رد: ماهو الدين ؟
ما هو الدين؟
(القسم الرابع)
ولكن لما كان جميع ما في عالم الإثبات فقيراً في ذاته وهالكاً في سرّه قلقاً في كيانه صار يبحث عن البقاء والثبوت، ولما كانت معرفة الذات مستحيلة في حدود عالم الإثبات وأي تصور لها بتشبيهها بشخصيات عالم الإثبات لا يزيد المتصوِّر إلا تيهاً، لما استحال معرفة الذات المقدسة، انقلب وجه الكائنات إلى عالم الإثبات، واتخذ ذلك العلم شخصية تناسب عالم الإثبات وفانية بفنائه، وتلك الشخصية تحمل عنوان الفناء الثبوتي، والدلالة الإثباتية: فكانت الأسماء وتشخّصت؛ لأن الاسم هو ما يدل على الذات وهو غير الذات كما هو معلوم.
والاسم من جهة هو معرفة الذات وتكون في نفوس الخلائق، ولكنه في نفسه متنزّل من الذات بالعلاقة التي تصورناها بين عالم الثبوت وعالم الإثبات، فالأشياء كلها أسماء من جهة توجهها إلى الله وتوجه الكائنات بها، ومن جهة هي كلمات الله سبحانه لأنه سبحانه هو الذي أوجدها.
ولما كانت الكائنات تبحث عن الذات المقدسة سبحانه، ولا يمكن لها أن تنطوي على باطنها فتصل منه إلى عالم الثبوت عبر العلاقة التي تنزّلت من عالم الثبوت إلى عالم الإثبات، اتجهت إلى عالم الإثبات لتجمع أسماء المخلوقات وتقرأ كلمات الله، ولكن كثرة القراءة للمخلوقات لا تخرجها من عالم الإثبات، إلا أن تدرك بعد إحصائها بأجمعها أنها فانية، وذلك الإدراك يكون بعد فناء كل شيء من عالم الإثبات، وفناؤه يكون بمعرفته معرفة تامة ثم بعد اختلاط المعلوم بالعالم والاقتراب منه جداً يشعر العالم في سره أنه لا ثبوت له [حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ] (النور:39).
هذا هو الدين، أي هذا التوجه في سرّ الكائنات الذي يعبر بها آفاق عالم الإثبات بدافع من الشعور الباطني الناتج من عالم الثبوت الذي انفرز به المخلوق من الخالق.
وسنقارب معاني هذا الكلام بما جاء في النصوص الدينية.
__________________
|