عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2014, 06:53 PM   #8
strobariy
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية strobariy
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
الدولة: البحرين
العمر: 32
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
strobariy will become famous soon enoughstrobariy will become famous soon enough
افتراضي رد: نشأة الزهراء ومراحل حياتهااا

الفصل الأول

الزهراء عليها السلام في حياة أبيها صلّى الله عليه وآله وسلم

المبحث الأول

في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم

إنّ ركائز الفرد الروحية والأخلاقية تستند إلى بوادر تربيته وبيئته وبيته الذي نشأ فيه ، وكان منبت الصديقة الزهراء عليها السلام في أول بيت حمل لواء الإسلام ونشر راية التوحيد ونادى بمكارم الأخلاق ، وهو البيت الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة : « ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوة... » (1) .

فعميد البيت هو النبي العربي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم أبو القاسم محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، الذي وصفه تعالى بقوله : (...وَإِنّكَ لَعَلَى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ )(2) ونعته قومه وهم في غياهب جاهليتهم بالصادق الأمين ، واختصه الله تعالى بالوحي والكتاب الكريم ، وشرّفه بشرف الرسالة ، وشرح صدره بأنوار المحبة واللطف والكرامة.

هـو الحبيب الذي ترجى شفاعته لـكلِّ هـول مـن الأهوال مقتحمِ
دعـا إلـى الله فـالمستمسكون به مـستمسكون بـحبلٍ غير منفصمِ
فــاق الـنـبيين فــي خَـلق وفي خلقولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ

___________

1) نهج البلاغة | ضبط صبحي الصالح : 300 الخطبة ( 192 ) .

2) سورة القلم : 68 | 4.

( 12 )

وكـلّهم مـن رسـول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
فـهو الـذي تـمّ معناه وصورته ثـم اصـطفاه حبيباً بارىء النسمِ
مـنزّه عـن شـريك في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ (1)

أما سيدة البيت أُمّ الزهراء عليها السلام فهي أُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أوسط نساء قريش نسباً ، وأعظمهن شرفاً ، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة (2) لشرفها وعفّتها ، وقد نشأت في بيت معروف بالمكانة واليسار والنفوذ والشرف في قريش.

كان جدها أسد بن عبد العزّى واحداً من أعضاء حلف الفضول ومؤسسيه والدعاة إليه ، وهو الحلف الذي بموجبه تعاقدت قبائل من قريش وتعاهدت على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلاّ نصروه ، وكانوا على من ظلمه حتى تردّ مظلمته ، وهو الحلف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم السلام « لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحبُّ أن لي به حمر النعم ، ولو أُدعى به في الإسلام لاَجبت » (3) .

وكان ابن عمّها ورقة بن نوفل بن أسد من الأربعة الذي تنسكوا واعتزلوا عبادة الأوثان ، وهجروا قومهم فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام (4) .

وقد تزوج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خديجة الكبرى عليها السلام قبل البعثة بنحو خمسة

____________

1) الأبيات من قصيدة البردة للبوصيري ، المتوفى سنة 696 ، راجع المجموعة النبهانية | النبهاني 4 : 5 ، دار المعرفة.

2) أُسد الغابة| ابن الأثير 5 : 434 ، دار إحياء التراث العربي.

3) سيرة ابن هشام 1 : 141 ، مطبعة البابي الحلبي ـ مصر.

4) سيرة ابن هشام 1 : 237.

( 13 )

عشر عاماً ، فلمّا بُعِث النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعاها إلى الإسلام ، فكانت أول امرأة آمنت بدعوته ، وبذلت كل ما بوسعها من أجل أهدافه المقدسة ، فكانت أموال خديجة ثالث أثافي دعوة الإسلام بعد تسديد العناية الإلهية لشخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وحماية أبي طالب عليه السلام عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته ومؤازرته.

ثم انها قد اجتباها الله تعالى لكرامة لا توصف نالت بها سعادة الأبد ، وذلك بأن منّ الله تعالى على الإسلام بأن حفظ في نسلها ذرية الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهي أُمّ آل البيت الكبرى ، الذين كانوا نفحةً من عطر شذاه ، وقبساً من سنا نوره ، إذ انحصرت في ابنتها الزهراء عليها السلام نسبة كل منتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأعظم بها من مفخرة!

وتوفيت خديجة عليها السلام في السنة العاشرة من المبعث الشريف بعد خروج بني هاشم من الشعب (1) ، أي قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين ، وذلك بعد أن عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو ربع قرن كانت فيها أُمّ عياله وربة بيته ومؤازرته على دعوته ، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة في حياتها قط إكراماً لها وتعظيماً لشأنها بخلاف ما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاتها.

وقد جاء في فضلها عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية امرأة فرعون » (2) .

ولم ينس ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى في أواخر حياته كما في قول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام ، فأخذتني الغيرة ، فقلت : هل

____________

1) الإصابة| ابن حجر 4 : 283 ، دار إحياء التراث العربي.

2) مستدرك الحاكم 3 : 185 حيدر آباد ـ الهند. وكنز العمال| المتقي الهندي 12 : 144| 34406 ، مؤسسة الرسالة.

( 14 )

كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها ، فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : « لا والله ما أبدلني خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها أولاداً دون غيرها من النساء » قالت عائشة : فقلت في نفسي : لا أذكرها بعدها بسبّة أبداً (1) .

وفي هذا النص دليل واضح على أفضليتها عليها السلام على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكونها أحبهن إلى قلبه الشريف.

ففي هذا البيت الذي اختاره الله سبحانه مهبطاً للوحي ومقراً للنبوة لتبليغ رسالته والانذار بدعوته ، ولدت ونشأت وترعرت الزهراء عليها السلام بين أقدس زوجين في ذلك العالم الذي يلفّه الظلام والضلال ، فكان البيت بما يحتويه من عميده النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته خديجة الكبرى ، وابن عمه الوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وابنته الطاهرة الصديقة (سلام الله عليهم أجمعين) هالةً من النور وبيرقاً للهداية ، وماهي إلاّ سنين قلائل حتى تبدّدت سحب الضلال بنور الإيمان ، وشملت راية التوحيد أمُّ القرى وماحولها.

قال الشاعر :

شـبت بحجر رسول الله فاطمة كـما تـحبّ المعالي أن تلاقيها
وفي حمى ربّة العليا خديجة قد نشت كما الطهر والآداب تشهيها
ونفسها انبثقت من نفس والدها وأُمّـها فهي تحكيه ويحكيها(2)

تاريخ الولادة

اختلف المحدثون والمؤرخون عند الفريقين في تاريخ ولادة

____________

1) الاستيعاب | ابن عبدالبر 4 : 287 بهامش الاصابة. الاصابة 4 : 283.

2) الأبيات من القصيدة العلوية للشاعر عبدالمسيح الأنطاكي : 95 ـ مصر.

( 15 )

الزهراء عليها السلام ، والمشهور بين علماء الإمامية أنّه في يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الخامسة بعد البعثة النبوية ، وبعد الاسراء بثلاث سنين (1) .

وعمدتهم في ذلك ما روي عن الأئمة الأطهار عليهم السلام فقد روي بالاسناد عن حبيب السجستاني ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين » (2) .

وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين منه ، سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم » (3) .

وروى نصر بن علي الجهضمي ، عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : « ولدت فاطمة بعدما أظهر الله نبوته صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين » (4) .

وقيل أيضاً : كان مولد السيدة الزهراء عليها السلام في العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين من المبعث (5) .

وقال أكثر علماء العامة : إنّها عليها السلام ولدت قبل البعثة ، واختلفوا في عدد السنوات ، فقيل : ولدت وقريش تبني البيت الحرام قبل النبوة بخمس سنين ، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ابن خمس وثلاثين سنة ، أخرجه سبط ابن الجوزي عن علماء السير (6) ، والمحبّ الطبري عن الدولابي (7) ، وابن حجرعن الواقدي

____________

1) راجع : الكافي| الكليني 1 : 458 ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران. كشف الغمة | الاربلي 1 : 449 ـ تبريز. ودلائل الإمامة | الطبري : 79 ، مؤسسة البعثة ـ قم. والمناقب | ابن شهر آشوب 3 : 357 ، دار الأضواء.

2) الكافي 1 : 457| 10.

3) دلائل الإمامة : 79| 18. وبحار الأنوار 43 : 9| 16.

4) تاريخ الأئمة | ابن أبي الثلج : 6 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم.

5) المصباح| الكفعمي : 512 ، دار الكتب العلمية ـ قم.

6) تذكرة الخواص | سبط ابن الجوزي : 306 ، مكتبة نينوى. واتحاف السائل| المناوي : 23 ، مكتبة

( 16 )

والمدائني (1) .

وعن محمد بن إسحاق ، كان مولدها حين بنت قريش الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبع سنين وستة أشهر (2) .

وروى الحاكم وابن عبدالبرّ عن عبدالله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : ولدت فاطمة عليها السلام سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي بعد المبعث بسنة (3) .

هذا هو معظم ماقيل في تاريخ ولادتها عليها السلام ومنه يتضح أنه مورد اختلاف بين علماء الإسلام ، ونحن نرجّح ما روي عن أبناء الزهراء عليها السلام الأئمة المعصومين عليهم السلام لاَنّهم أعرف بتاريخ أُمّهم ، والمروي عنهم كما تقدم أنها ولدت لخمس سنين بعد البعثة ، وقولهم مقدم على أقوال غيرهم.

ويؤيده عدّة قرائن

منها : ما أخرجه المحبّ الطبري عن الملاّء في سيرته قال : إنّ خديجة لمّا أرادت أن تضع فاطمة عليها السلام بعثت إلى نساء قريش ليأتينها ، فيلين منها ما يلي النساء ممّن تلد ، فلم يفعلن وقلن : لانأتيك وقد صرت زوجة محمد صلى الله عليه وآله وسلم (4) ، وإنّما قاطعن خديجة عليها السلام بعد ظهور الرسالة ونزول الوحي.

ومنها : ما أخرجه سبط ابن الجوزي عن أحمد في ( الفضائل ) عن عبدالله

___________

القرآن ـ القاهرة.

1) ذخائر العقبى | المحب الطبري : 53 ، دار المعرفة ـ بيروت.

2) الإصابة 4 : 377.

3) الثغور الباسمة | السيوطي : 158 ، مركز الدراسات والبحوث العلمية ـ بيروت.

4) مستدرك الحاكم 3 : 161. والاستيعاب 4 : 374.

5) ذخائر العقبى : 44. ونحوه في أمالي الصدوق : 690| 947 ، تحقيق مؤسسة البعثة ـ قم.

( 17 )

ابن بريدة ، قال : خطب أبو بكر فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّها صغيرة ، وإنّي انتظر بها القضاء » (1) ، ورواه الحاكم والنسائي (2) ، ولا يصح الاعتذار بصغر سنها لو كانت ولادتها قبل المبعث بخمس سنين؛ لاَنّ أبا بكر تعرّض لخطبتها عليها السلام بعد الهجرة ، وعمرها على هذا الحساب ثماني عشرة سنة أو أكثر.

ويدلُّ على أن ولادتها عليها السلام كانت بعد البعثة الأحاديث الكثيرة التي تنصُّ على أن تسميتها كانت بأمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : « وإنّما سمّاها فاطمة ، لاَنّ الله عزَّ وجلّ فطمها ومحبيها عن النار » (3) .

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله تعالى إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسمّاها فاطمة (4)

وهذا التاريخ يناسب ما روي عن عائشة وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « لما أُسري بي إلى السماء أدخلت الجنة ، فوقعت على شجرةٍ من أشجار الجنة ، لم أرَ في الجنة أحسن منها ، ولا أبيض ورقا ً ، ولاأطيب ثمراً ، فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها ، فصارت نطفة ، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة » (5) ، وفي لفظ آخر : « فهي

____________

1) تذكرة الخواص : 306.

2) مستدرك الحاكم 2 : 167. وسنن النسائي 6 : 62 ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.

3) ذخائر العقبى : 26.

4) علل الشرائع| الشيخ الصدوق : 179| 4 ، مكتبة الداوري ـ قم. والكافي 1 : 460| 6.

5) الدر المنثور| السيوطي 5 : 218 ، دار الفكر ـ بيروت. والمعجم الكبير| الطبراني 22 : 400| 1000 ، دار إحياء التراث العربي. ونحوه في مستدرك الحاكم 3 : 156. وذخائر العقبى : 36. وعلل الشرائع 1 : 183. ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 63 و 68 ، مكتبة المفيد ـ قم .

( 18 )

حوراء إنسية ، كلّما اشتقت إلى الجنة قبلتها » (1) .

ومناسبة هذا الحديث للتاريخ المذكور عن أهل البيت عليهم السلام في ولادتها ، تأتي لكون الاسراء وقع بعد البعثة بنحو ثلاث سنين بلا خلاف ، فهذا الحديث حاكم على بطلان الأقوال المصرحة بالولادة قبل البعثة.

قد يقال : إنّ عمر خديجة عليها السلام حين الزواج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعون سنة ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن خمس وعشرين سنة ، ونزل عليه الوحي في سنّ الأربعين ، فإذا ولدت الزهراء عليها السلام بعد مضي خمس سنين من نزول الوحي ، يكون عمر أُمّها عند الحمل بها ستين سنة ، وذلك أمر مستبعد للعادة.

وفيه : أنّ المنقول عن ابن عباس وابن حمّاد ، أنّ عمر خديجة عليها السلام حين تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ثماني وعشرين سنة (2) .

وقد أيّد هذا بعض المؤرخين وعلماء الأنساب (3) .

ولهذا قال ابن العماد الحنبلي : « رجّح كثيرون أنّها عند الزواج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت ابنة ثماني وعشرين سنة» (4) .

ولا يخفى بأنّ القول بصحة الرأي الأخير يسقط أصل الإشكال ، إذ سيكون عمر خديجة عليها السلام حين البعثة المشرّفة ثلاث وأربعين سنة ، وحين

____________



وفرائد السمطين | الجويني 2 : 61 | 386 ، مؤسسة المحمودي. ومجمع الزوائد | الهيثمي 9 : 202 ، دار الكتاب العربي ـ بيروت. والمناقب | ابن المغازلي : 357 ـ 359 | 406 ـ 407 ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران. ومسند فاطمة الزهراء عليها السلام | السيوطي : 51 ، حيدر آباد ـ الهند.

1) تاريخ بغداد | الخطيب 5 : 87 ، دار الكتب العلمية.

2) كشف الغمة | الاربلي 2 : 510 و 513.

3) أنساب الأشراف | البلاذري 1 : 108 ، دار الفكر ـ بيروت. والمحبر | ابن حبيب : 79 ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

4) شذرات الذهب| ابن العماد الحنبلي 1 : 14 في حوادث سنة 11 هـ ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

( 19 )

ولادة سيدة نساء العالمين عليها السلام ثماني وأربعين سنة ، وحمل القرشية في هذه السن من المتعارف عليه ولا نقاش فيه ، وله مصاديق جمّة قديماً وحديثاً.

وعلى القول بأنّ عمر خديجة عليها السلام عند الحمل بها ستون سنةً ، فإنّ حمل المرأة في مثل هذه السنّ ، وإن كان متعذّراً في غالب النساء ، إلاّ أنّ إمكان أن ترى القرشية والنبطية دم الحيض في هذه السنّ غير مستبعد ، بل هو من المشهور في فقه الفريقين (1) .

نعم ، هو أقصى مدة ليأس القرشية والنبطية عندهم ، وقد أكدته بعض الروايات المعتبرة المسندة إلى أهل البيت عليهم السلام (2) .

وأمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام قرشية بالاتفاق ، وبهذا تكون من مصاديق فتاوى الفقهاء وروايات أهل البيت عليهم السلام .

من الولادة حتى الهجرة

حينما قربت ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة أُمّ المؤمنين خديجة : « يا خديجة ، هذا جبرئيل يبشرني أنّها أُنثى ، وأنّها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأنّ الله سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الاُمّة ، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه ، ووضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرّة ... » (3) .

وخديجة الكبرى عليها السلام لم تسترضع لفاطمة الزهراء عليها السلام ، فقد ألقمتها ثديها فدرّ عليها وشربت (4) ، وهو صريح خبرٍ عن ابن عباس أيضاً (5) .

____________

1) تذكرة الفقهاء| العلامة الحلي 1 : 252. والمغني| ابن قدامة 1 : 406. والشرح الكبير 1 : 352.

2) الكافي| الكليني 3 : 107| 2 و 3 و 4. وتهذيب الأحكام| الشيخ الطوسي 7 : 469| 1881.

3) أمالي الصدوق : 691| 947. والعدد القوية| رضي الدين الحلي : 223| 15. وبحار الأنوار 16 : 80 ، و 43 : 2.

4) دلائل الإمامة : 78| 17.

5) البداية والنهاية | ابن كثير 5 : 267 ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.

( 20 )

ولاريب أن أفضل غذاء للطفل هو حليب الاُمّ ، وقد أثبتت التجارب العلمية أثره في بناء الطفل الجسدي والنفسي ، وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال : « ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (1) وتوالت على الزهراء عليها السلام بعد نشأتها المشاهد القاسية التي كانت أليمة الوقع على نفسها الطاهرة وقلبها العطوف منذ نعومة أظفارها ، فقد فتحت عينها عليها السلام على المحن التي قاساها أبوها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الدعوة ، وما رافقها من التعذيب والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه ، وهجرتهم إلى الحبشة ، وحصار بني هاشم في شعب أبي طالب نحو ثلاث سنين قضتها الزهراء عليها السلام مع أمّها وأبيها ( صلوات الله عليهم ) بحرمان وفاقة وانقطاع عن الناس.

ولم تهنأ الزهراء عليها السلام بالعيش الرغيد مع أُمّها وأبيها ( صلوات الله عليها ) بعد خروجهم من مخمصة الشعب إلاّ نحو عام واحد ، حيث فجعت بوفاة أُمّها الرؤوم التي كانت تمنحها الدفء والحنان ، وتضفي عليها الحبّ والأمان ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « فجعلت تلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتدور حوله وتسأله : يا أبتاه اين أُمّي؟ فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجيبها ، فجعلت تدور وتسأله : يا أبتاه أين أُمّي؟ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدري ما يقول ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : إنّ ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها : إنّ أُمّك في بيت من قصب ، كعابه من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر ، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليها السلام : إنّ الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام » (2) .

____________

1) الكافي 6 : 40 | 1.

2) الخرائج والجرائح | القطب الراوندي 2 : 529 | 4 ، مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام ـ قم ، تاريخ اليعقوبي 2 : 35.

( 21 )

وفي العام نفسه والزهراء عليها السلام لمّا تبلغ الخامسة من العمر ، فُجِعت رسالة الإسلام بموت كفيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وناصره وحامي رسالته عمه أبي طالب عليه السلام فكان عام الحزن وفراق الأحبّة ، واشتداد شوكة المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المستضعفين ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب » (1) وقد وصلوا من أذاه إلى مالم يكونوا يصلون إليه في حياة أبي طالب عليه السلام حتى نثر بعضهم التراب على رأسه الكريم ، وكانت الزهراء عليها السلام ترى بعينيها ما يفعله المستهزئون ويقوله المتآمرون من أجلاف قريش ، فكانت تحنو على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم كالاُمّ الرؤوم ، وتغمره بحنانها وتفديه بروحها وتميط عنه الأذى ، وتخفّف من آلامه ، وتهب لنصرته وتقوم على خدمته فهو صلى الله عليه وآله وسلم حياتها كلّها ، تبتسم لابتسامته ، وتصب الدمع الهتون إذا ما مسّه لغب ولو من عذب النسيم! ، وكان ذلك أحد الوجوه المذكورة في سبب تكنيتها بأُمِّ أبيها من والدها صلى الله عليه وآله وسلم .

وروى مسلم في الصحيح عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سَلَى جزور بني فلان فيأخذه ، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلمّا سجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه ، قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل على بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي مَنَعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجد ما يرفع رأسه ، حتى انطلق إنسانٌ فأخبر فاطمة ، فجاءت وهي جُوَيريّة (2) فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ، فلمّا قضى

____________

1) تاريخ الطبري 2 : 344 ، دار التراث العربي ـ بيروت.

2) ولفظ جويرية يشهد بكونها مولودة بعد البعثة لا قبلها.

( 22 )

النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته رفع صوته ، ثم دعا عليهم (1) .

وروى مسلم والبخاري في الصحيح عن عبدالله ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساجد وحوله ناس من قريش ، إذ جاء عُقبة بن أبي مُعيط بسَلَى جزور ، فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ، ودعت على من صنع ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « اللهمَّ عليك الملأ من قريش؛ أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، وأُميّة بن خلف ـ أو أُبي بن خلف ـ » قال عبدالله : فلقد رأيتهم قُتِلوا يوم بدر ، فاُلقوا في القليب (2) .

وروى البيهقي بالاسناد عن ابن عباس عن فاطمة عليها السلام قالت : « اجتمع مشركو قريش في الحجر ، فقالوا : إذا مرّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليهم ضربه كل واحد منّا ضربة ، فسَمِعته (فاطمة) فدخلت على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : يا بنية اسكني ، ثم خرج فدخل عليهم المسجد ، فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا ، فأخذ قبضةً من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قتل يوم بدر كافرا » (3) .

وهذه النصوص تكشف لنا عن أداء الزهراء عليها السلام لدورها الرسالي في الوقوف إلى جنب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم منذ مطلع الدعوة ، والذبّ عنه وحمايته

____________

1) صحيح مسلم 3 : 1418 | 107 ، كتاب الجهاد والسير ـ دار الفكر ـ بيروت. ودلائل النبوة | البيهقي 2 : 279 ، دار الكتب العلمية.

2) صحيح مسلم 3 : 1419| 108 ، كتاب الجهاد والسير. وصحيح البخاري 4 : 220| 26 ، كتاب الجزية والموادعة ، باب طرح جيف المشركين في البئر ، عالم الكتب ـ بيروت. ودلائل النبوة | البيهقي 2 : 278.

3) دلائل النبوة| البيهقي 2 : 276. ومجمع الزوائد 8 : 228. ومسند فاطمة الزهراء عليها السلام | السيوطي : 118.
__________________
اللهم صلي وسلم على محمد وال محمد
strobariy غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس