أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) ![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 |
![]() الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.هو الذي واكب واقعة كربلاء منذ البداية وحتى النهاية، وهو الذي شهد مصرع أبيه وإخوته وأعمامه وبني عمومته وأصحاب أبيه، رضوان الله عليهم أجمعين، كما شاهد عليه السلام بنات رسول الله (ص) عصر عاشوراء يتراكضن في البيداء من خباء إلى خباء، ومن خيمة إلى خيمة، ومنادي القوم: أحرقوا بيوت الظالمين. ولله صبره وهو ينظر إبن مرجانة وبيده العود ينكث ثنايا أبيه الحسين عليه السلام. وكانت خاتمة الجولة الشام، ومجلس يزيد بن معاوية، وشماتة بني أمية. فلو أن أيوباً رأى بعض ما رأى لقال نعم هذا العـظيمة بلواه فوالله لمصيبته لا تصغر عندها مصيبة أيوب عليه السلام فحسب بل تصغر لديها مصائب الدنيا بأسرها، وفوادح الدهر منذ أن تخطى آدم عليه السلام هذا الكوكب وحتى تقوم الساعة. وإذا كان الحديث عن مصائبه عليه السلام له المنطلق الرحب، والمجال الواسع، فجوانب حياته الأخرى فيها الشئ الكثير من العبر والدروس، فلقد كان عليه السلام الغاية في العبادة - كما يقول إبن أبي حديد - وكيف لا يكون كذلك، وقد أجمع أهل السير والتراجم على أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وصارت لأعضاء سجوده ثفنات كثفنات البعير، يقطعها في السنة مرتين، وأصبح لا يُعرف ألا بزين العابدين والسجاد وذي الثفنات وسيد العابدين، كما أن سيرته عليه السلام هي السيرة المثالية التي لا يقدر عليها إلا نبي أو وصي نبي، وإلا فهل هناك من يقبل أن يضم عائلة مروان بن الحكم - أعدى الناس لأهل البيت - إلى عياله في واقعة الحرة، أو يعول بمائة بيت من أهل المدينة، أو يحمل جراب الدقيق على ظهره ويطوف على بيوت الفقراء، يوصلها إليهم سراً وهم لا يعرفونه. ![]() وإذا تحدثنا عن أدعيته عليه السلام، فأنت إذا رفعت القرآن الكريم وحديث الرسول الأعظم (ص) ونهج البلاغة، فقل فيها ما شئت، فهي زبور آل محمد والموسوعة الإلهية الكبرى. والحديث عن بعض جوانب حياته عليه السلام، حافلة بالكثير من كلامه وسيرته الكريمة المليئة بالمثل الرفيعة، والسجايا الكريمة؛ النص عليه بالخلافة.. عبادته.. سيرته..إحسانه وكرمه.. عتقاؤه.. خطبه.. وصاياه.. رسالته.. رسالة الحقوق.. حكمه.. أجوبته.. أدعيته أو الصحيفة السّـجـّادية.. إستجابة دعائه.. شعـره .. كلمات العلماء والعظماء.. قصيدة الفرزدق... نسرد فيما يلي ما تيسر منها. الامام زين العابدين سلام الله عليه في سطور هو الإمام عليّ بن الحسين ((عليه السلام)) رابع أئمة أهل البيت ((عليهم السلام))،وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله((صلى الله عليه وآله))، وأوّل من أسلم وآمن برسالته، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، كما صحّ في الحديث عنه. وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وبضعته، وفلذة كبده، وسيّدة نساء العالمين كما كان أبوها يصفها. * وأبوه الإمام الحسين ((عليه السلام)) أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، سبط الرسول وريحانته ومن قال فيه جدّه((صلى الله عليه وآله)): «حسين منّي وأنا من حسين»، وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين. * وهو أحد الأئمّة الاثني عشر ((عليهم السلام)) الذين نصّ عليهم النبىّ((صلى الله عليه وآله)) كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، إذ قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش». * وقد ولد الإمام عليّ بن الحسين ((عليهما السلام)) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، نشأة الامام زين العابدين لقد توفّرت للإمام زين العابدين((عليه السلام)) جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول((صلى الله عليه وآله)) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء على أداء رسالته. نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه, إشارة لقوله تعالى: (في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار). النور (24) : 36 ـ 37.)، ومنذ الأيام الاُولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام((عليه السلام)) في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى((عليه السلام)) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام((عليه السلام)) طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ((عليهما السلام)) الذي رأى في ولده علي زين العابدين((عليه السلام)) امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته. لقد ولد الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (36 هـ )(1) يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام علي((عليه السلام)) لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الى الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (94 أو 95 هـ ). وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (38 هـ ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين((عليه السلام)) قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط((عليه السلام)) مع أهله عن أبيه((عليه السلام)) في هذه الفترة بشكل خاص(2) اُمّـهُ : اسمها «شهربانو» أو «شهر بانويه» أو «شاه زنان» بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس(3)، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه(4). (1) الإرشاد : 2/137، ومناقب آل أبي طالب : 4/189، والإقبال : 621 ، ومصباح الكفعمي: 511 ، والأنوار البهية: 107 قال: سنة 36 يوم فتح البصرة. (2) تاريخ أهل البيت، لابن أبي الثلج البغدادي م 325 : 77. (3) رغم أنّ أغلب المؤرخين متفقون على أنّ اُم الإمام السجاد ((عليه السلام)) هي ابنة الملك يزدجرد إلاّ أن هناك من يعتبر ذلك مجرد اُسطورة، راجع زندگانى علي بن الحسين((عليه السلام)) للسيد جعفر الشهيدي. والإسلام وايران للشهيد مطهري: 100 ـ 109 وحول السيدة شهر بانو للشيخ اليوسفي الغروي في مجلة رسالة الحسين((عليه السلام)): 24/14 ـ 39 ، والثابت أن اُمّ الإمام السجاد((عليه السلام)) سبيّة من سبايا الفرس، ولا يثبت أكثر من هذا. (4) سيرة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته ((عليهم السلام)) : 2 / 189، المجمع العالمي لأهل البيت ((عليهم السلام)) الطبعة الاُولى 1414 هـ . ![]() كُـناه : أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله ( حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل: 390). ![]() ألقابـه: «زين العابدين» و «ذو الثفنات» و «سيّد العابدين» و «قدوة الزاهدين» و «سيّد المتّقين» و «إمام المؤمنين» و «الأمين» و «السجّاد» و «الزكي» و «زين الصالحين» و «منار القانتين» و «العدل» و «إمام الاُمّة» و «البكّاء»، وقد اشتهر بلقبي «السجاد» و «زين العابدين» أكثر من غيرهما. إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ : (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) ( الفرقان (25) : 63.)، وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالى، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه. لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التأريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة: 1 ـ روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله((صلى الله عليه وآله)) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال((صلى الله عليه وآله)): «يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم (سيّد العابدين) فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام»(1). ![]() 2 ـ كان الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين((عليه السلام)) قال: حدّثني «زين العابدين» عليّ بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟قال: لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس أنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟ فكأنـّي أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر (يخطو) بين الصفوف»(2)؟ ![]() 3 ـ وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقر((عليه السلام)) أنّه قال: «كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتّين، في كلّ مرة خمس ثفنات، فسمّي ذا الثفنات لذلك»(3). ![]() 4 ـ كما جاء عنه عن كثرة سجود أبيه: ما ذكر لله عزّوجلّ نعمة عليه إلاّ وسجد، ولا دفع الله عنه سوءً إلاّ وسجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ وسجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي بالسجّاد(4). (1) إحقاق الحق : 12 / 13 ـ 16، والبداية والنهاية لابن كثير : 9 / 106. (2) علل الشرائع : 1/269، والأمالي : 331 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 2 الحديث 1 و 2. (3) علل الشرائع : 1/273 ومعاني الأخبار : 65 وعنهما في بحار الأنوار : 46 / 6. (4) علل الشرائع : 1/272 وعنه في بحار الأنوار: 46/6 ح 10. قصيدة الفرزدق في مدح الامام زين العابدين http://www.youtube.com/watch?v=v10yT3omNEo ![]() النصّ على إمامة زين العابدين((عليه السلام)) لقد نصّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) على إمامة اثني عشر إماماً من أهل بيته الأطهار، وعيّنَهم بذكر أسمائهم وأوصافهم، كما هو المعروف من حديث الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري وغيره عند العامّة والخاصّة ( راجع : منتخب الأثر: 97، الباب الثامن، والإرشاد وإعلام الورى بأعلام الهدى: 2/181، 182، النصوص على الأئمة الاثنا عشر، قادتنا: 5/14، وإثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 2/285، النصوص العامة على الأئمة، وإحقاق الحقّ وملحقاته ج1 ـ 25). كما نصّ كلّ إمام معصوم على الإمام الذي يليه قبل استشهاده في مواطن عديدة بما يتناسب مع ظروف عصره، وقد كان النصّ يكتب ويودع عند أحد سرّاً، ويجعل طلبه دليلاً على الاستحقاق، ونلاحظ تكرّر هذه الظاهرة في حياة أبي عبدالله الحسين((عليه السلام)) بالنسبة لابنه زين العابدين((عليه السلام)) تارة في المدينة واُخرى في كربلاء قبيل استشهاده. وممّا روي من النصّ على إمامة ولده((عليه السلام)) ما رواه الطوسي، عن أبي جعفر الباقر((عليه السلام)): أنّ الحسين لمّا خرج الى العراق دفع الى اُمّ سلمة زوجة النبىّ((صلى الله عليه وآله)) الوصيّة والكتب وغير ذلك وقال لها: «إذا أتاك أكبر وُلدي فادفعي إليه ما قد دفعتُ إليك». فلما قُتل الحسين((عليه السلام)) أتى عليّ بن الحسين((عليه السلام)) أُمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين((عليه السلام)). وفي نصٍّ آخر: أنّه((عليه السلام)) جعل طلبها منها علامة على إمامة الطالب لها من الأنام فَطلبها زين العابدين((عليه السلام))(1). وروى الكليني عن أبي الجارود عن الإمام الباقر((عليه السلام)): أنّ الحسين((عليه السلام)) لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة، وكان عليّ بن الحسين((عليه السلام)) مريضاً لا يرون أنّه يبقى بعده، فلمّا قُتل الحسين((عليه السلام)) ورجع أهل بيته الى المدينة دفعت فاطمة الكتاب الى عليّ بن الحسين((عليه السلام))(2). و في احتجاج الإمام((عليه السلام)) مع عمّه محمد بن الحنفيّة أنّه قال له: «إنّ أبي صلوات الله عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه الى العراق وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة» (3). (1) الكافي : 1 / 242 / 3 ، والغيبة للطوسي: 118 الحديث 148، واثبات الهداة: 5 / 214 ـ 216. (2) الكافي : 1 / 241 / 1، واثبات الوصيّة: 142، وإعلام الورى : 1 / 482 ـ 483. (3) الاحتجاج : 2 / 147، احتجاجات الإمام زين العابدين((عليه السلام)) . ![]() الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) يوم عاشوراء : إنّ أشدّ ما كان يحزّ في نفوس أهل بيت الرسالة ومحبّيهم ما رواه حميد ابن مسلم، وهو شاهد عيان بعد ظهر اليوم العاشر من المحرّم إثر استشهاد الإمام الحسين((عليه السلام)) إذ قال: لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها من ظهرها حتى تغلب عليه فيُذهب به منها. ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسين((عليه السلام)) وهو منبسط على فراش وهوشديد المرض، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا له: ألا تقتل هذاالعليل؟ فقلت: سبحان الله أيقتل الصبيان؟! إنّما هذا صبيٌ وإنّه لما به، فلمأزل حتى دفعتهم عنه. وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين، فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض... من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه عليهن، فوالله ما ردّ أحد منهم شيئاً. وهكذا شارك الإمام زين العابدين((عليه السلام)) أباه الحسين السبط((عليه السلام)) في جهاده ضد الطغاة ولكنه لم يرزق الشهادة مع أبيه والأبرار من أهل بيته وأصحابه، فإنّ الله سبحانه كان قد حفظه ليتولّى قيادة الاُمّة بعد أبيه((عليه السلام)) ويقوم بالدور المعدّ له لصيانة رسالة جده((صلى الله عليه وآله)) من أيدي العتاة العابثين وانتحال الضالّين المبطلين ومن التيارات الوافدة على حضيرة الإسلام التي أخذت رقعتها بالاتّساع والانتشار السريع. ![]() تعرضت الاُمة الإسلامية في عصر الإمام السجاد((عليه السلام)) لخطرين كبيرين: الخطر الأول: هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالاُمة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الاسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد. وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين((عليه السلام)) فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول((صلى الله عليه وآله)) وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين. وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة. الخطر الثاني : هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية. وقد اتّخذ الإمام زين العابدين((عليه السلام)) من الدعاء أساساً هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت «الصحيفة السجادية» تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام((عليه السلام)) إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له(1). ![]() انطباعات عن شخصيّة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) اتّفق المسلمون على تعظيم الإمام زين العابدين((عليه السلام)) وأجمعوا على الاعتراف له بالفضل، وأنّه علم شاهق في هذه الدنيا، لايدانيه أحد في فضائله وعلمه وتقواه، وكان من مظاهر تبجيلهم له: أنّهم كانوا يتبركون بتقبيل يده ووضعها على عيونهم(العقد الفريد : 2 / 251). ، ولم يقتصر تعظيمه على الذين صحبوه أو التقوا به، وإنّما شمل المؤرخين على اختلاف ميولهم واتّجاهاتهم، فقد رسموا بإعجاب وإكبار سيرته، وأضفوا عليه جميع الألقاب الكريمة والنعوت الشريفة. ![]() أقوال وآراء معاصريه فيه ((عليه السلام)) : عبّر المعاصرون للإمام((عليه السلام)) من العلماء والفقهاء والمؤرّخين بانطباعاتهم عن شخصيّته، وكلها إكبار وتعظيم له، سواء في ذلك من أخلص له في الودّ أو أضمر له العداوة والبغضاء، وفيما يلي نبذة من كلماتهم: 1 ـ قال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري: ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين((عليه السلام))... (حياة الإمام زين العابدين، دراسة وتحليل : 1 / 126). 2 ـ كان عبد الله بن عباس على تقدّمه في السنّ يجلّ الإمام ((عليه السلام)) وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب. (تأريخ دمشق : 36 / 147، وتذكرة الخواص : 324) . 3 ـ وُصِف محمّد بن مسلم القرشي الزهري بالفقيه، وأحد الأئمّة الأعلام وعالم الحجاز والشام (تهذيب التهذيب : 9 / 445) وقد كان على خطّ غير أهل البيت((عليهم السلام)) ولكنّه أدلى بمجموعة من الكلمات القيّمة أعرب فيها عمّا يتصف به الإمام((عليه السلام)) من القيم الكريمة والمُثل العظيمة، وهذه بعض كلماته: أ ـ ما رأيت هاشمياً مثل عليّ بن الحسين... ( الأغاني : 15 / 325). ب ـ لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين(شذرات الذهب : 1 / 105). ج ـ ما رأيت أحداً أفقه منه ( شذرات الذهب : 1 / 105). 4 ـ سعيد بن المسيّب : وهو من الفقهاء البارزين في يثرب، وقال عنه الرواة: إنّه ليس من التابعين من هو أوسع منه علماً (تهذيب التهذيب : 4 / 85)،وقد صحب الإمام((عليه السلام)) ووقف على ورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، وقد سجّل ما رآه بهذه الكلمات: أ ـ ما رأيت قطّ أفضل من عليّ بن الحسين((عليه السلام)) وما رأيته قطّ إلاّمَقَتُّ نفسي ( تأريخ اليعقوبي : 3 / 46) ب ـ ما رأيت أورع منه.(العبر في خبر من غبر : 1 / 111). ج ـ كان سعيد جالساً وإلى جانبه فتىً من قريش، فطلع الإمام((عليه السلام)) فسأل القريشيّ سعيداً عنه، فأجابه سعيد: هذا سيّد العابدين(الفصول المهمة : 189). 5 ـ زيد بن أسلم : وكان في طليعة فقهاء المدينة، ومن مفسِّري القرآن(تهذيب التهذيب : 3 / 395)، وقد أدلى بعدّة كلمات بشأن الإمام((عليه السلام)) منها: أ ـ ما جالست في أهل القبلة مثله (حياة الإمام زين العابدين:1/129عن تأريخ دمشق: 12 / ق1 / الورقة 19). ب ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فيهم ( أي : في أهل البيت ) ( حياة الإمام زين العابدين: 1/129 عن تأريخ دمشق : 12 / ق1 / الورقة 19.). ج ـ ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فهماً حافظاً(طبقات الفقهاء : 2 / 34). 6 ـ حماد بن زيد : وهو من أبرز فقهاء البصرة، اُعتبر من أئمّة المسلمين (تهذيب التهذيب : 3 / 9)، قال فيه: كان عليّ بن الحسين أفضل هاشميٍّ أدركته(تهذيب اللغات والأسماء، القسم الأول : 343). 7 ـ يحيى بن سعيد: وهو من كبار التابعين، ومن أفاضل الفقهاء والعلماء (حياة الإمام زين العابدين( دراسة وتحليل): 1 / 130 عن تهذيب التهذيب).، وقد قال: سمعت عليّ بن الحسين وكان أفضل هاشمي رأيته (المصدرالسابق عن تهذيب الكمال م7/ ق2/ الورقة 336). 8 ـ لقد تعدّى الاعتراف بالفضل للإمام((عليه السلام)) إلى أعدائه ومبغضيه، فهذا يزيد بن معاوية وبعد أن ألحّ عليه أهل الشام في أن يخطب الإمام((عليه السلام)) أبدى مخاوفه منه قائلاً: إنّه من أهل بيت زُقّوا العلم زقّاً، إنّه لا ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان... ( المصدر: نفس المهموم : 448 ـ 452 ط قم عن مناقب آل أبي طالب : 4/181 عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي: الخطبة بدون المقدمة، والمقدمة عن الكامل للبهائي : 2/299 ـ 302 وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 1/175). 9 ـ عبد الملك بن مروان : وهذا عدوّ آخر يقول للإمام ((عليه السلام)): ... إنّك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وعصرك، ولقد اُوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضى من سلفك ...(بحار الأنوار : 46 / 75.) 10 ـ منصور الدوانيقي : وهذا عدوّ آخر أيضاً لأهل البيت((عليهم السلام)) قد أشاد بفضل الإمام((عليه السلام)) في رسالته إلى ذي النفس الزكية بقوله: ولم يولد فيكم (أي في العلويّين) بعد وفاة رسول الله((صلى الله عليه وآله)) مولود مثله (أي مثل زين العابدين) (الكامل للمبرد : 2 / 467، العقد الفريد : 5 / 310). ![]() آراء العلماء والمؤرخين فيه ((عليه السلام)) : 1 ـ قال اليعقوبي: كان أفضل الناس وأشدّهم عبادة، وكان يسمّى: زين العابدين، وكان يسمّى أيضاً: ذا الثفنات، لما كان في وجهه من أثر السجود...( تاريخ اليعقوبي : 3 / 46). 2 ـ قال الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر: في ترجمة الإمام((عليه السلام)): كان عليّ بن الحسين ثقةً مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً... (تأريخ دمشق : 36 / 142). 3 ـ قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقدكان أهلاً للإمامة العظمى; لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمالعقله... ( سير أعلام النبلاء : 4 / 240) 4 ـ قال الحافظ أبو نعيم: قال: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب((عليهم السلام)) زين العابدين ومنار القانتين، كان عابداً وفيّاً وجواداً صفيّاً...(حلية الأولياء : 3 / 133). 5 ـ قال صفيّ الدين: كان زين العابدين عظيم الهدى والسمت الصالح ...(المصدر:وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: 280). 6 ـ قال النووي: وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء... (عن تهذيب اللغات والأسماء : ق1 / 343) 7 ـ قال عماد الدين إدريس القرشي: كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أفضل أهل بيت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وأشرفهم بعد الحسن والحسين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة (عيون الأخبار وفنون الآثار: 144). 8 ـ قال النسّابة الشهير ابن عنبة: وفضائله ((عليه السلام)) أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف (المصدر:عمدة الطالب: 193). 9 ـ قال الشيخ المفيد: كان عليّ بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، وقال: قد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرة، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء ...( الإرشاد : 2 / 138 و 153). 10 ـ وقال ابن تيمية: أمّا عليّ بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً... وله من الخشوع وصدقة السرّ وغير ذلك من الفضائل ما هو معروف (منهاج السنّة : 2 / 123 ). 11 ـ قال الشيخاني القادري: سيّدنا زين العابدين عليّ بن الحسين بن أبي طالب اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجوّ في الجود محاسنه، عظيم القدر، رحب الساحة والصدر، وله الكرامات الظاهرة ما شوهد بالأعين الناظرة وثبت بالآثار المتواترة...(الصراط السوي الورقة 19). 12 ـ قال محمّد بن طلحة القرشي الشافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، وسيّد المتقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالةرسول الله((صلى الله عليه وآله)) وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاق التقوى فتفوّقها، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافة المسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة...( مطالب السؤول : 2 / 41). 13 ـ قال الإمام الشافعي: إنّ عليّ بن الحسين أفقه أهل المدينة(رسائل الجاحظ: 106). 14 ـ قال الجاحظ: وأمّا عليّ بن الحسين فلم أرَ الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلاّ كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلاّ كالعامي، ولمأرَ العامي إلاّ كالخاصي، ولم أجد أحداً يتمارى في تفضيله ويشكفي تقديمه... (عمدة الطالب: 193 ـ 194). 15 ـ قال سبط ابن الجوزي: وهو أبو الأئمّة وكنيته أبو الحسن ويلقب بزين العابدين وسمّاه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) سيد العابدين... والسجاد; وذي الثفنات، والزكي والأمين، الثفنات:ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين فكان طول السجود قد أثّر في ثفناته(تذكرة الخواص : 324 ). ![]() مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) الحـلـم : كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون : 1 ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً : «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام((عليه السلام)): «عفا الله عنك»، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال ((عليه السلام)) لها: «إذهبي فأنت حرّة» (المصدر: أمالي الصدوق : 168 ح 12 والارشاد : 2/146 ، ومناقب آل أبي طالب : 4/157، تاريخ دمشق : 36/155 وابن منظور في مختصره: 17/240 ، وسير أعلام النبلاء : 4/397 ، ونهاية الارب : 21/326). 2 ـ سبّه لئيمٌ فأشاح((عليه السلام)) بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني... وأسرع الإمام قائلاً: «وعنك اُغضي...» وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل (مناقب آل أبي طالب : 4/171 ، والبداية والنهاية : 9 / 105). 3 ـ ومن عظيم حلمه ((عليه السلام)): أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال((عليه السلام)) له: «إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك...» ( الإرشاد : 1/146 عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م 270 هـ). السخاء : أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: 1 ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام ((عليه السلام)) ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام((عليه السلام)): ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام((عليه السلام)): هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له. 2 ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره. 3 ـ وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس. تعامله مع الفقراء : أ ـ تكريمه للفقراء : كان((عليه السلام)) يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة(حلية الأولياء : 3 / 137، وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/167)، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: «مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة» ( كشف الغمة : 3/288 عن مطالب السؤول للشافعي عن حلية الأولياء للاصفهاني). ب ـ عطفه على الفقراء: كان((عليه السلام)) كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه (مناقب آل أبي طالب : 4/166 و 167 عن الباقر (عليه السلام)) .. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل; وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال((عليه السلام)) لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: «لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!». وكان يقول:«الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده»(بحار الأنوار : 46 / 62). ج ـ نهيه عن ردّ السائل: ونهى الإمام((عليه السلام)) عن ردّ السائل; وذلك لما له من المضاعفات السيّئة التي منها زوال النعمة وفجأة النقمة. وأكد الإمام((عليه السلام)) على ضرورة ذلك في كثير من أحاديثه، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع عليّ بن الحسين الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلمّا فرغ من صلاته نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها:«لا يعبر على بابي سائل إلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم جمعة»، فقال له أبو حمزة: ليس من يسأل مستحقاً، فقال((عليه السلام)): «أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه، ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله، أطعموهم، أطعموهم، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً فيتصدّق منه، ويأكل منه هو وعياله، وإنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً، له عند الله منزلة اجتاز على باب يعقوب يوم جمعة عند أوان إفطاره، فجعل يهتف على بابه: أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم، وهم يسمعونه، قد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس منهم وغشيه الليل مضى على وجهه، وبات طاوياً يشكو جوعه إلى الله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة:لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي، وبلواي عليك وعلى ولدك، يا يعقوبأحبّ أنبيائي إليّ وأكرمهم عليّ من رحم مساكين عبادي وقرّبهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ، أما رحمت عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا؟! أما وعزّتي لأنزلنّ بك بلواي، ولأجعلنّك وولدك غرضاً للمصائب. فقال أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟قال((عليه السلام)): في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات السائل الفقير طاوياً جائعاً» (علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت). ![]() صدقـاته : وكان من أعظم ما يصبو إليه الامام زين العابدين((عليه السلام)) في حياته الصدقة على الفقراء لإنعاشهم ورفع البؤس عنهم، وكان((عليه السلام)) يحثّ على الصدقة; وذلك لما يترتّب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال:«ما من رجل تصدّق على مسكين مستضعف فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلاّ استجيب له»( وسائل الشيعة : 6 / 296). ونشير إلى بعض ألوان صدقاته وجميل خصاله : ـ التصدّق بثيابه: كان((عليه السلام)) يلبس في الشتاء الخزّ، فإذا جاء الصيف تصدّق به أو باعه وتصدّق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ويتصدّق بهما إذا جاء الشتاء(تأريخ دمشق : 36 / 61)، وكان يقول: «إني لأستحي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه» (مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3/136 ـ 140). ب ـ التصدّق بما يحبّ: كان يتصدّق باللوز والسكَّر، فسئل عن ذلك فتلا قوله تعالى: (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبّون) ( مناقب آل أبي طالب: 4/167 ). وروي أنّه كان يعجبه العنب، وكان صائماً فقدّمت له جاريته عنقوداً من العنب وقت الإفطار، فجاء سائل فأمر بدفعه إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه، وقدّمته إلى الامام، فطرق سائل آخر الباب، فأمر((عليه السلام)) بدفع العنقود إليه، فبعثت الجارية من اشتراه منه وقدّمته للإمام، فطرق سائل ثالث الباب فدفعه الإمام إليه. ( المحاسن: 2/361 طبعة المجمع العالمي لأهل البيت((عليهم السلام))، وفروع الكافي : 6 / 350). ج ـ مقاسمة أمواله : وقاسم الإمام أمواله مرّتين فأخذ قسماً له، وتصدّق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين (مناقب آل أبي طالب : 4/167 عن حلية الأولياء : 3 / 140 ، وجمهرة الأولياء : 2 / 71، وخلاصة تهذيب الكمال: 231 ). ![]() ـ صدقاته في السرّ : وكان أحبّ شيء عند الإمام((عليه السلام)) الصدقة في السر، لئلاّ يعرفه أحد، وقد أراد أن يربط نفسه ومن يعطيهم من الفقراء برباط الحبّ في الله تعالى، وتوثيقاً لصلته بإخوانه الفقراء بالإسلام، وكان يحثّ على صدقة السرّ ويقول: «إنّها تطفئ غضب الربّ»(1). وقد اعتاد الفقراء على صلة لهم في الليل، فكانوا يقفون على أبوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب(2). وكان له ابن عم يأتيه بالليل فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول له العلوي: إنّ عليّ بن الحسين لا يوصلني، ويدعو عليه، فيسمع الإمام ذلك ويغضي عنه، ولا يُعرّفه بنفسه، ولمّا توفّي((عليه السلام)) فقد الصلة، فعلم أنّ الذي كان يوصله هو الإمام عليّ بن الحسين((عليه السلام)) فكان يأتي قبره باكياً ومعتذراً منه(3). وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين(4). وكان((عليه السلام)) شديد التكتّم في صلاته وهباته، فكان إذا ناول أحداً شيئاً غطّى وجهه لئلاّ يعرفه(5). وقال الذهبي : إنّه كان كثير الصدقة في السرّ(6). وكان((عليه السلام)) يجعل الطعام الذي يوزّعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره، وقد ترك أثراً عليه(7). (1) مناقب آل أبي طالب : 4/165 عن الثمالي والثوري، وفي تذكرة الحفاظ : 1 / 75 واخبار الدول: 110 ونهاية الإرب : 21 / 326، وكشف الغمة : 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء. وفي الكشف : 2/312 عن الجنابذي عن الثوري عنه((عليه السلام)) كان يقول: إنّ الصدقة تطفئ غضب الرب. بدون قيد السّر. (2) مناقب آل أبي طالب : 4/166 . (3) كشف الغمة : 2/319 عن نثر الدرر للآبي. (4) حلية الأولياء وعنه في مناقب آل أبي طالب : 4/166 وكشف الغمة : 2/290 عن مطالب السؤول عن الحلية: 4/136 وفي البداية والنهاية لابن كثير : 9/114، وصفة الصفوة : 2 / 54، الإتحاف بحب الأشراف: 49 والأغاني : 15 / 326. (5) مناقب آل أبي طالب : 4/166 عن الباقر((عليه السلام)) . (6) تذكرة الحفّاظ : 1 / 75. (7) تأريخ اليعقوبي : 2/303 ط بيروت. ![]() هـ ـ ابتغـاؤه مرضاة الله: ولم يكن الإمام((عليه السلام)) يبتغي في برّه وإحسانه إلى الفقراء إلاّ وجه الله عزّوجلّ والدار الآخرة، ولم تكن عطاياه وصدقاته((عليه السلام)) مشوبة بأيّ غرض من أغراض الدنيا. قال الزهري: رأيت عليّ بن الحسين في ليلة باردة وهو يحمل على ظهره دقيقاً، فقلت له: يابن رسول الله! ما هذا؟ فأجابه((عليه السلام)): «اُريد سفراً، اُعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز». فقال: هذا غلامي يحمله عنك، فامتنع الإمام من إجابته، وتضرّع الزهري إليه أن يحمله هو بنفسه عنه، إلاّ ان الإمام أصرّ على ما ذهب إليه، وقال له: «ولكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، ويحسّن ورودي على ما أردُ عليه، أسألك بحق الله لمّا مضيت لحاجتك». وانصرف الزهري عن الإمام، وبعد أيام التقى به، وقد ظنّ أنّه كان على جناح سفر ولم يعِ مراده فقال له: يابن رسول الله، لست أرى لذلك السفر الذي تركته أثراً. فأجابه الإمام((عليه السلام)): «يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنّه الموت وله أستعدُّ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى في الخير» ( علل الشرائع: 1 / 27 وعنه في بحار الأنوار : 46 / 65 ـ 66). ![]() العزّة والإباء : ومن صفات الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين((عليه السلام)) العزّة والإباء، فقد ورثها من أبيه الحسين سيّد الشهداء((عليه السلام)) الذي تحدّى طغاة عصره قائلاً: «والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»(1). وقد تمثّلت هذه الظاهرة الكريمة في شخصيّة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في قوله: «ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النعم»(2). وقال في عزة النفس: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا»(3). ويقول المؤرخون:إنّ أحدهم أخذ منه بعض حقوقه بغير حق، وكان الإمام((عليه السلام)) بمكّة، وكان الوليد بن عبد الملك حينئذ متربّعاً على كرسي الخلافة وقد حضر موسم الحج، فقيل له: لو سألت الوليد أن يردّ عليك حقّك؟فقال لهم كلمته الخالدة في دنيا العزّ والإباء: «ويحك أفي حرم الله عزّوجلّ أسأل غير الله عزّوجلّ؟! إنّي آنف أن أسأل الدنيا من خالقها، فكيف أسألها مخلوقاً مثلي؟!»(4). ومن عزّته : أنّه ما أكل بقرابته من رسول الله((صلى الله عليه وآله)) درهماً قطّ(5). (1) وقعة الطف: 209 . (2) الكافي : 2/109 و 111 والخصال : 1/23 وعن الكافي في بحار الأنوار : 71/406 ومعه بيان المؤلف في صفحة كاملة. (3) بحار الأنوار : 78 / 135. (4) بحار الأنوار : 46 / 64 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت. (5) مجالس ثعلب 2 : 462 ، وعنه في حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 1/81. وفي مناقب آل أبي طالب: 4/175 عن نافع: شيئاً، بدل: درهماً. ![]() الزهد : لقد اشتهر في عصره((عليه السلام)) أنّه من أزهد الناس حتى أنّ الزهري حينما سُئل عن أزهد الناس قال: عليّ بن الحسين (بحار الأنوار : 46/62 عن علل الشرائع : 1/270 ط بيروت). ورأى((عليه السلام)) سائلاً يبكي فتألّم له وراح يقول:«لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها»(1). وقال سعيد بن المسيب: كان عليّ بن الحسين((عليه السلام)) يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: «أيّها الناس، اتّقوا الله واعلموا أنـّكم اليه تُرجعون... يابن آدم، إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك، وكأن قد اُوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردّ اليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك... فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ الله عزّوجلّ لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال، وعرّف الآيات لقوم يعقلون، ولا قوة إلاّ بالله، فازهدوا فيما زهّدكم الله عزّوجلّ فيه من عاجل الحياة الدنيا... ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركونَ من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنّها دار بُلغة، ومنزل قلعة، ودار عمل، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيّامها، وقبل الإذن من الله في خرابها... جعلنا الله وإيّاكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة، فإنّما نحن به وله...»(2). (1) كشف الغمة : 2/318 عن نثر الدرر للآبي، والفصول المهمّة: 192. (2) الكافي : 8 / 72 ـ 76 ، وتحف العقول: 249 ـ 252. ![]() الإنابة إلى الله تعالى : إنّ اشتهار الإمام بلقب زين العابدين وسيّد الساجدين ممّا يشيرإلى وضوح عنصر الإنابة إلى الله والانقطاع اليه في حياة الإمام وسيرته وشخصيّته.على أنّ أدعية الصحيفة السجّادية هي الدليل الآخر على هذه الحقيقة، فإنّ إلقاء نظرة سريعة وخاطفة على عناوين الأدعية يكشف لنا مدى التجاء الإمام إلى الله في شؤون حياته، فما من موقف إلاّ وللإمام فيه دعاء وابتهال وتضرّع، هذا فضلاً عن مضامين الأدعية التي يكاد ينفرد بها هو((عليه السلام)) في هذه الصحيفة المعروفة وغيرها، لقد ذاب الإمام في محبّة الله وأخلص له أعظم الإخلاص، وقد انعكس ذلك على جميع حركاته وسكناته. وممّا رواه المؤرخون: أنّه اجتاز على رجل جالس على باب رجل ثريّ فبادره الإمام قائلاً: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟ فقال الرجل: البؤس (أي: الفقر)، فقال له((عليه السلام)): قم فاُرشدك إلى باب خير من بابه وإلى ربّ خير لك منه...» ونهض معه الرجل إلى مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعلّمه ما يعمله من الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وطلب الحاجة من الله والالتجاء إلى حصنه الحريز(1). ![]() سيرته في بيته : كان الإمام زين العابدين((عليه السلام)) من أرأف الناس وأبرّهم وأرحمهم بأهل بيته، وكان لا يتميّز عليهم، وقد اُثر عنه أنّه قال: «لَئن أدخل إلى السوق ومعي دراهم ابتاع بها لعيالي لحماً وقد قرموا(2)أحبّ اليَّ من أن أعتق نسمة»(3). وكان يبكر في خروجه مصبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدّق لعيالي قبل أن أتصدّق . ثم قال: من طلب الحلال، فإنّه من الله عزّوجلّ صدقة عليهم (بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12). وكان ((عليه السلام)) يعين أهله في حوائجهم البيتية، ولا يأمر أحداً منهم فيما يخصّ شأناً من شؤونه الخاصة، كما كان يتولّى بنفسه خدمة نفسه خصوصاً فيما يخصّ إلى شؤون عبادته، فإنّه لم يك يستعين بها أو يعهد إلى أحد في قضائها. (1) حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) دراسة وتحليل:1 / 93. (2) قرموا: اشتدّ شوقهم إلى اللحم. (3) بحار الأنوار : 46 / 67 عن الكافي : 2/12. ![]() مع أبويه : وقابل الإمام المعروف الذي أسدته إليه مربّيته بكلّ ما تمكّن عليه من أنواع الإحسان، وقد بلغ من جميل برّه بها أنّه امتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبرّ الناس وأوصلهم رحماً، فلماذا لا تؤاكل اُمّك؟ فأجابهم جواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه وكماله قائلاً:«أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقّاً لها» ( الكامل للمبرد : 1 / 302، وشذرات الذهب : 1 / 105، ومناقب آل أبي طالب: 4/176 عن أمالي النيشابوري) ومن برّه لأبويه دعاؤه لهما، وهو من أسمى القواعد في التربية الإسلامية الهادفة، وهذه مقاطع من هذه اللوحة الخالدة من دعائه((عليه السلام)): « ... واخصص اللهمّ والديّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين... وألهمني علم ما يجب لهما عليّ إلهاماً، واجمع لي علم ذلك كلّه تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفّقني للنفوذ فيما تبصرني من علمه... اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الاُم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى اُوثر على هواي هواهما، واُقدّم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقلّ برّي بهما وإن كثر، اللهمّ خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي، وألِن لهما عريكتي، واعطف عليهما قلبي، وصيرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً... اللهمّ اشكرلهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه منّي في صغري... اللهمّ لا تُنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، وفي إناً من آناء ليلي، وفي كل ساعة من ساعات نهاري... اللهمّ صلّ على محمد وآله، واغفر لي بدعائي لهما، واغفر لهما ببرّهما بي...» (الصحيفة السجادية، دعاؤه لأبويه). ![]() مع أبنائه: أمّا سلوك الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين((عليه السلام)) مع أبنائه فقد تميّز بالتربية الإسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم نزعاته الخيّرة واتّجاهاته الإصلاحية العظيمة، وقد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر والعلم والجهاد في الإسلام. فكان ولده الإمام محمد الباقر((عليه السلام)) أشهر أئمّة المسلمين، وأكثرهم عطاءً للعلم. وأمّا ولده عبد الله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله وسمّو منزلته العلمية. أمّا ولده زيد فقد كان من أجلّ علماء المسلمين، وقد برعَ في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين المضطهدين، وقاد مسيرتهم الدامية في ثورته التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الاسلامي، وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الاطاحة بالحكم الاُموي(1). وزوّد الإمام ((عليه السلام)) أبناءه ببعض الوصايا التربوية لتكون منهجاً يسيرون عليه، قال ((عليه السلام)): 1 ـ «يا بُنيّ، اُنظر خمسةً فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا تُرافقهم في طريق» فقال له ولده: من هم؟ قال((عليه السلام)): «إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب. وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك. وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله، وأنت أحوج ما تكون إليه. وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله..»(2). 2 ـ قال ((عليه السلام)): «يا بُنيّ، اصبر على النائبة، ولا تتعرّض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لك...» (3). 3 ـ وقال((عليه السلام)): «يا بُنيّ، إنّ الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرني منك، واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط فيه، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق له»(4). (1) حياة الإمام زين العابدين ، دراسة وتحليل: 55 ـ 56. (2) اُصول الكافي : 2/376، والاختصاص : 239، وتحف العقول: 279، والبداية والنهاية : 9 / 105. (3) البيان والتبيين : 2 / 76، العقد الفريد : 3 / 88 . (4) العقد الفريد : 3 / 89 . ![]() مع مماليكه : وسار الإمام((عليه السلام)) مع مماليكه سيرة تتّسم بالرفق والعطف والحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، وقد وجدوا في كنفه من الرفق ما لم يجدوا في ظلّ آبائهم، حتّى أنّه لم يعاقب أمَةً ولا عبداً فيما إذا اقترفا ذنباً(1). وقد كان له مملوك فدعاه مرّتين فلم يجبه، وفي الثالثة قال له الإمام برفق ولطف: «يا بُنيَّ، أما سمعت صوتي؟» قال: بلى... ، فقال له((عليه السلام)): «لِمَ لَمْ تُجبْني؟» فقال: أمنت منك، فخرج الإمام وراح يحمد الله ويقول: «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني...»(2). (1) اقبال الأعمال : 1/443 ـ 445 باسناده عن التلعكبرى عن ابن عجلان عن الصادق((عليه السلام)) وعنه في بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105 . و 98/186 ـ 187.
(2) الإرشاد : 2/147، ومناقب آل أبي طالب: 4/171 وفي تأريخ دمشق : 36 / 155.
__________________
![]() <TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ امير المؤمنين الامام علي عليه السلام </TD></TR></TBODY></TABLE>روي عن رسول الله ( ![]() نسألكم الدعاء ![]() شكرا للقلوب التي احتوتني
![]() التعديل الأخير تم بواسطة حورية إنسية ; 30-12-2010 الساعة 08:35 AM |
|
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فواصل في ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل سلام الله عليهما | ::: يا فاطمة الزهراء ::: الميامين | فواصل وأكسسوارات لتزيين المواضيع والردود | 30 | 12-09-2016 12:36 PM |
ذكرى استشهاد البتول فاطمه سلام الله عليه في 13 جمادى الاول | معصومة اهل البيت | نور فاطمة الزهراء(ع) موسوعة شاملة عن سيرة الزهراء(ع) وكل ما يتعلق بحياتها ومظلوميتها | 19 | 18-03-2010 06:02 PM |
ذكرى استشهاد الامام زين العابدين عليه السلام (مأجورين يا شيعة ) | الصبح تنفس | أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) | 5 | 13-01-2010 12:19 AM |