يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟
الآن وبعد أن انتهينا إلى نهاية شهر رمضان، إذا أردنا أن نعرف مدى صحة طاعتنا في هذا الشهر، فلابد أن نرى هل قد ازددنا تواضعا وذلّا لله أم لا؟ هل ازددنا خوفا وخشية من الله أم لا؟ فعلى سبيل المثال هل أصبحنا نخاف الله إذا أردنا تأخير صلاتنا قليلا؟
يجب أن تكون نتيجة هذه العبادات والطاعات بعد ثلاثين يوما في شهر رمضان هي ذلّ النفس والخشوع. كما أن الهدف الرئيس من طاعة الله وعبادته وجهاد النفس هو ذلّ النفس. يجب أن تذلّ النفس في مقابل الله وتخشع له. فإن قبح الذل في أي مكان آخر وأمام أي شخص آخر، فإنه يحلو ويجمل في مقابل الله.
من الأعمال الرائعة التي تعيننا على ذلّ النفس وتمنحنا هذا الشعور هو أن نهتمّ بقبول الطاعة أكثر من أدائها. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «کُونُوا بِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً بِالْعَمَل» [مجموعة ورام/ ج1/ ص64]
فالآن وبعد ما صمنا شهر رمضان كلّه وأدينا بعض العبادات، يجب أن نقلق على قبول أعمالنا ونهتمّ بذلك أكثر من اهتمامنا بأداء الأعمال وأن نلتمس الله أن يقبل أعمالنا. عند ذلك سوف تذل نفسنا إذ أن الاهتمام بقبول العمل يحكي عن أننا لم نغترّ بأعمالنا.
كل ما يقوم به الإنسان في سبيل إذلال النفس، تستخدمه النفس كرأسمال للعجب
لماذا بعد عنائنا وصومنا خلال ثلاثين يوما، يجب أن نزداد جهدا وسعيا من أجل قبول صيامنا وأعمالنا؟ لأن نفس الإنسان تنطوي على مرض باسم «العجب» و «الأنانية»، بحيث كلّ ما يقوم به الإنسان ليذلّها، تستخدمه كرأسمال للإعجاب بنفسها. فهي تحاول أن تستعمل نفس الأعمال التي أنجزتها لإذلالها كأداة للعجب والطغيان! هذا «العجب» من الأمراض المستعصية التي يصعب معالجتها جدّا.
فعلى سبيل المثال، عندما تأمر نفسك بالسجود لله، تتمرّد في البداية ولا تطيع، ولكنك إن استطعت أن ترغم أنفها وتفرض عليها السجود، بمجرّد أن ترفع رأسك يتغيّر لحنها و تبدأ بالتفاخر والتباهي بفعلها وسجودها. وهذا هو العجب.
الاعتذار من الذنب أهمّ من اجتنابه/ إذ أن الاعتذار يذلّ النفس
لماذا الاعتذار من الذنب أهم من اجتنابه؟ إذ أن الاعتذار من الله يذلّ الإنسان في مقابل الله، ويحظى هذا الذل والخشوع بأهمية كبيرة لدى الله، وهو أفضل بكثير من أن نجتنب الذنوب ثم نصاب بالعجب والغرور بسبب تورعّنا عن الذنب. ولذلك أحيانا يترك الله عبده المؤمن ليذنب خوفا عليه من العجب، إذ يعلم الله سبحانه أن الذنب أفضل لعبده المؤمن من العجب؛ «إنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَوْ لَا ذَلِکَ مَا ابْتُلِي مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَداً» [الكافي/ج2/ص313]
إن لم نسأل الله ونلتمسه أن يقبل أعمالنا، سوف تذهب كل طاعاتنا في هذا الشهر هباءً
بإمكانكم الآن أن تشاهدوا أثر الاهتمام بقبول الأعمال على روحكم ونفوسكم. فالتمسوا الله وتذلّلوا إليه وقولوا: «إلهي أسألك وأتوسل إليك أن تتقبّل شهر رمضان هذا! صحيح أن طاعاتي كلّها كانت غير جيّدة ورديئة، ولكني ألتمسك أن تقبلها ولا تردّها». ثم انظروا ماذا يحصل في أرواحنا بهذه المناجاة القصيرة؟ التذلل والنور. فما إن تبدأ بالالتماس والإلحاح على الله ليقبل أعمالك تزداد صفاء ونورا.وفي المقابل إن خلت أعمالنا من هذا الإلحاح والالتماس سوف تذهب كل طاعاتنا ومناجاتنا في هذا الشهر هباءً ونخرج من هذا الشهر بأيدٍ خالية.
إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن لم نصل إلى هذا الذلّ بعد الطاعة، نعرف أن طاعتنا كانت غير صحيحة
إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن أطعنا الله ولم نصل إلى هذا الذلّ، ينكشف أن طاعتنا كانت ذات خلل. ما يحفظ الإنسان هو الذلّ بين يدي الله. إن ضجيج الإنسان إلى الله بعد الصلاة والإلحاح عليه أن يتقبّل صلاته هو الذي يحفظ الإنسان، ولولا ذلك جدير بالصلاة نفسها أن تفسد الإنسان. إذ لولا هذا السؤال الملحّ، لاقتحم العجب قلب الإنسان.
ففي هذه الأيام ونحن على وشك انتهاء شهر رمضان يجب أن نفعل أمرين: 1ـ نلتمس الله أن يتقبّل طاعاتنا 2ـ أن نستغفر من طاعاتنا وعباداتنا وأن نقول: «ربّنا! اغفر لنا نقصان عباداتنا وطاعاتنا فإنها لم تكن بمستوى شأنك ومقامك. فتغاض عن هذه العبادات ولا تحاسبنا عليها». إن هذه الأعمال سوف تجعلنا نعيش حالة الذل والانكسار بين يدي الله إن شاء الله.