رد: من سمع واعيتنا ولم ينصرنا
والنصرة أيضاً ليست منحصرة بالقتال، وإن كان هو
القدر المتيقن منها، الا انها يمكن أن تكون بإطاعة أوامره، وتطبيق شريعته التي قتل من أجلها، وضحى
في سبيلها، وكذلك هداية الآخرين نحو أهدافه، وكشف زيف أعدائه. وكذلك تطبيق الإصلاح الذي استهدفه وذكره في بعض خطبه[ ] ونحو ذلك.
ومن هنا يكون كل من يأخذ بثأر الحسين فهو ناصر له بلا إشكال وأوضح الأمثلة في ذلك أمران:
الأول: حركة المختار الثقفي، فإنه ناصرٌ للحسين وليس مشمولاً لقوله: [من سمع واعيتنا فلم ينصرنا].
الثاني: الأخذ بالثأر من قبل الإمام المهدي[عج]، فإنه ناصر للحسين عليه السلام بعد شهادته.
إذن، فالإشكال من هذه الناحية منسد ولا معنى له.
ثم أنه يوجد هناك سؤال آخر، وهو سؤال أقرب إلى
الفهم الفقهي. والفهم الفقهي يحتاج إلى صحة السند، فإذا قلنا: إنه غير تام سنداً فحينئذٍ ينسد باب
السؤال من الناحية الفقهية، ولكننا لو تنزلنا وقبلنا بصحة السند، أو الاطمئنان بصحته، والاطمئنان حجة،
فحينئذٍ يأتي السؤال. وهو: إننا بعد أن عرضنا الجواب عن السؤال الأول، بأن معنى قوله عليه السلام: [من
سمع واعيتنا ولم ينصرنا] أي في المستقبل، ولو بعد الشهادة بمائة سنة أو ألف سنة أو أكثر، فإن هذا يدل
على وجوب نصرة الحسين عليه السلام في كل مكان وفي كل زمان.
جوابه: إنه يحول دون ذلك أمران بعد غض النظر عن السند:
الأمر الأول: إن كان المراد الإنتصار للحسين هو مطلق الإنتصار وليس بخصوص القتال فقط، كالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وباقي أحكام الشريعة، فإن الحسين فدى نفسه لأجل ذلك. إذن، فنصرته
تكون بتطبيق منهجه وشريعته وأهدافه. وحينئذٍ فعلينا أن ننظر إلى التكليف ماذا يقتضي؟ فالواجبات
يجب تطبيقها والمستحبات يستحب تطبيقها. فلا يحتمل أن يكون المراد هو وجوب تطبيق المستحبات،
فإنها نصرة للحسين ولكن بمقدار موضوعها.
الأمر الثاني: إن كان المراد من الإنتصار للحسين هو
الحرب والقتال، فعلى كل جيل أن يمارس القتال لأجل نصرته حتى في المستقبل أي بعد شهادته، فهل هذا الأمر صحيح أم لا ؟
وجوابه: إن هذا يكون منوطاً بأمرين :
الأول: وجود المصلحة، أو الحكم الشرعي بالوجوب أو
الإستحباب ونحو ذلك من الأمور.
الثاني: وجود القدرة والتمكن، وأما إذا كانت القدرة غير موجودة، فإن التكليف ساقط لا محالة لأنه تكليف بما لا يطاق، وهو قبيح عقلاً.
ولا يبعد القول إن هذا غير متوفر في أغلب الأجيال. نعم، لو أحسَّ ايُّ واحد وجود الشرائط لديه في أي
مكان أو زمان، لأمكن الفتوى بوجوب ذلك، ومقتضى القواعد هو ذلك، فلا يحتاج معه إلى البحث عن صحة السند[ ].
بقي الإلماع إلى أمر، وهو أن هذا الوجوب مهما فسرناه فإنه متوقف على مقدمتين، فقد أشارت
الرواية إلى واحدة وأهملت الأخرى لأنه تقييد عقلي موجود لسائر الأحكام، بل إن كل الاحكام الشرعية مقيدةٌ بهذين القيدين:
الأول: العلم.
الثاني: القدرة أو التمكن.
فشرطية العلم قد ذكرت في الرواية بقوله: [من سمع واعيتنا] أي علم بها، فبمفهوم المخالفة، إنه إذا
كان الإنسان جاهلاً فإنه يكون معذوراً أكيداً سواء كان في ذلك الحين أو كان في أي مكان أو زمان.
ومع عدم التمكن يكون العجز، والعاجز معذور لا محالة. وهذا أيضاً لا يختلف فيه من كان في أي زمان أو
مكان. فمثلاً: هذا الذي دعي لنصرة الحسين في حياته، وخرج من البصرة قاصداً نصرته، فوصله خبر مقتله[ ]، فإنه يكون معذوراً ومأجوراً.
إن قلت: إن بعض الأحكام الشرعية ليست بذلك
المستوى من الأهمية، بحيث يستصرخنا الحسين
لأجلها، فإن الاستنصار والاستصراخ للأهم منها، وأما الباقي فإنه موكول إلى تطبيق الاحكام الشرعية.
قلنا: إن أوضح جواب على ذلك، أنه قد ورد ما مضمونه: [أنظر من تعصي][ ]، فإن الذنب يكتسب
أهمية بقدر المعصي وليس بقدر العاصي، والله سبحانه لا نهائي وحق الطاعة له جل جلاله. وحق الطاعة للا نهائي لا نهائي، والمعصية تكتسب
مسؤولية أخلاقية لا متناهية، وحتى لو كانت في أقل المعاصي وأصغرها.
إذن، كل حكم فقهي مشمول لإستنصار الحسين . فعلى الإنسان أن يطبق أوامر الله تعالى صغيرها
وكبيرها، قليلها وكثيرها، ظاهرها وباطنها، مُهمها وبسيطها. فطاعة الله تعالى بتلك الأهمية بحيث أن
الحسين عليه السلام على عظمته يقتل في سبيلها، ويداس تحت أقدام الحيوانات. فكل تلك المصائب التي
حصلت في عرصة كربلاء إنما هي قربان بسيط وقليل بازاء طاعة الله تعالى، وتطبيق منهجه، وتحقيق أهدافه ومصالحه الواقعية التي ذخرها الله لنا.
ونسألكم الدعاء
__________________
|