الموضوع: عقائد الشيعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-01-2012, 11:24 PM   #6
محبه الحسين
♣ فاطمية فعالة ♣
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 148
معدل تقييم المستوى: 266
محبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond reputeمحبه الحسين has a reputation beyond repute
افتراضي رد: عقائد الشيعة

الفصل السادس
مسائل متفرقة

يضاف إلى البحوث التي وردت في الفصول السابقة، والتي توضّح أصول عقائدنا في المباحث الأساسية للإسلام، فإنّ معتقداتنا تتضمّن خصائص أخرى، سنتناولها في هذا الفصل.


56- الحسن والقبح العقلي:
إنّنا نعتقد أنّ عقل الإنسان يدرك حُسْن الكثير من الأشياء وقبحها، وذلك ببركة قوة تشخيص الحسن والقبح التي أودعها الله تبارك وتعالى في الإنسان؛ وكان الإنسان حتّى قبل نزول الشرائع السماوية يشخّص بعض المسائل بواسطة عقله، كحسن العدالة والبر، وقبح الظلم والجور، وحسن الكثير من الصفات الأخلاقية كالصدق والأمانة والشجاعة والسخاء وأمثالها، وقبح الكذب والخيانة والبخل وأشباهها؛ إلاّ أن العقل الإنساني عاجز عن إدراك حسن كلّ الأشياء وقبحها، والعلم الإنساني محدود في كلّ الأحوال، ولهذا بعث الله تعالى الأنبياء وأنزل الكتب لتكميل هذا الأمر من خلال الادراكات العقلية أولاً، وإضاءة الزوايا المظلمة التي يعجز العقل عن التّوصل إليها ثانياً.
وإذا أنكرنا كليّاً استقلال العقل في تشخيص الحقائق، فلن نستطيع عندئذ إثبات وجود الله ومعرفته وشرعية دعوة الأنبياء؛ ومن البديهي أنّ تعاليم الشريعة لا يمكن الإذعان لها وقبولها إلاّ بعد أن يثبت بالعقل أصل التوحيد واصل النبوة، وليس بالوسع إثبات هذين الموضوعين بالدليل الشرعي فقط.

57- العدل الإلهي:
ولهذا فإنّنا نعتقد بالعدل الإلهي، ونقول: إن من المستحيل أن يظلم الله عباده أو يعاقب أحداً أو يعفو عن آخر دون دليل، ومن المستحيل ألاّ يفي الله بوعده، أو أن يصطفي للنبوّة والرسالة شخصاً طالحاً خطّاء كذّاباً.
ومن المستحيل أن يترك عباده - الذين خلقهم لإيصالهم إلى السعادة - وشأنهم دون مرشد وقائد؛ لأنّ كل هذه الأفعال قبيحة، ولا يمكن لله تعالى أن يأتي بالقبيح.


58- حريّة الإنسان:
وللدليل السابق نعتقد أنّ الله خلق الإنسان حرّاً، ويؤدي أفعاله بإرادته واختياره لأنّ الإنسان لو كان مجبراً على أعماله، لأصبح من الظلم معاقبة الشرار، ومن العبث مكافأة الأخيار، وذلك أمر على الله محال.
وبخلاصة نقول: إنّ الإيمان بالقبح والحسن العقليين والاستقلال الفكري للإنسان في تحديد الكثير من الحقائق، يعتبر ركناً أساسياً في الدين والشريعة والإيمان بنبوة الأنبياء والكتب السماوية؛ إلاّ أن إدراك الإنسان - كما قلنا - محدود، ولا يمكن بواسطته التوصّل إلى جميع الحقائق التي تبلغ به السعادة والكمال، ولهذا فهو بحاجة إلى الأنبياء والكتب السماوية.


59- الدليل العقلي مصدر فقهي:
إنّنا بلحاظ ما ذكرنا آنفاً
نعتقد أنّ الدليل العقلي يعدّ أحد المصادر الأساسية في الدين، والمراد بالدليل العقلي هنا أن يدرك العقل شيئاً بالقطع واليقين ويعطي رأيه فيه، مثال ذلك أنّنا لو لم نحصل (فرضاً( على أيّ دليل من الكتاب والسنّة على حرمة الظلم والخيانة والكذب وقتل النفس والسرقة والتجاوز على حقوق الآخرين، لحرّمنا هذه الأمور بدليل العقل؛ ونحن على يقين بأن الله العالم الحكيم قد حرّم علينا هذه الأمور ولا يرضى لنا ممارستها، ومن ثمّ فإنّ ذلك كان حجّة إلهية علينا.
والآيات القرآنية مليئة بالتعابير التي تبيّن أهمية العقل والدلائل العقلية، فمن أجل الدعوة إلى سلوك طريق التوحيد، يدعو القرآن أولي الألباب للتدبر في الآيات الإلهية في الأرض والسماء ويقول: (إنّ في خلق السموت والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب ( [آل عمران/ 190].
ويعتبر من - جهة أخرى - الهدف من بيان الآيات الإلهية هو زيادة الإدراك البشري: )أنظر كيف نصرف الآيات لعلّهم يفقهون( [الأنعام/ 50].
وأخيراً: )إنّ شرّ الدّواب عند الله الصّم البكم الذين لا يعقلون( [الأنفال/ 22] إضافة إلى آيات كثيرة بهذا الشأن.
فكيف يمكن مع كل هذا التأكيد لدور العقل تجاهله وعدم ايلائه الأهمية المطلوبة.


60- عودة إلى العدل الإلهي:
أشرنا - فيما سبق - إلى اعتقادنا بالعدل الإلهي، وأنّ الله سبحانه وتعالى شأنه لا يظلم عباده؛ لأنّ الظلم عمل قبيح، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك: )ولا يظلم ربّك أحداً( [الكهف/ 49].
وإذا كان ثمّة عقاب يناله البعض من الناس في الدنيا والآخرة فهم سببه: )فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( [التوبة/ 70].
وينطبق هذا الأمر على جميع الكائنات في العالم وليس على الإنسان فحسب: )وما الله يريد ظلماً للعالمين( [آل عمران/ 108].
وبطبيعة الحال، فإنّ جميع هذه الآيات تأكيد لحكم العقل وإرشاد إليه.
نفي تكليف ما لا يطاق:
إنّنا نعتقد بناء على ما مرّ أنّ الله سبحانه وتعالى لا يكلّف الإنسان ما لا يطيقه: )لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها( [البقرة/ 286].


61- فلسفة الحوادث الأليمة:
وللدليل المذكور أعلاه
نعتقد أيضاً أنّ الحوادث الأليمة الّتي تقع في الدنيا (من قبيل الزلازل والآفات والبلايا )، تنطوي أحياناً على بعد عقابي، كما جاء في قوم لوط: )فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل منضود( [هود/ 82].
وجاء في قوم سبأ الطاغين: )فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم( [سبأ/ 16].
في حين يقع بعضها لإيقاظ الإنسان وإعادته إلى طريق الحق: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون ( [الروم/ 41].
وهذا الصنف من الكوارث إذاً هو لطف ربّاني.
أما القسم الآخر من الويلات التي تصيب الإنسان فهي مما يجنيه الإنسان على نفسه بسبب جهله: )إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم( [الرعد/ 11].
)ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك( [النساء/ 79].


62- عالم الوجود هو النظام الأحسن:
إنّنا نعتقد أنّ عالم التكوين يجسّد النظام الأفضل، بمعنى أنّ النظام الموجود في العالم هو أفضل نظام يمكن أن يستقر به العالم، فكلّ شيء فيه جرى خلقه وفق حساب، لا ترى فيه ما يخالف الحق العدالة والخير، وإذا وجد الشر في المجتمع البشري فهو مما كسبت أيدي الناس.
نكرّر ونقول:
إنّنا نعتقد أن العدل الإلهي هو ركن أساسي في النظرة الكونية الإسلامية، وبدونه تهتز أسس التوحيد والنبوّة والمعاد، فتدبّر.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام( في حديث له: ((إنّ أساس الدين التوحيد والعدل… أما التوحيد فألاّ تجوِّز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فألاّ تنسب إلى خالقك ما لامك عليك((. [بحار الأنوار 5: 17، الحديث 23].


63- المصادر الفقهية الأربعة:
مصادرنا الفقهية - كما أشرنا إلى ذلك - أربعة:
أولاً: كتاب الله ((القرآن المجيد(( وهو أصل المعارف والأحكام الإسلامية.
ثانياً: سنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( والأئمة المعصومين (عليهم السلام(.
ثالثاً: إجماع العلماء والفقهاء الذي يكشف عن رأي المعصوم.
رابعاً: دليل العقل، والمقصود منه دليل العقل القطعي، أمّا دليل العقل الظني (كالقياس والاستحسان( فلا يؤخذ في أيّ من مسائلنا الفقهية؛ فإذا رأى الفقيه بتصوره مصلحة في شيء لم يرد حكمه في الكتاب والسنّة، لا يستطيع أن يعتبر ذلك حكماً إلهياً، كما أنّنا لا نجيز اللجوء إلى القياس الظني وأمثال ذلك لكشف الحكم الشرعي، أمّا في الحالات اليقينية، كاليقين بقبح الظلم والكذب والسرقة والخيانة، فحكم العقل فيها معتبر يكشف عن حكم الشرع بمقتضى قاعدة ((كل ما حكم به العقل حكم به الشرع((.
والحق إنّ لدينا روايات بما فيه الكفاية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( والأئمة المعصومين (عليهم السلام( حول الأحكام التي يحتاجها المكلّف في الشؤون العبادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا نرى هناك أدنى حاجة للجوء إلى تلك الأدلة الظنية؛ بل نعتقد أيضاً أن للمسائل المستحدثة أصولاً وكليات في الكتاب وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( والأئمة المعصومين (عليهم السلام(، ممّا لا نحتاج للكشف عن أحكامها إلى اللجوء إلى الدلائل الظنية، بل تكفي العودة إلى كليات الأحكام.[لا يسع هذا الكتاب الخوض في هذا البحث، ويمكن الرجوع لمن أراد إلى كتاب ((المسائل المستحدثة(( الذي شرحنا فيه الموضوع بالتفصيل].


64- باب الاجتهاد مفتوح دائماً:
إنّنا نعتقد أن باب الاجتهاد في جميع مسائل الشرع مفتوح، ويحقّ لجميع الفقهاء المجتهدين استنباط الحكام الإلهية من المصادر الأربعة المذكورة ووضعها بتناول من ليست له القدرة على الاستنباط، حتى وإن اختلفت آراؤهم مع الفقهاء السابقين؛ ونعتقد أنّ من يفتقر إلى الرأي الفقهي عليه أن يرجع إلى الفقهاء الأحياء العارفين بقضايا الزمان والمكان، ويقلّدهم، ونعتبر أن من البديهيات رجوع غير المتخصصين في الفقه إلى المتضلّعين في هذا العلم، حيث نطلق على هؤلاء ((مراجع التقليد((، ولا نجيز تقليد الفقيه الميّت ابتداءً؛ ولا بدّ للناس من تقليد الفقهاء الأحياء ليكون الفقه في حركة وتكامل مستمرين.


65- لا يوجد فراغ قانوني في الإسلام:
إنّنا نعتقد أنّه لا يوجد أي فراغ قانوني في الإسلام، بمعنى أنّ الإسلام بيّن جميع الأحكام التي يحتاج إليها الإنسان إلى يوم القيامة، تارة بشكل خاص وتارة أخرى ضمن حكم كلي عام؛ ولهذا فإنّنا لا نبيح للفقهاء حقّ التشريع، بل نرى أنّهم مكلفون باستخراج الأحكام والشريعة الإلهية من المصادر الأربعة ووضعها بتناول الناس.
فكيف يمكن للدّين أن يكون كاملاً دون أن يحتوي على الحكام الفقهية الكاملة لجميع العصور والدهور، وقد قال الله تعالى في سورة المائدة التي هي آخر سورةٍ نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أواخرها: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً( [المائدة 3].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم( في حديثه المعروف في حجة الوداع: ((أيها الناس، والله ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم عن النار إلاّ وقد أمرتكم به، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم عن الجنّة إلاّ وقد نهيتكم عنه((. [أصول الكافي 2: 74، بحار الأنوار 67: 96].
وورد في حديث معروف عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام(: ((ما ترك علي (عليه السلام( شيئاً إلاّ كتبه حتى أرش في الخدش((. [جامع الأحاديث 1/ 18، الحديث 127 (وذكر الكتاب أحاديث عديدة مماثلة في هذا الباب( ].
وبما أن الأمر كذلك فلا حاجة بعده للأدلة الظنية مثل القياس والاستحسان.
66- التقيّة وفلسفتها:
إنّنا نعتقد أنّ المرء مكلَّف بكتمان عقائده أمام المتعصب العنيد الذي لا يفهم لغة النطق، إذا كان في إظهارها خطراً على حياته أو شيء من هذا القبيل دون أن يحقق من وراء إظهارها أية فائدة ترتجى، ونطلق على هذا السلوك اسم التقيّة التي أخذناها عن آيتين في القرآن المجيد ومن الدليل العقلي.
قال تعالى في مؤمن آل فرعون: )وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم( [المؤمنون/ 28].

وعبارة )يكتم إيمانه( فيها تصريح بمسألة التقيّة، فهل كان من الصحيح أن يُعلن مؤمن آل فرعون إيمانه ويعرّض حياته للخطر دون أن يحقّق شيئاً؟
كما أمر الله بعض المؤمنين المجاهدين في صدر الإسلام الذين بين براثن المشركين بالتقيّة وقال: )لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة( [آل عمران/ 28].
وعليه فإن التقيّة تعني كتمان العقيدة حينما تتعرّض نفس الإنسان وماله وعِرضه للخطر أمام عدو متعصب عنيد، دون أن يستطيع تحقيق أمرٍ ما؛ ففي مثل هذه الحالة يجب أن لا يلقي الإنسان بنفسه في التهلكة ويفرّط بالطاقات الموجودة، بل عليه أن يحتفظ بها إلى وقت الضرورة واللزوم، ولهذا قال الإمام الصادق (عليه السلام(: ((التقيّة ترس المؤمن((. [وسائل الشيعة للحرّ العاملي 11: 461، الحديث 6، الباب 24. وورد ((ترس الله في الأرض(( في بعض الأحاديث].
والترس هنا تعبير لطيف يبيّن أن التقيّة وسيلة دفاعية أمام العدو.
وقضية عمّار بن ياسر معروفة في التزامه بالتقيّة أمام المشركين وتأييده من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(. [ذكر هذه الرواية الكثير من المفسرين والمؤرِّخين والمحدثين، منهم الواحدي في أسباب النزول، والطبري والقرطبي والزمخشري والفخر الرازي والبيضاوي والنيسابوري في تفاسيرهم في ذيل الآية 106 من سورة النحل].
إنّ استتار الجنود في ميادين الحرب، وإخفاء الأسرار العسكرية عن العدو وأمثال ذلك كلها تعتبر من التقيّة في الحياة البشرية، فالتقيّة تعني بصفة عامة الكتمان حينما يؤدي الإظهار إلى الخطر والضرر دون أن يُسفر عن فائدة؛ وهذا حكم عقلي وشرعي لا يعمل به المسلمون الشيعة فحسب بل جميع مسلمي العالم بل عقلاؤهم عند الضرورة.
ومن المستغرب جدّاً أن يعتبر بعض الباحثين التّقية خاصّة بالشيعة وأتباع آل البيت، ويحاول أن يجعلها مورد طعن فيهمن في حين أن المسألة ليس فيها لبس ولا غموض، وهي مأخوذة من كتاب الله ومن الأحاديث ومن سير الصحابة، وهي أيضاً مما يمضيها ويعمل بها جميع العقلاء في العالم.


67- موارد حرمة التقيّة:
إنّنا نعتقد أنّ السبب الأصلي وراء سوء الفهم هنا هو عدم الإطلاع على عقائد الشيعة إطلاعاً كافياً، أو الإلمام بها من خلال قنوات الأعداء، ونعتقد أنّ التوضيح الذي قدمناه يلقي الضوء تماماً على هذه المسألة ويزيل الغموض عنها.
ولا بدّ أن نُثبت هنا أن التّقية تحرم في بعض الحالات التي يتعرض فيها أساس الدين والقرآن أو النظام الإسلامي إلى الخطر، وعلى الإنسان أن يصرّح بعقائده حتى وإن اصبح ضحية لذلك؛ ونعتقد أن قيام الإمام الحسين (عليه السلام( في عاشوراء جاء في سياق تحقيق هذا الهدف؛ لأنّ حكام آل أمية عرضوا أساس الإسلام إلى الخطر، فثار الإمام الحسين (عليه السلام( ليميط اللثام عن ذلك ويقف أمام هذه المخاطر.


