ـ العلاقة بين الفتح والشهادة
وهي القضية الثالثة في القضايا الأربع التي يتضمنها كتابالحسين(ع). وهذه الحتميّة نستخرجها
من ضمّ الحتميّتين الاُولي والثانية.
ففي القضية الاُولي يخبر الإمام عن إستشهاد
كل مَن يخرج معه اليالعراق.
وفي القضيّة الثانية يعلن الإمام انّ الذين يخرجون معه،
فقط ينالون الفتح.
والنتيجة التي نستخرجها من ضمّ هاتين القضيّتين:
إنّ الذين يخرجون مع الحسين(ع) ينالون
الفتح بالشهادة.
ولا يتيسّرلنا فهم هذه النقطة إلاّ إذا فسّرنا (الفتح)
علي
النهج الذي فسّرناه به فيالنقطة الثالثة عندئدٍ تستقيم
لنا العلاقة بين الفتح والشهادة.
فإنّ هذا الفتح لن يكون إلاّ بفتح الضمائر والقلوب
والعقول، وتحرير عقول الناس ونفوسهم من سلطان
التبعيّة لبني اُمية، وتحرير الإسلام منحركة التحريف
والتشويه التي تجري في حضور السلاطين باسم الإسلام،
ومن خلال موقع خلافة رسول الله(ص)،
ولن يتمّ هذا الفتح اءلاّ اءذا تيسّرلهؤلاء النفر الذين
يخرجون
مع الحسين(ع) من فتح نفوسهم وعقولهم وضمائرهم
وتحريرها من سلطان بني اُمية،
ومن فتح الشرعية الإسلامية للخلافة وتحريرها
عن نفوذ بني اُمية.
ولن يتمّ لهم هذا وذاك إلاّ بدم غزير و عزيز يهزّ ضمائر
الناس
هزّاً عنيفاً، ويعيدهم إلي انفسهم ووعيهم ورشدهم.
وهذا هو الذي يقرّره الإمام(ع) في هذا الكتاب
الذي وجّهه إليمحمد بن الحنفيّة:
«إنّ هذا الفتح لن يتمّ لمن يخرج معه
إلاّ بالقتل والشهادة».
إنّ هذا الفتح لن يتكرر في التاريخ:
وهذه هي الحتميّة الرابعة في كتاب الحسين(ع)
الي محمّد بن الحنفيةوبني هاشم. يقول(ع):
«ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح»
وهذا الكلام صريح فيما ذكرناه.
إنّ هذا الفتح الذي اجراه الله علي يد علي
بن الحسين(ع)
وانصاره لن يتكرر مرة اُخري في التاريخ.
إنّ في التاريخ نوعين من الاحداث:
احداث تتكرّر كالحرب، والسلم،والمجاعات وفترات
الرفاه،
وفترات الضعف وفترات القوة، والهزيمة والنصر
وما إلي ذلك واحداث لن تتكرّر، ولن تقع اءلاّ
مرّة واحدة،
فمَنادركها فقد ادركها، ومَن لم يدركها فلن
تعود بعد ذلك.
لقد مرّ الإسلام والمسلمين بانتكاسات مُرّة كثيرة،
وبفترات صعبة،ومصائب كثيرة في التاريخ، ولكن
المضيق الذي مرّ به الإسلام في بدر والاحزاب
لن يتكرّر مرة اُخري.
لقد اجتمع الإسلام كلّه في نقطة واحدة وفي موقع
واحد في بدر والاحزاب. ولو كان الكفر ينتصر علي
الإسلامفي هذين الموقعين لم تبق للإسلام بعد ذلك
بقيّة.
ولذلك اعطي رسول الله(ص) تلك القيمة الكبيرة
لضربة عليّ(ع) يومالاحزاب؛
فلولا ضربة عليّ(ع) يوم الاحزاب، ولولا هزيمة
الاحزاب يومئذٍ لم ترتفع للإسلام قائمة علي وجه الارض.
وقد وقف رسول الله(ص) يوم بدر يستغيث
بالله تعالي امام جحافل قريش:
«اللهمّ إنّ شئت ان لا تُعبد لا تعبد»،
وهي كلمة معبّرة دقيقة عن هذاالمضيق الصعب
الذي يمرّ به الإسلام كلّه في وادي بدر علي مقربة
منالمدينة.
وقد مرّ الإسلام بعد ذلك علي مصائب كثيرة وظروف
صعبة وقاسية، مثل دخول المغول الي بغداد
وتخريبهم لعاصمة العباسيين، واءفسادهمالواسع
في الارض،
ولكن حدث ذلك كلّه بعد ان خرج الإسلام من مضيق
بدر والاحزاب والطف.
إنّ الاحداث التي لن تتكرّر في التاريخ علي نحوين:
فتوح لا سقوط بعدها، وسقوط لا فتوح بعده.
وفتح (عاشوراء) فتح ليس بعده سقوط..
وهذا هو الذي يقرّرهالحسين(ع) في كتابه الذي
نتحدث عنه.
فياتري ما هذا الفتح الذي ليس بعده فتح؟
وكيف يصحّ مثل هذا القول، وقد تكرّرت بعده
هزائم وإنتكاسات ومصائب علي المسلمين،
وتكرّرت بعدها فتوحات وانتصارات كبيرة للمسلمين؟
والجواب: اءنّ هذه الهزائم والانتكاسات حصلت
للإسلام وللمسلمينبعد ان خرج الإسلام من مضايق
التاريخ وتجاوزها،
وأنتشر علي وجهالارض فلم تعد لهذه الاحداث خطر
علي كيان الإسلام، واءن كانت ستضمن له خسائر
واسعة وفادحة وكبيرة كما حصل ذلك في هجوم المغول
علي بلاد المسلمين،
أما بدر والاحزاب فكان لهما شان آخريختلف عن غيرهما
من الاحداث التي مرّت بالمسلمين.
وفتنة بني اُمية كانت من هذا النوع، لقد استحوذ بنو
اُمية علي كلالمساحة الإسلامية، وعلي كل مواقع القوة
والنفوذ فيالمجمع الإسلامي؛وذلك من خلال
موقع الشرعية السياسية،
وهو موقع خلافة رسول الله(ص)،
وكان من هذا الموقع ياخذ الناس الحلال والحرام في
هذا الدين، فعمل بنواُمية علي تحريف هذا الدين
من هذا الموقع بالذات.
ولو كان الامر يستقيم لهم لم يبق من الإسلام الاّ
الإسم،
وكان الامركما قال الحسين(ع) لوالي المدينة يوم دعاه
الي مبايعة يزيد بعد موت معاوية.
«وعلي الإسلام السلام إذا بُلي المسلمون
ب وال مثل يزيد».
وفي عاشوراء استطاع الحسين(ع) ان يلغي شرعية
الخلافة من آل اُمية، وبني العباس فلم يعد بعد ذلك
للهوهم وطربهم
وإسرافهم وترفهموظلمهم وعدوانهم خطر
علي الإسلام،
مهما بلغ اثره التخريبي عليالمجتمع الإسلامي
يومذاك،
ولم يعد ينظر المسلمون إلي موقع الخلافة نظرة
التقديس والتنزيه والشرعية، ولم يعودوا في نظر
المسلمين غيرحكّام من عامة السلاطين،
والحكّام يظلمون ويسرفون كما يسرفغيرهم
من السلاطين.
وأستمرّ حكّام بني اُمية، في موقع الولاية والحكم،
وأحتلّ هذا الموقع بعدهم حكّام بني العباس،
الاّ انّ الناس لم ياخذوا قط دينهم عنهم،
ولم ياخذوا عنهم الحلال والحرام،
كما كانوا يعملون في ايّام الخلفاء الاوائل بعد
رسولالله(ع).
إذن كانت عاشوراء فتحاً ليس بعده فتح،
وقد خصّ الله تعالي بهذاالفتح الحسين(ع)
ومن كان معه من أهل بيته من بنيهاشم وأصحابه فنالوا
هذا الفتح يوم عاشوراء بقتلهم جميعاً معه.
المجمع العالمي لاهل البيت: قم المقدسة