كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-12-2010, 03:46 PM   #21
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

7



ما بين ((عين التمر)) و((القريات)) ، لاحت من بعيد خيمة وحيدة .. في خارجها رمح مركوز وفرس تحمحم .


وفي داخل الخيمة رجل وحيد .. فرّ من الكوفة .. يريد أن ينأى بنفسه بعيداً عن قدر رهيب .

فجاءه رجل من أقصى الجزيرة يسعى .

-ماذا تريد !!

-إني جئتك بهدية وكرامة . هذا الحسين يدعوك إلى نصرته .

أجاب الرجل الوحيد :

-والله ما خرجت من الكوفة إلا لكي لا أراه .. لعلّك لم تسمع الأخبار .. لقد خذلته شيعته ..

قُتل ((مسلم بن عقيل)) و ((هاني بن عروة)) ورجال آخرون ، ولا أقدر على نصره ..

وأردف وهو يطرق برأسه إلى الأرض :

-ولست أحب أن يراني وأراه .

ولكن الحسين أراد أن يراه فمضى إليه .. ورآى ((الجعفي)) لمّة من الناس تهفو إليه .

رجل ذرّف على الخمسين وحوله رجال وصبية وأطفال قادمين ، فأوسع لهم في المجلس ،

وجلس الجعفي قبال رجل لم يره من قبل .. تموج في جبينه طيوف النبوّات .

أراد أن يكسر حاجز الصمت ، فقال مبتسماً وهو يشير إلى لحية تشبه ليلة غاب فيها القمر :


-أسواد أم خضاب ؟!

-عجّل عليّ الشيب يا ابن الحرّ .

-خضاب إذن !

-يا ابن الحرّ .. ألا تنصر ابن بنت نبيّك وتقاتل معه ؟

-إنّ نفسي لا تسمح بالموت .. ولكن فرسي ((الملحقة)) هذه لك ..

والله ما طلبت عليها شيئاً قط إلا لحقته .. ولا طلبني أحد إلا سبقته .. .

-أما إذا رغبت بنفسك عنّا ، فلا حاجة لنا في فرسك .

ونهض الحسين . كان يريد أن يرفع الرجل .. أن يسمو به ، ولكنه اثّاقل إلى الأرض .

وفي آخر الليل أمر الحسين فتيانه بالاستسقاء والرحيل . ونهضت النوق ..
يمّمت وجوهها نحو الأرض التي بورك فيها للعالمين ..

وكان هناك ألف ذئب تتوهج عيونها غدراً ..


القافلة تسير .. تشقّ طريقها في الظلام .. تتبعها قطعان من الذئاب وهي تعوي في آخر الليل .

لاح راكب من بعيد .. مدجج بالسلاح .

كان رسولاً من ابن زياد إلى ((الحرّ)) يحمل إليه كتاباً خطيراً .

قرأه الحرّ بصوت يسمعه الحسين :

-جعجع بالحسين حين تقرأ كتابي ولا تنزله إلا بالعراء على غير حصن ولا ماء .

قال الحسين :

-دعنا ننزل ((نينوى)) أو ((الغاضريات)) .

-لا أستطيع . فحامل الكتاب عين عليّ .

قال (( زهير بن القين )) ، وكان رجلاً صحب الحسين على قدر :

-يابن رسول الله ! دعنا نقاتلهم ..

إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم . فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به .

-ما كنت أبدأهم بقتال .

-ههنا قرية و((الفرات)) يحدق بها من ثلاث جهات .

-ما اسمها ؟.

-((العقر)) .

-نعوذ بالله من العقر .

والتفت الحسين إلى الحر :

-سر بنا قليلاً .

ومضت القافلة لا تلوي على شيء .. يتبعها ألف ذئب أغبر .

اهتزّت البوصلة .. تعثرت النوق .. ووقف جواد الحسين .. تسمّر في مكانه ..

رفعت النوق رؤوسها .. تلفتت .. لعلّها شمّت رائحة وطن تبحث عنه .

سأل الحسين :

-ما اسم هذه الأرض ؟

-الطّف .

-فهل لها اسم آخر ؟

-كربلاء .

تجمعت الدموع في عينيه كغيوم ممطرة :

-أرض كرب وبلاء ... ههنا محطّ ركابنا وسفْك دمائنا .

بهذا أخبرني جدّي رسول الله .


وفي تلك الليلة ، لاح هلال ((المحرّم)) حزيناً كقارب وحيد .. تائه في بحر الظلمات .

تعالت أصوات رجال يدقّون أوتاد الخيام ، وضحكات بريئة لأطفال يلهون في الرمال ..

ونسائم عذبة تهبّ من ناحية ((الفرات)) ، وكان الحسين واقفاً يتأمّل الأفق البعيد..

يحدّق في آخر الدنيا .

،

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-12-2010, 03:52 PM   #22
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد


8


مادت الكوفة بأهلها ، واهتزّت الأرض تحت الأقدام .

كتائب جنود مذعورين تتحرك في كل اتجاه ..

عيون زائغة لأشباه رجال تحمل أسلحة القتل .. تنطلق إلى خارج المدينة .

((زجر بن قيس)) يقود خمسائة فارس .. يتّجه صوب جسر ((الصراة)) .

وخرج ((الشمر)) في أربعة آلاف مقاتل ، و((الحصين بن نمير)) في أربعة آلاف

، و((شبث بن ربعي)) في ألف ، و((حجّار بن أبجر)) في ألف ..

وتتابعت الكتائب تلو الكتائب .. جنود يشبهون في ذلّتهم الأسرى ..

قلوبهم مع الحسين وسيوفهم تستهدف قلبه .

حيّات وأفاعٍ تتلوّى .. تزحف باتجاه ((الفرات)) . وبدا النهر أفعى خرافية تتمدد وسط الرمال ... .

وفي الكوفة ، مطرت السماء ذهباً يخطف الأبصار ويسلب الألباب ، واجتمع

زعماء ((القبائل)) تحت المطر ، فلم يبرحوا حتى طمّت رؤوسهم بالذهب ،

والأرقط ينثر الأموال ويوّفر العطاء .. يلقي حباله وعصيّه ، فإذا هي حيّات وعقارب تسعى .

وافتتنت ((المومس)) بابن زياد ، فنسيت ذكر الحسين . قالت بخلاعة :

-مالي والدخول بين السلاطين ..

قهقه ((الأرقط)) .

دوّت ضحكة شيطانية في أرجاء القصر ..

جيوشه تحاصر القافلة .. تمنعها من العودة .

-وقعت في قبضتي يا حسين .. ها أنا أرتقي قمّة المجد .. سيدخل بوابة قصري

قائلاً : حطّة . أنا ابن زياد ابن .. أبي سفيان .. صخر بن حرب .

افتر الرجل الأبرص ، فظهرت أنياب حادّة .

-لا تقبل من الحسين إلا النزول على حكمك . إنه الآن في أرضك ، فضيّق عليه الخناق.

ما لهذا الأبرص ؟! .. صوته كفحيح الأفعى . الخنزير يريد للنخل أن يركع ..

والنخل باسق يعشق الفضاء ، وإلا مات واقفاً .

الأرقط يجيد ((الشطرنج)) . ينقل جنده وقلاعه .. يحرّك فيلة وخنازير وبيادق

تحلم بحكم ((الري وجرجان)) .

الأرقط يعرف ((أصول اللعبة)) من يمينه تتدلى مشانق وحبال ، ومن شماله

يسيل ذهب أصفر يأخذ بالألباب . والبيادق الفئران تفرّ مذعورة .. تحمل

سيوفاً خشبية .. وتمتلئ جيوبها فضة أو ذهباً ... .


والأرقط الذي تلبّس وجهه جلد الأفعى يتمدّد في ((النخيلة)) ، يراقب بيادقه

بحذر وترقب . هناك رجل سيدمّر لعبته .. سيلقف سيفه كلّ حباله وعصيّه ..

وجيوشه الوهمية .

صرخ الأرقط بالرجل الأبرص .

-اكتب ((لابن سعد)) : أما بعد ، إني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا

لتمنّيه السلامة . انظر ، فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي فابعث بهم إليّ

، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم .


كخنزير راح الشمر يجري صوب أحلامه المريضة .. تفوح منه رائحة الموت ،

وآلاف الضحايا ترقد في عينه المنطفئة .. ومنعطفيه تنبعث حرائق ودخان ،

وروائح أجساد محترقة .

سلّم الكتاب إلى ((قائد الجيش)) ، وراح ينظر إليه خلسة بعين نصف مغمضة .

أما عينه الأخرى فقد بدت هوّة سحيقة تعشعش فيها العناكب .

أدرك الرجل الذي ناهز السبعين أن الأبرص قد جاء يسرق منه أحلاماً قديمة ..

جميلة تحكي جمال مدن ((الري)) و ((جرجان)) .

-قبّحك الله وقبّح ما جئت به . والله لا يستسلم الحسين . إنَّ نفس أبيه بين جنبيه .

-فخلّ بيني وبين العسكر .

-بل أنا الذي أتولّى ذلك .

-عقربان يتنافسان في الصحراء .. ينعب في صدريهما بوم وغراب ..

يتنافسان على الفوز في سباق من الخسران المبين .


،


يتبع ~>
__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-12-2010, 03:53 PM   #23
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

شكراً لمرووركن الكريم
__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-12-2010, 09:29 PM   #24
عشقي حسيني
♣ مشرفة سابقة ♣ محرومة من تربة المظلوم
 
الصورة الرمزية عشقي حسيني
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: في قلب فاطمة الزهراء عليها السلام
العمر: 29
المشاركات: 634
معدل تقييم المستوى: 676
عشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond reputeعشقي حسيني has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

‫‏



*`•. ♪‫♥♪اللهم صل على محمد وآل محمد ♪♥♪‫‫.•´*


*`. السلام على الحُسين وعلى علي أبن الحُسين وعلى أولاد الحسين و على أصحاب الحُسين و على الدماء السائلهبين يديه و على الأرواح التي حلت بفنائه و أناخت برحله ... و على الملائكة الحافينبقبره المُستغفرين لزواره إلى يوم القيامة ..جميعاً و رحمة الله وبركاته‫‫.•´


*`•. ♪‫♥ لأبكينـــــــــــــــــــــآ عليك بدل الموع
دمـــــــــــــــــــآ ♪♥♪‫‫.•´*
*



‫‫.•´* أختي الغالية والعزيزة النوراء ‫‫.•´*


‫‫.•´* مشكورة على الطرح الاكثر من راااائع ..‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪ يعطيكـ ♪♥♪‫‫.•´*




*`•. ♪‫♥♪ الف الف الف♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪.ـعـافيهـ♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪قمه الروعه والابداع♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪ابداع جميل في طرحه♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪سلمت لنا أناملك الولائية ♪♥♪‫‫.•´*



*`•. ♪‫♥♪جزاك الله خيرا ونفع بك الأسلام والمسلمين ♪♥♪‫‫.•´*

*`•. ♪‫♥♪بارك الله فيك ♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪لي عودة بأذن الله بقراءة البقية ♪♥♪‫‫.•´*


*`•. ♪‫♥♪‫‫‏.....،؛{ تقبلي مروري الكريم}‏؛،......♪♥♪‫‫.•´*

*`•. ♪‫♥♪‫‏.....،؛{دمتي بحفظ الله ورعايته}‏؛،...... ♪♥♪‫‫.•´*


__________________


كون حسين محبوبك ... أبشر طاحت أذنوبك
لو غـطـاك الــــتراب ... يوكفلك بالحســاب
وبيده يمضي مكتوبك
عشقي حسيني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2010, 04:15 PM   #25
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

9


تجمعت في السماء النذر .. وإرهاصات حرب مدمّرة تتراكم ، كأكوام من

الغيوم المشحونة بآلاف الصواعق .. وليل الصحراء مليء بالأسرار .

خرج رجل من بين مضارب الخيام .. عيناه تتألّقان تألّق النجوم .. وخرج رجل يتبعه .. يخاف عليه الغدر .

-من الرجل ؟!

-نافع بن هلال الجملي .

-ما الذي أخرجك في جوف الليل ؟.

-أفزعني خروجك يا ابن النبي .. والظلام يخفي سيوفاً مسمومة وخناجر .

-وخرجت أتفقّد التلاع والروابي ، مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم

تحملون ويحملون .

شدّ الحسين على يد صاحبه وقال :

-هذه هي الأرض التي وُعدت بها . ونظر إلى صاحبه بإشفاق وأردف :

-ألا تسلك بين هذين الجبلين وتنجو بنفسك ؟.

كظامئ اكتشف ينابيع الماء ، ألقى نافع نفسه على ينبوع الخلد وحياة لا تفنى :

-ثكلتني أمي يا سيّدي .. والله الذي منّ بك عليّ ! لا فارقْتك أبدا .

ماذا رأى ((نافع)) تلك الليلة ؟! ماذا اكتشف لكي يفرّ من الدنيا .. لكي يسافر مع الحسين ..

لعلّه شاهد في عينيه جنة من أعناب ونخيل تجري من تحتها الأنهار ... .

وعاد الحسين إلى مضارب القافلة ، وفي عينيه تصميم وعزم ... .

الجيوش التي أحدقت بالفرات تشدّ الأفق .. تموج كالسيل .. كلاب مسعورة وذئاب تريد الفتك ..

قبائل وحشية ، أسكرتها نشوة السلب والنهب .. ما عساها أن تفعل في مهبّ إعصار فيه نار ؟! ..

سبعون سنبلة خضراء تحدق بها أسراب الجراد ..

نظر الحسين إلى آلاف السيوف التي جاءت تتخطّفه ، وقال بحزن :

-الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم .

وتلفّت خلفه ، فلم يجد إلا ثلّة من المؤمنين ، سبعون أو يزيدون ومثلهم معهم

من الضعفاء صبية ونساء .. وطريقان لا ثالث لهما : السلّة أو الذلّة .

-هيهات منا الذلة .. الموت أولى من ركوب العار .

-لسوف يقودون بنات محمدٍ سبايا !

-العار أولى من دخول النار .

الذئاب الجائعة تعوي .. تتحفزّ للفتك ، والقبائل تحلم بالغزو وليالي السلب المجنونة .

شمّت النسور من بعيد رائحة معركة وشيكة ، فراحت تدور في السماء ..

تترقب صيدها بفارغ الصبر .. بدت وكأنها مقبرة هائلة فاغرة الأفواه ... .

القبائل تشاورت حول الأسلاب .. تفاهمت .

وقف ((الأبرص)) على الميسرة ، وانفرد ((ابن الحجاج)) بالميمنة ، فيما وقف

بينهما رجل قارب السبعين يحلم بـ ((الري)) و ((الجرجان)) .

-ماذا أعددت لهؤلاء يا سيدي الحسين ؟

-سيف محمّد .

-وماذا ؟

-ورجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

-وماذا ؟

-والأجيال .

وشوهد الحسين يجول بفرسه .. يرسم خطّة المواجهة .

-قاربوا بين الأبنية .

تعانقت الخيام ببعضها .. تلاحمت كالبنيان المرصوص .

وشوهد الحسين وأصحابه يحفرون الخنادق خلف الخيام ويملأونها حطباً .

-كيلا تقتحمه الخيل ..

-ويكون القتال في جبهة واحدة .


الأطفال ينظرون – بحزن – جهة الفرات . شفاه باسمة تحلم بالندى .. وفتيات

بغلتْ قلوبهن الحناجر يصغين – برعب – إلى طبول قبائل تحلم بالغزو والسبي

، ونسور مجنونة تحوم .. تنتظر لحظة الانقضاض .

هي ذي لحظات الغروب تتراكم ملتهبة .. والفرات يتأجّج خلف ذرى النخيل

المتقدة .. الليل يوشك أن يهبط والحمرة الفانية تتحول إلى رماد .. الظلام

يجثم فوق الرمال كغراب في مساء خريفي . الحزن يجوس خلال الخيام ..

ينشر ظلّه الثقيل ..وآهات تتصاعد من كل مكان ..

وأمنيات خضراء تحلم بالمطر والخصب والحياة .


دخل الحسين خيمة أخته زينب .. المرآة التي شهدتْ – من قبل – مصرع

أبيها واغتيال أخيها .. فجاءت تحرس آخر أصحاب الكساء . تريد أن

تشاركه في كل شيء .. تقتسم معه الموت والخلود .


نسيم هادئ حرّك طرف الخيمة .. ربّما مسح عليها مواسياً قبل هبوب العاصفة .

قالت زينب :

-هل استعملت من أصحابك نياتهم ، فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة .

-والله لقد بلوتهم ، فما وجدت فيهم إلا الأشوس .. يستأنسون بالمنية دوني

استئناس الطفل إلى محالب أمّه .

وكان نافع يصغي إلى هموم زينب .. إلى مخاوف عقيلة بني هاشم .

أسرع نافع إلى رجل ذرّف على الستين بأعوام :

-هلم يا حبيب .. هلمّ إلى زينب .. إنها تخشى الغدر .. وقد اجتمعت النسوة عندها يبكين .

بريق نفّاذ اتّقد في العينين الأسديتين ، توهجات الغضب المخزون اشتعلت كلّها

في لحظة واحدة ... هتف حبيب :

-يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة !

انبعثت من بين الخيام سيوف ورجال . العزم المشتعل في العيون يكاد يضيء

التاريخ ، والسواعد المفتولة توشك أن تلوي الأقدار .

وقف الرجال إزاء خيمة يعصف بها القلق والخوف .

هتف حبيب :

-يا معشر حرائر رسول الله ! هذه صوارم فتيانكم ، آلوا ألّا يغمدوها إلّا في

رقاب من يريد السوء فيكم ، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا ألّا يركزوها إلّا في

صدور من يفرق ناديكم .. .

ومن قلب الخيمة الحزينة ، ينبعث صوت استغاثة .. استغاثة ما تزال حتى اليوم

تستفهم التاريخ والإنسانية . صوت امرأة خائفة تنشد حقّها في السلام .

-أيها الطيبّون حاموا عن بنات رسول الله .

لو كانت الغيوم حاضرة لتفجّرت مطراً ساخناً كدموع الأطفال .

وبكى الرجال .. بكت العيون المتأجّجة وهي تتطلّع إلى مذبحة مروّعة

ستحدث بعد ساعات .

وفي سحر تلك الليلة ، رأى الحسين – في عالم الأطياف – كلاباً تنهشه ..

تتخطف جسده ، وأشدّها كان الأبقع ..


،

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2010, 04:23 PM   #26
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

10


فجر يشبه رماداً ذرّته الريح في العيون ، والفرات ما يزال يجري متلويّاً كحيّة

تسعى ، والقبائل التي باتت تحلم بالأسلاب استيقظت ترنو بعيون متنمّرة إلى

مضارب بعيدة .

اختلطت أصوات عديدة ، رغاء جمال .. وصهيل خيول .. وقعقعة سيوف ورماح ودموع .

والحرّ الذي أوقع بالقافلة ، وساقَها إلى أرض الموت ، يقف مشدوداً لمنظر جموع غفيرة ..

جاءت لقتل سبط النبي . لم يخطر بباله أبداً أن تنحدر الكوفة لقتل ((المخلّص)) ..

حرّك فرسه إلى مقدمة الصفوف ، وراح يحدّق في الأفق حيث يقف الحسين .

شاهده من بعيد يرتّب مقاتليه . إنهم لا يزيدون عن السبعين أو الثمانين .


هل سيقاتل الحسين حقاً ؟ هل يدخل معركة خاسرة ؟

وسمع الحرّ الحسين يخطب بجيشه الصغير :

-إن الله تعالى قد أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال ... .

رآهم ينقسمون إلى ثلاث فرق ، الجناح الأيمن بقيادة ((زهير بن القين)) ، والجناح الأيسر بقيادة

((حبيب بن مظاهر)) ، أما الحسين فقد ثبت في القلب ..

وتسلّم الراية ((أبو الفضل)) فبدا والراية تخفق فوق رأسه جيشاً لوحده .

القبائل تزحف باتجاه الخيام .. والخيول تجول ..

تثير غباراً والقلوب الصغيرة تخفق بشدّة .. يا له من يوم عصيب !


أصدر الحسين أمره بإضرام النار في الخندق .. فتصاعدت ألسنة اللهب ..

وتراجعت الخيول .. فرّت مذعورة من خطّ النار .

اغتاظ ((الأبرص)) من هزيمة فرسانه ، فصاح بنفاق :

-يا حسين تعجّلت بالنار قبل يوم القيامة !

-سأل الحسين مستوثقاً :

-من هذا ؟! كأنه شمر بن ذي الجوشن .

-نعم .. إنه الشمر .

انطلق صوت الحسين :

-يابن راعية المعزى ! أنت أولى بها صليّاً .


وضع ((مسلم بن عوسجة)) سهماً في كبد القوس .. استهدف الأبرص الذي باع نفسه للشيطان .

وفي اللحظة الأخيرة ، تدخّل الحسين قائلاً :

-أكره أن أبدأهم بقتال .

تذكّر الحسين كيف كان الأبقع ينهش جسده بوحشية .

رفع يديه إلى السماء .. إلى العالم اللانهائي .. شاكياً ويلات الأرض .

كانت كلماته تنساب كنهر بارد .. نهر قادم من جنات عدن :


-اللّهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ،

وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة ..

كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ،

ويشمت فيه العدوّ أنزلته بي وشكوته إليك رغبةً مني إليك عمّن سواك ،

فكشفتَه وفرّجتَه . فأنت وليّ كل نعمة ومنتهى كل رغبة ... .


القبائل تزداد ضراوة .. والسيوف تبرق من بعيد .. تقطر حقداً ونذالة ..

والحرّ يتقدمّ قليلاً قليلاً . راح ينظر إلى الحسين الذي ركب ناقته ..

يريد أن يخطب بالقبائل المحيطة به . أرهف الحرّ سمعه لهذا القادم من أقصى

الجزيرة يحمل معه كلمات محمد وعزم علي .

استوى الحسين على ناقته ، فبدا كنبيٍّ يعظ قومه :

-أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم علي ،

وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم .

فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصَف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ،

ولم يكن لكم عليّ سبيل . وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصَف من أنفسكم

فأَجمِعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة ثم اقضوا إليَّ ولا تُنظرون

إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين .


اختلطت الكلمات مع بكاء مرير انبعث من قلب الخيام ... .

توقف الحسين عن إلقاء الخطاب ..

أمر أخاه ((أبا الفضل)) وابنه ((علياً الأكبر)) :

-سكتاهن ، فلعمري ليكثر بكاؤهن ... .


عاد الصمت قليلاً .. سكوت عجيب يهيمن على كل شي ما خلا ريح

خفيفة كانت تحمل كلمات الحسين :

-أيها الناس إن الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال .

فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته فلا تغرنّكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها

وتخيّب طمع من طمع فيها .

وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم .

أحلّ بكم نقمته . فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد ،

ثم إنكم زحفتم إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم . لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ..

هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، فبعداً للقوم الظالمين .. .


الكلمات تخترق الآذان ... تتغلغل في القلوب .

شعر الحرّ بأن زلزالاً يضرب دنياه . راح يصغي إلى دويّ الأنقاض وهي تتراكم في أعماقه :

هل أنا في كابوس ؟ .. ماذا أرى ؟ .. ماذا أسمع ؟ ربّاه ماذا أفعل ؟!

راكب الناقة ما يزال يرسل كلمات يبعثها مع الريح .. على أجنحة الفكر ..


-أيها الناس انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلي ..

ألست أنا ابن بنت نبيكم ؟ وابن وصيه وابن عمه ؟ وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله ؟ ..

أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟! أو ليس جعفر الطيار في الجنة عمّي ؟ ..

أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنّة ؟

فإن صدّقتموني بما أقول ، وهو الحق والله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه

أهله ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذبتموني فإنّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم .

سلوا ((جابر بن عبد الله الأنصاري)) و ((أبا سعيد الخدري)) و ((سهل بن سعد الساعدي))

و ((زيد بن أرقم)) و ((أنس بن مالك)) يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي .

أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟.


