17-04-2014, 02:03 PM
|
#1
|
( мѕнααя αℓкнgℓ) مشرفة قسم السعادة الزوجية ●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: القطيف الحبيبة
العمر: 36
المشاركات: 130
معدل تقييم المستوى: 509
|
رد: دور الأسرة في بناء المجتمع الفاضل
القسم الثاني : أهمية الأسرة في الواقع الاجتماعي
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) صدق الله العليُّ العظيم.
استعرضنا وإياكم - في بحث سابق- أنواع وأصناف الأسرة، وقلنا: بأنّ الأسرة تُصنف لدى العلماء بأصناف متعددة، منها الأسرة المستبدة والديمقراطية والنابذة والقابلة والمسرفة ، وأوضحنا هذه الأقسام بشكل مفصل ، وسوف نُسلط الضوء على المناحي المتعددة التي تحتلها الأسرة في الواقع الاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات. دور الأسرة في بناء شخصية الفرد:
يقول العلماء : إنّ الإنسان يتعلم اللغة والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية من لدُن أسرته، بالإضافة إلى أنّ تَرَسُخ القيم السلوكية والسعي نحو تحقيق الذات يرتبطان ارتباطاً ووثيقاً بالأسرة. ولذا، قد نشاهد في مجتمعنا شخصين يتساويان في القدرات غير أنّ أحدهما يتفوق على الآخر دراسياً أو وظيفياً واجتماعياً، ويعود السبب بنسبة كبيرة إلى الدافع والمحفز الذي يتلقاه الفرد من الأسرة. وهذا يعني أنّ للأسرة أهمية كبيرة في مجالات متعددة، ويبدأ هذا الدور الأسري من خلال تنشئتها لأبنائها على تعلم العادات والأعراف الاجتماعية الحسنة ، بالإضافة إلى التوجيه السلوكي والأخلاقي السوي الذي يُرَسِخ المبادئ والقيم الرفيعة، وهذا بدوره ينعكس على شخصية الفرد في سعيه الجاد نحو تحقيق الذات والتفوق الدائم على جميع الأصعدة ، ولذا نجد أنّ الشرائع السماوية جمعاء أولت عناية كبيرة بالأسرة، وركّزت تركيزاً كبيراً على أهميتها الفائقة من خلال التأكيد على محاور متعددة :
الأول : تشكل الأسرة:
إنّ هذا المحور هام في بناء كيان الأسرة على أساس متين ، لأنّ تشكل الأسرة يبدأ من مرحلة ما قبل الزواج، ولذلك نجد أحاديث وكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام تشير إلى هذا المعنى في أقوالهم عليه السلام : (( اختاروا لنطفكم فإنّ العرقَ دساسٌ))، فالاختيار الصحيح للنطفة يكون من خلال البحث عن الزوجة التي تتوافر فيها الصفات والخصال الحميدة ، وهذا يُسهم في تكوين أسرة تنتمي إلى جذور طيبة وقوية،وهو أحد الركائز التي تقوم عليها الأسرة الناجحة.
الثاني : دور رب الأسرة القيادي:
كذلك نجد كلمات تُبَيِّن الدور الفاعل والمؤثر لرب الأسرة في أهمية قيادة السفينة نحو شاطئ النجاة، ولكنّ هذا يظهر من خلال اللازم في حديث النبي صلى الله عليه وآله الذي يقول فيه : ((أنا وكافل اليتيم كهاتين))، هذا الحديث له مدلول ومعنى يطابق نفس ألفاظ الحديث وهو الإشارة إلى الدرجة التي يصل إليها ذلك الكافل لليتيم وهي مرتبة الأنبياء والرسل ،لكفالته ورعايته لذلك اليتيم، ولكن لكلام النبي صلى الله عليه وآله مدلول التزامي - أي معنى يرافق ويلازم ما يدل عليه لفظ الحديث وهو أنّ من يفقد أباه – أي المعنى الشرعي لليتيم - فهو فَاقَِد لأمرٍ كبير، ويحتاج إلى أنبياء ورسل لإعطائه ومنحه ما فقده . وإن كان من الناحية الاجتماعية يُقصد باليتيم من يفقد أحد أبويه أباً كان أو أماً.
الثالث : إشباع الحنان والدفء العاطفي:
حتى تتضح لنا النقطة السابقة بعمق نشير إلى أنّ الأب أو الأم لا يمثلان الرعاية الظاهرية فقط، والتي تستند إلى البعد المادي، وإنما يحققان لذلك الولد -كما أشرنا فيما تقدم- جوانب أخرى تُسهم في بناء شخصيته، ومن أهم تلكم الجوانب إشباع الحنان والدفء العاطفي في شخصية ذلك الولد. لأنّ الإنسان إذا افتقد ذلك الحنان والدفء يمكن أن بتحول إلى إنسان غير سوي، وبالأخص إذا وقع في صُحبة رفقاء السوء، فإنّ ذلك الفراغ العاطفي يتحول إلى مشكلة تعود على الأسرة والمجتمع بالضرر الكبير. وأما لو وجد له أصدقاء أو أُناساً يقومون سلوكه فسوف يكون الأثر الايجابي لصلاحه واستقامته يعود بالنفع على المجتمع بأسره . ولذا، تقع على الأبوين مسؤولية كبيرة في إشباع الجانب العاطفي للأبناء حتى يكونوا أفراداً صالحين وفاعلين .
الرابع : إسداء النصيحة والكلمة الهادفة:
إنّ هذه النقطة في غاية الأهمية، لأنّ كثيراً من الآباء لا يُولُون اهتماماً بالجانب التربوي في شخصية أولادهم، ويعتقدون أنّ تلبية الحاجات الظاهرية من المأكل والمشرب والملبس تكفي في إيصال ذلك الولد أو تلك البنت إلى مرحلة الرُشد والاستقامة، بينما إذا نلحظ الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام نجد تأكيدات كثيرة ومتعددة تُبين أنّ إسداء النصيحة والتأليب ليس فقط يساوق ويساوي الجانب المادي في الدرجة أو الرتبة وإنما يتفوق عليه بمراتب، فنحن نشاهد أنّ بعض الناس يُلَبِّي كل الاحتياجات لأبنائه في مأكلهم ومشربهم بل حتى في جانب الدراسة، حيث يضع أُستاذاً خاصاً لأبنائه، ولكن لا يهتم بتقويم ذلك الاعوجاج في سلوك ابنه ويدعه للظروف الزمنية أو للمجتمع، وهذا من الأخطاء الفادحة، ولذا، تقع على الأب والأم وحتى الأقارب مسؤولية النصح والتوجيه، وبالأخص إذا كانت كلمتهم مؤثرة في شخصية ذلك الشاب حتى يُسهموا بدورٍ فعالٍ في تقويم ذلك الاعوجاج، وأما الاكتفاء بالجانب السلبي أو السكوت أو إناطة التوجيه للزمن والمجتمع فهو غير كافٍ في استقامة شخصية الشاب ،لذلك نجد أنّ الكثير من أبناء الأُسر المرفهة ينحرفون، وذلك لأنهم لم يتلقوا النصيحة والكلمة الهادفة والتذكرة المفيدة. بالطبع هناك بعض الناس قد لا يُوفق للاستقامة حتى مع النصيحة كما حدث ذلك فعلاً مع ابن نوح الذي لم يتأثر بنصائح النبي نوح عليه السلام ، فالتأثر بالنصيحة وقبولها ليس قاعدة كُلية ومطردة دائماً، وإنما كما يقول العلماء: أنها قاعدة تعم الأغلب، أي أنّ الأكثرية من الناس ينصاعون ويتأثرون بما يسمعون، فالكلمة الطيبة عندما تصدر من شخص سوي في سلوكه لها أكبر الأثر في شخصية ذلك الشاب، ونحن رأينا الكثير من الشباب الذين اهتدوا بواسطة الاستماع لمحاضرة في مأتم حسيني أو زيارة أحد المؤمنين والتأثر بنصيحتهم .
واجبات الأب والأم في تقويم سلوك الأبناء.
وأرى من الضروري الإشارة إلى مجموعة من النقاط ذات أهمية لكل من الأب والأم فيما يجب على كل منهما في تقويم سلوك الأبناء:
1) إدراك حجم المسؤولية:
إنّ الكثير من الآباء والأمهات في مجتمعنا بالذات وفي كثير من المجتمعات، لا يعلم بحجم المسؤولية والدور المناط به، وبالتالي يتعامل تعاملاً عفوياً مع أبنائه وبناته، فيتركهم دون تخصيص جُزءٍ من وقته وأمواله من أجل استقامة سلوك أبناءه وبناته وأسرته، وهذا بالتأكيد لا ينسجم مع ما يريده الإسلام من الأبوين في رعاية أبنائهما، ولذا، نجد النبي صلى الله عليه وآله بقول: ((كلكم راع ٍوكُلٌ مَسؤُولٌ عن رعيته))، فالمسؤولية تعني إعطاء الاهتمام بتلك الأسرة التي يتعاون الأبوين في توجيهها وتقويمها ، وأما إيكال الأمور إلى الصدفة أو كما يصدر من البعض أنه يقول: إذا كَبُرَ ابني فإنه سيهتدي، ومن قُدِّرت له الهداية سيهتدي ومن لم تقدر له الهداية لن يهتدي، فهذا كلام غير صحيح ، لأنّ نسبة كبيرة من الهداية ترتبط بالهداية الصالحة المتمثلة في توجيهات الأبوين ، وهذا المعنى كما ورد في الروايات،كذلك، أكدت عليه الدراسات العلمية الحديثة التي قام بها علماء التربية وعلماء النفس.
2) التعامل المتوازن مع حاجات الأبناء:
ليس فقط الجهل بالمسؤولية وإيكال الأمور إلى الظروف الزمنية ، يُؤثر في انحراف شخصية الأبناء، بل هناك أيضاً مسألة هامة هي انعدام التوازن في تلبية احتياجات الأبناء وذلك من خلال التركيز على الجانب المادي وإهمال الجانب المعنوي ، ولذلك نجد أنّ بعض المراهقين الذين يعيشون في وسط مادي وثراء إذا كَبُرَ قليلاً يطلب من أبيه سيارة، ومع أنّ أبيه يعلم باعوجاج شخصيته إلا أنه يشتري له سيارة حتى لو علم بوجود ضرر كبير عليه وعلى المجتمع لكونه غير ناضج بالمقدار المطلوب ، بالإضافة إلى الخطر الذي يسببه في قيادته المتهورة التي تؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة ،كما نشاهد ذلك بأعيننا. لذلك على الأب الذي يعتني باستقامة شخصية أبنائه أن يفكر بتوازن جاد في الطلبات التي تصدر من الابن ويمنعه عن بعض ما يطمح إلى تحقيقه، وبالأخص إذا كان هناك ضرر يعود عليه أو على أسرته ومجتمعه ، وعلى هذا الأساس لابد أن يكون الأب والأم على دراية وفهم عميقين باحتياجات أبنائهما التي تعود بالنفع عليهم ، ولا يبادرون في تلبية أي طلب مقدم من الأبناء من دون دراسته والتأني فيه .
3) المشاركة في صُنع القرار:
وهو يبتني على ما أشرنا إليه في بحث سابق في موضوع الأسرة، وهو الغفلة عن إعطاء ذلك الابن الفرصة للمشاركة في صنع القرار في داخل الأسرة ، وبالخصوص القرارات التي يمكن أن يكون له دور فيها، مثلاً يستشار في شراء بعض الحاجيات للبيت أو تبديل أثاث أو فرش ، فهذا الأسلوب سوف يشعره بأهميته وأنّ له دور في صنع القرارات في محيط الأسرة، وبالتالي سوف يؤثر إيجاباً في بلورة شخصيته ، وهذا يُشكل أحد أهم الدروس العملية التي تنمو مع الطفل ويكون لها أبلغ الأثر في صنع القرارات الكبيرة التي يتخذها، ولذلك، دأب العلماء على تنشئة أبنائهم منذ الصغر على المشاركة في القرارات المتعددة التي تصقل شخصيته وتمنحه التجربة الكافية لاتخاذ القرارات الصائبة والحكيمة في المستقبل .
4) الحرية واحترام الرأي:
إنّ احترام الرأي الصادر من الابن وإعطائه الحرية في إبداء آرائه ونظرياته أمر في غاية الأهمية ولابد أن يلتفت إليها كل من الأب والأم، فلا يستصغرون آراء الابن أو يقللون من شأن ما يطرحه من أفكار، بل يسعون لإتاحة الفرصة له في إبداء رأيه ويبدون أهمية وقبولاً لآرائه .ولذا، نجد أنّ بعض الأبناء قد تصدر منهم آراء وأفكار حسنة ،قد تضاهي آراء بعض الكبار الذين لديهم نُضجاً، بل وتتفوق أحياناً على ما يصدر من أبيه أو أمه، لأنّ الله تبارك وتعالى وَزَعَ وقَسَّمَ الكمال على الناس، فيمكن أن يلتفت ذلك الابن إلى أمر في غاية الأهمية لا يلتفت إليه كل من الأب والأم، ولذلك على الأسرة التي تريد أن ترفع من مستوى أبنائها في رشدهم وفي سلوكهم أن تُولي أهميةً إلى فسح مجال الحرية وسماع الرأي الآخر الصادر من الابن، لأنّ ذلك يُنمِّي قوة الشخصية لديه ويعطيه ثقة بنفسه وقدراته.
أهمية التوجيه والتشجيع في نمو شخصية الفرد:
بعض الآباء يُسفِّه جميع ما يصدر من أبنائه وهذا خطأ فادح ، لأنّ هذا الأسلوب يجعل الابن دائماً يستصغر نفسه، ويستشعر عقدة الحقارة والنقص في ذاته، لأنه يجد أنّ كل ما يصدر منه ليس له قيمة. وأما التشجيع التدريجي ودفعه للمشاركة في إبداء رأيه حتى لو كانت فكرته غير صائبة يُؤدي إلى نتائج باهرة، وخصوصاً إذا سعى الأبوان بجدٍ في تعليمه القواعد والأسس الصحيحة التي يسلكها حتى يصل إلى الرأي الصائب، وبهذه الطريقة سوف تنضج آراؤه وتنمو شخصيته، ولذا، يقول العلماء: إنّ الأسرة بالرغم من أنها صغيرة فهي أشبه بالحكومة، التي تارةً تقوم على مبدأ ديمقراطي وأخرى تقوم على الاستبداد، والحكومة الديمقراطية هي التي ينمو الشعب فيها، وبالتالي يتطور في كل المناحي المختلفة. وأما الآراء التي تصدر من جهة محددة وليس هناك سماع للرأي الآخر فإنه بالتأكيد سيصبح المجتمع غير سائر على نحو من التقدم، وقد أشار النبيصلى الله عليه وآله إلى هذه المسألة في الجو الأسري ،وسمَّى ذلك بالحكمة، فقال صلى الله عليه وآله: ((ما مِن بيتٍ ليس فيه شيءٌ من الحكمةِ إلا كان خراباً))، أي لا يصل إلى تحقيق أهدافه. لأنّ الإنسان عندما يُنجب أبناءً يريد لهم أن يصلوا إلى مستوى الرشد والسؤدد والحكمة والإسهام في بناء الواقع الاجتماعي، ولا يريد لهم أن يوصلوا الضرر بالمجتمع، فعلينا أن نلتفت إلى تلكم النقاط السابقة التي هي في غاية الأهمية ، وقد أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام استناداً إلى التربية والسلوك السوي والمستقيم الذي يُنتج أسرة مثالية تحمل في سماتها وصفاتها الرشد والسؤدد والوعي .

|
|
|