17-04-2014, 02:06 PM
|
#4
|
( мѕнααя αℓкнgℓ) مشرفة قسم السعادة الزوجية ●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: القطيف الحبيبة
العمر: 36
المشاركات: 130
معدل تقييم المستوى: 509
|
رد: دور الأسرة في بناء المجتمع الفاضل
القسم الرابع : أهمية الجود والكرم في استقامة الأسرة.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } صدق الله العليُّ العظيم.
أهمية الجود والكرم في البعد المادي.
استعرضنا في البحوث السابقة بعض العوامل والمبادئ الهامة الموجبة للتقدم والعيش الرغيد في الحياة الأسرية، وسنواصل بحثنا أيضاً حول هذا الموضوع، لما له من أهمية كبيرة، بل نجد أنّ بعض المبادئ هي عوامل فائقة التأثير، ولعل من أهم ما أكدنا عليه الحب والتسامح اللذين لهما تأثير كبير في تقدم الأسرة ونموها المطرد. كما أنّ الجود والكرم من العوامل المؤثرة في نطاق الأسرة.
الجود والكرم له جنبتان مادية ومعنوية، ولا نريد أن نستعرض الجود والكرم من الناحية المعنوية بشيء من التفصيل والإسهاب وإنما نريد أن نمحور الحديث حول الجود والكرم من الناحية المادية في تعامل رب الأسرة مع زوجه وأفراد أسرته. وحتى يتضح لنا دور الجود والكرم في استقامة الأسرة وفي نموها المطرد لابد أن نستعرض مقدمة لها دخل في البحث.
إنّ الله تبارك وتعالى أوجد الإنسان فقيراً ومحتاجاً لا يستغني عن خدمات أبعد الناس إليه فضلاً عن أقربهم إليه، الذين لهم تأثير على مسار حياته، هذا الاحتياج قد يرتبط بالحاجات الطبيعية، التي لا تفتقر إلى تنظيرها بحاجة الإنسان إلى الأوكسجين أو الطعام، ولكن الذي بحاجة إلى تنظير - وقد يفوت رب الأسرة - هو أن يولي عناية بالحاجات الطبيعية المادية التي لها الأثر البالغ في استقامة الأسرة، وذلك كالحاجة إلى اللباس والتجمل والزينة ووسيلة النقل المناسبة.
أثر الغفلة عن تأمين الحاجات الطبيعية:
بعض الأسر تغفل عن الحاجات الطبيعية من الناحية المادية لأفراد الأسرة بمعنى أنها تجعل ذلك الولد لا يعيش الحالة الطبيعية التي تؤمن له احتياجاته المادية، فإذا كان يحتاج الملابس بطبع يتلاءم مع المحيط الذي يعيش في كنفه، قد لا يجد تأمين تلك الحاجة وإن كانت هذه الظاهرة ليست مطردة ومستشرية، وإنما أشير إلى أنّ لها وجوداً في كل المجتمعات ومنها المجتمع الذي نعيش في وسطه، وهنا يأتي دور الأب كي يلتفت إلى الحاجات الطبيعية التي يحتاج إليها أبناؤه.
عدم الالتفات والغفلة يجر هؤلاء الأبناء إلى مشاكل أخلاقية كبيرة من ناحيتين:
الأولى : الناحية المعنوية : فقد يصاب الإنسان بعقدة الحقارة في ذاته نتيجة أنه يرى نقصاً لا يستطيع أن يسده.
الثانية : الناحية المادية : التي قد توصله إلى أن يعتدي على حقوق الآخرين و يسلب ما لديهم من مال، فيسرق أو يختلس أو يجري صفقات تجارية وهمية أو غير قانونية، وما إلى ذلك من الأمور نتيجة للعوز والحاجة. وهذان الأمران في غاية الأهمية وينبغي على رب الأسرة أن يُركز عليهما، لئلا يُصاب بعض أبنائه أو بناته بهذه المشاكل الأخلاقية، والمسألة الأخطر إذا كان العوز عند الزوجة التي قد تصاب - والعياذ بالله - بالانحراف في عفتها حينما لا تجد ما تسد به حاجاتها الضرورية وتجد نفسها في ضيق من العيش، فقد تؤمن ما تحتاجه بأمور خلاف الشرع أي تنحرف في سلوكها. ومن هنا تقع على رب الأسرة مسؤولية جسيمة في الالتفات إلى أهمية سد ذلك النقص ورفع ذلك العوز لئلا يؤدي الخلل إلى ما لا يحمد عقباه.
دور التعامل المتوازن في استقامة الأسرة:
هناك بعض الآباء لا يلتفت إلى أهمية الجلوس مع أبنائه، يعني قد يغدق عليهم في كرم العطاء المادي ولكنه لا يغدق عليهم من حنانه وعطفه وجلوسه معهم بإسداء النصيحة إليهم وتعليم أولئك الأبناء أو تلك البنات كيفية التعامل مع الآخرين والأسلوب الأمثل في تخطي العقبات الكأداء التي تعترض طريق حياتهم، حتى أن بعض العلماء والمفكرين يجعل هذا الجانب من الجود والكرم أعظم من الجانب المادي أي يقول: إنّ الجود لا ينحصر في الجنبة المادية فحسب، بل إنّ الجود يتحقق أيضاً بإعطاء الأبناء دروساً وتوجيهات نظرية وعملية في مكارم الخلق والتعامل الفذ في وسط المجتمع، بل إنّ هذا الجود هو أولى وأفضل من الجود في الجانب المادي، ولكن بعض الناس قد يولي اهتماماً بالجانب المادي و يُهمل الجانب المعنوي، وبعض الناس بالعكس يركز على الجانب المعنوي ولكنه يقصر في الجانب المادي. والتوازن في التعامل مع الزوجة والأبناء والبنات هو الذي يحافظ على استقامة الأسرة واطراد نموها وتماسكها .
أثر البخل والتقتير:
هناك نماذج في كل المجتمعات يبرز فيها- بشكل واضح - بخل رب الأسرة، الذي يتنعم في بحبوحة من العيش والثراء الكبير، ولكنه يُقتر تقتيراً كبيراً على أفراد أسرته مما يؤدي إلى معاناتهم ووقوعهم في المشاكل الأخلاقية من الناحيتين المادية والمعنوية، وبالتالي إصابتهم بالعقد النفسية أو الاعتداء على الآخرين في الجانب السلوكي بارتكاب بعض الجُنح. فالبخل له آثار سيئة تنعكس سلباً على أفراد الأسرة، وقد يصاب البعض بالذهول والتعجب إذا اطلع على بعض الأرقام الموجودة في المجتمعات ومنها المجتمع الذي نعيش فيه، ومن تلك الأمور أنّ بعض الأفراد على وظيفة كبيرة ولديه رصيد ضخم، ولكنّ أبناءه لا يستطيعون أن يحصلوا على ما يُؤمن حاجاتهم الضرورية، فضلاً عن الرفاه في الأسرة، بل قد تؤمن لهم من خلال العطايا أو الصدقات العامة أو التبرعات من بعض أقاربهم، وأما الأب الذي هو المسؤول عن أفراد أسرته فيكدّس ويجمع ذلك المال كرصيد في حسابه دون أن ينفق منه على أبنائه وبالتالي يجعل أبناءه يعيشون الضيق والضنك والألم الشديد دون أن يلتفت إلى أن مآله إلى الموت وسيخلّف هذا المال لأفراد أسرته.
دور الإنفاق في استقامة الأسرة:
من هنا نجد أنّ الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام أوضحت بشيء من التفصيل دور الإنفاق في استقامة الأسرة، وفي نموها ونشاطها، بحيث تستطيع أن تشارك بفاعلية في أداء دورها الاجتماعي دون اضطراب، أما إذا قَتّر وبخل الأب على أبنائه فإن المصير السيئ الذي ينتظرهم هو إصابتهم بأمراض أخلاقية تستشري فيهم، وعند ذلك يصعب على رب الأسرة أن يعالجهم ويخلصهم من محنتهم، حتى لو أسدى لهم النصائح والتوجيهات التي لا توجد قاعدة ترتكز على أساسها، وبالتالي تفقد تأثيرها.
الاستطاعة في الإنفاق:
ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((إن المؤمن يأخذ بآداب الله، إذا وسع عليه اتسع، وإذا أمسك عنه أمسك))، إنّ بعض الناس قد يصاب بظروف مادية صعبة، ولذا، فعليه أن يوازن في إنفاقه مع واقعه المعيشي، فلا يضغط على نفسه ويرهقها بالإنفاق، لأنه معذور فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى، ولكن إذا وسع الله تعالى على الإنسان فلابد أن يُوسع على عياله .
السعة في الإنفاق:
ورد عن أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام يقول: ((عيال الرجل أُسراؤه، فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسِّع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة))، فالأولاد والزوجة بمثابة الأسارى لدى الأب فإذا الله تعالى أنعم عليه فعليه أن ينعم وينفق على أبنائه وزوجته حتى يعيشوا الرفاهية، وأما إذا أنعم الله عليه وهو يُقَتّر على أبنائه كما يحصل لدى بعض الناس فسوف يوصل أفراد أسرته إلى حافة الهاوية والسقوط في مستنقع الرذيلة. وينبغي أن يلتفت إلى أنّ كلمة أُسراء التي تشير إلى أنّ هؤلاء الأبناء والبنات لا دخل لهم يستطيعون من خلاله تأمين حاجاتهم ومصدر الدخل الوحيد لهم من الناحية المادية ينحصر في الأب، وإذا كان الأب بإمكانه أن يسد ذلك العوز ولكنه يُقَتّر على أبنائه فكأنه مارس التعذيب ضد أسرائه.
الإسباغ والاعتدال في الإنفاق:
ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام: ((أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله))، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى مرتبة الرضا عند الله، فيتحقق له ذلك بأن يرضى عنه فيرضيه، فهناك تبادل في علاقة العبد مع ربه، فإذا رضي الله عنه فإن الله يتكفل بإرضائه، فالشخص المرضي عنه عند الله هو ذلك الشخص الذي يُسبغ على عياله مما آتاه الله من تلك النعم. كما أننا نجد أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام فسروا قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}، بأنّ الأسير في الآية ليس منحصراً في الأسير الذي يؤسر في سُوح الوغى والحرب، بل إنّ من مصاديقه - أيضاً - الأولاد والبنات والزوجة الذين يعيشون تحت رحمة ذلك الأب، فإذا تمكن مالياً ولكنه لم يُسبغ عليهم فقد عامل أُسراءه بسوء من المعاملة، ولذا، يقول الإمام في تفسير قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ((أن من جملة الأسير عيال الرجل فينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد عليهم في السعة)).
الإنفاق في تأمين الاحتياج:
كما أنّ هناك رواية في هذا المجال، وهي في غاية الأهمية من ناحية الراوي ومن ناحية مضمونها، فالراوي هو محمد بن مسلم الثقفي الطائي - من كُبَّار فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام وكان من العامة ثم استبصر - هذه الرواية عن إمامنا الباقر عليه السلام يقول محمد بن مسلم: "أنّ رجلاً جاء إلى الإمام الباقر، فقال له : إنّ لي ضيعة (بستان في جبل) دَخْلُ هذه الضيعة ثلاثة آلاف درهم فأنفق على عيالي منها ألفي درهم وأتصدق منها بألف درهم" قال له الإمام الباقر عليه السلام: ((إذا كانت الألفان تكفيهم جميع ما يحتاجون إليه لنفقتهم فقد نظرت إلى نفسك، ووفقت لرشدك، وأجريت نفسك في حياتك بمنزلة ما يوصي به الحي عند موته))، بمعنى حتى الإنفاق في سبيل الله لا يكون إلا بعد تأمين الرفاه والعيش الرغيد للأسرة، لأنّ ذلك له مردود إيجابي بحيث لا يُوصل الأسرة إلى درجة الطغيان، ولا يجعلها تحتاج وتفتقر وتفقد استقامتها. والإنسان على بصيرة من نفسه ومقدار حاجته وما يكفيه، والالتفات إلى أهمية المعاش في الحياة الدنيا تؤثر على عالم الآخرة الذي ينتظر الإنسان . وبالتالي يعيش الإنسان على درجة عالية من الاستقامة كالشخص الذي أصبح يفكر في انتقاله إلى عالم الآخرة، فأراد أن يضع وصية لنفسه يحدد فيها ما ينبغي للوصي أن يقوم به بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ولذا الإمام ي عليه السلام يقول: ((وأجريت نفسك في حياتك بمنزلة ما يوصي به الحي عند موته)).
الأولوية في الإنفاق:
وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، فابدأ بمن تعول))، فالإمام يحدد مبدأ الأولوية بمعنى أنّ الإنسان أشبه ما يكون عنده أجندة يسجل فيها كيفية إنفاق أمواله وطريقة صرف وقته والتحرك في مسار حياته، يقول الإمام عليه السلام: ((فابدأ بمن تعول))، اجعل أولويات حياتك لأسرتك لأنهم الأقرب من الناس إليك والذين يمثلون الديمومة والاستمرار لوجودك، ونحن عندما نتحدث عن شخص مات وكان لديه أولاد صالحون فنقول أنه لم يمت، فإذا كان استمرار وجود الإنسان في عياله فليجعل همه وقدراته تتركز أولاً وبالذات على هؤلاء الذين هم أقرب الناس إليه ومن ثَمّ بعدُ يولي اهتمامه بالآخرين. ومن هنا تكمن الأهمية الفائقة لمسألة الجود والكرم في الإنفاق المادي على الأسرة والأقربين وجعل الأولوية لهم على غيرهم، كما جاء في هذه الطائفة من الروايات التي أوردناها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

|
|
|