الْلَّهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَّآل مُحَمَّد وَعَجِّل فَرَجَهُم
وَالْعَن اعْدَائِهِم
الْلَّهُم صَل عَلَى الْصِّدِّيقَة الْطَّاهِرَة فَاطِمَة وَأَبِيْهَا
وَبَعْلِهَا وَبَنِيْهَا وَالْسِر الْمُسْتَوْدَع فِيْهَا
عَدَد مَا أَحَاط بِه عِلْمُك وَأَحْصَاه كِتَابُك ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
ان السالك في سلوكه بقدم المعرفة إلى الله بمنزلة
مسافر يسافر في الطريق الموحش المظلم إلى حبيبه،
والشيطان قاطع الطريق في هذا المسلك،
واللّه تعالى هو الحافظ باسمه الجامع المحيط.
فلا بد للداعي والسالك من التوسل والتضرع
إلى حافظه ومربّيه بقوله:
اللهم أو يا اللّه....وهذا سرّ تصدّر اكثر الأدعية به،
وإن كان المتمسك بسائر الأسماء الإلهيّة أيضاً حسن
بنظر آخر،
وهو استهلاك التعينات الأسمائية والصفاتية في أحدية
الجمع في سرّ الرجوع عن إثبات الأفضلية.
وبهذا السؤال (اللهم) هو نفي الانية والانانية،
لأنّ الأنانيّه تنافي السؤال، والداعي يقول:
إنّي أسئلك. وهذا نظير قوله تعالى:
{أنتم الفقراء إلى اللّه} ،
فما كان منافياً لمقام السالك إلى اللّه تعالى إثبات
الإستقلال والإستغناء كتسمية أنتم:
(إن هِيَ إلاّ أسماء سَمّيتُموها أنْتُمْ).
وأمّا إثبات الأنانيّة في مقام التذلّل وإظهار الفقر
فليس مذموماً، بل ليس من إثبات الأنانيه .
كما في قوله سبحانه وتعالى;:
فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً
مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ
بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم
مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ
بل حفظ مقام المعبوديه والتوجّه إلى الفقر والفاقه
إن كان في الصحو الثاني فهو من أتّم مراتب الإنسانيه.
المشار إليه بقوله صلى اللّه عليه وآله على ما حكى;
(كان أخي موسى عليه السلام عينه اليمنى عمياء
وأخي عيسى عينه اليسرى عمياء
وأنا ذو العينين)
فحفظ مقام الكثرة في الوحده في الكثرة لم يتيسّر
لأحد من الأنبياء المرسلين إلاّ لخاتمهم
بالأصاله وأوصيائه بالتبعيّه ،
صلى اللّه عليهم أجمعين.
واما قول الداعي ( اللهم اني أسألك)،
السؤال بلسان الإستعداد غير مردود و دعائه
مقبول مستجاب، لأن الفاعل تام وفوق التمام
والفيض كامل وفوق الكمال، وعدم ظهور الفيض
وإفاضته من قبل نقصان الإستعداد.
فإذا استعدّ القابل لقبوله يفيض عليه من الخزائن
التي لاتنتهي ولا تنفذ ومن المعادن التي لاتصدأ
و لاتنقص.
فينبغي للداعي أن يبالغ في تنزيه باطنه وتخلية قلبه
من الأرجاس والملكات الرذيله يسري دعاء قالِه
إلى حاله وحاله إلى استعداده وعلنه
إلى سرّه ليستجاب دعاه ويصل إلى مناه .
( ادعوني استجب لكم)
فاجتهد لأن يكون سرّك داعياً و باطنك طالباً
حتى ينفتح على قلبك أبواب الملكوت.
وينكشف على سرّك أسرار الجبروت.
و يجري فُلك عقلك في بحار الخير و البركات
حتى يصل إلى ساحل النجاة،
وينجى من ورطة الهلكات و يطير بجناحيه إلى
عالم الأنوار
عن هذه القرية الظلمانّية و دار البوار.
وإيّـاك وأن تجعل الغاية لهذه الصفات الحسنى
والأمثال العليا التي بها تقوم السموات والأرضون،
وبنورها تنوّرت العالمون
الشهوات الدنيه الداثره الباليه والأغراض الحيوانيه
و الكمالات البهيميه والسبُعيّه
وعليك بطلب الكرامات الإلهيه والأنوار العقليه
والكمالات اللاّئقه بالإنسان بما هو الإنسان
والجنات التي عرضها كعرض السماوات والأرض.
وهذه أيضاً في بدو السلوك والسير،
وإلاّ فحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.
فالعارف الكامل من جعل قلبه هيولي لكل صوره
أورد عليه المحبوب فلا يطلب صوره و فعلية،
وتجاوز عن الكونين وارتفع عن النشأتين،
وهذا هو حقيقة الإخلاص الذي أشار إليه بقوله:
(من أخلص للّه أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة
من قلبه على لسانه)
وفي الكافي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:
" أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول :
(طوبى لمن أخلص للّه العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه
بما ترى عيناه ولم ينس ذكر اللّه بما تسمع
أذُناه ولم يحزن صدره بما أعطى غيره).
وطوبى لعبد عبد الربّ له وأخلص للّه و لا ينظر
إلاّ إليه و لا يكون مشترياً للشهوات
الدنيوية أو للمقامات الاخروية.
فلايكون سعيه لحاجة وأن كانت كما قوله تعالى;
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ
تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
وإنما سعيه خالصاً مخلصا لوجه تعالى لايرغب
فيه إلا نيل رضوانه سبحانه عز وجلّ,
وكما في قول أمير المؤمنين وإمام المتقين
سلام الله عليه;
إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي
فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب
فاجعلني كما تحب !!!!!
يُتبع في المرة القادمة....أن شاء الله
دمتم بعين الرحمن وحفظه
ونسألكم صالح الدعاء..