كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 02-01-2013, 11:41 AM   #1
فرقان
♣ مشرفة سابقة♣
 
الصورة الرمزية فرقان
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: البحرين
المشاركات: 1,793
معدل تقييم المستوى: 645
فرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond repute
12862179003 أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) في وجدان الإسلام


عندما تكون الذكرى عظيمة بأهدافها السامية، يكون أثرها في العمق النفسي متناسباً مع عظمتها.. وكلّما تتكرر يتجسد حدثها وكأنه ولد من جديد، لأن رافدها الحق، ورحمها الحقيقة، ولأن الهالة التي تحيط بعظمتها دائمة التوهج، لا تنقطع عن بثِّ سناها.
وفي مثل هكذا ذكرى من المؤكّد أن الوجدان الأصيل يحتوي صداها بشغف، لأنه مدين لها بالإيقاظ والاستنهاض.. ويتفاعل مع شعائرها، لأنها أشبعته بروافد الحرية ونسائم الكرامة.. وكيف لا يهتزّ وينحني لقدسيتها وقد زرع وغرس عظمتها سيّد شباب أهل الجنة في يومٍ دامٍ، شهد فيه التاريخ نهضة فاعلة وميدانية ضد الباطل، لإيقاظ ضمائر الناس وتحريك مشاعرهم وأحاسيسهم.
ولاشكّ في أن تحريك تلك الضمائر شبه الميتة، والعمل من أجل إعلاء كلمة الحق وردم بؤر الباطل يحتاج إلى فدية ضخمة وكان(عليه السلام) يعلم أنه الوحيد الذي يملك أن يتقدم لتحقيق ذلك لأن الحقيقة تقول: (من كان أكثر وعياً كان أكثر مسؤولية).
إنّ البعد الوجداني الذي اصطلح عليه البعد الرابع في هذا الموضوع الجهادي العظيم يكاد يطغى على كل الأبعاد الأُخَر في ملحمة عاشوراء، لأن نبض الإنسانية مرتبط بحكم التداخلات السايكولوجية المودعة في أعماق النفس، فكل شريان ينزف بسبب اختراق صادر من ظالم فاسق ضد إنسان نقي، تبكي عليه الإنسانية وتندبه، فكيف حال الإنسانية مع أطفال وفتيان وكهول كانوا كالكواكب تمشي على الأرض يسري في عروقهم نور النبوّة وإشراقة الإمامة فإذا بهم يهوون سراعاً بسيوف أراذل الأرض وفُسّاقها في ظهيرة يومٍ ليس كمثله يوم.
إن خلود ذكرى أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) في وجدان الإسلام كانت تحصيل مراحل اجتازها الإمام ابتداءً من البعد الأوّل لنهضته الخالدة وهو بُعْدُ الارتباط بالله تعالى، ذلك البعد المقدّس المُداف بلحمه ودمه(عليه السلام) تحقيقاً لأهداف إلهية، سبق أن أشار إليها جده المصطفى(صلى الله عليه وآله) يوم قال: (حسين مني وأنا من حسين) وهو النبي المرسل الذي(لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى).
ومن ثم مرحلة البعد الثاني وهو البعد الإنساني الذي تفاعل الحسين(عليه السلام) مع أجوائه من خلال خطبه وكلماته التي أكّد فيها قضية رفض الظلم أينما وجد كقوله(عليه السلام) عند لقائه الحر بن يزيد الرياحي: (ألا وإن هؤلاء لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله).
إن الحسين(عليه السلام) كان يركّز على الظلم والجور الذي كان يمارسه يزيد تجاه المسلمين وتجاهه بشكل خاص، وكذلك قضايا الحرمان والاستضعاف لذا فإن البعد الثاني المذكور كان بعداً إنسانياً مطروحاً في تحرُّكِهِ(عليه السلام).
أمّا البعد الثالث وهو التخطيط الكامل للتحرك.. البعد الذي أفضى في محصلته إلى تعرية بني أمية وكشف حقيقتهم، وقد تجسّد ذلك قبل المعركة وبعدها، أضف إلى أن التخطيط الهادف لتبصير الناس بما يحيطهم من ضلال، يترك آثاراً نفسية وسياسية واجتماعية على مجمل الأوضاع العامة للمسلمين، وهذا ما كان يستهدفه الإمام(عليه السلام) في كل خطوة خطاها. لذا كان وراء إقدامه تخطيط محكم وفي غاية الدقة، من أجل تفعيل أهداف النهضة قولاً وفعلاً، لأنه لو أخذ برأي الناصحين له بالجلوس في بيته وعدم التوجه إلى العراق، لأعطى حكومة يزيد الفاجر صفة الشرعية ولأنه(عليه السلام) كان عارفاً بأن بقاءه سيؤول إلى القتل أيضاً ولكنه ما أراد قتلاً بصورة أو حالة لا تضخّ وقوداً متجدّداً لديمومة الرسالة المحمّدية كالتي ضخّتها معركة الطف بمشاهدها وأحداثها الأليمة..
إن كل من فكّر ويفكّر على مرّ الأيام والسنين في هكذا تخطيط بعيد المدى، وما آلت إليه النتائج من انتصار الدم على السيف قد أصبح متيقناً كل اليقين بأن الحسين(عليه السلام) إنما هو للإنسانية جمعاء، ولاشكّ في أن هكذا يقين لابدّ أن يحتلّ في الوجدان مكاناً لا يبرحه بفضل ما بثّته نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) من ومضات فاعلة للإيقاظ والتبصير وعدم التراجع.
ولاشكّ في أن الأبعاد الثلاثة قد تداخلت، ليولد البعد الرابع الذي هو البعد الوجداني الباقي إلى يومنا هذا يستنهض الهمم ضد البغي والطغيان ويُبكي القلوب قبل العيون لعِظم المأساة التي اتخذت لها في سويداء القلوب مشاعلاً دائمة, فكل موقف دامٍ أفرزته واقعة الطف في كل لحظاتها هو خالد في وجدان الإسلام، وحتى في وجدان الكثير من غير المسلمين والشواهد على ذلك كثيرة.
أما موضوع أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) فلأنّ مراسيمها تُؤدّى من قبل الموالين منذ زمن بعيد؛ فإن مدى الأثر الوجداني هو أثر ذو نتائج خاصة بهم وذو سمة لا تفارقهم, فإذا كانت ذكرى الاستشهاد قد تركت في الوجدان العام مواجع تنكأ في أيام عاشوراء فإن مواجع المتفانين في حب الحسين(عليه السلام) تظل بطبيعتها تنكأ في كل أيام حياتهم وهذا يعني أن لهيب وجدانهم في ذكرى الأربعينية قد سُجّل ويُسَجّل أعلى نسب التفاعل مع الحدث.
إن أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) ذات سمة خاصة انقطعت عن كل ما سبقها من عادات وتقاليد، وقد تجلّى ذلك في التوقيت الزمني الذي حصل دون قصد أو تخطيط مسبق، لأن أوامر سير وتوقف الركب الحسيني كانت تصدر عن أعوان يزيد؛ لذا فالتوقيت الذي نحن بصدده قد أفضى أخيراً إلى أن يحطّ عيال الحسين رحالهم مرة أخرى في أرض كربلاء بعد خروجهم من الشام ليتزامن وقوفهم على قبر الحسين وقبور الشهداء(عليه وعليهم السلام جميعاً) في يوم يحمل الرقم (أربعين) وقد أكّدت أمهات المصادر وأوثق الروايات تزامن الرقم أربعين مع عودة السبايا الى كربلاء ففي كتاب(لواعج الأشجان) وفي(مقتل الحسين) للسيد المقرّم ما نصّه:
(وبعد زوال يوم الثاني عشر من محرم سار ابن سعد بالسبايا إلى الكوفة)، ونقل الفاضل الدربندي أن يوم(الثالث عشر) من محرم دخلت السبايا الكوفة وفي(الرابع عشر) منه أُدخلت السبايا في القصر على ابن زياد ولم يمكثوا أكثر من أسبوع في الكوفة وأمّا الطريق إلى الشام فكان يستغرق شهراً للإبل ذوات الصبر والقوة ولكن الحداة الغلاظ أرهقوا قدرتها فقطعت المسافة في عشرة أيام، وقال المازندراني في معالي السبطين: (ودخلت الرؤوس والسبايا إلى دمشق يوم الجمعة أول صفر سنة 61هـ وهو يوم عيد عند بني أمية ثم أمر يزيد بالسبايا ووضعهم في خربة قرب باب الفراديس وباتوا فيها ثلاثة أيام.
وروى الشبراوي في(الإتحاف) أن رأس الحسين(عليه السلام) أُعيد إلى جسده الشريف بعد أربعين يوماً وأكّد ذلك الشريف المرتضى في مسائله وابن طاووس في(الملهوف على قتلى الطفوف) وابن حجر في(شرح همزية البوصيري). وهناك أكثر من رواية تقول أن يزيد سلّم رؤوس الشهداء إلى الإمام السجاد(عليه السلام) فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر، ومنذ ذلك التوثيق التأريخي بدأ الشيعة في كل مكان يحيون ذكرى أربعينية سيد الشهداء ويقيمون لموتاهم الأربعينية تيمّناً بذلك.
وقد يقول قائل: إن ذكرى الأربعينية من الممكن أن تُقام مراسيمها في أماكن تعزية معينة دون الحاجة إلى أن يَشدَّ الرحال آلاف الرجال والنساء سيراً على الأقدام صوب كربلاء بالذات، كما من حق القائل أن يعرف ماذا يقف وراء هذا الدافع المليوني في كل عام..؟
لاشكّ في أن التوغل اللامحدود لألم الذكرى في العمق الوجداني لم يكتفِ بتفعيل التعبير عن الحزن والأسى تفعيلاً نظرياً وفي أماكن خاصة بعيدة عن كربلاء وإنما قاده الجرح المكلوم إلى تفعيل التعبير تفعيلاً ميدانياً وعملياً، لا بدعة ولا تطرّفاً كما يتقوّل من لم يعِ معنى توجّع الإنسانية، وفعلاً قد تجسد ذلك التعبير العملي دون تصنّع أو تكلّف، ودون إيعاز مكره أو أوامر قسرية من جهات سلطوية، لأن حقيقة ذلك التعبير قد أفصحت بأن ارتباط الدافع النفسي بالمسير مشدود بمنظر الركب الحسيني الحزين يوم كان يسير عبر الفيافي والقفار، عائداً من الشام إلى كربلاء في التوقيت الزمني الأربعيني الذي مرّ ذكره.. وفي ضوء ذلك لم يطق الوجدان صبراً في كل زمان إلا أن يواسي ويحيي هيأة مسير العيال إحياءً فاعلاً على أرض الواقع، اقتداءً بمبدئية القول والفعل لسيد الشهداء(عليه السلام) ليُعلِن للعالم عن سرّ هذا التجمع المليوني..
والآن قد أصبح واضحاً بحكم ما أقرّته طبيعة الأحداث والمواقف وما استوعبته المشاعر، إن الشيعة ساروا ويسيرون صوب كعبة الأحزان، لأن عيال الحسين(عليه السلام) ساروا مسيراً يحمل الكثير من النتائج والأهداف، فلماذا وقف ويقف الوجدان وراء كل حركة أو خطوة في ذلك التوجه..؟
من الشائع في السياق الاجتماعي العام أن ما يثير المشاعر ألماً هو تفعيل سلوكيات ظالمة تنتج عنها صرخة مظلوم ضاع حقه، أما أشد ما يلهب المشاعر ويقسرها على أن تذرف الدموع دماً، إذا رافق الصرخة نزفُ شريان وقطعُ وريد، لا لأجل ملك مُضاع، أو منصب دنيوي مُرتقب، وإنما لأجل الإصلاح وإحقاق حق اغتصبه فاجر، ولأن إحقاق الحق مطلوب في مختلف الظروف وأن الطغاة والظالمين وراء سحقه وضياعه، فإن وجدان الإنسانية يبقى يستلهم من مواقف دعاة الحق والعدالة والإنصاف حافزاً لمقارعة الانحراف، وطمأنة المظلومين بأن في الأُفُق صيحة مبادئ سامية سيبقى دويّها دائم الحدثان، لأنها انطلقت بفصاحة إمام معصوم في أجواء نَشَطَ فيها الفجور واستفحل في جنباتها الباطل، إنها الصيحة الخالدة التي ارتبطت كلماتها منذ ولادتها بالوجدان الإسلامي الذي تشرّف باحتوائها واتخاذها نبراساً، لتنير الطريق في يوم تتلبد فيه الغيوم، لأن في كل عصر يوجد (يزيد) لابدّ من أن يخرج عليه أحد، وعندها يحتاج داعي الحق إلى تلك القولة المبدئية المدوية:
(إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين) .

__________________


اللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه
في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً
وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً
بِرحمتِك يا اَرْحَمَ الرّاحِمين
فرقان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فواصل بذكرى أربعينية الامام الحسين عليه السلام ::: 20 صفر ::: ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين فواصل وأكسسوارات لتزيين المواضيع والردود 27 09-11-2017 11:18 PM
بحث تاريخي حول أربعينية الإمام الحسين عليه السلام فرقان كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 5 13-01-2012 11:48 AM
سر أربعينية الإمام الحسين عليه السلام خادمه الحوراء زينب (ع) كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 7 12-01-2012 07:59 PM
أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) ام حسون كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 13 07-01-2012 07:15 PM
ذكرى أربعينية الامام الحسين (عليه السلام)20 صفر شوق العيون كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 5 26-01-2011 12:11 AM


الساعة الآن 05:09 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir