بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أول مناحة عامة على الحسين عليه السلام
جاء في الجزء «1 : 143» من كتاب « المجالس السنية » السالف الذكر ما نصه : « إنه عندما أدخل ثقل الحسين عليه السلام وسباياه ونساؤه على يزيد بن معاوية في الشام ، وهو بين حاشيته وأعيانها ووجهائها ، وهم مقرنون في الحبال ، والامام زين العابدين عليه السلام مغلول . قال الامام عليه السلام مخاطباً يزيد : ( أنشدك الله ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الصفة؟ ) فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى . فأمر يزيد بالحبال فقطعت، وأمر بفك الغل عن الامام زين العابدين عليه السلام .
ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يدي يزيد الذي أجلس النساء خلفه لئلا ينظرون اليه، فجعلت فاطمة وسكينة بنتا الامام الحسين عليه السلام يتطاولان لينظرا الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس . فلما رأين الرأس صحن، فصاحت نساء يزيد، وولولت بنات معاوية، فقالت فاطمة : ( أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟ ) فبكى الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات. وأما زينب فإنها لما رأت الرأس أهوت الى جيبها فشقته، ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب : ( يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا ابن مكة ومنى، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، يا ابن بنت المصطفى .
قال الراوي فأبكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت، ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين وتنادي : يا حبيبا، يا سيد أهل بيتنا، يا ابن محمداه، يا ربيع الأرامل واليتامى، يا قتيل أولاد الأدعياء، فأبكت كل من سمعها.
وكان في السبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين عليه السلام، وهي أم سكينة بنت الحسين وأم عبد الله الرضيع المقتول بكربلاء، فأخذت الرباب الرأس ووضعته في حجرها وقبلته ... ثم أقيمت المناحة ثلاث أيام وصالا ... » .
وكانت هذه أول مناحة عامة على الحسين عليه السلام وأهله وآله وصحبه تقام في الشام، إذ إن الروايات تفيد بأن يزيد أمر بأن تقام للسبايا والأسرى دار تتصل بداره، وكان هؤلاء مدة مقامهم في أيامهم الحزينة بالشام ينوحون على الحسين في سرهم وعلنهم .
هذا ولم تكن بنات آل البيت والهاشميات وحدهن الباكيات بل واستهن نساء بني أمية بدموعهن، فلم تبق أموية إلا وأخذت تبكي وتنوح على الحسين عليه السلام وسباياه.
روي أن بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين عليه السلام قال :
جاءوا برأسك يابن بنت محمد * مـتـرملاً بـدمـائــه تـرميــلا
وكـأنمـا بك يـابن بنـت محمـد * قتلـوا جهاراً عـامدين رسـولا
قـتلوك عطشانــاً ولمـا يرقبـوا * في قـتلك التأويـل والتـنزيلا
ويكـبرون بـأن قـتـلـت وإنمـــا * قـتلـوا بك التكبير والتهليــلا
كيف نشأت المجالس والمآتم؟
يذكر التاريخ أن أول مأتم أقيم بعد واقعة الطف مباشرةً تكوّن من السيدات والفتيات والعلويات وهن زوجات وأخوات وبنات الإمام الحسين عليه السلام والهاشميين الذين استشهدوا معه.. وقد عقد ذلك المأتم في العراء فوق ساحةالمعركة.
كما أقيمت مآتم أخرى في وسط الطريق عندما سيقت النساء أسارى إلى الشام،فعلى طول الطريق كانت النساء يندبن قتلاهن وينشرن مظلومية أهل البيت عليهم السلام
وانتقلت المآتم الحسينية إلى المدينة المنورة وكانت أول صارخة فيها على الحسين عليه السلام عندما قتل بكربلاء أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
وأقامت أم سلمة أول مأتم للحسين عليه السلام في المدينة المنورة، وكان الموالون والمحبون يأتون جماعات وفرادى ويحضرون المأتم ويقدمون تعازيهم ومواساتهم لأهل بيت النبوة.
استمرت المآتم ومجالس العزاء بالانعقاد، وتعاظم صداها على طول البلاد وعرضها لتعبر عن حالة الهيجان الشعبي، ورغم كل الصعاب واصلت مسيرتها على مر الأيام والسنين بقوة أحياناً وضعف أحياناً أخرى حسبما كانت تسمح به الظروف.
وكانت كلمات العقيلة زينب عليها السلام في الكوفة ودمشق بمثابة الزيت الذي أضاء سراج ثورة الحسين والمنار الهادي لكل الخطباء الذين اعتلوا منابر الدعوة لإحياء نهج الحسين عليه السلام، والنور الذي شعّ على الدنيا لفضح سيرة بني أمية الدموية.
أول زائر لقبر الإمام الحسين عليه السلام
تروي كتب التاريخ أن أول زائر لقبر الحسين عليه السلام هو عبد الله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منه، قصد الطف ووقف على الأجداث ونظر إلى مصارع القوم فاستعبر باكياً، ورثى الحسين، وجاء في بحار الأنوار أن أول من قرأ الشعر على مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام غير عبد الله بن الحر الجعفي هو الشاعر عقبة بن عمرو السهمي من قبيلة بني سهم:
مررت على قبر الحسين بكربلاء ففاض عليه من دموعي غزيرها
فمـا زلـت أرثيـه وأبكـي لشجــوه ويسعــد عينـي دمعـها وزفيـرهــا
وذكر الشيخ الطوسي في رجاله: (إن أول زائر لقبر الحسين عليه السلام في كربلاء هو جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي الخزرجي، ويظهر من استقراء الروايات الواردة في هذا الباب أن جابر بن عبد الله هو أول زائر للقبر في يوم الأربعين)
بدايات العزاء على الإمام الحسين عليه السلام
نشطت وبصورة ملحوظة دعوات الثأر للحسين وصحبه، وكثرت المجالس التأبينية والمآتم.. وتجمع كتب التاريخ على أن أهل البيت وشيعتهم، كانوا يجتمعون يوم عاشوراء في كل عام في بيت من بيوت الأئمة من أهل البيت ويقيمون النياحة، حيث يستحضر أحد الشعراء مأساة الطف.. وكان هناك شعر غزير مملوء بالعواطف، ملتهب الوجدان، لم يسمح للشعراء آنذاك الجهر به سمي بشعر (المكتمات) الذي منع من التداول.
في ربيع الأول من عام 65هـ وفي عهد عبد الملك بن مروان قصد كربلاء جماعة من التوابين من أهل الكوفة يقارب عددهم الأربعة آلاف نسمة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، يقول ابن الأثير عن التوابين: (ثم ساروا فانتهوا إلى قبر الحسين، فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة، فما رؤي أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحموا عليه وتابواعنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرعون عليه وعلى أصحابه).
ولقد كونت تلك الحركة النواة الرئيسية لتجديد ذكرى الطف حينما كان التوابون يجتمعون في بيت من بيوت أهل البيت عليه السلام في الكوفة ثم يذهبون إلى كربلاء للتجمع حول قبر الإمام الحسين عليه السلام وبصورة خاصة يوم عاشوراء للبكاء وطلب المغفرة، لتقاعسهم عن نصرته في واقعة كربلاء.
ولقد شجع ذلك أنصار ومحبي آل البيت على إقامة المآتم في بيوتهم واستمرت حركة الدعوة لإحياء ثورة الحسين دون توقف وغدت أكثر تنظيماً وفعالية بمرور الأيام، وأصبح الكميت بن زيد الأسدي أبرز الدعاة وكان خطيبا وشاعراً وعالماً بمختلف علوم عصره فأنتج أدب دعوة جديد، يعدّه الباحثون المحرض الأول على التجديد الشعري الثوري، الذي عرف فيما بعد باسم الشعراء المحدثين، وهكذا كان الكميت شاعراً محرضاً على ثورة سياسية واجتماعية وأدبية..
وقد عرفت قصائد الكميت الداعية إلى الثورة باسم (الهاشميات)
وقال الإمام الصادق للفضيل: (بلغني أن قوماً يأتون قبر جدي الحسين عليه السلام من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ... فقلت: نعم جعلت فداك... فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا).
لقد عدّ بعض الباحثين والمتخصصين في المنبر الحسيني قول الإمام الصادق عليه السلام بدايات نشوء المأتم وبروز دور البعض في إدارة ما يشبه مجالس العزاء الحالية من حيث الشكل والاشتراك، وفي عهد الإمام الصادق عليه السلام أيضاً انتشرت حالات تجمع الشيعة للحديث عما جرى من مصائب في كربلاء وسرد ما وقع وآخر يندب الإمام بالرقة ليثير العواطف حسب طلب الإمام من أبي هارون المكفوف حين ورد على الإمام الصادق عليه السلام وأنشده بعض الأبيات في رثاء الحسين عليه السلام فقال له: ( أنشدني كما تنشدون في الرقة ). قال: فأنشدته (أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية) فبكى.
وهي قصيدة الشاعر المعروف السيد الحميري الذي هجا بها زياد بن أبيه وبنيه، وبسببها حبسه عبيد الله بن زياد وعذبه.
يتبع.......................