إن قيمة العبادة في درجةِ اخلاصها ، فكلمّا زادَ مدى الإخلاص لله في ادائها زادَ ثوابها وأجرها ، وبعكس ذلك ، فان الرياء وحب الظهور مِن أخبث الآفات التي تسلبُ معنى العبادة وروحها.
وبالطبع فانَّ الحصول على الإخلاص في العبادات وخصوصاً في الصلاةِ ليسَ بالأمر السّهِل ، لأنَّ حماية القلب والروح من وسوساتِ الشيطان يحتاج إلى همّةٍ عاليةٍ وإرادةٍ قوية .
الصلاةُ التي تفتقرُ الإخلاص لله غير مقبولة ، فتعفير الجبين في التراب وصحّةُ القراءةِ أو الصلاة في الصفِّ الأوّل مِنَ الجماعة ، لا يُعتبرُ معياراً لقبول تلك العبادة ، لذا فيجب ان تتّخذ العبادةُ صبغةً الهيّةً ، وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك ، حيثُ قالَ عزّ من قال : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
4_ ان تكون عبادةً خاشعة
يفتقدُ بعضُ المصليّن التوجّه القلبي والهدوء الروحي أثناء الصلاة ، حيث نشتغل حواسَّهم بما هو بعيد عن الصلاة ، فتارة يرتبُ المصلي ملابسه وتارة يلهو بشعْر رأسه ، وتارةً يُطاردُ بعيِنهِ مَنْ أقبَلَ ومن أدبر ، ومرةً تدل على عدم خشوعه وخضوعه أثناء الصلاة .
الخشوع ، حالة قلبية يكون فيها المرءُ منصهراً في قالبِ العبودية في الحضرة الإلهيّة .
إن الإقرار بالعجز والضعف أمام الكمال الإلهي وعظمته ووحدانيته أثناء الصلاة يجعل القلب في حالةٍ تناسبُ التوجه والموقف العبادي الذي يقِفُهْ ، فيخشعُ القلب ، وعندها لن يعير العباد أهمية لما حولهُ ، ذلك لأن جوارحه قد آنشغلت بما هو أهم ، وهذهِ هي صفةُ المؤمنين في عباداتهم ، فقد جاء في القرآن الكريم : (قد أفلح المؤمنون ، الذين في صلاتهم خاشعون)
وحالةُ الخشوع لا تحصل إلا بالتوجه لله ، وقد وردَ في الحديث : ((أعبد الله كأنك تراه))
ونقرأ في حديث آخر : (( فصلها لوقتها صلاة مودع))
وهذا يعني إنك توجه إلى الله ، كما لو كانت فرصتك الأخيرة في الاستغفارِ من الربِّ الجليل.
5- أن تكونَ عبادةً خفيّةً
قالَ رسول الله (ص) : (( أعظمُ العبادات أجراً أخفاها))
إنَّ أداء العبادات (خصوصاً المستحبة منها) بين جمعٍ من الناس ، تكون عرضةً لآفةِ الرياءِ والعجب بالنفس وبالتالي يقلُّ أجرها إن لم ينعدم وبالطبع فان هذا المعنى لا ينطبقُ على العباداتِ التي فضلَّ الإسلام أن يكون ادائها جماعيّاً ، كصلاة الجماعةِ مثلاً ، فهي أفضل من صلاة المرءِ في بيِتهِ مُنفرداً .
لقد أقسم عدوُّ الإنسان اللدّود (الشيطان) على ان يجلس في طريقه ليُوسوس له ويرميه في هاوية الضلال ، ويُغرقه في المعاصي والآثام ليكون مثله في جهنّم ، وقد تكون هذهِ الوسوسة الشيطانية عن طريقِ:
تلويث نيّة الإنسان واغوائهِ بالرّياء ،
أو يجعله معجباً بنفسه وعبادته ،
أو يسلبُ منهُ التوفيق ،
أو أن يجرهُ إلى الحرام والمعصية ، مما يُسبّب ضياعَ الإنسان في متاهاتِ الشرِّ وبالتالي تكونُ أعمالهُ هباءً منثوراً.
ينتج المحصول الزراعي بعد عناءٍ طويلٍ وعملٍ دؤوب وصبر جميل ، ولكنّهُ يحترقُ بشرارةٍ ناريّةٍ صغيرةٍ ، وكذلك الماء العذب فانّهُ يتلوثُ بحشرةٍ صغيرة .
العبادة أيضاً كذلك ، فانّها تتلوّث بآفةِ الرياء ، أو تزول بآرتكابِ المعاصي ، فلا أجر لعبادة المغرور ، ولا ثواب لصلاة المُرائي ، ولا خير في صدقةٍ يتبعُها أذى ، ولا حسناتَ لمنْ يستغيب.
فعسى ان تكون صلاتُنا كما يُحبُّها الله ، فيؤجرُنا عليها بأفضلِ الأجر والإحسانِ ، وأن لا نستخفَّ بها أو نستهين بأدائها.
الحمد لله تم الأنتهاء من الدرس الثاني بعون الله تعالى
الدرس الثالث سيكون عملي تطبيقي
سيكون عن كيفية الحصول على الخشوع والخضوع والتحصين من وسوسة الشيطان
وعن السهو والتفكر في الدنيا حين الصلاة بعون الله تعالى