نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2008, 12:04 AM   #41
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمام نساء المهاجرين والانصار

عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) قالت :
لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغلبها ، اجتمع
عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها : يا بنت رسول الله ، كيف أصبحت
عن علتك ؟ فقالت (عليها السلام):
( أصبحت والله عائفة لدنياكم ، قالبة لرجالكم ، لفظتهم قبل أن عجمتهم
وشنئتهم بعد أن سبرتهم ، فَقُبحا لفلول الحد ، وخور القناة ، وخطل الرأي ،
و بئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، لا
جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم غارها فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم
الظالمين .
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين
، والطبين بأمر الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من
أبي الحسن ، نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدة وطئه ، ونكال وقعته ،
وتنمره في ذات الله عزوجل .
والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله ( صلى الله عليه آله ) إليه لا
عتلقه ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ،
ولاوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه ولاصدرهم بطانا ، قد تحير بهم
الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب ، ولفتحت عليهم
بركات من السماء والارض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون .
ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى
أي سناد استندوا ، وبأي عروة تمسكوا ، استبدلوا الذنابى والله بالقوادم
والعجز بالكاهل .
فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا
يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لايهدي إلا أن يهدى فمالكم
كيف تحكمون .
أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظره ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما
عبيطا ، وذعافا ممقرا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون ، غب ما سن
الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفسا ، وطأمنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف
صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا ، وزرعكم حصيدا
، فياحسرتى لكم ، وأنى بكم ، وقد عميت قلوبكم عليكم أنلزمكموها وأنتم لها
كارهون .
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:04 AM   #42
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

خطبة الزهراء ( عليها السلام ) لمّا منعت من فدك

روى العلامة الطبرسي في كتابه الاحتجاج بسنده عن عبد الله بن الحسن [ هو
عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن طالب ( عليه السلام )
] باسناده عن آبائه ( عليهم السلام ) : انه لما أجمع [ أي أحكم النية
والعزيمة ] أبو بكر وعمر على منع فاطمة ( عليها السلام ) فدكا وبلغها ذلك
لاثت [ أي لفته ] خمارها [ الخِمار : المقنعة ، سميت بذلك لان الرأس يخمر
بها أي يغطى ] على رأسها ، واشتملت [ الاشتمال الشيء جعله شاملا ومحيطا
لنفسه ] بجلبابها [ الجلباب : الرداء والازار ] واقبلت في لمة [ أي جماعة
وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعة قليلة ] من حفدتها [
الحَفَدَة : الاعوان والخدم ] ونساء قومها تطأ ذيولها [ أي ان اثوابها
كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي ] ما تخرم مشيتها مشية رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) [ الخُرم : البرك ، النقص ، والعدول ] حتى
دخلت على أبي بكر وهو في حشد [ أي جماعة ] من المهاجرين والانصار وغيرهم ،
فنيطت [ أي علقت ] دونها ملاء‌ة [ الملاء‌ة الازار ] فجلست ثم أنت انة
اجهش [ اجهش القوم : تهيئوا ] القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم
امهلت هنيئة حتى اذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد
الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلما
امسكوا عادت في كلامها ، فقالت ( عليها السلام ) :

