يحدّثنا التاريخ أنّ الزهراء البتول عليها السّلام حزنت على أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاته حُزناً لم يَعَهد الناس مِثله قطّ، وأنّها بكت عليه حتّى تأذّى من بكائها أهلُ المدينة، فسألوها إمّا أن تبكي في الليل وإمّا أن تبكي في النهار،وأنّها لم تُشاهَد مبتسمة قطّ بعد وفاته إلاّ مرّة واحدة، في قصة لها مع أسماء بنت عميس:
- روى المجلسي عن ابن عبّاس، قال:
مَرِضتْ فاطمة (بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله ) مرضاً شديداً، فقالت لأسماء بنت عُميس: ألا ترينَ إلى ما بَلَغتُ، فلا تحمليني على سرير ظاهر. فقالت: لا لَعَمرْي، ولكن أصنع نعشاً كما رأيتُ يُصنع بالحبشة. قالت: فأرينِيه! فأرسلت ( أسماء ) إلى جرائد ( من سعف النخيل ) فقُطعت من الأسواق، ثمّ جُعِلتْ على السرير نعشاً ـ وهو أوّل ماكان النعش ـ فتبسّمت ( فاطمة عليها السّلام ) وما رُئيتْ متبسّمةً قطّ إلاّ يومئذٍ.
- و روى عن أسماء بنت عُميس، أنّ فاطمة عليها السّلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله قالت لأسماء: إنّي قد استقبحتُ ما يُصنع بالنساء، أنّه يُطرح على المرأة الثوبَ فيصفها لمن رأى.
فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، أنا أُريكِ شيئاً رأيتُه بأرض الحبشة.
قال ( الراوي ): فدعت ( أسماء ) بجريدة رطبة ( أي جريدة سعف النخيل ) فحسّنَتْها ثمّ طَرَحتْ عليها ثوباً، فقالت فاطمة عليها السّلام: ما أحسنَ هذا و أجملَه، لا تُعرف به المرأةُ مِن الرجل.
نرى في الحديثَين السابقين أنّ الزهراء عليها السّلام تأمر أسماء أن لا تحملها على سرير ظاهر، ثمّ تُعلّل ذلك بأنّها استَقْبحتْ ما يُصنع بالنساء، لأنّهم كانوا يطرحون على المرأة المتوفّاة الثوب، فيحكي حجمَ بدنها ويصفه لمن ينظر إليها، ثمّ يُعمل لها نعش فتبتسم ابتسامةً لم تُشاهد متبسّمة قبلها منذ أن توفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي هذا إشارة إلى الأهميّة البالغة التي أولتها الصدّيقة الزهراء عليها السّلام إلى مسألةالحجاب، ولو بعد الموت ومفارقة الدنيا، وفي ذلك عِبرة للمؤمنات في أنّ واجب المرأة في الحجاب لا ينتهي بمفارقتها الدنيا، بل الأحرى بها أن تُراعي الحجاب ما دامت في الدنيا، ولو بدناً هامداً على نعش محمول!!