اﻹخﻼص هو صفاء اﻷعمال من شوائب الرياء وجعلها خالصة لله تعالى (أخﻼق أهل البيت ص85).افتتحنا موضوعنا هذا بحديث عن أهل بيت العصمة والطهارة فقد ورد هذا الحديث عن اﻹمام الجواد عليه السﻼم وفيه إشارة إلى مسألة مهمة أﻻ وهي اﻹخﻼص فهو جوهر العبادة وكمال اﻷعمال وقبولها ومﻼك الطاعة ، فالنية كما هو معلوم دخيلة في صحة العمل وقبوله فإذا كان العمل خالياً من الشك والشبهة والرياء فإنه مقبول ومجزي هذا بحسب الظاهر، أي أنني عندما أصلي صﻼتي قربة إلى الله تعالى فهي مقبولة بحسب الظاهر اﻷحكام الشرعية وتفصيل ذلك في علم الفقه، وكما يعلم أهل اﻷخﻼق أن لﻸعمال صورة باطنية باﻹضافة إلى صورتها الظاهرية ، فقد يكون العمل فيه نية وكان مقبوﻻً ظاهرا إﻻ انه بحسب الباطن غير مقبول فﻼ توجد أي مﻼزمة بين صحة العبادة وقبولها وفقهاء اﻷمامية أعلى الله شأنهم يبحثون عن قبول اﻷعمال كما اشرنا بحسب الظاهر فيشترطون النية في كل عمل يتقرب به العبد الى الله تبارك وتعالى ، والبعد اﻵخر ، وهو الباطني ، تتضمنه روايات أهل البيت عليهم السﻼم التي تربي الناس على اﻻخﻼق العالية التي بدورها تجعل ملكة بموجبها يحافظ اﻹنسان على اﻹخﻼص الظاهري والباطني فيسمو العبد الى أن يصل الى مرتبة تغبطه المﻼئكة عليها.قال تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَﻼً صَالِحاً وَﻻ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من اﻵية110)*فهنا الله تبارك وتعالى جعل لقاء الله والفوز بالجنة منوطا باﻹخﻼص في اﻷعمال .وقال جل شأنه : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ*أَﻻ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ*)(الزمر:اﻵية 2و من اﻵية3)*(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (الزمر:11)*(هُوَ الْحَيُّ ﻻ إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (غافر:65)*(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّﻼةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)*(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(ﻷعراف: من اﻵية29)وهنا أمر من الله تبارك وتعالى بالعبادة مع اﻹخﻼص ومن الواضح ان اﻷمر يدل على ان هذا اﻷمر مراد من قبل الله تعالى وجعل اﻹخﻼص متعلق اﻷمر مبني على أهميته وفضيلته*اما روايات اهل البيت عليهم السﻼم فقد روي عن اﻹمام الجواد عليه السﻼم : أفضل العبادة اﻹخﻼص (البحار م15 ص87)فهنا جعل اﻻمام الجواد اﻹخﻼص من العبادة وأفضلها وهو أوضح دليل على أهميتهوروي عن اﻹمام الرضا عليه السﻼم أنه قال : (قال أمير المؤمنين عليه السﻼم : الدنيا كلها جهل إﻻ مواضع العلم، والعلم كله جهل إﻻ ما عمل به، والعمل كله رياء إﻻ ما كان مخلصاً، واﻹخﻼص على خطر حتى ينظر العبد بما يُختم له) (البحار م15 ص85)وأما أهمية اﻹخﻼص*فإن فيه تتفاوت اﻷعمال قال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَﻼً*)(هود: من اﻵية7) فإن اﻷعمال تتفاوت بغاياتها فتارة أنت تعطي الفقير صدقة لكي يرضى عنك الناس وأخرى تعطيه لكي يرضى عنك الله ،وكذلك في اﻹخﻼص قبول اﻷعمال قال جل وعﻼ

*إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(المائدة: من اﻵية27) ، وأيضا يصل اﻹنسان باﻹخﻼص الى أعلى مراتب الكمال وتتفجر ينابيع الحكمة في قلبه فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (من أخلص لله أربعين يوماً ، فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) (البحار م15 ص87).كما انه يرّغب العباد بالجزاء اﻷخروي فالذي يعلم ان الله خير شريك (أي انه لو كان العمل غير خالص لله تعالى فالله يعطيه لشريكه) وانه ﻻ يقبل العمل المخلوط بغيره ﻻ يستطيع ان يتقرب بدون اﻹخﻼص.فالذي يصلي صﻼة الليل لغرض الرزق ، والذي يدفع الصدقة لدفع البلية، والذي يقدم الزكاة لكي تكثر أمواله ، ووو، فيأتي بهذه اﻷعمال قربة الى الله تعالى ولكن لهذه اﻷغراض المتقدمة أي انه يسأل الله تبارك وتعالى أن يهب له تلك اﻷمور ببركة تلك العبادات فهذه العبادات وإن كانت صحيحة ومجزية إن شاء الله ، ولكنها ﻻ تكون عبادة للحق المتعالي وغير محتوية للنية الصادقة واﻹرادة الخالصة.وبما أن هذا العمل هو أفضل العبادة ، كما ورد الحديث المتقدم ، تراه شغﻼً يشغل الشيطان فيحاول لعنه الله ان يغوي عباد الله تعالى باﻷماني واﻵمال الخادعة كحب السمعة والجاه وكسب المفاخر والمحامد ، فيطيعه الناس في ذلك من حيث ﻻ يعلمون في بعض اﻷحيان وذلك لو كان الهمس والوسواس مخفي قد يخفى على صاحبه أيضاً ظنا منه ان عمله خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى ، فقد تصل نسبة الرياء في العمل الى الشيء المخفي وهذا هو الطامة الكبرى ،قصة مفيدة في المقام:ينقل أن شخصاً قضى صﻼة ثﻼثين سنة كان يصليها جماعة في الصف اﻷول وذلك ﻷنه تأخر يوماً من اﻷيام فصلى في الصف الثاني ﻷنه لم يجد مكاناً في الصف اﻷول، فاعترته خجلة من الناس ﻷنهم رأوه في الصف الثاني وكان دائماً يصلي في الصف اﻷول فعرف أن صﻼته في الصف اﻷول كانت تسره وكانت سبب استراحة قلبه .فاﻷجدر باﻹنسان أن يتخذ من هذه اﻷحاديث والروايات كهفاً يلجأ إليه من عواصف الفتن ومنارا يهتدي به في الظلمات ويقتدي بأئمة أهل البيت عليهم السﻼم في هذه المسألة وفي كل المسائل فها هو أمير المؤمنين يشير إلى ذلك بعبارة موجزة حيث روي عنه عليه السﻼم انه قال : ((ما عبدتك خوفاً من نارك وﻻ طمعاً في جنتك ولكني وجدتك أهﻼ للعبادة فعبدتك)) ،ففي هذا الكﻼم البديع يشير المولى عليه السﻼم الى انواع العبادات فالعبادة قد تكون قربة لله تعالى ولكنها مشوبة بالطمع بالجنة او بالخوف من النار وقد تكون خالصة لله تعالى وهي عبادة اﻷحرار والتي تقصد بها الذات اﻹلهية وهذا ما نراه في أئمة أهل البيت عليهم السﻼم جليا وواضحا ،، وﻻ نقول ان ذلك محصور بأهل البيت عليهم السﻼم فﻼ نستطيع ان نصل الى ما وصلوا إليه ﻻن الواقع يكذب ذلك ،،ينقل أن شخصاً كان يصوم أربعين سنة ولم يعلم به أحد من الناس حتى أقاربه حيث أنه كان يأخذ غذائه معه ويتصدق به في الطريق فيظن أهله أنه أكل في السوق ويظن أهل السوق أنه أكل في البيت ،،اللهم إنا نسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وأن تتقبل منا وتجعلنا من المخلَصين المخلِصينوالحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين*