الموضوع
:
الغرور مرض أخلاقي
عرض مشاركة واحدة
02-07-2012, 09:11 PM
#
1
حورية إنسية
~ نائبة سابقة ~ ••وماتوفيقي الا بالله ••
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 279
معدل تقييم المستوى:
802
الغرور مرض أخلاقي
الغرور مرض أخلاقي
إنّ أزمة الإنسان الكبرى ومعاناته على هذه الأرض.. إنّما هي أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة علمية أو مادِّية..
إنّ التكوين النفسي والمحرِّك الأخلاقي المنطلق من أعماق الذات هو الدافع لمعظم سلوك الإنسان.. فعندما يكون محتوى الذات الداخلي محتوى سليماً ونظيفاً، يكون السلوك الخارجي نظيفاً وسليماً كذلك.. وعندما يكون محتوى الذات الباطني سيِّئاً لا يكون سلوكه إلا سيِّئاً،
فكما يقول المثل:
"
وكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح
".
إنّ الإنحطاط الأخلاقي والإنحراف السلوكي يُمثِّل أسوأ ظاهرة اجتماعية في حياة الإنسان.. ومن أسوأ الأوضاع والحالات الأخلاقية هو أخلاقية الغرور.. هذا المرض الأخلاقي الذي يُصيب ضِعاف النفوس.. الجهال المخدوعين بما لديهم من قوّة ومال وجاه وجمال وسلطة ومعرفة... إلخ.
عرّفت قواميس اللّغة الغرور:
"
غرّ الرجل غرارة، وغرورة: جهل الأُمور، وغفل عنها، فهو غِرّ
".
إنّ الإنسان المغرور يشعر بالإستعلاء على الآخرين والإستهانة بهم، والتعامل معهم بأنّهم أقل منه، بل وقد يصل الأمر ببعض المغرورين أن يرى الآخرين لا يستحقّون الإهتمام بهم ولا احترام شخصياتهم..
إنّ مرض الغرور الذي يُصيب معظم الحكّام والمُتنفِّذين وأصحاب المال والقوّة.. إنّ هؤلاء يصابون بانتفاخ الشخصية، وورم الذات الأجوف.. يتحوّلون إلى أناس عدوانيين ونرجسيين.. يعبدون ذواتهم ولا يرون في الناس مثيلاً لهم.. والقرآن يُشخِّص لنا هذه الحقيقة، ويُحلِّل لنا هذا التكوين النفسي المريض..
جاء ذلك في قوله تعالى:
(إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)
(العلق/ 6-7)
.
إنّ الإنسان يتوهّم ويرى نفسه قد استغنى في كل شيءٍ وليس بحاجة إلى الله سبحانه ولا إلى الآخرين، وذلك منتهى الغرور الذي يقوده إلى الطّغيان والعدوان والأنانية المطلقة..
السبب الأساسي للغرور
هو الجهل.. وصغر النفوس، لاسيّما عند حدوث قفزة مفاجئة في حياته لم يكن يستوعبها.. إذ يرى ما عنده عظيماً لا يملكه أحد، رغم تفاهته ومآله إلى الزوال.. يُذكِّرنا هذا الصنف من الناس ببعض الأحكام والوصايا التي تقول بكراهية التعامل مع مُستحدَث النِّعمة..
مخاطبة القرآن للمغرورين
إنّ القرآن الكريم يخاطب أولئك المغرورين بقوله:
(وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا)
(الإسراء/ 37-39).
إنّ القرآن يؤنِّب هذا المغرور بجسمه وقوّته أو سلطته وماله... إلخ، ويستهين به، ويعد تلك السلوكية من السلوكيات السيِّئة المكروهة عند الله وعند الناس.. وأنّ الإقلاع عنها وتطهير النفس من أدرانها، لهو حكمة وتسام في عالم الخُلق والسلوك.
تحذير القرآن من الغرور
يُحذِّر القرآن من الغرور والكبرياء الذي من مظاهره: المرح (شدّة الفرح والتوسّع فيه) والفخر والإختيال (الإختيال: التكبّر في المشي)،
قال تعالى:
(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)
(لقمان/ 18-19).
نماذج من الذين غرّتهم الحياة الدنيا
ويعرض لنا القرآن نماذج من الذين غرّتهم الحياة الدنيا، واستولى عليهم الغرور، وما كان مصيرهم وما حلّ بهم نتيجة غرورهم..
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * لَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا)
(الكهف/ 32-44).
إنّ قراءة هذا النص وتحليل محتوى المحاورة بين رجلٍ متواضع وآخر مغرور بما عنده من مال وأبناء وبساتين مغرية بخضرتها وجمال منظرها ومردود ثمرها..
إنّ المغرور يقول لصاحبه:
(أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا)..
إنّه مغرور يتباهى بما عنده من المال والرجال، وينسى فضل الله عليه.. وينسى أن كل ذلك آيلٌ إلى الزوال.
