أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) ![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
~¤ مراقبة سابقة ¤~
![]() ![]() تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 1,736
معدل تقييم المستوى: 153 ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]()
الربذة
منطقة صحراوية بين مكّة و المدينة ، هي منطقة جرداء لا يسكنها أحد . و لكن في عام 30 هجرية ، كانت هناك خيمة وحيدة . في داخل الخيمة شيخٌ كبير و امرأة عجوز هي زوجته و ابنتهما . لماذا جاء الشيخ إلى هذه المنطقة البعيدة في وسط الصحراء ؟ انّه لم يأت بإرادته ، لقد نفاه الخليفة ليموت في تلك الصحراء . كان الشيخ مريضاً ، و كانت زوجته تبكي فقال لها : ـ لماذا البكاء يا اُم ذر ؟ قالت العجوز : ـ كيف لا أبكي و أنت تموت في هذه الصحراء . قال الشيخ : ـ كنت مع بعض أصحابي جالسين مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لنا : سيموت أحدكم في الصحراء و سيحضر موته جماعة من المؤمنين . لقد توفي كلّ أصحابي عند أهلهم و لم يبق سواي ، سوف يأتي مَن يساعدك . قالت العجوز : ـ لقد مضى موسم الحجّ و هذه الصحراء لا يمرّ بها أحد . قال الشيخ : ـ لا عليك اصعدي التلّ و انظري إلى طريق القوافل . صعدت المرأة التلّ و راحت تنظر إلى طريق القوافل . مرّ وقت طويل ، فشاهدت من بعيد قافلة قادمة . لوّحت المرأة بقطعة قماش للقافلة ، و تعجّب المسافرون و تساءلوا مَن تكون هذه المرأة الوحيدة في الصحراء ؟! فجاءوا اليها . سألوها عن شأنها فقالت : ـ ان زوجي يموت و ليس قربه أحد . و مَن هو زوجك ؟ فقالت المرأة و هي تبكي : ـ أبو ذرّ صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . و تعجّب أهل القافلة فقالوا : ـ أبو ذر صاحب النبي ؟! هيا بنا إليه . و ذهب الرجال إلى الخيمة ، و عندما دخلوها وجدوا أبا ذر في فراشه . و قال الرجل : السلام عليك يا صاحب رسول الله . فقال أبو ذر بصوت ضعيف : ـ و عليكم السلام مَن أنت ؟ قال الرجل : ـ مالك بن الحارث الأشتر و معي رجال من أهل العراق ، نريد الذهاب إلى المدينة لنشتكي إلى الخليفة ما يحلّ بنا من الظلم . ابتسم أبو ذر و قال : ـ ابشروا يا إخواني لقد أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأنني سأموت في الصحراء ، و سيحضر وفاتي رجال مؤمنون . فرح مالك و من معه بهذه البشرى النبويّة و جلسوا في خيمة أبي ذر ، و كان مالك الأشتر حزيناً من أجل الصحابي الجليل أبي ذر و ما حلَّ به على أيدي بني اُميّة . الأشتر ينتمي مالك بن الحارث النخعي إلى قبيلة يمنية عريقة ، أسلم في عهد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و كان من المخلصين في ايمانه و إسلامه . اشترك في معركة اليرموك و قاتل ببسالة فريدة ، و كانت له مواقف شجاعة في صدّ هجمات الروم على الجيش الإسلامي فشترت عينه بالسيف أي انشق جفنها السفلي و لذلك عُرِفَ بالأشتر . في عام ثلاثين للهجره كان المسلمون في مدينة الكوفة و غيرها من المدن الإسلامية غاضبين من تصرّفات الولاة . فمثلاً كان " الوليد بن عقبة " و هو أخو الخليفة عثمان حاكماً على الكوفة و كانت تصرفاته منافية للإسلام و الدين ، فهو يشرب الخمر ، و يقضي وقته في مجالس الغناء و اللهو . ذات يوم جاء الوليد إلى المسجد سكران و صلّى بالمسلمين صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إلى المصلّين و قال مستهزئاً : ـ أتريدون أن أزيدكم ؟ كان الناس غير راضين عن سيرته و كانوا ينتقدونه في الأسواق و البيوت و المساجد . ![]() ـ ألم يجد الخليفة شخصاً غير هذا الفاسق لكي يجعله والياً ؟! ـ انّه يعتدي على حرمات الدين و المسلمين . لهذا فكّروا بطريقة للحلّ ، فوجدوا ان أفضل طريق هو أن يستشيروا أهل التقوى و الصلاح ، فذهبوا إلى مالك الأشتر فهو شخص تقيّ و شجاع و لا يخاف أحداً غير الله . قال مالك الأشتر : ـ الأفضل أن ننصحه أوّلاً فاذا لم يرتدع نشكوه إلى الخليفة . ذهب مالك و معه بعض الناس الصالحين إلى قصر الوالي . عندما دخلوا ، وجدوه يشرب الخمر كعادته ، فنصحوه أن يكفّ عن تصرفاته المشينة و لكنّه انتهرهم و طردهم . عندها قرّروا السفر إلى المدينة المنوّرة و مقابلة الخليفة لإطلاعه على الأمر . قابل الوفد الخليفة و لكنّه ـ مع الأسف ـ انتهرهم و طردهم و رفض شهادتهم ، فخرجوا يائسين . فكّروا في الذهاب إلى ابن عمّ سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فهو الأمل الوحيد في الإصلاح . الوفود و في تلك الفترة جاءت وفود من المدن الإسلامية الاُخرى كلّها تشكوا من ظلم الولاة و سوء سيرتهم . و ذهب الصحابة إلى منزل الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و اشتكوا عنده ما يلاقيه المسلمون من الظلم و الفساد . كان الإمام علي يشعر بالحزن لذلك ، فذهب إلى قصر الخليفة و دخل على عثمان و نصحه قائلاً : ـ يا عثمان ان المسلمين يشتكون من الظلم . و لست أدلّك على أمر لا تعرفه ، و اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر ، فيلقى في جهنّم فيدور كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنّم " . و انّي اُحذّرك الله ، فانّ عذابه شديد . فكّر عثمان قليلاً و أطرق حزيناً و اعترف بأخطائه و وعده بأن يتوب إلى الله و يعتذر من المسلمين . خرج الإمام علي يبشّر المسلمين بذلك و عمّت الفرحة الجميع . و لكن مروان و كان رجلاً منافقاً دخل على الخليفة و تحدّث اليه فغيّر رأيه و قال له : ـ الأفضل أن تخرج إلى الناس و تهدّدهم حتى لا يتجرأوا على مقام الخلافة . الثورة تراجع عثمان عن وعوده بإصلاح سيرته و تغيير الولاة و اتبع سياسة قاسية تجاه الناس . أشار معاوية و هو حاكم الشام آنذاك بنفي بعض الصحابة . كان الخليفة قد نفى الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري فمات وحيداً في صحراء " الربذة " و قام بضرب الصحابي عمّار بن ياسر و هو ابن أول شهيدين في الإسلام . كما جلد الصحابي عبد الله بن مسعود لهذا تذمّر الناس من سياسة عثمان و ولاته . و بعث صحابة سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) برسائل إلى كافّة المدن الإسلامية و مضمونها : ـ أيُّها المسلمون ، تعالوا الينا ، و تداركوا خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فان كتاب الله قد بدّل و سنّة رسوله قد غيّرت . فأقبلوا الينا ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر . فأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم . و تدفّق المسلمون الثائرون من كلّ أنحاء الدولة الإسلامية إلى المدينة المنوّرة . كان مالك الأشتر يمثّل الثائرين فدخل على عثمان لإجراء المفاوضات من أجل إصلاح الاُمور . و كانت مطالب الثّوار هي أن يعتزل عثمان الخلافة . لم يستجب الخليفة لذلك . حاول الإمام علي ( عليه السَّلام ) التدخّل مرّة اُخرى و إصلاح الاُمور و لكن بلا فائدة . كان المسلمون غاضبين من سيرة عثمان و ولاته و ظلمهم و كان عثمان يعاند مصرّاًًًًً على سياسته . حاصر الثوّار قصر عثمان ، فطلب الإمام ( عليه السَّلام ) من ولديه الحسن و الحسين أن يقفا للحراسة . غير ان الثوّار تسوّروا جدران القصر ، و اقتحموا غرفة الخليفة و قتلوه ، و فرّ مروان و غيره من المنافقين . كان طلحة و الزبير يطمعان في الخلافة فساعدا الثوّار و لكن الناس كانوا لا يفكرون إلاّ بشخص واحد ليكون خليفة عليهم و هو الإمام علي ( عليه السَّلام ) . تدفقت الجماهير إلى منزل الإمام و طلبوا منه أن يكون خليفة ، و لكن الإمام رفض ذلك . أصرّ مالك الأشتر و غيره من الصحابة على ذلك ، و ألقى مالك خطاباً حماسياً في الجماهير قائلاً : ـ أيُّها الناس هذا وصي الأوصياء . و وارث علم الأنبياء . الذي شهد له كتاب الله بالايمان . و رسوله بجنّة الرضوان . من كملت فيه الفضائل . و لم يشكّ في سابقته و علمه الأواخر و الأوائل . و هكذا كان مالك أول من بايع علي بن أبي طالب و تبعته جماهير المسلمين . و عندما أصبح الإمام علي خليفة ، بدأ عهد جديد فقد أصدر أمراً بإقالة جميع الولاة الظالمين و عيّن مكانهم أشخاصاً معروفين بالتقوى و الصلاح . معركة الجمل كان البعض يطمع بالخلافة و الحكم ، من هؤلاء " طلحة " و " الزبير " فذهبا إلى مكّة و حرّضا اُم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر . استغل مروان ذلك فراح ينفق من أموال المسلمين التي سرقها ، و ألّف جيشاً كبيراً ، و رفعوا شعار الثأر لدم عثمان . توجّه الجيش إلى مدينة البصرة ، و هناك طردوا الوالي بعد أن نتفوا لحيته و استولوا على بيت المال . و كان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يواجه هذا التمرّد بحزم ، فزحف بجيشه إلى البصرة . أرسل الإمام ابنه الحسن ( عليه السَّلام ) و الصحابي الجليل عمّار بن ياسر إلى " الكوفة " و دعوة أهلها للجهاد . كان والي الكوفة آنذاك " أبو موسى الأشعري " فراح يدعو الناس للتقاعس عن الجهاد و عصيان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) . مرّت الأيام و لم يعُد الحسن و عمّار بن ياسر فبعث الإمام مالكاً الأشتر في أثرهما . كان مالك الأشتر رجلاً شجاعاً معروفاً بالحزم ، و هو يدرك ان المسلمين في الكوفة يؤيدون الإمام ضد أعدائه ، و ان العقبة الوحيدة هي " ابو موسى الأشعري " . وصل مالك الأشتر الكوفة و راح يدعو الناس في أن يتبعوه ، و اجتمع حوله جمهور غفير ، فاقتحم بهم قصر الامارة و طرد الحرّاس منه . كان أبو موسى الأشعري وقتها في المسجد يدعو الناس إلى لزوم بيوتهم و عدم الاستجابة لأوامر أمير المؤمنين . فجاء الحرّاس و أخبروه بسقوط القصر في قبضة مالك الأشتر . طلب " أبو موسى الأشعري " مهلة يوم واحد لمغادرة الكوفة ، فأُجيب طلبه . و في نفس اليوم أسرع مالك الأشتر إلى المسجد و خطب في الجماهير يحرّضهم لنصرة الإمام علي . ![]() اتّجه الجيش بقيادة الإمام إلى مدينة البصرة فالتقى بجيش عائشة و طلحة و الزبير و مروان بن الحكم . كان مالك الأشتر قائداً للجناح الأيمن و كان عمّار بن ياسر قائداً للجناح الأيسر ، فيما وقف الإمام في قلب الجيش حيث حمل الراية ابنه محمد بن الحنفية . بدأ جيش عائشة بالعدوان فأمطر جيش الإمام بوابل من السهام ، فسقط عددٌ من القتلى و الجرحى . أراد جيش الإمام المقابلة بالمثل فمنعهم الإمام و قال : ـ من يأخذ هذا المصحف و يذهب إليهم فيدعوهم للاحتكام عليه ؟ انّهم يقتلونه لا محالة . و هنا انبرى شابّ و قال : ـ أنا آخذه يا أمير المؤمنين . تقدّم مسلم نحو جيش الجمل رافعاً المصحف . صاحت عائشة : ـ ارشقوه بالسهام . فأمطره الرماة بوابل من السهام فسقط فوق الأرض شهيداً . و في تلك اللحظات رفع أمير المؤمنين يديه إلى السماء داعياً الله سبحانه أن ينصر الحق و أهله و قال : ـ اللّهم إليك شخصت الأبصار . و بسطت الأيدي . ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق . و أنت خير الفاتحين . ثم أصدر الإمام أمره بالهجوم الشامل ، و تقدّم الأشتر يقاتل ببسالة ، و حدثت اشتباكات عنيفة حول الجمل . أدرك الإمام ان عقر الجمل سوف يضع حدّاً لنزيف الدم ، و اقتتال الاخوة . قاد مالك الأشتر هجوماً عنيفاً باتجاه الجمل . كان مالك الأشتر يقتل بشجاعة و فروسية ، أي انّه لا يقتل الجرحى و لا يطارد الذين يفرّون من المعركة . كان مالك يقتدي في أخلاقه بالإمام علي ( عليه السَّلام ) ، فهو يحبّ وصي رسول الله ، و كذلك كان الإمام يحبّ مالكاً لأنّه من أهل التقوى ، و الله يحبّ المتقين . الانتصار و بعد معارك ضارية تمكّن جيش الإمام من عقر الجمل فانهارت معنويات الجيش المقابل و فرّ المقاتلون من ساحة المعركة . أصدر الإمام أمراً أوقف فيه العمليات الحربية ، و أمر بمعاملة عائشة بكلّ احترام و إعادتها إلى المدينة معزّزة مكرّمة . أطلق الإمام الأسرى و أمر بمعالجة الجرحى و عفا عن الجميع . و دخل مالك الأشتر و عمّار بن ياسر على عائشة فقالت : ـ لقد كدت يا مالك أن تقتل ابن اختي . أجاب مالك : ـ نعم و لولا انّي كبير و كنت صائماً ثلاثة أيام لأرحت منه اُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) . في الكوفة و بعد أن أقام الإمام في البصرة أيّاماً عاد بجيشه قاصداً مدينة الكوفة . كان مالك الأشتر في المعارك كالأسد يُقاتل بشجاعة لا نظير لها ، و لهذا كان الأعداء يخافون منه . و لكنّه في الأيّام العادية كان يبدو كرجل فقير فهو يرتدي ثياباً بسيطة و يمشي بتواضع حتى أن أكثر الناس لا يعرفونه . ذات يوم و عندما كان مالك يسير في الطريق ، كان أحد السفهاء يأكل تمراً و يرمي النوى هنا و هناك . و عندما مرّ مالك أمامه ، رماه بنواة في ظهره و راح يضحك عليه . فقال له رجل رآه : ـ ماذا تفعل ؟! هل تعرف مَن هذا الرجل ؟ أجاب : ـ كلاّ ، مَن هو ؟ ـ إنّه مالك الأشتر . كان مالك الأشتر قد مضى في طريقه ، لأن المؤمن لا يهتم لما يفعله السفهاء من الناس ، و تذكّر ما كان يفعله المشركون بسيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في مكّة عندما كانوا يلقون عليه التراب و القاذورات فلا يقول شيئاً . دخل مالك المسجد و راح يصلّي لله و يستغفر لذلك الشخص الذي رماه بالنواة . جاء الرجل مهرولاً و دخل المسجد و ألقى بنفسه على مالك يعتذر إليه و قال : ـ اعتذر إليك ممّا فعلت فاقبل عذري . أجاب مالك بابتسام : ـ لا عليك يا أخي ، و الله ما دخلت المسجد إلاّ لكي أُصلّي و استغفر لك . معركة صفين كان الإمام يختار الصالحين من أهل التقوى و الإدارة و الحزم ولاةً على المدن ، لهذا عيّن مالكاً الأشتر حاكماً على الموصل و سنجار و نصيبين و هيت و عانات ، و هي مناطق واقعة على حدود الشام . كان معاوية قد أعلن العصيان للخلافة و انفرد بحكم الشام . حاول الإمام إقناع معاوية بالطاعة فبعث برسائل عديدة و أوفد إليه من يتحدّث معه ، و لكن بلا فائدة . لهذا جهّز الإمام جيشاً و أسند قيادته إلى مالك الأشتر . زحف الجيش باتجاه الشام و وصل منطقة " قرقيسيا " فاصطدم بجيش الشام تحت قيادة " أبي الأعور السلمي " . حاول مالك الأشتر إقناع " قائد الجيش " بإنهاء التمرّد و الدخول في طاعة أمير المؤمنين الذي ارتضاه الناس خليفة لهم فرفض ذلك . و في الليل ، انتهز جيش الشام الفرصة و قام بهجوم دون سابق انذار ، و كان هذا العمل مخالفاً للشريعة و الأخلاق لأنّه غدر . قاوم جيش الخلافة الهجوم المباغت و كبّد المهاجمين العديد من القتلى و أجبره على الإنسحاب إلى مواقعه . و مرّة اُخرى تجلّت فروسية مالك الأشتر ، فارسل إلى " أبي الأعور " مبعثواً يدعوه للمبارزة . قال الرسول : ـ يا أبا الأعور إن مالك الأشتر يدعوك للمبارزة . جبن قائد جيش معاوية و قال : ـ لا أُريد مبارزته . وصلت إمدادات كبيرة بقيادة معاوية ملتحقة بجيش الشام . و تقابل الجيشان في سهل " صفين " على ضفاف نهر الفرات . احتلّت قطعات من جيش معاوية الشواطئ و فرضت حصاراً على النهر . كان هذا العمل أيضاً مخالفاً للشريعة الإسلامية و لتقاليد الحروب . بعث الإمام أحد صحابة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) و هو " صعصعة بن صوحان " للتفاوض : دخل صعصعة خيمة معاوية و قال : ـ يا معاوية إن عليّاً يقول : دعونا نأخذ حاجتنا من الماء حتى ننظر فيما بيننا و بينكم ، و إلاّ تقاتلنا حتى يكون الغالب هو الشارب . سكت معاوية و قال : ـ سوف يأتيك ردّي فيما بعد . خرج مبعوث الإمام ، و استشار معاوية رجال فقال الوليد بحقد : ـ امنع الماء منهم ، حتى يضطروا للاستسلام . و حظي هذا الرأي بتأييد كامل . لقد جمع معاوية حوله كلّ الأشرار الذين لا يعرفونه حرمة للدين و الإنسانية . كان مالك الأشتر يراقب ما يجري على الشواطئ فشاهد وصول تعزيزات عسكرية ، فأدرك أن معاوية يفكِّر بتشديد الحصار . شعر جنود الإمام بالعطش ، و كان مالك عطشان أيضاً ، فقال له جندي : ـ في قربتي ماء قليل اشربه . رفض مالك ذلك و قال : ـ كلاّ حتى يشرب جميع الجنود . ذهب مالك إلى الإمام و قال : ـ يا أمير المؤمنين ان جنودنا يصرعهم العطش و لم يبق أمامنا سوى القتال . أجاب الإمام : أجل لقد أعذر من أنذر . و خطب الإمام في الجنود و حثّهم على الاستبسال قائلاً : ـ الموت في حياتكم مقهورين . و الحياة في موتكم قاهرين . ![]() و انّ الحياة في أن يموت المرء شهيداً . و قاد مالك الأشتر أوّل هجوم في حرب صفين و راح يقاتل ببسالة و يتقدّم باتجاه شواطئ الفرات . و بعد اشتباكات عنيفة تمّ تحرير ضفاف النهر و إجبار جيش معاوية على الإنسحاب . أصبح جيش معاوية بعيداً عن المياه ، و لهذا فكّر في حيلة لاستعادة مواقعه على نهر الفرات . و في اليوم التالي سقط سهم بين جنود الإمام و كان في السهم رسالة ، قرأها الجنود باهتمام . و انتقلت الرسالة بين الجنود بسرعة و انتشر الخبر : " من أخ ناصح لكم في جيش الشام : ان معاوية يريد أن يفتح عليكم النهر و يغرقكم ، فاحذروا " . و صدّق الجنود ما ورد في تلك الرسالة فانسحبوا و انتهز جيش الشام الفرصة فأعاد احتلاله للشواطئ مرّة اُخرى . غير أن جيش الإمام شن هجوماً كاسحاً و حرّر المنطقة من قبضة الاحتلال . شعر معاوية بالقلق ، فسأل عمرو بن العاص : ـ هل تظنّ ان عليّاً سيمنع علينا الماء ؟ أجاب عمرو بن العاص : ـ إن عليّاً لا يفعل مثلما تفعل أنت . كان جنود الشام يشعرون بالقلق أيضاً . و لكن سرعان ما وصلت الأخبار بأن الإمام عليّاً سمح لهم بورود النهر و ترك لهم مساحة من الشواطئ كافية . أدرك بعض أهل الشام الفرق بين معاوية و علي ، فمعاوية يفعل كلّ شيء من أجل أن ينتصر ، أمّا علي فلا يفكّر في ذلك ، إنّه يسير في ضوء المُثل و الأخلاق الإنسانية . لهذا تسلل بعض الجنود ليلاً و انتقلوا إلى جبهة علي لأنّها تُمثّل الحقّ و الإنسانية . معاوية كان معاوية يشعر بالقلق من وجود مالك الأشتر ، لأن شجاعته و بسالته في القتال ألهب الحماس في جيش علي و بثت الذعر في جنود الشام . فكّر معاوية في القضاء عليه عن طريق المبارزة الفردية ، فعرض الأمر على مروان ، و لكن مروان كان يخاف من مالك فاعتذر إلى معاوية و قال : ـ لماذا لا تكلّف " ابن العاص " بذلك فهو ساعدك الأيمن . عرض معاوية اقتراحه على عمرو بن العاص فاضطر لقبوله . خرج ابن العاص يطلب مبارزة الأشتر . تقدّم مالك نحوه و بيده رمحه ، و لم يترك له فرصة للدفاع فسدّد له ضربة عنيفة جرحت قسماً من وجهه فلاذ عمرو بن العاص بالفرار . استشهاد عمّار تصاعدت حدّة الاشتباكات و كان عمّار يقود الجناح الأيسر من جيش الإمام ، و يقاتل ببسالة رغم شيخوخته . و عندما جنحت الشمس للمغيب طلب عمّار رضي الله عنه شيئاً يفطر به لأنّه كان صائماً . أحضر أحد الجنود إناءً مليئاً باللبن و قدّمه إليه ، استبشر عمّار بذلك و قال : ـ ربّما أُرزق الشهادة هذه الليلة فقد قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ، و آخر شرابك من الدنيا ضياح ( إناء ) من لبن . أفطر الصحابي الجليل و تقدّم إلى ساحات القتال بقلبٍ عامر بالإيمان و ظلّ يقاتل حتى هوى على الأرض شهيداً . جاء الإمام و جلس قرب الشهيد و قال بحزن : ـ رحم الله عمّاراً يوم أسلم ، و رحم الله عمّاراً يوم استشهد ، و رحم الله عمّاراً يوم يبعث حيّاً . هنيئاً لك يا عمّار . كان لإستشهاد عمّار بن ياسر في ساحة الحرب أثره في سير المعارك ، فقد ارتفعت معنويات جيش الإمام فيما انخفضت لدى جنود معاوية ، لأن المسلمين جميعاً يحفظون حديث سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) لعمّار بن ياسر : " يا عمّار تقتلك الفئة الباغية " أي المعتدية . و أدرك الجميع ان معاوية و جنوده هم المعتدون و انّ علياً و أصحابه على الحقّ . لهذا تصاعدت حدّة الحملات الهجومية في جبهة الإمام ، و راح معاوية و جيشه يستعدّون للهزيمة . حيلة جديدة فكّر معاوية بحيلة جديدة يخدع بها جيش الإمام ، فاستشار " عمرو بن العاص " . قال عمرو بن العاص : ـ أرى أن نخدعهم بالقرآن . نقول لهم : بيننا و بينكم كتاب الله . فرح معاوية لهذه الحيلة و أمر برفع المصاحف على الرماح . عندما شاهد جنود الإمام المصاحف ، فكّروا في إيقاف الحرب ، و بذلك انطلت الحيلة على كثير من الجنود . قال الإمام : انّها مكيدة . أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله و أوّل من أجاب إليه . انّهم عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده . و لكن عشرين ألفاً من الجنود عصوا أمر الإمام و قالوا : ـ اصدر أمرك بايقاف القتال و قل للأشتر ينسحب . أرسل الإمام أحد الجنود إلى مالك الأشتر يأمره بايقاف العمليات الحربية . استمر مالك الأشتر في القتال و قال : ـ ما هي إلاّ لحظات و نحرز النصر النهائي . قال الجندي : ـ و لكن الإمام محاصر بعشرين ألف من المتمرّدين و هم يهددون بقتله إذا لم توقف القتال . اضطر مالك الأشتر للإنسحاب و قال : ـ لا حول و لا قوّة إلاّ بالله . التحكيم كان مالك الأشتر يدرك أن ما قام به معاوية هو مجرّد حيلة ، و لكنه انصاع لأمر الإمام حتى لا تحدث الفتنة ، فكان قائداً شجاعاً و جندياً مطيعاً . توقفت المعارك و اتفق الطرفان على الاحتكام إلى كتاب الله . فأرسل معاوية عمرو بن العاص ممثّلاً عنه في المفاوضات . و أراد الإمام أن يختار رجلاً عاقلاً فطناً عالماً بكتاب الله فاختار عبد الله بن عباس حبر الاُمّة . و لكن المتمرّدين رفضوا ذلك مرّة اُخرى و قالوا : نختار " أبا موسى الأشعري " . فقال الإمام ( عليه السَّلام ) ناصحاً : ـ أنا لا أرضى به ، و عبد الله بن عباس أجدر منه . رفض المتمردون ذلك فقال الإمام : ـ إذن اختار الأشتر . فرفضوا أيضاً و أصرّوا على " أبي موسى الأشعري " . و حتى لا تحدث الفتنة قال الإمام : ـ اصنعوا ما شئتم . و هكذا اجتمع الممثلان للمفاوضات . فكّر عمرو بن العاص أن يخدع " الأشعري " فقال له : ـ يا أبا موسى إن سبب الفتنة وجود معاوية و علي ، فتعال لنخلعهما عن الخلافة و نختار رجلاً آخر . كان " الأشعري " لا يحبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فرحّب بالفكرة ، فقال أمام الجميع : ـ إنّني أخلع عليّاً عن الخلافة كما أخلع خاتمي من يدي . ثم نزع خاتمه . و هنا قال عمرو بن العاص بخبث : ـ أما أنا فأُثبّت معاوية في الخلافة كما أُثبّت خاتمي في يدي . ثم لبس خاتمه . شعر المتمرّدون بالندم ، و بدل أن يتوبوا و يعودوا إلى طاعة أمير المؤمنين فإنّهم طلبوا من الإمام أن يتوب و يعلن الحرب . و لكن الإمام كان إنساناً يحترم العهود و المواثيق و قد اتّفق على الهدنة و إيقاف القتال لمدّة سنة . طلب الإمام منهم أن يصبروا هذه المدّة و لكنهم عصوا أوامره أيضاً و خرجوا على طاعة الإمام لهذا سمّوا ب " الخوارج " . مصر فكّر معاوية أن يستولي على مصر ، فأرسل جيشاً كبيراً لاحتلالها . كان الوالي على مصر محمّد بن أبي بكر " الخليفة الأوّل " . أرسل الوالي يطلب الإمدادات العسكرية بأقصى سرعة قبل أن تسقط مصر بأيدي الغزاة . فأرسل الإمام مالكاً الأشتر و قال له : ـ توجّه إلى مصر رحمك الله ، و لست أوصيك بشيء لأنني أكتفي برأيك . استعن بالله . استعمل اللين في مواضعه و الشدّة في مواضعها . و انطلق الأشتر إلى مصر . السمّ و العسل شعر معاوية بالقلق فهو يدرك ان وصول مالك الأشتر إلى مصر يعني إنقاذها ، لهذا فكّر بقتله . ![]() و كان معاوية يستورد هذه السموم من القسطنطنية ، و كان الروم يسمحون بتصديرها لأنّهم يعرفون ان معاوية يستخدمها لقتل المسلمين . قال عمرو بن العاص : ـ انّي أعرف رجلاً يسكن مدينة القلزم على حدود مصر و هو يملك أراضٍ واسعة و لابدّ أن يمرّ الأشتر في هذه المدينة و يتوقّف فيها للإستراحة . قال معاوية : ـ إذن اتصل به و اخبره إذا تمكّن من اغتيال الأشتر فسنعفيه من دفع الضرائب مدى الحياة . و هكذا انطلق مبعوث معاوية على وجه السرعة ، و أخذ معه العسل المسموم ليتصل بذلك الرجل و يقنعه بهذه المهمّة . الشهادة وافق الرجل على اقتراح معاوية و أخذ الخليط القاتل ، يترقّب وصول مالك الأشتر . و بعد أيام قليلة وصل مالك مدينة القلزم . دعا الرجل والي مصر الجديد لأن يحلّ ضيفاً في منزله . لبّى مالك الأشتر الدعوة شاكراً . وضع الرجل إناء العسل المسموم في مائدة الطعام . و عندما تناول الضيف ملعقة واحدة شعر بألم شديد في أمعائه و أدرك المؤامرة ، فقال و هو يضع يده على بطنه : ـ بسم الله . . إنّا لله و إنّا إليه راجعون . و استقبل مالك الأشتر الموت بشجاعة المؤمن المطمئن الذي يعرف انّ طريقه هو طريق الإسلام و الجنّة . و عندما استشهد مالك الأشتر ، كاد معاوية أن يطير من الفرح و قال : ـ لقد كانت لعليّ بن أبي طالب يدان . قطعت إحداهما يوم صفين و هو عمّار بن ياسر . و قطعت الاُخرى اليوم و هو مالك الأشتر . أمّا أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) فقد شعر بالأسف العميق و قال بحزن : ـ رحم الله مالكاً . . فقد كان لي كما كنت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . أي ان مالكاً ( رضوان الله عليه ) كان يحبّ عليّاً و يطيعه كما كان عليّ ( عليه السَّلام ) يحبّ سيدنا محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) و يطيعه . و هكذا ختم مالك الأشتر ( رضوان الله عليه ) حياته الحافلة بالجهاد لتبقى سيرته المضيئة مثالاً لشباب الإسلام في كل مكان . |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|