نحن لا ننفكّ عن صفة التكبّر لحظة
نحن نصبو إلى لقاء الله، ولكن لابدّ أن نعرف أنه إله كبير ومتكبّر. الصلاة تمرين للقاء الله وفي نفس الوقت تتضمّن طلبا للقائه. إن أعظم فعل في الصلاة وأكثرها قيمة هو السجود. وأهمّ فعل جدير بالتوجّه هو تكبيرة الإحرام. إن علاقتنا مع الله هي علاقة الذليل مع المتكبّر. طبعا ينمو التكبّر في وجودنا يوميّا ولذلك فلابدّ من القضاء عليه وتبديله إلى التذلّل عبر الصلوات اليوميّة. إن كثيرا من أمراضنا الروحية من قبيل الحسد والبخل والطمع وغيرها توجد في القلب تارة وتعدم تارة أخرى، أما الكبر فهو مشكلتنا الثابتة والدائمة.
إن أهمّ طموح نسعى إليه نحن البشر هو الطموح إلى الكبرياء والعظمة، ولكننا لا نرى هذا الطموح، كالسمكة التي تسأل عن الماء وهي في بطن البحر؟ فنحن لا ننفك عن التكبّر أو طلبه أو التحسّر عليه. ومن جانب آخر لابدّ أن نعرف أن الكبر هو أمّ الرذائل كلّها. ولذلك وجبت الصلاة التي هي برنامج لتذلل العبد إلى مولاه المتكبّر. إن درجات ذلّنا لله ليست بسواء، ولكن طوبى لمن كان أكثرنا ذلّا وتذللا لله سبحانه.
لابدّ لنا من التذلّل حتى نتناسب مع ربّ العالمين/ كيف يمكن الوصول من الحبّ إلى الذلّ؟/ إذا اشتدّ المحبّ حبّا للمعشوق يتذلّل إليه
كيف نستطيع في طريقنا في جهاد النفس أن نصل من الحبّ إلى الذلّ؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف أن الغاية القصوى من جهاد النفس هي لقاء الله. ثم إن كبرياء الله مقدّمة على باقي مظاهره وجلواته، ولذلك فلابدّ لنا من التذلل حتى نتناسب مع كبرياء الله ونقدر على لقائه. لابدّ أن نقضي على أنانيتنا لنرتقي إلى درجة الفناء في الله. كلّنا يتمنى أن يكبر شأنا وقدرا ولكن لا يجوز أن نتعاظم بغير صواب أو أن نتوهّم العظمة، أو أن نسلك سبيلا غير مشروع لنيل هذه الغاية. فإنما أودعت فينا الرغبة في العظمة والرفعة من أجل أن نحبّ الله العظيم.
من العوامل التي تؤدّي بالإنسان إلى ذلّ عميق، الحبّ. فإن ترسّخ الحبّ، وامتدّ بجذوره في أعماق قلب المحبّ، ينذل المحبّ للحبيب. فالحبّ الذي لا يذلّك للحبيب ليس بحبّ عميق، بل هو حبّ مزيّف. إن من طبيعة الحب أن يذلّ العاشق للمعشوق حتى يتقبّل امتنانه.
إذا ذهبت إلى حرم أمير المؤمنين(ع) فذلّل له روحك وقلبك. فهكذا استطاع إمامنا الخميني(ره) أن يقف إلى جانب ضريح أمير المؤمنين(ع) لمدة خمس عشرة سنة يوميّا ويزوره بزيارة الجامعة الكبيرة. فانظروا كم كان الإمام الخميني(ره) يظهر التذلل لأهل البيت(ع).
أقصر طريق لجهاد النفس هو الاستعانة بأهل البيت(ع)/ إن حبّ أولياء الله يذلّل النفس للّه سبحانه
العشق يذلّ الإنسان. إذا رأى الإنسان نفسه فاشلا في جهاد النفس مهما حاول وسعى، فليعلم أن هناك طريق مختصر. إن هذا الطريق هو الاستعانة بحبّ أهل البيت(ع). إنّ أثر حبّ أولياء الله الذي هو أسهل من باقي أنواع الحبّ، هو أن يذلّ النفس للّه سبحانه. لأننا نحبّ الإمام علي بن أبيطالب(ع) من أجل الله، فعندما نحبّ أحدا للّه، فكأننا أحبنا اللهَ نفسه. «مَنْ أَحَبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ» [أمالي الصدوق/476] نحن نحب أمير المؤمنين(ع) وكلّا من سادتنا المعصومين(ع) لأنهم أولياء الله. وعندما يكون حب أهل البيت(ع) هو العامل في إذلال نفسك للّه، يصبح جهاد النفس كشرب الماء.
يقول الإمام الصادق(ع): الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين(ع)
لقد قال النبي الأعظم(ص): «لَا یُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَکُونَ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَ عِتْرَتِی أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ ذَاتِه» [أمالي الصدوق/ 335].
وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في دعاء له مشيرا إلى قوله تعالى (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ): «أَرْشِدْنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِیقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتكَ وَ الْمُبَلِّغِ إِلَى دِینِكَ وَ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِك» [معاني الأخبار للشيخ الصدوق/ 33].
وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في حديث آخر له: «الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ هُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ(ع)» [التفسير الصافي/ج4/ص384 , تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ 31].
لقد أشار الله سبحانه في سورة الحمد بعد الآية المباركة (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ) إلى أوليائه ليرى حالنا عند ذكرهم وموقفنا منهم. فعندما تقرأ هذا المقطع من سورة الحمد وتقول: (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ * صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِم) لابدّ أن تكون متواضعا لأولئك الذين أنعم الله عليهم ولم يغضب عليهم، أي أهل البيت(ع).
إن بعض الناس ينزعجون ولا يرتاحون عندما يرون أن الله قد أنعم على غيرهم فيسألون الله معترضين أن: ماذا نصيبنا إذن ولماذا لم تنعم علينا؟! ولكننا في هذه الآية المباركة نسأل الله أن يهدينا صراطهم لا أن ينعم علينا بالنعم التي أنعمها عليهم. فالإنسان الذي يدعو بهذا الدعاء في الواقع قد تواضع لوليّ الله. وأنتم عندما تقرأون سورة الحمد في الواقع تتواضعون لأولياء الله. لقد أشار الله في هذه السورة إلى صراط أوليائه وفي الواقع قد نسب هذا الصراط إلى أوليائه لا إلى التقوى أو الفضائل الأخلاقية أو الحسنات أو الجنّة أو أيّ شيء آخر. وكأنه أراد أن نمرّ بوليّ الله أولا ليقيّم حالنا ووضعنا عند مشاهدة أفضلية وليّ الله على سائر العباد.