الحسين أيقظني

في غرفته المغلقة اعتاد قضاء أيامه ولياليه ، فكم قضى ساعات متسمراً أمام شاشة الحاسوب ، وبضغطة أصبع يتنقل من موقع لموقع ، ومن محادثة لمحادثة على شبكة ( الانترنت ) ، أياماً عاشها ليس له رفيق سوى الشيطان ، وليس له أنيس سوى الضلال ، كان الشيطان يسكنه ويسكن كل شيء لديه ، يحركه لنزوة هنا ، وشهوة هناك.
وصاحبنا مخمور في حضنه ، مولع به ، قد أعاره قلبه ، وعقله ، وروحه ، وجوارحه ، فإن رأى فلا يرى إلا محرّماً ، وإن سمع فلا يسمع إلا لغواً ، لا يملأ فراغه إلا بلهو ، ولا يقضي يومه إلا بمعصية ، وإن ملّ شبكته العنكبوتية التي أحكمت قبضتها عليه ، انتقل للقنوات الفضائية الماجنة ، يتراقص على أوتارها ، ويتمايل مع نغمات مزاميرها ، ولا يكاد يصحو من سكرة إلا إلى سكرة ، ومن غفلة إلا إلى أختها ، وها هو كعادته ، يغلق غرفته عليه ، ولا يعلم أنه حين يغلقها ، فإنما يغلق بصيرته التي لو نمّاها لكانت نافذة ، ويحبس روحه التي لو رعاها لكانت ملائكية ، ويغتال قلبه الذي لو ربّاه لكان إلهياً ، وبدأ بلهفته المعتادة يتصفح الشيطان ويستعرض إبليس أمامه ، ليعيش في عالمه كمّاً غارقاً في بحر من الظلمات ، وبينما كان كذلك ، إذ اقترب صوت موكب حسيني يلامس بنغماته الروحانية جدران منزله ، وتنير راياته الحمراء أزقة قريته ، وإذا بصوت المعزين يصل لآذانه الميتة ، ويسمعهم بصرخة واحدة ينادون : " أبد والله ما ننسى حسينا " عبارة لم تكن غريبة على مسامعه ولكنها غريبة على روحه وقلبه ، وقف مذهولاً وهو ينادي : آه .. نعم .. هذه ليلة العاشر من المحرم ، ركض للنافذة ، فتح منها زاوية ضيقة ، ولكنّ عينيه – ولأول مرة – رأت ما هو أوسع وأوسع ، رأت بهاء موكب الحسين ، رأت الأعلام الحمراء والخضراء وكأنها مشاعل تخترق الأرض وتسمو في السماء ، ورأى المعزين بسوادهم وكأنهم أرواح ملائكية ، وكلما سمع كلمة ( الحسين ) كلما خشع بصره ، وقال في نفسه : نعم هو الحسين حبيبنا المظلوم ، أحس بقطرات من الدموع تترقرق من عينيه ، وشعر بقشعريرة في جسده ، وضع رأسه على الحائط ، وأجهش في البكاء ، ركضت رجلاه ، ولم يرَ نفسه إلا بين المعزين ، يلطم ويبكي ويتحسر ، الناس يبكون على الحسين ، وهو يبكي على نفسه التي أضاعت الحسين ، وهم يلطمون على الحسين ، وهو يلطم على جسده الذي أفناه يزيدياً ، والناس يتحسرون لمقتل الحسين ، وهو يتحسر على مقتل روحه وقلبه ، وهاهو الآن نسيه الجميع وأيقظه الحسين ، وأماته الشيطان وأحياه الحسين ، وكلما يلطم على صدره ورأسه كان يقول : الحسين أيقظني ....
ونسألكم خالص الدعاء
__________________
كون حسين محبوبك ... أبشر طاحت أذنوبك لو غـطـاك الــــتراب ... يوكفلك بالحســاب وبيده يمضي مكتوبك
|