الامام الرضا عليه السلام وولاية العهد

[عبير الزهــــــــراء]

اللهم صل على محمدا وال محمد الطيبين الطاهرين

السلام عليك ياغريب الغرباء شمس الشموس وأنيس النفوس


بسم الله الرحمن الرحيم


لم تكن دوافع المأمون من جعل الإمام (عليه السلام) وليًّا لعهده نابعة من ولائه لأهل البيت (عليه السلام) ، ولم يكن المأمون صادقًا في ولائه، وكان ميله للعلويين اصطناعًا، ولا يمكن التصديق بعمق الولاء حتى يكون دافعًا للتنازل عن الحكم وتسليمه إلى الإمام الرضا(عليهم السلام)، أو توليته للعهد من بعده، فهل يعقل أنْ يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة، وقتل أخاه وبعض أهل بيته، ثم يسلّمه إلى غيره؟!
وبالفعل لم يدم الأمر طويلاً، ورحل الإمام (عليه السلام) إلى ربّه والمأمون حيّ يرزق.

فدوافع المأمون نابعة من مصلحة حكمه، ومستقبل الدولة العباسيّة وهو حال جميع، أو أغلب الحكّام على دفّة الحكم وإلاّ فما معنى الإلحاح على الإمام (عليه السلام) حتى وصل إلى درجة التلويح، بل التصريح بالقتل؟

ويمكن تحديد دوافع المأمون في النقاط التالية:
أولاً: تهدئة الأوضاع المضطربة
كانت الأوضاع في عهد المأمون مضطربة للغاية، فبعد قتال دام مع أخيه واستيلائه فوجئ بقوّة ثورات وحركات مسلّحة، ومنها ثورات العلويين وكان المعارضون لحكمه منتشرين في جميع الأمصار الإسلاميّة، وقد زلزلت الثورات المسلحة الوضع العسكريّ والسياسيّ، فأراد المأمون من تقريب الإمام (عليه السلام) وتوليه العهد أنْ يستقطب أعوانه وأنصاره، ويوقف زحفهم ونشاطهم العسكريّ، بل يستميلهم إلى جانبه؛ ليتفرغ إلى بقية الثائرين والمتمردين الذين لا يعتد بهم قياسًا للثوار العلويين، وأراد كسب الأغلبيّة العظمى من المسلمين لارتباطهم العاطفيّ والروحيّ بالإمام والشاهد على ذلك استقبال الإمام (عليه السلام) من قبل العلماء، والفقهاء، وأصحاب الحديث، والذين بلغ عددهم عشرين ألفًا في نيشابور.
وبتقريب الإمام (عليه السلام) خال أنّه يمكنه امتصاص نقمة المعارضة، وتفويت الفرصة عليها للمطالبة بالحكم.

ثانيًا: إضفاء الشرعيّة على حكمه
إنّ شرعيّة الحاكم عند المسلمين مستمدّة من النّص عليه من قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو رأي أهل البيت (عليهم السلام) من هنا فالمأمون أدرك أنّ حكمه بحاجة إلى إضفاء الشرعيّة عليه؛ لذا أظهر استعداد التنازل عن الحكم؛ ليقوم الإمام الرضا (عليه السلام) بالتصدي له، وحينما رفض الإمام (عليه السلام) استلام الحكم عرض عليه ولاية العهد، فاضطر إلى قبولها، والإمام (عليه السلام) موضع قبول ورضا من قبل جميع المسلمين، كما عبّر الإمام الجواد (عليه السلام) عن هذه الحقيقة بقوله: (رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام)، فلذلك سمِّي من بينهم الرضا).
وقبوله للعهد في رأي المأمون ورأي بعض المسلمين يعني اعترافه بشرعيّة حكم المأمون والرضا الظاهريّ بتقبل ولاية العهد يعني رضاه عن الحكم الواقع، وعدم معارضته له، ورضا الأمّة التي تواليه عاطفيًّا وفكريًّا، ولكن الأمر لم ينطلِ على الإمام(عليه السلام)، فإنّه ومن أول يوم رسم خطّ حركته أنّه لا يُنصّب أحدًا، ولا يعزل أحدًا.

ثالثًا: منع الإمام (عليه السلام) من الدعوة لنفسه
إنّ الإمام (عليه السلام) مسؤول عن دعوة الأمّة للارتباط بالإمام الحقّ، وبالمنهج الحقّ، والمتجسّد بإمامته وبمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، ولذلك فإنّه لا يتوانى عن هذه المسؤوليّة، ومن هنا كان تفكير المأمون منصبًّا على منع الإمام من الدعوة لنفسه، أو تحجيم سعة الدعوة، والمتعارف عليه أنّ ولي العهد يدعو للحاكم الفعليّ، ثم يدعو لنفسه، وقد عبّر المأمون عن دوافعه بالقول: قد كان هذا الرجل مستترًا عنّا يدعو إلى نفسه دوننا، فأردنا أنْ نجعله وليّ عهدنا؛ ليكون دعاؤه إلينا.

رابعًا: إبعاد الإمام عن مركز حركته((المدينة))
وجود الإمام (عليه السلام) في جانب المأمون يعني ابتعاده عن قواعده الشعبيّة، وتحجيم الفرص المتاحة للاجتماع بوكلائه ونّوابه المنتشرين في شرق الأرض وغربها، وإبعاد الإمام (عليه السلام) عن المدينة المنوّرة يعني التقليل من التوجيه والإرشاد المباشر إلى مواليه وأتباعه، ومن خلال ذلك يمكن مراقبة الإمام (عليه السلام) مراقبة دقيقة ومعرفة تحركاته ولقاءاته اليومية.

خامسًا: إيقاف خطر الإمام (عليه السلام) على الحكم القائم!
إنّ التفاف المسلمين حول الإمام (عليه السلام)، وتوسع قاعدته الشعبيّة كان يشكل خطرًا على الحكم القائم وخصوصًا أنّ الحكم قد خرج من معارك طاحنة بين الأمين والمأمون، وبين المأمون والمعارضين، فقوّة الإمام (عليه السلام) تعني ضعف المأمون، وقد اعترف المأمون بذلك، فقال: (وقد خشينا إنْ تركناه على تلك الحالة أنْ ينفتق علينا منه ما لا نسدّه، ويأتي علينا مالا نطيقه).

سادسًا: تشويه سمعة الإمام عليه السلام
أراد المأمون من خلال تولية الإمام (عليه السلام) للعهد أنْ يشوّه سمعته بالتدريج عن طريق عيونه، ووسائل إعلامه، وقد كشف الإمام (عليه السلام) هذه الحقيقة للمأمون بقوله: (تريد بذلك أنْ يقول الناس: إنّ علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعًا بالخلافة)؟!
وصرّح المأمون للعباسيين ببعض دوافعه بقوله: ولكنّا نحتاج أنْ نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوّره عند الرعايا بصورة مَن لا يستحق هذا الأمر.

سابعًا: تفتيت جبهة المعارضة
إنّ المعارضين لحكم المأمون سينظرون إلى الإمام الرضا (عليه السلام) على أنّه جزء من الحكومة القائمة، وتتعمّق هذه النظرة حينما يجدون الإمام وأبناء عمومته قد أصبحوا ولاة وأمراء على الأمصار وبالفعل فقد عيّن المأمون العباسَ وإبراهيمَ أخويّ الإمام (عليه السلام) ولاة على الكوفة واليمن.
ففي هذه الحالة أصبح باقي المعارضين وجهًا لوجه أمام أنصار الإمام (عليه السلام)، وهذا يعني تفتيت جبهة المعارضة، فإذا أرادت المعارضة القيام بحركة مسلّحة، فإنّها ستواجه الوالي العلويّ مباشرة، ويقوم الوالي بإصدار الأوامر لقمعها وتلقى المسؤوليّة عليه، وكان المأمون يتمنّى هذا الأمر، فلجأ إلى تولية الإمام (عليه السلام) ولاية العهد؛ ليحقّق هذه الأمنية.

أسباب قبول الإمام (عليه السلام) بولاية العهد
قال المأمون للإمام الرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله، قد عرفت فضلك، وعلمك، وزهدك، وورعك، وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.
فقال الإمام (عليه السلام): (بالعبوديّة لله عزّ وجلّ أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى).
فقال له المأمون: إنّي رأيت أنْ أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك.
فقال له الرضا (عليه السلام): (إنْ كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك، فلا يجوز أنْ تخلع لباسًا ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وإنْ كانت الخلافة ليست لك، فلا يجوز لك أنْ تجعل لي ما ليس لك).
فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، لا بّد من قبول هذا الأمر.
فقال(عليه السلام): ( لست أفعل ذلك طايعًا أبدًا).
فما زال يجهد به أيامًا حتى يئس من قبوله، فقال له: فإنْ لم تقبل الخلافة، ولم تحبّ مبايعتي لك، فكن ولي عهدي؛ لتكون لك الخلافة بعدي.
وقد صرّح الإمام (عليه السلام) باضطراره للقبول لمَن سأله، أو اعترض عليه بسبب قبوله، فقال(عليه السلام): (قد علم الله كراهيتي لذلك، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل ....

استثمار الإمام (عليه السلام) للظروف
أولاً: استثمار الظروف لإقامة الدين وإحياء السنّة
إنّ الحريّة النسبيّة الممنوحة للإمام (عليه السلام)، ولأهل بيته (عليهم السلام)، وأنصاره هي فرصة مناسبة؛ لتبيان معالم الدّين وإحياء السنّة، ونشر منهج أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام)، فالإمام(عليه السلام) يمكنه التحرّك في البلاطـ والالتقاء بالوزراء، وقادة الجيش، وخواص المأمون، ويمكن لإخوانه الذين أصبحوا ولاة التحرّك في أمصارهم، وكذلك أنصاره يمكنهم التحرّك في وسط الأمّة، وقد سنحت الظروف للإمام (عليه السلام)؛ لتبيين المنهج السليم أمام الوزراء والقضاة والفقهاء، وأهل الديانات الذين جمعهم المأمون لمناظرة الإمام(عليه السلام)، إضافة إلى قيامه بتوجيه المأمون إلى اتخاذ الرأي والموقف الأصوب، وحلّ المسائل المستعصية.

ثانيًا: تعبئة الطاقات
بعد إحباط الثورات العلويّة وانكسارها عسكريًّا أصبح الظرف مناسبًا لإعادة بناء قوّاتها، وتعبئة الطاقات عن طريق إيقاف الملاحقة والمطاردة لها، فهي بحاجة إلى قسط من الرّاحة لإدامة التحرّك فيما بعد، وهذه المكاسب حصلت على نوع من التطبيق استثمارًا من الإمام لوجوده في منصب ولاية العهد.

ثالثًا: إفشال مخطّطات المأمون
من المتوقّع أنْ يقوم المأمون – في حالة رفض الإمام (عليه السلام) لقبول ولاية العهد- بتولية العهد لأحد العلويين، وينثني عن إكراه الإمام (عليه السلام) وقتله، والعلويّ الذي ينصّبه وليًّا للعهد قد يكون مساومًا وانتهازيًّا، أو مخلصًا قليل الوعي، أو مخلصًا معرّضًا للانزلاق في مغريات السلطة وفي جميع الحالات، فإنّ هذا الموقف سيؤدِّي إلى شقّ صفوف أنصار أهل البيت (عليهم السلام)، أو توريط العلويين بممارسات خاطئة تؤدِّي إلى تشويه سمعة أهل البيت (عليهم السلام)، أو إلقاء المسؤوليّة عليه، وقد يؤدّي انزلاق مَن يتولّى العهد من العلويين إلى قيامه بمعارضة الإمام (عليه السلام)، أو ملاحقة أتباعه وأنصاره، وبقبول الإمام (عليه السلام) لولاية العهد فوّت الفرصة على المأمون لإمرار مخطّطاته في شقّ صفوف أنصار أهل البيت (عليهم السلام)، أو إلقاء تبعيّة المفاسد على مَن ينسب إليهم.

[عاشقة الحسن (ع)]

الاخت عبير الزهور
سلم لنا هذا القلم الذي جمع كل هذه المعلومات في بحثه
و شكرا لك ع المجهود الطيب الذي ينيره سيرة هذه الشخصية العظيمة
معلومات قيمة تبين اسباب قبول الامام لولاية العهد مكرهاً وحيلة المأمون لهدة البيعة
قد نثرتيها لنا لكي نرى عظمة الامام الرضا علية السلام
بارك الله في قلمك و بحثك ونحن ننتظر المزيد من عطائك الهادف
مودتي لك ..

[أوراق الخريف]

جزاك الله خير
يعطيك الله العافية

[مهدية]

تسلمي اختي على الموضوع
تقبل الله اعمالكوجزاك كل خير

[قرة عيني رقية]

شكراً جزيلاً على الموضوع الرآئع وكل عام وانتم بألف خير

[حور عين]

اللهم صل على محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم ياكريم
واهلك أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين آمين يارب العالمين

موضوع رائع الغالية الموالية

عبير الزهور

أفاض الله عليك برحمته من ولايتك ونور موضوعك....
وكثرّ الله من أمثالك
لاحرمنا الله عبق ذكر أنوار آل البيت صلوات الله وسلامه عليهم

دمتِ ولاحرمنا الله مواضيعك الإيمانية المباركة ورزقك ببركاتها
شفاعة آل البيت , لنا جميعاً آمين
لكِ تحياتي ودعواتي....نسألكم الدعاء

[ياسمينة]

جزاك الله الف خير
بارك الله فيك يالغالية
نشتاق لجديدك الذي نستفيد منه كثيرا
فلا تحرمينا هذا الفضل
دمتي بكل الود