بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾24.
إنّ مهجوريّة القرآن لها مراتب، ولعلّنا متّصفين بالعمدة منها. أترى أنّنا إذا جلّدنا المصحف الشريف جلداً نظيفاً وقيّماً أو إذا قرأناه أو استخرنا به وقبّلناه ووضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام في جهاته اللغويّة والبيانيّة والبديعيّة، ما اتّخذناه مهجوراً؟ هل أنّنا إذا تعلّمنا القراءات المختلفة ما اتخذناه مهجوراً؟
إنّ عمدة هجر القرآن هي عدم تطبيقه في حياتنا الخاصّة والعامّة. ونحن للأسف قد نكون متّصفين بهذه المرتبة من الهجر، حيث لا نأخذ تعاليم القرآن في حسباننا!.
رفع موانع الاستفادة:
ويُعبّر عن هذه الموانع بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهي كثيرة نذكر منها:
1- حجاب رؤية النفس:
بحيث يزيّن الشيطان للإنسان الكمالات الموهومة ويرضيه ويقنعه بما فيه ويسقط من عينه كلّ شيء سوى ما عنده.
فنبيّ الله موسى عليه السلام مع ما عنده من المقام العظيم والعلم، لم يكتفِ بما عنده، وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر عليه السلام قال له: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾25.
فلا ينبغي لكلّ أهل العلم، باختلاف اهتماماتهم، أن يكتفوا بما يرضيهم ويشبع نهمهم الخاصّ، فلا يكتفي أهل التفاسير بوجوه القراءات والآراء المختلفة ولا أهل البلاغة بفنون المجاز والكناية، بل عليهم أن يعتبروا أنفسهم معنيّين بالدعوات الإلهيّة إلى المزيد ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾26.
2- حجاب الآراء الفاسدة والعقائد الباطلة:
وهو ناشىء في الغالب من التبعيّة والتقليد.
فمثلاً قد جاءت الآيات الكثيرة الواردة في لقاء الله ومعرفته، ولكن لمّا رسخ في ذهن الناس وانتشر بينهم أنّ طريق معرفة الله مسدود بالكلّيّة، وقاسوا باب معرفة الله على مسألة التفكّر في الذات الممنوع عنه والممتنع أصلاً، والّتي لا يدرك كنهها إلّا هو، قاموا بسدّ هذا الباب من المعرفة، وهو معرفة الله الذي هو غاية بعثة الأنبياء عليهم السلام، فقد سدّوه على أنفسهم بحجّة أن التفوّه به محض الكفر والزندقة.
3- حجاب المعاصي:
فالمعاصي تمنع من الاستفادة من معارف هذا الكتاب السماويّ وتحجب القلب عن إدراك حقائقه. ويمكن أن يكون قوله تعالى: ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾27 مشيراً إلى ذلك. فكما تدلّ الآية على حرمة مسّ ألفاظ القرآن الكريم من دون طهارة ظاهريّة كالوضوء فكذلك تشير إلى أنّ معانيه العالية والّتي هي أبعد ممّا تشير إليه ظواهر الألفاظ، لا يدركها إلّا من صفت نفسه وارتقت، وتطّهرت من دنس المعاصي.
كتاب: دروس قرآنية
منقول