بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره
صحيحا وباطنه فاسداً
كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم،
وما يغني عنكم
أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة، ولا تكونوا كالمنخل
يخرج منه الدقيق
الطيّب ويمسك النخالة، كذلك أنتم تخرجون الحكمة
من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدروكم.
يا عبيد الدنيا !.. إنما مثلكم مثل السراج يضيء
للناس ويحرق نفسه .
يا بني إسرائيل !.. زاحموا العلماء في مجالسهم
ولوجثْواً على الركب ،
فإنّ الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة
كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
يا هشام !.. مكتوبٌ في الإنجيل: طوبى للمتراحمين !
.. أولئك هم المرحومون يوم القيامة ،
طوبى للمصلحين بين الناس !.. أولئك هم
المقرّبون يوم القيامة،
طوبى للمطهّرة قلوبهم !.. أولئك هم المتّقون
يوم القيامة،
طوبى للمتواضعين في الدنيا !.. أولئك يرتقون منابر
الملك يوم القيامة....
يا هشام !.. تعلّم من العلم ما جهلت، وعلّم الجاهل مما علمت، وعظّم العالم لعلمه ودع منازعته، وصغّر الجاهل لجهله
ولا تطرده ولكن قرّبه
وعلّمه.
يا هشام !.. إنّ كلّ نعمة عجزت عن شكرها
بمنزلة سيّئة تؤاخذ بها، وقال أمير المؤمنين (ع) :
إنّ لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته،
وأسكتتهم عن النطق وإنهم لفصحاء عقلاء،
يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية، لا
يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له من أنفسهم بالقليل،
يرون في أنفسهم أنهم أشرار، وإنهم لأكياس وأبرار....
يا هشام !.. المتكلمون ثلاثة: فرابحٌ، وسالمٌ،
وشاجبٌ :فأما الرابح
فالذاكر لله، وأما السالم فالساكت،
وأما الشاجب (أي الهالك)
فالذي يخوض في الباطل ، إنّ الله حرّم الجنة
على كلّ فاحشٍ بذيّ قليل الحياء
، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه،
وكان أبو ذر - رضي الله عنه - يقول: يا مبتغي العلم !..
إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ، فاختم على
فيك كما تختم على ذهبك وورقك....
يا هشام !.. قال الله جلّ وعزّ:
وعزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي
وعلوي في مكاني، لا يؤثر عبدٌ هواي على هواه
إلا جعلت الغنى في نفسه،
وهمّه في آخرته، وكففت عليه ضيعته،
وضمنت السماوات والأرض رزقه،
وكنت له من وراء تجارة كل تاجر....
يا هشام !.. إنّ مَثَل الدنيا مَثَل الحية: مسها لين،
وفي جوفها السمّ القاتل، يحذرها الرجال ذووا العقول،
ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
يا هشام !.. اصبر على طاعة الله، واصبر عن
معاصي الله،
فإنما الدنيا ساعةٌ فما مضى منها فليس تجد له
سرورا ولا حزناً،
وما لم يأت منهافليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة
التي أنت فيها،
فكأنك قد اغتبطت (أي إن صبرت فعن قريب تصير
مغبوطاً في الأخرة ).
يا هشام !.. مَثَل الدنيا مَثَل ماء البحر، كلما شرب منه
العطشان ازداد عطشا حتى يقتله....
يا هشام !.. ليس منا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم،
فإن عمل حسناً استزاد منه ، وإن عمل سيئاً استغفر
الله منه وتاب إليه.
يا هشام !.. تمثلت الدنيا للمسيح (ع) في صورة
امرأة زرقاء ، فقال لها:
كم تزوجت ؟.. فقالت : كثيراً ، قال : فكلٌّ طلقّك ؟..
قالت : لا، بل
كلاًّ قتلت !..
قال المسيح : فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون
بالماضين ؟....
يا هشام !.. إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت
في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع
ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار،
لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكبّر من آلة
الجهل، ألم تعلم أنّ مَن
شمخ إلى السقف برأسه شجّه؟.. ومَن خفض رأسه
استظلّ تحته وأكنّه ( أي حفظه ) ؟.. فكذلك مَن لم
يتواضع لله خفضه الله، ومَن تواضع لله رفعه.
يا هشام !.. ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح الخطيئة
بعد النسك،
وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته....
يا هشام !..قال رسول الله (ص):
إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه
فإنه يلقّى الحكمة، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل،
والمنافق كثير الكلام قليل العمل.
يا هشام !.. أوحى الله إلى داود : قل لعبادي:
لا يجعلوا بيني وبينهم
عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدّهم عن ذكري،
وعن طريق محبتي ومناجاتي،
أولئك قطّاع الطريق من عبادي، إن أدنى ما أنا صانعٌ
بهم أن أنزع حلاوة عبادتي ومناجاتي من قلوبهم....
يا هشام !.. أوحى الله إلى داود : حذّر وأنذر أصحابك
عن حبّ الشهوات،
فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم
محجوبةٌ عني.
يا هشام !.. إياك والكبر على أوليائي، والإستطالة
بعلمك فيمقتك الله،
فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك، وكن في الدنيا
كساكن الدار ليست
له ، إنما ينتظر الرحيل....
يا هشام !.. إياك ومخالطة الناس والأنس بهم،
إلا أن تجد منهم عاقلاً
مأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك
من السباع الضارية.
وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله،
إذ تفرّد له بالنعم
أن يشارك في عمله أحداً غيره، وإذا حزبك أمران
لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب،
فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه،
فإنّ كثير الثواب في
مخالفة هواك، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها
في الجهالة.
قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً
غير أنّ عقله لا يتسع لضبط
ما ألقي إليه ؟..
قال : فتلطّف له في النصيحة، فإن ضاق
قلبه فلا تعرضنّ نفسك للفتنة .
واحذر ردّ المتكبرين، فإنّ العلم يدل على أن يحمل
على من لا يفيق،
قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟..
قال فاغتنم جهله عن السؤال
حتى تسلم فتنة القول وعظيم فتنة الرد.
واعلم أنّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم،
ولكن رفعهم بقدرعظمته ومجده، ولم يؤمن الخائفين
بقدر خوفهم، ولكن آمنهم بقدر كرمه
وجوده، ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم،
ولكن فرّحهم بقدر رأفته ورحمته،
فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى مَن يؤذيه
بأوليائه؟..
فكيف بمَن يُؤذى فيه ؟.. وما ظنك بالتوّاب الرحيم
الذي يتوب على مَن يعاديه ؟.. فكيف بمَن يترضاه
ويختار عداوة الخلق فيه.
يا هشام !.. مَن أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه،
وما أُوتي عبدٌ
علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله بعداً،
وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام !.. إنّ العاقل اللبيب مَن ترك ما لا طاقة له به،
وأكثر الصواب في خلاف الهوى .. ومَن طال أمله
ساء عمله....
قال هشام : فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟..
قال (ع) :
أقربهم إليك، وأعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك
عداوة، وأخفاهم لك
شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك،
وهو إبليس الموكّل بوسواس
القلوب، فله فلتشدّ عداوتك، ولا يكوننّ أصبر على
مجاهدتك لهلكتك منك
على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركناً في قوته،
وأقلّ منك ضرراً في
كثرة شره إذا أنت اعتصمت بالله، ومَن اعتصم بالله
فقد هدي إلى صراط مستقيم....
يا هشام !.. احذر هذه الدنيا واحذر أهلها فإنّ الناس
فيها على أربعة أصناف:
رجلٌ متردّ معانقٌ لهواه ..
ومتعلّمٌ متقرّئٌ، كلما ازداد علماً ازداد كبراً،
يستعلن بقراءته وعلمه على مَن هو
دونه ..
وعابدٌ جاهلٌ يستصغر مَن هو دونه في عبادته،
يحب أن يُعظَّم ويُوقَّر ..
وذو بصيرةٍ عالمٌ عارفٌ بطريق الحقّ يحب القيام
به فهو عاجزٌ أو مغلوبٌ،
ولا يقدر على القيام بما يعرف، فهو محزونٌ مغمومٌ بذلك،
فهو أمثل أهل
زمانه وأوجههم عقلا....
الخبر .ص157
المصدر:التحف
قال علي (ع) : لا يُرى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرِّطاً.
ص159
المصدر:النهج
قال علي (ع) : مَن أُعجب برأيه ضلّ،
ومَن استغنى بعقله زلّ، ومَن
تكبّر على الناس ذلّ. ص160
المصدر:النهج
قال علي (ع) : عجباً للعاقل كيف ينظر إلى شهوةٍ
، يعقبه النظر إليها حسرة. ص161
المصدر:النهج
قال علي (ع) : همة العقل ترك الذنوب، وإصلاح العيوب.
ص161
المصدر:النهج