صرخ صوت شيطاني يريد أن يبتلع كلمات الأنبياء .

صرخ الأبرص :

-إنّا لا ندري ما تقول ؟!

هتف حبيب ، وكان رجلاً على أعتاب السبعين :

-أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول . قد طبع الله على قلبك .


البركان الثائر يستأنف إرسال حممه :

-فإن كنتم في شكّ من هذا القول ، أتشكّون أني ابن بنت نبيكم ،

فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ،

ويْحَكم ! أتطلبوني بقتيل لكم قتلته ! أو بمال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة ؟!.


وقفت القبائل عاجزة . إن في طينة البشر قابلية الانحطاط ..

الانحطاط حتى المسخ .. قابيلة تشبه الجاذبية في الأجسام .

الكوفة مثقلة بالإثم والغدر .. قلبها مع الحسين وسيفها يمزّق قلبه .


ونادى الحسين بصوت جهوري :

-يا ((شبث بن ربعي)) ويا ((حجّار بن أبجر)) ويا ((قيس بن الأشعث)) ويا ((زيد بن الحارث))

ألم تكتبوا إلي أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنما تقدم على جند لك مجنّدة ؟

تعالت الأصوات مذعورة .. أصوات فئران خائفة :

-لم نفعل .. لم نفعل .

-سبحان الله ! بلى والله لقد فعلتم ..

أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض .

صرخ قيس بن الأشعث ، وقد التمعت عيناه بالغدر :

-أوَلا تنزل على حكم ابن عمّك ؟ فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه .

-أنت أخو أخيك . أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ؟

لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد ...

عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجُمون .

أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .


،

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2010, 04:26 PM   #27
ياسمينة
~ مشرفة سابقة ~ ادركني ياعلي
 
الصورة الرمزية ياسمينة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: العراق
العمر: 39
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
ياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud ofياسمينة has much to be proud of
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

[COLOR="Black"]السلام عليك يامولاي ياابا عبد الله الحسين
اللهم العن اول ظالم ظلم محمحد وال محمد
اتيت وقد شدني النور المنبعث من هنا
وما ان صافحت عيناي كلامك ِ البراق
حتى صمت كل شيء
احتراما وتوقيرا لكلماتك ِ الراقية وموضوعك ِ الاروع

__________________


ياسمينة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-2010, 04:34 PM   #28
أحلآ قمر
~ نائبة سابقة ~ ঔღঔ دَمْـ ــعَة العَــ ـــــقِيلَة ::ةঔღঔ
 
الصورة الرمزية أحلآ قمر
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الاحساء
المشاركات: 537
معدل تقييم المستوى: 1371
أحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond reputeأحلآ قمر has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

مشكورة حبيبتي
وتسلم هاليدين
قريت ولي عودة انشاءالله للتكملة

دمتِ بود
__________________









أسألكم الدعاء
أحلآ قمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-12-2010, 06:44 PM   #29
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

11


أشرقت الشمس .. حمراء .. بركة من دماء . التمعت ذرى النخيل ،

وتوهجت ذرات الرمال ، واصطبغت وجوه القبائل بلون الجريمة ..

واستيقظ الشيطان يعربد ويدمّر... .


صرخ شيطان من القبائل :

-يا حسين .. أبشر بالنار .

-كذبت بل أقدم على ربّ غفور كريم .. فمن أنت ؟ .

-أنا ابن حوزة .

-اللّهم حِزه إلى النار .


لا أحد يعرف كيف حدث الأمر . ما الذي أغضب الفرس ؟

ما الذي دفعها تركض كالمجنونة .. تدور وتدور .

وفي فورة غضب تمكنت الفرس أن تقذف من على ظهرها الفارس ..

لحظات مرّت تحول فيها ابن حوزة إلى رماد ..


في قلب الخندق المشتعل .
تحولت أحلام السلب والنهب وشهوة القتل إلى هشيم تذروه الريح ... .

لو كان هناك رجل من الحواريين لقال هذا ابن الله .

ولقال له الحسين :

-أنا ابن نبي الله .

هتف السبط :

-اللّهم إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا

وغصبنا حقّنا إنك سميع قريب ... ما أقرب السماء للإنسان إن سما .

وتذكر الحسين رجلاً سأل أباه :

كم هي المسافة بين السماء والأرض ؟

فأجاب ((باب مدينة العلم)) : دعوة مستجابة .

وقف ابن سعد منتشياً بأحلامه ...

ما هي إلّا ساعة ، ثم ينتهي كل شيء ...

سوف يُحكم قبضته على الري وجرجان ... لم تبق إلّا خطوة واحدة ..

أن يعبر جثة الحسين .. بركة صغيرة من الدم ..

ثم ينطلق صوب الشرق .. إلى عالم يزخر بالجواري والحريم .

تقدّم الحرّ .. أيقظه من الحلم :

-أمقاتل أنت هذا الرجل ؟!

-إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي .

-دعوه ينصرف إلى مكان في هذه الأرض ؟

-لو كان الأمر بيدي لقبلت .. إنها أوامر ابن زياد .


أدرك الحرّ أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ولسوف تذهل كل مرضعة عما أرضعت ،

وترى الناس بسكارى وما هم بسكارى .. وبدأ الحرّ يخطو صوب القافلة ..

قال ((ابن أوس)) وقد ذهبت به الظنون .

-أتريد أن تحمل ؟!

-...

ضرب الزلزال الأعماق مرّة أخرى ، وشعر الحرّ بالأنقاض تتراكم بعضها فوق بعض ..

هتف ابن أوس متعجباً :

-لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ؟ فما هذا الذي أراه منك ؟.

التفت الحرّ وصوّب نحوه نظرة تحمل كل معاني الاكتشاف :

-إني أخيّر نفسي بين الجنّة والنار .. والله لا أختار على الجنة شيئاً ولو أُحرقت ... .

تمتم ابن سعد مذهولاً :

-ماذا أرى ؟.. ماذا يفعل هذا المجنون ؟..

كيف يختار الإنسان الموت !.. انظروا إليه ..

كيف يبدو خاشعاً أمام الحسين .. .

-انصتوا إنه الحرّ .

قهقه أحدهم :

-إنه يريد موعظتنا هو الآخر .. .

هتف شبث بن ربعي :

-أيها الأحمق ، دعنا نسمع ما يقول .

وجاء صوت الحرّ جهورياً مدويّاً منطلقاً من أعماق نفس اكتشفت ينابيع الخلود:

-يا أهل الكوفة لأمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموا هذا العبد

الصالح وأحطتم به من كل جانب ومنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة

حتى يأمن هو وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّا

وحلأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي

يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه !

وهاهم قد صرعهم العطش . بئسما خلفتم محمداً في ذريته ..

وانطلقت نحوه السهام كالمطر .. وتقهقر الحرّ متفادياً نبال القبائل الغادرة .


،


يتبع ~~>
__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-12-2010, 07:25 PM   #30
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

12

نسور مجنونة تحوم في السماء ، وريح عاصف تهب من ناحية الصحراء ،

وبدت أشجار النخيل كرماح مركوزة في خاصرات الفرات .

بدا الجوّ مشحوناً بالخطر ، ومثلما تندلع الصواعق بين أكوام السحب ،

تدفقت سهام مجنونة تحمل في أنصالها الموت .

هتف الحسين بأنصاره :

-قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم .

هبّت رجال كانوا ينتظرون على أحرّ من الجمر .

كيف أصبح الموت أمنية لهم ؟. كيف أضحى في نظرهم خلوداً ..

كيف تحولت الصحراء الملتهبة إلى جنات تجري من تحتها الأنهار .


غاص الرجال في أحراش كثيفة من رماح وسيوف .

كانوا يقاتلون بضراوة لا نظير لها . أكما لو كانوا يريدون توجيه مسار التاريخ الاتجاه الذي ينشدون .

امتلأ الجوّ غباراً ودخاناً ، وكانت السيوف تهوي كبروق مشتعلة ،

وعندما غادر الغبار أرض المعركة ، كان هناك خمسون صريعاً يعالجون جراحاتهم في الرمضاء ..

الجراح تسقي الأرض .. والدماء تروي شجرة الحريّة ..

شجرة أصلها ثابت في أعماق التراب ، وفرعها في هامة السماء .

تمتم الحسين متألماً :

-اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ،

واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على

قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ... أما والله لا أجيبهم إلى شيء

مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي .


هجم الأبرص على إحدى الخيام ، وقد اشتعلت في عينيه شهوة النهب ،

وهاج شيطان يعربد في أعماقه :

-عليَّ بالنار لأحرقه على أهله ... .

القلوب الصغيرة الخائفة فرّت مذعورة من الخيمة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت .

صاح الحسين :

-يابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي ..

أحرقك الله بالنار .

واستنكر شبث بن ربعي الحضيض الذي وصل إليه رفيقه .

-أمرعباً للنساء صرت ؟! ما رأيت مقالاً أسوأ من مقالك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ...

وتمتم وهو يعضّ على يده :

-قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ،

ثم عدونا على ولده – وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية

الزانية ! ... ضلال ... يا لك من ضلال !!

توسطت الشمس كبد السماء ، والقبائل تتخطف القافلة ...

التفت ((أبو ثمامة الصائدي)) إلى الحسين . قال بخشوع :

-نفسي لك الفداء . إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك . لا والله لا تقتل حتى أُقتل دونك .

وأحب أن ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها .

رفع الحسين رأسه إلى السماء وألقى نظرة على الشمس :

-ذكرت الصلاة .. جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها ...

وأردف وهو يجفف حبّات عرق تلتمع فوق جبينه :

-سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلّي .

هتف ابن نمير وكان فظاً غليظ القلب :

-إنها لا تقبل !

أجاب حبيب بن مظاهر غاضباً :

-زعمت أنها لا تقبل من آل الرسول وتقبل منك يا حمار !


عربد الشيطان في أعماق ((ابن نمير)) ، فأقحم الفرس نحو ((حبيب)) وحبيب

واقف كالجبل لم يكترث بالجموع وهي تنحدر نحوه .

وتخطفته سيوف القبائل ...

وانسابت دماؤه قانية فوق رمال الصحراء تروي لها أروع قصص الوفاء والتضحية والفداء .

واسترجع الحسين كثيراً :

-عند الله أحستب نفسي وحماة أصحابي .

القبائل تموج كأنها ريح صفراء تحمل في طياتها الموت ، والحسين وسط الإعصار

يصلّي بأصحابه الصلاة الأخيرة ..

السماء تفتح أبوابها للقافلة القادمة ، والفضاء يزخر بأجنحة الملائكة ..

ونسائم طيبة تحمل رائحة الربيع .. ربيع جنّات الفردوس .

التفت الحسين إلى أصحابه وهو يشير إلى مسار القافلة :

-يا كرام هذه الجنّة قد فتحت أبوابها ، واتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها ،

وهذا رسول الله ، والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله يتوقّعون قدومكم

ويتباشرون بكم ، فحاموا عن دين الله ، ودين نبيّه وذبّوا عن حرم الرسول ...


القافلة التي اكتشفت ينابيع الخلد تهبّ للخطى الأخيرة :

-نفوسنا لنفسك الفداء ، ودماؤنا لدمك الوقاء .

فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب .


السماء تفتح أبوابها ، والرجال يعرجون .

تقدم ((أبو ثمامة)) إلى المعراج ، وما أسرع أن حلّق إلى السماوات مخلِّفاً وراءه برْكة من دماء قانية .

ومن بعده انطلق ((زهير)) . وضع يده فوق منكب الحسين ، وأنشد :

أقدم هديـت هاديــاً مهديــاً


فـاليـوم ألقـى جـدّك النبيّــا



وحسنــاً والمرتضــى عليــاً



وذا الجنـاحـين الفتى الكميّــا



وأسـد الله الشهيــد الحيّــا


-وأنا ألقاهما على أثرك .

وما أسرع أن لحق برفاقه . القافلة تطوي السماوات ..

تتخطى الكواكب والأفلاك .. في عروج ملكوتي فريد .

وقف الحسين عند مصرعه ، وقال متأثراً :

-لا يبعدنك الله يا زهير ولعن قاتليك لعْن الذين مسخوا قردة وخنازير .

واستعد ((نافع الجملي)) للرحيل ، فغاص في أعماق القبائل وانهمرت عليه

الحجارة من كل صوب ، فتهشم عضداه ، وسيق أسيراً .

كانت الدماء تنزف منه ، وقد صبغته بحمرتها المشتعلة .

قال ابن سعد بلهجة ينمّ منها الإعجاب ببسالته :

-ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟!

إن ربي يعلم ما أردت .

-أما ترى ما بك ؟!

-والله لقد قتلتُ منكم اثني عشر سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي على

الجهد .. ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني .

جرّد الأبرص سيفه وقد برقت عيناه حقداً .. فقال نافع بطمأنينة :

-والله يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا ...

فالحمد لله الذي جعل منايانا على أيدي شرار خلقه ... .

هوى السيف بقسوة ، وتدحرج الرأس فوق الرمال ، وعيناه تنظران باتجاه عوالم لا نهائية ،

وقد ارتسمت ابتسامة هادئة فوق شفتين ذابلتين من الظمأ .

ونادى رجل من القبائل :

-يا برير ، كيف ترى صنع الله بك ؟

أجاب برير وهو ينظر إلى ما وراء غبار الزمان :

-صنع بي خيراً وصنع بك شرّاً .

-كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا . أتذكر يوم كنت أماشيك في ((بني لوذان))

وأنت تقول : كان معاوية ضالاً وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب ؟

-بلى أشهد أن هذا رأيي .

-وأنا أشهد أنك من الضالّين .

-تعال نبتهل إلى الله فيلعن الكاذبَ منا ويقتله .

توجهت أيد مع قلوب إلى السماء تستمد النصر ، وارتفعت أيد جذّاء .

فتقبِّل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر . وبدأت المنازلة ...

هوى برير بسيف يشبه صاعقة مدمّرة ..

فهوى الرجل الذي حاقت به اللعنة إلى الأرض كأنما خرّ من شاهق .


،


يتبع ~>

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مذا يقول السيد كمال الحيدري في أم المؤمنين عائشة nono moon أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 4 20-09-2010 12:03 PM
كلام رأس الأمام الحسين (ع) حور عين أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 3 17-07-2010 03:20 AM
إصدار جديد الدر المنتقى من كلام السيد الرضا مهندسة اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية 1 25-01-2010 08:28 PM


الساعة الآن 12:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir