يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟
إليك ملخّص الجلسة السابعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
تحتاج الأدوية المعنوية إلى المعرفة والنيّة الخالصة حتى تؤثر بخلاف الأدوية المادّية/ يجب أن نعرف أن الصلاة بصدد إذلال النفس في مقابل الله وتضعيف كبرنا أمامه
لا يحتاج الدواء إلى «معرفة» أو «نية» في سبيل أن يترك مفعوله في جسم الإنسان؛ يعني أولا لسنا بحاجة إلى أن نعرف ماذا تفعل حبّة الدواء في جهاز جسمنا، وثانيا لا داعي إلى استعمال الدواء بنية التئام الحلق مثلا. إذ يترك الدواء أثره في جسم الإنسان على أيّ حال، سواء أكنّا عارفين بتفاصيل أثر الدواء ونوينا الشفاء عند الاستعمال أم لا. بينما تحتاج الأدوية المعنوية التي تشفي روح الإنسان ومن أجل تأثيرها إلى المعرفة والنية الخالصة بخلاف الأدوية المادّية.
فعلى سبيل المثال، الصلاة شفاء ووقاية لكثير من أمراضنا بل لجميع الفحشاء والمنكر بشكل عام؛ (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) [العنكبوت/45]. ولكن إذا أرادت هذه الصلاة مع كل عظمتها أن تترك أثرها علينا، فيقتضي ذلك معرفتنا ونيتنا المخلصة أيضا.
إن اطلّعنا بشكل دقيق على حقيقة أثر الصلاة على روحنا، وكانت نيتنا في مسار هذا التأثير، عند ذلك ستكون الصلاة مؤثرة فينا واقعا. يجب أن نعرف أن الصلاة تسعى لإذلالنا في مقابل الله ولتضعيف كبرنا وأنانيتنا، ثم ننوي ذلك وندعو لتحقّق هذا الهدف ونقول: «إلهي أريد أن أزداد تواضعا وذلّا بين يديك وأن يضعف كبري عبر هذه الصلاة». فإننا إن أردفنا إلى الصلاة مثل هذه المعرفة والنيّة، سوف نتقرّب إلى الله.
لا يستطيع الإنسان أن يسير في هذا الطريق إلا بعد أن عرف ماذا يفعل أولا، ونوى ما عرفه ثانيا. السبب الذي جعل ديننا يحثّ على التدبر والتعقّل ومعرفة النفس والتفقه والفهم الدقيق بهذا القدر، هو أن للمعرفة أثرا وضعيا ولا تخلو عن الفائدة أبدا.
لا ينبغي أن نمرّ من المفاهيم الرئيسة الدينية التي اهتمّ بها الدين مرور الكرام، بل ينبغي أن نفكّر لماذا اهتمّ الدين بهذا الموضوع بهذا القدر؟ ليس من الجميل أن يعطّل الإنسان قدرة فهمه في مجال إدراك الدقائق الدينية ثم يصرفها في اللعب والقضايا التافهة.
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية/ قال رسول الله(ص): أُفٍ لِکُلِ مُسْلِمٍ لَا يجْعَلُ فِي کُلِ جُمْعَةٍ يوْماً يتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ يسْأَلُ عَنْ دِينِهِ
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف ونخشى من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية، لأنه عند ذلك سيقع الإنسان في أخطاء فادحة قهرا ومن دون مشيئة.
مع الأسف إن بعض المتديّنين والثوريّين لم يحظوا بالعمق المعرفي وقد توقفوا في مستوى ثابت من المعارف الدينية وهم يزعمون أنهم يعرفون كل المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال إن بعضهم يحملون فهما سطحيا عن مفهوم التقوى الأساسي والعميق ويتصوّرون أنه لا يتجاوز هذا المفهوم العظيم عن نطاق «اجتناب الذنوب»، ولا يتطلّعون إلى كسب فهم أعمق عمّا عرفوه.
كثير من الناس وللأسف الشديد لا يتعبون أنفسهم للحصول على فهم عميق عن الدين وهذا أمر سيئ جدّا. قال رسول الله(ص): أُفٍ لِکُلِ مُسْلِمٍ لَا يجْعَلُ فِي کُلِ جُمْعَةٍ يوْماً يتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ يسْأَلُ عَنْ دِينِهِ» [المحاسن/1/225].
إن بعض الناس ـ وللأسف ـ لا يخصّصون وقتا كافيا لفهم الدين مكتفين بمستوى فهمهم العامّي عن الدين. ولكن هذه السطحية في الفهم إما ستؤدي إلى فرار الشخص نفسه عن الدين، وإما يسوقه إلى ممارسة بعض الأعمال التي تبعد أشخاصا آخرين عن الدين. وفي الواقع سوف يحاسبهم الله ويسألهم عن الذكاء الذي منحهم أين صرفوه وفي أيّ طريق بذلوه؟! إن بعض الأشخاص يصرف فاهمته وذكاءه في دراسته وفي الجامعة فقط، ويصرفها البعض في اللعب والمرح وقضايا أخرى دون أن يستخدموها في الدين.
يتبع إن شاء الله...