الحمد لله على ما انعم ، وله الشكر على ما الهم ، والثناء بما قدم ، من
عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن اولاها ، جم عن الاحصاء
عددها ، ونأى عن الجزاء امدها ، وتفاوت عن الادراك ابدها ، وندبهم
لاستزادتها بالشكر لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق باجزالها ، وثنى بالندب
إلى امثالها ، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل
الاخلاص بأولها ، وضمن القلوب موصلها ، وأنار في التفكر معقولها ، الممتنع
من الابصار رؤيته ، ومن الالسن صفته ، ومن الاوهام كيفيته ، ابتدع الاشياء
لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها كونها بقدرته ،
وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ،
الا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، واظهارا لقدرته ، تعبدا لبريته ،
اعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ،
زيادة لعباده من نقمته ، وحياشة [ حاش الابل : جمعها وساقها ] لهم إلى
جنته ، واشهد ان أبي محمدا عبده ورسوله ، اختاره قبل ان ارسله ، وسماه قبل
ان اجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر
الاهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بما يلي
الامور ، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بموقع الامور ، ابتعثه الله
اتماما لامره ، وعزيمة على امضاء حكمه ، وانفاذا لمقادير حتمه ، فرأى
الامم فرقا في اديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لاوثانها ، منكرة لله
مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ظلمها ، وكشف
عن القلوب بهمها [ أي مبهماتها وهي المشكلات من الامور ] وجلى عن الابصار
غممها [ الغمم : جمع غمة وهي : المبهم الملتبس وفي بعض النسخ ( عماها ) ]
وقام في الناس بالهداية ، فانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ،
وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم .

ثم قبضه الله اليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وايثار ، فمحمد ( صلى الله
عليه وآله ) من تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الابرار ، ورضوان
الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه ، وأمينه ،
وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .

ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت : انتم عباد الله بصب امره ونهيه ، وحملة
دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم ، وبلغائه إلى الامم ، زعيم حق له
فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم : كتاب الله الناطق ،
والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة
سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به اشياعه ، قائدا إلى الرضوان اتباعه ،
مؤد النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ،
ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة
، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .

فجعل الله الايمان : تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة : تنزيها لكم عن الكبر
، والزكاة : تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام : تثبيتا للاخلاص ،
والحج : تشييدا للدين ، والعدل : تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا : نظاما للملة ،
وامامتنا : امانا للفرقة ، والجهاد : عزا للاسلام ، والصبر : معونة على
استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف : مصلحة للعامة ، وبر الوالدين : وقاية
من السخط ، وصلة الارحام : منساه [ أي مؤخرة ] في العمر ومنماة للعدد ،
والقصاص : حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر : تعريضا للمغفرة ، وتوفية
المكائيل والموازين : تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر : تنزيها عن
الرجس ، واجتناب القذف : حجابا عن اللعنة ، وترك السرقة : ايجابا بالعفة ،
وحرم الله الشرك : اخلاصا له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، ولا
تموتن الا وأنتم مسلمون ، واطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فانه
انما يخشى الله من عباده العلماء .

ثم قالت : ايها الناس اعلموا ، اني فاطمة وأبي محمد ( صلى الله عليه وآله
) اقول عودا وبدوا ، ولا اقول ما اقول غلظا ، ولا افعل ما افعل شططا [
الشَطَط : هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء ] لقد جاؤكم رسول من
انفسكم عزيز عليه ما عنتم [ عنتم : انكرتم وجحدتم ] حريص عليكم بالمؤمنين
روؤف رحيم .

