إليك ملخّص الجلسة الرابعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
من المواضيع المهمّة جدّا في طريق جهاد النفس، موضوع المحبّة
من المواضيع المهمّة جدّا التي يلتفت إليها في مسار جهاد الفس، هو موضوع المحبّة. المحبّة تارة تنعقد بالدنيا وتارة تنعقد بالله وبأهل البيت(ع). فلنبيّن بادئ ذي بدء العلاقة بين جهاد النفس وأصل الحبّ، ثم ننتقل إلى موضوع حبّ أهل البيت(ع) والذي لم ينفكّ عن موضوع تقبّل الولاية وإعطاء زمام الإدارة إلى الوليّ.
إن جهاد النفس بمعنى جهاد النفس ضدّ النفس/ السلاح الوحيد لمجاهدة الرغبات التي لا قيمة لها، هو الرغبات الأخرى في قلب الإنسان
جهاد النفس، بمعنى محاربة بعض النزعات السطحية في داخل الإنسان. ولابدّ أن تكون هذه الحرب على يد فئة أخرى من النزعات التي هي في قلب الإنسان أيضا. إذن جهاد النفس بمعنى جهاد النفس ضدّ النفس، ويعني محاربة بعض الرغبات عن طريق رغبات أخرى. إن هذه المعركة قائمة في داخل الإنسان، وأمّا الإدارة التي تدير هذه الحرب من خارج وجود الإنسان ليس لها سوى أن تعطي برنامجا لإدارة هذه المعركة.
السلاح الوحيد المتاح استخدامه في عمليّة جهاد النفس ومحاربة بعض الرغائب، هو رغائب من نمط آخر. فإننا لو كنّا ننطوي على رغائب سطحيّة وحسب، لا نقدر على هذا الجهاد. في الواقع أثناء جهاد النفس، يتبارزان رغبتان مع بعض ثم تنتهي عملية الجهاد بتفضيل إحدى الرغبتين على الأخرى. إن هذه اللحظة هي لحظة الانتخاب، فعبر الانتخاب الأمثل نتمكّن من إنتاج القيمة وإثبات قيمتنا أيضا. إذن لابدّ أن تكون محاربة الرغبات السطحية عن طريق رغبة ذات قيمة.
ألم تؤدّ محاربة الرغبات إلى ظهور عقد نفسية؟!
أثناء جهاد النفس وعدم تلبية بعض الرغائب قد يتبادر هذا السؤال إلى الذهن، وهو ألم تؤدّ محاربة الرغبات إلى ظهور عقد نفسيّة؟ خاصّة وإن التوصية بجهاد النفس وإبعاد بعض الرغبات قد جاءت متعارضة مع بعض نظريات علماء النفس الذين هم يشيرون على الإنسان بممارسة كلّ ما يحبّ ويرغب فيه ليرتاح نفسيّا.
هكذا يوصّي بعض العلماء النفسانيّين المتغربين فيقول: «إن كنت قد فرحت بحدث ما، مثل ما إذا حصلت على إرث ضخم بعد وفاة أبيك وكنت مسرورا جدّا بهذا الإرث، فلا داعي لحضورك في مجلس عزاء أبيك والتظاهر بالحزن واللوعة! بل بالعكس الأولى هو أن تظهر فرحك»! وهذا ما يسمّونه بالصدق في الثقافة الغربية ويعتبر عملا قيميّا. ولذلك يصل بهم الأمر في سبيل تلبية رغبات النفس وعبر تأصيل الصدق أن يزول الحياء من المجمع. ولكن الواقع هو أنه لا يجوز ذبح جميع القيم من أجل صيانة الصدق.
أو على سبيل المثال من يعيش في الغرب يقول: «بعد حياة طويلة مع زوجتي، أشعر بأني أرغب الآن في تكوين علاقة مع زوج مماثل في الجنس، وقد فاتحت زوجتي بذلك بكل صدق وصراحة، فطلقتها وأنا الآن أعيش حياة سعيدة بالزواج المثلي!» فإن هذا الإنسان يشعر براحة كاذبة عبر تلبية أهوائه النفسية، والتي هي لم تكن سطحية وحسب، بل تضيّق الكثير من مواهبه. فلابدّ أن نعلم بأن بعض الشعور بالحاجة إلى أمر ما هو شعور كاذب.
أسلوبان في مواجهة الاحتياجات الكاذبة: 1. أن تلبّي احتياجك لكي ترتاح 2. أن تعزّز رغبة أخرى في مقابل هذه الرغبة لكي تخلص منها
في مجتمعنا الإسلامي إذا اعترت الإنسان رغبة من هذه الرغبات كالنزعة إلى الجنس المماثل ـ كمثال واضح جدّا ـ يرجع الإنسان إلى نفسه مؤنّبا ويقول: «ما هذا الشعور وما أقبحه؟! وكيف اعتراني هذا الشعور ولماذا؟ ثم إن الإدارة العامّة للمجتمع الإسلامي قد حظرت ذلك وجعلته في عداد الرغبات الممنوعة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «مَا نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ شَیْءٍ إِلَّا وَ أَغْنَى عَنْه» [غرر الحكم/ 3786] فعندما يمنع هذا المدير العام هذا الفعل، فلا يحقّ لي أن أرغب فيه».
فلا يختبئ هذا الهوس خلف عنوان الصدق كما يحصل اليوم في المجتمع الغربي، بل يجب أن يحارب هوى النفس هذا بسلاح الحياء. يقولون في الغرب: أرح نفسك ولا تجامل أحدا ويعبّرون عن هذا السلوك بالصدق. فأحد عوامل شيوع بعض مظاهر الصدق في الغرب هو مثل هذه الأخلاقيات التي يوصّي بها علماء النفس هناك.
بينما عالم النفس الذي يريد أن يلتزم بالنظرية الإسلامية في معرفة الإنسان، يقول لمن رغب في المثليّة مثلا: «إن حاجتك هذه حاجة كاذبة، فاقطع علاقتك مع هذه الرغبة وعزّز علاقتك مع الله، لكي يتضاءل هذا الشعور». هذان تفكّران وحضارتان أمامكم، فالأولى تشير عليك بتلبية رغباتك لكي ترتاح، أما الرؤية الثانية تقول: قوِّ رغبة أخرى لكي تنجو من رغبتك السيئة هذه.
يتبع إن شاء الله...