نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ...

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 28-02-2012, 03:31 PM   #1
زينب الهاشمي
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
العمر: 45
المشاركات: 16
معدل تقييم المستوى: 0
زينب الهاشمي is on a distinguished road
افتراضي كشف اللثام عن سبب تأخر قيام الامام ج4


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم وهلك أعدائهم


{ السبب الرابع - إعراض الأمة عن الإمام المهدي (ع) وعدم وجود الأنصار }

انصح أخواتي العزيزات بقراءة الأجزاء الأولى لتكتمل الفكرة لديهن

نكمل باقي أجزاء موضوع سبب الغيبة ونأتي إلى السبب الرابع فنقول

إن إعراض الأمة عن الإمام (ع) وعدم وجود الأنصار هو السبب الأول والرئيسي للغيبة والوجه الجامع لكل وجوه أسباب الغيبة التي ذكروها أل محمد (ع) في كثير من رواياتهم وقبل البدء بسرد الأدلة على ما ذهبنا إليه من إثبات إن السبب الأول والرئيسي للغيبة هو إعراض الناس عن الإمام (ع) سوف نقوم بعونه تعالى بكتابة مقدمات تمهيدية للموضوع الأصلي وهي شواهد من إعراض الناس عن محمد أل محمد عليهم الصلاة السلام وتكذيب الناس لهم وقتلهم عليهم السلام بأيد من يسمون أنفسهم مسلمون وسيكون نصيب القائم { ع } من التكذيب والمعانات والحروب أكثر من نصيب آبائه عليهم السلام وسيكون هذا الطرح مدعوما بالأدلة القرآنية والروائية وسيكون هذا البحث كافي لطالب الحق وطالب طريق قائم أل محمد عليه السلام ومعرفة سبب غيبة إمامه كل هذه القرون الطويلة

البحث سيكون على شكل مستويات

{ المستوى الأول - الآيات القرآنية الدالة على إن أكثر الناس مع الباطل }

{ فأبى أكثر الناس إلا كفورا } الفرقان50

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يوسف 40

{ بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون} الأنبياء 24

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} النحل 38

قال تعالى { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالإنعام بل هم أظل سبيلا }

{وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك } سورة الأنعام(116 )

{ بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون} سورة المؤمنون(70)

{ فأبى أكثر الناس إلا كفورا } سورة الفرقان (50)

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } سورة يوسف (40)
{ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } سورة الشعراء
(103)

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة الشعراء (121)

{ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } سورة الشعراء (139)

في هذه الآيات الكريمات حقيقة مفادها إن الحق مهجور مغلوب وان ناصروا الحق وناصروا الأنبياء والرسل قلة قليلة وان أكثر الناس مع الباطل ومع الدنيا وسيبقى حال الناس إلى قيام الإمام المهدي عليه السلام وستجري السنة التي جرت على الأنبياء عليه روحي له الفداء من خذلان الناس له وإتباعهم للباطل ولذلك قال الإمام الصادق عليه السلام { فإذا هو قام بنشرها فلم يبق فلم يبق في الشرق والغرب احد إلا لعنها } غيبة النعماني

{ المستوى الثاني - الآيات القرآنية الدالة إن القلة من الناس مع الحق }

قال تعالى: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } {هود: 40}
قال تعالى: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ: (13)
قال تعالى { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين } الواقعة
وقوله تعالى: { ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين }
وقال فرعون عن موسى وقومه: { إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ }
وقال تعالى : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } ص (24)
قال تعالى : { قال أرأيتك هذا الذي كرمت عليً لئن أخرتن الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } الإسراء (62)
قال تعالى: { وَلوْلا َفضْلُ الّلهِ عَليْكمْ وَرَحْمَتُهُ َ لاتَّبَعْتُمُ الشيطان إلا قليلا } النساء- (٨٣ )

قال تعالى { قَال َأرَأيْتَكَ هَذا الَّذِي َ كرَّمْتَ عَليَّ َلئِنْ َأخَّرْتَن ِإَلى يَوْم الْقِيَامَةِ لأَحْتَنكنَّ ذُرِّيَّتَهُ َإلاَّ قَلِيلا} البقرة – (62)

قال تعالى { وَإذْ أخَذنَا مِيَثاقَ بَني إسْرَائِيل لا تَعْبُدُون إلاَّ الّلهَ وَبالْوَالِدَيْن إحْسَانًا وَذِي اْلُقرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَقوُلوْا لِلنَّاس حُسْنًا وَأقِيمُواْ الصَّلاَة وَآتُوْا الزَّكاَة ثمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلاَّ قَلِيلا مِّنكمْ وَأنتُم مِّعْرضُون } البقرة ( 83)
هذا هو حال الحق وأهلة وهذا هو طريق الله ورسله مهجور ولا يسلكه إلا الأندر الأندر أو كالكحل في العين أو كالملح في الزاد كما وصف أل محمد حال المؤمنين القلائل في كل زمان وهنا يجدر الإشارة قول أمير المؤمنين عليه السلام فقد قال ع { لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه } ونحن نقول لسيدنا ومولانا علي عليه السلام نبشرك فأن طريق الحق هجره الناس وطريق الباطل سلكه الناس والإمام الغائب قد نساه الناس أن لم اقل نكروه كما قلتم سلام الله عليكم أجمعين وشكواكم ياسادتي تصدح في أذاننا عندما نقرأ كلام الإمام الصادق عليه السلام وهو يقول { بلية الناس عظيمة إن دعوناهم لم يجيبونا و إن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا } ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


{ المستوى الثالث - الآيات القرآنية الدالة على خذلان الناس لأنبياء الله عز وجل }

ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز قصص كثير من أنبيائه ورسله ومما سلط عليه الضوء جانب من مأساتهم ومعاناتهم وما لاقوه من أقوامهم من قتل وتكذيب وكان اغلب أتباع الأنبياء من المستضعفين وإما إذا أردنا أن نشير الى عدد الذين امنوا بالأنبياء قياساً بالذين لم يؤمنوا فان القياس غير ممكن فان من الأنبياء من لم يؤمن به أحدا من قومه كالنبي لوط عليه السلام ومنهم من امن به واحد ومنهم من امن به اثنان ومنهم من امن به ثلاثة وهكذا فلن تجد نبي إلى كان أكثر قومه له مكذبين ولا تكاد تجد نبي أو رسول أو وصي لم يرفضه قومه أو يكذبوه أو يقتلوه وهذا ما صرح به كتاب الله عز وجل
‏( ثمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) سورة المؤمنون (44)
و الباري عز وجل يقول في هذه الاية بكل وضوح ما من نبي أو رسول إلا وحاربه قومه وكذبوه

{ الآيات القرآنية الدالة على خذلان الأمم لأنبياء الله عز وجل}
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذّبَ مُوسَى‏ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) الحج : 42ـ45
{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلّذِينَ كَفَرُوا ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } الرعد : 32
{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } الأنبياء : 41
{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ } فاطر : 4
قال تعالى { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ*لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } (3) سورة الأنبياء
سورة الأنبياء { مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } (6)
({ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } (45) سورة الحج
{ ثمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } سورة المؤمنون (44)
{ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا }
(38) سورة الفرقان
{ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } (5) سورة الشعراء

إن الظلم والأذى الذي لاقاه أنبياء الله عز وجل ورسله من أممهم دليل على إن الناس معرضون عن الله وأنبياءه وعن الحق وان أنبياء الله عز وجل قد رفضت دعواتهم جميعاً وقتل بعضهم وكذب البعض الأخر وفيهم المصلوب ومنهم المقتول ومنهم الغائب عن قومه لقلة عدد المناصر والمعين وما لاقاه أبا القاسم (ص) من قومه لم يره جميع الأنبياء فما بالك بحفيد الأنبياء والرسل ومكمل مشاريعهم اللاهية والطالب بدمائهم الإمام المهدي عليه السلام وهو وارث الأنبياء والمرسلين فماذا سيلاقي من الناس في أخر الزمان الجواب واضح كما بينه عالم أل محمد عليه السلام قائلا { إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس اشد مما استقبل رسول الله (ص) من جهال الجاهلية . فقلت وكيف ذلك ؟ قال إن رسول الله (ص) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة وان قائمنا إذا قام أتى الناس كلهم يتأول عليه كتاب الله ، ويحتج عليه به . ثم قال (ع) : أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم ، كما يدخل الحر و القر } (غيبة النعماني ص159) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


{ المستوى الرابع – القصص الدالة على خذلان الأمم لأنبياء الله عز وجل }

{ -1- النبي نوح ع }

بسم الله الرحمن الرحيم

( قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا * وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) 27 سورة نوح - اية 21 -27

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( لما استنزل نوح عليه السلام العقوبة على قومه بعث الله عز وجل الروح الأمين عليه السلام بسبعة نوايات فقال: يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه واغرس هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار وتأزرت و تسوقت وتغصنت وأثمرت وزها الثمر عليها بعد زمن طويل استنجز من الله سبحانه العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ويؤكد الحجة على قومه، وأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاث مائة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف، ثم إن الله تبارك و تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد اخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا "، فأوحى الله عز وجل عند ذلك إليه وقال: الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين
صرح الحق عن محضة وصفا من الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة، فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم، وأبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم، فكيف يكون الاستخلاف والتمكين وتبدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وشبوح الضلالة،فلو أنهم تنسموا مني الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداؤهم لنشقوا روائح صفاته، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبد خبال ضلالة قلوبهم، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلا، فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا }
بحار الأنوار / جزء 11 / صفحة(329 )


ومع كل الجهد الذي بذله نوح (ع) والسنين الطويلة في دعوت الناس إلى الله سبحانه لم يتجاوز عدد المؤمنين به السبعون ونيف وإما الباقي على كثرتهم فكان مصيرهم الهلاك بعد تكذيبهم رسل ربهم
وجاء عن الإمام الصادق ما يفيد المقام في خبر طويل انه قال { فما زالت تلك الطوائف ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى الله عز وجل عند ذلك إليه وقال: الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضة وصفا من الكدر بارتداد من كانت طينته خبيثة } بحار الأنوار / جزء 11 / صفحة(329 )

وجاء في رواية تذكر تسمية قرية نوح (ع) بقرية الثمانين

فقد جاء عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قال الرضا عليه السلام: { لما هبط نوح ع إلى الأرض كان هو وولده ومن تبعه ثمانين نفسا فبنى حيث نزل قرية فسماها قرية الثمانين، لأنهم كانوا ثمانين } علل الشرائع : ج 1 ص42

وبعد الإعراض عن الله وحجته طيلة قرون متعاقبة استوجبوا من نبيهم أن يدعو عليهم دعاء الاستئصال فلم ينجوا من الهلاك سوى من أمن وهم الأقلون عددا وباقي الخلق على كثرتهم لم يأبه الله عز وجل بهم إذ دخلوا النار وبئس القرار وهذه سنة الله عز وجل في كل الأمم وانطبقت على امة نبينا محمد (ص) حينما قال الإمام الصادق عليه السلام بعد رحيل النبي الأكرم (ص) ( ارتد الناس بعد رسول الله كلهم مشركون إلا سبعة نفر ) وبالتالي فقد ذهبوا من يسمون مسلمين إلى النار وبئس القرار في اختبار بعد نبيهم


( -2- النبي إبراهيم ع )

قال تعالى

( وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ *قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *) سورة الانبياء اية 51 - 68

عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: ( كان أبو إبراهيم منجما لنمرود بن كنعان، وكان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا، فقال له نمرود: وما هو ؟ فقال: رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال: هل حمل به النساء ؟ فقال: لا، وكان فيما اوتي من العلم أنه سيحرق بالنار، ولم يكن اوتي أن الله سينجيه، قال: فحجب النساء عن الرجال فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال، قال: وباشر أبو إبراهيم امرأته فحملت به فظن أنه صاحبه، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شئ إلا علمن به، فنظرن إلى ام إبراهيم فألزم الله تبارك وتعالى ذكره ما في الرحم الظهر، فقلت: ما نرى شيئا في بطنها، فلما وضعت ام إبراهيم أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى بعض الغيران (2) أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا تكون أنت تقتل ابنك، فقال لها: فاذهبي، فذهبت به إلى غار ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، فجعل له رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم إن امه قالت لابيه: لو أذنت لي أن أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت، قال: ففعل (3) فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليه السلام وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان، فأخذته وضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبي فقالت: قد واريته في التراب، فمكثت تعتل فتخرج في الحاجة وتذهب إلى ابراهيم عليه السلام فتضمه إليها وترضعه، ثم تنصرف، فلما تحرك أتته أمه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع، فلما أرادت الانصراف أخذ ثوبها، فقالت له: مالك ؟ فقال: اذهبي بي معك، فقالت له: حتى أستأمر أباك، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيا لشخصه كاتما لأمره حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه ) بحار الأنوار / جزء 12 / صفحة( 41 )
أمن من قوم نوح (ع ) سبعون ونيف فمن العجب العجاب إن تعرف إن نبي الله إبراهيم دعا قومه ومن ضمنهم أبيه ولم يؤمنوا به بل عزموا إن يقتلوه وفعلوا لولا إرادة الله عز وجل وبقي النبي إبراهيم عليه السلام هو المؤمن الوحيد في زمانه ولم يؤمن به احد من قومه فقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
( أخبرني أبي عن جدي، عن النبي صلى الله عليه واله عن جبرئيل قال: لما أخذ نمرود إبراهيم ليلقيه في النار قلت: يا رب عبدك و خليلك ليس في أرضك أحد يعبدك غيره، قال الله تعالى: هو عبدي آخذه إذا شئت. ولما القي إبراهيم عليه السلام في النار تلقاه جرئيل عليه السلام في الهواء وهو يهوي إلى النار. فقال: يا إبراهيم لك حاجة ؟ فقال: أما إليك فلا، وقال: " يا الله يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك " فأوحى الله تعالى إلى النار: كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) . بحار الأنوار / جزء 12 / صفحة( 39 )


( -3- النبي لوط ع )

قال تعالى

( مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ *فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) سورة الأعراف اية 28 -24
عن ألسكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: ( قال النبي صلى الله عليه وآله: لما عمل قوم لوط ما عملوا، بكت الأرض إلى ربها حتى بلغ دموعها إلى السماء، وبكت السماء حتى بلغ دموعها العرش، فأوحى الله إلى السماء: أن أحصبيهم ! وأوحى إلى الأرض: أن اخسفي بهم ) بحار الأنوار / جزء 76 / صفحة (72)

كما كذبت الأمم السابقة لأنبياء الله (ع) أجمعين ولم يؤمن الناس بهم ألا قلة قليلة وكان أكثر الناس للحق كارهون فالموقف نفسه تجدد مع نبي الله لوط إذ لم يؤمن من قومه احد سوى أهل بيته عليه السلام بل الأمر تعدى إلى امرأته فقد هلكت مع القوم المجرمين قال تعالى ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )

{ -5- النبي هود ع }

قال تعالى
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(65)قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ*أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ* أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا ءالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وءابَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ*فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ }

قال أبو جعفر الباقر عليه السلام :
{ كانوا كأنهم النخل الطوال فكان الرجل منهم يضرب الجبل بيده فيهدم منه قطعة وكانوا يعبدون أصناماً سموها آلهة , ولذا قال لهم هود(ع) { أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وآباؤكم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ}
وعن أبي جعفر عليه السلام : { الريح العقيم تخرج من تحت الأرضيين السبع , وما خرج منها شيء قط إلا على قوم عاد , حين غضب الله عليهم , فأمر الخزان أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم , فعصفت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظاً منها على قوم عاد , فضج الخزنة إلى الله من ذلك. وقالوا: يا ربنا إنها قد عتت علينا ونحن نخاف أن نهلك , ممن لم يعصك من خلقك وعمَّار بلادك , فبعث الله جبرئيل (ع) فردها بجناحه , وقال لها أخرجي على ما أمرت به , فرجعت وخرجت على ما أمرت به فأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم }
وهل يهلك الله عز وجل إلا القوم المجرمون المعاندون الذين سفكوها بأيديهم دماء أولياء الله عز وجل بغير وجه حق

( -6- النبي صالح ع )

أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا وعدد قليل من الذين امنوا به

قال تعالى : ( كذَّبَتْ َثمُودُ ِبالنُّذُر َفَقاُلوا َأبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبعُهُ ِإنَّا إذًا لَّفِي ضَلَاٍل وَسُعُرٍ َأأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَليْهِ مِن بَيْننَا بَل هُوَ كَذَّابٌ أشِرٌ سَيَعْلَمُون غَدًا مَّن الْكَذَّابُ الْأشِرُ إنَّا مُرْسِلو النَّاَقةِ فِتْنَة لَّهُمْ َفارْتَقِبْهُمْ وَاصْطِبرْ وَنَبِّئهُمْ َأنَّ اْلمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْب مُّحْتَضَرٌ َفنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فتعاطى َفعَقرَ َفكيْفَ كَان عَذاِبي وَنُذُر ِإنَّا أرْسَلنَا عَليْهمْ صَيْحَة وَاحِدَة َفكانُوا كَهَشِيم المحتظر ) القمر ٢٣-٣١
جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله النبي"صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه ( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير كان النبي صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ،
ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له{ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } (62) (هود)
لقد كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ما كنا نتوقع أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. استنكروا الحق والواجب ودهشوا أن دعاهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة

( -4- النبي عيسى ع )


قال تعالى: ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفلكما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) (87)
تصرح هذه الآية الكريمة بان الأنبياء سلام الله عليهم لم يؤمن بهم الناس بل جوبهوا بالرفض فمنهم من قتل ومنهم من كذب ومنهم من عذب اشد عذاب ومن ضمنهم النبي عيسى عليه السلام
قال تعالى
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (53) (آل عمران)
إن الآية الكريمة تخبرنا إن النبي عيسى (ع) مع كل هذه المعاجز من إحياء ألموتي وعلاج كل الإمراض المستعصية على الناس وعلمه بالتوراة ومجيئه بالنجيل لم يؤمنوا به إلى اثنا عشر وهم الحواريين وقوله ( فلما أحس منهم الكفر ) أحس من قومه جميعا الكفر وإنهم لم يصدقوه قال النبي عيسى عليه السلام من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله وكان عدد أنصار النبي عيسى اثنا عشر شخص وهم الحواريين بل حتى الحواريين أذا نظرنا إلى سيرتهم مع نبي الله عيسى (ع) نجد إن هنالك أفعالا كان ينكرها النبي عيسى (ع) التي كانوا يفعلونها وقص الله تعالى عن هذا الأمر في كتابه العزيز
قال تعالى:{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } (المائدة)
فأجابهم عيسى أن اتقوا الله في أمثال هذه الأسئلة إن كنتم مصدقين بكمال قدرته تعالى
فردّ الحواريينَ:
{ نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين } المائدة:113
ولما رأى عيسى إصرار الحواريين على طلب مائدة ، قام إلى مصلاه، يدعو الله قائلاً: { اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين }المائدة:114

فقال عز وجل: { إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين } المائدة:115.
وبعد إن جاء النبي عيسى (ع) بهذه المعجزة بعد معاجز كثيرة قبلها لم يؤمن قومه الذين كانوا حاضرين أيضا إلى جنب الحواريين فعاقبهم الله عز وجل فمسخهم بكفرهم وطغيانهم وتكذيبهم بمعجزة عيسى (ع) التي طلبوها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله في كلام له في هذا الأمر: ( يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله وتعالى:(إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فأنزلها عليهم، فمن كفر بعد منهم مسخه الله إما خنزيرا، وإما قردا وإما دبا وأما هرا، وإما على صورة بعض من الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ ) تفسير الإمام العسكري

وما كان من الله عز وجل إلا أن يوبخهم على أفعالهم السيئة وعدم إيمانهم بكل ما أتاهم به نبيه عيسى ابن مريم عليه السلام فقال عز وجل{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }.
أقول مع كل هذه المعجزات التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه السلام إلى بني إسرائيل لم يؤمن به سوى ألاثنا عشر، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وما مصير من يفعل ذلك إلا الخسران المبين


{ غيبة الأنبياء والرسل {ع } عن أقوامهم وسبب الغياب }

لم يكن الإمام المهدي عليه السلام أول حجة لله غاب عن قومه بل سبقه كثير من الأنبياء والرسل وإذا راجعنا سير الأنبياء عليهم السلام سوف نجد أن لم اقل كل الأنبياء فأغلبهم قد مروا بنفس ما مر به الإمام المهدي عليه السلام مع فارق الفترة الزمنية طبعاً فأن الإمام المهدي أطولهم زماناً في غيبته لسبب سوف اذكره في طيات البحث وأشار الإمام الصادق عليه السلام إلى إن للمهدي سنن من الأنبياء ومن ضمنها الغيبة في أكثر من موقف فقال { في القائم (عليه السلام) سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة }
ندخل في صلب الموضوع

{ غيبة الأنبياء والرسل }

{ غيبة نبي الله موسى عليه السلام }

عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليها، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لمّا حضرت يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ حدَّثهم بشدّة تنالهم، يقتل فيها الرِّجال وتشقُّ بطون الحبالى وتذبح الأطفال حتّى يظهر الله الحقَّ في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طوال، ونعته لهم بنعته، فتمسّكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدَّة على بني إسرائيل وهم منتظرون قيام القائم أربع مئة سنة، حتّى إذا بُشّروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدَّت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطُلب الفقيه الّذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه، فقالوا: كنّا مع الشدَّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصّحاري وجلس يحدِّثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر، وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السنِّ، وقد خرج من دار فرعون، يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزّ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكبَّ على قدميه فقبّلهما، ثمَّ قال: الحمد لله الّذي لم يُمتني حتّى أرانيك، فلمّا رأى الشيعة ذلك علموا أنّه صاحبهم، فأكبّوا على الأرض شكراً لله عزَّوجلَّ، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم، ثمَّ غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين، فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشدَّ عليهم من الأُولى، وكانت نيّفاً وخمسين سنة، واشتدَّت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه أنّه لا صبر لنا على استتارك عنّا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليه أنّه مفرِّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه، قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم «الحمد لله»، فقالوا: كلُّ نعمة فمن الله، فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلاّ الله، فأوحى الله إليه، قل لهم: قد جعلتها عشراً، فقالوا: لا يصرف السّوء إلاّ الله، فأوحى الله إليه، قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى (عليه السلام) راكباً حماراً. فأراد الفقيه أن يعرِّف الشّيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتّى وقف عليهم، فسلّم عليهم، فقال لهم الفقيه: ما اسمك؟ فقال: موسى. قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟ قال: ابن قاهث(بالقاف فالهاء ثم الثاء المثلثة كما في المعارف لابن قتيبة) بن لاوي بن يعقوب، قال: بماذا جئت؟ قال: جئت بالرِّسالة من عند الله عزَّ وجلَّ، فقام إليه فقبّل يده، ثمَّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم وأمرهم أمره ثمَّ فرَّقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم، بغرق فرعون أربعون سنة.
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً، فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسى بن عمران (عليه السلام)غلامٌ طوال جعدٌ آدم. فجعل الرَّجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران ويسمي عمران ابنه موسى.
ذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسن، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذَّاباً من بني إسرائيل، كلّهم يدَّعي أنّه موسى بن عمران.
فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به، ويطلبون هذا الغلام، وقال له كهنته وسحرته: إنَّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل، فوضع القوابل على النساء، وقال: لا يولد العام ولد إلاّ ذبح، ووضع على أُمِّ موسى قابلة، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل، قالوا: إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا، فلم نبق، فتعالوا: لا نقرب النساء، فقال عمران أبو موسى (عليه السلام): بل باشروهنَّ فإنَّ أمر الله واقع ولو كره المشركون، اللّهمَّ! من حرَّمه فإنّي لا أُحرِّمه، ومن تركه فإنّي لا أتركه، ووقع على أُمِّ موسى فحملت، فوضع على أُمِّ موسى قابلة تحرسها، فإذا قامت قامت، وإذا قعدت قعدت، فلمّا حملته أُمّه وقعت عليها المحبّة، وكذلك حجج الله على خلقه، فقالت لها القابلة: ما لك يا بنيّة تصفرِّين وتذوبين؟ قالت: لا تلوميني، فإنّي إذا ولدت أُخذ ولدي فذبح، قالت: لا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك، فلم تُصدِّقها، فلمّا أن ولدت إلتفت إليها وهي مقبلة، فقالت: ما شاء الله، فقالت لها: ألم أقل: إنّي سوف أكتم عليك، ثمَّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره، ثمَّ خرجت إلى الحرَس، فقالت: انصرفوا ـ وكانوا على الباب ـ فإنّما خرج دم منقطع فانصرفوا، فأرضعته، فلمّا خافت عليه الصوت، أوحى الله إليها: أن اعملي التابوت، ثمَّ اجعليه فيه، ثمَّ أخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر؛ فوضعته في التابوت، ثمَّ دفعته في اليمِّ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر، وإنَّ الرِّيح ضربته فانطلقت به، فلمّا رأته قد ذهب به الماء همّت أن تصيح فربط الله على قلبها.
قال: وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون، وهي من بني إسرائيل، قالت لفرعون: إنّها أيّام الرَّبيع فأخبرني واضرب لي قبّة على شطِّ النّيل حتّى أتنزَّه هذه الأيّام، فضربت لها قبّة على شطِّ النّيل، إذ أقبل التابوت يريدها، فقالت: هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا: إي والله يا سيّدتنا، إنّا لنرى شيئاً، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها، وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها، فجذبته وأخرجته من الماء، فأخذته فوضعته في حجرها، فإذا هو غلامٌ أجمل النّاس وأسترهم، فوقعت عليها منه محبّة، فوضعته في حجرها، وقالت: هذا ابني، فقالوا: إي والله يا سيّدتنا، والله مالك ولدٌ ولا للملك فاتّخذي هذا ولداً، فقامت إلى فرعون، وقالت: إنّي أصبت غلاماً طيّباً حلواً نتّخذه ولداً فيكون قرَّة عين لي ولك فلا تقتله، قال: ومن أين هذا الغلام؟ قالت: والله، ما أدري إلاّ أنَّ الماء جاء به، فلم تزل به حتّى رضي، فلمّا سمع النّاس أنَّ الملك قد تبنّى ابناً لم يبقَ أحدٌ من رؤوس من كان مع فرعون إلاّ بعث إليه امرأته لتكون له ظئراً، أو تحضنه فأبى أن يأخذ من امرأة منهنَّ ثدياً، قالت امرأة فرعون: أطلبوا لابني ظئراً ولا تحقّروا أحداً، فجعل لا يقبل من امرأة منهنَّ، قالت أُمُّ موسى لأُخته: قصيّه انظري أترين له أثراً، فانطلقت حتّى أتت باب الملك، فقالت: قد بلغني أنّكم تطلبون ظئراً وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفّله لكم، فقالت: ادخلوها، فلمّا دخلت، قالت لها امرأة فرعون: ممّن أنت؟ قالت: من بني إسرائيل، قالت: اذهبي يابنيّة، فليس لنا فيك حاجة، فقلن لها النّساء: انظري عافاك الله يقبل أو لا يقبل، فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو تقبل هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل، والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى، قلن: فانظري يقبل أو لا يقبل، قالت امرأة فرعون: فاذهبي فادعيها، فجاءت إلى أُمّها، وقالت: إنَّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها، فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها، ثمَّ ألقمته ثديها فازدحم اللّبن في حلقه، فلمّا رأت امرأة فرعون أنَّ ابنها قد قبل قامت إلى فرعون، فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً وقد قبل منها، فقال: ممّن هي؟ قالت: من بني إسرائيل، قال: فرعون هذا ممّا لا يكون أبداً، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل، فلم تزل تكلّمه فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك، حتّى قلبته عن رأيه ورضي.
فنشأ موسى (عليه السلام) في آل فرعون، وكتمت أُمّه خبره، وأُخته والقابلة، حتّى هلكت أُمّه والقابلة الّتي قبلته، فنشأ (عليه السلام) لا يعلم به بنو إسرائيل، قال: وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره، قال: فبلغ فرعون أنّهم يطلبونه ويسألون عنه، فأرسل إليهم فزاد العذاب عليهم، وفرَّق بينهم ونهاهم عن الإِخبار به والسؤال عنه، قال: فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده علم، فقالوا: قد كنّا نستريح إلى الأحاديث فحتّى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء؟ قال: والله، إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران، غلام طوال جعدٌ، فبينما هم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغله حتّى وقف عليهم، فرفع الشيخ رأسه فعرفه بالصّفة، فقال له: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبّلها، وثاروا إلى رجله فقبّلوها، فعرفهم وعرفوه واتّخذ شيعة.
فمكث بعد ذلك ما شاء الله، ثمَّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجلٌ من شيعته، يقاتل رجلاً من آل فرعون من القبط، فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوِّه القبطيِّ فوكزه موسى فقضى عليه، وكان موسى (عليه السلام) قد أُعطي بسطة في الجسم وشدَّة في البطش، فذكره النّاس وشاع أمره، وقالوا: إن موسى قتل رجلاً من آل فرعون، فأصبح في المدينة خائفاً يترقّب، فلمّا أصبحوا من الغد إذا الرّجل الّذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر، فقال له موسى: إنّك لغويٌّ مبين، بالأمس رجل واليوم رجل، فخرج من مصر بغير ظهر ولا دابّة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه أُخرى حتّى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة، فنزل فإذا تحتها بئرٌ، وإذا عندها أُمّة من النّاس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غُنيمة لهما، قال: ما خطبكما، قالتا: أبونا شيخ كبير، ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرِّجال، فإذا سقى النّاس سقينا، فرحمهما موسى (عليه السلام) فأخذ دلوهما، وقال لهما: قدِّما غنمكما، فسقى لهما، ثمَّ رجعتا بكرة قبل النّاس، ثمَّ تولّى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها، «فقال ربِّ إنّي لمّا أنزلت إليَّ من خير فقير» ـ فروي أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقِّ تمرة ـ فلمَّا رجعتا إلى أبيهما، قال: ما أعجلكما في هذه السّاعة؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا، فقال لإحديهما: إذهبي فادعيه لي فجاءته تمشي على استحياء، قالت: إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فروي أنّ موسى (عليه السلام) قال لها: وجِّهيني إلى الطريق وامشي خلفي، فإنّا بنو يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء، قال تعالى: « فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَالله عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ». فروي أنّه قضى أتمّهما لأنّ الأنبياء (عليهم السلام) لا يأخذون إلاّ بالفضل والتمام. فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلاً، فرأى ناراً، فقال لأهله: امكثوا إنّي آنست ناراً؛ لعلّي آتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق، فلمّا دنا منها تأخّرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثمَّ دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: أن يا موسى إنّي أنا الله ربُّ العالمين، وأن ألق عصاك، فلمّا رآها تهتزُّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يعقّب، فإذا حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج منها مثل لهب النّار، فولّى موسى مدبراً، فقال له ربّه عزَّ وجلَّ: إرجع، فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكّان، فقال: يا إلهي، هذا الكلام الّذي أسمع كلامك؟ قال: نعم فلا تخف، فوقع عليه الأمان، فوضع رجله على ذنبها، ثمَّ تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا، وقيل له: إخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى.
فروي أنّه أمر بخلعهما لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت.
[وروي في قوله عزَّ وجلَّ: (فاخلع نعليك) أي خوفيك: خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون].ثمَّ أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى فرعون وملائه بآيتين بيده والعصا.
روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال لبعض أصحابه: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنَّ موسى بن عمران (عليه السلام) خرج ليقتبس لأهله ناراً، فرجع إليهم وهو رسولُ نبيٌّ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى (عليه السلام) في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيّه موسى (عليه السلام) ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور.
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: في القائم (عليه السلام) سنّة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنّته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة.
عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء، سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين، فأمّا من موسى فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالسّجن، وأمّا من عيسى فيقال له: إنّه مات ولم يمت، وأمّا من محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالسيف.
سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عند وفاة موسى بن عمران، فقال: إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدَّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت (عليه السلام) فقال له: السلام عليك يا كليم الله، فقال موسى: وعليك السلام من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت، قال: ما الّذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسى (عليه السلام): من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك، قال موسى (عليه السلام): كيف وقد كلّمت به ربّي جلَّ جلاله، قال: فمن يديك، قال: كيف وقد حملت بهما التوراة، قال: فمن رجليك، قال: كيف وقد وطأت بهما طور سيناء، قال: فمن عينك، قال: كيف ولم تزل إلى ربّي بالرَّجاء ممدودة قال: فمن أُذنيك، قال: كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي عزَّوجلَّ، قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت، فمكث موسى (عليه السلام) ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره، وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر، وغاب موسى (عليه السلام) عن قومه فمرَّ في غيبته برجل وهو يحفر قبراً، فقال له: ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرَّجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوَّى اللّحد، ثمَّ اضطجع فيه موسى (عليه السلام) لينظر كيف هو، فكشف الله له الغطاء، فرأى مكانه في الجنّة، فقال: يا ربِّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر، وسوّى عليه التراب، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدميٍّ، وكان ذلك في التيه، فصاح صائح من السماء: مات موسى كليم الله، وأيُّ نفس لا تموت،حدَثني أبي عن جدِّي عن أبيه (عليهم السلام) أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سئل عن قبر موسى أين هو فقال: هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر

{ غيبة نبي الله هود عليه السلام }

عن الصادق، جعفر بن محمّد (عليهما السلام): لمّا حضرت نوحاً (عليه السلام) الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: اعلموا أنّه ستكون من بعدي غيبة تظهر فيها الطواغيت، وأنَّ الله عزّ وجلّ يفرِّج عنكم بالقائم من ولدي، اسمه هود، له سمَت وسكينة ووقار، يشبهني في خَلقي وخُلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالرِّيح، فلم يزالوا يترقّبون هوداً (عليه السلام) وينتظرون ظهوره حتّى طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيّه هوداً (عليه السلام)عند اليأس منهم وتناهى البلاء بهم وأهلك الأعداء بالرِّيح العقيم الّتي وصفها الله تعالى ذكره، فقال: (ما تذر من شيء أتت عليه إلاّ جعلته كالرّميم) (سورة الذاريات : 42) ثمَّ وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أن ظهر صالح (عليه السلام)

{ غيبة نبي الله صالح عليه السلام }



عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً (غيبته (عليه السلام)كانت بعد هلاك قومه، ورجوعه كان إلى من آمن به ونجا من العذاب.)، وكان يوم غاب عنهم كهلاً مبدَّح البطن حسن الجسم، وافر اللّحية، خميص البطن، خفيف العارضين مجتمعاً، رَبْعة من الرِّجال(«مبدح البطن»: واسع البطن عظيمه، وأما خميص البطن أي ضامره والمراد به ما تحت البطن حيث يشد المنطقة فلا منافاة.) فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات: طبقة جاحدة لا ترجع أبداً، وأُخرى شاكّة فيه، وأُخرى على يقين فبدأ (عليه السلام) حيث رجع بالطبقة الشاكّة، فقال لهم: أنا صالح فكذَّبوه وشتموه وزجروه، وقالوا: برىء الله منك إنَّ صالحاً كان في غير صورتك، قال: فأتى الجحّاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشدَّ النفور، ثمَّ انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين فقال لهم: أنا صالح، فقالوا: أخبرنا خبراً لا نشكُّ فيك معه أنّك صالح، فإنّا لا نمتري أنّ الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحوِّل في أي صورة شاء، وقد أُخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنّما يصحُّ عندنا إذا أتى الخبر من السماء، فقال لهم صالح: أنا صالح الّذي أتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت وهي الّتي نتدارس علامتها؟ فقال: لها شِرب ولكن شِرب يوم معلوم، قالوا آمنّا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: (أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ (فقال: أهل اليقين): )إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا (وهم الشكّاك والجحّاد:) إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)( سورة الأعراف؛ الآية: 76.) قلت: هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟ قال: الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدلُّ على الله عزّوجلّ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيّام على فترة لا يعرفون إماماً، غير أنّهم على ما في أيديهم من دين الله عزّوجلّ، كلمتهم واحدة، فلمّا ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه. وإنّما مثل القائم (عليه السلام) مثل صالح

{ غيبة شمعون بن حمون عليه السلام }

فلمّا ولد المسيح (عليه السلام) أخفى الله عزَّوجلّ ولادته وغيّب شخصه، لأنَّ مريم (عليه السلام) لمّا حملته انتبذت به مكاناً قصيّاً، ثمَّ إنَّ زكريّا وخالتها أقبلا يقصّان أثرها حتّى هجما عليها، وقد وضعت ما في بطنها، وهي تقول: «يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً» فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجّتها، فلمّا ظهرت اشتدَّت البلوى والطلب على بني إسرائيل، وأكبَّ الجبابرة والطواغيت عليهم حتّى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عزَّ وجلَّ به، واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتّى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجّر الله لهم العيون العذبة، وأخرج لهم من كلِّ الثمرات، وجعل لهم فيها الماشية، وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم، وإنّما هي جلد ودم، فخرجت من البحر، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى النحل أن تركبها، فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة، ونهض النحل وتعلّق بالشجر فعرش وبنى وكثر العسل، ولم يكونوا يفقدون شيئاً من أخبار المسيح (عليهم السلام)

{ غيبة نبي الله سليمان عليه السلام }

ثمَّ إنَّ داوود استخلف سليمان (عليهما السلام) لأنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليه يأمره بذلك، فلمّا أخبر بني إسرائيل ضجّوا من ذلك، وقالوا: يستخلف علينا حدثاً وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل، فقال لهم: قد بلغني مقالتكم فأروني عِصيّكم فأيُّ عصا أثمرت فصاحبها وليُّ الأمر من بعدي، فقالوا: رضينا، فقال: ليكتب كلُّ واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوه، ثمَّ جاء سليمان (عليه السلام) بعصاه فكتب عليها اسمه، ثمَّ أُدخلت بيتاً وأُغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلمّا أصبح صلّى بهم الغداة، ثمَّ أقبل ففتح الباب فأخرج عِصيّهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت، فسلّموا ذلك لداوود (عليه السلام) فاختبره بحضرة بني إسرائيل، فقال له: يا بنيّ، أيُّ شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن النّاس، وعفو النّاس بعضهم عن بعض، قال: يا بنيَّ، فأيُّ شيء أحلى؟ قال: المحبّة وهي روح الله في عباده. فافترَّ داوود ضاحكاً فسار به في بني إسرائيل. فقال: هذا خليفتي فيكم من بعدي، ثمَّ أخفى سليمان بعد ذلك أمره، وتزوَّج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر، ثمَ إنَّ امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأُمّي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أَكرهها إلاّ أنّك في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرَّضت لرزق الله رجوت أن لا يخيّبك، فقال لها سليمان (عليه السلام): إنّي والله ما عملت عملاً قطُّ ولا أُحسنه، فدخل السّوق فجال يومه ذلك ثمَّ رجع فلم يصب شيئاً، فقال لها: ما أصبت شيئاً، قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غداً، فلمّا كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء، ورجع فأخبرها، فقالت له: يكون غداً إن شاء الله، فلمّا كان اليوم الثالث مضى حتّى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصيّاد، فقال له: هل لك أن أُعينك وتعطينا شيئاً، قال: نعم، فأعانه فلمّا فرغ أعطاه الصيّاد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ إنّه شقَّ بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصرَّه في ثوبه فحمد الله، وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك، وقالت له: إنّي أُريد أن تدعو أبويَّ حتّى يعلما أنّك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه، فلمّا فرغوا قال لهم؛ هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلاّ أنّا لم نر إلاّ خيراً منك، قال: فأخرج خاتمه فلبسه فحنَّ عليه الطير والرِّيح وغشيه الملك، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرَّج الله عنهم ممّا كانوا فيه من حيرة غيبته
{ غيبة آصف بن برخيا عليه السلام }

فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثمَّ غيّب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها، ثمَّ ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثمَّ إنّه ودَّعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط؟ وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدَّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته، وتسلّط عليهم بختنصّر فجعل يقتل من يظفر به منهم، ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيزاً، وهم يومئذٍ صبية صغار فمكثوا في يده، وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجّة دانيال (عليه السلام) أسير في يد بختنصّر تسعين سنة، فلمّا عرف فضله، وسمع أنَّ بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يُجعل في جبٍّ عظيم واسع، ويجعل معه الأسد ليأكله، فلم يقربه، وأمر أن لا يطعم فكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبيٍّ من أنبيائه، فكان دانيال يصوم النّهار ويفطر باللّيل على ما يُدلى إليه من الطعام، فاشتدَّت البلوى على شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره، وشكَّ أكثرهم في الدِّين لطول الأمد. فلمّا تناهى البلاء بدانيال (عليه السلام) وبقومه رأى بختنصَّر في المنام كأنَّ ملائكة من السماء قد هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجبِّ الّذي فيه دانيال، مسلّمين عليه يبشّرونه بالفرج، فلمّا أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر بأن يخرج من الجبِّ، فلمّا أُخرج اعتذر إليه ممّا ارتكب معه من التعذيب، ثمَّ فوَّض إليه النّظر في أُمور ممالكه والقضاء بين النّاس، فظهر من كان مستتراً من بني إسرائيل، ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال (عليه السلام) موقنين بالفرج فلم يلبث إلاّ القليل على تلك الحال حتّى مات

{ غيبة يوشع بن نون عليه السلام .}

قام بالأمر بعد موسى (عليه السلام) يوشع بن نون (عليه السلام) صابراً من الطواغيت على البأسا والضرَّاء والجهد والبلاء حتّى مضى من طواغيت زمانه ثلاثة ، فقوي بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى (عليه السلام) بصفراء بنت شعيب امرأة موسى (عليه السلام) في مئة ألف رجل. فقاتلوا يوشع بن نون (عليه السلام) فقتلهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها: قد عفوت عنك في الدُّنيا إلى أن ألقى نبيَّ الله موسى فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك.
فقالت صفراء: واويلاه، والله لو ابيحت لي الجنّة لاستحيين أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه، وخرجت على وصيِّهِ بعده، فاستتر الأئمّة بعد يوشع بن نون إلى زمان داوود (عليه السلام) أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر، وكان قوم كلِّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم، حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمَّ ظهر لهم، فبشّرهم بداوود (عليه السلام) وأخبرهم ظهوره فكانوا ينتظرونه
{ غيبة نبي الله عزير عليه السلام }
وأفضى الأمر بعده إلى عزير (عليه السلام) فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيّب الله عنهم شخصه مئة عام ثمَّ بعثه، وغابت الحجج بعده واشتدَّت البلوى على بني إسرائيل حتّى وُلد يحيى بن زكريّا (عليه السلام) وترعرع فظهر وله سبع سنينٍ فقام في النَّاس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكّرهم بأيّام الله، وأخبرهم أنَّ محن الصالحين إنّما كانت لذنوب بني إسرائيل وأنَّ العاقبة للمتَّقين ووعدهم الفرج بقيام المسيح (عليه السلام) بعد نيّف وعشرين سنة من هذا القول
{ غيبة نبي الله إبراهيم ع }


غيبة الإمام المهدي عليه السلام فيها شبه كبير من غيبة النبي إبراهيم عليه السلام لأنَّ الله عزّ وجلّ غيّب أثر إبراهيم (ع) وهو في بطن أمّه
عن أبي عبد الله (ع) قال: كان أبو إبراهيم (ع) منجّماً للنمرود بن كنعان، وكان نمرود لا يصدر إلاّ عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من اللّيالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتي هذه عجباً فقال له نمرود: وما هو؟ فقال: رأيت مولوداً يولد في أرضنا هذه فيكون هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلاّ قليلاً حتّى يُحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال له: هل حملت به النساء؟ فقال: لا، وكان فيما أُوتي به من العلم أنّه سيُحرق بالنّار ولم يكن أُوتي أنَّ الله عزَّوجلَّ سينجيه، قال: فحجب النساء عن الرِّجال، فلم يترك امرأة إلاّ جعلت بالمدينة حتّى لا يخلص إليهنَّ الرِّجال قال: ووقع أبو إبراهيم على امرأته فحملت به وظنَّ أنّه صاحبه، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شيء إلاّ علمن به، فنظرن إلى أُم إبراهيم، فألزم الله تعالى ذكره ما في الرَّحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئاً في بطنها، فلمّا وضعت أُمُّ إبراهيم [به] أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتّى يأتي عليه أجله ولا يكون أنت تقتل ابنك، فقال لها: فاذهبي به، فذهبت به إلى الغار، ثمَّ أرضعته، ثمَّ جعلت على باب الغار صخرة، ثمَّ انصرفت عنه، فجعل الله عزّوجلّ رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبناً وجعل يشبُ في اليوم كما يشبُّ غيره في الجمعة ويشبُّ في الجمعة كما يشبُّ غيره في الشهر ويشبُّ في الشهر كما يشبُّ غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث، ثمَّ إنَّ أُمَّه قالت لأبيه: لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصبيِّ فأراه فعلت، قال: فافعلي، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم (عليه السلام) وإذا عيناه تزهران كأنّهما سراجان فأخذته وضمّته إلى صدرها وأرضعته ثمَّ انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبيِّ، فقالت له: قد واريته في التّراب، فمكثت تعتلُّ وتخرج في الخارجة وتذهب إلى إبراهيم (عليه السلام) فتضمّه إليها وترضعه ثمَّ تنصرف، فلمّا تحرَّك أتته أُمّه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع، فلمّا أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: ما لك: فقال لها: اذهبي بي معك، فقالت له: حتّى أستأمر أباك. فلم يزل إبراهيم (عليه السلام) في الغيبة مخفياً لشخصه، كاتماً لأمره، حتّى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه. ثمَّ غاب (عليه السلام) الغيبة الثّانية، وذلك حين نفاه الطاغوت من مصر فقال: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا)(مريم : 48)
قال الله عزّوجلّ: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نبيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(مريم : 49 - 50).
وهذا إن دلّ على شيء فيدل على وجه الشبه الكبير بين نبي الله إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) وبين الإمام الحجة بن الحسن العسكري (عليهما السلام).

{ نبي الله داود والمهدي عليهم السلام }

فلمّا كان زمان داوود (عليه السلام) كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير، وكان داوود من بينهم خامل الذِّكر وكان أصغر أخوته لا يعلمون أنّه داوود النبي المنتظر الَّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانت الشيعة يعلمون أنّه قد وُلد وبلغ أَشُدَّه وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنّه هو.
فخرج داوود (عليه السلام) وإخوته وأبوهم لمّا فصل طالوت بالجنود وتخلّف عنهم داوود، وقال: ما يصنع بي في هذا الوجه، فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في غنم أبيه يرعاها فاشتدَّ الحرب وأصاب النّاس جهد، فرجع أبوه وقال لداوود: احمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به على العدوِّ، وكان (عليه السلام) رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب، أخلاقه نقيّة، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كلُّ واحد منهم إلى مركزه، فمرَّ داوود (عليه السلام) على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع: ياداوود خذني فاقتل بي جالوت فإنّي إنّما خُلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مِخلاته الّتي كانت فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت، فقال لهم: ما تعظّمون من أمره فوالله لئن عاينته لأقتلنّه، فتحدثَّوا بخبره حتّى أُدخل على طالوت فقال له: يافتى ما عندك من القوَّة وما جرَّبت من نفسك، قال: قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فادركه فآخذ برأسه وأفكُّ لحييه عنها فآخذها من فيه، وكان الله تبارك وتعالى أوحى إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلاّ من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داوود (عليه السلام) فاستوت عليه فراع ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل، فقال: عسى الله أن يقتل به جالوت، فلمّا أصبحوا والتقى النّاس قال داوود (عليه السلام): أروني جالوت فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكَّ به بين عينيه فدمغه وتنكّس عن دابّته فقال النّاس: قتل داوود جالوت، وملّكه النّاس حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت عليه بنو إسرائيل، وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزَّبور، وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له وأمر الجبال والطّير أن تسبّح معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسناً، وأعطاه قوَّة في العبادة. وأقام في بني إسرائيل نبيّاً.
وقال الصدوق (رحمه الله): وهكذا يكون سبيل القائم (عليه السلام) له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه: اُخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله، وله سيف مغمّد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف اُخرج يا ولي الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج (عليه السلام) ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويُقيم حدود الله ويحكم بحكم الله عزّ وجلّ.

{ غيبة نبي الله يوسف عليه السلام }

غيبة يوسف (عليه السلام) فإنّها كانت عشرين سنة لم يدهّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيّب ولم يمسَّ النّساء حتّى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيّام في الجبّ، وفي السّجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنيه. وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيّام فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله، ثمَّ إلقائهم إيّاه في غياهب الجبِّ، ثمَّ بيعهم إيّاه بثمن بخس دراهم معدودة، ثمَّ بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثمَّ بالسّجن بضع سنين، ثمَّ صار إليه بعد ذلك ملك مصر، وجمع الله ـ تعالي ذكره ـ شمله وأراه تأويل رؤياه.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قدم أعرابيٌّ على يوسف ليشتري منه طعاماً فباعه، فلمّا فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟ قال: بموضع كذا وكذا، قال: فقال له: فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب! يا يعقوب! فإنّه سيخرج إليك رجلٌ عظيمٌ جميلٌ جسيمٌ وسيمٌ، فقل له: لقيت رجلاً بمصر وهو يقرئك السّلام ويقول لك: إنَّ وديعتك عند الله عزَّ وجلَّ لن تضيع، قال: فمضى الأعرابي حتّى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه: احفظوا عليَّ الإِبل ثمَّ نادى: يا يعقوب! يا يعقوب، فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتّقي الحائط بيده حتّى أقبل فقال له الرَّجل: أنت يعقوب: قال: نعم. فأبلغه ما قال له يوسف، قال: فسقط مغشيّاً عليه، ثمَّ أفاق، فقال: ياأعرابي، ألك حاجة إلى الله عزَّ وجلّ؟ فقال له: نعم، إنّي رجلٌ كثير المال، ولي ابنة عمٌّ ليس يولد لي منها، وأُحبُّ أن تدعو الله أن يرزقني ولداً، قال: فتوضّأ يعقوب وصلّى ركعتين، ثمَّ دعا الله عزَّ وجلّ، فرُزِق أربعة أبطن، أو قال ستّة أبطن في كلِّ بطن اثنان.

فكان يعقوب (عليه السلام) يعلم أنَّ يوسف (عليه السلام) حيٌّ لم يمت وأنَّ الله ـ تعالى ذكره ـ سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه: (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(سورة يوسف:96) وكان أهله وأقرباؤه يفنّدونه على ذكره ليوسف، حتّى أنّه لمّا وجد ريح يوسف قال: (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(سورة يوسف : 94 – 96).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنَّ في القائم سنّة من يوسف، قلت: كأنّك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: وما تنكر هذه الأُمّة أشباه الخنازير، أنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً، أولاد أنبياء، تاجروا يوسف وبايعوه، وهم إخوته، وهو أخوهم فلم يعرفوه، حتّى قال لهم: «أنا يوسف وهذا أخي» فما تنكر هذه الأُمّة أن يكون الله عزَّ وجلَّ في وقت من الأوقات، يريد أن يستر حجّته عنهم، لقد كان يوسف يوماً ملك مصر، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرِّفه مكانه لقدر على ذلك، والله، لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة أيّام إلى مصر، فما تنكر هذه الأُمّة أن يكون الله عزَّ وجلَّ يفعل بحجّته ما فعل بيوسف، أن يكون يسير فيما بينهم، ويميشي في أسواقهم، وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عزَّ وجلَّ له أن يعرِّفهم نفسه، كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال لهم: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَانت يوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي)(سورة يوسف : 89 – 90).

{ السبب الذي دعا أنبياء الله عز وجل للغيبة والشبه بين سبب غيبة إمامنا القائم عليه السلام }
{ مقدمة }
لم يكن الله الرحمن الرحيم ليغيب أنبيائه عن الناس لولا أن هناك سبب وجيه لغيبة الأنبياء عليهم السلام عن أقوامهم وذلك لان الله أرسلهم عليهم السلام لهداية الخلق فكيف يهدون الناس وهم ليس فيهم وإذا أردنا أن نعرف عدد الأنبياء الذين أرسلهم الله عز وجل للناس فأسوف نتفاجأ بالعدد المذكور وهو مائة وأربعة وعشرون ألف بني ويوحي هذا العدد الهائل من الرسل إلى أن الله لا يريد الغواية لعباده بل يريد الهداية للناس وقد بالغ في ذلك سبحانه وتعالى ولا يريد أن يترك الأرض ولو للحظة واحدة من غير حجة ظاهر للناس علناً لوظيفة الهداية والإصلاح
ويأتي السؤال هنا سريعاً اذاً لماذا غاب الأنبياء عن أقوامهم إذا كان غيابهم يضر بوظيفة الهداية والإصلاح التي يريدها الله عز وجل للناس :

أقول : أن وظيفة الإمام والنبي أو الرسول في الإصلاح والهداية واحدة ولا تختلف من واحد لأخر إذ كلا النبي والوصي حجة أرسله الله عز وجل للناس لطاعته وعدم معصيته وكلا النبي أو الوصي لديهم خاصية السير بموجب الوحي أو الإلهام والتسديد فيكون غيابهم عن أقوامهم اقصد النبي والإمام هو سبب واحد :
فقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال عَلى منبر الكوفة { واعلموا إن الأرض لا تخلو من حجة للّه و لكن اللّه سيعمى خلقه منها بظلمهم و جورهم و إسرافهم على أنفسهم } ( بحار الأنوار، ج 51ص 112و 113ح 8 )

هنا يذكر أمير المؤمنين عليه السلام سبب غياب الحجة ويعطي صورة واضحة وغير قابلة للبس عن السبب الحقيقي للغيبة وهو ظلم الناس لأنفسهم ولإمامهم وبطيعة الحال فعندما غاب إمامهم أو نبيهم استوجبوا الغضب الإلهي عليهم وكعقوبة على فعلهم هذا رفع عنهم سبب الهداية والإصلاح وفتح عليهم باب الظلال والظلام ومن فتح عليه هذان البابان ما سيكون مصيره والعياذ بالله فلذلك تجد أن الأقوام التي سبقت امة الإسلام يذكرها الله في كتابه بقوله { مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } سورة الأنبياء (6)
{ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } (45) سورة الحج
{ ثمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } سورة المؤمنون (44)

{ سبب غياب أنبياء الله عن أقوامهم بلسان نبي الله يحيى ابن زكريا عليهما السلام }

كما كان الشيعة في زمان الأئمة عليهم السلام يسألون الأئمة عن سبب غياب الإمام المهدي عن قومه بعد أن أكثر الأئمة من ذكر غيبة الإمام المهدي عليه السلام على مسامعهم فقد ضج قبل الشيعة بني إسرائيل بخصوص هذا الأمر ومن كثرة غياب الأنبياء عنهم وكثرة الظلم الذي لاقوه من قبل الطواغيت والظلمة فضجوا بأ جمعهم إلى بني الله يحيى عليه السلام يسألوه عن سبب الغياب فكان الجواب غير متوقع من نبي الله لهم فقد جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد كان يظن هؤلاء أن سبب غيبة الأنبياء راجع إلى الله وإنهم من غير الممكن أن يكونوا هم السبب لغياب الأنبياء عنهم فقد كانوا يظنون إنهم شعب الله المختار وأنهم لا يدخلون النار وان دخلوا فأيام قلائل ويخرجون لأنهم شيعة الأنبياء ولكن جاءت الصدمة فقد فقال نبي الله يحيى أن سبب الغيبة انتم وبذنوبكم وبظلمك يا بني إسرائيل فقد جاء في كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 156 - 159
عن الإمام الصادق {عليه السلام} في قصة اصف بن برخيا انه قال { اشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليهما السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في الناس خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين } يتبع بحول الله
زينب الهاشمي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الله


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كشف اللثام عن سبب تأخر قيام الامام ج1 زينب الهاشمي نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 2 12-02-2012 09:09 PM
كشف اللثام عن سبب تأخر قيام الامام ج3 زينب الهاشمي نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 1 11-02-2012 08:34 PM
كشف اللثام عن سبب تأخر قيام الامام ج2 زينب الهاشمي نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... 0 11-02-2012 01:49 PM
قيام الليل ميقات اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية 6 05-06-2010 10:28 AM
الحكمه الطبيه من قيام الليل شمس العزه اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية 1 23-02-2010 09:36 PM


الساعة الآن 06:25 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir