رد: السفراء الاربعه...حياتهم ونشاطهم
السفير الرابع:
هو الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمد السمري أو السيمري أو الصيمري. والمشهور جداً هو الأول مضبوطاً بفتح السين والميم معاً. والآخرين مضبوطين بفتح أولهما وسكون الياء وفتح الميم وربما قيل بالضم أيضاً.
لم يذكر عام ميلاده، ولا تاريخ فجر حياته، وإنما ذكر أولاً كواحد من أصحاب الإمام العسكري ع ثم ذكر قائماً بمهام السفارة المهدوية ببغداد، بعد الشيخ ابن روح، بإيعاز منه عن الإمام المهدي عج .
ولم يرد في هذا الإيعاز خبر معين، وإنما يعرف بالتسالم والإتفاق الذي وجد على سفارة السمري بين الموالين، الناشىء لا محالة من تبليغ ابن روح عن الإمام المهدي عج. وقد سبق أن قلنا أن مثل هذا التسالم والإتفاق، كانت القواعد الشعبية الموالية للإمام عج تعتمده وتتبعه فيتبع في ذلك الجاهل العالم والبادي الحاضر. ووجود هذا التسالم مأخوذ في التاريخ جيلاً بعد جيل عن جيل الغيبة الصغرى، مما يعلم بوجوده ويحرز تحققه بالقطع واليقين.
تولى السفارة من حين وفاة أبو القاسم بن روح عام 326، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان فتكون مدة سفارته عن الإمام المهدي عج ثلاثة أعوام كاملة، غير أيام.
ولم ينفتح للسمري، خلال هذا الزمان القصير، بالنسبة إلى أسلافه القيام بفعاليات موسعة، كالتي قاموا بها، ولم يستطع أن يكتسب ذلك العمق والرسوخ في القواعد الشعبية كالذي اكتسبوه. وإن كان الإعتقاد بجلالته ووثاقته كالإعتقاد بهم.
فما ذكره بعض المستشرقين، من أنه - أي السمري - ربما أدركته الخيبة، فشعر بتفاهة منصبه وعدم حقيقته كوكيل معتمد للإمام المفترض ناشيء من عقيدة ذلك المستشرق في إنكار الإسلام وإنكار وجود المهدي . وإلا فأي تفاهة في مثل هذا المنصب الخطير الذي عرفنا خطوطه وأهميته. وهو يمثل القيادة العامة للملايين، بالنيابة عن إمامهم، في ظروف معاكسة خطرة، ودولة مراقبة ومطاردة لهذا الخط وللسائرين عليه.
كما ان الشعور بعدم حقيقة الوكالة، أمر لا معنى له على الإطلاق بالنسبة إلى موقفه المباشر من الإمام المهدي ، وتلقي التعليمات والتوقيعات منه، واستيثاق قواعده الشعبية وعلماء الطائفة يومئذ به وركونهم إليه. وإنما كلام هذا المستشرق ناشيء من عقائده الخاصة ولله في خلقه شؤون.
نعم، لا يبعد أن يكون لما ذكره ذلك المستشرق من كون تلك السنوات "مليئة بالظلم والجور وسفك الدماء,دخل كبير في كفكفة نشاط هذا السفير، وقلة فعالياته. فإن النشاط الاجتماعي يقترن وجوده دائماً، بالجو المناسب والفرصة المواتية. فمع صعوبة الزمان وكثرة الحوادث وتشتت الاذهان، لا يبقى هناك مجال مهم لمثل عمله المبني على الحذر والكتمان.
وهذا بنفسه، من الأسباب الرئيسية لانقطاع الوكالة بوفاة السمري وعزم الإمام المهدي عج على الانقطاع عن الناس، كما انقطع الناس عنه، وفرقتهم الحوادث عن متابعة وكلائه... إلى أسباب أخرى نشير إليها في فصل آت من هذا التاريخ.
ولذا نجد السمري. يخرج إلى الناس قبل وفاته بأيام، توقيعاً من الإمام المهدي يعلم فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفارة بموت السمري، ويمنعه أن يوصي ،بعد موته إلى أحد ليكون سفيراً بعده.
ويقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي محمد بن السمري, أعظم الله أجر إخوانك فيك. فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة ،ألا فمن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
فكان هذا خطاب خرج من الإمام المهدي ، عن طريق السفارة الخاصة... آخر ارتباط مباشر بينه وبين الناس في الغيبة الصغرى.
قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك. فقال: [لله أمر هو بالغه] وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه. رضي الله عنه وأرضاه.
وأودع الأرض في قبره الذي هو في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع المحول، قريب من شاطئ نهر أبي عقاب أقول: وله الآن في بغداد مزار معروف.
__________________
|