[بقلمي] دروس من الحياة

[أمة الرحمن]

قالت متحدثة عن أحد دروس حياتها:
كنت آظن أن الحياة قد مرت علي بالأسوأ ، وأنني مع تعاقب السنين وتلونها وتقلباتها اكتسبت مناعة لاتقهر ، ولكني
نسيت أن هناك ابتلاءات أخرى لها وجه آخر تحتاج الى ايقاظ قوى خفية ثانية لمقاومتها والتغلب عليها، فما هو هذا الإبتلاء ؟ وكيف خرجت من تلك المعركة؟؟

لأعد للبداية .... مرت سنوات القحط وتلتها سنوات، وقد منّ الله تعالى علىّ بما يغنيني عن الحاجة، وكنت حينها في قمة النشاط الفكري والمعنوي ولي في عملي حضور مشهود ، اتمتع بالثقة من الجميع ، ومرت السنوات وانا اترقى في عملي وأنال مزيداً من التقدير حتى صرت في موضع لاغنى لهم به عني ، وحمدت الله تعالى واطمئننت الى بقائي وكانت هذه غلطتي ، فما من بقاء ! فمهما طال الأمد لابد له ككل شيءٍ من نهاية ، ولم تكن النهاية مكرمة لي كما أملت ، بل كانت
هبوطاً من شاهق فلا جناح حط بي ولا فراش لين تحتي وكانت سقطة مؤلمة كان جلّ ذنبي فيها غفلتي ويقول المثل الشعبي ( ياغافلين الكم الله) .*
الدسائس والمؤامرات والغيرة والحقد كلها تظافرت واستمرت تحفر من الأساس حتى اقتلعت البنيان! . أما أنا فقد كنت طوال هذه السنوات رغم طيبتي لاأحب المداهنة ولاأرضى بالتقصير مع انني في المواقف الإنسانية كنت أتسامح وأساعد وأتعاطف . ولكن!!!!
حتى أصحاب الشأن لم ينصفوني ولم يسألوني بل اتخذوا موقفا ظالماً فجمدوا يدي عن العمل فكنت كلوحة على جدار ومهما حاولت أن أستفهم فقد كانت تغلق أبواب الكلام في وجهي . وصبرت ووكلت أمري الى الله وكنت أقضي جل وقتي في العمل في قراءة القرآن وتقليب الأوراق وتحمل النظرات
وكلمات التعاطف المقيتة . وانقضى العام وكأني أمشي على عيني ، وفي نهايته وبنفس الصمت الذي لذعني سوطه وضعت استقالتي !! وخرجت والحسرة تملأ قلبي تعلقاً وحباً بمكان ربطتني فيه ذكريات حلوة ولكنه انتهى بمرارة لايزال طعمها في فمي كلما عادت بي الذاكرة.

الأمرّ من ذلك أن جماعة زارتني بعد تركي لعملي محملة بالهدايا من الكتب القيمة وفي حديثهم امتزج الندم والشعور بالذنب مع التأسف على تركهم مع غيري ومع تعبيرهم عن مودتهم لي ، فعرفت أنهم كانوا هم السبب ، وأنهم أتوا لاعتذار غير مباشر ، وأنهم أدركوا ذنبهم وبراءتي ولكن بعد فوات الأوان . وتأكد لي ذلك حين قالت لي زميلة وهي في أشد العجب (بأي وجه جاءك من كان هو المتسبب في المشكلة . عجباً!).

كان هذا الدرس جرس تنبيه عن الغفلة والإفراط في حسن الظن ، وتعلمت منه الاحتراس من الناس وعدم الركون الى جانب أحد إلا بعد اختباره ،وكان رفع غطاء عن عيني لأرى الحاسد والحاقد والكائد خلف الابتسامة الزائفة...
وكان درساً لي أن أكون متيقظة لأي مفاجأة قد يخبئها القدر . ولكن!! هل نستطيع أن نتحصن مما تخبئه لنا الأيام من مفاجآت وهل نستطيع أن نأخذ ترياقاً يمنحنا المناعة؟؟؟؟

سنرى درس الحياة القادم ، والحياة دروس وعبر!.