أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-2012, 04:35 PM   #1
النبراس
●• فاطمية متميزة •●
 
الصورة الرمزية النبراس
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
الدولة: الاحساء..
المشاركات: 343
معدل تقييم المستوى: 94
النبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant futureالنبراس has a brilliant future
Abbas Shi الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين "ع

"الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين "ع
إن من جملة عشرات بل مئات الخصائص التي تنفرد بها الأمة الإسلامية بفضل القرآن والإسلام وأهل البيت, هي أن لهذه الأمة قدوات كبيرة ومشرفة نصب عينيها, وللقدوات أهميتها في حياة الشعوب, فإذا ما وجد لدى أمة شخصية فيها نفحة عظمة, فإن تلك الأمة لا تنفك عن تمجيد تلك الشخصية والتغني بها وتخليد اسمها, من أجل توجيه المسار العام لحركة تلك الأمة في الاتجاه المتوخي لها, وقد لا يكون هناك في الواقع أي وجود حقيقي لمثل هذه الشخصية وإنما يستقى من شخصية خيالية مطروحة في القصص والأشعار والأساطير الشعبية, وهذا كله نابع من حاجة الأمة لرؤية قدوات كبار أمام عينيها من أبنائها, وهذه الظاهرة موجودة في الإسلام على نحو وافر ومنقطع النظير, ومن جملة أكابر تلك القدوات هي شخصية أبي عبد الله "ع" إمام المسلمين وسبط الرسول, والشهيد الكبير في تاريخ الإنسانية.
إن لشخصية أبي عبد الله الحسين"ع" أبعاداً شتّى يستلزم كل واحد منها بياناً وتوضيحاً شاملاً, أشير هنا إلى أن من جملتها الإخلاص, والإخلاص معناه الالتزام بالواجب الإلهي وعدم إدخال المصالح الذاتية والفئوية والدوافع المادية فيه, والبعد الآخر هو الثقة بالله, إذ أن ظواهر الأمور كانت تقضي بأن تلك الشعلة ستخفت في صحراء كربلاء, ولكن كيف يرى ذلك الفرزدق الشاعر في حين لم يكن يراه الحسين, ويراه الناصحون القادمون من الكوفة, ولا يراه الحسين بن علي الذي كان عين الله, لقد كانت ظواهر الأمور توحي بهذا المآل, إلا أن الثقة بالله كانت توجب عليه اليقين ـ رغم كل هذه الظواهر ـ بأن الغلبة ستكون لكلامه الصدق ولموقفه الحق, وجوهر القضية هو أن تتحقق نيّة المرء وغايته, والإنسان المخلص لا تهمه ذاته فيما إذا تحققت الغاية التي يرمي إليها.
رأيت ذات مرة أحد أكابر أهل السلوك والمعرفة كتب في رسالة: إننا إذا افترضنا ـ على سبيل المحال ـ أن كل الأعمال التي كان رسول الله"ص" يطمح إلى تحقيقها قد تحققت, ولكن باسم شخص آخر, فهل كان ذلك يغيظ رسول الله"ص" ؟ وهل كان قد يقف منها موقفاً سلبياً مادامت باسم شخص آخر, أو انه يقف منها موقفاً ايجابياً بدون الالتفات إلى الإسم الذي تحقق على يده؟ إذن فالغاية هي المهمة, والإنسان المخلص لا يأبه كثيراً بالشخص وبالذات وبالأنا, باعتباره إنساناً مخلصاً وله ثقة بالله, وموثقاً بأن الباري تعالى سيحقق هذا الهدف, لأنه تعالى قال : {إن جندنا لهم الغالبون} فالكثير من الجنود الغالبين يخرّون صرعى في ميادين الجهاد, إلا انه تعالى قال في الوقت ذاته: {إن جندنا لهم الغالبون}.
أما البعد الثالث فهو إدراك الموقف, وعدم الوقوع في الخطأ في اتخاذه, فقد كان الإمام الحسين"ع" متصدياً لزمام المسؤولية, والإمامة مدة عشر سنوات, مارس خلالها نشاطات أخرى ليست من طراز الفعل الاستشهادي في كربلاء, ولكن بمجرد أن سنحت له الفرصة للإتيان بعمل كبير استغلّ تلك الفرصة ووثب وتمسّك بها, ولم يدعها تفلت من بين يديه.

الشهادة والعرفان
لشخصية الإمام الحسين"ع" الألمعية الباهرة, بعدان آخران: بعد الجهاد والشهادة والإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ, وسيبقى هذا الإعصار ـ على ما يتّسم به من بركات ـ مدوياً على مدى الدهر, وانتم مطلّعون على هذا البعد الأول, أما البعد الآخر فهو بعد معنوي وعرفاني, ويتجلّى هذا البعد في دعاء عرفة بشكل واضح وعجيب, وقلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والانسياق المنتظم في التوسّل إلى الله والابتهال إليه بالفناء فيه, انه حقاً دعاء عظيم.
ثمّة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم, كنت في وقت أقارن بين هذين الدعائين, فكنت أقرأ أولاً دعاء الإمام الحسين, وأقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية, وقد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أن دعاء الإمام السجاد يبدوا وكأنه شرح لدعاء يوم عرفة, فالأول ـ أي دعاء الحسين "ع" في يوم عرفة ـ هو المتن والثاني شرح له, وذاك أصل وهذا فرع, دعاء عرفة دعاء مذهل حقاً, وفي خطابه "ع" الذي ألقاه على مسامع كبار شخصيات عصره وأكابر المسلمين التابعين في منى تجدون نفس تلك النغمة والنفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة, ويبدو أن خطابه ذلك كان في تلك السنة الأخيرة, أو ربما في سنة أخرى غيرها, لا استحضر ذلك حالياً في ذهني لكنه مسطور في كتب التاريخ والحديث.
إن نظرنا إلى واقعة عاشوراء وأحداث كربلاء, فمع أنها ساحة قتال وسيف وقتل, لكنكم ترون الحسين"ع" يتكلم ويتعامل بلسان الحب والرضا والعرفان مع الله تعالى ـ آخر المعركة حيث وضع خده المبارك على تراب كربلاء اللاهبة, تراه يقول: " إلهي رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك", وكذا حين خروجه من مكّة يقول: " من كان باذلاً فينا مهجته وموَطِّناً على لقاء الله نفسه, فليرحل معنا". كل قضية كربلاء ترون فيها وجه العرفان والتضرّع والابتهال, اقترن خروجه ذاك بالتوسل والمناجاة وأمنية لقاء الله, وبدأ بذلك الاندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة إلى حفرة المنحر حيث قال: "ورضاً بقضائك".
معنى هذا أن واقعة عاشوراء تعدّ بحد ذاتها واقعة عرفانية, ومع أنها امتزجت بالقتال والقتل والشهادة والملحمة ـ وملحمة عاشوراء صفحة رائعة بشكل يفوق التصور ـ ولكن إن نظرتم إلى عمق نسيج هذه الواقعة الملحميّة لرأيتم معالم العرفان, والمعنوية والتضرع وجوهرية دعاء عرفة, إذن فهذا هو البعد الآخر في شخصية الإمام الحسين"ع", وهو ما ينبغي أن يكون موضع اهتمام إلى جانب البعد الأول المتمثل بالجهاد والشهادة.
القضية التي أروم الإشارة إليها هي انه يمكن القول قطعاً أن هذا الاندفاع المعنوي والعرفان, والابتهال إلى الله والفناء فيه, وعدم رؤية الذات أمام إرادته المقدّسة هو الذي أضفى على واقعة كربلاء هذا الجلال والعظمة والخلود. أو بعبارة أخرى أن البعد الأول: أي بعد الجهاد والشهادة جاء كحصيلة ونتاج للبعد الثاني, أي نفس تلك الروح العرفانية والمعنوية التي يفتقد إليها الكثير من المؤمنين ممن يجاهدون وينالون الشهادة بكل ما لها من كرامة, نفس تلك الروح العرفانية والمعنوية تجدها في شهادة أخرى نابعة من روح الإيمان ومنبثقة من قلب يتحرق شوقاً, وصادرة عن روح متلهفة للقاء الله, ومستغرقة في ذات الله, هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم ونكهة أخرى ويضفي أثراً آخر على التكوين. نحن شهدنا في فترة الحرب نفحات من تلك النسمة المقدسة, ولم يكن ما سمعتموه من تأكيدات سماحة الإمام الخميني"قده" على قراءة وصايا الشهداء وصايا صرفة لا يبتغي شيئا وراءها ـ حسب ظني ـ فهو نفسه كان قد قرأ تلك الوصايا, وأثّرت في قلبه المبارك تلك الجمرات المتلظية, فرغب في أن لا يحرم الآخرين من هذه الفائدة, كما إنني والحمد لله كنت طوال فترة الحرب وما بعدها وحتى يومنا هذا أستأنس بقراءة هذه الوصايا, ولاحظت كيف أن بعضها نابعة من أعماق روح العرفان.
فالمرحلة التي يبلغها العارف والسالك على مدى ثلاثين أو أربعين سنة يتعبد ويرتاض, ويواصل الدراسة على يد الأساتذة ويكثر البكاء والتضرع ويكابد المشاق لأجلها, يستطيع أن ينالها شاب في مدة عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً, أو عشرين يوماً في الجبهة, أي منذ اللحظة الأخيرة التي يتوجه فيها ذلك الشاب إلى الجبهة بأي دافع كان مع وجود الدافع الديني الممتزج بحماس الشباب ثم يتحول ذلك الاندفاع لديه بالتدريج إلى عزم على التضحية والجود بكل وجوده ويسطر ذكرياته أو وصيته, وهو من تلك اللحظات وحتى لحظة استشهاده يزداد تحمساً وشوقاً, ويصبح سيره أسرع وقربه أدنى, إلى أن تأتي الأيام الأخيرة وتحلّ الساعات واللحظات الأخيرة, فإن يكن قد بقي منه شيء حينذاك, فهو كجمرة تتلظى, تلسع قلوب من يقرئون تلك الوصايا.

فلسفة الأهداف والنتائج الحسينية
"أهداف الثورة الحسينية"
لقد قيل الكثير عن نهضة هذا العظيم, لكن الإنسان كلّما فكّر وتدبَّر في هذا الموضوع, كلما اتّسع مجال التفكير والبحث والتحقيق والمطالعة عنده, فقد بقي الكثير مما لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة والعجيبة التي لا نظير لها, فعلينا أن نتدبر ونتفكر فيه ثم نقوله للآخرين.
لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبد الله "ع" من المدينة وتوجّه نحو مكة إلى أن استشهد في كربلاء, لأمكننا أن نقول إن الإنسان يستطيع عد مائة درس مهم في هذا التحرك الذي استمر أشهر معدودة فقط. ولا أود القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كل إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً, لكن عندما نقول مائة درس أي لو أردنا أن ندقق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان وفصل, وكل فصل يعتبر درساً لأمة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله, فهكذا هو الحسين"ع" بن علي "أرواحنا فداه وفداء إسمه وذكره" كالشمس الساطعة بين القديسين, أي إن كان الأنبياء والأئمة والشهداء والصالحين كالأقمار والأنجم, فالحسين "ع" كالشمس الساطعة بينهم, كل ذلك لأجل هذه الأمور.
والى جانب المائة درس هذه هناك درس رئيسي في هذا التحرك سأسعى لتوضيحه لكم وهو لماذا ثار الحسين"ع" ؟ لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصية لها احترامها في المدينة ومكة, ولك شيعتك في اليمن, اذهب إلى مكان لا عليك بيزيد ولا ليزيد عليك شيء, تعيش وتعبد الله وتبلغ؟
هذا هو السؤال والدرس الرئيسي, ولا نقول إن أحداً لم يشر إلى هذا الأمر من قبل, فقد حققوا وتحدثوا كثيراً في هذه القضية, وما نود قوله اليوم ـ وفي رأيي ـ هو استنتاج جامع ورؤية جديدة للقضية.
إن البعض يقول : إن هدف ثورة أبي عبد الله الحسين"ع" هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بدلها.
هذا القول شبه صحيح وليس خطأ, لأنه لو كان القصد من هذا الكلام هو أن الحسين "ع" ثار لأجل إقامة حكومة وعندما يرى عدم إمكانية ذلك, يقول لم نتمكن من ذلك , فلنرجع.
إن من يثور لأجل إقامة حكومة, سيستمر ما دام يرى إمكانية ذلك, فإن احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي, فوظيفته أن يرجع, فالذي يقول إن هدف الإمام "ع" من هذه الثورة هو إقامة الحكومة العلوية الحقة, فهذا غير صحيح, لأن مجموع هذا التحرك لا يدلّ على ذلك وسأبين ذلك لاحقاً.
والبعض على العكس من ذلك, قالوا: ما الحكومة؟ إن الحسين "ع" يعلم بعدم تمكِّنه من إقامة الحكومة. انه جاء لأجل أن يقتل ويستشهد, لقد شاع هذا الكلام على الألسن كثيراً فترة من الزمن, وكان البعض يصنع ذلك بتعابير جميلة, ثم رأيت أن بعض كبار العلماء قد قالوا ذلك أيضاً, فهذا لا يعتبر كلاماً جديداً وهو أن الإمام "ع" ثار لأجل أن يستشهد, لأنه رأى انه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء فقال يجب أن اعمل شيئاً بالشهادة.
هذا الرأي أيضاً لا يوجد في المصادر الشرعية الإسلامية ما يؤيده, إن الشهادة التي نعرفها في الشرع المقدّس والآيات والروايات معناها أن يتحرك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدف مقدّس واجب أو راجح, هذه هي الشهادة الإسلامية الصحيحة. أما أن يتحرك الإنسان لأجل أن يقتل فلا. إذن هذا الأمر وان كان فيه جانباً من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين"ع".
إذن ـ باختصار ـ لا يمكننا القول : إن الحسين "ع" ثار لأجل إقامة الحكومة, ولا أن نقول: إنه ثار لأجل أن يستشهد, وإنني أتصور أن القائلين بأن الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة, فالهدف لم يكن ذلك, بل كان للإمام الحسين"ع" هدف آخر, كان الوصول إليه يتطلب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشهادة, وكان الإمام مستعداً لكلتا النتيجتين, فقد أعدّ مقدمات الحكم وكذا مقدمات الشهادة, فإذا تحقق أي منهما, كان صحيحاًَ, لكن لم يكن أي منها هدفاً, بل كانا نتيجتين.
إذن ما هو الهدف؟ أقول باختصار ثم أبدأ بتوضيحه قليلاً.
لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين "ع" , ينبغي أن نقول هكذا: إن هدف ذلك العظيم كان أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤده أحد قبله, لا النبي "ص" ولا أمير المؤمنين "ع" ولا الإمام الحسن المجتبى"ع" , واجب يحتل مكاناً مهماً في البناء العام للنظام الفكري والقيمي والعملي للإسلام, ورغم أن هذا الواجب مهم وأساسي, لكنه لماذا لم يقم بهذا الواجب حتى عهد الإمام الحسين "ع"؟ كان ينبغي على الإمام الحسين"ع" القيام بهذا الواجب ليكون درساً على مرّ التاريخ , مثلما أن تأسيس النبي "ص" للحكومة الإسلامية أصبح درساً على مرّ تاريخ الإسلام, ومثلما أصبح جهاد النبي"ص" في سبيل الله درساً على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشرية إلى الأبد, فكان ينبغي أن يودي الإمام الحسين "ع" هذا الواجب ليصبح درساً عملياً للمسلمين على مر التاريخ.
ولماذا قام الإمام الحسين "ع" بهذا الواجب؟ لأن أرضية هذا العمل قد مهّدت في زمن الإمام الحسين "ع", فلو لم تمهّد هذه الأرضية في زمن الإمام الحسين "ع" كأن مهّدت ـ وعلى سبيل المثال ـ في زمن الإمام الهادي "ع" لقام الإمام علي الهادي"ع" بهذا الواجب, لصار هو ذبيح الإسلام العظيم, ولو اتفق ذلك في زمن الإمام الحسن المجتبى "ع" لقام به, أو اتفق في عصر الإمام الصادق "ع" لقام به الإمام الصادق "ع", لكن لم يتفق ذلك في زمن الأئمة حتى عصر الغيبة إلا في عصر الإمام الحسين"ع" .
إذن كان الهدف أداء هذا الواجب, فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين إما الوصول إلى الحكم والسلطة وكان الإمام الحسين"ع" مستعداً لذلك, ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله "ص" وأمير المؤمنين"ع" , أو يصل إلى الشهادة وكان الإمام الحسين"ع" مستعداً لها أيضاً.
فإن الله قد خلق الحسين والأئمة بحيث يتحملون مثل هذه الشهادة لمثل هذا الأمر, وقد تحمل الإمام الحسين "ع" ذلك, هذا خلاصة الأمر.
وان النبي الأكرم"ص" ـ وكذا أي نبي ـ عندما بعث , أتى بمجموعة من الأحكام, بعضها فردية لإصلاح الفرد, وبعضها اجتماعية لبناء المجتمعات البشرية وإدارة الحياة البشرية, هذه المجموعة من الأحكام يقال لها النظام الإسلامي.
فعندما نزل الإسلام على القلب المقدّس للنبي الأكرم"ص", فجاء بالصلاة والصوم والزكاة والانفاقات والحج والأحكام الأسرية والعلاقات الفردية, ثم جاء بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة والنظام الاقتصادي وعلاقات الحاكم بالرعية ووظائف الرعية تجاه الحاكم.
هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر, وبينها النبي الأكرم "ص" ما من شيء يقرّبكم إلى الجنة ويبعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به". ولم يبين النبي الأكرم"ص" كل ما يسعد الإنسان والمجتمع الإنساني فحسب, بل طبّقها وعمل بها, فقد أقام الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي, وطبّق الاقتصاد الإسلامي, وأقيم الجهاد واستحصلت الزكاة, فشيّد نظاماً إسلاميا وأصبح النبي الأكرم"ص" وخليفته من بعده معمار وقائد هذا النظام حيث كان الطريق واضحاً وبيّناً, فوجب على الفرد وعلى المجتمع الإسلامي أن يسير في هذا الطريق وعلى هذا النهج, فإن كان كذلك بلغ الناس الكمال, أصبحوا صالحين كالملائكة, وذهب الظلم والشر والفساد والفرقة والفقر والجهل بين الناس, ووصل الناس إلى السعادة الكاملة ليصبحوا عباد الله الكُمَّل.

التكليف في ظل الانحراف
حسناً , يبقى ـ هنا ـ سؤال وهو : لو صرفت يد أو حادثة القطار الذي سيّرة النبي الأكرم"ص" عن مسيره, فما هو التكليف؟ لو انحرف المجتمع الإسلامي وبلغ الانحراف درجة بحيث خيف انحراف أصل الإسلام والمبادئ الإسلامية ـ لأن الانحراف على قسمين ـ فتارة ينحرف الناس , وهذا ما يقع كثيراً, لكن تبقى أحكام الإسلام سليمة, وتارة ينحرف الناس ويفسد الحكّام والعلماء ومبلغو الدين, فيحرفوا القرآن والحقائق, وتبدّل الحسنات سيئات والسيئات حسنات, ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً , ويحرف الإسلام 180 درجة ـ فلو ابتلي النظام والمجتمع الإسلامي بمثل هذا الأمر , فما هو التكليف حينئذ؟
لقد بيّن النبي "ص"وحدّد القرآن التكليف {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}. إضافة إلى آيات وروايات كثيرة أخرى.
لكن هل تمكّن النبي "ص" من العمل بهذا الحكم الإلهي؟ كلا, لأن الحكم الإسلامي يطبق في عصر ينحرف فيه المجتمع الإسلامي ويبلغ حداً يخاف فيه من ضياع أصل الإسلام, والمجتمع الإسلامي لم ينحرف في عهد رسول الله "ص" ولم ينحرف في عهد أمير المؤمنين "ع" بتلك الصورة, وكذا في عهد الإمام الحسن"ع" عندما كان معاوية على رأس السلطة, وإن ظهرت الكثير من علائم ذلك الانحراف, لكنه لم يبلغ الحد الذي يخاف فيه على أصل الإسلام, نعم, يمكن أن يُقال انه بلغ في برهة من الزمن الحد, لكن في تلك الفترة لم تتاح الفرصة ولم يكن الوقت مناسباً للقيام بهذا الأمر.
إن هذا الحكم الذي يعتبر من الأحكام الإسلامية لا يقلّ أهمية عن الحكومة ذاتها, لأن الحكومة تعني إدارة المجتمع, فلو انحرف المجتمع وفسد, وتعطّل الحكم الإلهي, ولم يوجد عندنا حكم وجوب تغيير الوضع وتجديد الحياة أو بتعبير اليوم " الثورة " فما الفائدة في الحكومة في الإسلام, فالحكم الذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخط الصحيح لا يقل أهمية عن الحكومة ذاتها, ويمكن أن يقال إنه أكثر أهمية من جهاد الكفار ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطبيعيين في المجتمع الإسلامي, بل وحتى من العبادات الإلهية العظيمة, كالحج, لماذا؟ لأن هذا الحكم ـ في الحقيقة ـ يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات وانتهى.
إن الذي يجب عليه أداء هذا الحكم وهذا التكليف هو خليفة النبي الذي يقع في عصره هذا الانحراف بشرط أن يكون الوقت مناسباً للقيام بذلك, لأن الله لا يكلّف بشيء لا فائدة فيه, طبعاً ليس معنى " أن يكون الوقت مناسباً " هو عدم وجود الخطر, كلا, ليس هذا المقصود, بل يجب أن يكون الوقت مناسباً, أي أن الإنسان يعلم أن هذا العمل الذي يقوم به تترتب عليه نتيجة إبلاغ النداء إلى الناس وإفهامهم وعدم بقائهم على خطأهم, وربما أن الإسلام قد انحرف في عصر الإمام الحسين "ع" وكان الوقت مناسباً, لذا وجب على الحسين"ع" أن يثور, فالشخص الذي تولى السلطة بعد معاوية لم يراع حتى جوهر الإسلام, وكان منغمساً في الخمر والمجون والتهكم بالقرآن وترويج الشعر الإباحي المرفوض من قِبَل الإسلام, فكان يخالف الإسلام علناً, وكان بعمله هذا كنبع الماء العفن الذي يفسد كل ما حوله, وهكذا يكون الحاكم الفاسد, فيما انه يتربَّع على قمّة المرتفع, فما يصدر منه لا يبقى في مكانه, بل ينتشر ليملأ ما حوله, خلافاً للناس العاديين حيث يبقى فسادهم لأنفسهم أو للبعض ممن حولهم, طبعاً كل من شغل مقاماً ومنصباً أرفع في المجتمع الإسلامي كان ضرر فساده أكبر, لكن لو فسد من يقع على رأس السلطة لانتشر فساده وشمل كل الأرض, كما انه لو كان صالحاً, لامتدّ الصلاح إلى كل مكان.
فشخص كهذا أصبح خليفة رسول الله"ص" فهل هناك انحرافاً أكبر من هذا؟
إذن الأرضية ممهدة, وما معنى أن الأرضية ممهدة؟ هل معناه عدم وجود الخطر؟ كلا, فالخطر موجود, فلا معنى أن يبقى من هو على رأس السلطة ساكتاً أمام معارضيه ولا يخلق لهم المخاطر, بل من البديهي أن يوجه لهم الضربات, فعندما نقول الوقت المناسب, فمعناه أن الظروف في المجتمع الإسلامي مواتية لأن يبلغ الإمام الحسين "ع" نداءه إلى الناس في ذلك العصر وعلى مرّ التاريخ.
فلو أراد الإمام الحسين "ع" الثورة في عصر معاوية لما سمع نداؤه وذلك لأن الحكم والسياسات كانت بشكل لا يمكن للناس فيها سماع قول الحق, لذلك فإن الإمام الحسين"ع" لم يقدم على شيء ولم يثر أيام خلافة معاوية, مثلما أن الإمام الحسين "ع" لم يثر على معاوية, لأن الظروف لم تكن مواتية, وليس معنى ذلك أن الإمام الحسن"ع" لم يكن أهلاً لذلك, فلا فرق بين الإمام الحسن"ع" وبين الإمام الحسين"ع", ولا بين الإمام الحسين والإمام السجاد"ع", ولا بين الإمام الحسين"ع" والإمام علي الهادي "ع" أو الإمام الحسن العسكري"ع", طبعاً منزلة الإمام الحسين "ع" ـ الذي أدّى هذا الجهاد ـ أرفع من الذين لم يؤدوه ولكنهم سواء في منصب الإمامة, ولو وقع في عصر أي منهم هذا الأمر لثار ذلك الإمام ونال تلك المنزلة.
فالإمام الحسين"ع" واجه مثل هذا الانحراف, والظروف كانت مواتية, فلا محيص للإمام"ع" من تأدية هذا التكليف, لهذا فعندما قال له عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس ـ الذين كانوا من العلماء والعارفين بأحكام الدين ـ أن تحركك فيه خطر فلا تذهب, أرادوا أن يقولوا: إن التكليف قد سقط عنك لوجود الخطر, لكنهم لم يدركوا أن هذا التكليف ليس بالتكليف الذي يسقط بوجود الخطر, لأن مثل هذا التكليف فيه خطر دوماً, فهل يمكن لإنسان أن يثور ضد سلطة مقتدرة في الظاهر ولا يواجه خطراً.
لقد كانوا يقولون للإمام الخميني "قده" إن الخطر في مواجهتهم للشاه, فهل أن الإمام لم يكن يعلم بالخطر؟ ألم يكن الإمام يعلم أن جهاز الأمن البهلوي يعتقل ويقتل ويعذب؟ بلى فالذي حدث في عصر الإمام الحسين "ع" حدث في عصر الإمام الخميني , فقد كان هدف الإمام الحسين"ع" وهدف إمامنا العظيم مشتركاً وهو إرجاع الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الصراط المستقيم والخط الصحيح بعد أن انحرف عن المسير وانحرف المسلمون نتيجة جهل وظلم واستبداد وخيانة البعض وكانت الظروف مواتية في عصرنا مثلما كانت مواتية في زمن الإمام الحسين "ع" , فأقدم الإمام "قده" على نفس العمل, لكن مع فارق وهو أن الثورة ضد الحكم الباطل في عصرنا انتهت بإقامة الحكومة الإسلامية والحمد لله, لكن ثورة الإمام الحسين "ع" كانت نتيجتها الشهادة, فهل أن الثورة في الصورة "الثانية" لا تصبح واجباً؟ وهل لا فائدة فيها إن كانت نتيجتها الشهادة؟ كلا, إن الثورة واجبة وإن انتهت بالشهادة, ولا فرق في ذلك سواء انتهت بالشهادة أو الحكم, لكن لكل منهما نوع من الفائدة.

الثورة من أجل الإصلاح
إذن يمكننا أن نشخّص القضية بهذه الصورة وهي : أن ثورة الإمام الحسين"ع" كانت لتأدية واجب عظيم هو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلامي إلى الخط الصحيح أو الثورة ضد الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلامي, وهذا ما يتم بالثورة وعن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بل هو مصداق عظيم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, طبعاً ـ وكما قلت ـ فقد تكون نتيجتها إقامة الحكومة, وقد تكون الشهادة. وقد كان الإمام الحسين"ع" مستعداً لكلتا النتيجتين. ودليلي على ذلك هو ما استنتجته من أقوال الإمام الحسين "ع" نفسه, إنني انتخبت بعض أقوال أبي عبد الله الحسين"ع", وكلها تشير إلى هذا المعنى:
1ـ عندما استدعى والي المدينة "الوليد" الإمام الحسين"ع" ليلاً وقال له: إن معاوية قد مات وعليك بمبايعة يزيد, فردّ عليه الإمام "ع": " نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة" وعند الصباح عندما لقي مروان أبا عبد الله "ع" طلب منه مبايعة يزيد وعدم تعريض نفسه للقتل, فأجابه الإمام "ع": إنا لله وأنا إليه راجعون, وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براعٍ مثل يزيد".
فالقضية ليست شخص يزيد, بل مثل يزيد, ويريد الإمام الحسين"ع" أن يقول: لقد تحملنا كل ما مضى, أما الآن فإن أصل الدين والإسلام والنظام الإسلامي في خطر إشارة إلى أن الانحراف خطر جدي فالقضية هي الخطر على أصل الإسلام.
2ـ في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية عند خروجه من مكة ـ فأبو عبد الله "ع" قد أوصى أخاه محمداً بن الحنفية, مرتين: الأولى عند خروجه من المدينة والثانية عند خروجه من مكة, وأتصور أن هذه الوصية كانت عند خروجه من مكة في شهر ذي الحجة ـ فبعد الشهادة بوحدانية الله ورسالة النبي "ص" و... يقول الإمام "ع" : " واني ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدي", أي أريد الثورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتماً أو للشهادة حتماً, والإصلاح ليس بالأمر الهيّن, فقد تكون الظروف بصورة بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السلطة وقد لا يمكنه ويستشهد, وفي كلتا الحالتين فالثورة تكون لأجل الإصلاح, ثم يقول "ع": " أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي". والإصلاح يتم عن هذا الطريق, وهو ما قلنا إنه مصداق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3ـ عندما كان الإمام "ع" بمكة, بعث بكتابين , الأول إلى رؤساء البصرة والثاني إلى رؤساء الكوفة, جاء في كتابه إلى رؤساء البصرة: "وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا ادعوكم إلى كتاب الله وسنَّة نبيه , فإن السنَّة قد أميتت والبدعة قد أحييت فإن تسمعوا قولي أهديكم إلى سبيل الرشاد". أي يريد الإمام الحسين"ع" تأدية ذلك التكليف العظيم وهو إحياء الإسلام وسنّة النبي "ص".
وجاء في كتابه إلى رؤساء الكوفة: " فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه عن ذات الله, والسلام". أي بيّن الإمام "ع" هدفه من الخروج, وكان الإمام "ع" يخاطب الناس في كل منزل ينزل فيه بعد خروجه من مكة.
4ـ عندما " واجه الحسين"ع" جيش حر " وسار بأصحابه في ناحية والحر ومن معه في ناحية حتى بلغ " البيضة".
خاطب الإمام "ع" أصحاب الحر, فقال : " أيها الناس إن رسول الله "ص" قال من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله, فالنبي "ص" بيّن ما يجب عمله إذا انحرف النظام الإسلامي, وقد استند الإمام الحسين"ع" إلى قول النبي "ص" هذا.
إذن التكليف هو "يغير عليه بفعل أو قول " فإن واجه الإنسان هذا الأمر وكان الظرف مواتٍ كما قلنا, وجب عليه أن يثور ضد هذا الأمر ولو بلغ ما بلغ يقتل, يبقى حياً ينجح في الظاهر أو لا ينجح.
يجب على كل مسلم أن يثور أمام هذا الوضع, وهذا تكليف قال به النبي "ص" ثم قال "ع": "وأنا أحق من غيري, لأني سبط النبي"ص"", فإن كان النبي"ص" قد أوجب على المسلمين فرداً فرداً هذا الأمر, كان سبط النبي "ص" ووارث علمه وحكمته الحسين بن علي"ع" أحق أن يثور فاني خرجت لهذا الأمر, فيعلن عن سبب وهدف ثورته وهو لأجل التغيير, أي الثورة ضد هذا الوضع السائد.
5ـ لما نزل بـ " الغريب " التحق به أربعة نفر, فقال لهم الإمام "ع" " أما والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا", وهذا دليل على قولنا عندما قلنا لا فرق سواء انتصر وقُتل, يجب أداء التكليف.
6ـ في أول خطبة له"ع" عند نزوله بكربلاء, يقول "ع" : " وقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون, إلى أن يقول : " ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً..." إلى آخر الخطبة.
إذن ثورة الإمام الحسين"ع" كانت تأدية لواجب وهو عبارة عن وجوب الثورة على كل مسلم حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلامي بحيث يخاف من تغيير كلي في أحكام الإسلام, وكانت الظروف مواتية, وعلم بأن لهذه الثورة نتيجة, وليس شرطاً البقاء حياً وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة.

الدرس الحسيني ووظيفة الأجيال
فالحسين"ع" قد ثار وأدى هذا الواجب عملياً ليكون درساً للجميع وقد تتوفر الظروف المناسبة لأي أحد للقيام بهذا العمل على مر التاريخ, طبعاً الظروف لم تكن مواتية في عصر سائر الأئمة "ع" من بعد الإمام الحسين"ع", وهذا الأمر له تفسير وهو وجود أعمال مهمة أخرى وجب القيام بها, فلم تتوفر هذه الظروف بعد ذلك في المجتمع الإسلامي إلى أواخر عصر الأئمة "ع" وبداية عصر الغيبة, لكن قد تتوفر مثل هذه الظروف في الدول الإسلامية على مرّ التاريخ, وقد تكون الأرضية في بعض أقطار العالم الإسلامي ـ الآن ـ مهيّأة لقيام المسلمين بذلك أيضاً, فإن قاموا بذلك, فقد صانوا الإسلام وضمنوا بقاءه, وقد يواجه واحد أو اثنان الفشل, لكن عندما يكثر هذا التغيير وهذه الثورة والحركة الإسلامية, فثقوا باجتثاث جذور الفساد والانحراف.
إن الإمام الحسين"ع" قد علّم التاريخ الإسلامي درساً عملياً عظيماً , وضمن بقاء الإسلام في عصره وسائر العصور, فأينما وجد مثل هذا الفساد, كان الإمام الحسين"ع" حياً حاضراً هناك يعلمنا بأسلوبه وفعله ما يجب علينا عمله, لهذا يجب أن يبقى إسم الحسين"ع" حياً وتبقى ذكرى كربلاء حيّة, لأن ذكرى كربلاء تجعل هذا الدرس العملي نصب أعيننا.
ومع الأسف إن درس عاشوراء ليس معروفاً في سائر الدول الإسلامية كما ينبغي, لقد كان معروفاً في بلدنا وكان الناس يعرفون الحسين"ع" وثورته. لقد كانت الروح الحسينيّة موجودة لهذا لم يعجب الناس عندما قال الإمام "قده" إن محرم هو شهر انتصار الدم على السيف, وهي الحقيقة, وانتصر الدم على السيف.
لقد قلت هذه المطالب في مجلس قبل الثورة بـ 25 عاماً تقريباً, قلت للإخوة والأخوات أن أيها الأعزة, بأي لسان يقول الحسين"ع" ما هو تكليفكم؟ فالظروف هي تلك الظروف, والحياة هي تلك الحياة, والإسلام هو ذلك الإسلام, والإمام الحسين"ع" قد بيّن عملياً وظيفة كل الأجيال, ولو لم تنقل كلمة واحدة عن الإمام الحسين"ع" لوجب علينا أن نعرف تكليفنا. إن الشعب المكبّل بالقيود وفي مفاسد حكامه, الشعب المتسلّط على رقابه والقابض على زمام أموره أعداء الدين, وجب عليه أن يدرك تكليفه, لأن سبط النبي "ص" والإمام المعصوم قد علَّما ما يجب علينا فعله في مثل هذه الظروف, ولم يكن ذلك باللسان, فلو قال ذلك بمائة لسان ولم يثر هو لنا، أمكن أن يمرّ هذا النداء عبر التاريخ, فالنصيحة والأقوال ليستا اللتين تمرّان عبر التاريخ فقط, فهناك الآلاف من التعابير, بل يجب القيام بعمل عظيم وصعب كهذا وتضحية عظيمة وأليمة كالتي قام بها الإمام الحسين"ع", والحقيقة فإن ما هو أمام أعيننا من واقعة عاشوراء التي لا نظير ولا مثيل لها بين جميع الحوادث والفواجع البشرية, وكما قال النبي"ص" وأمير المؤمنين "ع" والإمام الحسن"ع" ـ على ما ورد في الروايات ـ " لا يوم كيومك يا أبا عبد الله " .
كان المجتمع الذي ثار فيه الحسين قابعاً تحت وطأة ثقلية من الاستبداد والطغيان, ويمارس فيه الحكام ألوان البطش والتنكيل بحق كل من يترجسون منهم معارضة لسلطانهم.
في مثل هذا الجو, ثار الحسين"ع" مع جماعة قليلة من خواص أصحابه وأهل بيته, وأدّى واجبه الإلهي بكل شجاعة وصبر وصمود وعزة, وترك لكل الأجيال المسلمة على مرّ التاريخ درساً عملياً ناطقاً صارخاً.
حادثة استشهاد الإمام الحسين"ع" وأصحابه وأهل بيته كشفت عن منتهى الوحشية والفظاعة والقسوة والانحطاط الخلقي وموت الضمير في قتلته الظالمين, كما تركت للتاريخ أروع صورة منقطعة النظير من السمو الإنساني والارتفاع الخلقي وعزة النفس وعظمة الروح والتضحية في سبيل المبدأ لدى الثائرين في سبيل الله وفي سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أرض كربلاء.
يا أبناء أمتنا الإسلامية؟ درس الحسين"ع" ملك لجميع المسلمين على مرّ الأجيال, والتحرك الحسيني في كل عصر يضمن بقاء الإسلام وعزة المسلمين, الحسين"ع" أدى رسالته في أقسى الظروف كي لا يبقى لأحد عذر إن قست عليه الظروف, وببركة دماء الحسين وبعد استشهاده مباشرة توالت الثورات في العالم الإسلامي حتى أدَّت إلى انهيار الحكم الأموي المرواني الغاشم.
وهذا الذي حدث بعد واقعة كربلاء, درس آخر يوضح للمسلمين أن الاستشهاد في سبيل الله ـ وان كان يبدو في النظرة السطحيّة فشلاً وهزيمة ـ قادر على أن يزلزل عروش الظالمين وان يضمن بقاء مسيرة قمع الباطل واقامة الحق في المجتمع الإسلامي.
إن الشعب الإيراني المسلم نهض بثورته الإسلامية الكبرى مستلهماً روح الحسين"ع", والإمام الراحل "قده" أعلن أن شهر محرم شهر انتصار الدم على السيف, وانتصر الدم على السيف, واقتلعت من الجذور الحكومة الملكية الظالمة في إيران المدعومة دعماً كاملاً من أمريكا والغرب والتي كان للكتلة الشرقية ـ الموجودة يومئذ ـ أيضاً معها روابط ودّية, قلعها الشعب من الجذور, ورفع راية الإسلام خفّاقة على هذا الجزء من أرض ملتنا الإسلامية.
ويوم عاشوراء هو بالنسبة لأبناء الأمة إضافة إلى ما فيه من دروس, يوم شكر أيضاً, شكر لله سبحانه وتعالى أن وضع شرعة الجهاد التي سار عليها الحسين"ع" ليصون الأمة من الذل والهوان, الشكر له سبحانه وله المنّة أن جعل الأمة تقتدي بالإمام الحسين"ع" وتستلهم من روح عاشوراء ما يعينها على تسجيل ملحمة بطولة كبرى من ملاحم الثائرين الرساليين في التاريخ, الشكر لله سبحانه وله المنّة أن جعل روح الحسين "ع" حيّة بين جماهير امتنا بعد انتصارها على طاغوت إيران تتحدى طواغيت العالم وتصدم بوجه مؤامراتهم ودسائسهم ومكائدهم, وتقدم لكل الأمة الإسلامية مثلاً أعلى لمن يريد العزّة تحت ظل راية الإسلام.

المسؤولية وتشخيص الواجب
هنالك عدة نقاط في قضية ثورة عاشوراء بحيث لو بحثها العالم الإسلامي والمفكرون الإسلاميون من أبعادها المختلفة ودققوا النظر في ظروفها المختلفة ومقدماتها ولواحقها وما أحاط بهذه الحادثة فسيصبح بالإمكان تحديد سبل الحياة الإسلامية ووظائف الأجيال المسلمة في جميع الأزمنة.
وأحد هذه الدروس هي أن الإمام الحسين بن علي "ع" قد شخّص في وقت حسّاس جداً من تاريخ الإسلام الوظيفة الرئيسية من بين الوظائف المتنوعة والتي لها مراتب متفاوتة من الأهمية, وانجزها ولم يخطىء أو يشتبه في معرفة ما كان العالم الإسلامي في ذلك اليوم بحاجة إليه. لقد كان تشخيص الوظيفة الأصلية دائماً أحد نقاط الخلل والضعف في حياة المسلمين في العصور المختلفة. الخلل في تشخيص الوظيفة الأصلية يعني أن أفراد الأمة والقيادة والرجال البارزين في العالم الإسلامي يخطئون في تشخيص الوظيفة الأصلية في مقطع من الزمن بمعنى أنهم لا يعلمون ما هي الوظيفة الإلهية وانه يجب الشروع وحتى إذا لزم الأمر يجب التضحية بسائر الأمور في سبيلها ولا يعلمون ما هي الوظيفة الفردية والتي تأتي في الدرجة الثانية, يجب أن يعطى كل عمل الأهمية التي يستحقها ويسعى في سبيل تحقيقها.
في نفس الوقت الذي تحرّك به حضرة أبي عبد الله"ع" كان هناك أشخاص إذا قيل لهم, هل ننتفض أو لا؟ فإن جوابكم سيكون بالنفي لعلمهم بأن وراء هذا العمل مشاكل ومتاعب كثيرة ويذهبون وراء وظائف من الدرجة الثانية كما رأينا أن البعض قد قام بهذا العمل فعلاً, لقد كان هناك أشخاص مؤمنون وملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين"ع", فليس من الصحيح أن يعدوا جميعاً من أهل الدنيا, لقد كان بين رؤساء ورموز المسلمين في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون وأشخاص يرغبون بالعمل وفقاً للتكليف لكنهم لم يدركوا التكليف الرئيسي, ولم يشخّصوا أوضاع ذلك الزمان, ولم يعرفوا العدو الرئيسي وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسية المحورية والوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة. ولقد كان هذا الأمر أحد الابتلاءات العظيمة للعالم الإسلامي, ويمكن أن نبتلي نحن ـ اليوم ـ بذلك أيضاً. من الممكن أن نخطىء في تشخيص ما هو أهم فنعالج أشياء أقل أهمية, يجب اكتشاف تلك الوظيفة الأساسية والتي يعتمد عليها قوام وحياة المجتمع.
ذات يوم كان يطرح في بلادنا الصراع ضد الاستعمار والاستبداد وضد جهاز الطاغوت الكافر, لم يكن البعض يشخّصون الوظيفة الأصلية, ويتمسّكون بأعمال أخرى, هؤلاء الأشخاص الذين ربما كان عندهم دروس أو مؤلفات يديرون حوزة علمية تبليغية صغيرة, أو أنهم كانوا يتحملون مسؤولية إرشاد جمع قليل من الناس, هؤلاء كانوا يعتقدون أنهم لو خاضوا في قضية الصراع فإن هذه الأعمال ستبقى معطّلة! لقد كان هؤلاء يتركون النضال على عظمته وأهميته من أجل أن لا تتوقف تلك الأعمال وهذا يعني الخطأ في تشخيص الواجب المهم والأهم.
لقد أوضح الإمام الحسين بن علي "ع" في بيانه للجميع أن أهم وظائف العالم الإسلامي في تلك الظروف هو الصراع مع رأس القوة الطاغوتية والإقدام على إنقاذ الناس من سلطتها الشيطانية. من البديهي أن الحسين بن علي "ع" عندما يتجه إلى العراق لأجل واقعة كواقعة عاشوراء, فانه سوف يحرم من البقاء في المدينة وتبليغ الأحكام الإلهية للأمة وبيان معارف أهل البيت"ع" وتعليم وتربية المسلمين ولن يستطيع أن يعلّم الناس الصلاة وينقل لهم أحاديث الرسول"ص" وبالطبع سوف تتعطل حوزته العلمية ونشره للمعارف وسوف يحرم من تقديم العون للأيتام والفقراء في المدينة.
كل هذه كانت وظائف يقوم بها الإمام "ع" قبل حركته باتجاه العراق ولكنه جعلها جميعها فداءً للوظيفة الأكثر أهمية, وحتى انه ضحّى بحج بيت الله في سبيل التكليف الأهم ـ كما يتناقل الخطباء والمبلّغون هذه القضية على ألسنتهم ـ وهذا في وقت شعرت فيه الناس بالوفود إلى بيت الله الحرام. فماذا كان ذلك التكليف؟ لقد كان ـ حسبما قال ذلك الإنسان العظيم بنفسه ـ هو الصراع مع الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد.
" أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي" هذا هو التكليف, أو كما قال في خطبة أخرى في طريقه: " أيها الناس أن رسول الله قال : من رأى سلطاناً مستحلاً لحرم الله ناكثاُ بعهد الله .. فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
التكليف عبارة عن تغيير سلطان الظلم والجور والقدرة التي تعيث في الأرض فساداً وتجر البشرية باتجاه الهلاك, والفناء المادي والمعنوي. هذه هي فلسفة نهضة الحسين بن علي "ع" والتي اعتبرت المصداق الحقيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب الانتباه إلى هذه النقاط, حضرة أبي عبد الله"ع" تحرّك على ضوء التكليف الأهم وضحّى بالتكاليف الأخرى في سبيل التكليف الأهم. كان يشخّص العمل الواجب في وقته. هناك حركة في كل زمان للمجتمع الإسلامي, في كل عصر هناك عدو وجبهة وخصم يهدد الإسلام والمسلمين ويجب أن يعرف ذلك العدو, فلو اشتبهنا في معرفة العدو والجهة التي يتعرّض منها الإسلام للأذى والهجوم فسوف نخسر خسارة كبيرة لا يمكن جبرانها, ولو غفلنا عن ذلك فإن فرصاً كثيرة ستضيع من أيدينا, نحن موظفون بأن نخلق حالة قصوى من الحذر والانتباه وتحديد الأعداء ومعرفة التكاليف لدى شعبنا والعالم الإسلامي.
اليوم ونظراً لإقامة الحكومة الإسلامية وارتفاع راية الإسلام ـ الأمر الذي لا سابقة له في طول التاريخ الإسلامي بعد الصدر الأول ـ فإن الإمكانات متوفرة للمسلمين ولا يحق لنا بعد الآن أن نغفل عن معرفة العدو ونخطئ في تشخيص الجهة التي يهجم منها.
لقد كان جلّ سعي إمامنا العزيز "قده" والأشخاص الذين كانوا يرافقونه في نهضته ـ على اختلاف مراتبهم وعلى حسب إمكانياتهم ومستوياتهم ـ هو أن يعلم العالم الإسلامي ومجتمع إيران الإسلام وقاعدة الحق والعدالة ما هو الخطر الأكبر الذي يحدق بهم وما هو العدو الأكثر تهديداً لهم, واليوم كسائر ما مضى فإن الهجمة العظمى والخطر الجارف ينشأ من الهيمنة العالمية والقوى الكافرة والمستكبرة. هذا أكبر الأخطار التي تهدد وجود المسلمين, صحيح أن الضعيف يمكن أن يفرضه العدو بإمكاناته الضخمة على ذلك المجتمع.
لا ينبغي لنا أن نشتبه, يجب أن تكون مسيرة المجتمع الإسلامي في الاتجاه المخالف للاستكبار والهيمنة العالمية والتي تسود هذه الأيام على العالم الإسلامي. القوى العظمى تعادي الإسلام ويقظة المسلمين. إنهم يحاربون إيران الإسلام بسبب إسلاميتها, إن كل سعيهم لإخماد الحركة الإسلامية في العالم, وبالطبع فإن أميركا هذه الدولة المتجبرة والمعتدية تقف في رأس قائمة أعدائنا ويتلوها سائر القوى الصغيرة والكبيرة التي لها خصومة تاريخية وتضاد مصلحي مع الإسلام أو أنهم يخشون منه, إن خصومتهم مع إيران الإسلامية ناشئة عن انطلاق الصحوة الإسلامية من هذا المكان, فجميع الشعوب الإسلامية وفي كل أرجاء الدنيا تستمد اليوم آمالها من هذه الحركة والثورة المنتصرة وترسّخ خطواتها وتتقدم, فلو استطاع الأعداء ـ والعياذ بالله ـ أن يهزموا الإسلام في هذه النقطة من العالم فإنهم سيحققون أكبر نصر لهم مقابل موج الصحوة الإسلامية العالمية. هذه حقيقة ملموسة اليوم لا ينبغي أن نخطئ في تشخيص عدونا ولا ينبغي توهم أن العدو قد صرف نظراً عن عدائه للإسلام والمسلمين.
هذه أحد مظاهر العداء للإسلام وأجلى مظهر لها هو الضغط المتواصل على الجمهورية الإسلامية, وكما ورد في القرآن الكريم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" حقاً إن هذا البيان لمن معجزات القرآن, فإن الأعداء لن يرضوا عن المسلمين إلا إذا تخلوا عن الإسلام, والمقصود من التخلي عن الإسلام هو انعدام الروح الإسلامية والأحكام الإسلامية والقوة الحياتية للإسلام بين المسلمين, فلو كان المسلمون أمواتاً وغير عارفين بالمباني العالية للإسلام ـ وان كانوا يطبقون بعض ظواهره فقط ـ فإن الأعداء لا يأبهون بنا كثيراً ولا يعادوننا, ولكن ذلك ليس هو الإسلام, ليس ذلك الإسلام الذي جاء به النبي"ص" {كنتم خير أمة أخرجت للناس}, أما أن تجلس فئة من الناس يتفرجون فقط على حوادث العالم بل يتفرجون حتى على القضايا الداخلية في مجتمعهم فلا يتطابق هذا مع الإسلام. إن المسلمين اليقظين وذوي الإطلاع والذين يستعملون قواهم لأجل بناء العالم بشكل صحيح ولا يرهبون شيئاً في هذا المجال هؤلاء يبغضهم الاستكبار العالمي, وقد لمسنا هذا البغض خلال السنوات الأخيرة وبأشكال مختلفة, ونشاهد اليوم أيضاً اشد هذه الأعمال الحاقدة في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والإعلامية.
اليوم لا يوجد هجوم عسكري علينا ولكن اليوم توجد هجومات شديدة أخرى لا سابقة لها, ويجب أن تكون الأمة الإسلامية في مقابل هذه الهجمات حيّة يقظة, محصّنة, واثقة بالنفس ومستعدة لتوجيه ضربتها القاصمة ومقاومة الهجمة الشاملة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لقد طرحت قبل مدة وجيزة مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبالطبع لم تكن مسألة جديدة, فمسألة الأمر بالمعروف تكليف دائم للمسلمين.
فحياة المجتمع منوطة بوجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقوام المجتمع الإسلامي يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولو لم ينجز هذا العمل {ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم} .
وقوام الحكومة الإسلامية وبقاء حاكمية الأخيار مرهونان بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو التلفظ بكلمتين أو أكثر لأجل إسقاط التكليف في مقابل المنكرات التي لا يعلم كونها أخطر المنكرات.
عندما يكلّف جميع أفراد الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فما معنى ذلك؟ متى يمكن أن يكون كل أفراد المجتمع آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر؟ الجواب هو عندما يحضر الجميع في خضم قضايا البلاد حضوراً حقيقياً جاداً, ويهتم الجميع بمسائل المجتمع ويعتنوا بها, فيجب أن يصبح الجميع خبراء في هذا المجال.
يجب أن يكون الجميع على إطلاع بالمعروف والمنكر, وهذا بمعنى رقابة وحضور وتعاون الجميع, وبمعنى الإطلاع الكافي لدى الجميع. هذا هو معنى الأمر بالمعروف, وإلاّ فلو أمرنا بالمعروف في دائرة ضيّقة وحصرناها ضمن إفراد مشخصين, والعدو ينفث سمومه ويقول أن إيران قد قررت التعامل بهذه الوسيلة مع من لا يرتدين الحجاب الكامل فهذا ليس صحيحاً, هل إن معنى الأمر بالمعروف هو أن يطبق هذا الواجب العظيم والذي يتقوم به كل شيء في دائرة ضيقة هي شوارع طهران وبالنسبة لبعض الناس ممن لا يراعون الزي الإسلامي؟ هل هذا هو معنى حضور القوى المؤمنة في ميادين المجتمع المختلفة؟ كلا, القضية أبعد من هذه الكلمات, فإن المخالفات ليست بمستوى واحد, المخالفات ليست فقط هي المخالفات الفردية, اخطر المخالفات والجرائم تلك التي تضعف أساس النظام القائم , فبث اليأس في قلوب الناس والقلوب المتفائلة, والإيحاء بانحراف الصراط المستقيم وإضلال المؤمنين والمخلصين, وسوء الاستفادة من الأوضاع والأحوال المتنوعة في المجتمع الإسلامي, وإعانة العدو, ومعارضة ترسيخ الأحكام الإسلامية ومقررات الإسلام, والسعي لجر الشباب المؤمن للفساد, هذه كلها منكرات مهمة وخطيرة.
اليوم تسعى أياد خفية لترويج الفساد بين الشباب بطرق جماعية وبتوجيه من الأعداء ـ لا بالشكل الذي ترونه في الشارع وتشاهدونه لما يجرون أولادنا للفساد واللامبالاة. وهذه المنكرات أخلاقية وسياسية واقتصادية, وكل مكان أيضاً قابل للنهي عن المنكر فيه, فيستطيع الطالب أن ينهى عن المنكر في بيئته العلمية الدراسية, والموظف الشريف يتمكن من النهي عن المنكر في محيط عمله الذي حوله, والكاسب المؤمن القادر على النهي عن المنكر في محيط عمله, والفنان أيضاً ينهي عن المنكر بوسائله الفنية, والروحانيون من أهم عوامل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي مختلف الأجواء لا يجوز حصر هذا الواجب العظيم في دوائر ضيقة, هذا العمل وظيفة الجميع, ولا يختص بفئة مثل القوات المسلّحة أو السلطات المحلية, انه عمل الجميع, يجب أن تنهوا عن المنكر, وتقفوا في مقابل أي منكر, هذا العمل وظيفة الأمة, نعم على علماء الدين أن يواجهوا الناس, ويشرحوا لهم كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواردهما.
يجب أن نحدد موارد الخطر جميعاً , التي تهدد مجتمعنا الإسلامي, وينبغي أن نحلل لأنفسنا وللناس كل العبر التي استقيناها من الصدر الأول للإسلام, وأهم وظيفة في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي ضرورة تواجد القوات المؤمنة والحزب اللاهية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر وكل من لهم دوافع مماثلة في ميدان النظام الإسلامي وفي كل الميادين الأخرى.
الانتماء إلى حزب الله يعني الاستعداد لأداء التكليف الإلهي, وهذه أحد القيم الثورية في النظام الإسلامي, فكل من يملك روحية " حزب الله " مفضّل على من لا يملك هذه الروحية. في نظام الجمهورية الإسلامية , المدير والأستاذ والمسؤول والآمر والفنان والكاتب المنتمي إلى حزب الله مفضّل على الآخرين. لا ينبغي أن يتوهم أن الـ " حزب اللهي " شاب متهور مشاغب لا حصيلة ثقافية لديه, كلا ليس الأمر كذلك, فبين الكوادر المتخصصة والمتفوقين والمدراء والعلماء والأساتذة يوجد الكثير من أعضاء حزب الله, لا ينبغي أن نرسم صورة خاطئة في أذهاننا عن حزب الله , يجب أن يتميز حضور العناصر المختلفة من حزب الله في الميادين المختلفة, ويجب على الأجهزة التنفيذية بما فيها القضائية والحكومية أن تعمل بأسلوب علمي على ترسيخ هذه القيم لدى المسؤولين والعناصر التنفيذية فيها, الجهاز الإداري السالم يمكن أن يقدّم نتائج أكبر.
فيمكن أن يكون جهازنا الإدراي سالماً عندما تكون العناصر المؤمنة المخلصة وبعبارة أدق " الحزب اللهية " ذات تأثير فيه, وعندما يتصدى للأمور مدراء ومسؤولون ومتخصصون جيدون فلا ينبغي أن نتبع النظريات التي كان أعداؤنا يطرحونها في السنوات الماضية أعني التفكيك بين العناصر المؤمنة والكوادر المتخصصة " ولا أزال أتذكر أولئك الذين كانوا يطرحون هذه النظريات ". لقد كان هناك بحث منحرف عن من يتصدى لمقاليد الأمور, المؤمنون أم المتخصصون؟ " وكأنه يوجد هناك تضاد بين المؤمن والمتخصص".
العناصر المؤمنة اليوم وبعد مضي ثلاث عشرة سنة موجودة ـ بحمد الله ـ على كافة مستويات الثورة, على مستوى اتخاذ القرار...

العدو يشن غارة ثقافية
العدو يحاول أن يخطف شبابنا بإشاعته الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء, العمل الذي يقوم به الأعداء من الناحية الثقافية ليس هجوماً ثقافياً فحسب بل غارة ثقافية وحرب إبادة ثقافية. العدو مشغول هذه الأيام بالعمل ضدنا هكذا, من الذي يستطيع الدفاع عن هذه الفضائل؟ ليس سوى ذلك الشاب المؤمن الذي لم يركن إلى الدنيا والمصالح الشخصية, ذلك هو الذي يتمكن من الصمود والدفاع عن الفضائل, الشخص الذي تلوَّثت نفسه وانشغلت كثيراً لا يستطيع أن يدافع عن الفضيلة. الشاب المؤمن المخلص هو الذي يتمكّن من الدفاع عن الثورة والإسلام والفضائل والقيم الإسلامية.
ولما قلت سابقاً إن على الجميع أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر, والآن أكرر ذلك وأقول : انهوا عن المنكر فهو أحد الواجبات. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأيام هو مسؤوليتكم الشرعية ومسؤوليتكم الثورية والسياسية أيضاً.
يكتب البعض رسالة لي وبعضهم يتصل بي تلفونياً فيقولون: نحن ننهى عن المنكر ولكن الجهات الرسمية لا تؤيدنا بل تكون إلى جانب الطرف المقابل.
وأنا أؤكد أن الجهات الرسمية سواء كانت من قوات الشرطة المحلية أو القضائية ليس لهم الحق في الدفاع عن المجرم, يجب أن يساندوا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, فهذه وظيفة. لو كان رجل يصلي وآخر يهجم على المصلي, فيجب أن تدافع أجهزتنا عن أي منهما؟ ؟ عن المصلي أو عن ذلك الشخص الذي يسحب السجادة من تحته؟ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هكذا أيضاً, فالأمر بالمعروف واجب كالصلاة.
يقول حضرة أمير المؤمنين "ع" في خطبة في نهج البلاغة: " وما أعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجَي " بمعنى إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المقياس الواسع والعام يكون حتى أهم من الجهاد, أساس الدين يصير قوياً محكماً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعليهما يستند ويقوم الجهاد.
فهل يستطيع مسؤولونا أن يعتبروا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سواء مع الآخرين فضلاً عن أن يفضلوا الطرف المقابل عليه؟ بالطبع يجب أن يحذر الشباب الحزب اللهي ويفتح عينيه لئلا يتمكن شخص من خرق صفوف حزب الله ويعيث الفساد تحت غطاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيشوّه صورة حزب الله, يجب أن تكونوا على حذر هذا الأمر في عهدتكم.
أنا على يقين وتجارب السنوات السابقة تؤيد هذا المطلب وهو انه عندما ينزل حزب الله إلى الساحة لإنجاز مهمة ما فإن بعض العناصر الخبيثة والمشبوهة يعيثون فساداً باسمهم الفساد في أحد النواحي حتى يشوّهوا صورة القوات المؤمنة للحزب اللهيّة الشعبية في أذهان المسؤولين ويسيئوا إليها.

كيف يتم الأمر بالمعروف؟
مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل مسألة الصلاة يجب أن يتم تعلمها, ويجب أن تذهبوا وتتعلموا مسائلها, توجد مسائل تحدد كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مورد من الموارد:
بالطبع أنا أؤكد كالسابق إن تكليف عامة الناس في إطار المجتمع الإسلامي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بواسطة اللسان, وأما إذا آل الأمر إلى المواجهات فيوكل الأمر حينئذ إلى المسؤولين الذين يجب عليهم التدخل وإنجاز ذلك العمل, ولا شك في أن الدور الأهم للإنسان الذي يصلح المجتمع هو النهي عن المنكر باللسان, إذا نهى الناس شخصاً مسيئاً مذنباً يريد أن يجعل من الذنب شيئاً مرضياً به في المجتمع إذا نهاه عشرة أو مائة أو ألف شخص وبشكل عام إذا انهال عليه الرأي العام للمجتمع فإن هذا الأمر يؤدي إلى منعه.
لو لم تكن هذه القوات المؤمنة من التعبئة و " حزب الله " أي عامة الناس المؤمنين, تلك الغالبية العظمى في بلادنا العزيزة التي أدارت الحرب والتي صمدت بوجه كل الأحداث منذ بداية الثورة إلى الآن, ولو لم تكن التعبئة ولا قوات حزب الله العظيمة لكنّا خسرنا الحرب والمواجهة مع الأعداء المتنوعين خلال السنوات الماضية ولكنا تضررنا كثيراً.
عندما كانوا يريدون تعطيل المصانع كانت تتصدى لهم قوات "حزب الله" من داخل المصانع, عندما كانوا يريدون إحراق مزارعنا تنبري لهم "قوات حزب الله " من البراري والقرى والمزارع فتصفعهم على وجوههم.
وعندما كانوا يريدون خلق الفتن والاضطرابات في الشوارع " حزب الله " هو الذي كان يحول دون غايتهم, وأما في الحرب فأمرهم معلوم , هذه هي القوة الرئيسية في البلاد والنظام الإسلامي يعتمد عليها. إذا كان الشعب أعلن هذه القوى المؤمنة والحزب اللهية مع النظام والدولة ـ والحمد له هم كذلك ـ فإن أي عدو لن يستطيع أن يحقق شيئاً. إذا كانت هذه القوة العظيمة الفولاذية الشعبيّة خلف المسؤولين والى جوارهم ـ والحمد لله هم كذلك ـ فإن أية قدرة لن تستطيع أن تواجه الجمهورية الإسلامية , فأعداؤنا يخافون من هذه القوة.

اقتدار النظام الإسلامي مستمد من اقتدار قوات " حزب الله"
خلال هذه الفترة شنّت الأبواق الأمريكية والصهيونية حملة إعلامية عالمية يتهمون فيها الجمهورية الإسلامية بالنزعة العسكرية والطابع التسليحي, يقولون إن الجمهورية الإسلامية تصنع أسلحة الدمار الشامل والسلاح الذري, وقد جلبت رأساً نووياً من المكان الفلاني! هذه الأقاويل لو يتأمل فيها أي عاقل فسيدرك كذبها, هل يمكن نقل قنبلة نووية من بلد إلى آخر دون ضجة؟ إنهم يعلمون أنفسهم إن هذا كذب محض ولكن يشيعون الشائعات حتى يُظهروا الجمهورية الإسلامية بشكل معارض للسلام والاستقرار في العالم.
هذه أحد المحاولات الخبيثة لأمريكا والصهيونية ضد الجمهورية الإسلامية. أنا أقول انتم تخطئون إذا ظننتم أن قوة الجمهورية الإسلامية تكمن في استيرادها أو صناعتها لقنبلة نووية. فإن للدول العظمى المئات من هذه القنابل, لو استطاعت دولة أن تنتصر بالقنبلة النووية على الآخرين لكانت أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق وبقية القوى الخبيثة في العالم قد محت الجمهورية الإسلامية من الوجود مائة مرة, ليست القنبلة النووية هي التي تكسب الأنظمة قوة. القوة في النظام الإسلامي والتي لم تستطع أمريكا والاتحاد السوفياتي السابق ولا بقية الدول العظمى والصغيرة في العالم أن تتغلب عليها هي القوة الإيمانية لقوات حزب الله.
يجب أن نحفظ الجمهورية الإسلامية هذه القوة والقدرة العظيمة, انتم أيها الشباب كونوا متواجدين في الساحة دائماً, يجب أن تُظهروا دائماً إن الجمهورية الإسلامية صلبة لا يمكن هزيمتها. القوة المؤمنة والتعبئة وقوات حزب الله في أرجاء البلاد وكل أفراد الشعب يجب أن يصنعوا ما يقطع أمل أمريكا والصهاينة وسائر القوى المعادية عن الجمهورية الإسلامية بالكامل, فالثورة الإسلامية تعني إحياء الإسلام من جديد.
دنيا اليوم هي دنيا الدجل والقوة وأتباع الشهوات ودنيا تفضيل القيم المادية على القيم المعنوية, هكذا هي الدنيا ولا يختص الأمر بأيامنا هذه, فلقرون متمادية كانت المعنويات تتجه نحو الضعف والأفوال, لقد سعى المستكبرون لمحو المعنوية, أصحاب القدرة وعبدة المال والأثرياء نسجوا نظام وبساطاً مادياً ترأسه قوة عظمى كأمريكا أكثر الجميع دجلاً ومكراً وأقلهم رعاية للفضائل الإنسانية ورحمة بالبشرية.
الثورة الإسلامية تعني بعث الإسلام من جديد وإحياء مبدأ {فإنَّ أكرَمَكُم عند الله أتقاكُم} والثورة جاءت لتحطم هذا الترتيب العالمي الخاطيء وتنشيء ترتيباً جديداً, لو كان الترتيب العالمي ترتيباً مادياً فلا ريب في مجيء أفراد فاسدين, أتباع شهوات, ضالّين وأشقياء, مثل محمد رضا على رأس الأمور, وحينئذ ينبغي أن يكون شخص فاضل ومتنور مثل الإمام في السجن أو المنفى, فليس للإمام مكان في مجتمع بهذا الوضع, عندما تسود القوة والفساد والكذب والرذيلة فإن إنسانا فاضلاً وصادقاً ونيراً وعارفاً ومتوجهاً إلى الله أما أن يكون في السجون أو في المقاصل والمجازر, وعندما يترأس الأمور شخص كالإمام فمعنى ذلك قلب الأوراق, وانزواء اتباع الشهوات وحب الدنيا والتعلق بها والفساد. ومعناه عودة التقوى والزهد والصفاء والنورانية والجهاد والحرص على الناس والرحمة والمروءة والأخوة والإيثار والصفح عن الآخرين.
عندما يحكم الإمام هذه الخصال والفضائل سوف تسود في المجتمع, وهذه القيم هي التي سوف تطرح للناس. إذا حافظتم على هذه القيم فسوف يبقى نظام الإمامة, وحينئذ لن يؤتى بأمثال الإمام الحسين بن علي "ع" إلى المذبحة.
ولكن كيف إذا تخلّينا عن هذه الأمور؟ كيف إذا فقدنا الروحية؟ وكيف إذا انشغلنا بأمور الرفاهية الشخصيّة بدلاً من التوجه إلى الوظيفة والتكليف والهدف الإلهي؟ كيف إذا اجبرنا الشباب " التعبوي " المؤمن والمخلص على الانزواء وهو لا يريد منّا سوى تهيئة ساحة يجاهد بها في سبيل الله, وسلّطنا على الأمور أفارداً ذوي وقاحة وجشع, وطمّاعين خبثاً؟ في هذه الحالة سيتبدل كل شيء.
فلو كانت الفترة الفاصلة بين رحلة النبي الأكرم"ص" وشهادة فلذة كبده في صدر الإسلام خمسين سنة فمن الممكن أن تكون هذه الفترة أقصر بكثير في زماننا هذا ـ وترتقي الفضائل وأصحاب الفضيلة على المقاصل بسرعة أكبر. يجب أن لا نسمع بوقوع أمر كهذا, يجب أن نواجه الانحراف الذي يمكن أن يفرضه أعداؤنا علينا.
هذا هو الاعتبار من عاشوراء, لا يختلط عليكم إعادة البناء مع الانحراف المادي, يجب أن لا نسمح بانزواء الروح الثورية وأبناء الثورة في المجتمع, فإن البعض أخطأوا في هذه المسائل.

خصائص الثورة الحسينية
إن إحدى خصائص هذه الواقعة هي أن خروج الإمام الحسين "ع" كان خالصاً لله. ولإصلاح المجتمع الإسلامي, وهذه خصيصة هامة. فعندما يقول الإمام "ع" : " إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً, فمعناه إن ثورتي لم تكن للرياء والغرور وليست فيها ذرّة من الظلم والفساد. بل " إنما خرجت لطب الإصلاح في أمة جدي" أي أن هدفي هو الإصلاح فقط ولا غير.
إن القرآن الكريم حينما يخاطب المسلمين في صدر الإسلام يقول : {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس} , وهنا الإمام "ع" يقول ": إني لم أخرج أشراً ولا بطراً" , تأملوا جيداً, فهنا نهجان وخطان, فالقرآن يقول لا تكونوا مثل الذين خرجوا " بطراً" أي غروراً وتكبّراً, ولا أثر للإخلاص في تحركهم, وإنما المطروح في هذا المنهج الفاسد هو " أنا " و " الذات " و " رثاء الناس " أي انه تزين ولبس الحلي وامتطى جواداً غالياً وخرج من مكة وهو يرتجز إلى أين؟ إلى الحرب. التي يهلك فيها أمثال هؤلاء أيضاً, فهذا خط.
وهنالك خطة ونهج آخر ومثاله ثورة الإمام الحسين "ع", والتي لا وجود للـ " أنا " وللـ "ذات " والمصالح الشخصية والقومية والحزبية منها أبدا, إذاً هذه أول خصيصة من خصائص ثورة الحسين بن علي "ع" .
فكلما ازداد الإخلاص في أعمالنا كلما ازدادت قيمتها, وكلما ابتعدنا عن الإخلاص كلما اقتربنا من الغرور والرياء والعمل للمصالح الشخصية والقومية. وكلما ازدادت الشوائب في الشيء كلما أسرع في الفساد, فلو كان نقياً وخالصاً لما فسد أبداً.
وإن أردنا إعطاء مثال بالأمور المحسوسة, نقول : إذا كان الذهب خالصاً ونقياً فلا يقبل الفساد والصدأ أبدا, وان كان مخلوطاً بالنحاس والحديد, وبقية المواد الرخيصة الثمن, احتمل الفساد أكثر, فهذا في الماديات.
أما في المعنويات فإن هذه المعادلة أكثر دقّة, إنما نحن لا نفهمها بسبب نظرتنا المادية, لكن يدركها أهل الفن والبصيرة, وإن الله تعالى هو الناقد في هذه الواقعة, " فإن الناقد بصير" فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلل من قيمة العمل بالمقدار نفسه. وحركة الإمام الحسين "ع" من الأعمال التي ليست فيها شائبة ولو بمقدار رأس إبرة لذا هو باقٍ إلى الآن وسيبقى خالداً إلى الأبد. فمن توقع خلود إسم وذكر أبي عبد الله الحسين"ع" وأنصاره في التاريخ؟ أولئك الذين قُتِلوا غرباء في تلك الصحراء وحيث دُفنوا فيها رغم كل الإعلام المعادي في ذلك الوقت, وكيف أنهم أحرقوا المدينة بعد استشهاد هذا العظيم بسنة في واقعة الحرة, أي أنهم نتفوا الورود بعد أن خربوا الروضة. فمن توقّع أن يفوح عطرها؟ وبأية قاعدة مادية يتصور بقاء وردة في هذه الروضة؟ لكن تلاحظون انه كلما مرّ الزمان عليها كلّما أصبحت تلك الروضة أكثر عطراً.
فهناك أناس لا يعتقدون بالنبي "ص" الذي هو جدِّ الحسين "ع" والحسين سائر على نهجه, ولا يعتقدون بأبيه علي "ع" ولا يؤمنون بحرب الحسين"ع", لكنهم يقبلون الحسين"ع" ويعظمونه, فهذا هو الخلوص, وهذه هي النكتة الأولى.
وفي ثورتنا العظيمة كان الإخلاص سبباً لبقائها, ذلك الجوهر الخالص الذي كان الإمام مظهره, ارجعوا إلى تلك الذكريات وتلك التضحيات في سوح الحرب, ذلك الحر المهلك في الصحارى والبراري, ذلك الشتاء القارص في الجبال, ذلك الرعب والخوف والخطر المستمر في سوح القتال, تلك المحاصرة, قلّة القوات التي كنا نتحمس كثيراً لإعداد عدد قليل منها, عدم امتلاك الأسلحة حيث كنا نركض وراء مسدس أو قذيفة, تذكروا كل هذا واستشعروا تلك الأيام, لتدركوا لماذا كانت كل هذه المؤامرات ضد الثورة؟ ولماذا تستمر إلى الآن؟ لكن بقيت هذه الشجرة راسخة.
إن هذا الجوهر " الإخلاص" هو الذي حفظها, إن إخلاص الإمام "قده" والشعب خاصة إخلاص أولئك المقاتلين في سوح القتال ـ وانتم من أفضلهم وأمثلهم ـ هو الذي حفظ الثورة ودعم استمرارها, إذا هذه نكتة يجب الاهتمام بها دائماً, وأنا أحوج من غيري إلى هذا الاهتمام.
إن النكتة الأخرى في ثورة الحسين"ع", وهي مهمة أيضاً ـ وهذه النكتة وان كانت ترجع إلى قوة الإخلاص, لكنها في نفسها مهمة نظراً لوضعنا اليوم, وهذه النكتة هي غربة الحسين"ع" , فلا يوجد في أية واقعة من الوقائع الدامية في صدر الإسلام غربة ووحدة كما في واقعة كربلاء, فمن رغب فليتأمل في تاريخ الإسلام. إنني أمعنت جيداً لم أجد واقعة كواقعة كربلاء, ففي حوادث صدر الإسلام, وغزوات النبي "ص" وحروب أمير المؤمنين"ع" كانت حكومة ودولة وجنود يشاركون في الحرب, ومن ورائهم أدعية الأمهات. آمال الأخوات, تقدير الحضور وتشجيع القيادة العظيمة للنبي"ص" أو لأمير المؤمنين "ع", كانوا يضحّون بأنفسهم أمام النبي "ص" وهذا ليس صعباً.
فكم من شبابنا قدّموا أرواحهم لدى سماعهم نداءً من الإمام, وكم منّا من يأمل في إشارة من الولي الغائب "ع" لنضحي بأنفسنا. فعندما يرى الإنسان القائد بعينه ويشاهد تقديره وثناء من خلفه ويعلم انه يقاتل ليهزم العدو ويأمل بالنصر, فانه يقاتل براحة أكبر, وهكذا حرب ليست صعبة, طبعاً هناك حوادث في التاريخ فيها الغربة نسبياً كحوادث أبناء الأئمة والحسينيون في عصر الأئمة "ع" لكن هؤلاء كانوا يعملون في ظل إمام كالإمام الصادق"ع", والإمام موسى بن جعفر"ع" وكالإمام الثامن "ع", وقائدهم وسيدهم حاضر يسندهم ويتفقد عيالهم. فكان الإمام الصادق "ع" يأمرهم بقتال الحكام المفسدة ويقول: " وعليَّ نفقة عياله, وكان المجتمع الشيعي ظهراً لهم, وبالنهاية كان لهم أمل خلف ساحات الحرب, لكن في واقعة كربلاء فإن أس القضية ولب لباب الإسلام المقبول من الجميع أي الإمام الحسين"ع" في ميدان الحرب, ويعلم هو وأصحابه انه سيستشهد ولا أمل له في أي أحد في هذا العالم الواسع وهو غريب ووحيد. ومن رجالات الإسلام ذلك اليوم من لا يغتم لقتل الحسين"ع" بل يعتبر وجوده مضراً بحاله, ومنهم من لا يبالي بالقضية وان حزن لقتله "ع" " كعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس وأمثالهم".
فلم يكن للإمام "ع" أدنى أمل بمن هم خارج ميدان القتال المليء بالمحن, فما كان موجوداً فهو في ميدان القتال فقط, والأمل مقتصر على هذا الجمع, والجمع مسلم للشهادة, وبعد الاستشهاد لا يقام لهم مجلس فاتحة حسب الموازين الظاهرية, فيزيد متسلّط على كل شيء, وتساق نسائهم أسارى ولا يرجم أطفالهم, فلو لا الإيمان والإخلاص والنور الإلهي في قلب الحسين بن علي "ع" والذي بعث الحرارة في قلوب الصفوة المؤمنة حوله لما تحققت تلك الواقعة, فانظروا إلى عظمة هذه الواقعة.
الخصيصة الثانية لهذه الواقعة هي غربتها, لذا قلت مراراً انه يمكن مقارنة شهداءنا بشهداء بدر وحنين وأحد وشهداء صفين والجمل, بل شهدائنا أرفع منزلة من كثير من هؤلاء الشهداء, لكن لا يُقارن أحد بشهداء كربلاء, لا اليوم ولا في الماضي, لا في صدر الإسلام ولا أبداً إلى أن يشاء الله. إن هؤلاء هم صفوة الشهداء, فلا نظير لعلي الأكبر ولحبيب بن مظاهر, فهذه واقعة كربلاء وهذه هي القاعدة الراسخة والمتينة التي حفظت الإسلام على مدى ألف وثلاثمائة وعدة سنوات رغم كل العداء له, فهل تتصورون أن الإسلام يبقى لو لا تلك الشهادة وذلك اليوم وتلك الواقعة العظمى؟ بل تيقنوا بمحو الإسلام في أتون الأحداث, نعم قد يبقى العنوان كدين تاريخي مع عدد قليل من الأتباع في زاوية من زوايا العالم, وقد يبقى إسم وذكر الإسلام لكن تمحى حقيقته. انظروا إلى الإسلام في هذا العصر كيف انه حي وبناء, وكيف تتقابل الشعوب بأنواره الساطعة بعد "1400" سنة, وكل هذا من بركات واقعة كربلاء ومن استشهاد الإمام الحسين"ع" , وقد شاء الله أن تكون الجمهورية الإسلامية أو تجربة لحاكمية القرآن بعد عهد الإمام الحسين "ع", فكل عمل وجهد بعد تلك الواقعة كان مقدمة ليومكم هذا.
إن العلماء والمفكرين والفلاسفة والمتكلمين وكل الجهود والمساعي, وحروب المسلمين مع الصليبيين, كلها حفظت الإسلام ومهّدت الأجواء والظروف لانبثاق حكومة على أساس القيم الإلهية والقرآنية. إن الحظ والقدر كان من نصيب الشعب الإيراني ليحمله الباري تعالى ولأول مرة هذه الرسالة ـ ولا نقصد من الحظ والقدر والصدفة ـ فالباري تعالى لا يعطي هذا القدر الرفيع لأحد اعتباطاً, إن الشعب الإيراني قد سعى كثيراً حتى أنعم الله عليه بهذه الحكومة.
إن التضحيات والمساعي والجهود الحثيثة لم تذهب هدراً, فلا يجلس المتوّلون والسذّج المساكين في زواية من زوايا العالم ويتصورون أنها حكومة إسلامية وقتيّة وسوف تزول غداً, كلا, إن هذا الأصل وهذه القاعدة لن تنتهي أبداً, أنا وانتم ننتهي, الناس لا يخلّدون وأفضل الناس من يموت صالحاً, البعض لا تكون عاقبته خيراً, فالناس معّرضون للآفات والخسران, لكن الأصل والأساس باقٍ وخالد. إن هذه الحركة الإسلامية وتجدد الحياة الإسلامية لها جذور في قرون متمادية, جذور في عشرة قرون من السعي والجهاد, أنها تعتمد على الإسلام, ولذا تشاهدون ميل الناس نحو الإسلام في العالم أكثر خلال "5ـ10" سنوات الماضية. برغم شدة الحملات الدعائية المضادة الصهيونية والاستكبارية, لتشويه صورة النظام الإسلامي أكثر من أي وقت مضى. فانظروا إلى الدول الإسلامية والى الأقليّات المسلمة في الدول غير الإسلامية, وانظروا إلى مضايقات الاستكبار التي يمارسها ضدهم, إنها ليست اعتباطية وعفوية, فلو كان المسلمون كـ " الميت بين يدي الغسال" لما كانت أية مضايقات.
فما أريد قوله هو أن عنصر الغربة في هذه الثورة جعلها شبيهة بثورة الإمام الحسين بن علي "ع", فلا تستوحشوا هذه الغربة, فقد بلغ الإمام الحسين"ع" وأصحابه ـ الذي نلطم على صدورنا ونبكي لأجلهم ونحبهم أكثر من أبنائنا ـ قمة الغربة, وكانت نتيجة بقاء وحيوية الإسلام إلى اليوم . إذاً واقعة كربلاء حيّة وباقية ليس في مجرد قطعة ارض صغيرة فقط وإنما في منطقة مترامية الأطراف في محيط الحياة البشرية.
إن كربلاء موجودة في كل شيء, في الأدب , في الثقافة, في السنن والآثار, في الاعتقادات, في القلوب.
فاليوم انتم غرباء في العالم, والشعب الإيراني غريب ومظلوم, وليست الغربة والمظلومية بمعنى الضعف, فنحن اليوم أقوياء جداً, وأقول بكل جرأة انه لا يوجد اليوم شعب مسلم بقوة واقتدار الشعب الإيراني, فإيران حكومة وشعباً هما في ذروة القوة والاقتدار, والقوى العظمى تنظر باهتمام بالغ إلى حكومتنا, فشعبنا وحكومتنا هما أقوياء وسيدا أمورهما, ولكن في الوقت ذاته غرباء ومظلومين, نحن اليوم غرباء في العالم, فلا أحد يساندنا, وهذا ليس بمعنى أن جميع القوات تقف ضدنا وتحاربنا, كلا, فلا يفرح الأعداء بتصور أن جميع القوى مخالفة لنا, طبعاً ـ وان كانت هكذا ـ فلا نبالي نحن بذلك لأننا امتحنّا ذلك أيضاً, بل الأمر اليوم ليس كذلك, فالكثير من الدول في العالم تشعر أن صلاحها وفلاحها في الدنيا يكمن في تحاشي مجابهة الشعب الإيراني, لكن لا يساندنا ولا يدعمنا أحد, فأعني القوى المستكبرة في العالم تعادي شعبنا وتتعامى عن حقه, وتوجه إليه سهام حقدها واتهامها وتتناسى وتنكر حسناته وفضائله وتقوم بتضخيم نقاط ضعفه, فغربة ومظلومية الشعب الإيراني يجب أن تقويكم أكثر, وإنني أقول إنها نعمة إلهية.
إننا لو كنا مثل ذلك البلد الثوري ـ اصطلاحاً في العهد السابق واليوم لا خبر عنه ـ الذي كان تحت قوة مستكبرة ـ كالاتحاد السوفياتي السابق ـ لفسد الشعب وفسدت الحكومة, فإن ترون سلامة وصلاح الشعب والحكومة فإننا اعتمدنا على أنفسنا, وهذا ليس بمعنى عدم وجود فساد بين الشعب والمسؤولين, بل يوجد, لكن التركيبة الأصلية والنقاط الرئيسية والأعضاء الحسّاسة سالمة وهذه نعمة كبرى, ومن بركات بقائنا مستقلين ولم نتوكل على غير الله, فقد ورد في الدعاء " يا ملجأ من لا ملجأ له, يا عون من لا عون له, يا حصن من لا حصن له" فكم يكون عذباً وجميلاً أن لا يجد الإنسان ناصراً ومعيناً ليقول " يا عون من لا عون له".
واليوم فإن هذا الشعب لا يعلق ولا بصيصاً من أمل على القوى والحكومات والأجهزة المخابراتية والعسكرية والسياسية والمنظمات الدولية, فلم ير منهم سوى السوء واللدغ, بل يمكنه التكلم مع الباري تعالى ومولاه وعزيزه وحبيبه بصدق وصفاء ويقول : " يا رجاء من لا رجاء له, وهذا هو الذي يشحن شعبنا بالقوة والاقتدار, وقد كان الإمام هكذا, ذلك الرجل الصلب الذي اتّحد الغرب والشرق ضده لكنه لم يهتم لذلك. فقد كان يذرف الدموع أمام الله المتعال في منتصب الليل بحيث كان بعض المقربين منه ينقل لي آنذاك انه عندما كان يبكي الإمام في منتصف الليل , لم يكن المنديل كافياً ليمسح دموعه, بل كان يستفيد من المنشفة, فقوته من تلك القوة, فنمّى في نفوسكم هذه القوة ليصون الشعب نفسه من الضرر ويحصّن الثورة ويزيد من بأسها وصلابتها.
طبعاً العدو لن يسكت وسيحاول حياكة المؤامرات, واليوم لا يتفوه بشيء, بل يأتي بالأساليب والابتسام, أم للعناصر الذليلة والضعيفة, لينسى هؤلاء صمود ومقاومة هذا النظام للقوى الاستكبارية.
إذاً هنا صفان: صف الإسلام والقرآن والقيم الإلهية والمعنوية وقمَّتها الجمهورية الإسلامية والمسؤولون في هذا النظام الذين تحمَّلوا هذا العبء الثقيل بفخر واعتزاز دون أي خوف أو اكتراث والصف الآخر هو لجميع الشياطين والرذائل والخبائث في العالم, فمن يملك بياناً, أو قوة مبتكرة, أو طاقة, فليعلم أين يصرفها, فإن عمد أحد في جبهة الحق أو من خارجها إلى محاربة هذه الجبهة " الحق " ـ التي تحارب اليوم ضد الباطل والرذائل ـ لا لشيء سوى لعدم التوجه إلى تلك النكتة أو صدور خطأ أو اشتباه أو حتى ارتكاب ذنب, فهل هذا محق في عمله؟ أليس هذا تضييع للقدرة الإلهية, وكفران بالنعمة؟ ألا يلازم من يضعف جبهة الحق والمسؤولين ورئيس الجمهورية, والقوة الفضائية والمجلس, تحت طائلة أن المحكمة الفلانية أو القاضي الفلاني أصدر حكماً خطأ, أو أن المسؤول الفلاني ارتكب خلافاً؟ أليس هذا كفران بالنعمة بأن يصرف أولئك كل طاقاتهم وقواهم لمحاربة جبهة الحق بدل من صرفها في مواجهة الباطل؟ ألا يستحق هؤلاء اللوم الإلهي ؟ فيجب أن يكون الشعب يقظاً ولا يشتبه بين الحق والباطل.

الإعراض عن المغريات وخلوص النية
يجب أن أشير إلى أولئك الذين أعرضوا عن المغريات التي تستهوي الشباب في هذا العالم المادي, وارتدوا ثوب العفاف والتقوى واستلهموا المعنويات ونزلوا إلى الساحة في سبيل الله وضحّوا بكل ما كان ينبغي لهم التضحية به من أنفس وسلامة, وحضور بين أفراد الأسرة, وغير ذلك من نِعم الله, ومع أن الكثير من أعضاء حرس الثورة والشباب الآخرين يتمتعون بالصحة والسلامة ولم يستشهدوا ولم يفقدوا سلامتهم, إلا أنهم في حكم الشهداء لأنهم قدموا للثورة وللشعب ما كان يجب عليهم من مشاركة في الجبهة ونشاط في الساحة السياسية. ولا شكّ في أنهم ساروا على تلك الخطى نفسها, إذ أنهم عرفوا الفرصة المناسبة وتوكلوا على ربهم وأخلصوا في نياتهم.
شهداؤنا الأكابر لم ينزلوا حينذاك إلى الساحة من أجل أن تذكر أسماؤهم في أجهزة الإعلام في بلدنا وفي هذا العالم, وإنما ذهبوا إلى الجبهة كأشخاص عاديين لأداء واجبهم, وحيثما شعروا أن الواجب يتطلب وجودهم هناك, ذهبوا إلى هناك, وهذا هو الإخلاص, ومثل هذا الإخلاص موجود اليوم لدى شعبنا وتتجسد أبهى وأكمل مظاهره لدى الشباب المؤمنين الذين تمثل قوات حرس الثورة أفضلهم وأبرزهم.
كانت هنا منذ اليوم الأول عناصر تعارض استقلال هذا البلد, وتعارض هذه الثورة, وترفض الانعتاق من سيطرة الاستكبار, وترفض السير على نهج الإسلام, وتعارض عفاف النساء والرجال, وتعارض النزاهة الأخلاقية للشباب, ويستهويها فساد الثقافات الأجنبية. وتعارض وجود حرس الثورة, وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم, بل أن هذه المعارضة كانت موجودة منذ اليوم الأول, ويوجد اليوم أيضاً من يحمل هذه الخصائص على نحو أو آخر, مع مرور الزمان ومع ما يطرأ على أوضاع العالم من تغيرات, فتراهم اليوم يعارضون وجود حرس الثورة وما يتصف به من تدين وما يحرزه من نجاحات أيضاً, وهذا أمر بديهي لا نتوقع منهم غيره, ولكن المهم هو أن الكلمة إذا كانت إلهية طيبة لا تأثير حينذاك للمعارضة أو التأييد.
إذا كان الأساس سليماً ـ وهو سليم والحمد لله ـ وإذا كان السبيل واضحاً ـ وهو واضح طبعاً ـ وإذا كان الأفراد يتصفون بالإيمان والإخلاص ـ وهما صفتان متوفرتان فيكم ـ لا أهمية عند ذاك لأقاويل ولظنون الآخرين, والسائر حينما يبدأ مسيرته على طريق طويل فإن أهم ما يستلزمه هو الإرادة والعزم على بلوغ غايته, فإذا ما توفّرت لديه الإرادة والعزم فانه يتحرك نحو غايته ويبلغها على الرغم من التصورات والظنون التي تشكك في مقدرته وفي صحة مسيرته.

أساليب الاستكبار تحبطها يقظة الشعب
إن الاستكبار إذا أراد نشب مخالبه في أي موضع من العالم فإنه يستخدم لهذه الغاية ثلاثة أساليب, إلا أن أيّاً منها لم يجده نفعاً حتى الآن, وتلك الأساليب الثلاثة هي: المال والترهيب والإعلام, فهو يغري الناس بالأموال ويشتري ضمائرهم, وليس المراد بعنصر المال انه يتدخل في اقتصاد البلاد, فما من بلد يستطيع ترك تأثير بالغ على اقتصاد بلد آخر على المدى البعيد فيما إذا كان الشعب في ذلك البلد واعياً. قد يستطيع إيجاد خلل أو بلبلة في اقتصاده, ويؤثر على أسعار النفط مثلاً ويخفض عائدات ذلك البلد إلى النصف, مثلما فعلوا ببلدنا حالياً.
وأشير هنا إلى أن البعض يسعى لتضخيم الحالة الاقتصادية التي يمرّ بها بلدنا في الوقت الحاضر ويحاول إثارة ضجة حولها, والحقيقة هي انه ليست هناك قضية ذات أهمية, فهل نحن شعب لم يواجه أزمة اقتصادية؟ ألم نجابه نقصاً من العائدات المالية والنفطية وغيرها على مدى عشرين سنة مضت؟
لقد واجهنا هذه الحالة في الماضي, وكانت العائدات تنخفض حيناً وترتفع حيناً آخر. إلا أن المسؤولين الحريصين كانوا يجتازون تلك الأزمات بمعاضدة أبناء الشعب وبصبر الجماهير المؤمنة. وسيجتازون أيضاً العقبة التي تواجههم اليوم, ولكن الإعلام المعادي يحاول الإيحاء إلى أن الشعب الإيراني يجب أن يقيم مأتم الحزن لأن عائدات النفط قد انخفضت. إذن فالشعب إذا كان حياً ويقظاً وناهضاً ومتحداً ويساند مسؤوليه ويثق بالمتصدين لإدارة دفة الأمور لا يمكن للأعداء أن يؤثروا حينها في اقتصاد البلاد تأثيراً طويل المدى. أو أن يواجهوا أية ضربة له, والشعب الحي يصدّ الضربة الاقتصادية مثلما يصدّ ضربة السيف ويدرؤها ولا يبقي لها أثراً.
1ـ الأسلوب المالي ـ كما أشرت ـ يعني تقديم الرشوة وشراء ذمم ذوي النفوس الضعيفة, والاستكبار العالمي يستعبد بالأموال الطماعين وهذه الظاهرة متفشية في عالم اليوم, إذ أن الاستكبار بعدما يكتشف ذوي النفوس الضعيفة يجود عليهم بالأموال ليستعبدهم, وقد ألحق هذا الضرر بالكثير من دول العالم عبر شراء ذمم الطماعين من عبيد المال والبطن, واستعبدوهم بهذا المتاع القليل.
2ـ الأسلوب الآخر هو الأسلوب العسكري الذي يتخذه كأداة للترهيب, فحيثما يثور جدل بين جانبين في بقعة من بقاع العالم, تنطلق الأساطيل الأمريكية إلى هناك وتبدأ بإطلاق التهديدات فالأساطيل الأمريكية تمخر عباب الخليج الفارسي منذ سنوات طويلة, فهل بعث وجودها هنا الخوف في نفوس بعض أفراد الشعب الإيراني؟ أو اضطر البعض الآخر إلى التخفي؟ أو تراجع بعض المسؤولين في البلد عن مواقفهم السابقة خوفاً من الأساطيل الأمريكية؟ كلا, فالشعوب الحريصة لا تخاف, والشعب المؤمن لا يخاف, والقلب المملوء بالإيمان لا يبالي بمثل هذه التهديدات, وهذه الأساطيل بما تستبطنه من تهديدات إنما تثير الفزع لدى الجبناء الذين لا إيمان لهم.
3ـ أما الأسلوب الثالث: فهو الإعلام الذين يحاولون من خلاله قلب الحقائق وخداع الشعوب. إن أول عمل يمارسه الإعلام ضد الدول هو التشكيك في مصداقية المراكز الحقيقية للصدق والصفاء فيها, فيشكك في طبيعة عمل أجهزة الإعلام الصادقة, ويثير الشكوك حول شخصيات الناس المؤمنين, ويكيل التهم لهذا وذلك, ويخلق التردد في قلوب الناس, ويحرف العقول ويقلب الحقائق, والاستكبار يتعامل اليوم مع العالم بواسطة هذه الأساليب الثلاث.
ولكن ما هو العلاج الكفيل بمكافحة هذه الأساليب الثلاثة؟ فكّروا وانظروا ما هو العلاج الكفيل بمكافحة عنصر الإغراء بالمال الذي يستعبد به الناس؟ وكيف يمكن مجابهة أسلوب التهديد العسكري الذي يثير الرعب في قلوب الناس ؟ وماذا يجب العمل في مواجهة الأسلوب الإعلامي الذي يعتمد الخداع كأداة لعلمه؟ وهذه الصفة كانت ولا زالت موجودة لدى شعبنا منذ أول الثورة, وهي الصفة التي تتميز بها قوات التعبئة أيضاً, فإيران الإسلامية معضلة الاستكبار الغربي.
القضية الكبرى التي تحققت على يد شعبنا بفضل الإسلام هي استطاعته إلحاق الهزيمة بأسطورة التسلط الأجنبي والتسلط الأمريكي الذي لا يعرف الهزيمة, فهناك بلدان تئن تحت وطأة التسلط الأمريكي, لكنها غير قادرة على وضع حد له, لا تتصوروا أن جميع البلدان الخاضعة للتسلط الأمريكي تشعر شعوبها بل وحتى حكوماتها بالارتياح, من الطبيعي أن البعض يشعر بالارتياح لوجود مثل هذا التسلط لأن لهم مصالحهم فيه ويتقاضون رشوة لقاء وجوده, إلا أن الكثيرين منهم مستاؤون منه, ولكن ليس باستطاعتهم إزاحة كابوس التسلط الأمريكي الجاثم على صدورهم, إلا أن هذا الشعب استطاع كسر هذا الطلسم كلياً وبتر يد الأعداء.
إن لإيران موقعاً حساساً وأرضها مليئة بالثروات, وذات ثروة ثقافية غنية, وذات موقع استراتيجي بالغ الأهمية ولهذا السبب لا يهون عليهم التخلي عنها بهذه السهولة, وهم في سعي دائم للعودة إليها وبسط نفوذهم عليها من جديد والاستيلاء على ثرواتها ونهبها, وسخّروا لأجل هذه الغاية أساليبهم الثلاثة: المال, والقوة العسكرية والإعلام, إلا أن شعبنا واقف لهم بالمرصاد, وكذلك قوات التعبئة وكل القوى المؤمنة والمسؤولين كافة والدولة صامدة أمامهم, فهل يمكن لأحد أن يتجرأ اليوم على القيام بعمل يتعارض مع توجهات هذا الشعب الذي يريد الإسلام ويعادي من يناهض الإسلام؟
لقد أدرك جميع أبناء شعبنا شباباً وشيوخاً وطلبةً وعلماء وصغاراً وكباراً وبمختلف شرائحهم ـ إلا من شذَّ وندر منهم ممن تعلَّق بمغريات وزخرف الغرب ـ أن سعادتهم تكمن في فهم الإسلام بوعي وبصيرة واتخاذه منهجاً للحياة لكي يتسنى لهم درء مخاطر الأعداء, وهذه هي حقيقة التعبئة الجماهيرية وهذه هي فكرة جيش العشرين مليوناً التي طرحها الإمام الراحل.
اعلموا أن معضلة وجود إيران الإسلامية لم ولن تحل بالنسبة للاستكبار العالمي وبالنسبة لأمريكا, أما الدعايات التي تثيرها بعض الصحف هنا وهناك وبأساليب مختلفة فلا تمثل ملاكاً للحقيقة, ولا تعدو الأساليب الثلاثة التي ذكرناها آنفاً, وهذا هو السبب الذي يدعوهم لشن هذه الدعايات, وهي دعايات يروّجها البعض ويهدف من ورائها حثّ الشعب على الارتماء في قيود الذل والتبعية, فهل هنالك ما هو أكثر بلاهة من هذا؟ فهل هنالك شعب أو إنسان عاقل يدعو إلى الخضوع والانقياد لدولة استكبارية ظالمة والى الانضواء تحت سلطتها؟ توجد بطبيعة الحال فئات سياسية تطرح آراء تستهدف من ورائها تحقيق مآرب سياسية, فيما يردد آخرون كالببغاوات آراءهم, وهذا لا يعبّر ـ طبعاً ـ عن رأي جماعة مدركة وسالمة وقوية.
إن استقلال هذا البلد اليوم رهين بالتمسك بالإسلام والعمل به وبوحدة الكلمة وبمعرفة العدو, وعدو إيران اليوم هو الاستكبار وعلى رأسه أمريكا, وهذا هو سبيل سعادة هذا الشعب, وسيمضي الشعب على سبيل سعادته هذا, والكل ملزمون بتشخيص متطلبات هذا العصر والرد عليها, والمجال مفسوح أمام قوى التعبئة الجماهيرية لأخذ كسب السبق في شتّى الميادين الفكرية والثقافية والعلمية والفنية, لأنها قوى شابة ونشطة ومنطلقة من صميم الشعب.
يجب على كل القوى المؤمنة التوكل على الله والثقة به, واتباع السبيل الواضح النيّر الذي اختطّه الإمام الخميني أمام هذا الشعب, وسيبارك الله لهم في مساعيهم ويعينهم وينصرهم ويمكّنهم من بلوغ أهدافهم النبيلة, ويبعث البهجة والرضا عنهم في القلب المقدّس لولي العصر "أرواحنا فداه".

تأثيرات وبركات عاشوراء
رغم كثرة الكلام حول الفوائد القيّمة لشهر محرم ويوم عاشوراء وآثار هذه الظاهرة العظيمة, لكن كلّما مرّ زمان عليها كلّما تجلّت الصورة الخالدة لهذه الشمس النيّرة أكثر ـ والتي يمكن أن نُطلق عليها شمس الشهادة, شمس مظلومية وغربة الجهاد والتي توقّدَت بواسطة الحسين بن علي "ع" وأصحابه ـ وعُرفت بركات عاشوراء أكثر. فقد ظهرت الآثار العميقة والأساسية لهذه الحادثة تدريجياً منذ اليوم الأول لوقوعها, فعرف البعض بوظائفه منذ تلك الأيام. فقامت حركة التوّابين ووقعت حوادث الجهاد الطويل لبني هاشم وبني الحسن عليهم السلام, حتى أن ثورة العباسيين ـ الذين ثاروا ضد بني أمية في أواسط القرن الثاني للهجرة, وأرسلوا الدعاة إلى أطراف العالم الإسلامي آنذاك خصوصاً إلى المناطق الشرقية من إيران كخراسان والتي نجحت في القضاء على الحكومة الأموية الظالمة والمستكبرة والعنصرية ـ وقد بدأت باسم الحسين بن علي "ع" , فلو طالعتم التاريخ للاحظتم أن دعاة بني العباس عندما كانوا ينتشرون في أطراف العالم الإسلامي, كانوا يتخذون من دم الحسين بن علي "ع" واستشهاده من الانتقام لدم ابن الرسول "ع" وبضة الزهراء "ع" وسيلة لتنظيم حملاتهم الإعلامية, حتى أن السواد الذي أصبح شعاراً ولباساً رسمياً لبني العباس طوال خمسمائة عام من حكمهم, قد انتخب كلباس حداد على الإمام الحسين"ع" , حيث كانوا يقولون هذا حداد آل محمد "ص", هكذا بدأ العباسيون ثورتهم وأوجدوا هذا التغيير, وان كانوا قد انحرفوا وانتهجوا نفس سياسة بني أمية بعد ذلك.
إذن هذه من تأثيرات عاشوراء, وهكذا كانت على طول الزمان, وما وقع في عصرنا ـ أي عصر سيطرة الظلم والكفر على العالم اجمع, عصر أصبحت العدالة فيه مخالفة للقانون, والظلم قانوناً على الصعيد العالمي ـ كان أعظم من كل تلك الأحداث, فما ترونه من تجبّر القوى الكبرى ورغبتهم في إيجاد نظام عالمي جديد هي عين ذلك الظلم وما يقع في العالم من الظلم وسحق الحقوق وازدواجية التعامل كلها نتيجة لهذه الأسماء القانونية كالدفاع عن حقوق الإنسان, وهذا أسوأ أنواع طغيان الظلم, أي سيطرة الظلم على العالم باسم العدالة والحق, ففي مثل هذا العصر خُرقت حُجب الظلام وتجلّت شمس الحقيقة ووصل الحق إلى الحكم, وأعلن الإسلام الحقيقي والأصيل تواجده وأجبر العالم على قبول تواجده في شكل نظام إسلامي بعد أن كانت الأيادي كلّها تسعى لإبعاده عن الساحة, كل هذا كان من بركات عاشوراء مثلما أن الثورة قد بدأت ببركة عاشوراء. لقد استطاع إمامنا العظيم "قده" ـ وبالاستعانة بشهر محرم وحادثة عاشوراء ـ أن يوصل نداء الحق النابع من قلبه إلى أسماع الناس ويغيّرهم , وشهداؤنا ـ تلك الأيام ـ من معزّي الإمام الحسين "ع" , فأول الشهداء في حادثة 15 خرداد كانوا من الذين تعرّضوا لهجوم أعداء عاشوراء, وقد شاهدتم في عام 1357 هـ . ش " 1978م" كيف استفاد إمامنا العظيم واستخلص الدروس من محرم, وطرح قضية انتصار الدم على السيف, وحقّق ما أراده, أي تلقّى الشعب الإيراني بإتّباعه للحسين بن علي "ع" الدرس من عاشوراء فانتصر الدم على السيف.

العاطفة الإنسانية وفاجعة كربلاء
إن من أهم ميزات المجتمع الشيعي دون غيره من الأخوة المسلمين هو امتلاكه لذكرى عاشوراء وفاجعة كربلاء الأليمة, ومنذ اليوم الذي أقيمت فيه مجالس العزاء التي تُذكر فيها المصائب التي جرت على أبي عبد الله "ع" وأهل بيته الأطهار, تدفّق نبع من المعنوية والمعارف الإسلامية في أذهان وقلوب محبّي أهل البيت"ع", وما زال ذلك النبع متدفّقاً إلى اليوم وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله والمنشأ لكلّ هذا الخير والبركة هو التذكير المتواصل بيوم عاشوراء لكي تبقى ذكرى فاجعة كربلاء حيّة في ضمير أبناء الأمة.
فذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والأحداث فقط, وإنما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمية ولها عدد غير محدود من الأبعاد والجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الأمة الإسلامية على مرّ التاريخ.
إذن فالتذكير بهذه الفاجعة هو موضوع يمكن أن يتبلور عن كثير من الخيرات والبركات لأبناء هذه الأمة, لذا تلاحظون أن قضية البكاء والإبكاء على الإمام الحسين"ع" كانت تحتل مكانة متميزة في زمن الأمة"ع".
فلا يتصور أحد انه مع وجود المنطق والاستدلال, فما هي الحاجة للبكاء وما هي الحاجة للبحث في قضايا قديمة من هذا القبيل؟
إن هذا النوع من التفكير بيّن البطلان, لأن لكلّ من هذه الأمور دور في بناء شخصية الإنسان وتكامله, فالعواطف لها دور في حلّ كثير من المشاكل والمعضلات التي يعجز المنطق والاستدلال عن حلّها.
ولذلك حينما نراجع تاريخ الأنبياء سوف نرى انه في أوائل بعثهم كان يلتفّ حولهم أناس لم يكن المنطق والبرهان هما الدافع الأساسي لإيمانهم ولالتفافهم حول أولئك الأنبياء "عليهم السلام".
فلا تجدون في تاريخ نبينا "ص" ـ وهو تاريخ مدوّن وواضح ـ بأن رسول اجتمع في أول البعثة مع مجموعة من الكفّار وبرهن لهم بالأدلة العقليّة على وجود الله ووحدانيته أو بطلان عبادة الأصنام ـ مثلاً ـ فالاستدلالات العقلية للنبي "ص" جاءت بعد أن تقدمت الدعوة وانتشر أمرها, أما في المرحلة الأولى فقد كان عمل الدعوة يقوم على أساس كسب المشاعر والعواطف الصادقة لدى الناس.
ففي هذه المرحلة كان النبي"ص" يقول للكفار: " إن هذه الأصنام التي تعبدونها ما هي إلا أحجار لا تضرّ ولا تنفع, من دون الحاجة إلى ذكر الدليل العقلي والمنطقي على بطلان عبادتهم لتلك الأصنام.
ولم يستدل للناس بالأدلة العقلية والفلسفية على وجود الله ووحدانيته, بل كان يكتفي بالقول: {قولوا لا إله الله تفلحوا} فلم يبرهن للناس عقلياً أو فلسفياً بأن الاعتقاد بـ " لا إله إلا الله " يؤدي إلى فلاح الإنسان وسعادته, بل إن هذه العبادة تخاطب مشاعر الإنسان وأحاسيسه الصادقة.
طبعاً إن كل مشاعر وأحاسيس صادقة وسليمة تنطوي على برهان فلسفي واستدلال عقلي. لكن المسألة هي أن كل نبي عندما يريد البدء بالدعوة لم يكن يطرح الدليل العقلي والفلسفي من أجل هداية الناس, بل انه كان يبدأ بتحريك العواطف والأحاسيس الصادقة والعظيمة التي تحمل المنطق والاستدلال في ذاتها, وهذه الأحاسيس والعواطف توجه أنظار الإنسان إلى ما يعيشه المجتمع من ظلم واضطهاد وتمايز طبقي, وما يمارسه أنداد الله من البشر " شياطين الأنس " من ضغط وإرهاب ضد أبناء ذلك المجتمع, أما طرح البراهين العقلية والمنطقية فكان يبدأ حينما تستقر الدعوة وتأخذ مجراها الطبيعي.
فمن كانت له القابلية العقلية والفكرية ـ في هذه المرحلة ـ فسوف يستوعب بعض الاستدلالات العقلية والفلسفية الميّسرة التي كان يطرحها النبي "ص" . أما الذي لم يكن يمتلك تلك القابلية في المرحلة العقلية الابتدائية التي يعيشها.
طبعاً ليس شرطاً أن يكون الإنسان الذي يمتلك قوة استدلال أكبر أعلى شأناً من غيره من الناحية المعنوية, فقد تكون عواطف بعض أصحاب المستوى الفكري المتواضع أصدق وأسلم, وارتباطهم وتعلقهم بالنبي وبمبدأ الغيب أقوى وحبهم أصدق وأعمق, وهذا من شأنه أن يكسبهم مكانة معنوية أعلى ومرتبة أسمى عند الله سبحانه وتعالى, فلكل من العاطفة والاستدلال دوره ومكانته, فلا العاطفة تستطيع أن تحتل مكان الاستدلال العقلي, ولا الاستدلال بإمكانه احتلال مكان العاطفة.
وحادثة عاشوراء تنطوي في طبيعتها وذاتها على بحر زاخر من العواطف الصادقة, فهذه الفاجعة جاءت نتيجة لثورة إنسان عظيم ومعصوم, إنسان لا يمكن التشكيك بمقدار ذرة في شخصيته المتسامية, ويقرّ جميع المنصفين في العالم هدفه وهو " إنقاذ المجتمع من براثن الظلم والاستعباد" , وقد أعلن عن هذا الهدف.
وجهاد الغرباء من أشق وأصعب أشكال الجهاد في سبيل الله, فالجميع يقف بوجه ذلك الإنسان المجاهد ويعرض عنه حتى الأصدقاء.
حتى إن الإمام الحسين"ع" حينما دعا أحدهم إلى نصرته رفض نصرة ابن رسول الله "ص" وعرض فرسه على الحسين "ع" بدلاً من ذلك, فهل توجد غربة أعظم من هذه الغربة؟ وهل يوجد كفاح في الغربة أشق من هذا الكفاح؟
وفي خوضه لهذا الصراع رأى الإمام الحسين"ع" بأم عينيه مقتل أولاده وإخوانه, وأبناء إخوته, وأبناء عمومته, وجميع بني هاشم, حتى انه شاهد مقتل ولده الرضيع الذي كان له من العمر ستة اشهر فقط.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يعلم "ع" انه بعد استشهاده سوف تقوم تلك الذئاب الكاسرة بالهجوم على عياله وأطفاله لإخافتهم وإرعابهم ونهب أموالهم وبالتالي أسرهم وتوجيه الإهانة لهم والاعتداء على بنت أمير المؤمنين "ع" زينب الكبرى "ع" التي كانت من الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي.
وقد واصل أبو عبد الله كفاحه المرير على الرغم من علمه بجميع تلك الأمور تفصيلاً, فلاحظوا كم كان ذلك الجهاد الذي خاضه أبو عبد الله شاقّاً ومريراً, وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يعاني هو وأهل بيته وأصحابه من شدة العطش نتيجة لمنعهم من الوصول إلى ماء الفرات, فقد كان الأطفال والصبيان والشيوخ وحتى الأطفال الرضّع يتلظون من شدة العطش! حيث لم يكونوا قد ذاقوا قطرة من الماء منذ مدة طويلة.
فلكم أن تتخيلوا الآن كم كان شاقاً وعظيماً ذلك الجهاد الذي خاضه إمامنا الحسين"ع".
فأي إنسان لا تهتز عواطفه من فاجعة استشهاد مثل هذا الإنسان العظيم الطاهر المعصوم الذي كانت الملائكة تسبق لرؤية وجهه المنير والذي كان يتمنى الأنبياء أن يكونوا في منزلته؟
وأي إنسان حر يعرف مغزى تلك الفاجعة ويفهم أهدافها ثم لا يشعر بالارتباط القلبي والعاطفي معها؟
فهذا النبع المعنوي والعاطفي بدأ بالتدفق وما زال. ففي عصر يوم عاشوراء حينما وقفت زينب"ع" ـ على ما ورد في النقل ـ على التل الزينبي وخاطب جدَّها رسول الله "ص" قائلة: "يا رسول الله صلى عليك مليك السماء هذا حسينك مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء مسلوب العمامة والرداء, وبدأت بقراءة عزاء الإمام الحسين "ع", بصوت عالٍ, وبعد ذلك قامت بإفشاء ما أرادوا كتمانه من خلال خطبها وكلماتها الرنّانة في كربلاء والكوفة والشام والمدينة المنورة, هذه هي فاجعة عاشوراء وهذه هي أبعادها وأهدافها.

المجالس الحسينية والطريق إلى شكر النعمة
إن الحقيقة التي لا ريب فيها هي أن الله سبحانه وتعالى سوف يسأل الإنسان يوم القيامة عن جميع النعم التي منّ بها عليه. وإن من أعظم النعم الإلهية علينا هي مجالس العزاء التي تقام إحياء لذكرى فاجعة عاشوراء الإمام الحسين"ع".
وللأسف فإن إخواننا من المسلمين غير الشيعة قد حُرموا من هذه النعمة العظيمة التي بإمكانهم استثمارها إذا أرادوا, طبعاً هناك القليل منهم من يقيم مراسم العزاء لأبي عبد الله"ع" لكنه ليس رائجاً عندهم كما هو رائج عند الشيعة بهذا الشكل الواسع الذي يعرفه الجميع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, ما هي الفائدة التي يجب أن تجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟ أما الجواب على هذه الأسئلة وأمثالها فهو ملقى على عاتقكم أنتم.
فهذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرة, وهي التي جعلت الحكام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء, ومن قبر الإمام الحسين"ع" فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أمية وتواصل إلى يومنا هذا.
وقد شاهدتم نموذجاً لهذا الخوف والفزع أثناء أحداث الثورة الإسلامية المباركة, فحينما حلّ شهر محرم ـ في أيام الثورة الإسلامية لم يتمكن النظام الشاهنشاهي الرجعي الكافر والفاسد من القيام بأي عمل وشلَّ عن الحركة تماماً.
وتشير التقارير المتبقية من زمن ذلك النظام المنحط بصراحة إلى أن النظام البهلوي ومع حلول شهر محرم الحرام قد فقد السيطرة على كل شيء فلت زمام المبادرة من يده في جميع أرجاء البلاد.
وقد عرف إمامنا الراحل "قده" ـ ذلك الرجل الحكيم وصاحب النظرة الثقافية ـ كيف يستغل أيام عاشوراء من أجل السعي إلى تحقيق أهداف الإمام الحسين"ع" العظيمة, فقد أعلن "قده" بأن محرم هو شهر انتصار الدم على السيف, وبهذا المنطق ـ وببركة شهر محرم ـ انتصر الدم على السيف في إيران الإسلامية وكما خطط له الإمام الراحل "قده".
هذه إحدى النماذج التي شاهدتموها ولمستموها في أثناء أحداث ثورتنا الإسلامية المباركة.
إذن لا بد من استثمار حركة هذه النعمة الإلهية بشكل كامل وبنّاء من قِبَل العلماء وأبناء الشعب معاً. أما استثمار أبناء الشعب لهذه النعمة فيتمثل في إقامة مجالس العزاء وتوسيعها على أكبر نطاق ممكن والمشاركة الفعّالة والجادّة فيها.
ويجب أن تكون تلك المشاركة بقصد الاستفادة الحقيقية وليس مجرد إتلاف للوقت أو محاولة الحصول على الثواب الأخروي ـ بالشكل الذي يتصوره بعض السذّج من الناس ـ فمن المؤكد أن المشاركة والحضور في هذه المجالس يستتبعه الثواب الأخروي, ولكن السؤال: ما هو السبب في الحصول على الثواب من خلال المشاركة في مجالس عزاء الإمام الحسين"ع"؟
فمن المسلّم أن هذا الثواب يتحصل نتيجة لسبب من الأسباب وما لم يتحقق ذلك فإن الثواب سوف لا يحصل قطعاً, ولكن البعض يغفل ـ وللأسف ـ عن هذه النقطة ويعتبر أن مجرد الجلوس في المجالس الحسينية كافٍ على الثواب الأخروي.
إذن يجب على أبناء الأمة معرفة القيمة الحقيقية والأهمية البالغة لتلك المجالس والمشاركة الجادّة فيها وجعلها وسيلة لتعميق الارتباط القلبي بينهم وبين الحسين"ع" وآل النبي "ص" واتخاذها ـ تلك المجالس ـ للوصل بينهم وبين روح الإسلام والقرآن.

شروط إقامة مجالس العزاء ومميزاتها
هذا ما يتعلق بالناس حول الاستفادة من هذه المجالس وأما ما يرتبط بعلماء الدين, فإن القضية أكثر تعقيداً, لأن مجالس العزاء تقوم على أساس اجتماع عدد من الناس ومشاركة أحد الخطباء الذي يتولى إقامة العزاء حتى يستفيد الآخرون, ولكن كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟ إنه سؤال موجه إلى جميع من يشعر بالمسؤولية في هذه القضية, وباعتقادي أن هذه المجالس يجب أن تتميز بثلاثة أمور :
الأمر الأول: هو تكريس محبة أهل البيت ومودتهم في القلوب, لأن الارتباط العاطفي ارتباط قيم ووثيق, وعليكم أن تعملوا في هذه المجالس على تكريس مودة الحسين بن علي "ع" وأهل بيت النبوة في قلوب المشاركين وتوثيق ارتباطهم بمصادر المعرفة الإلهية أكثر فأكثر, وأما إذا وجدتم وضعاً في هذه المجالس لم يؤدي ـ لا سمح الله ـ إلى تكريس مودة أهل البيت في قلوب المستمعين أو من خارج المجلس وإنما يؤدي ـ لا سمح الله ـ إلى ابتعادهم واشمئزازهم من مجالس العزاء, فإن هذه المجالس تفقد عندئذ واحدة من أهم فوائدها وأهدافها, بل تصبح مضرة في بعض الأحيان, فانظروا ما ستفعلون انتم الذين تؤسسون هذه المجالس وانتم الذين تخطبون فيها حتى تتعزز العلاقة العاطفية للناس بالحسين بن علي "ع" وأهل بيت النبوة يوماً بعد يوم نتيجة المشاركة في هذه المجالس.
الأمر الثاني: الذي يجب أن تتميز به المجالس الحسينية هو إعطاء صورة واضحة عن أهل قضية عاشوراء للناس وتبيانها لهم, وان مجالس العزاء على الحسين بن علي "ع" يجب أن لا تكون مجرد منبر لخطابات غير هادفة, لأن هناك في هذه المجالس أناسا يتميزون بالتفكر والتعقل والتأمل في الأمور وما أكثرهم في مجتمعنا ببركة الثورة الإسلامية سواء من الشباب والشيوخ والنساء والرجال الذين يتساءلون مع أنفسهم لماذا جئنا إلى هذا المجلس وبكينا على الحسين"ع"؟ ما هي أصل القضية" لماذا يجب البكاء على الإمام الحسين"ع" لماذا جاء الإمام الحسين إلى كربلاء وأوجد قضية عاشوراء؟ هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها في المجالس الحسينية حتى تتعزز معرفة المستمع بأصل قضية عاشوراء, وإذا لم تتطرقوا في منابركم وخطبكم ونعيكم إلى هذا المعنى ولو بالتنويه والإشارة , فإن هذه المجالس ستفقد ركناً من الأركان الثلاثة التي أشرت إليها, ومن الممكن لا تستحصل الفائدة المتوخاة من المجلس أو قد تؤدي ـ فرضاً ـ إلى الضرر لا سمح الله.
أما الأمر الثالث: الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في مجالس العزاء, فهو تكريس المعرفة الدينية والإيمان الديني, إذ انه لا بد من التحدث عن تعاليم الدين في هذه المجالس بشكل يعزز إيمان المستمع ومعرفته بالله سبحانه, ولا بد من الموعظة والتطرق إلى حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخية لاستخلاص العبر منها, أو تفسير آية شريفة من القرآن الكريم أو نقل موضوع مما تطرق له كبار العلماء والمفكرين الإسلاميين, يجب أن لا يكون الأمر بأن يرتقي خطيب على المنبر ويتحدث بدون رؤية وبكلام غير هادف, أو يتطرق في النعي إلى مواضيع هشّة من حيث الفحوى, ليس فقط لا تؤدي إلى تعزيز الإيمان وتقويته, وإنما تؤدي إلى إضعافه, وإذا حدث مثل هذا الأمر فإننا سوف لا نبلغ الفوائد والأهداف المتوخاة من هذه المجالس.
وأقول لك انه تُشاهد ـ وللأسف ـ مثل هذه الأمور أحياناً حيث يتطرق الخطيب أحيانا إلى أمور ضعيفة من حيث الاستدلال والإسناد العقلي والنقلي, ويعتبر هداماً من حيث التأثير في ذهن المستمع الذي هو من أهل المنطق والاستدلال العقلي.
هناك بعض الأمور المدوّنة في كتاب ما وليس دليل على صحّة هذه الأمور أو سقمها, ولكن عندما تتطرقون إليها من على المنبر, فإنها وبالرغم من عدم ثبوت سقمها إنما تثير أسئلة وإشكاليات حول الدين لدى المستمع الذي قد يكون طالباً جامعياً أو تلميذاً أو شاباً أو مقاتلاً أو ثورياً ممن تفتحت أذهانهم وأفكارهم ببركة الثورة الإسلامية, وانه من الأفضل إلا تتطرقوا إلى هذه الأمور والمواضيع حتى لو كانت صحيحة السند, ولكنها تؤدي إلى الضلال والانحراف. دع عنك إنها تفتقد في معظمها إلى السند الصحيح الموثق.
قد يكون هناك موضوع أو أمر سمعه شخص من شخص آخر بغض النظر عن صحة وسقم السند, أو استشفه من قصيدة وبادر إلى نقل هذا الموضوع من كتاب وقع بأيدينا على سبيل الفرض. فنحن يجب أن لا نتطرق إلى هذا الموضوع الذي لا يمكن تسويفه أو تبريره إلى المستمع, وخاصة إذا كان ممن يتميز بالوعي والذكاء والبحث في دقائق الأمور, لأنه ليس واجباً أن نقول كلما نعلم أو ننقل ما دون في الكتب.
إن الجانب المهم من القضية الثقافية في مجتمعنا اليوم إنما ترتبط بالشباب, ولا أعني الطلبة الجامعيين وحدهم كما كان مصطلحاً من قبل الثورة الإسلامية, وإنما اعني جميع الشباب من الرجال والنساء والطلبة وغيرهم الذي تفتحت أذهانهم إزاء مختلف القضايا, وأصبحوا ينظرون إليها بعين التبصر والتحقيق, فإنهم معرضون للشبهات ويريدون أن يفهموا الأمور ببصيرة.
إن القضية الثقافية في عهدنا هو إلقاء الشبهات من جانب الأعداء, إنهم يلقون الشبهات ولا يمكن أن نفرض على من لا يؤيدنا أو لا يقبل أفكارنا بأن يخرس ولا يتكلم, أنهم يفتعلون الشبهات ويروجونها ويثيرون الشكوك في النفوس, انتم تقولون بضرورة التصدي للشبهات وعدم إشاعتها في حين أن البعض يرتقي المنبر دون التوجه إلى هذه المسؤولية الخطيرة, ويتفوّه بكلام ليس فقط لا يحل أية مشكلة في ذهن المستمع, وإنما يزيد هذه المشاكل تعقيداً, فلو ارتقى أحدنا المنبر وتفوّه بكلام أثار شكوكاً حول الدين في أذهان عشرة أو خمسة أو حتى واحد من الشباب دون أن نعرفه, فكيف يمكن التعويض عن هذه الخسارة وإزالة الشكوك؟ وهل يمكن أساساً التعويض عن ذلك؟ وهل يغفر لنا ذلك؟
هذه هي الأمور الثلاثة التي يجب أن تتميز بها مجالس العزاء: تكريس المودّة للحسين بن علي "ع" ولأهل بيت النبوة. وتعزيز العلاقة والارتباط العاطفي بهم, وإعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء, وتكريس المعرفة الدينية ووشائج الإيمان بالله سبحانه وتعالى لدى المستمع, وانه يكفي لو تحقق الحد الأدنى من ذلك.
فنحن لا نقول بأن جميع المنابر يجب أن تستوعب كل هذه الأمور, يكفي أن ينقل الخطيب حديثاً معتبر السند ويبادر إلى تفسيره ويبيّن معانيه للمستمع دون أية إضافات من التي لا داعي لها وتبعد المستمع عن المعنى الحقيقي للحديث, أو أن يبادر الخطيب إلى تفسير آية شريفة من المصادر المعتبرة بعد التدقيق والتأمل فيها حتى يتحقق الهدف المنشود, ولذكر المصاب تكفي الاستفادة من كتاب " نفس المهوم" للمرحوم المحدث القمي, فإنه يبكي المستمع ويثير تلك العواطف والمشاعر الجيّاشة التي تتوخاها, ولا داعي للتعرض إلى أمور تبعد المجالس الحسينية عن الفلسفة الحقيقية لإقامتها, وإنني أخشى من أن لا تتمكن من القيام بواجبنا ومسؤولياتنا ـ لا سمح الله ـ وخاصة في هذا العصر الذي هو عصر إحياء الإسلام وتجليه وتجلي أفكار أهل بيت النبوة"ع".

التطبير وتوهين الدين
هناك أمور تقرّب الناس إلى الله وتعزز تمسّكهم لتعاليم الدين, ومن هذه الأمور هي مراسم العزاء التقليدية, وان ما أوصانا به الإمام"قده" بإقامة مراسم العزاء التقليدية هو المشاركة في المجالس الحسينية ونعي الإمام الحسين"ع" والبكاء عليه واللطم على الصدور في موكب العزاء, وهي من الأمور التي تعزز المشاعر الجياشة إزاء أهل البيت"ع".
غير أن هناك أموراً خلاف ذلك وتبعد البعض عن الدين حيث شوهدت ـ وللأسف ـ خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية أعمال تروّجها بعض الأيادي على ما يبدو, أنهم يروجون في مجتمعنا بعض الأعمال التي تثير علامات استفهام في أذهان المشاهدين. لقد جرت العادة في قديم الأيام وبين عوام الناس أن يعلّقوا أقفالاً بأجسامهم في مراسم العزاء, فانبرى لها كبار العلماء واندثرت هذه العادة, غير أنها ظهرت مجدداً في الآونة الأخيرة, وسمعت أن البعض يعلقون الأقفال بأجسامهم في مواكب العزاء. انه عمل خاطىء يقوم به هذا البعض, وكذلك الأمر بالنسبة لشجّ الرؤوس بالسيوف أي ما يصطلح عليه بـ " التطبير" الذي يعتبر عملاً مخالفاً هو الآخر.
أنا أعلم بأن البعض يقول بأن الحق كان مع الإمام الذي لم يتطرق إلى موضوع شجّ الرؤوس وما الذي دعاك إلى هذا الموضوع, كلا ليس الأمر بهذا الشكل, فلو كان الإمام "قده" حيّاً لتصدى لظاهرة شج الرؤوس بالسيف على الصورة التي روجت خلال السنوات الأربع أو الخمس بعد انتهاء الحرب. انه عمل خاطىء أن يشجّ البعض رؤوسهم بالسيوف, وما هو الحاصل من إراقة دمائهم بهذه الصورة ؟ وكيف يمكن اعتبار هذا العمل من مراسم العزاء؟ أجل من مراسم العزاء اللطم على الرؤوس والصدور, ولكن ليس من العزاء أن يشجّ الإنسان رأسه بالسيف ويريق دمه حتى لو كانت المصيبة قد حلّت بأعز أعزائه, إنها بدعة وليس من الدين, ولا شكّ في أن الله لا يرضى على ذلك.
إن علماء السلف الذين لم يتصدوا لهذه القضية إنما كانت يدهم مغلولة في هذا المجال, أما اليوم فانه عصر الحكومة الإسلامية وعصر تجلي الإسلام وينبغي أن لا نقوم بأعمال تشوّه سمعة المجتمع الإسلامي الذي يتميز بمودة أهل البيت"ع" ويفخر بأنه يتبرك بالاسم القدسي لولي العصر ـ أرواحنا له الفداء ـ وباسم الإمام الحسين"ع" واسم أمير المؤمنين.
كيف؟ ينبغي أن لا نقوم بأعمال تصور أبناء هذا المجتمع بأنهم أناس خرافيون وغير منطقيين أمام المسلمين وغير المسلمين في العالم, وفي الحقيقة أنني كلما وجدت بأنه لا بد أن احذّر أبناء شعبنا العزيز من هذه الظاهرة التي هي في الواقع بدعة وخلاف لتعاليم الدين ليكفّوا عن هذا العمل, فأنا لست راضياً عمّن يتظاهرون بشجّ الرؤوس, وأعرب هنا أنه كان في زمن ما يجتمع عدد من الناس في مكان محدود وليس أمام الآخرين ويشجون رؤوسهم دون أن يتظاهروا بهذا المعنى, ولا شأن لأحد بهم سواء صح هذا العمل أو لم يصح, فانه كان محدوداً وليس تظاهراً أمام الآخرين, أما أن ينطلق عدة آلاف من الأشخاص فجأة في أحد شوارع مدينة قم أو طهران أو إحدى مدن خراسان وآذربايجان وهم يحملون السيوف ليشجّوا بها رؤوسهم, فإن هذا العمل يعتبر خلافاً بلا ريب ولا يرضى عنه الإمام الحسين "ع", ولا أدري من أين نشأت هذه الأعمال التي جاؤوا بها إلى مجتمعانا الإسلامية.
وهناك بدعة غريبة ابتدعوها مؤخراً في كيفية الزيارات, انتم تعلمون أن جميع أئمة الهدى "ع" كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم"ص" والمراقد المطهرة لائمة أهل البيت"ع" في المدينة المنورة والعراق وإيران, ولكن هل سمعتم أن أحداً من الأئمة أو من العلماء كان يزحف على صدره من باب الحرم إلى الضريح أثناء الزيارة, فلو كان هذا العمل مستحباً أو مستحسناً لقام به علماؤنا الكبار, إلا أنهم لم يقوموا بمثل هذه الأعمال, وحتى انه نقل بأن المرحوم آية الله العظمى البروجردي "رضوان الله عليه " ذلك العالم الورع والمجتهد البارز وذو الأفكار النيّرة منع حتى تقبيل العتبة لدى دخول الحرم المطهّر لأي من الأئمة"ع".
ورغم أن هذا العمل قد يكون من المستحبات كما جاء في كتب الأدعية, وأتذكر أن هناك رواية باستحباب تقبيل العتبة, ولعلّ المرحوم البروجردي إنما منع ذلك حتى لا يُتصور انه نوع من السجود يتبجح به الأعداء لتوجيه الاتهامات إلى الشيعة.
ليس صحيحاً أن يدخل فجأة عدد من الناس إلى الحرم المطهّر للإمام علي بن موسى الرضا"ع" ويزحفون على صدورهم مسافة مائتي متر نحو المرقد. كلا , انه عمل خاطىء, انه استهانة بالدين وبحرمة الزيارة. من يروّج هذه الأمور بين الناس, ليكفّوا عن ذلك, انه من عمل الأعداء.
عليكم أن تبيّنوا هذه الحقائق للناس حتى تنفتح أذهانهم, الإسلام دين منطقي , والفهم الشيعي للإسلام هو الأكثر منطقية من غيره, ولا أحد يتمكن من أن يتهم الشيعة بضعف منطقهم, لأن علماء الكلام من الشيعة كانوا كالشموس الساطعة في عهدهم, سواء الذين عاصروا حياة الأئمة كمؤمن الطاق وهشام بن الحكم وسواء الذين جاؤوا بعد الأئمة كبني نوبخت والشيخ المفيد وغيرهم والمتأخرين من علماء الكلام لدى الشيعة وكالمرحوم العلامة الحلي وغيرهم.
فنحن الشيعة أهل المنطق وأهل الاستدلال المنطقي وان الكتب الخاصة بالشيعة مفعمة بالاستدلالات المنطقية الفورية ككتب المرحوم شرف الدين وكتاب الغدير للمرحوم العلامة الأميني في عصرنا الحاضر التي تستند إلى أدلة أقوى من الأسمنت المسلّح.
هذا هو التشيع وليس تلك الأعمال التي لا تستند إلى أي دليل وهي أشبه بشيء من الخرافات, فلماذا يروّجون هذه الأعمال؟ إنه من الأخطار الكبرى التي يجب على علماء الدين وحماة العقيدة أن ينتبهوا إليها.
__________________
النبراس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-2012, 05:09 PM   #2
عبير الزهــــــــراء
•● مشرفة سابقة ●• بنور فاطمه اهتديت
 
الصورة الرمزية عبير الزهــــــــراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
الدولة: السعودية
المشاركات: 3,796
معدل تقييم المستوى: 900
عبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين "ع

اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ

مبارك عليكن ميلاد الامام الحسين (ع)
كل عام وانتن بخير
وفقك الله تعالى اخيتي النبراس
__________________




عبير الزهــــــــراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-2012, 06:06 PM   #3
براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ
~*¤ مشرفة سابقة ~*¤
•.ღ.•الملاك الفاطمي•.ღ.•
 
الصورة الرمزية براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
الدولة: الحنان دولة ♥وأاامي عاصمتها☺
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond reputeبراءةْ فآطمةُ الزهرآءْ has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين "ع

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

جزاك الله خيرا الله يعطيك العافية

متباركين بلمولد الشريف مولد سيد شباب اهل الجنة عليه السلام

موفقه لكل خير
براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-2012, 07:51 PM   #4
تفاحة الجنان
~ مراقبة سابقة ~~●رحمَـ رَبــِـي ــــاكـَ●~
 
الصورة الرمزية تفاحة الجنان
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
الدولة: وُسَطِ آهٌــِاتُ قلبــ♥͡ـي [♥]
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
تفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond reputeتفاحة الجنان has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الأبعاد المعنوية في شخصية الإمام الحسين "ع

اللهم صل على محمد وآل محمد
مشكوره
تسلم ايدك
وربي يعطيك العافيه
__________________



تفاحة الجنان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مظاهر من شخصية الإمام الكاظم عليه السلام بحرآنية أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 10 26-06-2012 03:54 PM
العلامة الحتمية الثالثة لظهور الإمام المهدي {عج} " الصيحـــــــــــه " أوراق الخريف نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 1 04-01-2012 06:04 AM
الأبعاد المعنوية للأعمال الصالحة في شهر شعبان روحي فاطميه القرآن الكريم والأدعية والزيارات الأذكار اليومية أدعية لقضاء الحوائج ختمات 6 19-07-2011 02:23 AM
:: لماذا يقتل الامام المهدي "ع" ذراري قتلة الامام الحسين"عليه السلام" :: عاشقة العتره الطاهره نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 19 05-07-2011 02:28 PM


الساعة الآن 08:32 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir