إليك ملخّص الجلسة السادسة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس من نافذة الإخلاص/ لا يستطيع العمل أن يقرّب الإنسان بدون الإخلاص
لم يكتمل بحثنا في العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس بعد، وما زال بحاجة إلى المزيد من التأمّل. لقد دخلنا في الجلسة السابقة في موضوع الحبّ عبر موضوع ذلّ النفس في مقابل كبرياء الله سبحانه. أمّا في هذه الجلسة فسوف نقف عند موضوع الحبّ عن طريق مفهوم آخر باسم «الإخلاص» لكي نلقي نظرة أفضل إلى مسار البحث.
إن الأخلاص من المفاهيم البارزة في الدين. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «الْإِخْلَاصُ غَایَةُ الدِّین» [عيون الحكم/ ص20] يعني أنّنا نريد أن نصل إلى هذه النقطة في آخر المطاف. ليس الإخلاص غاية الدين فحسب، بل محتاج إليه في بداية الحركة أيضا، إذ أن الله لا يقبل عملا غير خالص.
طيّب؛ ما معنى كون الله لا يتقبّل عملا بلا إخلاص؟ هل معناه أن العمل غير الخالص هو عمل واقعا ولكن الله لا يعجبه ولا يقبله؟ أو إن معناه هو أن العمل بغير إخلاص ليس بعمل أساسا ليدفع العبد إلى الله. لا يمكن أن تكون عمليّة قبول العمل أو رفضه على أساس الذوق أو قوانين اعتبارية. وأساسا لا يستطيع العمل بغير إخلاص أن يقرّب أحدا. بل إن العمل الخالص هو الذي يستطيع أن يترك أثرا وضعيّا في العالم ويغيّر موقعكم فيه ويصعد بكم إلى المقام الأعلى. كان المفترض في مسار جهاد النفس أن نذلّ النفس ونحقّرها في مقابل الله لا أن نقوم بأعمال صالحة لصالح النفس. السبب في عدم قبول العمل غير الخالص هو أن العمل غير الخالص ذاته لا يمكن أن يقبل، فكأن الإنسان لم يعمل شيئا إن كان عمله غير خالص.
إن ماهية حركة الإنسان التكاملية والهادفة إلى الدرجات العليا هي أن يعمل من بداية المطاف إلى نهايته على خلاف رغبة نفسه التي تحاول أن تمتلك كل شيء وتجرّ إليها كلّ مصلحة ولذّة. حتى أنّها تحاول أن تصادر الصلاة في أول الوقت لصالحها وتستخدم هذا السلوك أداة للحصول على بعض المكاسب. ولذلك يمتحننا الله أحيانا بأعمال أهمّ من الصلاة في أول الوقت ليرى هل سوف نبقى ملتزمين بوقت الصلاة أم سوف نقوم بذلك الفعل الذي هو أكثر ضرورة وله الأولوية عليها.
الأعمال الأكثر إخلاصا هي ما كانت بضررك لا لصالحك
أيّ الأعمال أكثر إخلاصا؟ هو ذاك العمل الذي كان بضررك لا لصالحك. يعني ينبغي أن يكون العمل بالنحو الذي يعزّز تذلّك للّه. إنّ شرط العمل الخالص هو أن لا يكون من أجل كسب قلوب الناس والجاه، إذ أن مثل هذا العمل في الواقع عمل للأنا ولصالح الأنا. عندما يقال أن الإخلاص يعني أن لا يكون عملك في سبيل إظهار الفضل للناس، فمعنى ذلك هو أن لا يكون العمل من أجلك. يتجسّد عدم الإخلاص في جرّ المصالح للنفس أما الإخلاص فهو العمل في سبيل الله.
نمطان للحياة: 1ـ رغبة النفس في امتلاك كلّ شيء وانتفاعها به 2ـ رغبة النفس في أن يمتلكها الله ويستعملها لأجله
إن لنا نمطين في الحياة. وبعبارة أخرى هناك رؤيتان عن الحياة تختلف أحدها عن الأخرى تماما وهما ساريتان في حياة الناس. بمقتضى الرؤية الأولى يسحب الإنسان كلَّ شيء إلى نفسه. فإن كانت هناك رغبة، فمحور رغباته كلّها نفسُه. والمعيار في ما يحبّه ويشتهيه هو ما كان لصالحه. ففي مثل هذه الحياة سوف تكون أنت المحور وتسعى لامتلاك كلّ شيء. إن هذه الرؤية على خلاف الإخلاص.
ولكن في الرؤية الثانية، ليست علّة الرغبات والمساعي كلّها امتلاكَ المصالح، بل أن يشتريك الله. فبمقتضى هذه الرؤية عن الحياة، أنت تحبّ أن تُجذب إليه لا أن تجذب كلّ شيء إليك. إن هاتين الرؤيتين على طرفي نقيض، وإن بعض الناس لا يبلغون أبدا لإدراك النموذج الثاني من الحياة.
في النمط الأوّل من الحياة، إنما تفكّر بما ترغب فيه وما تشتهيه؟ ولكن في النمط الثاني لا تزال تسأل عن ما يحبّه الله وما يرضى به. إن هذين الاهتمامين والتفكيرين يعبّران عن رؤيتين وشعورين ونوعين من الحبّ، أحدهما يحاول جذب كلّ شيء إلى نفسه، والآخر لا يفكرّ إلا به عزّ وجل.
يتبع إن شاء الله...