68- العبادات الإسلامية:
إنّنا نعتقد ونلتزم بجميع العبادات التي أكّدها القرآن والسنّة، كالصلوات الخمس التي تعتبر أهمّ حلقة وصل بين الخلق والخالق، وصيام شهر رمضان الذي يُعد أهمّ وسيلة لتقوية الإيمان وتزكية النفس والتقوى ومكافحة الهوى.
ونعتقد بوجوب الحجّ للمستطيع مرة واحدة في العمر باعتباره وسيلة مؤدّية للتقوى وتعزيز أواصر المودة وسبباً لعز المسلمين، كما نرى أن من الواجبات المسلّمة إعطاء زكاة المال وخمسه، والمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد أمام المعتدين على الإسلام والمسلمين، ولا يخفى أنّ هناك اختلافاً في التفاصيل بيننا وبين بعض الفرق الإسلامية الأخرى، كما هو الحال في الاختلافات الموجودة في أحكام العبادات وغيرها بين المذاهب الأربعة لأهل السنّة.


69- الجمع بين الصلوات:
ومن ذلك
إنّنا نعتقد أنّه لا مانع من الجمع بين صلاتَيْ الظهر والعصر أو المغرب والعشاء (رغم أنّ الفصل أولى(، ونعتقد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( أجاز الجمع رفعاً للحرج، ففي صحيح الترمذي جاء عن ابن عباس أنه قال: ((جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم( بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ فقال:أراد ألاّ يحرج أمته((. [سنن الترمذي 1: 354، الباب 138؛ سنن البيهقي 3: 167].
أي أجاز الجمع في الحالات التي يسبب الفصل فيها حرجاً على الأمة؛ وها نحن نعيش في عصر تراكمت فيه التعقيدات الاجتماعية لا سيما في المراكز الصناعية، والتقيّد بالأوقات الخمسة قد يؤدي إلى ترك الصلاة من قبل بعضهم، وعليه فإنّ الاستفادة من هذا الترخيص النبوي سيساعد دون شك على الالتزام بالصلاة وأدائها.


70- السجود على التراب:
إنّنا نعتقد بوجوب السجود في الصلاة على التراب أو سائر أجزاء الأرض أو مما تنبت الأرض كأوراق الأشجار وجذوعها وجميع النباتات ((باستثناء ما يؤكل منها أو يلبس((؛ ولهذا فإنّنا لا نجيز السجود على السجّاد، ونرجح السجود على التراب أكثر من شيء آخر، ولتسهيل هذا الأمر يحتفظ الكثير من أبناء المسلمين الشيعة بقطعة من الطين الجاف الطاهر تُسمّى ((التربة(( للسجود عليها في الصلاة، ونستند في هذا الرأي إلى الحديث النبوي الشريف: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً((، والمسجد هنا يعني مكان السجود؛ وقد ورد هذا الحديث في أغلب كتب الصحاح وغيرها. [ منها: البخاري في صحيحه عن جابر بن عبدالله الأنصاري في باب التيمم 1: 91، والنسائي في صحيحه عن جابر أيضاً في باب التيممّ بالصعيد، وجاء في مسند أحمد عن ابن عباس 1: 301، وروي في المصادر الشيعية بطرق مختلفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(].
وقد يقال: إن ((المسجد(( في الحديث لا يعني مكان السجود، وإنّما محل الصلاة، مقابل من يصلي في مكان محدّد فقط؛ ولكن يتضح من خلال التطّرق إلى ((الطهور(( الذي يعني ((تراب التيمّم(( أن المراد هو ((محل السجود((، أي أنّ تراب الأرض طهور ومحل للسجود أيضاً.
هذا إلى ما ورد من أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام( تتناول هذا الموضوع وتؤكّد أن محل السجود يجب أن يكون من التراب أو الحجارة وأمثال ذلك.


71- زيارة قبور الأنبياء والأئمة:
إنّنا نعتقد أنّ من المستحب المؤكد زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( وأئمة أهل البيت (عليهم السلام( وكبار العلماء والشهداء في سبيل الله.
فقد وردت في كتب أهل السنّة روايات لا تحصى حول زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(، كما ورد الكثير منها في كتب الشيعة، بحيث لو جمعت لألّفت كتاباً مستقلاً حول هذا الموضوع. [للإطلاع على مثل هذه الروايات والكلمات التي أطلقها كبار العلماء وعلى حالاتهم في مجال الزيارة، راجع الغدير في الكتاب والسُنَّة والأدب للعلامة الأميني 5: 93- 207].
وكان كبار العلماء المسلمين وأبناء الأمّة من مختلف صنوفهم وعلى مدى التاريخ يولون أهمية لهذا العمل، ولعلّ الكثير من الكتب كشفت عن حالات أولئك الذين يوفّقون لزيارة مرقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(، وقبور الأئمة وكبار الشخصيات الإسلامية؛ بحيث يمكن القول إنّ هذه المسألة من المسائل التي أجمعت عليها الأمّة.

وهنا يجب ألاّ يحصل خلط بين الزيارة والعبادة، فالعبادة لله عزّ وجلّ، أمّا الزيارة فهي توقير وتخليد للشخصيات الإسلامية الفذة وطلب شفاعتها عند الله؛ وقد ورد في الروايات أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( كان يزور أهل القبور في البقيع ويسلّم عليهم. [يمكن مراجعة هذه الروايات في صحاح مسلم وأبي داود والنسائي والترمذي ومسند أحمد وسنن البيهقي ].
وبناء على ذلك لا يمكن لأحد أن يشكّ في مشروعية هذا العمل فقهياً.


72- مراسم العزاء وفلسفتها:
إنّنا نعتقد أنّ مسألة إقامة العزاء على شهداء الإسلام، وخاصّة شهداء كربلاء، هي من باب إحياء الذكرى وتخليد التضحيات التي قدّموها في سبيل بقاء الإسلام؛ ولهذا فإنّنا نقيم هذه المراسم في مقاطع مختلفة من أيام السنة، ولا سيما في أيام عاشوراء (العشرة الأولى من محرم( التي تصادف فيها شهادة الحسين بن علي (عليهما السلام( سيّد شباب أهل الجنة [نقل حديث: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة((، صحيح الترمذي عن أبي سعيد الخدري وحذيفة 2: 306 و 307، وصحيح ابن ماجة في باب فضائل أصحاب رسول الله؛ ومستدرك الصحيحين وحلية الأولياء وتاريخ بغداد واصابة ابن حجر وكنز العمال وذخائر العقبى والكثير من المصادر الأخرى]، وابن فاطمة الزهراء (عليها السلام( ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم(؛ فنقوم بدراسة تحليلية لتاريخ حياة هؤلاء الشهداء وبطولاتهم وصولاتهم، ونتحدث عن أهدافهم. ونحيّي أرواحهم الطاهرة.
إنّنا نعتقد أن بني أميّة غيروا الكثير من سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( وشمّروا عن ساعد الجدّ للقضاء على القيم الإسلامية.
فلقد ثار الحسين بن علي (عليه السلام( سنة 61هـ ضد يزيد الفاسق الغريب عن الإسلام الذي تربع - ويا للأسف - على مقعد الخلافة الإسلامية؛ ورغم أن الإمام استشهد مع أصحابه جميعاً على أرض كربلاء، وأُسر أهل بيته، إلاّ أن دمه الزكيّ بثّ روحاً جديدة في المسلمين آنذاك، وحرك فيهم روح الثورة بحيث توالت الانتفاضات ضدّ بني أمية ووجّهت ضربات حاسمة لأركان الظلم والجور والاستبداد، حتى أُطيح بهم وطوى الدهر صفحتهم السوداء،؛ والجدير ذكره أن جميع الثورات التي حدثت بعد واقعة عاشوراء ضدّ بني أميّة كانت ترفع بعض هذه الشعارات حتى في العصر العباسي المستبد. [استعان أبو مسلم الخراساني الذي اجتثّ جذور السلطة الأموية بشعار ((الرضا لآل محمد(( لخطب ودّ المسلمين (الكامل لابن الأثير 5: 372(. كما رفعت ثورة التوّابين شعار ((يا لثارت الحسين(( (الكامل لابن الأثير 4: 175(، وهو شعار رفعه المختار بن أبي عبيد الثقفي أيضاً (الكامل 4: 288(.
ومن المعلوم أن الحسين بن علي صاحب فخّ هو من جملة من ثاروا ضدّ بني العبّاس، وقد اختزل هدفه بجملة واحدة هي: ((وادعوكم إلى الرضا من آل محمد(( (مقاتل الطالبين: 299؛ تاريخ الطبري 8: 194(].
وأصبحت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام( الدامية اليوم رمزاً عند الشيعة لمقاومة أي نوع من أنواع الاستبداد والظلم والجور، وباتت شعارات ((هيهات منا الذلّة(( و ((أن الحياة عقيدة وجهاد(( وغيرهما مما هو مُستلّ من تاريخ كربلاء الدامي تعيننا على مواجهة السلطات الظالمة، والوقوف أمامها، للخلاص من الظالمين إقتداء بسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام( وصحبه، (وقد رفعت الثورة الإسلامية في إيران هذه الشعارات أيضاً في مواجهة الظلم والاستكبار(.
وبخلاصة نقول: إن تخليد ذكرى شهداء الإسلام، ولا سيّما شهداء كربلاء يجدّد ويحيي فينا روح الحماسة والإيثار والشهادة والتضحية في سبيل العقيدة والإيمان، ويعطينا دروساً مهمّة في الشموخ والعزّ وعدم الخضوع للظلم، مما يبيّن فلسفة إحياء هذه الذكرى وتجديد مراسم العزاء كلّ عام.
وربّما لا يعلم الكثير عمّا يجري في هذه المراسم، ويتصور أنها تتعلق بحدث تاريخي قد علاه غبار النسيان منذ مدّة طويلة، إلاّ أنّنا نعي جيداً ما تركته وما تتركه هذه الشاعر من تأثير في تاريخنا الماضي والحاضر والمستقبل.
ولا يخفى على أحد شعائرنا التي أقامها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( والمسلمون في صدر الإسلام على حمزة سيد الشهداء بعد غزوة أُحُد، حيث ذكرتها جميع التواريخ المشهورة، وخلاصة الرواية أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( كان يمر قرب أحد بيوت الأنصار فسمع أصوات البكاء والنحيب، فاغرورقت عيناه بالدموع وقال: ولكن حمزة لا بواكي له، فسمع سعد بن معاذ ذلك وأسرع إلى بني عبد الأشهل وأمر نساءهم بالتوجه إلى بيت حمزة عمّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم( وإقامة العزاء له. [ الكامل لبن الأثير 2: 163؛ سيرة ابن هشام 3: 104].
وبطبيعة الحال فإنّ إقامة العزاء لا تختص بحمزة (رضي الله عنه(فقط، وإنّما يجب أن تقام هذه المراسم لجميع الشهداء، لحفظ ما حقّقوه للأجيال اللاحقة، وبثّ دماء جديدة في عروق الأمّة، ومن الطريف أنّه تزامن كتابة هذه السطور يوم عاشوراء (العاشر من محرم الحرام( سنة 1417 للهجرة، حيث تجتاح العالم الإسلامي موجة من الغليان، ويتشح بالسواد شيباً وشباناً رجالاً ونساءً، للمشاركة في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام( وشهداء كربلاء؛ ويحصل تحوّل عميق في أرواح وأفكار الجميع بحيث لو طلب منهم التوجه لمحاربة أعداء الإسلام، لما توانوا لحظة واحدة ولحملوا السلاح واتجهوا إلى ميادين الجهاد للتضحية بأغلى ما يملكون، وكأنّ دماء الشهادة تجري في عروقهم، وكأنّهم يرون الإمام الحسين وصحبه يجندلون في ميادين التضحية من أجل الإسلام وفي سبيل الله.
أما الأشعار الحماسية التي تتلى في هذه المراسم العظيمة، فهي مليئة بالمعاني الحيّة التي تدعوا إلى مقارعة الاستعمار والاستكبار وعدم الاستسلام للظلم وترجيح الموت بعزّ على الحياة بذلّ.
إنّنا نعتقد أن هذه الشعائر تُعتبر كنزاً عظيماً يجب أن يُحفظ ليُستثمر في إحياء الإسلام والإيمان والتقوى.


73- الزواج المؤقّت:
إنّنا نعتقد أن الزواج المؤقت أمر مشروع عُرف في الفقه الإسلامي بـ ((المتعة((؛ وعليه فإنّ الزواج على نوعين: زواج دائم غير محدّد الفترة، وزواج مؤقت تعيّن مدته باتفاق الطرفين.
ويماثل هذا الزواج الزواج الدائم في الكثير من الأمور، منها المهر، وعدم وجود مانع لدى المرأة، والأحكام المرتبطة بالأولاد، والعدّة بعد الانفصال؛ وبتعبير آخر: إنّ العقد المؤقّت ((المتعة(( هو نوع من الزواج بكل ما يحتويه من خصائص؛ وبالطبع فإنّ هناك بعض التباين بين العقد المؤقّت والعقد الدائم، ومنها عدم وجوب إنفاق الرجل على المرأة في العقد المؤقّت، ولا يرث كل زوج من الآخر (ولكن أبناءهما يرثون من الأبوين ويرث بعضهم بعضاً(.
ومهما يكن من أمر فإنّنا اعتمدنا القرآن المجيد في تحليل المتعة في قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة( [النساء/ 24].
وقد صرّح الكثير من المحدّثين وكبار المفسّرين بأنّ هذه الآية تخصّ الزواج المؤقّت، ووردت روايات كثيرة في تفسير الطبري في ذيل الآية، وكلّها تبين أنّها تتعلق بالزواج المؤقّت، وشهد على ذلك جمع كبير من الصحابة. [تفسير الطبري 5: 9].
كما تلاحظ روابات كثيرة في هذا المجال في تفسير الدرّ المنثور وسنن البيهقي. [الدر المنثور 2: 140؛ وســنن البيهقي 7: 206].
وفي صحيح البخاري ومسند أحمد وصحيح مسلم ومصادر كثيرة أخرى وردي أحاديث تدلّ على وجود الزواج المؤقّت في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(، وأحاديث أخرى مخالفة. [مسند أحمد 4: 436؛ وصحيح البخاري 7: 16 وصحيح مسلم 2: 1022 تحت عنوان: باب نكاح المتعة].
ويعتقد عدد من فقهاء أهل السنّة أن نكاح المتعة كان مشرَّعاّ في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( ثم نُسخ هذا الحكم، في حين يقول آخرون أن عمر نسخه أواخر عمره، واستدلّوا لذلك بما ورد عن عمر من قوله: ((متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم( وأنا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج((. [ورد هذا الحديث بهذه الصورة، أو بعبارات قريبة من هذا المعنى في سنن البيهقي 7: 206 والكثير من الكتب الأخرى: وقد نقل صاحب الغدير خمسة وعشرين حديثاً من كتب الصحاح ومسانيدها تدل على حليّة المتعة في الشريعة الإسلامية وأنها كانت شائعة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( والخليفة الأول، ومدّة من خلافة عمر، ثم نهى عنها عمر أواخر عمره (الغدير 3: 332(].
على أيّة حال
إنّنا نعتقد أن الزواج المؤقّت يلبّي -لو لم يُسأْ استخدامه - جانباً من الضروريات الاجتماعية، لا سيما بالنسبة للشبان الذين لا تتيح لهم الظروف إمكانية الزواج الدائم، أو المسافرين الذين تدفعهم ظروف التجارة أو الدراسة أو غيرها للابتعاد عن أسرهم مدّةً من الزمن، أو لحالاتٍ مماثلة أخرى؛ وتحريم هذا الزواج يفتح الطريق واسعاً أمام ارتكاب الزنا والفحشاء، وخاصة في عصرنا الحاضر حيث ارتفع سنّ الزواج الدائم لأسباب مختلفة، وكثرت العوامل المثيرة للشهوات؛ فإذا أغلق طريق الزواج المؤقّت فسيفتح -دون شك - سبيل الفحشاء.
نكرّر ونقول هنا: أنّنا نعارض بشدّة أي استغلال سيء لهذا الحكم الإسلامي، وجعله ذريعة بيد عباد الأهواء والشهوات وجرّ النساء إلى مستنقع الفساد والرذيلة؛ لكن استغلال بعضهم لهذا القانون يجب ألاّ يصبح ذريعة لمنعه تماماً، بل ينبغي الوقوف أمام الاستغلال السيء له.


74- تاريخ التشيع:
إنّنا نعتقد أنّ التشيّع ظهر منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( وعلى لسانه الشريف، وأمامنا وثائق واضحة تؤكّد هذا الأمر، منها ما ورد في تفسير الآية الكريمة: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية(، إذ روى الكثير من المفسّرين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( أن المراد بهذه الآية عليّ وشيعته.
ومنها ما نقله المفسر المعروف ((السيوطي(( في الدرّ المنثور عن ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال: ((كنّا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( فأقبل علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(: والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية(، فكان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( إذا أقبل عليّ قالوا: ((جاء خير البرية((. [الدر المنثور 6: 379].
وأورده بهذا المعنى مع اختلاف طفيف ابن عباس وأبو برزة وابن مردويه وعطية العوفي. [ للمزيد من الإطلاع راجع: بيام قرآن= (من وحي القرآن( 9: 259 فما بعد].
إذاً، فإطلاق اسم ((الشيعة(( على الموالين لعلي (عليه السلام( جرى منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم( وعلى لسانه، وليس في عصر الخلفاء أو العهد الصفوي أو غير ذلك.
إنّنا مع احترامنا للفرق الإسلامية الأخرى. حيث نصلّي معها في صف واحد ونحجّ معاً في موسم واحد ومكان واحد، ونتعاون من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية المشتركة؛ نعتقد بأن شيعة علي (عليه السلام( يمتازون بخصائص معيّنه، وكانوا موضع عناية خاصة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم(، ولهذا اخترناه على غيره من المذاهب.
ويصرّ بعض المناوئين للشيعة على إيجاد ارتباط بين هذا المذهب وبين عبدالله بن سبأ، ويزعمون أنّ الشيعة يتّبعون هذا الرجل الذي كان يهودياً في أصله، وهذا كلام يبعث على الاستغراب؛ لأن الشيعة لا تكنّ لهذا الرجل أدنى ودّ، وتعتبر كتب الرجال لدى الشيعة أنه منحرف ضال، بل تقول بعض رواياتنا أنّ علياً (عليه السلام( أمر بقتله بسبب ارتداده. [تنقيح المقال في علم الرجال، مادة عبدالله بن سبأ، وسائر الكتب الرجالية الشيعية الشهيرة].
هذا على أن ثمة علامة استفهام أمام الوجود التاريخي لمثل هذا الشخص، فبعض المحقّقين يعتقد بأن شخصيته مجرد أسطورة لا وجود لها [كتاب عبدالله بن سبأ للعلامة العسكري]. ومهما يكن فإنّنا نعتقد أن هذا الرجل إن لم يكن أسطورة فهو ضالّ منحرف قطعاً كما نطقت به كتبنا.


75- جغرافيا المذهب الشيعي:
من المهمّ أن نذكر هنا أن بلاد فارس لم تكن مركزاً للشيعة دائماً، بل استقرّ الشيعة منذ القرون الإسلامية الأولى في الكوفة واليمن والمدينة حتى بلاد الشام، رغم الدعاية المضللة لبني أميّة، مع أن الوجود الشيعي في العراق كان أوسع من غيره.
كما احتضنت أرض مصر الشيعة، وحكمها رجال من الشيعة في العهد الفاطمي. [حينما تعرض الشيعة في الشام إلى ضغوط شديدة من بني أميّة، واستمرت هذه الضغوط في العصر العباسي بحيث ألقي الكثير منهم في غياهب سجون العهدين ولقوا حتوفهم فيها، اتجهت طوائف من الشيعة نحو جهة المشرق، ووجّهت طوائف أخرى وجهها نحو المغرب، ومن جملة من ذهب إلى مصر إدريس بن عبدالله بن الحسن، ثم هاجر إلى المغرب، وكوّن هناك دولة الأدارسة أواخر القرن الهجري الثاني، واستمرت حتى أواخر القرن الرابع حيث تأسّست في مصر دولة شيعية أخرى بعد أن كانت الأرضية الشعبية جاهزة لإقامة مثل هذا الحكم.
ويعتبر الفاطميون أنفسهم من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام( ومن أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام( ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم(، وبدأ حكمهم رسمياً في القرن الهجري الرابع، وقد بنى الفاطميون الذين حكم منهم أربعة عشر شخصاً، عشرة منهم في مصر، مدينة القاهرة والجامع الأزهر، واسمهم مشتق من اسم فاطمة الزهراء (عليها السلام( (موسوعة دهخدا، دائرة المعارف فريد وجدي، المنجد في اللغة والأعلام في مادتي فطم وزهر(].
وينتشر الشيعة في مناطق عديدة من العالم، ومنها السعودية، حيث يقطن عدد كبير من الشيعة في المنطقة الشرقية، وتربطهم علاقات جيدة مع سائر الفرق الإسلامية، رغم أن أعداء الإسلام لم يتوانوا لحظة واحدة في بثّ بذور العداء وسوء الظن وتأجيج نيران الخلاف بين المسلمين الشيعة والمنتمين إلى الفرق الأخرى، بهدف تضعيف كلّ الفرق والحط من شأنها وبخاصة في عصرنا الحاضر حيث أصبح الإسلام قوة عظيمة انتصبت بوجه الغرب والشرق تدعو إليها شعوب العالم التي أصابها اليأس من الحضارة المادية، فاختار العدو طريق تأجيج الفتن الطائفية لتحطيم قدرة المسلمين المتنامية وكبح جماح هذا الدين الذي راح يكتسح العالم بكلّ قوة؛ فإذا وعى المسلمون على اختلاف طوائفهم هذه المؤامرة الخطيرة استطاعوا الخلاص من نتائجها وتلافي آثارها المدمّرة.
ورغم غياب إحصاء دقيق لعدد الشيعة في العالم ونسبتهم إلى سائر المسلمين، إلاّ أن عددهم يتراوح - وفقاً لبعض الإحصائيات - بين مئتين وثلاثمئة مليون نسمة أي ما يساوي تقريباً ربع عدد المسلمين في العالم.


76- تراث أهل البيت (عليهم السلام(:
يروي أتباع المذهب الشيعي أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم( بطريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام(، كما أنّ لديهم تراثاً روائياً ضخماً عن الإمام علي (عليه السلام( وبقية الأئمة (عليهم السلام(؛ بحيث بات هذا التراث المصدر الأساسي للمعارف والفقه - لدى الشيعة - بعد كتاب الله والسنّة النبوية، ومنها الكتب الأربعة المعروفة: الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار؛ ومن الضروري هنا أن نكرر ونقول: إن وجود حديث معيّن في أحد هذه المصادر المعروفة أو الكتب المعتبرة الأخرى لا يدلّ بحال من الأحوال أن الحديث يرقى إلى درجة الاعتبار، بل إنّ لكل حديث سلسلة سند لا بدّ من دراسة رجالها واحداً فواحداً، فإذا كانوا من الثقاة المعتمدين اعتبرنا الحديث صحيحاً، وبدون ذلك فإنه يدخل ضمن الأحاديث المشكوكة أو الضعيفة، وهذه مهمّة يتعهدها أصحاب الاختصاص وعلماء الحديث والرجال.
وبهذا يتّضح أن جمع الحديث لدى الشيعة يختلف عنه لدى أهل السنّة؛ حيث أن الأساس في الكتب المعروفة بالصحاح لا سيّما صحيح البخاري وصحيح مسلم، هو جمع الأحاديث التي تحظى بدرجة الصحة والاعتبار لدى مؤلّفي هذه المصادر، ولهذا يمكن الاستناد على أيّ من هذه الأحاديث لفهم معتقدات أهل السنّة [راجع مقدمة صحيح مسلم، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري] في حين تركّز سعي المحدثين الشيعة إلى جمع كل الأحاديث المنسوبة إلى أهل البيت (عليهم السلام(، تاركين مسئولية فرز الصحيح عن غيره إلى علماء الرجال.


77- كتابان عظيمان:
من المصادر المهمّة الأخرى التي تعتبر تراثاً عظيماً للشيعة، كتاب ((نهج البلاغة(( الذي نظّمه الشريف الرضي قبل نحو ألف عام على ثلاثة أقسام: خطب الإمام علي (عليه السلام( ورسائله وكلماته القصار؛ وهو كتاب رفيع المستوى جميل اللفظ جزل الأسلوب، ومن يقرأه فلا بدّ أن يتأثر بمحتواه المرموق مهما كان دينه أو مذهبه، وليته أصبح بمتناول غير المسلمين أيضاً ليطّلعوا من خلاله على المعارف الإسلامية السامية في التوحيد والمبدأ والمعاد والمسائل السياسية والأخلاقية والاجتماعية.
ومن التراث المهمّ أيضاً، كتاب ((الصحيفة السجادية(( الذي يضمّ مجموعة من أفضل وأفصح وأجمل الأدعية والابتهالات إلى الله سبحانه بمضامين عالية وعميقة، التي تفعل - في الحقيقة - فعل نهج البلاغة ولكن بأسلوب مختلف، وتعلّم الإنسان جملة فجملة دروساً جديدة، وتدلّه على كيفية الدعاء والمناجاة مع الله عزّ وجلّ، وتشعّ على روح الإنسان نوراً وتهبه صفاءً خالصاً.
وتشمل هذه المجموعة كما هو واضح من عنوانها أدعية الإمام الرابع للشيعة وهو عليّ بن الحسين (ع( بن علي بن أبي طالب (ع(، المعروف بالسجاد (عليه السلام(، ونحن نلتجئ إلى هذه الأدعية متى ما أردنا التوغّل إلى أعماق الدعاء والتضرع إلى الله تبارك وتعالى بروح ملؤها الحب والعشق لذاته المقدسة؛ لنرتوي منها كما يرتوي الزرع من مطر الربيع.


78- تسمية الشيعة بالجعفرية:
إن معظم أحاديث المسلمين الشيعة التي تصل إلى عشرات الآلاف مروية عن الإمامين الخامس والسادس، أي محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام(، كما روى جزءً مهماً منها الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام(؛ وذلك لأن الظروف التي عاشها هؤلاء الأئمة الثلاثة قلّت فيها الضغوط الأموية والعباسية، مما أتاح لهم نقل أحاديث كثيرة عن آبائهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم( في جميع أبواب المعارف وأحكام الفقه الإسلامي؛ ولم يطلق على المذهب الشيعي اسم المذهب الجعفري إلاّ لأن معظم الأحاديث لدى الشيعة مروية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام( الذي عاش في فترة انتقالية بين الحكمين الأموي والعباسي قلّت فيهما الضغوط على الشيعة، ومن المعروف أنّ الإمام الصادق (عليه السلام( خرّج أربعة آلاف تلميذ في الحديث والمعارف والفقه، وقد وصفه إمام الحنفية (أبو حنيفة( بجملة قصيرة قال فيها: ((ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد(( [تذرة الحافظ للذهبي 1: 166].
كما قال عنه الإمام مالك بن أنس: ((اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال: إما مصلّ وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأيته يحدّث إلاّ على طهارة(( [تهذيب التهذيب 2: 104].
وهناك الكثير من الشهادات من قبل علماء الإسلام بحقّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام( مما لا يسع المجال هنا لذكرها.


79- دور الشيعة في ازدهار العلوم الإسلامية:
إنّنا نعتقد أنّ الشيعة أدّوا دوراً مؤثراً في ظهور العلوم الإسلامية وتطوّرها، ويرى بعض الباحثين أنّهم مصدر العلوم الإسلامية، وألّفوا في ذلك كتباً وثائقية تؤكد هذا الرأي؛ إلاّ أنّنا نقول : أنّ دورهم الفعّال لا ينكر في ظهور هذه العلوم على الأقل، تشهد بذلك الكتب التي دوّنها علماء الشيعة في مختلف العلوم الإسلامية، وبلغت الآلاف في الفقه والأصول وبعضه ممّا لا مثيل له، والآلاف في التفسير والعلوم القرآنية، والآلاف في العقائد وعلم الكلام، والآلاف في العلوم الأخرى، ولازال الكثير من هذه الكتب تحتفظ به مكتباتنا والمكتبات المعروفة في العالم للمطبوعات والمخطوطات يمكن مراجعتها للتحقّق من صدق ما نقول؛ وقد قام أحد علماء الشيعة المعروفين بفهرسة هذه الكتب، وبلغ مجموع فهارس هذه الكتب 26 مجلداً كبيراً.
محبه الحسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس