اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
04-10-2010, 04:39 AM | #1 |
●• مشرفة سابقة •● قـمــري فـاطـمـة والــمـهـدي
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: عناية محمد وآله
المشاركات: 3,170
معدل تقييم المستوى: 355 |
حسن الظن بالله سبحانه والمؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج القائم المنتظر يارب العالمين. 3 3 3 حسن الظن بالله وسوء الظن به وفيما يرتبط بحسن الظن وسوء الظن، وباعتبار تعدد متعلقه من الله عز وجل والمؤمنين، فسنتناول كل واحد منهما بشكل مستقل ضمن محورين، وفيما يرتبط بالمحور الأول فقد وردت الكثير من الروايات الصادرة عن أهل البيت (ع) التي تحث على الأول وتحذر من الآخر. منها: ما راه الكليني بسند صحيح عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: «أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر». (الكافي ج2 ص72 ح3) أي إن كان ظنه بي خيرا فجزاؤه خير، وإن كان ظنه بي شرا فجزاؤه شر. وهذا الحديث يؤكد على وجود الارتباط بين الظن الذي يختاره العبد بالله مع الجزاء، وإن الأمر لا يتعدى الاختيار القلبي الذي يظهر أثره على المرء في عمله. ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: «أحسنوا الظن بالله، واعلموا أن للجنة ثمانية أبواب عرض كل باب منها مسيرة أربعين سنة». (الخصال ج2 ص408 ح7) والإمام الباقر (ع) يقرن بين حسن الظن ودخول الجنة، فسعة رحمة الله عز وجل والتعلق بها تفتح للإنسان أبواب الجنة على سعتها، فلا ينبغي والحال هذه أن يكون الإنسان سلبيا بالإعراض عنها. ومنها: ما رواه الكليني بسند صحيح (عند من يرى وثاقة وجلالة داود بن كثير الرقي ويعمل بخبره كما عليه العلامة الحلي والعلامة المامقاني والعلامة المجلسي والشيخ موسى الزنجاني والوحيد البهبهاني والسيد الخميني والسيد أحمد الخونساري والسيد محسن الحكيم وغيرهم كثير) عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر الباقر (ع)، قال: «قال رسول الله (ص): قال الله تبارك وتعالى: لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع درجاتي العلى في جواري، ولكن فبرحمتي فليثقوا، وبفضلي فليفرحوا، وإلى حسن ظني بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإني أنا الله الرحمن الرحيم، وبذلك تسميت». (الكافي ج2 ص72 ح4، ونص الحديث القدسي بالكامل مذكور في ج2 ص61 ح4) وهذا الحديث يسلط الضوء على نقطة مهمة في مسألة حسن الظن بالله، وهي أن حسن الظن لا يعني ترك العمل بل عدم الاتكال على العمل واعتبار العمل لوحده المنجي للإنسان والبالغ به عبادة الله ورضوانه، فحاجة الإنسان إلى رحمة الله وحسن ظنه بها أكثر من حاجته إلى عمله. ومنها: ما رواه الكليني بإسناده عن بعض أصحاب الإمام الكاظم (ع) أنه قال: «كنت وراء أبي الحسن موسى (ع) على الصفا أو على المروة، وهو لا يزيد على حرفين: "اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، وصدق النية في التوكل عليك". »(الكافي ج4 ص433 ح9) وفي الحديث تأكيد على أن المؤمن لا يستغني عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى في جميع حالاته، سواء عند نزول النعمة بأن يرجو استمرارها والمزيد منها، أو عند نزول المصيبة بأن يرجو زوالها وعدم حدوثها ثانية، وسواء عند ارتكاب الطاعة بأن يرجو من الله قبولها، أو عند ارتكاب المعصية بأن يستغفر الله ويرجو قبول توبته. ومنها: ما رواه الكليني بسند صحيح عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد بن معاوية، عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) قال: «وجدنا في كتاب علي (ع) أن رسول الله (ص) قال وهو على منبره: والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين. والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين. والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه». (الكافي ج2 ص71 ح2) والحديث الشريف يلغي مفهوم الفصل الذي يحاول أن يطرحه المتكاسلون وغير العاملين فيما يرتبط بحسن الظن بالله، فمن يرجو الله يضم إلى رجائه الأعمال الصالحة من حسن الخلق والكف عن اغتياب المؤمنين، ومن يسوء ظنه بالله فهو يضم إلى سوء ظنه التقصير وسوء الخلق واغتياب المؤمنين، وهي أعمال طالحة تبعث على سوء الظن بالله سبحانه وتعالى. ويقول العلامة المجلسي تعليقا على هذا الحديث: "قوله (ع) «إلا بحسن ظنه»: قيل: معناه حسن ظنه بالغفران إذا ظنه حين يستغفر، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب، وبالإجابة إذا ظنه حين يدعو، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي، لأن هذه الصفات لا تظهر إلا إذا حسن ظنه بالله تعالى، وكذلك تحسين الظن بقبول العمل عند فعله إياه، فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا بذلك موقنين بالإجابة بوعد الله الصادق، فإن الله تعالى وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة، وأما لو فعل هذه الأشياء وهو يظن أن لا يقبل ولا ينفعه فذلك قنوط من رحمة الله تعالى، والقنوط كبيرة مهلكة". (مرآة العقول ج8 ص44) ومنها: ما رواه الكليني بسند صحيح عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن حريز، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (ع) قال: «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله». (الكافي ج5 ص330 ح1) وذلك أن ترك التزويج هو أثر عملي فمترتب على خوف الفقر، وهو يفصح عن توقع التارك عدم نزول رحمة الله عليه، ولا يراد من سوء الظن سوى هذا المعنى. معنى حسن الظن بالله وفي ضوء ما تقدم من روايات اتضحت ملامح مفهوم حسن الظن بالله وسوء الظن به، ويعزز هذا المفهوم بعض الروايات الصريحة في هذا الصدد، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك». (الكافي ج2 ص72 ح4) قال العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث: "فيه إشارة إلى أن حسن الظن بالله ليس معناه ومقتضاه ترك العمل والاجتراء على المعاصي اتكالا على رحمة الله بل معناه أنه مع العمل لا يتكل على عمله، وإنما يرجو قبوله من فضله وكرمه، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله لا من ربه، فحسن الظن لا ينافي الخوف، بل لابد من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظن". (مرآة العقول ج8 ص45) وقال في شرح حديث آخر: "وأما ظن المغفرة مع الإصرار (أي على الذنب) وظن الثواب مع ترك الأعمال فهذا جهل وغرور يجر إلى مذهب المرجئة". (المصدر السابق ص44) وبناء عليه فمن حسن ظنه بالله فقد دعاه ذلك إلى حسن العمل، كما أن حسن الظن بالله لا يقتصر على حسن الظن برحمته بل حسن الظن بكل ما يرتبط بالله عز وجل، سواء برحمته أم بقدره أم بتدبيره. حسن الظن الكاذب خير من سوء الظن بالرغم من أن الظن الصادق بالله عز وجل يلازم العمل ولا ينفيه، وأن التارك للعمل والمتهاون فيه إن أحسن الظن برحمة ربه لايكون قد صدق مع ربه في حسن الظن به، غير أن رحمة الله لما كانت واسعة جدا فإنه يرجى منها مع كذب الإنسان في حسن الظن (حيث أنه لم يعمل بما يقتضيه حسن الظن من أداء الأعمال) أن تشمله، وقد روى البرقي بسند صحيح عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «يؤتى بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه فيقول الله تعالى له: ألم آمرك بطاعتي؟ ألم أنهك عن معصيتي؟ فيقول: بلى يا رب، ولكن غلبت علي شهوتي، فإن تعذبني فبذنبي لم تظلمني، فيأمر الله به إلى النار، فيقول: ما كان هذا ظني بك، فيقول: ما كان ظنك بي؟ قال: كان ظني بك أحسن الظن، فيأمر الله به إلى الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى: لقد نفعك حسن ظنك بي الساعة». (المحاسن ج1 ص94 ح4، كتاب ثواب الأعمال، باب ثواب حسن الظن بالله، عنه وسائل الشيعة ج15 ص232 ح9 ط آل البيت، والبحار ج7 ص288 ح4) وروى الشيخ الصدوق حديثا مقاربا للحديث السابق في المضمون فقد روى بسند صحيح عن أبيه، قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فيلتفت، فيقول الله جل جلاله: أعجلوه، فإذ أتي به قال له: عبدي لم التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول الله جل جلاله: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتدخلني جنتك، فيقول الله: ملائكتي، وعزتي وجلالي وبلائي وارتفاع مكاني (أي وعظمة مقامي ومنزلتي)، ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيرا قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيرا ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة. ثم قال أبو عبد الله (ع): ما ظن عبد بالله خيرا إلا كان عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل:» ﴿ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ﴾ (فصلت /23). (ثواب الأعمال ص173 ثواب حسن الظن بالله عز وجل) ويلاحظ في هذا الحديث أن الله عز وجل يعتبر هذا العبد كاذبا في دعواه حسن الظن به، وأنه لم يكن ممن أحسن ظنه بالله في الدنيا من قبل ولو أنه فعل ذلك لما أمر به إلى النار، ولكن حيث أنه الآن مدع لذلك ولأن التعلق برحمة الله حتى من خلال الادعاء أمر محبوب عند الله، فقد أمر بأن يدخل عبده الجنة. كما يلاحظ أن هذا العبد هو آخر من سيدخل النار في يوم الحساب العسير والطويل مع ما فيه من أهوال، وقد يكون ذلك سببا آخر لاستحقاقه النجاة من عقوبة النار. كيف يمتدح حسن الظن بالله؟ وهنا سؤال وارد (بناء على ما ذكرته في أول الخطبة بأن الظن أمر مذموم في مقابل اليقين الممدوح) وهو: كيف يكون الظن الحسن بالله ممدوحا مع أنه فرد من أفراد الظن، والظن بشكل عام مذموم؟ والجواب: إن الظن في الروايات الواردة حول حسن الظن بالله إما أن يحمل على اليقين وبالتالي لا يكون من أفراد الظن (فهو خارج عنه تخصصا) وإما أن يحمل على ظاهره ولكن الشارع وعبر الروايات الصحيحة استثنى هذا الفرد كما استثني بعض الأفراد من العام فيكون خروجه منها من باب التخصيص، وسر هذا الخروج لما ذكر قبل قليل من أن الله عز وجل يحب أن يتعلق العبد برجاء رحمته، إذ أن رحمته وسعت كل شيء وهي قد سبقت غضبه، والتعلق بهذا الأمل والرجاء يبعد الإنسان عن القنوط ويبعث على تحركه نحو تلك الرحمة. المحور الثاني: حسن الظن بالمؤمنين وسوء الظن بهم يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ﴾(الحجرات / 12)، ولابد من التعرض للآية بشكل موجز بنقل ما قاله العلماء والمفسرون من الشيعة الإمامية. قوله تعالى: ﴿ اجتنبوا ﴾أي كونوا على جانب منه، أي ابتعدوا عنه. وقوله: ﴿ كثيرا من الظن ﴾اختلف في الظن المنهي عنه، فذهب السيد الخوئي والميرزا التبريزي إلى أن المقصود به: "كل ظن لم يقم على اعتباره دليل معتبر" (صراط النجاة ج3 ص313)، في مقابل الظن الذي قام الدليل على اعتباره كالدليل القائم على حجية خبر الواحد. وبناء على هذا الرأي فإن سوء الظن يكون أحد أفراد هذا الظن المنهي عنه، وله أفراد أخرى كالقياس والاستحسان مثلا. ويظهر من كلام الشيخ الطوسي أنه يتبنى هذا الرأي فقال: "وإنما قال ﴿ كثيرا ﴾لأن في جملته ما يجب العمل عليه ولا يجوز مخالفته، وقوله ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ فالظن الذي يكون إثما إنما هو ما يفعله صاحبه وله طريق إلى العلم بدلا منه مما يعمل عليه، فهذا ظن محرم لا يجوز فعله، فأما ما لا سبيل له إلى دفعه بالعلم بدلا منه فليس بإثم، فلذلك كان بعض الظن إثم دون جميعه". (التبيان ج9 ص249) وذهب العلامة الطباطبائي إلى أن المراد به خصوص ظن السوء، في مقابل ظن الخير فإنه مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى في سورة النور الآية 12: ﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ﴾. والمراد بالاجتناب عن الظن – وكما يقول العلامة الطباطبائي - الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كأن يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره، وأما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي، اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا. وعلى هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة. (الميزان ج18 ص323) سؤال حول آية ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ قد يطرح سؤال مهم هنا وهو: إن كان المأمور بالاجتناب عنه هو سوء الظن فما معنى أن تأتي الجملة التالية في الآية وهي قوله عز وجل: ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ ، فهل يعني هذا أن بعض سوء الظن فيه إثم واستحقاق العقاب وبعضه ليس فيه الإثم واستحقاق العقاب؟ وفي الجواب يقال: إما أن نقول أن المقصود من الكثير هو نفسه البعض ولا مانع أن يكون البعض كثيرا، وعلى هذا فالمحرم في الفقرتين واحد ولا تخالف بينهما. وبناء على هذا الاحتمال يطرح سؤال آخر: إن كان المقصود من الظن هو سوء الظن فلماذا توجه النهي نحو ﴿ كثيرا من الظن ﴾ ولم يتوجه إلى كل الظن، فهل هناك من غير الكثير من الظن ما لايكون فيه إثم وعقاب؟ ويقال في الجواب: قد جيء بكلمة كثيرا بصيغة النكرة الدالة على الكثرة ليدل على كثرة الظن في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن السوء حتى يقال أن هناك ظن سوء لا يندرج تحت الكثير منه، فالمقصود من الآية أن أفراد سوء الظن كثيرة في حد ذاتها. وإما أن نقول أن الكثير ليس هو البعض حيث أن الظاهر من الآية الكريمة وجود الفرق بين بعض الظن وكثيره من جهة المقدار، وهنا قد يبدو الإشكال أصعب؟ ولكن يقال في الجواب أن الكثير من سوء الظن بجميع أفراده محرم، وذلك لوجود المفسدة الحاصلة في بعض أفراده، لأن الفرد قد يظن سوءا بشخص من دون أن يكون لديه يقين وعلم بما ظن فيه، ويرتب الأثر على سوء ظنه، وبعد مدة من الزمن يتبين له أن ما ظنه كان هو الواقع، ومن ثم ليس كل سوء ظن قد تترتب عليه المفسدة، ولكن حيث أن بعض أفراد سوء الظن فيه مفسدة قطعية ومخالفة للواقع ولذا توجه التحريم لجميع أفراد سوء الظن احترازا عن الوقوع في الفرد الذي فيه المفسدة، أي أنه بناء على هذا الاحتمال يحصل تصرف في معنى الإثم في قوله: ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ فلا يحمل على العقاب بل على معنى المفسدة الواقعية، ومن ثم لا يكون أي تناقض بين القول بحرمة الكثير من الظن والقول أن بعض أفراد الظن فيه مفسدة لأنه بمنزلة القول أحرم عليك كثيرا من الظنون لأن في بعضها مفسدة واقعية. الروايات تعضد القرآن في حرمة سوء الظن ومضافا إلى دلالة الآية المباركة على حرمة سوء الظن إما على نحو كونه هو المراد من الظن أو كونه أحد أفراد الظن المنهي عنه، فقد عضدت أحاديث العترة الطاهرة تلك الحرمة. ومن جملتها: ما رواه الحميري بسند صحيح عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب، وكونوا إخوانا في الله كما أمركم، لا تتنافروا ولا تتجسسوا ولا تتفاحشوا، ولا يغتب بعضكم بعضا، ولا تتنازعوا ولا تتباغضوا ولا تتدابروا ولا تتحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب اليابس». (قرب الإسناد ص29 ح94 تحقيق وطبع: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، عنه وسائل الشيعة ج27 ص59 ح24، والبحار ج72 ح195 ح8). والظاهر من الحديث بقرينة ضم الأمر بالأخوة والنهي عن التجسس والتنافر والتباغض والتنازع والتدابر والتفاحش أن الظن المنهي عنه من شاكلته أيضا أي من الأمور المرتبطة بعلاقات المؤمنين مع بعضهم، فيحمل على سوء الظن بالمؤمنين، وعلى أقل تقدير فإن سوء الظن بالمؤمن منهي عنه أيضا لأنه من أفراد الظن بلا شك وريب. ومن جملتها أيضا: حديث الأربعمائة المروي بسند صحيح على رأي السيد الخوئي والشيخ المامقاني والوحيد البهباني (في القاسم بن يحيى والحسن بن راشد)، فقد قال الشيخ الصدوق: حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (ع) قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين (ع) علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ومن جملتها قوله (ع): «اطرحوا سوء الظن بينكم فإن الله عز وجل نهى عن ذلك». (الخصال ص610، 624) ومن جملتها: ما رواه الكليني عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه» (أي حتى يأتي اليقين الذي تتحقق به الغلبة والعلم بأمر أخيك سواء كان المنكشف بالعلم هو المحمود من أمر أخيك أو المذموم منه)«، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا». (الكافي ج2 ص161 ح3، عنه البحار ج72 ح21) حسن الظن بالمؤمن والعمل بالظن قد يقول البعض: إن من المقبول للمرء أن يفهم سر النهي عن سوء الظن باعتبار أن الظان لا يقين لديه ولا علم، ومن المذموم أن يسير الإنسان خلف ما ليس بعلم لأنه لايضمن الوصول للواقع والحقيقة التي ينشدها، ولكن ما بال بعض الروايات تدعو الإنسان إلى حسن الظن بالمؤمن ؟ أليس حسن الظن به من موارد الظن أيضا وينبغي بالتالي أن تكون مشمولة بالنهي؟ وفي الجواب يمكن القول أن حسن الظن بالمؤمن لن تترتب عليه آثار محرمة بخلاف سوء الظن به، فمن يظن سوءا بمؤمن يهينه أو يهجره أو يسيء إليه في التعامل أو يتجسس عليه أو يغتابه وغير ذلك من نتائج محرمة على سوء الظن، وكذلك من يظن ظنا غير معتبر بالحكم الشرعي فإنه يرتكب محرما كبيرا وهو نسبة حكم إلى الله عز وجل من غير دليل، أما من يحسن الظن بالمؤمن فإنه لن تترتب آثار محرمة على حسن ظنه بل هو سيستمر فيما كان عليه سابقا من الإحسان إليه وحسن الخلق معه وتوقيره، فالفارق أن أحد الظنين يقود إلى الحرام بخلاف الآخر، ولم يثبت ولم يدع أحد من الفقهاء أن المؤمن إذا عمل بأي ظن حتى في المباحات وأمور الدنيا فقد ارتكب الحرام كمن ظن أن الكنز في هذا المكان فحفره أو ظن أنه سيجد السلعة المعينة إذا ذهب إلى هذا المتجر. 3 3 3 نسألكم الدعاء
__________________
المهـدي تـاج رأسي
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|