مسافات العمر

[فرقان]

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الإنسان في هذه الحياة عابر سبيل يقطع مسافات العمر ليصل إلى أعتاب القبر في سنوات قد تبتعد قليلاً لتتعدى القرن ملأت صفحة حياته بجميل الأعمال وقبيحها فتلونت بعدة ألوان منها ما هو زاهٍ يتلألأ كما النجوم في السماء ومنها ما هو قاتم كظلمة الليل حينما يغيب عن سمائه البدر، وقد تكون قريبة جداً تباغت صاحبها في ثوان بعد خروجه وليداً من بطن أمه ليتخطى هذه الحياة بصفحة بيضاء لم تُدنس بأي ذنب ولم يُرسم فيها أي عمل سوى الفطرة التي خلقها الله في نفسه ، فإن كان من أبوين مسلمين أُلحق بهما ليخلد في مرضاة الله كأنه لؤلؤٌ منثور يخدم أولياء الله الذين اجتهدوا في تقوى الله فسادوا وسعدوا بنعيم الله بصفحات زاهية بألوان الأعمال الصالحة والتي أوصلتهم لأن يكونوا راضين مرضيين مُتقلبين في نعيم الله مخدومين من قبل ذلك الوليد الذي رحل عن الدنيا وسعد بخدمتهم ، يلمع في الجنان حاملاً بيديه أكواباً وأباريق من ذهب وفضة قد مُلئت بأطيب شراب من معين مختوم ختامه مسك يفوح بروائح الجنة ليتلذذ بشربه أولئك المخلصون ، وإن كان من أبوين كافرين محص بالبلاء قبل الحساب فإن أبلى البلاء الحسن صار من الولدان المخلدون وإن تعثر هوى مع الهالكين ليكون من أهل الجحيم
نعم إن حلة الإنسان في هذه الحياة قد مُلئت بالمعوقات والسعيد من وفقه الله لتخطيها بسلام ليصل هانئاً إلى دار السلام ويخلد في نعيمها الدائم بسلام ، حديثه فيها سلام ، وعيشه فيها سلام ، لا يشوبه ذلٌ وهوان ، أما الشقي فذلك الذي تعثر في خطواته ليسقط بها في نار الجحيم ويَلقى فيها العذاب الأليم لا يموت فيرتاح ولا يحيى ليُستطاب يدعو بالويل والثبور يندم على ما فعل طالباً من الله الرجوع ليُصلح ما أفسد ويتخطى كل المعوقات ، لكنه يُنسى كما نسى في هذه الحياة رب العباد واتخذ هواه إلهاً يعبده بديلاً عن معبوده الأوحد وملك الملوك الله العزيز الجبار، ليُخلد في العذاب ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء الله
نرجوا الله أن يُعيننا على تخطي تلك المعوقات بأن نترك الهوى السالك بنا مسالك الهالكين والمُلقي بنا في دار الجحيم ، وأن نتوجه بقلوبٍ صافية ونفوس طيبة إلى من رحمته سبقت عذابه لنكون من المرحومين ، ليُختم لنا بالسعادة مع أوليائه الطيبين الطاهرين راضين مرضيين في جنات النعيم
بجاه الأخيارعباد الله المخلصين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين