعد واقعة كربلاء تنتظر موعد اللقاء، لكن الفراق طال ومزق قلب سكينة الحزين وأفجعها بكل حبيب حتى خارت قواها وسقطت مغشيا عليها فتلقفتها يدا الحبيب، وأخيراً جاء الحسين ليأخذ سكينة إليه فضمّها إلى صدره وأطفأ لهيب قلبها الضّعيف.
شكد شايله بعينج دمع من ذيج الأيّام
متروس قلبج بالجمر من طبّة الشّام

متعوبة من طف كربله يا ويلي من ذاكه الصّبح
عاشر محرّم بالقلب خاه الجرح فوق الجرح
تمشين ويّة القافلة ورأس الحسين اعله الرّمح
تمنّيتي موتج بالسّبي والموت يمّج ما يصح

روحج لشوفة والدج ي سكينة تحتام
متروس قلبج بالجمر من طبّة الشّام

حان الأجل والموت اجه دق بابج بحرقه وألم
مهضومه لمن صد الج بعينج صور حرق الخيم
گلبج وكف من النبض ومن ذيج الايام انلجم
ودعتي هالدنيه بحزن من الضيم گلبج ماسلم

مولاتي عينج غمضت من دنيه الاوهام
متروس قلبج بالجمر من طبة الشام

[اهات البتول]

بِــسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد

اللهم عجّل لوليِّك الفَرَج

الســــــــلام عليكــــم و رحمـــــــة اللـــه و بركاتــــه

عظم الله اجركم
في ميزان حسناتك أن شاء الله