ركبه الغرور فظنّ أنّ ما بيده خالد لا يبيد ولا ينتهي، فهو يُردِّد:
(مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا)..
بل قاده الغرور إلى الكفر بالمسؤولية أمام الله وبيوم الحساب.
والقرآن في هذه المنظومة من الآيات يذكِّره بحقيقته البشرية وبنشأته الأولى وبمآله.. جاء ذلك البيان على لسان صاحبه الذي حاوره، وردّ عليه أفكاره وفهمه الخاطئ:
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا)
.
وينتهي الحوار، ويدور الزمن على هذا المغرور المُتباهي، فيفاجأ بجنّته (بستانه) وقد أُحيط بثمره..
فتحوّل الغرور إلى إحباط ويأس وندم وحيرة:
(فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ..
وقد خسر كلّ شيء.. لقد أصبحت أملاكه وأمواله التي ملأت نفسه غروراً.. أصبحت خاوية على عروشها ولم يبقَ منها شيء..
-
ويعرض القرآن صوراً أخرى من أعماق التاريخ لأولئك المغرورين الفرحين بقوّتهم وسلطانهم وأموالهم، ويُعرِّف بالدّمار والخراب الذي أصابهم، ويعرض قارون المغرور بماله وثروته مثالاً لذلك..
قال سبحانه:
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
(القصص/ 76).
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
(القصص/ 78-79).
تلك هي صورة من صور مأساة الغرور بالقوة والمال والزِّينة.. ومثله مَن سبق من القرون الماضية ممن هم أشد قوةً وأكثر جمعاً من المال والرجال وأسباب السلطة.. إنّ القرآن يُعرِّفنا أنّ الذين كانوا مُعجَبين بما لدى المغرورين من المال والسلطة والقوة والزِّينة، وكانوا يتمنّون الموقع نفسه،
أصبحوا يقولون:
لقد منَّ الله علينا إذ لم نكن مثله..
-
ويستدعي القرآن صورةً أخرى واستغاثةً من عالم الآخرة، وما فيه من عذاب للمجرمين المغرورين بأموالهم وسلطتهم التي استعملوها في الكفر والجريمة والفساد والعدوان.. فيتلو علينا عبارات الندم على الاغترار بالمال والسلطة..
نقرأ ذلك في قوله تعالى:
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)
(الحاقة/ 25-31).
تلك هي عاقبة الغرور.. فكلّ شيءٍ يذهب ويفنى من القوّة والمال والسلطة والجمال والعلم والوجاهة... إلخ.
ويبقى الخُلق الحَسن والسلوك القويم والصِّدق مع الله سبحانه.
إنّ هدف القرآن من عرض هذه النماذج هو التثقيف على البراءة من الغرور، وتهذيب النفس، والإلتزام بمكارم الأخلاق ومحاسنها.
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)
(الإسراء/ 9).
أبرز حالات الغرور التي شخّصها
لنا القرآن الكريم هي:
1-
الاغترار بالمال.
2-
الاغترار بالأعوان والأنصار.
3-
الاغترار بالسلطة.
4-
الاغترار بالقوّة والصّحة.
5-
الاغترار بالجمال.
6-
الاغترار بالعلم والكفاءات والمهارات.
7-
الاغترار بالمكانة الإجتماعية.
8
-
الاغترار بالعقيدة الخاطئة المُحرّفة، كعقيدة اليهود والنصارى.
هذا الاغترار الذي وصفه القرآن
بقوله:
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
(آل عمران/ 24).
9-
الاغترار بالأعمال والأفعال التي تصدر عن المغرور..
حتى وصفهم بقوله:
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)
(البقرة/ 11-12).
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
(الكهف/ 103-104).
وقد يغترّ البعض من المؤمنين بكثرة عبادته أو عمله الصالح، فيبطل عمله وعبادته بهذا الإغترار، فيذهب عمله هباءً منثوراً.
الله يكفينا وإياكم شر الغرور
نسألكم الدعاء:حورية إنسية
__________________
كيف تعرفي ان موضوعك مكرر
<TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>
إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب
فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ
امير المؤمنين الامام علي عليه السلام
</TD></TR></TBODY></TABLE>
روي عن رسول الله (
) :
يا سلمان !.. مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومَن أبغضها فهو في النار . يا سلمان !.. حبّ فاطمة ينفع في مائة موطن ، أيسر تلك المواطن: الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمَن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومَن رضيت عنه رضي الله عنه ، ومَن غضبتْ عليه فاطمة غضبت عليه ، ومَن غضبتُ عليه غضبَ الله عليه . يا سلمان !.. ويلٌ لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها .
.
ّ
نسألكم الدعاء
شكرا للقلوب التي احتوتني
حورية إنسية
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى حورية إنسية
زيارة موقع حورية إنسية المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها حورية إنسية