رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام
،الدرس السادس
ان النصر الحقيقي يتمثل بانتصار الأهداف السامية والقيم النبيلة، وكل ما عداه فهو نكبة واقعية تمر بها الأمة مهما كان تصورها الظاهري عن معنى النصر والخسارة.
فالحسين (ع) لم يكن يفكر بالنصر المادي او العسكري، بل على العكس من ذلك كان يعلم انه مقتول لا محالة، حيث ورد عنه (ع) انه قال لأم سلمة:
(يا اماه وانا اعلم اني مقتول مذبوح ظلماً وعدواناً، وقد شاء الله ان يرى حرمي ورهطي مشردين، واطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً).
وقد ورد عن الحسن (ع) انه قال للحسين (ع):
( لا يوم كيومك يا ابا عبد الله وقد ازدلف اليك ثلاثون الفاً)..
وهذا يعتبر بمثابة التعزية المبكرة لما سيحصل في كربلاء.
وفي خطبة للحسين (ع) في مكة قال (ع) :
(خُـط الـموت على وُلد آدم مـخط القلادة على جــيد الفتاة، وما أولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرع انا لاقيه، كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا).
فالهدف من ثورة الحسين (ع) كان يتمحور حول ركنين متلازمين هما احياء الدين في قلوب الامة، وتحطيم الاصنام التي تعبد وتطاع من دون الله تعالى.
ولا يخفى ان الحسين (ع) نجح تماماً في هذا الهدف، فقد احيا الامة بدمائه الزاكية، واستطاع ان يحطم اصنام الدولة الاموية حتى اصبح شعار (يا لثارات الحسين) ناراً تحرق الارض تحت عروش الأمويين والمروانيين.
هذا علاوة على نيل شرف الشهادة، فهذا بحد نفسه نصر عظيم يحققه الإنسان، ولذلك نسمع الإمام علي (ع) يطلق صرخته المدوية حينما تلقى ضربة السيف على رأسه (فزتُ ورب الكعبة).
وهكذا فان نجاح الثورة منوط كما قلنا بنجاح أهدافها، فإذا نجحت أهداف الثورة الحسينية فهذا دليل نجاح الثورة وعدم فشلها، وهذا هو الانتصار الحقيقي المقصود بقوله تعالى :
[ أُذِن للذين يقاتَلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ].
فالحسين (ع) أُخرج من دياره بغير حق إلا لأنه يقول وينادي : ( لا حاكم الا الله عز وجل).
وفي رواية انه (ع) قال لأخيه محمد بن الحنفية :
(والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية).
وفي رواية أخرى انه (ع) قال لعمر الاطرف بن الامام علي (ع): (إني لا أعطي الدنية من نفسي ابداً).
وكان (ع) ينادي اثناء المعركة :
انا الحسين بن علي آليت ان لا انثني
وقبل ذلك قال الحسين (ع) للحر بن يزيد الرياحي حينما حذره من انه لو قاتل فسيقتل فقال له (ع):
( أبالـموت تـخـوفني، وهل يعدو بكم الـخطب ان تـقتـلوني، ما ادري ما اقول لك ؟)
ثم تمثل (ع) بقول الشاعر :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
اذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما
وواسى رجالاً صالـحين بنفسه
وخالف مثبوراً وفارق مـجرماً
فان عشت لم أندم، وان مت لم أُلم
كفى بك ذلاً ان تعيش وتُرغــما
فأي نصر اعظم من هذا النصر الذي حققه الحسين (ع)، فقد حقق كل ما يريده وهو رضا الله تعالى وقربه عز وجل، وحاز بجدارة على تلك المراتب التي لا تنال الا بالشهادة، وحصل على كرامة الدنيا والآخرة، وبعثَ الحياة في جسد الأمة الإسلامية، واعاد بريق المعاني النبيلة للإيثار والإباء والعزة والشرف، ونحوها من الفضائل والكمالات.
كذب الموت فالحسين مخلد كلما مرَّ ذكره يتجــــــــــــدد
لقد فتح الحسين (ع) طريقاً سالكاً امام الثائرين، وهذا لوحده نصر عظيم يضاف الى سجل الانتصارات الحسينية.
فحركات الثوار راحت تهز مضاجع الظالمين، وهذا كفيل بأن يجعلهم يراجعون حساباتهم بين الحين والاخر، خوفاً من ثورة حسينية اخرى، كما انه (ع) اعطى للأجيال في كل زمان ومكان دافعاً حيوياً للثبات على المبادىء العليا والقيم الشريفة.
فالتأريخ يحدثنا ان جملة من الحركات والثورات المسلحة قامت ضد الجائرين بعد استشهاد الحسين (ع)، كثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة، وثورة المختار الثقفي، وثورة زيد بن علي الشهيد، وسائر الثورات العلوية الـحسنية.
والى الان تبقى ثورة الحسين (ع) مشعلاً يضيء الدرب امام الثائرين بوجه الظلم والاستبداد، يعلمهم ان الحياة الحقيقية هي حياة الشهداء، وان الكرامة تستحق اغلى التضحيات.
ولعل هذا هو احد معاني ما ورد عن النبي محمد (ص): (ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً).
تلك هي حرارة الثورة الهادفة، والتضحية الشريفة، علاوة على حرارة الحزن واللوعة لأجل مصيبة الحسين (ع).
ثم انه ورد عن الحسين (ع) انه قال :
(انا أُقتل على كل حال سواء خرجت ام لم اخرج، ان بني امية لا يتركونني، ولو كنت في هامة من هذه الهوام لأخرجوني وقتلوني).
وهذا يعني ان الحسين (ع) اراد ان يحول مصرعه الى قنبلة تفجر الواقع الفاسد، وتهز الكيان المنحرف، وتؤدي الى صدمة توقظ الغافلين وترعب الظالمين.
وهذا هو الذي حصل رغم انوف بني امية، وهو ان دل على شيء فانما يدل على انه (ع) انتصر فعلاً في ثورته المسلحة، ونجح في احداث صحوة في المجتمع.
ويستطيع المتأمل في قراءة الاحداث التي اعقبت استشهاد الحسين (ع) ان يلاحظ الغضب الجماهيري الذي تجلى في ردود الافعال المستنكِرة وحالات الحزن الواضحة التي شهدتها المناطق التي مر عليها جيش يزيد وهو يحمل سبايا الحسين (ع)، لاسيما وان هؤلاء الاسرى الطاهرين كانوا وسائل اعلامية متحركة توثّق الاحداث وتنقلها من بلد الى آخر، وكانوا خير دعاة للصحوة الإسلامية، وبذلك اكتملت الثورة على أيديهم، وتوضحت معالمها واهدافها ضمن كلماتهم وخطبهم اثناء الطريق.
ولا يخفى ان هذه الصحوة الإسلامية بل العالمية ما زالت مستمرة الى اليوم والى آخر الزمان.
فنــــــداءات حسين ما تــــزال وصداها هــــــــز آذان الرجال
أن للحق كرامـــــــــــاً كالجبال لبسوا ثوب الفدى يوم النزال
واخيراً، نـقول ان النصر الحسيني متحقق حتى على المستوى المادي او الدنيوي..
فنظرة واحدة الى قبته الشامـخة ومشاهد اصحابه واهل بيته، تكفي للإقرار والاعتراف بهذا النصر الواقعي الذي حققه الحسين (ع)، في حين فشل يزيد في المحافظة على ملكه، وضاعت آثاره على رمال الصحراء، كسراب يحسبه الظمآن ماء.
ظنوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهم لكنما قتل الحسينُ يزيــــــــــدا
وأتذكر الآن كلـمات الـحوراء زينب (ع) وهي تخاطب طاغية زمانها :
(أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء، أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة !! وأن ذلك لعظيم خطرك عنده !! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، جذلاً مسروراً،حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقـة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننـا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عزوجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين).
ثم قالت له :
(ولئن جرت علي الدواهي مـخاطبتك، أني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى).
ثم ختمت كلامها (ع) بقولها بكل تـحد وثبات :
(فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها..
وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي الـمناد : ألا لعنة الله على الظالمين.
فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة.
ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
ثم أنه ورد في بعض الروايات أن الـحوراء زينب (ع) كانت قد أخبرت الإمـام السجاد (ع) بعد انتهاء معركة الطف، بأن قبر الـحسين (ع) : ( لا يُدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأتباع الضلالة في مـحوه وطمسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلا علواً).
__________________
|