فان تعزوه وتعرفوه : تجدوه أبي دون نسائكم ، واخا ابن عمي دون رجالكم ،
ولنعم المعزى اليه ( صلى الله عليه وآله ) ، فبلّغ الرسالة ، صادعا [
الصدع هو الاظهار ] بالنِذارة [ الانذار : وهو الاعلام على وجه التخويف ]
مائلا عن مدرجة [ هي المذهب والمسلك ] المشركين ، ضاربا ثبجهم [ الثَبَج :
وسط الشيء ومعظمه ] آخذا باكظامهم [ الكَظَم : مخرج النفس من الحلق ]
داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الاصنام [ في بعض النسخ
( يكسر الاصنام ) وفي بعضها ( يجذ ) أي يكسر ] وينكث الهام ، حتى انهزم
الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه [ أي انشق حتى ظهر وجه الصباح
] واسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين [ الشقاشق
: جمع شِقشقة وهي : شيء كالربة يخرجها البعير من فيه اذا هاج ] وطاح [ أي
هلك ] وشظ [ الوشيظ : السفلة والرذل من الناس ] النفاق ، وانحلت عقد الكفر
والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص [ أي كلمة التوحيد ] في نفر من البيض
الخماص [ المراد بهم اهل البيت عليهم السلام ] وكنتم على شفا حفرة من
النار ، مذقة الشارب [ أي شربته ] ونُهزة [ أي الفرصة ] الطامع ، وقبسة
العجلان [ مثل في الاستعجال ] وموطئ الاقدام [ مثل مشهور في المغلوبية
والمذلة ] تشربون الطَرق [ ماء السماء الذي تبول به الابل وتبعر ]
وتقتاتون القِدّ [ سير بقد من جلد غير مدبوغ ] اذلة خاسئين ، تخافون أن
يتخطفكم الناس من حولكم ، فانقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( صلى الله
عليه وآله ) ، بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال [ أي شجعانهم ]
وذؤبان العرب ، ومردة اهل الكتاب ، كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ،
ان نجم [ أي ظهر ] قرى الشيطان [ أي امته وتابعوه ] او فغرت فاغرة من
المشركين [ أي الطائفة منهم ] قذف أخاه في لهَوَاتها [ اللهوات وهي اللحمة
في اقصى شفة الفم ] فلا ينكفيء [ أي يرجع ] حتى يطأ جناحها باخمصه [
الاخمص مالا يصيب الارض من باطن القدم ] ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في
ذات الله ، مجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيدا في أولياء
الله ، مشمرا ناصحا ، مجدا ، كادحا ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وانتم
في رفاهية من العيش ، وادعون [ أي ساكنون ] فاكهون [ أي ناعمون ] آمنون ،
تتربصون بنا الدوائر [ أي صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا
] وتتوكفون الاخبار [ أي تتوقعون اخبار المصائب والفتن النازلة بنا ]
وتنكصون عند النزال ، وتفرون من القتال ، فلما اختار الله لنبيه دار
أنبيائه ، ومأوى اصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق [ في بعض النسخ ( حسكية )
وحسكة النفاق عداوته ] وسمل [ أي صار خلقا ] جلباب الدين [ الجلباب الازار
] ونطق الغاوين ، ونبغ خامل [ أي من خفى ذكره وكان ساقطا لانباهة له ]
الاقلين ، وهدر [ الهدير : ترديد البعير صوته في حنجرته ] فنيق [ الفحل
المكرم من الابل الذي لا يركب ولا يهان ] المبطلين ، فخطر [ خطر البعير
بذنبه اذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه ] في عرصاتكم ، واطلع الشيطان
رأسه من مغرزه [ أي مايخفى فيه تشبيها له بالقنفذ فانه يطلع رأسه بعد زوال
الخوف ] هاتفا بكم [ أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه ] فألفاكم
لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ،
واحشمكم فألفا غضابا فوسمتم [ الوسم اثر الكي ] غير ابلكم ووردتم [ الورود
: حضور الماء للشرب ] غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكُلم [ أي الجرح ]
رُحيب [ أي السعة ] والجرح لما يندمل [ أي لم يصلح بعد ] والرسول لما يقبر
، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا ، وان جهنم لمحيطة
بالكافرين ، فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وانى تؤفكون ، وكتاب الله بين
اظهركم ، اموره ظاهرة ، واحكامه زاهرة ، واعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ،
وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ؟ ام بغيره
تحكمون ؟ بئس للظالمين بدلا ، ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو
في الاخرة من الخاسرين .
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:04 AM   #43
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

ثم لم تلبثوا الا ريث أن تسكن نفرتها [ نفرت الدابة جزعت وتباعدت ] ويسلس
[ أي يسهل ] قيادها ، ثم اخذتم تورون وقدتها [ أي لهبها ] وتهيجون جمرتها
، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، واطفاء انوار الدين الجلي ، واهمال سنن
النبي الصفي ، تشربون حسوا [ الحسو : هو الشرب شيئا فشيئا ] في ارتغاء [
الارتغاء : هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء : مثل
يضرب لمن يظهر ويريد غيره ] وتمشون لاهله وولده في الخَمرة [ الخمر :
ماواراك من شجر وغيره ] والضَراء [ أي الشجر الملتف بالوادي ] ويصير منكم
على مثل حز [ أي القطع ] المدى ، ووخز السنان في الحشاء ، وانتم الان
تزعمون : أن لا إرث لنا ، افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما
لقوم يوقنون ؟ ! أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية : أني
ابنته .

ايها المسلمون أغلب على ارثي ؟ يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا
ارث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء
ظهوركم ؟ اذ يقول : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وقال فيما اقتص
من خبر يحيى بن زكريا اذ قال : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل
يعقوب ) [ مريم : 6 ] وقال : ( واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب
الله ) [ الانفال : 75 ] وقال : ( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ
الانثيين ) [ النساء : 11 ] وقال : ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين
والاقربين بالمعروف حقا على المتقين ) [ البقرة :180 ] وزعمتم : ان لا
حظوة [ أي المكانة ] لي ولا ارث من أبي ، ولا رحم بيننا ، افخصكم الله
بآية اخرج أبي منها ؟ ام هل تقولون : أن اهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست
انا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم انتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي ؟
فدونكها مخطومة [ من الخِطام وهو : كل مايدخل في انف البعير ليقاد به ]
مرحولة [ الرَحل : هو للناقة كالسراج للفرس ] تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم
والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم
اذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه
عذاب مقيم.

ثم رمت بطرفها نحو الانصار فقالت : يامعشر النقيبة [ أي الفتية ] واعضاد
الملة وحضنة الاسلام ، ماهذه الغَميزَة [ أي ضعفة في العمل ] في حقي
والسِنة [ النوم الخفيف ] عن ظلامتي ؟ أما كان رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) أبي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) ؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا
إهالة [ أي الدسم ] ولكم طاقة بما احاول ، وقوة على ما اطلب وأزاول ،
أتقولون مات محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فخطب جليل ، استوسع وهنه [
وهنة الوهن : الخرق ] واستنهر [ أي اتسع ] فتقه وانفتق رتقه ، واظلمت
الارض لغيبته ، وكسف الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، واكدت [ أي
قل خيرها ] الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند
مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ،
ولا بائقة [ أي داهية ] عاجلة ، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه ، في افنيتكم
، وفي ممساكم ، ومصبحكم ، يهتف في افنيتكم هنافا ، وصراخا ، وتلاوة ،
والحانا ، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم : ( وما
محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران
: 144 ] .

ايها بني قيلة [ قبيلتا الانصار : الاوس والخزرج ] أهضم تراث أبي ؟ وانتم
بمرئ مني ومسمع ، ومنتدى [ أي المجلس ] ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم
الخبرة ، وانتم ذوو العد والعدة ، والاداة والقوة ، وعندكم السلاح والجُنة
[ ما استترت به من السلاح ] توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة
فلا تغيثون ، وانتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة
التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت ، قاتلتم العرب ،
وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح [ أي لا
نزال ] او تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ، ودر
حلب الايام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الافك ، وخمدت نيران الكفر ،
وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق [ أي اجتمع ] نظام الدين ، فأنى حزتم بعد
البيان ؟ واسررتم بعد الاعلان ؟ ونكصتم بعد الاقدام ؟ واشركتم بعد الايمان
؟ بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم ، وهموا باخراج الرسول ، وهم
بدؤكم اول مرة ، اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين .

ألا وقد أرى أن قد اخلدتم [ أي ملتم ] إلى الخفض [ أي السعة والخصب واللين
] وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة [ الدعة : الراحة
والسكون ] ونجوتم بالضيق من السعة ، فمججتم ماوعيتم ، ودسغتم [ الدسغ :
الفيء ] الذي تسوغتم [ تسوغ الشراب شربه بسهولة ] فان تكفروا انتم ومن في
الارض جميعا ، فان الله لغني حميد .
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:04 AM   #44
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة [ الجذلة : ترك النصر ]
التي خامرتكم [ أي خالطتكم ] والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة
النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور [ أي الضعف ] القناة [ أي الرمح ، والمراد من
ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة ] وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة
، فدونكموها فاحتقبوها [ أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير اصابته
الدَبَرَة وهي جراحة تحدث من الرحل ] دبرة الظهر ، نقبة [ نقب خف البعير
رق وتثقب ] الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الجبار ، وشنار الابد ،
موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون
، وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون .

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعلموا أنا عاملون ، وانتظر أنا منتظرون .

فاجابها ابو بكر عبد الله بن عثمان وقال : يا بنت رسول الله ، لقد كان
ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما ، روؤفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا اليما ،
وعقابا عظيما ، ان عزوناه وجدناه اباك دون النساء ، واخا إلفك دون الاخلاء
[ الالف : هو الاليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة
، وفي بعض النسخ : ابن عمك ] آثر على كل حميم ، وساعده في كل امر جسيم ،
لا يحبكم الا سعيد ، ولا يبغضكم الا شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله ،
والطيبون الخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا ، إلى الجنة مسالكنا ، وأنت
يا خيرة النساء ، وأبنة خير الانبياء ، صادقة في قولك ، سابقة في وفور
عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، والله ماعدوت رأي رسول
الله ، ولا عملت الا بإذنه ، والرائد لا يكذب أهله ، واني اشهد الله وكفى
به شهيدا ، أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( نحن معاشر
الانبياء ، لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقار ، وإنما نورث الكتاب
والحكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة ، فلولي الامر بعدنا ، ان
يحكم فيه بحكمه ) وقد جعلنا ماحولته في الكراع والسلاح ، يقاتل بها
المسلمون ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من
المسلمين ، لم انفرد به وحدي ، ولم استبد بما كان الرأي عندي ، وهذه حالي
ومالي ، هي لك وبين يديك ، لاتزوى عنك ، ولا ندخر دونك ، وانك وانت سيدة
امة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا ندفع مالك من فضلك ، ولا يوضع في
فرعك واصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين ان اخالف في ذلك أباك (
صلى الله عليه وآله ) ؟

فقالت ( عليها السلام ) : سبحان الله ما كان أبي رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) عن كتاب الله صادفا [ أي معرضا ] ولا لاحكامه مخالفا ! بل كان
يتبع اثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا
بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل [ أي المهالك ] في حياته ، هذا كتاب
الله حكما عدلا ، وناطقا فصلا ، يقول : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ مريم
: 6 ] ويقول : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وبين عزوجل فيما وزع
من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ،
ما ازاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا بل
سولت لكم انفسكم أمرا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون .

فقال ابو بكر : صدق الله ورسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة ، وموطن
الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا ابعد صوابك ، ولا انكر
خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلدوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت
ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ، ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود .

فالتفتت فاطمة ( عليها السلام ) إلى الناس وقالت : معاشر المسلمين المسرعة
إلى قيل الباطل [ في بعض النسخ : قبول الباطل ] المغضية على الفعل القبيح
الخاسر ، افلا تتدبرون القرآن ؟ أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على
قلوبكم ما اسأتم من اعمالكم ، فأخذ بسمعكم وابصاركم ، ولبئس ما تأولتم ،
وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اغتصبتم ، لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه
وبيلا ، اذا كشف لكم الغطاء ، وبان باورائه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما
لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون .

ثم عطفت على قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالت :

قد كان بعدك انباء وهنبثة.... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الارض وابلها... واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وكل اهل له قربى ومنزلة..... عند الاله على الادنين مقترب
ابدت رجال لنا نجوى صدورهم.... لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رحال واستخف بنا.... لما فقدت وكل الارض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به.... عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنا.... فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا..... لما مضيت وحالت دونك الكثب


ثم انكفئت ( عليها السلام ) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقع
رجوعها اليه ، ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار ، قالت : لأمير
المؤمنين ( عليه السلام ) : يابن أبي طالب ، اشتملت شملة الجنين ، وقعدت
حجرة الظنين ، نقضت قادمة [ قوادم الطير : مقادم ريشه وهي عشرة ] الاجدل [
أي الصقر ] فخانك ريش الاعزل [ العزل من الطير : ما لا يقدر على الطيران ]
هذا ابن ابي قحافة يبتزني [ أي يسلبني ] نحلة أبي وبغلة [ البغلة ما يتبلغ
به من العيش ] ابني ! لقد اجهد [ في بعض النسخ : اجهر ] في خصامي ،
والفيته [ أي وجدته ] الد [ الالد : شديد الخصومة ] في كلامي ، حتى حبستني
قيلة نصرها والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا
مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، اضرعت [ ضرع : خضع وذل ] خدك يوم اضعت
حدك إفترست الذئاب ، وافترشت التراب ، ما كففت قائلا ، ولا اغنيت طائلا [
أي ما فعلت شيئا نافعا ، وفي بعض النسخ : ولا اغيت باطلا : أي كففته ] ولا
خيار لي ، ليتني مت قبل هنيئتي ، ودون ذلتي عذيري [ العذير بمعنى العاذر
أي : الله قابل عذري ] الله منه عاديا [ أي متجاوزا ] ومنك حاميا ، ويلاي
في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد ، ووهن [ الوهن : الضعف في
العمل او الامر او البدن ] العضد ، شكواي إلى أبي ! وعدواي [ العدوى :
طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك ] إلى ربي ! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا
، واشد بأسا وتنكيلا .

فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا ويل لك بل الويل لشانئك [
الشانيء : المبغض ] ثم نهنهي عن وجدك [ أي كفي عن حزنك وخففي من غضبك ]
ياابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت [ أي ماكللت ولا ضعفت ولا عييت ]
عن ديني ، ولا اخطأت مقدوري [ أي ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا
على الانتصاف لك لما اوصاني به الرسول ] فان كنت تريدين البغلة ، فرزقك
مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما اعد لك اضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله .

فقالت : حسبي الله وامسكت
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:05 AM   #45
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

كلامها سلام الله عليها في آداب المائدة

(في المائدة اثنا عشرة خصلة، يجب على كل مسلم أن يعرفها، أربع فيها فرض، وأربع فيها سنة، وأربع فيها تأديب.

فأما الفرض: فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر. وأما السنة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع.

وأما التأديب فالأكل مما يليك، وتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس)
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:05 AM   #46
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

خطبة الزهراء (عليها السلام) في مسجد أبيها بعد اغتصاب حقها


روى عبدالله بنُ الحسن عليه السلام باسنادِه عن آبائه عليهم السلام أنَّه
لَمّا أجْمَعَ أبوبكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها
ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ
في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ
مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى
أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ
فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ
القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ
هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ،
افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ
الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها،
فَقَالَتْ عليها السلام:

الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ،
وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ
أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى
عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها،
وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ
إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ
جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها،
وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ
رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَْوْهامِ
كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَْشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها،
وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها
بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى
تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً
لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ،
وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ
الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً
لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.

وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ
اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ
بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ
الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور،
وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ.
ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ
حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.

فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً
لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ
صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى
عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ
مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ
القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.

ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ
وَإيثارٍ بِمُحَمَّدٍصلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في
راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ
الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ
وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ
وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ
وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى
الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ
إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ
النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ
اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ
ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ
اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ
المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ،
وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ
المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:05 AM   #47
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ
تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ
وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ
تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً
لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً
لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ،
وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ
وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ،
وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً
لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً
لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ
الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ
السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ
بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا
وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ
عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.

ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ
ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْغَلُما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ
أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ
الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً
بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً
ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ
بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ
الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى
اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ
زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ
النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ
بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ
عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ
الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ
الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ
يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.

فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله
بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ
وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا
ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ،
وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في

لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ،
وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً
في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ،
مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ
الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا
الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ
النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.

فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى
أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ
الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ،
وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.

فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ
مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ،
وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ
خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ
اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ،
وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا
يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:06 AM   #48
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ
اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ،
وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ،
قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ،
أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ السْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ
تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ
وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ
الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ
سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ،
وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ
مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا،
وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ
تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا
تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى
ابْنَتُهُ.

أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ!
أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ،
وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا
عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي
وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في
أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ
خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ

الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي لارَحِمَ بَيْنَنَا!

أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولًونَ
أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، وَلَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ
مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ
وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً
مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَ
الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ ما
تَخْسِرُونَ، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ
مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ
وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}

ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ: يا مَعاشِرَ
الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ
الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ
اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: ((اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي
وُلْدِهِ))؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ
طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!

أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ
اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ،
وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ
لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ
الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ
النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ
وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي
أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً
وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ
وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ
على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ
شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.

أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى
مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ،
وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ،
وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛
تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا
تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ
وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي
اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ،
وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو
تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى
الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ،
وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ
دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ
بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ
الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً
نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ
أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ}.

أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ
هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ،
وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ،
وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ
فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ
قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي
خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ،
وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا،
وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ.

فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ،
باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ،
مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى
الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ
يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا
مُنْتَظِرُونَ}.
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:06 AM   #49
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

فَأَجابَها أَبُوبَكْرٍ عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمانَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ
رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً،
رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً
عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً
لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ
فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا
يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ
صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ،
عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا
خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي
قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ
حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَ وَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ
رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: ((نَحْنُ مَعاشِرَ
الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا
عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ
وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ
بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ)).

وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ
الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ
ثُمَّ الْفُجّارَ. وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ
أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ
عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي
عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ،
وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ
فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما
مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله
عليه وآله؟

فَقَالَتْ عليها السلام: سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله
عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ
كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى
الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ
شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ
اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ:

{يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ} ،{وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ}
فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ،
وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ
وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي
وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ
أَمْراًفَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ} فَقالَ
أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَ صَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ
مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَ الرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ
الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ
خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما
تَقَلَّدْتُ، وَ باتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ
وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهودٌ.

فَالتَفَتَتْ فاطِمَةُ عَلَيْها السَّلام وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ
المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ
الخاسِرِ {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها}
كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ،
فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ،
وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ _
وَاللهِ_ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَ غِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ
الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، {وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ

ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ} وَ {خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ}.

ثُمَّ عَطَفَتْ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَقالَتْ:

قَدْ كان بَعْدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَةٌ لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ

إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُها وَاخْتَلَّ قَوِمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا

وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبى وَمَنْزِلَةٌ عِنْدَ الإِلهِ عَلَى الأَدْنَيْنِ مُقْتَرِبُ

أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ لَمّا مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ

تَجَهَّمَتْنا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنا لَمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَبُ

وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِهِ عَلَيْكَ تُنْزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُبِ

وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنا فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِبٌ

فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنا لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ الكُتُبُ

إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَنٍ مِنَ البَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَلا عَرَبُ
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2008, 12:06 AM   #50
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليها السلام وأميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام
يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إليْهِ، وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدّارُ قالتْ لأميرِ المُؤمنينَ عليه السلام:
يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ
حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ
الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي
وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في
كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها،
وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ
كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ
حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ
قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَلي. لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ
هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي. عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ
حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ.

شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.

فَقالَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لاوَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ
لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ
النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري،
فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ
مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي
اللهَ، فَقالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من معاجز فاطمة الزهراء(س) عريس الطفوف نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها 11 13-07-2017 05:13 AM
فاطمة الزهراء تبكي و تضحك ! العاشقه نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها 16 19-09-2014 05:51 PM
اربعون حديثا في فضل فاطمة الزهراء نور فاطمة نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها 25 26-01-2014 02:03 AM
فضل فاطمة الزهراء( عليها السلام ) مهدية نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها 27 04-12-2012 11:50 AM
سجلوا دخولكم بقرائة دعاء النور واهدائه الى مولاتنا الزهراء (ع) نور فاطمة نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها 499 20-11-2012 12:02 AM


الساعة الآن 09:15 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir