كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-12-2010, 03:48 PM   #1
نور من اهل البيت
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية نور من اهل البيت
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: أرض القطيف..~
المشاركات: 145
معدل تقييم المستوى: 63
نور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant futureنور من اهل البيت has a brilliant future
Imam Hussain Shrine الامام الحسين (الشهيد) ع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الامام الحسين الشهيد (عليه السلام)


في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك ، السنة الرابعة من الهجرة زُفّت البشرى إلى رسول الله (ص) بميلاد الحسين (ع) ، فأسرع إلى دار عليّ والزّهراء (ع) ، فقال لاسماء بنت عميس : (يا أسماء هاتي ابني) ، فحملته إليه ، وقد لُفّ في خرقة بيضاء ، فاستبشر (ص) وضمّه إليه وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ وضعه في حجره وبكى ، فقالت أسماء ، فداك أبي واُمّي ، مِمَّ بكاؤك ؟
قال (ص) : مِن ابني هذا .
قالت : إنّه وُلِدَ الساعة .
قال (ص) : «يا أسماء ! تقتلهُ الفئةُ الباغية مِن بَعْدي ، لا أنالهم الله شفاعتي» .
ثمّ قال : «يا أسماء ! لا تخبري فاطمة ، فإنّها حديثة عهد بولادته» (120) .
ثمّ تلقّى الرسول (ص) أمر الله تعالى بتسمية وليده الميمون ، فالتفت إلى عليّ (ع) قائلاً : (سمِّه حسيناً) .


منزلة الحسين (عليه السلام)

لأبي عبدالله الحسين (ع) مكانة عظمى ، فإضافة إلى الآيات القرآنية الّتي ذكرت منزلته ضمن منزلة أهل البيت (ع) ، والّتي سبق ذكرها كآية التطهير والمباهلة والمودّة وغيرها ، فإنّ السنّة المطهّرة تضمّنت الكثير من النصوص الدالّة على عظمة منزلته ورفعة مكانته ، منها :
1 ـ في صحيح الترمذي قال : قال رسول الله (ص) : «
حسين منِّي وأنا من حسين . أحبَّ الله مَنْ أحبَّ حسيناً . حسينٌ سبط من الاسباط» (121) .
2 ـ عن سلمان الفارسي قال : سمعتُ رسول الله (ص) وهو يقول : «
الحسن والحسين ابنايَ مَن أحبّهما أحبّني ، ومَن أحبّني أحبّه الله ، ومَن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومَن أبغضهما أبغضني ، ومَن أبغضني أبغضه الله ، ومَن أبغضه الله أدخله النار على وجهه» (122) .
3 ـ وعن عليّ بن
الحسين عن أبيه عن جدّه (ع) أنّ رسول الله (ص) أخذ بيد الحسن والحسين (ع) وقال : «مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما كان معي يوم القيامة» (123) .


ملامح شخصيّة الحسين (عليه السلام)

تحت إشراف جدّه الرسول الأعظم (ص) وأبيه عليّ واُمّه الزّهراء (ع) ، جاءت ملامح شخصية الحسين (ع) تجسيداً لرسالة الله تبارك وتعالى فكراً وعملاً وسلوكاً ، ونشير هنا إلى بعض الأمثلة :
1 ـ روى شعيب بن عبدالرّحمن ، قال : وُجِدَ على ظهر الحسين بن عليّ يوم الطفّ أثر ، فسألوا زين العابدين عن ذلك ، قال : (هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين) .
مرّ (ع) على مساكين يأكلون في الصفّة ، فدعوه للطعام ، فنزل (ع) وقال : (إنّ الله لا يحبّ المستكبرين) ، ثمّ تناول الطعام وقال لهم : (قد أجبتكم فأجيبوني) ، قالوا : نعم ، فمضى بهم إلى منـزله وقال للرّباب ـ زوجته ـ أخرجي ما كُنتِ تدّخرين (124) .
2 ـ قيل له يوماً : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال (ع) : ( لا يأمن من يوم القيامة إلاّ مَن خاف الله في الدُّنيا ) .
4 ـ في ليلة العاشر من محرّم الحرام طلب الامام الحسين (ع) من الجيش الاموي المعادي أن يمهله تلك العشيّة قائلاً : ( إنّا نريد أن نصلِّي لربّنا اللّيلة ونستغفره ، فهو يعلم أنِّي أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدُّعاء والاستغفار ) .


دور الامام (عليه السلام) في تخليد الاسلام

المتتبِّع لحياة الحسين بن عليّ (ع) يدرك بعمق أنّ دوره في الحياة الاسلامية قد بدأ مبكِّراً ، فقد ساهم في حركة الاسلام الصاعدة وهو ما يزال في دور الصِّبا ، في حياة أبيه وإلى جانب أخيه الامام الحسن (ع) .
على أنّ دور الامام الحسين (ع) بعد رحيل أخيه الحسن (ع) إلى ربّه الاعلى سبحانه، قد دخل مرحلة جديدة، وفقاً للملابسات الّتي استجدّت في مسيرة الاُمّة ، وحيث إنّ كلّ إمام يتحدّد دوره وفقاً لطبيعة الظروف الاجتماعيّة والفكريّة والسياسيّة .
لقد واجه الامام الحسين (ع) المخطّط الأموي المنحرف في الحياة الاسلاميّة ، والظروف الصعبة الّتي تعيشها الاُمّة، وعايش حوادثه بعد توقيع وثيقة الصلح بين معاوية والامام الحسن (ع) ، وقد انصبّ هذا المخطّط العداوني على ما يلي :
1 ـ إشاعة الارهاب والتصفية الجسديّة لكلّ القوى المعارضة للحكم الأموي ، سيّما أتباع عليّ (ع) منهم ومتابعتهم والتنكيل بهم بأبشع صورة ، فقد كتب إلى عمّاله :
(مَن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فَنَكِّلوا به واهدموا داره) (125) .
وقد صور الامام الباقر (ع) تلك المأساة الدامية بأقصر عبارة وأدقّها حين قال :
(فقُتِلت شيعتنا بكلّ بلدة ، وقُطِّعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان مَن يُذكِّر بحبِّنا والانقطاع إلينا سُجِنَ ، أو نُهِبَ ماله ، أو هُدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيدالله بن زياد قاتل الحسين) (126) .
ونقل المؤرِّخ ابن الأثير صوراً تأريخيّة دامية عن زمان معاوية ، قال :
(فلمّا استخلف زياد ـ والي معاوية على العراق ـ سمرةَ على البصرة أكثر القتل فيها ، فقال ابن سيرين : قتل سمرة في غيبة زياد ثمانية آلاف ، فقال له زياد : أتخـاف أن تكون قتلت بريئـاً ، فقال : لو قتلت معهم مثـلهم ما خشيت . وقال أبو السواري العدوي : قتل سمرة من قومي غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع ـ حفظ ـ القرآن) (127) .
2 ـ إغداق الأمـوال من أجل شراء الضمائر والذِّمم ، وقد تمّ فعلاً شراء بعض الوعّاظ والمحدِّثين الّذين كان لهم دور مفضوح في العمالة لمعاوية وافتراء الأحاديث الكاذبة ونسبتها إلى الرسول (ص) للنيل من عليّ وأهل بيته (ع) ، كما تمّ شراء ضمائر الوجوه الاجتماعية والعشائرية .
3 ـ المضايقة الاقتصادية واُسلوب التجويع ، خصوصاً للبلاد الّتي لا تواليهم والأفراد المعارضين ، وقد كتب معاوية إلى ولاته في جميع الأمصار :
(انظروا مَن قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته ، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه) (128) .
هذا في الوقت الّذي كان الحكّام يلعبون بأموال الاُمّة ويعبثون بما سلبوه منها ، وقد ذكر المؤرِّخون أمثلة كثيرة ، من ذلك (أن عمرو بن العاص والي مصر في عهد معاوية خلّف ثروةً بلغت من العين ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف دينار «ذهباً» ، ومن الورق ألف درهم «فضّةً» ، وغلّةً بمائتي ألف درهم بمصر ، وضيعته بالوهط بمصر قيمتها عشرةُ آلاف ألف «مليون» درهم) (129) .
4 ـ العمل على تمزيق أواصر الاُمّة الاسلامية بإثارة الروح القوميّة والقبليّة والاقليمية ، وإثارة الروح العنصرية عند العرب ضدّ غير العرب من المسلمين .
5 ـ اغتيال الامام الحسن بن عليّ (ع) باعتباره الممثِّل الشرعي للتيّار الاسلامي السليم في دنيا المسلمين .
6 ـ تتويج معاوية ولده (يزيد) الفاجر ، شارب الخمر ولاعب القمار ، ملكاً على الاُمّة تحت الكبت والاضطهاد والاغراء والترغيب .
إنّ منح يزيد السلطة ليقود الاُمّة الاسلاميّة ، ويخطِّط لمستقبلها ويحدِّد مسارها ، معناه الانهاء العملي للوجود الاسلامي على الاطلاق ، وردّة واقعيّة عن مبادئ السماء ، وعودة للجاهليّة ولكن بثوب جديد .
فيزيد هذا ـ كما تؤكِّد المصادر التاريخيّة ـ يغلب عليه طابع الشذوذ في شتّى أفكاره وممارساته ومشاعره ، الّتي كانت تعبِّر عن تربية وروحية جاهلية مُشبعة بالفسق والفجور ، ممّا كان ابن معاوية يمارسه على مسمع ومرأى من كثير من المسلمين في بلاد الشام ، كاللّهو الماجن ، واللّعب الخليع ، وشرب الخمر ، ومنادمة الفتيات والغناء ، وكان يُلبس كلابه أساور الذهب ، وينادم القردة .
قال المؤرخ البلاذري :
( كان ليزيد قرد يجعله بين يديه ويسمِّيه أبا قيس ... وكان يسقيه النبيذ ويضحك ممّا يصنع ، وكان يحمله على أتان وخشبة ويرسلها مع الخيل) (130) .
روى المؤرِّخ ابن كثير :
(ورُوي أنّ يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد، واتخاذ الغلمان والقِيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلاّ يصبح فيه مخموراً ، وكان يشدّ القرد على فرس مسرّجة بحبال ويسوق به ، ويُلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان ... وكان إذا مات القرد حزن عليه ، وقيل إنّ سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقِّزها ـ يرقِّصها ـ فعضّته) (131) .
وإذا كان هذا حال الخليفة ، فما بالك بحال (الآخرين)؟ قال المؤرِّخ المسعودي :
(وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيّامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب) (132) .
وإذ يقرِّر معاوية أن ينصب ابنه يزيد هذا خليفة على المسلمين من بعده ، خلافاً لمبادئ الاسلام وأحكامه ، فإنّ هذا القرار أثار الرأي العام الاسلامي وخصوصاً الشخصيات الاسلاميّة البارزة في المجتمع ، وهكذا وقفت الاُمّة على عتبة تاريخ جديد من حياتها، وأصبحت أمام خيارين :
1 ـ إمّا أن تتبنّى سياسة الرّفض القاطع للواقع الفاسد والمنحرف الّذي فُرِضَ عليها مهما كان الثمن .
2 ـ أو القبول بسياسة الأمر الواقع ، حيث عليها أن تتنازل عن دينها ورسالتها وعظمتها وعزّتها في الحياة ، وتقبل بالذلّ والهوان والخزي والعار .


لماذا الثورة ؟

من خلال متابعة حياة الحسين (ع) والحوادث الّتي عايشها والظروف الّتي أحاطت به ، تكشّف لنا بجلاء أنّه لم يكن يمتلك مستلزمات الفوز المادّي في معركته مع سلطة الجور الاموي ، ولكنّه (ع) مع علمه بالموت كان مُصِرّاً على تفجير الثورة ومواصلتها حتّى النهاية .
فَلِمَ هذا الاصرار ؟ ولماذا الثورة ؟
لو لم تكن ثورة الامام الحسين (ع) لكانت الصورة الّتي مثّلها الحكم الاموي بكلّ ما تحمل من تشويه وانحراف وظلم وفساد ، هي الصورة الّتي تمثِّل الاسلام في ذهن البشريّة حتّى يومنا الحاضر .
ودم الحسين هو الذي سلب من هذه الصورة شرعيّتها ، وأماط اللِّثام عن واقعها المزيّف ، وكشف للتاريخ والاُمّم انحراف الحكم الاموي وأمثاله عن الاسلام النقي الطاهر .
والحسين باعتباره حفيد محمّد (ص) وابن عليّ (ع) ووصيّهما ، كان صفحة نقيّة من صفحات الرسالة، وترجمة حيّة لكلّ منطلقاتها وتصوّراتها، الأمر الّذي جعله أوّل ملبّ لنداء الرسالة في عصره، ليفي بذلك بالتزاماته نحوها .
وهكذا كان ، على أنّ وفاءه بالتزاماته نحو شريعة الله تعالى كان يفرض سلوك منهج الثورة ، ولا سبيل سواه ، لانّه بدون الثورة لا يُرتجى أيّ إصلاح ، وبيان ثورته (ع) الأوّل يجسِّـد هذه الحقيقـة بكلّ مدلولاتها الايجابية :
(وإنّي لم أخرج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مُفْسِداً ولا ظالِماً ، وإنّما خرجتُ لطلبِ الاصلاح في اُمّةِ جدّي (ص) : اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرةِ جدِّي وأبي عليّ بن أبي طالب) .
هذه هي المبرّرات الاساسيّة الّتي منحت الحسين (ع) وأصحابه حقّ إعلان الثورة الظافرة ، مدوِّية في دنيا الناس ، مخلِّدة الاسلام ، ملهمة الثوّار عبر الأجيال للذّودِ عن الحقِّ والمبادئ الانسانية الرفيعة ، والصمود في معارك الجهاد ضدّ الطغاة والظالمين .


رياح الثورة

ما أن هلك معاوية إلا وامتطى دست الحكم ابنه يزيد ، فأمر ولاته بأخذ البيعة له على الناس ، ولا سيّما الحسين (ع) على وجه الخصوص ، لقناعة البيت الاموي بأنّه عنوان الصمود الراسخ الّذي لا يتزعزع .
وعلى الفور كتب يزيد إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة أن يأخذ البيعة له من أهل المدينة بشكل عام ، والحسين (ع) بشكل خاص ، فرفض الامام الحسين ذلك بقوّة .
وقد أوضح الامام الحسين (ع) رفضه لبيعة يزيد ، قائلاً للوليد واليه على المدينة :
(ويزيد، رجلٌ فاسق، شارِب الخمر، قاتِل النّفس المحرّمة، مُعلِن بالفسق، ومثلي لا يُبايعُ لِمثلهِ) (133) .
وفي المقابل بيّن الامام الحسين (ع) مواصفات القائد الّذي تجب له البيعة ، في رسالته لأهل الكوفة قائلاً :
(فَلَعمري ، ما الامام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحقّ ، الحابس نفسه على ذات الله) (134) .
ومن هنا بدأ مسار الرفض لسياسة الغدر والتنكيل الامويّة تتصاعد نحو الذروة ، وعزم الامام الحسين (ع) على مواجهة مسؤولياته الرسالية المعدّة له، باعتباره إمام الاُمّة الشرعي
وقائدها الأمين على رسالتها الغرّاء.
قصد الامام الحسين (ع) قبر جدّه الرسول (ص) وصلّى عنده ركعات ثمّ دعا ربّه تعالى :
(أللّهمّ إنّ هذا قبر نبيّك محمّد (ص) وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللّهمّ إنّي أُحبّ المعروف وأُنكر المنكر ، وأسألك يا ذا الجلال والأكرام بحقّ القبر ومَن فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رِضىً ولرسولك رِضىً) (135) .
ويعجِّل الامام الحسين (ع) بجمع أهل بيته وأصحابه المخلصين ويبلِّغهم بوجهته ومسيره إلى حرم الله ، مكّة .
ويكثر المعترضون ، ويلحّون عليه بتغيير الوجهة والمسار ، حفاظاً عليه من القتل ، في حين دعاه آخرون إلى الخنوع لضعف في النفوس وخور في العزيمة ، ولكن عزم الحسين (ع) على نصرة الحقّ لم يثنه وعيد أو اعتراض أو سواهما .
سار موكب الحسين (ع) إلى مكّة المشرّفة ، ولسانه لهج بذكر الله وقلبه عامر بحبّ الله ، فدخلها وهو يتلو قوله تعالى وَلَمَّا تَوجَّهَ تِلقاءَ مَديَن قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهديَني سَواءَ السَّبِيل ) ، فنزل دار العبّاس بن عبدالمطلّب ، وزحفت إليه جموع المؤمنين من أهل مكّة ومن القاصدين إليها احتفاء بمقدمه .
وانتشر خبر خروجه من المدينة ورفضه لبيعة يزيد ، وبدأت الوفود والرسائل المؤيدِّة له تفد عليه من أرجاء شتى ، وبدأ الامام يبعث بالكتب والرسائل الجوابية يدعوهم للثورة، وإسقاط سلطة يزيد وخلع بيعته الّتي اُخِذَت بالقهر والارهاب والرشاوي والتحايل، وكان من
آثار هذا التحرّك أن دبّت روح الثورة في العراق .
وبينما كان الامام (ع) يتابع أصداء تولِّي يزيد للحكم في أقاليم الدولة الاسلامية ، ترامت إلى سمعه الأنباء من أنّ الكوفة عاصمة العراق تشهد تحرّكاً ثوريّاً وهزّةً سياسية ذات بال .
فقد تحرّكت قوى المعارضة بعد طول كبت واضطهاد ، ورأت أنّ الفرصة قد حانت للانعتاق من نير السياسة الطاغية ، وعقدوا اجتماعاً طارئاً لتدارس الموقف المتفجِّر في الكوفة ، وما تفرضه عليهم المرحلة بعد تولِّي يزيد بن معاوية الحكم .
وبعد اتفاق الكلمة واجتماع الرأي على بيعة الحسين (ع) ، كتب زعماء الكوفة كتاباً ضمّنوه رفضهم للحكم الأموي جملة وتفصيلاً ، وأنّهم لا يرضون بديلاً للحسين قط ، ثمّ توالت الكتب من الكوفة تحمل دعوتهم الملحّة للامام (ع) للحوق بالكوفة خليفة وإماماً للمسلمين ، وقد بلغ الأمر بالناس هناك أن رفعوا إلى الامام قوائم بأسماء العشائر الّتي تنتظر قدومه في الكوفة ، حيث بلغ تعدادها مائة ألف مُقاتل (136) .
اقتنع الامام الحسين (ع) بضرورة إرسال نائب عنه ، لأخذ البيعة من أهل العراق ، فاختار (ع) ابن عمّه مسلم بن عقيل الرجل التقي الفذ .
إستقبلت الكوفة مسلماً استقبال الولاء والطاعة ، وعقدت البيعة للحسين (ع) عن طريقه ، بشكل جعل مسلم بن عقيل يقتنع أنّ ذلك التحوّل لصالح أهل البيت (ع) ورسالة الله تعالى .
من هنا ارتأى مسلم عليه الرحمة أن يبعث تقريراً للامام (ع) يوضِّح من خلاله مسار الحوادث وحقيقة الموقف ، فكتب إليه :
( أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وإنّ جميع أهل الكـوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً ، فعجِّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ) (137) .
على أنّ الامام الحسين (ع) فى ذات الوقت رأى أن يُفاتح رجالات أهل البصرة بموضوع تصدِّيه للانحراف والظلم ، فكاتبهم بذلك وكانت إجابة يزيد بن مسعود النهشلي ، أروع إجابة وأخلصها ، حيث عبّر عن ولاء آل تميم وبني سعد لأل البيت (ع) ، غير أنّ المؤلم أن تصل رسالته والحسين (ع) في ساحة الجهاد على صعيد الطف .
وهكذا تأخّرت جحافل النهشلي عن نصرة الحقّ ، حتّى أنّه حين بلغه أمر استشهاد الحسين (ع) بعد ذلك فزغ ولفظ أنفاسه،لفوات فرصة نصرة سبط الرسول(ص)وعدم المساهمة فيها.


نكوص أهل الكوفة

في البدء اُصيبت سلطة الحزب الاموي في العراق بذعر شديد وهي ترى الانتصارات المظفّرة لصالح الامام الحسين (ع) ، فكتبوا كتاباً إلى سيِّدهم في الشام يزيد بن معاوية يحيطونه علماً من خلاله بكلّ التطوّرات الّتي استجدّت في الكوفة .
إضطرب يزيد للنبأ ، فأشار عليه مستشاره الخاص سرجون أن يقلِّد عبيدالله بن زياد ولاية الكوفة ، لشدّة قسوته وتمرّسه في إزهاق الأرواح ، وعدم اكتراثه لمعاني الرحمة والعطف ، ولِحقده الأسود على آل رسول الله (ص) .
تلقّى ابن زياد عهد يزيد ، فخلف أخاه على البصرة وأسرع إلى الكـوفة في فرقة من الجيش قوامها خمسمائة رجل ، كما استصحب في مسيره بعض زعماء أهل البصرة ، ممّن لهم تأثير نفسي قوي على القبائل في الكوفة بسبب روابط القربى .
وفي الكوفة بادر ابن زياد إلى جمع الناس ، وألقى فيهم أوّل بيان له ضمّنه إغراءاته العريضة ، كما ضمّنه تهديداته الصارمة الّتي لا تعني غير الموت ، لكلّ انسان يقف في وجه الظلم الاموي .
ثمّ أمر القائمين على اُمور القبائل والناس أن يقدِّموا كشوفاً بأسماء الّذين خرجوا عن الخطّ الاموي المرسوم ، وإلا فإنّ عقوبته الصلب على باب داره .
وهكذا ساد الكوفة جوٌّ إرهابي أحمر ، فانقلب ميزان القوى لصالح البيت الاموي ، حيث تمّ اعتقال زعماء شيعة أهل البيت والموالين لحركة الاسلام الّتي يقودها الامام الحسين (ع) .
وأشاع ابن زياد في الناس عن طريق جواسيسه والموالين له، أنّ جيشاً أمويّاً هائلاً على أبواب الكوفة ، وثارت ثائرة الاشاعات في المدينة ، وضخّمت النفوس المهزومة تلك الاشاعات، وضاعفت منها، وكثر اللّغط، وانتشر الرُّعب، وصارت المرأة تمنع ابنها وتُلزمه على الفرار، والرجل يمنع ابنه وأخاه (138) ، حتّى فرّ الكثير من جيش مسلم ، واستبدّ الذعر بغيرهم .
ولعبت المطامع ونجحت محاولات التخذيل ، حتّى لم يبق ملازم لمسلم غير ثلّة من المخلصين ، إذ خاضوا معه غمار حرب الشوارع ، واتّخذوا من محلّة (كندة) في الكوفة قاعدة لثباتهم .
أبدى مسلم شجاعة نادرة قلّ نظيرها ، وقاتل قتال الأبطال إلى أن كثرت الجراح ، فاُسِرَ وقُتل ، فقضى شهيداً من أجل الله ورسالته ، وفقدت الحركة بذلك أعظم قياداتها المبدئيّة في العراق .
كما قتل ابن زياد ، هانئ بن عروة ، وكان من زعماء الكوفة الّذين نصروا مسلماً وأيّدوه .


في الطّريق إلى العراق

بلغ القلق بالحكم الاموي كلّ مبلغ ، حين أدرك زعماؤه أنّ الحسين (ع) قد استقطب مكّة أو كاد لصالح نهضته المباركة ، فأرسل يزيد جيشاً من الشام ، وولّى عمرو بن سعيد بن العاص قائداً عامّاً له .
وحين تلقّى الامام الحسين (ع) نبأ الزحف الامـوي باتّجاه بيت الله الحرام ، كبر عليه أن تُستباح حرمته ، علماً منه بأنّ يزيد وجنوده لا يرعون حرمة للبيت ولا لحجّاجه ، فقرّر (ع) مغادرة مكّة والاتّجاه إلى العراق ، على أنّه كان مدركاً النتيجة الحتميّة الّتي سيؤول إليها ، كما يتجلّى ذلك من خطبته عند خروجه من مكّة :
(الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله .
خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه .
كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة ، بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منِّي أكراشاً جوفاً ، وأجربة سغباً ، لا محيص من يوم خُطّ بالقلم) (139) .
في الثامن من ذي الحجّة سنة (60 هـ ) ، سار ركب الحسين (ع) .
وفي الطريق إلى العراق كان يلتقي بالمسافرين ويستفسر عن أحوال الناس ووجهتهم في العراق ، وكان الجواب الحاسم : ( إنّ السيوف مع بني اُميّة والقلوب معه ) .
بيد أنّ الحسين (ع) كان واثقاً من أنّ الاُمّة لا تستيقظ إلا بهزّة كبرى ، ولتكن الهزّة استشهاده ومن معه من ذرّيِّة رسول الله (ص) .


في كربلاء

في الثاني من محرّم الحرام سنة 61 هـ ، حلّ الحسين (ع) وصحبه وأهل بيته الأبرار في عرصات كربلاء ، ليكون رمزاً خالداً للأحرار ، وشعاراً للثائرين على مرّ العصور والأجيال .
أمّا السلطة الامويّة ، وعلى رأسها عبيدالله بن زياد في الكوفة ، فراحت تبعث قوّاتها وتعبِّئ طاقاتها العسكريّة ، فانتدب ابن زياد عمر بن سعد لقيادة الجيش .
اعتذر عمر بن سعد في البداية لانّه كان يعلم مكانة الحسين (ع) من رسول الله (ص) ، إلا أنّه خضع بعد ذلك لتهديد ابن زياد بسحب العهد المكتوب له بولاية الريّ ، وقد سُمع عمر بن سعد وهو يردِّد الشعر :
أأتركُ ملكَ الرّيّ والرّيّ رَغبتي *** أم أرجع مذموماً بقتلِ حُسين
وفي قتله النارُ الّتي ليس دونها *** حِجابٌ ومُلكُ الرّي قُرَّة عَيْن(140)
وليس عمر بن سعد إلا نموذجاً للرِّجال الّذين قاتلوا الحسين (ع) ، وما يحملونه من دوافع دنيئة ، وأهداف حقيرة في محاربته .
وهكذا هانت عليه نفسه ، وقبل التكليف ، وتحرّك بجيشه المكوّن من أربعة آلاف مقاتل نحو نينوى لقتال الحسين (ع) .
وصل عمر بن سعد إلى كربلاء وأحاطت قوّاته مخيّم الحسين (ع) ، وفتح الحسين معه حواراً ، ووصلا إلى اقتراح بأن يترك الامام الحسين العراق دون معركة وإراقة دماء .
وكتب عمر بن سعد بذلك الاقتراح إلى ابن زياد ، وحمل جواب ابن زياد شمرُ بن ذي الجوشن ، وهو من ألدّ أعداء أهل البيت (ع) ، وكان ممّا جاء في الرسالة :
( أنظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سـلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتـلهم وتمثِّل بهم ، فانّهم لذلك مستحقّون ، وان قُتِلَ الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ... ) (141) .
وهكذا يصرّ منطق ابن زياد الجاهلي على إراقة الدِّماء والتمثيل بالقتلى، كما هو شأن أسلافه في جاهليّة قريش ، الّذين مثّلوا بالحمزة عمّ النبيّ (ص) من قبل .
إذن لا مناص من المواجهة ، فالحسين (ع) لا عودة له ولا رجوع عن القرار : ( إنّ مثلي لا يُبايع يزيد ) .
فإن كان ولا بدّ ، فما زال يردِّد القول : (لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظّالمين إلا بَرَما ) .
وما زال يحمل شعاره الّذي ورثه عن رسول الله (ص) ، وخاطب به الجيش الاموي قبل أيّام :
(أيُّها الناس ! إنَّ رسول الله (ص) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله ، ناكثاً لعهده ، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص) ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغيِّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله) (142) .
يئس الحسين (ع) من هذا القطيع المسلوب الوعي والارادة ، اللاهث وراء المغانم والحطام ، فطلب من أخيه العبّاس أن يفاوضهم على إعطاء الحسين (ع) مهلة تمتد طوال ليلة العاشر من المحرّم ، ليعطي قراره الحاسم ، عرض العبّاس ذلك الطلب فوافق عمر بن سعد وأركان جيشه أن يمهلوا الحسين (ع) ليلة واحدة .


ليلة العاشر

ولم يكن طلب الحسين (ع) تأجيل قراره إلى غد لغرض التفكير في الأمر وحساب الموقف ، فانّه قد فرغ من ذلك ، وبدا كلّ شيء أمامه واضحاً ، إنّما أراد أن تكون هذه اللّيلة ـ وهي آخر ليلة من الدُّنيا ـ ليلة عبادة ودعاء وليلة وداع ووصيّة مع الأهل والأحبّة ، فهو يدري ما يخبئه الغد ، لذلك خاطب أخاه :
(ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخِّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلِّي لربّنا اللّيلة ، وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أنّي قد كنت أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه ، وكثرة الدُّعاء والاستغفار) (143) .
جنّ اللّيل ، وأرخى الصمت سدوله ، وهدأت الطير والهوام ، ونامت جفون الخلائق كلّها ، إلا آل محمّد (ص) وأنصارهم ، باتوا ليلتهم بين داع ومصلٍّ، وتال للقرآن ومُستغفر، وبين مودِّع وموص بأهله وبأبنائه ونسائه، فكان لهم دويّ كدويّ النحل ، وحركة واستعداد للقاء الله سبحانه ، يصلحون سيوفهم ، ويهيئون رماحهم .
باتوا تلك اللّيلة ضيوفاً في أحضان كربلاء، وبات التاريخ أرِقاً ينتظر الحدث الكبير وما يتمخّض عنه ميلاد الصباح ، فغداً سَيُخطُّ بمداد الدمّ المقدّس أروع فصل كُتِبَ في عمر الانسان .
الحسين (ع) يودِّع أهله وأحبـابه ، ويزور السـجّاد وسكينة وليلى والرباب والباقر الصغير (ع) ، وبقيّة أهل بيته ، ويوصي آخر وصاياه ، ويعهد بآخر عهد له ، وقد استسلم للقدر ، وباع نفسه لله وقرّر أن يسقي شجرة الهدى والايمان بغزير دمه وفيض معاناته .


يوم عاشوراء

مضت تلك اللّيلة ، ومضى معها تاريخ طويل ، وها قد وُلِدَ اليوم العاشر من المحرّم ، يوم الدم والجهاد والشهادة ، يوم اللقاء والمصير .
وها هو عمر بن سعد يعدّ جيشه ، ويُعبِّئ قوّاته لقتال ابن بنت رسول الله (ص) ، وخامس أهل البيت المطـهّرين(ع)الّذين فرض الله حبّهم وولاءهم على هذه الاُمّة بنصّ كتابه الكريم.
تأهّب الامام الحسين (ع) للقتال ، فشرع في تحصين مخيّمه الّذي يضمّ الأهل والنِّساء ، أمر بحفر خندق يحيط بظهر المخيّم ، وأضرم فيه النار ، ليمنع هجوم الجيش عليه ، فتركّزت المواجهة مع العدو في جبهة واحدة .
وقف الامام الحسين (ع) خطيباً ، وراح يُذكِّرهم بكتبهم ورسائلهم وبيعتهم له ، فلم يستجيبوا له ، ولم يتأثّروا بندائه .
ثمّ عاد (ع) مرّة اُخرى ووقف أمام الجيش على ظهر فرسه ، ورفع كتاب الله ، ونشره على رأسه ، ثمّ قال : (يا قوم إنّ بيني وبينكم كتاب الله ، وسنّة جدّي رسول الله (ص) ) ، فلم يسـتجب له أحد منهم ، بل أصدر عمر بن سعد أوامره لحامل رايته بالتقدّم ، وأشعل نار الحرب بيده الآثمة فأطلق أوّل سهم على معسكر الحسـين (ع) ، وقال : ( إشهدوا أنِّي أوّل مَن رمى ) .
نظر الحسين (ع) إلى الجيش الزاحف وتأمّل به طويلاً، ولم يزل الحسين كالجبل الشامخ ، قد اطمأنت نفسه بذكر الله ، وهانت دنيا الباطل في عينه ، وتصاغر الجيش أمامه، فلم ترهبه كثرة أعدائه وتدافع سيوفهم ورماحهم نحوه ، فاتّجه نحو ربّه رافعاً يد الضّراعة والابتهال إلى الله سبحانه وراح يناجي :
(أللّهمّ أنتَ ثقتي في كُلِّ كَرْب ، وأنتَ رجائي في كُلِّ شدَّة ، وأنتَ لي في كُلِّ أمر نَزَلَ بي ثقة وعُدَّةٌ .
كَمْ من همٍّ يضعُفُ فيه الفُؤادُ ، وتقلُّ فيه الحيلةُ ، ويخذِلُ فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو، أنزلته بكَ وشكوتهُ إليك، رغبة منِّي إليك عمَّن سواكَ ، فَفَرَّجته عنِّي، فأنت وليُّ كُلِّ نعمة، وصاحبُ كُلِّ حسنة، ومنتهى كُلِّ رَغْبَة) (144).
كانت تلك البداية منطلق الكارثة والمأساة الّتي ذهب ضحيّتها سليل النبوّة وإمام المسلمين الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، سبط الرسول الاكرم (ص) .
دارت رحى الحرب وتبارز الفريقان تارة وتلاحما في القتال تارة اُخرى ، وكان طبيعيّاً أن تُمكِّن القوّةُ جيشَ يزيد بن معاوية من قتل هذه الفئة القليلة العدد الّتي لا يتجاوز عدد أفرادها ثمانية وسبعين رجلاً .
لقد تجسّدت مأسـاة أهل البيت (ع) ومظلوميّتهم المؤلمة يوم كربلاء الفجيعة .
استمرّت المعركة طاحنة رهيبة، واستمرّ تساقط الشهداء من أصحاب الحسين وأهل بيته (ع) الواحد تلو الاخر ، اُولئك الابطال من آل عقيل عليّ بن أبي طالب والبقيّة الخيِّرة من
الأصحاب، مجزّرين كالاضاحي، يتناثرون في أرض المعركة تناثر النجوم في سماء الخريف ، ويسبحون في برك الدم سبح الشقائق في حوض النهر .
استمرّ الهجوم والزحف نحو مَنْ بقي مع الحسين (ع) ، وأحاطوا بهم من جهات متعدّدة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه ، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب : (أحرقوا الخيام) ، فضجّت النِّساء وتصارخ الأطفال وعلا الضجيج ، وراحت ألسنة النار تلتهم المخيّم وسكّانه يفرّون فزعين مرعوبين .
وقف الحسين في هذا المشهد الرهيب ، بين الشهداء المتناثرين على أرض المعركة ، وقد حزّ في نفسه عويل النِّساء وصراخ الأطفال ولوعة اليتامى والأرامل من آل محمّد (ص) ، وقف ينادي :
(هل مِنْ ذابٍّ عن حرم رسول الله ؟ هل مِنْ مُوَحِّد يخاف الله فينا ؟ هل مِنْ مُغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟) (145) .
فلم يُجِبْه غير صراخ النسوة ، وعويل الأطفال وضجيجهم المروِّع ، لم يبق أمام الحسين (ع) إلاّ أن ينازل القوم بنفسه ، ويدخل المعركة مبارزاً بفروسيته وشجاعته، وقلبه يفيض حبّاً وحناناً، وخوفاً على أهله وحرمه ، وحرم الأنصار وأيتام الشهداء .
وقد أيقن الحسين (ع) أنّه لن يعود بعد هذه الحملة ، فحامت عواطف الحب ، ولواعج الاُبوّة المفجوعة حول ولده الرضيع عبدالله ، فشدّه الشوق إليه وأجاءته ساعة الفراق نحوه ، ووقف على باب الخيمة ينادي اُخته زينب ، ويطلب منها أن تحمل إليه ولده ليطبع على شفتيه القبلة الأخيرة ، ويلقي عليه نظرة الوداع .
جاءت به عمّته زينب تحمله، فرفعه الحسين (ع) ليعانقه ويقبِّل شفتيه الذابلتين ، فسبقه سهم من معسكر الأعداء إلى نحر الطفل الرضيع(146) ، وحالَ بينه وبين الحياة . فراح يفحص رغام الموت بقدميه ، ويسبح في مسرب الدم البريء ويكتب بذلك الدم المقدّس أروع قصيدة في ديوان المآسي ، ويخاطب ضمير الانسان عبر أجيال التاريخ بتلك الظليمة والفاجعة الّتي رُزئ بها آل محمّد (ص) في يوم عاشوراء .
ما عسى أن يفعل الحسين (ع) ؟ وكيف يمكن أن يتصرّف أب مفجوع وقد سالت بين يديه دماء طفل رضيع بريء ، يناغي السماء ، ويملأ أحضان أبيه بالبشْر والابتسامة ؟ ما عسى أن يصنع الحسين (ع) وهو يرى ولده الرضيع قد ذُبِحَ بين يديه ؟
وقف الحسين (ع) كالطود الأشمّ ، لم يضعف ولم يتزعزع ، بل راح يجمع الدم بكفيه ويرفعه شاكياً إلى الله ، باعثاً به نحو السماء ، مناجياً :
(هَوَّن عليَّ ما نزل به ، أنّه بعين الله) (147) .
وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وسُحُب المأساة تتجـمّع في آفاقها الكئيبة ، وصيحات العطش والرعب الّتي تنبعث من حناجر النِّساء والأطفال تتعالى من حول الحسين (ع) .
ركب الحسين (ع) جواده يتقدّمه أخوه العبّاس بن عليّ وتوجّه نحو الفرات ليحمل الماء إلى القلوب الحرّى ، والأكباد الملتهبة من آل محمّد (ص) ، فحالت جموع من العسكر دونه ، اقتطعوا عنه العبّاس ، الفارس والبطل وحامل اللواء ، فغدا الحسين (ص) بجانب والعبّاس بجانب آخر .
وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العبّاس صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس وتساقطت فرسان ، وقد بَعُدَ العبّاس عن أخيه الحسين (ع) يصول في ميدان الجهاد ، حتّى وقع صريعاً (148) يسبح بدم الشهادة ويثبِّت لواء الحسين الّذي حمله يوم عاشوراء في أرض كربلاء ، خفّاقاً إلى الأبد، لا تبليه الأيام ، ولا تطأطئ هامته الطغاة .
في الجانب الآخر كان الحسين (ع) يقتحم الميدان ويحاول الوصول إلى الفرات ، فحالت دونه وحدات عسكريّة اُخرى ، ووجه أحد رجال ابن سعد سهمه نحو الحسين (ع) فأصاب حنكه ، فانتزع الحسين (ع) السهم وراح يستجمع الدم بيده ، ثمّ يلقي به ويناجي ربّه :
( اللّهمّ إنِّي أشكو إليكَ ما يُفعل بابن بنْتِ نبيِّك ) (149) .
نظر الحسين (ع) إلى ما حوله ، مدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم يَرَ أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو مضرّج بدم الشهادة ، مقطّع الأوصال ، فراح يردِّد كلمات الاوسي عندما جاء لنصرة رسول الله (ص) :
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى *** إذا ما نوى حقّاً وجاهد مُسْلِما
وواسى الرِّجالَ الصّالحين بنفسهِ *** وفارقَ مثبـوراً وخالفَ مُجْرِما
فإنْ عِشْتُ لم أندمْ وإنْ متُّ لمْ اُلَمْ *** كفى بِكَ ذُلاًّ أن تعيش وتُرْغَما
ها هو الحسين (ع) وحده يحمل سيف رسول الله (ص) وبين جنبيه قلب عليّ (ع) ، وبيده راية الحق ، وعلى لسانه كلمة التقوى . وقف أمام جموع العسكر الّتي أوغلت في الجريمة واستحوذ عليها الشيطان ، ولم تفكِّر إلاّ بقتل الحسين والتمثيل بجسده الطاهر .
إذن هذا هو اليوم الموعود الّذي أخبر به رسول الله (ص) ، وتلك هي تربته الّتي بُشِّر بها من قبل .
حمل الحسين (ع) سيفه ، وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها بالبراز ، وراح ينازل فرسانهم ، ويواجه ضرباتهم بعنف وشجاعة فذّة ، ما برز إليه خصم إلاّ وركع تحت سيفه ركوع الذل والهزيمة .
تعلّق قلب الحسين (ع) بمخيّمه وما بقي فيه من صبية ونساء ممّن سَلِموا من القتل والفتك ، فراح ينـادي وقد هجمت قوّات عمر بن سـعد على الحسين (ع) وطوّقته ، وحالت بينه وبين أهله وحرمه ، فصاح بهم :
( أنا الّذي اُقاتلُكُم والنِّساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لِحُرَمي ما دُمتُ حيّاً ) (150) .
صُمَّت أسماع وقلوب اُولئك الأجلاف عن قول ابن بنت رسول الله (ص) ، وتقدّم شمر بن ذي الجوشن وعشرة من رجاله نحو مخيم الحسين الّذي فيه عياله ، فصرخَ فيهم الحسين :
(ويلكم إنْ لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا أحراراً ذوي أحساب ، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهّالكم) .
قال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يا ابن فاطمة .
استمرّ الهجوم عنيفاً والحسين (ع) في بحر الجيش العَرَمْرَم ، يُجالد العسكر ، حتّى سدّد أحد جنود الأعداء سهماً نحو شـخصه الشريف ، فاستقرّ السّهم في نحره ..
وراحت ضربات الرِّماح والسّيوف تمطر جسد الحسين (ع) حتّى لم يستطع مقاومة النّزف والجراح الّتي عُدّت في جسد الحسين (ع) فكانت سبعة وستّين جرحاً (151) .
عانق الحسين (ع) صعيد الطفوف ، واسترسل جسده الطاهر ممتدّاً على بطاح كربلاء ، ويجري من شريان عنقه شلال الدم المقدّس ، إلاّ أنّ روح الحقد والوحشية الّتي ملآت جوانح الجناة لم تكتف بذلك الصنيع ، ولم تستفرغ أحقادها في حدود هذا الموقف .
بل راح شمر بن ذي الجوشن يحمل سيف الجريمة والوحشية ويتّجه نحو الحسين (ع) ليفصل الرأس عن جسده ، ويقطع بذلك غصناً من شجرة النبوّة ، ويثكل الزّهراء بأعزّ أبنائها .. الرأس الّذي طالما سجد مخلصاً لله ، وحمل اللسان الّذي ما فتئ يردِّد ذكر الله ، وينادي :
( لا اُعطيكُم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا اُقِرُّ إقرارَ العبيد ) .
الرأس الّذي حمل العزّ والإباء ورفض أن ينحني للطغاة ، أو يطأطئ جبهته للظالمين . فأكبّ الحسين (ع) على وجهه ، وراح يحتزّ رأس الشرف والإباء ويحول بينه وبين الجسد الطاهر ، وليحمل الرأس الشريف هديّة للطّغاة من آل اُميّة الّذين باع لهم دينه وإنسانيته ووجدانه .
ثمّ حرّك ابن سعد خيله لِتَطَأَ جسد الحسين (ع) وقلبه المطهّر بحوافرها.
بقيت الجثث الطواهر الزواكي ثلاثة أيّام مُلقاة على رمضاء كربلاء ، قبل أن يدفنها جماعة من بني أسد ، كانوا يقيمون قرب أرض المعركة .
لم يكتف القتلة بكلّ ذلك ، بل حملوا آل الرسول (ص) ، من النِّساء والأطفال وبقيّة الركب ، أسرى إلى الكوفة ، ثمّ إلى الشام ، ساروا بهم في الشوارع والأزِقّة ، يتقدّم موكبهم الحزين رأس الحسين (ع) ورؤوس أصحابه .








ونسالكم الدعااء
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

تحياتي خاادمه اهل البيت





__________________
أحلى قمر
مشكووره ياغالية
نور من اهل البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-12-2010, 07:03 PM   #2
جنة لبنان
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية جنة لبنان
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: لبنان
العمر: 44
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
جنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الامام الحسين (الشهيد) ع


السلام على الحسين وعلى ابناء الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى اخيه العباس واخته زينب

__________________
جنة لبنان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-2010, 10:36 AM   #3
loole
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: البحرين
المشاركات: 307
معدل تقييم المستوى: 108
loole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant futureloole has a brilliant future
افتراضي رد: الامام الحسين (الشهيد) ع

" اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف "
موضوع رااائع وحقق الله مرااادج

مشكورة اختي الله يعطيج العافية
تقبلي مروري
لولي
__________________


اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف




( وظني فيك يا ربي جميل َ 3
فحقق يا إلهي حسن ظني )


لبيك داعي الله .. ان كان لم يجبك بدني عند استغاثتك
و لساني عند استنصارك
فقد اجابك قلبي و سمعي و بصري

((منصورين والناصر الله ))


loole غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-2011, 09:15 PM   #4
البسمات الفاطميه
●• مراقبة سابقة •● متىَ الملقىَ يَاسيدي؟
 
الصورة الرمزية البسمات الفاطميه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
الدولة: فِي دَولة’ة العَدلِ المُنتظَر إنتمائِي . .
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
البسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond reputeالبسمات الفاطميه has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الامام الحسين (الشهيد) ع

جزآك ألآله كل الخير
على رؤعه طرحج
بوركتي لنا غاليتي
__________________

عاشق اسمك والاسم أصبح كحل عيني
كيف أخبي أوكل مسه طيفك يمسيني
ما حدا بيقدر يغير لحظة إيماني
***
إي مره لو تذكر أوتحضر يمهدينه
بدنه من نار العياب الكبرى تحمينه
عقلي ما يصدق سيدي الغالي تنساني
***
والله مولاي أبغيابك صعبة أيامي
يا نهر ينبض عذوب وقلبي الغالي
أنته صوم أعطي أوصلاتي وأنته قرآني



نسالكم صالح الدعاء ..
البسمات الفاطميه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-06-2011, 12:47 PM   #5
عبير الزهــــــــراء
•● مشرفة سابقة ●• بنور فاطمه اهتديت
 
الصورة الرمزية عبير الزهــــــــراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
الدولة: السعودية
المشاركات: 3,796
معدل تقييم المستوى: 900
عبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond reputeعبير الزهــــــــراء has a reputation beyond repute
افتراضي رد: الامام الحسين (الشهيد) ع

اللهم صل على محمد وآل محمد

السلام عليك ياشهيد كربلاء


بارك الله فيك اخيتي نور من اهل البيت

وفي ميزان حسناتك
__________________




عبير الزهــــــــراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
:: لماذا يقتل الامام المهدي "ع" ذراري قتلة الامام الحسين"عليه السلام" :: عاشقة العتره الطاهره نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 19 05-07-2011 02:28 PM
رسالة الحسين الشهيد (عليه السلام) لشيعة العالم فرقان كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء 5 29-06-2011 01:53 PM
مرقد الشهيد المظلوم السقط محسن بن الامام الحسين (ع) فاطمة باسم صور الدينيـة,صور أسلامية - صور علماء - صور مراقد و أضرحة المعصومين 6 14-02-2011 10:18 AM
المحسن بن الامام الشهيد الحسين عليهما السلام °o.O نـ آلدنيآ ـور O.o° أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 1 05-09-2010 07:22 PM
كرم الامام الحسين (ع) لؤلؤة الزهراء أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 18 21-01-2009 08:35 PM


الساعة الآن 02:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir