إن حذف عنصر العشق عن المعارف الدينية ما يؤدي إلى نفور الشباب من الدين
شكا أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) عنده حال أبناء البصرة حيث وجدهم غير مسارعين في الدخول في أمر ولاية أهل البيت(ع) فقال له الإمام الصادق(ع): «عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى كُلِ خَيْر»(الكافي/ج8/ص93) إذن الشباب أسرع إلى كل خير حتى في المجتمعات السيئة كالبصرة آنذاك، فما بالنا وجدنا الشباب مبطئين إلى الخير لا يتفاعلون معه في مجتمعنا الجيّد؟! فلابدّ أننا لم نعرّف لهم الدين كما هو، بل جئناهم بدين مشوّه.
كم تحاول المناهج الدينية في مدارسنا أن تجذب الشباب إلى الدين بدافع العشق؟ وأي منهج حاول أن يدعو طلاب المدارس إلى العشق والغرام في نطاق الدين؟ نحن نتحدث معهم في صفّ بارد ثلج جافّ متحجّر كالحديد، ثم نتوقع منهم أن ينهضوا لصلاة الليل إثر هذا الكلام الجافّ! وهذه الظاهرة هي أدلّ دليل على ضرورة تبليغ الدين بعنصر العشق. فإنكم لا تستطيعون أن تدعوا الشباب إلى الدين بغير هذا المنهج.
الحبّ والعشق هو لبّ الدين
ثم لا يخفى أن دعوة الشابّ إلى ممارسة العشق والغرام في نطاق الدين ليس خداعا له. فلم نقترح هذا المنهج للشابّ كيما يعقل ويترك مشاعره الغرامية ويقبل على الدين كباقي العقلاء. بل إن الحبّ هو لبّ الدين وأصله، وإن الشابّ يحظى بأشد الانسجام مع الدين في عواطفه ومشاعره ولهذا قد اعتبره الإمام الصادق بأنه «أسرع إلى كل خير» إذ قال الإمام الباقر: «وَ هَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُب»(الكافي/ج8/ص80).
لا تشيروا على الشباب أن يدع حياة الحبّ والغرام لكي يتمسك بالدين. فإن الكثير ممن حاولوا أن يعيشوا حياة عقلانية قد أخطئوا ولم يصيبوا. بل حاولوا أن تدلّوه على معشوقه وحبيبه الحقيقي. ما هو علاج الشابّ المتكاسل في صلاته والمتهاون في الحفاظ على أوقاتها؟ مما لا شكّ فيه أن أفضل طريق لعلاجه هو العشق والحب. وهذا هو الأسلوب السليم في سبيل تحلية حياة الشاب بعنصر النظم والانظباط. فإن حاولت أن تنظّم الفتى بأساليب أخرى، قد يؤدي ذلك إلى تخريب شخصيته وسلب بعض طاقاته ومواهبه.
إن العشق هو المنجى الوحيد من مهالك الأنانية
إذا أردت أيها المتدين أن تعصم دينك من الفساد والآفات فلابد لك من العشق. فإن لم تنال العشق قد تجد النبيّ(ص) يحترم زميلك أي عليّ بن أبي طالب(ع) أكثر منك فعند ذلك يبرز حسدك كما برز حسد زبير. فتخاطب الرسول معترضا تدعوه للعدل والإنصاف! فكل هذه المصائب العظمى هي من كونك لا زلت تنظر وترى وتقيس وتقارن. فكان المفترض هو أن تكون قد أحبت الرسول(ص) حبّا يُعميك عن رؤية كل هذه الأمور والمقارنات. ولكن يبدو أنك لا تزال تعاشر النبي(ص) كمحاسب ومقيّم ولم تنبهر عينك بجمال النبي(ص) وحسنه.
ديننا هو دين فطري والتدين يعني ازدهار الفطرة
لابد لنا أن نتصفّح قلوبنا لنرى ماذا نحبّ. وهذا ما فعله أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «إلهي... أنت كما أحبّ فاجعلني كما تحبّ»(الخصال/ج2/ص420) فإنه قد استطاع أن يرى تلك النزعات الفطرية الحقيقية في قلبه ووجد أنه يحبّ الله. فإذا استطعنا أن نكتشف هذا الحبّ في وجودنا وذاتنا، عند ذلك سنجد هذه الحقيقة جلية وهي أن الله سبحانه هو الشيء الوحيد الذي يسدّ حاجاتنا الحقيقية. وهذه النقطة هي منطلق الحياة الدينية وهي كمالها.
إن مسار الحركة الدينية هي أن نكتشف نزعاتنا واحتياجاتنا الأكثر أصالة وعمقا في حركة مستمرة، ثم نجد الله هو الملبّي لها وهكذا نستمر في هذه الحركة إلى رغبات ونزعات واحتياجات أعمق. وهكذا تستمر حركتنا باتجاه الله سبحانه بلا تعب ولا سأم. ثم لا نشعر بالطلب من الله بهذه الديانة ولن يعترينا عجب وغرور، إذ سوف نعيش بكل وجودنا حقيقة هذه الآية القرآنية «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُم»(اسراء/7)
يتبع إن شاء الله...