إن هوى النفس عدوّ للعقل وكذلك عدوّ للعشق/ إن رُشّت بذور اتباع الهوى في المجتمع يمت العشق/ النساء أول المتضرّين من السفور/ إن جهاد النفس يهدي الإنسان إلى العقل، وبعد ذلك يقوده إلى العشق ومنه إلى الإخلاص في آخر المطاف/ إن لذّة مسيرة الأربعين أمتع من أي جلسة طرب وعيش
إليك ملخّص الجلسة الثامنة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
ما معنی «لنستعن بالعقل على السيطرة على عواطفنا» بشکل دقيق؟
كثيرا ما يقال يجب أن نستعين بالعقل على عواطفنا أو أن نسيطر على إحساساتنا ونتغلب عليها. وقد تستبدل بالعقل مفاهيم أخرى كالفكر والعلم والإيمان. إن أصل هذا الكلام صحيح ولكن قد أخطأ الكثير في فهمه. فليس معنى هذا الكلام الدقيق والصحيح هو المتبادر إلى أذهان الكثير من الناس.
إذا يقال: يجب أن تستعينوا بالعقل والإيمان والعلم والفكر على مخالفة أهوائكم، فمعناه الدقيق هو أنه يجب أن توقظوا نزعاتكم ورغباتكم الحسنة بالعقل والعلم والإيمان، ثم تستعينوا بهذه الرغبات الحسنة على الأهواء السيئة. فإن العقل والإيمان والعلم والفكر كلّها مدعاة إلى صحوة الرغبات الحسنة وتنشيطها.
العقل موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها/ يحظى العقل بقوّة يدير بها أهواء الإنسان
نحن بصدد تضييق رغباتنا السيئة والسيطرة عليها. فمن أجل تحقيق ذلك لا سبيل لنا سوى الرغبات الحسنة التي هي إما مودعة في فطرتنا وهي بحاجة إلى التفعيل والازدهار، أو أنها موجودة وناشطة بالفعل ولابد من إدارتها. العقل هو موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها. فإنكم سوف تقضون على الأهواء السيئة عن طريق هذه الرغبات الحسنة.
يحظى العقل بقوّة يدير بها نزعات الإنسان. كما أنّ أنبياء الله جاءوا ليخاطبوا نبيّنا الباطني وهو العقل. والعقل هو القوّة التي تدير مختلف الأهواء والرغبات الكامنة في داخلنا. فتهدينا قوّة العقل دائما نحو الرغبات الأسمى ويشير علينا بأن نختار أفضل رغبة ونلبّيها.
يضيء العقل الطريق ويعرّفنا على الرغبة المثلى
عندما نتمرّض ويصف لنا الطبيب دواء مرّا، يجب أن نشرب الدواء بالرغم من كرهنا وعدم رغبتنا. فنحن هنا في الواقع قد جاهدنا هوى النفس بالعقل، فنحَّينا «كره شرب الدواء» على جانب، إذ قد شخّص العقل أن «حبّ الصحة والحياة» رغبة أسمى وأمثل. فنحن في مثل هذا الموقف أصبحنا في الواقع بين رغبتين متعارضتين: إحداهما هي حب عدم شرب الدواء المرّ، والأخرى حبّ الصحة والحياة. فهنا يأتي العقل ويضيء الطريق ويعرّفنا على الرغبة الأسمى، فنشخصّها ونختارها.
يهدينا العقل إلى الرغبات القيّمة واختيار أفضل الخيارات. ولذلك إذا ذهب أحد إلى محلّ بيع الألبسة لشراء قميص، واختار أقدم القمصان وأقبحها وأقلّها تناسبا وأغلاها في نفس الوقت، يتّهم بفقدان العقل عندئذ.
دور العلم هنا إتحاف الإنسان بالمعلومات، أما العقل فهو الذي يقوم بإدارة مختلف الرغبات ويفضّل أفضل الخيارات على غيرها، ويعين الإنسان لتلبية أفضل الرغبات وأسماها.
بإمكان العقل اليوم وحتى العقل التجريبي أن يدافع عن أكثر القيم
نحن الآن نعيش في زمن أصبح الدفاع عن القيم فيه عقليّا أكثر من كونه عقديّا. فحاجتنا الأولى هي التمتّع بالعقل بمختلف أنواعه وأشكاله من عقل المعاش والعقل السياسي وغيره. فإن كنّا في زمن ننطلق فيه من العقائد في الدفاع عن الثورة، فقد أصبحنا اليوم ندافع عن أكثر قيم الثورة على أساس العقل، وحتى العقل التجريبي. فعلى سبيل المثال كان العقل التجريبي في العقود الماضية عاجزا عن فهم فساد الديمقراطية الغربيّة، فكنّا ندّعي فسادها بالاستناد إلى الآيات والروايات، أو كنّا نحذّر من السقوط فيما لا يرضى به الله عبر الذهاب وراء الديمقراطية الغربية. أما الآن فقد نما العقل البشري وبإمكانه أن يثبت فساد الديمقراطيّة الغربية. وقد أصبحت جرائم الديمقراطية الغربية الآن بمرأى الجميع ولا تحتاج مشاهدتها إلى العين المسلّحة.
يتبع إن شاء الله...